ما منعك يا أبا جهل أن تقتل محمدًا؟!
دخل أبو جهل الكعبة ذات يوم فوجد الرسول ( ساجدًا لله يصلي، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: واللات والعزى لو رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأضعن وجهه في التراب ولأقتلنه. ولكن الرسول ( لم يعبأ بتهديدات أبي جهل، وعاود صلاته فأسرع أبو جهل لينفذ وعيده، ولكنه سرعان ما عاد، فتعجب مشركو قريش وسألوا أبا جهل: ما منعك يا أبا الحكم أن تقتل محمدًا؟! فيرتعد أبو جهل، ويقول: كلما اقتربت من محمد حال بينى وبينه خندق من نار وأجنحة وأهوال عظيمة. فقال ( : (والله لو دنا (اقترب) لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بما أخبر الله -عز وجل- عن الملائكة وعن خلقهم ووظائفهم، وهو يتطلع إلى معرفة المزيد عن هذه المخلوقات الغيبية.
خلق الملائكة:
الملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيه إلا الله، خلقهم الله من النور، وطبعهم على الخير، فهم لا يعرفون الشر ولا يفعلونه ولا يأمرون به، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون من عبادة الله - عز وجل-.
أخبر الرسول ( عن مادة خلقهم، فقال: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) [مسلم]. والملائكة يتفاوتون في الخلق تفاوتًا كبيرًا؛ فقد صح أن جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح.
عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
ومما يدل على عظم خلق الملائكة، ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ( قال: (رأيت جبريل مهبطًا قد ملأ الخافقين (المشرق والمغرب)، عليه ثياب سندس، معلق بها اللؤلؤ والياقوت) [أحمد].
الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا:
الله -عز وجل- خلق الملائكة خلقًا خاصًا، فهم لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولكنهم عباد مكرمون. قال الله -عز وجل- منددًا بالكافرين: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} [الزخرف: 19].
وقال تعالى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى. وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}.
[النجم: 27- 28]. فالمسلم يؤمن أن الله خلق الملائكة خلقًا خاصًّا، وأن وصفهم بالأنوثة افتراء وكذبًا، لا يتفق مع ما يعتقده المسلم.
عصمة الملائكة:
الله -عز وجل- فطر الملائكة على الطاعة، فهم يسبحون بحمد الله، ويعبدونه دائمًا، ويذكرونه آناء الليل وأطراف النهار، يقول الله- عز وجل- عن الملائكة: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 26-27].
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
قال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فلم يكن سؤال الملائكة اعتراضًا، ولكنه سؤال واستفسار عمَّا خفي عليهم من الحكمة في ذلك، فيأتي الجواب من الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
الملائكة لها أشكال مختلفة:
كان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى الرسول ( على صورة أعرابي، كما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (، إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد.
وسأل الرسول ( عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأماراتها... إلى أن قال عمر: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال رسول الله ( : (يا عمر، أتدري من السائل؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم) [متفق عليه].
وكان جبريل يتمثل للرسول ( ويوحى إليه كما جاء في حديث كيفية الوحي، قال رسول الله (: (وأحيانا يتمثل لي الملك، فيكلمني، فأعي ما يقول) [متفق عليه].
والملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- كانوا على هيئة بشر. قال تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قالوا سلام قوم منكرون. فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: 24-28].
*وعندما جاء جبريل -عليه السلام- إلى مريم جاءها في صورة بشر سويِّ الخلق كامل البنية، يبشرها بكلمة الله عيسى عليه السلام. قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17].
وفي حديث الثلاثة؛ الأبرص والأقرع والأعمى الذين أراد الله أن يختبرهم في شكرهم لنعمته أرسل الله إليهم ملكًا في صورة إنسان ؛ كما جاء في الحديث: (إن ثلاثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم
مَلَكًا -في صورة رجل- فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس (أي: تباعدوا عني وكرهوني بسببه). فمسحه، فذهب عنه قذره وأعطى لونًا حسنًا ...) [متفق عليه].
والله -عز وجل- جعل للملائكة القدرة على أن يتمثلوا في صورة البشر بإذنه، وذلك لأن البشر غير معتادين على رؤية الملائكة.
مسكن الملائكة:
عن أبي ذر- رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء (أى: ظهر منها صوت) وحق لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله...)
[الترمذى وابن ماجه وأحمد].
وفي حديث المعراج، قال (: (... فرُفع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك) [متفق عليه].
صلاة الملائكة:
يقول الله تعالى: {والصافات صفًا. فالزاجرات زجرًا. فالتاليات ذكرًا. إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1-4].
فالله -عز وجل- يقسم بالصافات؛ وهى الملائكة التي تصطفُّ للصلاة والعبادة بين يديه، والرسول ( يقول للصحابة: (ألا تُصفُّون كما تُصفُّ الملائكة عند ربها؟). قالوا: وكيف تُصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمُّون الصفوف الأُوَلَ، ويتراصَّون في الصف) [مسلم]. والله -عز وجل- يقول على لسان الملائكة: {وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}
[الصافات: 165- 166].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أُقيمت الصلاة، استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، واستووا قيامًا، يريد الله -تعالى- بكم هدى الملائكة، ثم يقول: وإنا لنحن الصافون. ثم يقول عمر -رضي الله عنه-: تأخر يا فلان، تقدم يا فلان ، ثم يتقدم- إمامًا - فيكبِّر.
