محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    فصل الكلام في مسألة الخروج على الحكام

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 47
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    فصل الكلام في مسألة الخروج على الحكام Empty فصل الكلام في مسألة الخروج على الحكام

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 5:20 am

    مقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

    وبعد...

    فإن مسألة الخروج على الحكام وموقف الإسلام منها، هي من جملة المسائل الهامة التي ذهب فيها كثير من الناس إلى مذهبين وفريقين:

    مذهب الإفراط والغلو؛ الذي يميل إلى القول بالخروج على الحكام لمجرد وقوعهم في أدنى مخالفة للشرع، ويتمثل هذا الموقف في الخوارج ومن دخل في دائرتهم ممن تأثر بهم وبمنهجهم، وجنح إلى الغلو!

    وفريق آخر؛ على نقيض الفريق الأول جنحوا إلى التفريط والجفاء في المسألة، إلى حدٍّ أنهم لا يرون الخروج على طواغيت الكفر والردة، ويتأولون لهم بتأويلات أهل الإرجاء والتجهم، ويقيسون حالهم على حال حكام بني أمية والعباسيين!

    وبين هذا الفريق وذاك، فريق ثالث وسط؛ التزم في المسألة جادة الحق والصواب المنصوص عليه في الكتاب والسنة من غير جنوح إلى إفراط ولا تفريط، والمتمثل في موقف أهل السنة والجماعة.

    والذي يعنينا في هذا البحث هو بيان موقف الفريق الثالث، فريق أهل السنة والجماعة، من هذه المسألة الهامة، الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، والذي نعتقد وندين به، ونراه صواباً وحقا.

    وهذا يعني أنني سألتزم - إن شاء الله - في كل ما أثبته وأقرره في هذا البحث الهام بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، وما هو راجح من أقوال علماء سلف الأمة.

    وعليه فأقول:

    إن الحكام أربعة أصناف...

    حاكم كافر.

    وحاكم مسلم.

    وحاكم مسلم فاسق.

    وحاكم مسلم فاسق شديد الفسق والفجور والظلم.

    ولكل صنف من هؤلاء الحكام حكمه المختلف عن الآخر، وإليك بيان ذلك بشيء من التفصيل...
    (1) الحاكم الكافر
    الحاكم الكافر؛ سواء كان كفره من جهة الردة أو كان كفره كفراً أصلياً ثم تسلط على بلاد المسلمين، يجب على المسلمين - بالنص والإجماع - أن يخرجوا عليه بالقوة إلى أن يقيلوه ويستبدلوه بحاكم مسلم عدل، يحكم البلاد والعباد، بالإسلام وشرائعه.

    قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} النساء: 141، ومن السبيل للكافر على المؤمنين أن يكون حاكماً آمراً عليهم، يحكمهم بأهوائه وقوانينه وشرائعه!

    وقال تعالى: {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون} الشعراء: 151-152، ولا مسرف أغلظ إسرافاً وإفساداً في الأرض من إسراف وإفساد طواغيت الكفر والردة الذين يحكمون الأمة بشرائع الكفر والفساد!

    وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} آل عمران: 149، والحاكم لا يكون حاكماً إلا ليطاع فيما يحكم ويأمر، والله تعالى يبين بوضوح أن طاعة الذين كفروا من عواقبه الارتداد عن الدين؛ كما في قوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} الأنعام: 121.

    وفي الحديث المتفق عليه، عن عبادة بن الصامت قال: (دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).

    دل الحديث - دلالة صريحة - على أن الحاكم لا يُنازع فيما هو عليه من شؤون الحكم والولاية إلا أن نرى منه كفراً بواحاً - لا يحتمل صرفاً ولا تأويلاً - لنا فيه دليل صريح على كفره من الكتاب والسنة، فإن وجد ذلك، وتحقق فيه ذلك الكفر الصريح، فلا سمع له ولا طاعة، وقد تعينت منازعته على الحكم والولاية، والخروج عليه بقوة السيف ولا بد.

