(351-582هـ/ 962-1186م)
هل سمعت أو قرأت أحد هذين الاسمين؟ "سُبُكْتِكين" و"البُتْكِين"؟
إنهما اسمان تركيان، أما أولهما فتنسب إليه الدولة الغزنوية، وقد كان أحد مولى الثاني. وكان الثانى أميرًا على مدينة "هراة" التابعة لخراسان، ويصدر أمر عبد الملك السامانى بعزله، فأين يذهب؟ ذهب إلى "غزنة" واستولى عليها سنة 352هـ/963م، ويحل محله بعد موته على إمارة غزنة ابنه إسحاق، ويموت إسحاق وليس هناك من يرثه.
لقد جاء الدور على "سبكتكين" أحد موالى "البتكين" الذى كان معروفًا بالتدين والمروءة، ورجاحة العقل، وكان لابد من توسيع رقعة مملكته لتشمل "بشاور" فى الهند، وخراسان التى كان يليها أول الأمر نائبًا عن السامانيين.
ويتولى الأمر بعد "سبكتكين" ابنه إسماعيل، ثم تولى الأمر بعده أخوه محمود.
ولم تجئ سنة 388هـ/ 998م حتى كان محمود الغزنوى قد شرع فى مهاجمة "نيسابور" بعد أن ملك غزنة.
ويتمكن محمود فى سنة 389هـ/ 999م من الاستيلاء على خراسان معلنًا ولاءه للخليفة العباسى القادر بالله.
ويولى "محمود بن سبكتكين" أخاه "نصرًا" قيادة جيوش خراسان، ويسير إلى "بلخ" فيجعلها دار ملكه. ويصبح "محمود الغزنوي" من الشخصيات العظيمة فى التاريخ الإسلامى بسبب جهاده المتواصل فى اتجاه الهند. لقد قاد سبع عشرة غزوة على الهند مكنته من ضم إقليم "البنجاب"، وجزء من "السند" إلى بلاده.
إن المسلمين فى الهند وباكستان يذكرون "محمودًا الغزنوي" ولا ينسونه، وكيف ينسى وهو الذى حمل النور إليهم ونشر الإسلام بينهم؟!
لم يكتفِ محمود بهذا، بل أخضع "الغور" وهى تجاور "غزنة" ونشر الإسلام هناك، فيا لها من جهود تُذكر فتُشكر! وإلى جانب فتوحاته فى كشمير وبنجاب نراه قد استولى على بخاري، وما وراء النهر آخذًا بعض ممتلكات بنى بويه كالرى وأصفهان، وحتى إقليم سجستان أخضعه لسلطانه، وهكذا كان محمود الغزنوى رحمه الله، محبّا للجهاد والغزو ونشر دين الله فى ربوع الأرض.
لقد لقى محمود ربه سنة 421هـ/ 1030م، وكان خَيرًا، عاقلا، دَينًا، عنده علم ومعرفة، قصده العلماء من أقطار البلاد، وكان يكرمهم، ويقبل عليهم، ويحسن إليهم، وكان عادلا، كثير الإحسان إلى رعيته ملازمًا للجهاد، كثير الغزوات.
ويتولى مسعود بن محمود أمر البلاد بعد أبيه، ويسير على نهج أبيه، ولكن الدول تضعف فى أواخر عهده ؛ وينتهى أمر هذه الدولة الفتية عام 582هـ.
وبعد.. فما أكثر الدول التى قامت فى فارس ! إننا لا ننسى الدولة البويهية (323-447هـ/ 935-1055م)، وتنسب إلى أبى شجاع بن بويه، الذى كان رئيسًا لقبيلة من الديلم تسكن جنوبى بحر قزوين وتحترف الجندية.
لقد قامت دولتهم فى فارس والرى وهمذان وأصبهان، وكان مؤسسوها من الفرس، وعندما نذكر الدولة البويهية نذكر "الدولة السلجوقية" التى قامت فى فارس وهمذان والعراق، ومؤسسوها من الأتراك.
وقد عرفت أنهم قوم بدو نزحوا من بلاد التركستان إلى بخاري، واعتنقوا المذهب السني، وظلت دولتهم قائمة من سنة (429-700هـ/1038-1301م).
وخلفهم المغول فى حكم البلاد، ويأتى الحديث عن الدول المستقلة عن الخلافة العباسية إلى ذكر "الدولة الأيوبية" التى حاربت الصليبيين، وكانت مستقلة عن الخلافة العباسية أيضًا وإن ظلت على الولاء الظاهرى لها، "والدولة المملوكية" التى سقطت الخلافة فى عهدها على يد التتار، فقامت بإحيائها فى القاهرة على يد الظاهر بيبرس البندقداري.
وتبقى الدولة العثمانية التى أخذت الخلافة من الخليفة العباسى فى مصر، وظلت تقوم بمهام الخلافة إلى أن نجحت المؤامرات فى إسقاطها، وانفرط عقد الوحدة إلى يومنا هذا.