خوف الملائكة:
الملائكة يخافون الله -عز وجل- خوف إجلال وتعظيم، فالخوف من الله يكون على قدر معرفة العبد لربه، فكلما كان العبد أقرب إلى الله تعالى كان أشد خوفًا منه.
قال الحارث المحاسبى- رحمه الله تعالى-: خوف المقربين- من الأنبياء والملائكة- خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى.
جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي ( ، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين). فقال جبريل: (وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) [البخارى]. فالملائكة يتفاضلون فيما بينهم، فمن رؤساء الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، ولكل منهم أعمال ووظائف، يقوم بها بأمر الله تعالى.
سُئِلت عائشة - رضي الله عنها-: بأي شيء كان رسول الله ( يفتتح الصلاة إذا قام الليل؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) [مسلم].
وفي هذه الأحاديث الشريفة دلالة على أفضلية هؤلاء الملائكة، وكرامتهم عند الله تبارك وتعالى، أما جبريل -عليه السلام-، ويُسَمَّى بروح القدس أيضًا، وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة فقال: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
وخصَّه بأشرف وظيفة، وهى السفارة بينه -تعالى- وبين رسله -عليهم السلام-، فكان ينزل بالوحي عليهم كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. علي قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 192-194].
وصح عن النبي ( أن جبريل -عليه السلام- رافقه في أعظم رحلة تمت في الوجود؛ وهى إسراء النبي ( من مكة إلى المسجد الأقصى، ومعراجه منه إلى سدرة المنتهى بالملكوت الأعلى.
وأما ميكائيل -عليه السلام- فقد وكَّله الله -عز وجل- بالمطر الذي فيه حياة الأرض والنبات والإنسان والحيوان .
وأما إسرافيل - عليه السلام-، فقد وكَّله الله -عز وجل- بالنفخ في الصور؛ حيث يحيي الله -تعالى- الموتى حين ينفخ إسرافيل، فإذا هم قيام ينظرون. قال تعالى: {إذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 13-16]. أما ملك الموت -عليه السلام- فهو الموكل بقبض الأرواح.
أصناف الملائكة:
الملائكة -عليهم السلام- أصناف، وكل صنف موكَّل بوظائف يقوم بها بأمر الله تعالى، قال سبحانه: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27]. ومن أصنافهم ووظائفهم:
حملة العرش:
هناك ملائكة يحملون عرش الرحمن ويسبحون بحمده. قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. وقال عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17].
وهم يحملون عرش الرحمن عز وجل، والرسول ( أخبرنا بضخامة أجسامهم فقال: (أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه (كتفه) مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
الحافون من حول العرش:
ومن أصناف الملائكة الحافون من حول عرش الرحمن، وهؤلاء يسبحون بحمد الله، ويقدسونه، ويمجدونه آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
ملائكة الجنة:
ومنهم خزنة الجنة، وهم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، ويهنئونهم بها، ويدخلون عليهم مُسَلِّمين، ويبشرونهم برضوان الله والخلود في النعيم.
قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار} [الرعد: 23-24].
وفي الحديث الشريف أن الرسول ( قال: (آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ؟ فأقول: محمد. فيقول الخازن: بك أُمرت (أي: أمرني الله ألا أفتح لأحد قبلك) [مسلم وأحمد].
ملائكة النار:
ومنهم خزنة النار، وهم الزبانية، وهم تسعة عشر مَلَكًا وكَّلهم الله -تعالى- بالنار، يعذِّبون أهلها، ويُذيقونهم أشد العذاب، قال تعالى: {سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر. وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 26- 31]. ومن خزنة النار: مالك الذي يناديه أهل النار، ويستغيثون به ويتمنُّون أن يقضي الله عليهم بالموت فيجيبهم بعد زمن بعيد: إنكم ماكثون. قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر 49 -50].
الملائكة رسل الوحى:
الله -عز وجل- اختار من الملائكة رسلا، ليكونوا سفراء بينه وبين رسله، واختار من الناس رسلا ليبلغوا رسالته إلى الناس. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
والرسول الكريم هو جبريل- عليه السلام- الذي وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة، وجعله سفيرًا بينه وبين أنبيائه، قال تعالى: {إنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين}
[الشعراء: 192-195].
الملائكة الموكلون بالأجنة:
عندما يستقر الإنسان في رحم أمه يكون أول ما يكون نطفة، فيوكِّل الله به ملائكة يطورون هذه النطفة وتصوير ما في الأرحام، ويكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، وفي الحديث أن الرسول ( قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات:
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أى: الذي كتب وهو في الرحم) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) [البخارى ومسلم]
وفي الحديث: (وكَّل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه) [متفق عليه].
الملائكة الكرام الكاتبون:
ومهمتهم كتابة أعمال البشر، وإحصاؤها عليهم، فعن يمين كل إنسان ملك يكتب صالح أعماله ، وعن يساره ملك يكتب سيئات عمله. قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كرامًا كاتبين. يعملون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]. وقال عز وجل: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
[الزخرف: 80]. وإذا علم الإنسان أن له حافظًا من الملائكة موكَّلا به، يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحف تنشر يوم العرض الأكبر على الناس جميعًا، كان ذلك زاجرًا له (مانعًا) عن فعل المعاصي وحافزًا له لعمل الخيرات.