    قال ابن حجر في "الفتح" [13/7]: (إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها) اهـ.

    وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم [12/229]: (قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها) اهـ.

    قلت: قوله "وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء لها" هو إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح

    مسلم: (ستكون أمراءٌ، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سَلِمَ، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا)، وفي رواية عند مسلم كذلك: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

    فالحديث أفاد أن الحاكم إذا ترك الصلاة، وترك الأمر بها، كفر، وتعين الخروج عليه، ومنابذته بالسيف.

    فإن قيل: وإن لم يقدر المسلمون على الخروج عليه، فما العمل؟

    أقول: في مثل هذه الحالة يتعين على المسلمين ثلاثة أشياء:

    أولاً:

    أن يعدوا العدة - المادية والمعنوية - قدر الاستطاعة التي تمكنهم من الخروج عليه، ومن إزالته، وإراحة الأمة منه ومن شره وكفره.

    كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} الأنفال: 60.

    قال سيد رحمه الله في "الظلال" [3/1543]: (فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها)، وقال: (فهي حدود الطاقة إلى أقصاها، بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها) اهـ.

    فالعجز عن الخروج عليه لا يبرر القعود عن الإعداد المقدور عليه، فالميسور لا يسقط بالمعسور، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16.

    وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: (وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم).

    قال العز بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام" [2/5]: (من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه) اهـ.

    وقال ابن تيمية في الفتاوى [28/259]: (يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) اهـ.

    ثانياً:

    أن يعتزلوه، ويعتزلوا العمل معه أو عنده، وأن يعتزلوا أي عمل من شأنه أن يقوي من سلطانه ونفوذه على البلاد والعباد.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يليكم عمالٌ من بعدي؛ يقولون ما يعلمون، ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً، ثم يليكم عمال من بعدي يقولون ما لا يعلمون، ويعملون ما لا يعرفون، فمن ناصحهم، ووازرهم، وشد على أعضادهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خالطوهم بأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن بأنه محسن، وعلى المسيء بأنه مسيء) [1].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ليأتين عليكم أمراء يقربون شرارَ الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منهم فلا يكونن عريفاً، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولا خازناً) [2].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ علي الحوض) [3].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك) [4]، وغيرها كثير من الأحاديث التي تحض على اعتزل العمل عن الطواغيت الظالمين، وعلى اجتنابهم.

    فإن قيل: الأحاديث الآنفة الذكر خاصة بأمراء الجور؟

    أقول: أن تُحمل على أئمة الكفر والطغيان من باب أولى وأوكد، والله تعالى أعلم.

    ثالثاً:

    أن لا يعترفوا طواعية بشرعيته وشرعية حكمه ونظامه، ومن ذلك أن لا يضفوا عليه العبارات التي تفيد الاعتراف بشرعيته كحاكم على البلاد والعباد؛ كأن يخاطبوه بقولهم له: سيادة الرئيس، أو جلالة الملك، أو غير ذلك من ألقاب التفخيم والتعظيم التي تفيد الاعتراف به وبحكمه ونظامه!

    فإن الأمة لو اجتمعت على ذلك واتفقت عليه - ولا بد لها من أن تتفق عليه - فإن ذلك مما يعجل من زواله وزوال حكمه عن البلاد والعباد!

    ومن وجه آخر فإن الاعتراف بشرعيته وشرعية حكمه، هو اعتراف بشرعية الكفر، ودليل على الرضى به، والرضى بالكفر كفر بلا خلاف، فهو من هذا الوجه مزلق عقدي خطير ينبغي الحذر من الوقوع فيه، وما أكثر من يقع فيه!

    قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا للمنافق سيدنا؛ فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل) [5]، وفي رواية: (إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد، فقد أغضب ربه تبارك وتعالى).