الملائكة الحفظة:
وهم موكَّلون بحفظ الإنسان من الشيطان، والعاهات والآفات ومن جميع الأشياء الضارة. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله} [الرعد: 11]. قال ابن عباس في تفسيرها: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: يحفظونه في نومه وفي يقظته من الجن والإنس.
قرناء بني آدم من الملائكة:
والله جعل من الملائكة قرناء يصحبون الإنسان، وهدفهم هداية البشر وإسعادهم ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على الهدى والصلاح، واجتناب الشر والضلال. ففي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) [مسلم وأحمد].
وفي الحديث أيضًا: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاز بالخير، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268].
فعلى المسلم العاقل أن يصغي لنداء الملائكة فيفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات، وأن يحذر كل الحذر مما يلقيه الشيطان في روعه ويعوذ بالله منه.
الملائكة المسخرون بقبض الأرواح:
قال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقال عز وجل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} [السجدة: 11]. وقال سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32].
فالله وكَّلهم بقبض أرواح عباده، فإذا كان العبد من المؤمنين جاءته الملائكة بيض الوجوه حتى يُجلسوه، ويُخرجوا روحه فيقولون: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان. وإذا كان العبد من الكافرين جاءته ملائكة سُود الوجوه فيقولون: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سَخَط الله.
كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ( في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد، فجلس رسول الله ( وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال : (استعيذوا بالله من عذاب القبر). مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.. إلى أن يقول: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ...) [أحمد].
وفي الحديث الشريف: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلَّ على راهب (عابد) فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط . فأتاهم ملك بصورة آدمي، فجعلوه بينهم (أى: جعلوه حكمًا بينهم، وقد أرسله الله تعالى ليحكم بينهم بحكم الله تعالى) فقال: قيسوا ما بين الأرضين (أي التي خرج منها، والتي قصدها) فإلى أيتهما كان أدنى (أى: أقرب) فهو لها فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [مسلم].
ملائكة السؤال في القبر:
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].
ويتولى السؤال في القبر ملكان كما قال ( : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى (انصرف) عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (محمد ( ) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة . فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس (أي: غير معتقد به) فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ (أي: لا علمت ما هو الحق ولا اتبعت الناجين) ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [متفق عليه].
وفي الحديث الشريف: أن النبي ( حمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شيء لم أكن أُرِيتُه إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال: يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، (أو الموقن) فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد (ثلاثًا). فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنا به . وأما المنافق (أو المرتاب) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه) [متفق عليه].
فعلى المؤمن أن يستجيب لدعوة النبي ( ، ويهتدى بهديه حتى يحسن الجواب إذا سُئل في القبر فيقول آمنا واتبعنا الرسول، وهذا لا يتحقق إلا باتباع النبي ( في الدنيا، فمن يثبت على أمر الله في الدنيا ثبته الله -عز وجل- عند السؤال ويوم تزول الأقدام.
الملائكة الموكلون بتدبير أمور الجبال:
الله -عز وجل- خلق الجبال بعد خلق الأرض لتثبتها ولتكون رواسي لها، وقد خصَّ الله ملائكة بتدبير أمور الجبال، فلما رفضت قريش الدعوة ذهب ( إلى الطائف فردوا دعوته وآذوه، فأرسل الله -عز وجل- جبريل ومعه ملك الجبال فنادى الرسول ( : (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبـين (جبلين بمكة)). فقال النبي ( : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) [البخارى ومسلم].
أعمال الملائكة:
من أعمال الملائكة أنهم يصلون على النبي ( قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الملائكة يبلغون الرسول السلام:
وقال (: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام) [أحمد].
والملائكة تصلي على من يصلي على النبي ( كما جاء في الحديث: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها) [ابن ماجه].
الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم:
ومن وظائف الملائكة الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
وقال: {هو الذين يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله -تعالى- رحمة، ومن الملائكة دعاء واستغفار وفي الحديث:
(... والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخارى] . وفي الحديث أيضًا :(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
فالمؤمن الذي آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( نبيًّا ورسولا وجعل حياته كما يريدها الله عز وجل، ثم استقام على ذلك حتى يلقى ربه فإن الملائكة تدعو له. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والاستقامة تشمل توحيد الله بعدم الشرك به، كما أنها تشمل طاعة الله باجتناب ما نهى الله عنه. وفي الحديث: (استقيموا ولن تحصوا) [ابن ماجه ومالك وأحمد].
حضور الملائكة صلاة الجمعة:
قال ( : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) [البخارى].
تأمين الملائكة لفاتحة الكتاب:
كما في الحديث: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وفي رواية :(إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) [البخارى].
كما قال ( : (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة. غُفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
حضور الملائكة مجالس الذكر:
جعل الله -عز وجل- ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون مجالس القرآن الكريم، ومجالس العلم ومجالس التسبيح والتحميد والتهليل، ومجالس الاستغفار والدعاء فيحضرونها .
كما قال ( : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم: ما يقول عبادى؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر
لك تسبيحًا.
قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة. قال: فَمِمَّ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة.
قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)
[متفق عليه].
الله يباهى الملائكة بعباده الذاكرين:
كما في الحديث: أن رسول الله ( خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟). قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟). قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال ( : (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
الملائكة تحف الذين يتلون كتاب الله تعالى:
كما في الحديث: (... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
وكان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بحبلين فتغشته سحابه، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر . فلما أصبح أتى النبي (، فذكر ذلك له. فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن) [البخارى].
الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم:
فالملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم تكريمًا له، ورضًا بما يصنع، كما قال (: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم) [أبو داود].
الملائكة يصلون على من يعلم الناس الخير:
ذكر لرسول الله ( رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم. فقال رسول الله ( : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم قال رسول الله ( : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على مُعَلِّمى الناس الخير) [الترمذى].
تأمين الملك على دعاء المؤمن لأخيه:
قال ( : (من دعا لأخيه بظـهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله (أى: بمثل ما دعوت لأخيك)) [مسلم] . وفي حديث آخر: ( إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا) [متفق عليه].
فعلى المسلم أن يتوجه بالدعاء عند صياحها رجاء أن تؤمن الملائكة على دعائه وتستغفر له، عسى أن يكون من المقبولين والملائكة تؤمن على الدعاء عند المريض والمحتضر (من أشرف على الموت) يقول الرسول ( : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) [مسلم].
الملائكة تحمل البشرى للمؤمنين:
كان زكريا -عليه السلام- كلما دخل على مريم في محرابها التي كانت تعبد الله تعالى فيه، وجد عندها طعامًا دون أن يدخل عليها أحد، فتعجب من ذلك، فقال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فدعا زكريا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فنزلت الملائكة بالبشرى، قال تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيـى مصدقًا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] .
ولقد حملت الملائكة البشرى لإبراهيم وزوجته. قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشري} [هود: 69].
فرسل الله هنا هم الملائكة، ولقد جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- على صورة رجال وبشروه بإسحاق ويعقوب، وقال تعالى في امرأته سارة: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71].
وقد تبشر الملائكة غير الرسل والأنبياء كما جاء في الحديث في بشارة الملك لمن زار أخًا له في الله تعالى، كما في الحديث عن رسول الله ( : (أنَّ رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرجته (أي في طريقه) مَلَكًا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ (أى: يقوم بها، وتسعى في صلاحها) قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببتَه فيه) [مسلم].
الملائكة تظل الشهداء بأجنحتها:
عن جابر بن عبد الله قال: أصيب أبي يوم أحد، فجعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهوني، ورسول الله ( لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمر تبكيه، فقال رسول الله (: (تبكيه أو لا تبكيه (أي: سواء أبكت عليه أم لا)، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه) [مسلم].
الملائكة تحب من يحبه الله:
كما جاء في الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض) [البخاري ومسلم].
من تلعنه الملائكة:
تلعن الملائكة من أشار إلى أخيه بسلاح يقصد إيذاءه؛ كالسكين والسيف ونحوهما، قال (: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه) [مسلم].
كما تلعن الملائكة المرأة الرافضة فراش زوجها، قال (: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [فتح الباري].
كما تلعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها وزوجها كاره، قال ( : (إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع) [الطبراني].
صعود الملائكة بالكلم الطيب والعمل الصالح:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد إذا قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه، وصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن. ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ما تنفر منه ملائكة الرحمة وتبعد عنه:
الصور (لما فيه روح) لحديث الرسول ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فقام النبي ( بالباب يدخل، فلم يدخل، فقالت عائشة: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ( : (ما هذه النمرقة؟) فقالت: لتجلس عليها وتوسَّدها. فقال رسول الله ( : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) [البخارى] . وقال ( : (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير) [متفق عليه] . وقال ( : (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: واعد رسول الله ( جبريل -عليه السلام- في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأتِهِ، وكان ( في يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) ثم التفت فإذا جَرْوُ (كلب) تحت سريره، فقال: (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا؟) فقالت: والله ما دريتُ. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ( : (واعدتَنى فجلستُ لك فلم تأتِ). فقال: (منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنَّا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [مسلم].
الملائكة جنود النصر للمؤمنين:
قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 123-125]. وقال الله -عز وجل- في يوم الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} [الأحزاب: 9].
وعن عائشة -رضي الله عنها-: لما رجع الرسول ( من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: قد وضعت السلاح ووالله ما وضعناه، فاخرج إليهم . قال: (فإلى أين؟). قال: هاهنا. وأشار إلى قريظة فخرج ( إليهم. [البخاري].
الملائكة تشيع جنازة المسلم:
أُتِىَ النبي ( بدابة، وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتى بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشونَ، فلما ذهبوا ركبتُ) [أبو داود].
وخرج الرسول ( في جنازة، فرأى ركبانًا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب) [الترمذى].
الملائكة يقفون صفوفًا يوم القيامة:
تقف الملائكة يوم القيامة صفوفًا كما قال الله -عز وجل- في وصف أهوال يوم القيامة: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38].
وقال تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا. وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 21-23].
ثمرات الإيمان بالملائكة
الله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 1-3] .
وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
عدم الوقوع في الخرافات:
فعندما أطلعنا الله -عز وجل- على أمر هذه الأرواح المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الشكر الدائم للمولى -عز وجل- على عنايته بعباده.
الاستقامة على أمر الله عز وجل:
فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟
الطمأنينة:
فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شر: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد :11].
حب الله عز وجل:
فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته.
الصبر على طاعة الله:
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
العلم بعظمة الله -عز وجل- وقوته وسلطانه:
ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله وهو يعلم أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن مَلَكًا واحدًا يستطيع -بقدرة الله- أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. ولكن المؤمن يعرف عظمة الله ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.
دخل أبو جهل الكعبة ذات يوم فوجد الرسول ( ساجدًا لله يصلي، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: واللات والعزى لو رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأضعن وجهه في التراب ولأقتلنه. ولكن الرسول ( لم يعبأ بتهديدات أبي جهل، وعاود صلاته فأسرع أبو جهل لينفذ وعيده، ولكنه سرعان ما عاد، فتعجب مشركو قريش وسألوا أبا جهل: ما منعك يا أبا الحكم أن تقتل محمدًا؟! فيرتعد أبو جهل، ويقول: كلما اقتربت من محمد حال بينى وبينه خندق من نار وأجنحة وأهوال عظيمة. فقال ( : (والله لو دنا (اقترب) لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بما أخبر الله -عز وجل- عن الملائكة وعن خلقهم ووظائفهم، وهو يتطلع إلى معرفة المزيد عن هذه المخلوقات الغيبية.
خلق الملائكة:
الملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيه إلا الله، خلقهم الله من النور، وطبعهم على الخير، فهم لا يعرفون الشر ولا يفعلونه ولا يأمرون به، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون من عبادة الله - عز وجل-.
أخبر الرسول ( عن مادة خلقهم، فقال: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) [مسلم]. والملائكة يتفاوتون في الخلق تفاوتًا كبيرًا؛ فقد صح أن جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح.
عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
ومما يدل على عظم خلق الملائكة، ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ( قال: (رأيت جبريل مهبطًا قد ملأ الخافقين (المشرق والمغرب)، عليه ثياب سندس، معلق بها اللؤلؤ والياقوت) [أحمد].
الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا:
الله -عز وجل- خلق الملائكة خلقًا خاصًا، فهم لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولكنهم عباد مكرمون. قال الله -عز وجل- منددًا بالكافرين: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} [الزخرف: 19].
وقال تعالى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى. وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}.
[النجم: 27- 28]. فالمسلم يؤمن أن الله خلق الملائكة خلقًا خاصًّا، وأن وصفهم بالأنوثة افتراء وكذبًا، لا يتفق مع ما يعتقده المسلم.
عصمة الملائكة:
الله -عز وجل- فطر الملائكة على الطاعة، فهم يسبحون بحمد الله، ويعبدونه دائمًا، ويذكرونه آناء الليل وأطراف النهار، يقول الله- عز وجل- عن الملائكة: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 26-27].
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
قال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فلم يكن سؤال الملائكة اعتراضًا، ولكنه سؤال واستفسار عمَّا خفي عليهم من الحكمة في ذلك، فيأتي الجواب من الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
الملائكة لها أشكال مختلفة:
كان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى الرسول ( على صورة أعرابي، كما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (، إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد.
وسأل الرسول ( عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأماراتها... إلى أن قال عمر: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال رسول الله ( : (يا عمر، أتدري من السائل؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم) [متفق عليه].
وكان جبريل يتمثل للرسول ( ويوحى إليه كما جاء في حديث كيفية الوحي، قال رسول الله (: (وأحيانا يتمثل لي الملك، فيكلمني، فأعي ما يقول) [متفق عليه].
والملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- كانوا على هيئة بشر. قال تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قالوا سلام قوم منكرون. فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: 24-28].
*وعندما جاء جبريل -عليه السلام- إلى مريم جاءها في صورة بشر سويِّ الخلق كامل البنية، يبشرها بكلمة الله عيسى عليه السلام. قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17].
وفي حديث الثلاثة؛ الأبرص والأقرع والأعمى الذين أراد الله أن يختبرهم في شكرهم لنعمته أرسل الله إليهم ملكًا في صورة إنسان ؛ كما جاء في الحديث: (إن ثلاثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم
مَلَكًا -في صورة رجل- فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس (أي: تباعدوا عني وكرهوني بسببه). فمسحه، فذهب عنه قذره وأعطى لونًا حسنًا ...) [متفق عليه].
والله -عز وجل- جعل للملائكة القدرة على أن يتمثلوا في صورة البشر بإذنه، وذلك لأن البشر غير معتادين على رؤية الملائكة.
مسكن الملائكة:
عن أبي ذر- رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء (أى: ظهر منها صوت) وحق لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله...)
[الترمذى وابن ماجه وأحمد].
وفي حديث المعراج، قال (: (... فرُفع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك) [متفق عليه].
صلاة الملائكة:
يقول الله تعالى: {والصافات صفًا. فالزاجرات زجرًا. فالتاليات ذكرًا. إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1-4].
فالله -عز وجل- يقسم بالصافات؛ وهى الملائكة التي تصطفُّ للصلاة والعبادة بين يديه، والرسول ( يقول للصحابة: (ألا تُصفُّون كما تُصفُّ الملائكة عند ربها؟). قالوا: وكيف تُصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمُّون الصفوف الأُوَلَ، ويتراصَّون في الصف) [مسلم]. والله -عز وجل- يقول على لسان الملائكة: {وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}
[الصافات: 165- 166].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أُقيمت الصلاة، استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، واستووا قيامًا، يريد الله -تعالى- بكم هدى الملائكة، ثم يقول: وإنا لنحن الصافون. ثم يقول عمر -رضي الله عنه-: تأخر يا فلان، تقدم يا فلان ، ثم يتقدم- إمامًا - فيكبِّر.