    أي إن تقاعستم التقاعس الذي يؤدي بكم إلى أن يكون المنافق سيداً عليكم، فقد أسخطتم ربكم عز وجل!

    قلت: هذا في المنافق الذي يظهر الإسلام، فكيف بالمسلمين إذا تقاعسوا عن الجهاد إلى أن يمكنوا الكافر المرتد من أن يكون حاكماً وسيداً عليهم، لا شك أنهم أولى في الدخول في سخط الله عز وجل!

    وإذا كان قول المرء للمنافق يا سيد، هو مدعاة لغضب الرب تبارك وتعالى عليه، فكيف به إذا خاطب طواغيت الكفر والردة - كما هو حاصل عند كثير من الناس - بعبارات التفخيم، والتبجيل، والثناء، والولاء؟!

    شبهة الوقوع في الفتنة:

    من الشبه التي يثيرها وينثرها المرجفون في طريق جهاد طواغيت الحكم والردة، قولهم بأن الخروج عليهم مؤداه إلى الفتنة، وإلى سفك الدماء، وإلى القتل والقتال، وإلى تعطيل كثير من المصالح، إلى نهاية قائمة الشكاوى والاعتراضات المعروفة!

    فهم ما أن يسمعوا كلمة " الخروج على الحكام " إلا وتراهم يسارعون إلى التحذير والقول: فتنة، فتنة، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها!

    وهذه شبهة واهية ساقطة نرد عليها من أوجه:

    منها؛ أن الفتنة الحقيقية تكمن في ترك الجهاد، وفي التنكب عن مجاهدة طواغيت الكفر والردة، وأن تارك الجهاد المعتذر عنه هو الأولى بالوقوع في الفتنة، كما في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا جُدّ - جد بن قيس - هل لك في جِلاد بني الأصفر؟ " قال جُد: أوتأذن لي يا رسول الله؛ فإني رجل أحب النساء، وإني أخشى إن أنا رأيت بنات بني الأصفر أن أُفتن؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو معرض عنه: (قد أذنت لك)، فعند ذلك أنزل الله: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا} [6].

    قلت: هؤلاء وقعوا في الفتنة بعد الاستئذان وبعد أن أذن لهم، فما يكون القول فيمن يترك الجهاد من غير استئذان، ومن غير أن يؤذن له، لا شك أنه أولى في الوقوع في الفتنة!

    ومنها؛ أن فتنة الكفر والشرك المتمثل في كفر الحاكم ونظامه لا تعلوه فتنة، وشره لا يعلوه شر، وضرره لا يعلوه ضرر، ومصلحة إزالته لا تعلوه مصلحة، وفي سبيل إزالته يهون كل ضرر وتهون كل فتنة.

    فهو بالنص والإجماع أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب ظلماً، وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى إلا بتوبة صاحبه منه قبل أن يموت، فإن مات على الشرك أدخل نار جهنم خالداً فيها أبداً، كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} لقمان: 13، وقال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.

    ومن أجل استئصاله شرع الله تعالى الجهاد حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله خالصاً لله، كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} الأنفال: 39.

    ولما وقع بنو إسرائيل في الشرك وعبادة العجل، أمرهم الله تعالى بأن يقتلوا أنفسهم، فقتل الموحدون منهم المشركين الذين عبدوا العجل، كما قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم} البقرة: 54.

    لذا مهما عظمت محنة القتل والقتال فإنه يهون أما فتنة وفساد الشرك، كما قال تعالى: {والفتنة أشد من القتل} البقرة: 191، وقال تعالى: {والفتنة أكبر من القتل} البقرة: 217، أي فتنة الكفر والشرك أشد وأكبر من القتل والقتال وما يترتب عليه من جراحات وآلام.

    قال ابن كثير في التفسير: (ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به، والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل، ولهذا قال: {والفتنة أشد من القتل} قال أبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس في قوله{والفتنة أشد من القتل} يقول: الشرك أشد من القتل) اهـ.

    ومنها؛ أن ضريبة القعود عن جهاد هؤلاء الطواغيت الظالمين لهي أعظم بكثير من ضريبة جهادهم والخروج عليهم، وذلك بشهادة النصوص الشرعية الناطقة بالحق المطلق، وبشهادة الواقع المصدق لتلك النصوص.

    أما شهادة النصوص - إضافة لما تقدم - قال تعالى: {إلا تنفروا يُعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيءٍ قدير} التوبة: 39.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب) [7].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم الزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [8].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) [9].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم - أي تجتمع وتتكالب - كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) [10].

    هذه شهادة النصوص الشرعية، أما شهادة الواقع فحدث عن ذلك ولا حرج؛ فالشعوب عندما تركن للطواغيت الظالمين وتتخلى عن جهادهم والأخذ على أيديهم، تقدم لهم كل ما تملك من غالٍ ونفيس، تقدم الدين، والعرض، والولد، والأرض، والمال، والعزة والكرامة، وكل ما تملك من نفيس، والطاغوت يريد منهم المزيد والمزيد، ولن يرضى أو يقنع إلا بعد أن تنخلع - يا مسلم - من كل ما تملك وتدخل في عبوديته وطاعته بكل ما تعني العبودية والطاعة العمياء من معنى!

    هذه ضريبة الركون إلى الأرض، والتخلي عن جهاد الطواغيت، أما ضريبة الجهاد مهما عظمت فهي إما نصر، وإما شهادة، وكلاهما فوز وعز وكرامة، لو كنتم تعلمون!

    فإن قيل - وقد قيل - أنظر النتائج السيئة في بعض الأمصار التي حصل فيها جهاد، وخروج على طواغيت الحكم، والمفاسد التي حصلت للبلاد والعباد هناك، فكيف نوفق بين ذلك وبين كلامك المتقدم؟!

    أقول: كثير من المفاسد المشار إليها في تلك الأمصار، ليس مردها إلى مبدأ الجهاد في سبيل الله، أو إلى مبدأ الخروج على طواغيت الحكم والكفر - كما يصور البعض! - وإنما مردها إلى أنفسنا الأمارة بالسوء، وألخص مجمل الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاسات التي وقعت فيها بعض الحركات الجهادية المعاصرة، في النقاط التالية:

    1) الاستعجال في العمل قبل استيفاء الإعداد المطلوب، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه!

    2) توسيع دائرة العمل أكثر من طاقات وإمكانيات المجاهدين، فتتشتت طاقاتهم وقدراتهم على جبهات عدة ومتنوعة بدلاً من أن تحصر في الجبهة الأهم!

    3) سوء تقدير قوى الجاهلية المعاصرة، والمحيطة بهم، والتعامل معها بروح تواكلية!

    4) المفاهيم والتصورات الخاطئة التي تطرأ على العمل الجهادي، فتؤدي به إلى الانحراف والزيغ والضلال!

    5) السلوكيات الخاطئة، وبخاصة إن كانت هذه السلوكيات ناتجة عن أصول ومفاهيم باطلة كأصول الخوارج الغلاة!

    6) التحالفات المشبوهة مع جهات مشبوهة، وملغومة - وبعضها جهات كافرة مرتدة - على مبدأ عدو عدوي صديقي، فيرتد ذلك سلباً على نتائج العمل الجهادي برمته، وبخاصة في مرحلة قطف الثمار!

    7) عدم ارتقاء الجماعة العاملة - قيادة وأفراداً - في كثير من الأحيان إلى مستوى أخلاق ومبادئ الإسلام، إلى مستوى الجهاد في سبيل الله، إلى المستوى الذي يتنزل بسببه نصر الله على عباده المجاهدين!