خوف الملائكة:
الملائكة يخافون الله -عز وجل- خوف إجلال وتعظيم، فالخوف من الله يكون على قدر معرفة العبد لربه، فكلما كان العبد أقرب إلى الله تعالى كان أشد خوفًا منه.
قال الحارث المحاسبى- رحمه الله تعالى-: خوف المقربين- من الأنبياء والملائكة- خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى.
جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي ( ، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين). فقال جبريل: (وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) [البخارى]. فالملائكة يتفاضلون فيما بينهم، فمن رؤساء الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، ولكل منهم أعمال ووظائف، يقوم بها بأمر الله تعالى.
سُئِلت عائشة - رضي الله عنها-: بأي شيء كان رسول الله ( يفتتح الصلاة إذا قام الليل؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) [مسلم].
وفي هذه الأحاديث الشريفة دلالة على أفضلية هؤلاء الملائكة، وكرامتهم عند الله تبارك وتعالى، أما جبريل -عليه السلام-، ويُسَمَّى بروح القدس أيضًا، وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة فقال: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
وخصَّه بأشرف وظيفة، وهى السفارة بينه -تعالى- وبين رسله -عليهم السلام-، فكان ينزل بالوحي عليهم كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. علي قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 192-194].
وصح عن النبي ( أن جبريل -عليه السلام- رافقه في أعظم رحلة تمت في الوجود؛ وهى إسراء النبي ( من مكة إلى المسجد الأقصى، ومعراجه منه إلى سدرة المنتهى بالملكوت الأعلى.
وأما ميكائيل -عليه السلام- فقد وكَّله الله -عز وجل- بالمطر الذي فيه حياة الأرض والنبات والإنسان والحيوان .
وأما إسرافيل - عليه السلام-، فقد وكَّله الله -عز وجل- بالنفخ في الصور؛ حيث يحيي الله -تعالى- الموتى حين ينفخ إسرافيل، فإذا هم قيام ينظرون. قال تعالى: {إذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 13-16]. أما ملك الموت -عليه السلام- فهو الموكل بقبض الأرواح.
أصناف الملائكة:
الملائكة -عليهم السلام- أصناف، وكل صنف موكَّل بوظائف يقوم بها بأمر الله تعالى، قال سبحانه: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27]. ومن أصنافهم ووظائفهم:
حملة العرش:
هناك ملائكة يحملون عرش الرحمن ويسبحون بحمده. قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. وقال عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17].
وهم يحملون عرش الرحمن عز وجل، والرسول ( أخبرنا بضخامة أجسامهم فقال: (أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه (كتفه) مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
الحافون من حول العرش:
ومن أصناف الملائكة الحافون من حول عرش الرحمن، وهؤلاء يسبحون بحمد الله، ويقدسونه، ويمجدونه آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
ملائكة الجنة:
ومنهم خزنة الجنة، وهم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، ويهنئونهم بها، ويدخلون عليهم مُسَلِّمين، ويبشرونهم برضوان الله والخلود في النعيم.
قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار} [الرعد: 23-24].
وفي الحديث الشريف أن الرسول ( قال: (آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ؟ فأقول: محمد. فيقول الخازن: بك أُمرت (أي: أمرني الله ألا أفتح لأحد قبلك) [مسلم وأحمد].
ملائكة النار:
ومنهم خزنة النار، وهم الزبانية، وهم تسعة عشر مَلَكًا وكَّلهم الله -تعالى- بالنار، يعذِّبون أهلها، ويُذيقونهم أشد العذاب، قال تعالى: {سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر. وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 26- 31]. ومن خزنة النار: مالك الذي يناديه أهل النار، ويستغيثون به ويتمنُّون أن يقضي الله عليهم بالموت فيجيبهم بعد زمن بعيد: إنكم ماكثون. قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر 49 -50].
الملائكة رسل الوحى:
الله -عز وجل- اختار من الملائكة رسلا، ليكونوا سفراء بينه وبين رسله، واختار من الناس رسلا ليبلغوا رسالته إلى الناس. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
والرسول الكريم هو جبريل- عليه السلام- الذي وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة، وجعله سفيرًا بينه وبين أنبيائه، قال تعالى: {إنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين}
[الشعراء: 192-195].
الملائكة الموكلون بالأجنة:
عندما يستقر الإنسان في رحم أمه يكون أول ما يكون نطفة، فيوكِّل الله به ملائكة يطورون هذه النطفة وتصوير ما في الأرحام، ويكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، وفي الحديث أن الرسول ( قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات:
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أى: الذي كتب وهو في الرحم) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) [البخارى ومسلم]
وفي الحديث: (وكَّل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه) [متفق عليه].
الملائكة الكرام الكاتبون:
ومهمتهم كتابة أعمال البشر، وإحصاؤها عليهم، فعن يمين كل إنسان ملك يكتب صالح أعماله ، وعن يساره ملك يكتب سيئات عمله. قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كرامًا كاتبين. يعملون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]. وقال عز وجل: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
[الزخرف: 80]. وإذا علم الإنسان أن له حافظًا من الملائكة موكَّلا به، يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحف تنشر يوم العرض الأكبر على الناس جميعًا، كان ذلك زاجرًا له (مانعًا) عن فعل المعاصي وحافزًا له لعمل الخيرات.