    تنكب جمهور المسلمين عن نصرة المجاهدين ومعاونتهم، والاكتفاء بموقف المتفرج اللامبالي، ويعود ذلك لأسباب عديدة:

    منها؛ جهلهم بطبيعة المعركة، وبصفة العدو.

    ومنها؛ الجهل بالأحكام الإسلامية وما يتوجب عليهم شرعاً.

    ومنها؛ الخوف، ومنها إرجاف المرجفين وبخاصة منهم مشايخ السوء الذين آثروا الارتماء في أحضان الطواغيت والوقوف في صفهم، وأثرهم الكبير على عوام الناس.

    ومنها؛ الخلافات الفقهية السائدة بين الجماعات والأطراف على ترتيب الأولويات، فيتقدم فريق، ويتأخر فريق، لتأتي النتائج في الخانة السيئة التي لا نحب ولا نريد.

    ومنها؛ اقتناع فريق من العاملين بمبدأ الاكتفاء بالمراقبة والانتظار ليرى لمن سترجح الكفة، ومن سيظهر على الآخر، وهو يكون في النهاية دائماً مع المنتصر - ليشارك في الغنائم وقطف الثمار - ولو كان المنتصر هو الطاغوت المرتد!

    هذه مجمل الأسباب التي تؤدي - غالباً - إلى فشل بعض الحركات الجهادية المعاصرة، وإلى الآثار والممارسات السلبية الخاطئة التي نراها في واقعنا الحاضر، والتي لا نرضاها ولا يقرها عقل ولا دين!

    وعليه من الظلم والتجني أن نحمل تبعات أخطائنا وانحرافاتنا، وتقصيرنا، إلى مبدأ الجهاد في سبيل الله، ونقول هذه آثار وتبعات الجهاد، ولا نقول هذه آثار وتبعات أخطائنا، وأهوائنا، وانحرافاتنا عن المنهج الرباني الصحيح، والأمراض المتنوعة التي تعشعش في أنفسنا الأمارة بالسوء!

    قال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} آل عمران: 165.

    شبهة ثانية:

    وهي قولهم أن خيار الخروج على الحكام بالقوة - وإن كانوا كفاراً مرتدين - هو خيار غير متحضر ولا إنساني، ويمكن الاستعاضة عنه بطرق متحضرة أخرى كطريق الديمقراطية، أو الانتخابات وصناديق الاقتراع، أو المظاهرات السلمية ونحوها، وهذا قول أصبحنا نسمعه من كثير ممن يتصدرون العمل لهذا الدين!

    وعلى هذه الشبهة الباطلة أجيب في النقاط التالية:

    أولاً: هذا القول هو قول كفري؛ لأن معناه أن الطريق الشرعي الذي أمر الله تعالى به، وهو الجهاد والخروج على طواغيت الكفر والردة، هو طريق غير متحضر ولا راقٍ، وهناك طرق أخرى أكثر تحضراً ورقياً، ونفعاً منه، هذا معنى كلامهم، وهذا عين الكفر لتضمنه الطعن بالله عز وجل، وتفضيل شرع ومناهج المخلوق على شرع الله تعالى!

    ثانياً: هذا الطرح غير واقعي وهو أقرب ما يكون إلى الخيال، وبخاصة إن كان البديل عن هذا الحاكم أو النظام الكافر الحاكم، هو الإسلام!

    فإن القوم يستميتون في القتل والقتال، ولا يتورعون أن يسلكوا كل طريق مهما كان مشيناً وخسيساً، مقابل أن يصدوا المسلمين عن مشروعهم الإسلامي، وعن غايتهم في أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد!

    هذه آيات الله تنطق بذلك: {ولا يزالون يُقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} البقرة: 217، {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة} التوبة: 8، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة: 120.

    وهذا هو الواقع المشاهد، آتوني قطراً من أقطار المسلمين استطاع فيه المسلمون أن يستأنفوا حياتهم الإسلامية على مستوى الحاكم والمحكوم، على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، عن طريق صناديق الاقتراع أو غيرها من الطرق الملتوية المذكورة أعلاه؟!

    ألم تتحول ديمقراطيتهم إلى ديكتاتورية صريحة، وتنزل دباباتهم إلى الشوارع - بمباركة الأمم المتحدة ودول الاستكبار والظلم في العالم - لمجرد أن ينتابهم هاجس اقتراب الإسلام من سدة الحكم؟!

    ثالثاً: هذا الخيار، خيار الخروج على الحاكم بالقوة، هو خيار جميع الشعوب والأمم عندما تتعرض ثوابتها للخطر أو التغيير والتبديل من قبل حفنة من المتسلقين الانقلابيين!

    تصوروا لو أن أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا، أو غيرها من الدول، حصل فيها انقلاب عسكري من قبل حفنة من العسكريين، ثم قصدوا إلى تغيير الثوابت العامة التي تقوم عليها تلك الدول، وبنفس الوقت لم يسمعوا لخطاب العقل أو الجماهير، أو خطاب صناديق الاقتراع، فلم يتنازلوا عن حكمهم، ولم يُبقوا للشعوب خيار سوى المقاومة، ماذا سيحصل في تلك الدول، أتراهم سيستسلمون لواقع وحكم هذه الحفنة أم أنهم سيقاومون ولو بقوة السلاح؟!

    فإنه من البديهي على شعوب تلك الدول أن يخرجوا بقوة السلاح على هؤلاء المعتدين على ثوابتهم ومبادئهم العامة، إلى أن تعود الأمور إلى نصابها ومجراها الصحيح والمعتاد!

    والسؤال: إذا كان هذا مباحاً لهم ولشعوبهم، وحقاً من حقوقهم، فعلام هو محرم علينا نحن المسلمون عندما يُعتدى على ديننا، وعلى أوطاننا، وعلى ثوابتنا الكلية التي لا تنهض الأمة - بل ولا توجد - إلا بها؟!

    وعلام عندما تأخذ تلك الشعوب بهذا الحق، هو تقدم وتحضر، وواجب وطني وإنساني إلى آخر قائمة المدائح، وإذا أخذ به المسلمون هو إرهاب وتخلف، وعمل غير إنساني وغير متحضر، إلى آخر قائمة الطعن والتجريح؟!


    [1] أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 457.

    [2] أخرجاه ابن حبان، السلسلة الصحيحة: 360.

    [3] صحيح سنن الترمذي: 1843.

    [4] أخرجه الطبراني، صحيح الجامع: 3661.

    [5] أخرجه أبو داود، وأحمد وغيرهما، السلسلة الصحيحة: 371.

    [6] السلسلة الصحيحة: 2988.

    [7] أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 2663.

    [8] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة: 11.

    [9] صحيح سنن أبي داود: 2185.

    [10] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة: 958.
    (2) الحاكم المسلم العدل
    ما تقدم من كلام وتفصيل هو خاص بالحاكم الكافر ذي الكفر البواح، أما الحديث عن الحاكم المسلم العدل وكيفية التعامل معه فهي صورة أخرى تختلف اختلافاً كلياً عما تقدم ذكره وبيانه.

    وعليه فأقول: الحاكم المسلم العدل هو الحاكم الذي يحكم البلاد والعباد التي يسترعيه الله أمرها - في جميع شؤون ومناحي الحياة - بالإسلام، وبشرائع الإسلام، ويكون على مستوى الالتزام الشخصي مقيماً لواجبات وأركان الدين، ومجتنباً لكبائر الإثم والذنوب.

    فالحاكم الذي هذه هي صفته، وهذا هو حاله تجب طاعته بالمعروف، في المنشط والمكره، وتجب مناصرته، ومؤازرته، ومناصحته، ظاهراً وباطناً، كما يجب توقيره واحترامه، والدفاع عنه، والتماس الرفق في نصحه ما وجد إلى ذلك سبيلاً، كما يحرم غشه، أو الغدر به، أو التشهير به، أو التعرض له ولنظامه بسوء القول أو بشيء مما يشين.

    قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً} النساء: 59.

    وقوله: {وأولي الأمر} هم - على الراجح من أقوال المفسرين - العلماء والأمراء.

    وقوله: {منكم} يفيد حصر الطاعة للأمراء الذين هم منكم؛ أي من أهل دينكم، وملتكم، وعقيدتكم، ومن كان غير ذلك فهو ليس {منكم} ولا تجب عليكم طاعته.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أُمر عليكم عبد مجدَّع - أي مقطوع الأطراف - يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يومَ القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعةً مات ميتةً جاهلية [11]) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له) [12].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهلية...) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدر غدْره، ألا ولا غادرٌ أعظم غدراً من أمير عامة) [مسلم]. أي من غدَر بأمير عامة وهو الخليفة المسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا يغل عليهنَّ قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) [13].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطانٍ فلا يُبده علانيةً، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه) [14].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب) [15].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أهان سلطان الله، أهانه الله) [16].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أجل سلطان الله، أجله الله يوم القيامة) [17].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (خمس من فعل واحدةً منهن كان ضامناً على الله عز وجل...)، منها: (من دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره) [18]، وغيرها كثير من النصوص التي تلزم بطاعة الإمام المسلم بالمعروف، وبتوقيره ونصحه، وعدم الغدر به، أو التعرض له بشيء مما يشين.

    طاعة مقيدة لا مطلقة:

    فإن قيل: هل طاعة الإمام أو الحاكم المسلم طاعة مطلقة أم أنها طاعة مقيدة؟

    الجواب على ذلك: أنها طاعة مقيدة بالمعروف، وبما فيه طاعة لله تعالى، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أمر بمعصية أو باطل فلا طاعة له.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكره، ما لم يؤمر بمعصيةٍ، فإذا أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة) [متفق عليه].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصيةِ الله، إنما الطاعةُ في المعروف) [متفق عليه].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أمركم من الولاة بمعصيةٍ فلا تُطيعوه) [19].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (طاعة الإمام حقٌّ على المرء المسلم، ما لم يأمر بمعصيةِ الله عز وجل فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له) [20].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق) [21].

    والعلة المانعة من طاعته طاعة مطلقة أنه - وكل ما عدا النبي صلى الله عليه وسلم - يخطئ ويصيب، يؤخذ منه ويُرد عليه، وبالتالي لا تجوز متابعته أو طاعته فيما أخطأ وخالف فيه الحق.

    ومن جهة أخرى فإن المطاع لذاته طاعة مطلقة هو الله تعالى وحده، وما سواه لا يُطاع لذاته، وإنما يُطاع له وفيه سبحانه وتعالى فيما أصاب فيه الحق، وأيما امرئٍ يُطاع لذاته فقد اتخذ نداً لله عز وجل، وعُبد من دونه سبحانه وتعالى ، وشُبه بأخص خصائص الله تعالى وصفاته.

    وهذا بخلاف جميع الأنظمة الوضعية الحاكمة في الأرض، الديكتاتورية والديمقراطية سواء، لأن جميع الأنظمة الأرضية تلزم الناس بطاعة الحاكم المشرع وما يصدر عنه من قوانين وتشريعات - بغض النظر عن موافقته للحق أو مخالفته، وصوابه أو خطئه - سواء كان هذا الحاكم المشرع يتمثل في شخص الحاكم، أم في مجموع أعضاء مجلس النواب الذين توكل إليهم مهمة الحكم والتشريع!

    أي أن جميع الأنظمة الأرضية - على اختلاف أشكالها وأسمائها وراياتها - تكرس عبودية العبيد للعبيد، من جهة طاعة العبيد طاعة مطلقة لما يشرعه لهم العبيد، مهما تظاهرت هذه الأنظمة بالحرية، أو زعمت أنها تناضل من أجل حرية الإنسان!