الملائكة الحفظة:
وهم موكَّلون بحفظ الإنسان من الشيطان، والعاهات والآفات ومن جميع الأشياء الضارة. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله} [الرعد: 11]. قال ابن عباس في تفسيرها: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: يحفظونه في نومه وفي يقظته من الجن والإنس.
قرناء بني آدم من الملائكة:
والله جعل من الملائكة قرناء يصحبون الإنسان، وهدفهم هداية البشر وإسعادهم ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على الهدى والصلاح، واجتناب الشر والضلال. ففي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) [مسلم وأحمد].
وفي الحديث أيضًا: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاز بالخير، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268].
فعلى المسلم العاقل أن يصغي لنداء الملائكة فيفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات، وأن يحذر كل الحذر مما يلقيه الشيطان في روعه ويعوذ بالله منه.
الملائكة المسخرون بقبض الأرواح:
قال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقال عز وجل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} [السجدة: 11]. وقال سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32].
فالله وكَّلهم بقبض أرواح عباده، فإذا كان العبد من المؤمنين جاءته الملائكة بيض الوجوه حتى يُجلسوه، ويُخرجوا روحه فيقولون: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان. وإذا كان العبد من الكافرين جاءته ملائكة سُود الوجوه فيقولون: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سَخَط الله.
كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ( في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد، فجلس رسول الله ( وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال : (استعيذوا بالله من عذاب القبر). مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.. إلى أن يقول: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ...) [أحمد].
وفي الحديث الشريف: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلَّ على راهب (عابد) فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط . فأتاهم ملك بصورة آدمي، فجعلوه بينهم (أى: جعلوه حكمًا بينهم، وقد أرسله الله تعالى ليحكم بينهم بحكم الله تعالى) فقال: قيسوا ما بين الأرضين (أي التي خرج منها، والتي قصدها) فإلى أيتهما كان أدنى (أى: أقرب) فهو لها فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [مسلم].
ملائكة السؤال في القبر:
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].
ويتولى السؤال في القبر ملكان كما قال ( : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى (انصرف) عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (محمد ( ) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة . فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس (أي: غير معتقد به) فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ (أي: لا علمت ما هو الحق ولا اتبعت الناجين) ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [متفق عليه].
وفي الحديث الشريف: أن النبي ( حمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شيء لم أكن أُرِيتُه إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال: يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، (أو الموقن) فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد (ثلاثًا). فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنا به . وأما المنافق (أو المرتاب) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه) [متفق عليه].
فعلى المؤمن أن يستجيب لدعوة النبي ( ، ويهتدى بهديه حتى يحسن الجواب إذا سُئل في القبر فيقول آمنا واتبعنا الرسول، وهذا لا يتحقق إلا باتباع النبي ( في الدنيا، فمن يثبت على أمر الله في الدنيا ثبته الله -عز وجل- عند السؤال ويوم تزول الأقدام.
الملائكة الموكلون بتدبير أمور الجبال:
الله -عز وجل- خلق الجبال بعد خلق الأرض لتثبتها ولتكون رواسي لها، وقد خصَّ الله ملائكة بتدبير أمور الجبال، فلما رفضت قريش الدعوة ذهب ( إلى الطائف فردوا دعوته وآذوه، فأرسل الله -عز وجل- جبريل ومعه ملك الجبال فنادى الرسول ( : (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبـين (جبلين بمكة)). فقال النبي ( : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) [البخارى ومسلم].
أعمال الملائكة:
من أعمال الملائكة أنهم يصلون على النبي ( قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الملائكة يبلغون الرسول السلام:
وقال (: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام) [أحمد].
والملائكة تصلي على من يصلي على النبي ( كما جاء في الحديث: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها) [ابن ماجه].
الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم:
ومن وظائف الملائكة الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
وقال: {هو الذين يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله -تعالى- رحمة، ومن الملائكة دعاء واستغفار وفي الحديث:
(... والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخارى] . وفي الحديث أيضًا :(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
فالمؤمن الذي آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( نبيًّا ورسولا وجعل حياته كما يريدها الله عز وجل، ثم استقام على ذلك حتى يلقى ربه فإن الملائكة تدعو له. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والاستقامة تشمل توحيد الله بعدم الشرك به، كما أنها تشمل طاعة الله باجتناب ما نهى الله عنه. وفي الحديث: (استقيموا ولن تحصوا) [ابن ماجه ومالك وأحمد].
حضور الملائكة صلاة الجمعة:
قال ( : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) [البخارى].
تأمين الملائكة لفاتحة الكتاب:
كما في الحديث: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وفي رواية :(إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) [البخارى].
كما قال ( : (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة. غُفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
حضور الملائكة مجالس الذكر:
جعل الله -عز وجل- ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون مجالس القرآن الكريم، ومجالس العلم ومجالس التسبيح والتحميد والتهليل، ومجالس الاستغفار والدعاء فيحضرونها .
كما قال ( : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم: ما يقول عبادى؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر
لك تسبيحًا.
قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة. قال: فَمِمَّ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة.
قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)
[متفق عليه].
الله يباهى الملائكة بعباده الذاكرين:
كما في الحديث: أن رسول الله ( خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟). قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟). قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال ( : (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
الملائكة تحف الذين يتلون كتاب الله تعالى:
كما في الحديث: (... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
وكان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بحبلين فتغشته سحابه، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر . فلما أصبح أتى النبي (، فذكر ذلك له. فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن) [البخارى].
الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم:
فالملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم تكريمًا له، ورضًا بما يصنع، كما قال (: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم) [أبو داود].
الملائكة يصلون على من يعلم الناس الخير:
ذكر لرسول الله ( رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم. فقال رسول الله ( : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم قال رسول الله ( : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على مُعَلِّمى الناس الخير) [الترمذى].
تأمين الملك على دعاء المؤمن لأخيه:
قال ( : (من دعا لأخيه بظـهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله (أى: بمثل ما دعوت لأخيك)) [مسلم] . وفي حديث آخر: ( إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا) [متفق عليه].
فعلى المسلم أن يتوجه بالدعاء عند صياحها رجاء أن تؤمن الملائكة على دعائه وتستغفر له، عسى أن يكون من المقبولين والملائكة تؤمن على الدعاء عند المريض والمحتضر (من أشرف على الموت) يقول الرسول ( : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) [مسلم].
الملائكة تحمل البشرى للمؤمنين:
كان زكريا -عليه السلام- كلما دخل على مريم في محرابها التي كانت تعبد الله تعالى فيه، وجد عندها طعامًا دون أن يدخل عليها أحد، فتعجب من ذلك، فقال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فدعا زكريا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فنزلت الملائكة بالبشرى، قال تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيـى مصدقًا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] .
ولقد حملت الملائكة البشرى لإبراهيم وزوجته. قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشري} [هود: 69].
فرسل الله هنا هم الملائكة، ولقد جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- على صورة رجال وبشروه بإسحاق ويعقوب، وقال تعالى في امرأته سارة: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71].
وقد تبشر الملائكة غير الرسل والأنبياء كما جاء في الحديث في بشارة الملك لمن زار أخًا له في الله تعالى، كما في الحديث عن رسول الله ( : (أنَّ رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرجته (أي في طريقه) مَلَكًا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ (أى: يقوم بها، وتسعى في صلاحها) قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببتَه فيه) [مسلم].
الملائكة تظل الشهداء بأجنحتها:
عن جابر بن عبد الله قال: أصيب أبي يوم أحد، فجعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهوني، ورسول الله ( لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمر تبكيه، فقال رسول الله (: (تبكيه أو لا تبكيه (أي: سواء أبكت عليه أم لا)، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه) [مسلم].
الملائكة تحب من يحبه الله:
كما جاء في الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض) [البخاري ومسلم].
من تلعنه الملائكة:
تلعن الملائكة من أشار إلى أخيه بسلاح يقصد إيذاءه؛ كالسكين والسيف ونحوهما، قال (: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه) [مسلم].
كما تلعن الملائكة المرأة الرافضة فراش زوجها، قال (: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [فتح الباري].
كما تلعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها وزوجها كاره، قال ( : (إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع) [الطبراني].
صعود الملائكة بالكلم الطيب والعمل الصالح:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد إذا قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه، وصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن. ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ما تنفر منه ملائكة الرحمة وتبعد عنه:
الصور (لما فيه روح) لحديث الرسول ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فقام النبي ( بالباب يدخل، فلم يدخل، فقالت عائشة: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ( : (ما هذه النمرقة؟) فقالت: لتجلس عليها وتوسَّدها. فقال رسول الله ( : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) [البخارى] . وقال ( : (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير) [متفق عليه] . وقال ( : (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: واعد رسول الله ( جبريل -عليه السلام- في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأتِهِ، وكان ( في يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) ثم التفت فإذا جَرْوُ (كلب) تحت سريره، فقال: (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا؟) فقالت: والله ما دريتُ. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ( : (واعدتَنى فجلستُ لك فلم تأتِ). فقال: (منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنَّا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [مسلم].
الملائكة جنود النصر للمؤمنين:
قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 123-125]. وقال الله -عز وجل- في يوم الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} [الأحزاب: 9].
وعن عائشة -رضي الله عنها-: لما رجع الرسول ( من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: قد وضعت السلاح ووالله ما وضعناه، فاخرج إليهم . قال: (فإلى أين؟). قال: هاهنا. وأشار إلى قريظة فخرج ( إليهم. [البخاري].
الملائكة تشيع جنازة المسلم:
أُتِىَ النبي ( بدابة، وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتى بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشونَ، فلما ذهبوا ركبتُ) [أبو داود].
وخرج الرسول ( في جنازة، فرأى ركبانًا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب) [الترمذى].
الملائكة يقفون صفوفًا يوم القيامة:
تقف الملائكة يوم القيامة صفوفًا كما قال الله -عز وجل- في وصف أهوال يوم القيامة: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38].
وقال تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا. وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 21-23].
ثمرات الإيمان بالملائكة
الله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 1-3] .
وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
عدم الوقوع في الخرافات:
فعندما أطلعنا الله -عز وجل- على أمر هذه الأرواح المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الشكر الدائم للمولى -عز وجل- على عنايته بعباده.
الاستقامة على أمر الله عز وجل:
فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟
الطمأنينة:
فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شر: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد :11].
حب الله عز وجل:
فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته.
الصبر على طاعة الله:
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
العلم بعظمة الله -عز وجل- وقوته وسلطانه:
ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله وهو يعلم أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن مَلَكًا واحدًا يستطيع -بقدرة الله- أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. ولكن المؤمن يعرف عظمة الله ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.