    حكم الباغي الخارج عليه:

    فإن طاوعت الإنسان نفسه على الخروج عليه، ومزاحمته على الحكم والولاية، تعين على الأمة منعه، فإن أبى إلا القتال على ذلك قوتل هو ومن معه، كما في الحديث: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخرٌ يُنازعه فاضربوا عنق الآخر) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحدٍ يريدُ أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إنه ستكون هنَّاتٌ وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع - أي مجتمعة على رجل واحد - فاضربوه بالسيف كائناً من كان) [مسلم].

    فإن قيل: على أي وجه أو وصف يُقاتل هؤلاء الخارجون؟

    أقول: إن كان خروجهم على الحاكم المسلم لشبهة دينية - كشبهة الخوارج لما خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قوتلوا على أنهم بغاة معتدون!

    وإن كان قتالهم له وخروجهم عليه لمجرد شهوة حب الرياسة والتسلط على مقاليد الحكم والولاية، قوتلوا على أنهم مفسدون شأنهم شأن قاطعي الطريق، والله تعالى أعلم.

    وإن كان قتالهم له وخروجهم عليه لدينه وإسلامه، وما هو عليه من استقامة والتزام وتطبيق لأحكام الشريعة، قوتلوا على أنهم زنادقة مرتدون، كقتال أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لمسيلمة الكذاب ومن معه من المرتدين.

    تنبيه:

    قد درج بعض الشيوخ المعاصرين - رهبة أو رغبة - أن يحملوا هذه النصوص والأحكام ذات العلاقة بالحاكم المسلم العدل على الحاكم الكافر، وعلى طواغيت الحكم والردة المعاصرين، الذين يجب جهادهم وقتالهم والخروج عليهم بالنص والإجماع كما تقدم الحديث عن الحاكم الكافر!

    فيرهبون بذلك عوام المسلمين، ويصورون لهم أن من يفكر - فضلاً عن الذي يعمل ويسعى - في الخروج على طواغيت الحكم هؤلاء قد وقع - ولا بد! - تحت طائلة الأحكام الآنفة الذكر، وتحت طائلة مخالفة النصوص الشرعية العديدة ذات العلاقة بالحاكم المسلم العدل، وقد تقدم ذكر بعضها!

    ومنهم من لا يتورع أن يقيس حال هؤلاء الطواغيت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن يخرج عليهم على الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه!

    وهذا من الغش والتضليل، والكذب على الله وعلى رسوله، وعلى كل مسلم غيور على دين الله وعلى حرماته أن يحتاط لدينه ونفسه، وإخوانه، وأمته من دجل وتضليل هؤلاء الشيوخ، مهما اتسع صيتهم، أو ضرب اسمهم أطراف الأرض!


    [11] مات ميتة جاهلية: أي مات كما يموت الجاهلي في جاهليته حيث لا يعرف إماماً ولا يلتزم بطاعة، وليس المراد أنه يموت كافراً كما يموت الجاهلي على الكفر، كما يظن البعض، فتنبه لذلك!

    [12] أخرجه أحمد، وابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: 1056.

    [13] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: 1086.

    [14] أخرجه أحمد، والحاكم، وابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: 1096.

    [15] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ في التخريج: 1015.

    [16] أخرجه الترمذي، وابن أبي عاصم في السنة، وحسّنه الشيخ في التخريج: 1018.

    [17] أخرجه الطبراني وغيره، صحيح الجامع الصغير: 5951.

    [18] أخرجه أحمد، وابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ في التخريج: 1021.

    [19] أخرجه أحمد، وابن ماجة، وابن حبان، السلسلة الصحيحة: 2324.

    [20] السلسلة الصحيحة: 752.

    [21] مشكاة المصابيح، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: 3696.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:10 pm