بسم الله الرحمن الرحيم
وردني سؤال يقول: قد كثر مؤخراً الكلام على سيد قطب رحمه الله بين طاعن ومادح.. واختلط الأمر على كثير من الشباب.. فما تقييمكم لذلك، وما هو رأيكم في سيد.. وجزاكم الله خيراً؟
* * *
الجواب:
الحمد لله رب العالمين.
عند الحديث عن كبار أهل العلم وإرادة تقييمهم، والحكم عليهم بالجرح أو التعديل، لا بد من النظر إلى عدة أمور:
منها: النظر إلى مجموع حسنات العالم ومجموع مواقفه وأحواله.. ومن جهة أخرى النظر إلى مجموع سيئاته أو أخطائه إن وجدت، وإجراء عملية الترجيح بينهما، وبيان أيهما يغلب ويرجح على الآخر!
ومنها: رد المتشابه من أقواله وكلامه إلى المحكم.. وبناء الأحكام عليه وعلى أفكاره ومذاهبه من خلال المحكم الصادر عنه، وليس المتشابه.. حيث ما من عالم إلا وله عبارات متشابهة حمالة أوجه لو أخذت بمفردها، وحوكم على أساسها لظلم العالم وفُهم خطأ، وربما لضلل وفُسق.. ولكن عندما يرد هذا المتشابه إلى المحكم من كلامه ومواقفه، فإن الصورة تتضح أكثر، ويكون الحكم والقرار أقرب إلى الإنصاف والعدل.
ومنها: النظر إلى مجموع مراحل الطلب والالتزام الذي مر بها العالم.. والتفريق بين مراحل ما قبل الالتزام - إن وجدت - وبين مراحل ما بعد الالتزام، واعتماد المراحل الأخيرة من حياته، واجتهاداته، وإطلاقاته.. فالعبرة بالخواتيم، وبما يُختم به على المرء.
فمن الظلم كل الظلم أن تقيم الإنسان من خلال حياته المنحرفة أيام جاهليته - إن وجدت - وتغض الطرف عن مرحلة ما بعد ذلك من التوبة والاستقامة والالتزام والجهاد التي خُتمت به حياته!
ومنها: مراعاة الظروف والأجواء والملابسات المحيطة به لحظة وقوع العالم في الخطأ.. فهي تعيننا على فهم مراده وقصده مما قد أخطأ فيه.. والدافع الذي حمله على الوقوع في الخطأ!
ثم أن هذه الأجواء والملابسات المحيطة به إن لم تمنع من تخطئته والإشارة إلى قوله أو فعله بأنه خطأ إلا أنها قد تمنع تكفيره أو تضليله وتفسيقه!
ومنها: التجرد من الهوى والتحامل المجحف، والأحكام المسبقة عندما يريد الإنسان أن يقيّم إنساناً آخر، وبخاصة إن كان هذا الآخر عالماً من علماء الأمة له سابقة جهاد وبلاء في سبيل الله.. وما أقل هؤلاء المنصفين المتجردين من أهوائهم للحق في زماننا!
فهذا التمهيد هام وضروري بين يدي الجواب على السؤال الوارد أعلاه، والخاص بسيد رحمه الله.. وألخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية:
1) مر سيد قطب رحمه الله في حياته في ثلاثة مراحل:
مرحلة ما قبل الالتزام، ومرحلة التحول إلى الإسلام والعمل الإسلامي، ومرحلة النضج والالتزام والانطلاق الجاد في الدعوة لهذا الدين والجهاد في سبيل الله، وهذه مراحل المتأخر منها ناسخ لما تقدم منها.
فمرحلة ما قبل الالتزام بالدعوة والعمل الإسلامي امتدت تقريباً إلى سنة 1945.. تقلب فيها سيد بين حزبي الوفد والسعديين، ومناصرة العقاد وأدبه وفكره.. وفي هذه المرحلة كتب سيد مقالات وأبحاث عدة، يؤخذ عليه كثير مما كتب فيها.. ولو أراد المرء أن يقيم سيد من خلال كتاباته ومواقفه في تلك المرحلة التي أنهاها بكتابه المعروف " بالتصوير الفني في القرآن " لخرج بطامات لا يستهان بها في ميزان العقيدة والتوحيد.. ولكنها حياة منسوخة بالنسبة لسيد بما صدر عنه فيما بعد من كتابات ومواقف.
فليس من الإنصاف والعدل أن يعكف المرء على كتابات سيد في تلك المرحلة - التي يسميها سيد نفسه في أكثر من موضع في الظلال وغيره بأنها مرحلة الضياع - ثم يخرج للناس ليقول لهم انظروا ماذا يقول سيد.. وهذه هي مواقف سيد؟!
أما المرحلة الثانية: وهي مرحلة التحول إلى العمل الإسلامي والتي انتهت تقريباً في نهاية عام 1950.. في هذه المرحلة تجرأ سيد على الكتابة في مسائل لم يُسبق إليها من أحد، وقبل أن يتمكن من علوم الإسلام وبخاصة منها علمي الحديث والفقه مما أدى إلى وقوعه في بعض الأخطاء التي أخذت عليه كما في كتابه " العدالة الاجتماعية " الذي يُعتبر أول كتاب إسلامي له.. والذي كتبه عام 1948 تقريباً في أوج استفحال الاشتراكية وانتشارها في الأمصار، مما حمل بعض الدعاة آنذاك أن يتكلموا ويكتبوا عن اشتراكية الإسلام مواكبة للتيار الجارف الداعي للاشتراكية.. من جملة هذه الأخطاء التي أخذت على سيد في كتابه المذكور طعنه ببعض الصحابة وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين.. معتمداً في ذلك على روايات غير محققة وأكثرها موضوعة ومكذوبة - من صنع الروافض - لا تصح من حيث السند ولا من حيث المعنى!
فإن قيل أن سيد قطب لم يكن يريد الطعن لمجرد الطعن على طريقة الروافض الخبثاء.. وإنما أراد أن يظهر عظمة النظام الاقتصادي في الإسلام، وما كان قد اعترى هذا النظام من فساد وانحراف في أواخر عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه؟!
أقول: مهما قيل عن الدافع والملابسات التي حملت سيد - في تلك الحقبة والمرحلة - على النقد الجارح لبعض الصحابة رضي الله عنهم فهو مخطئ، وخطأه مردود عليه لا يُتابع فيه!
لكنها مرحلة كذلك لا يجوز أن يُقيم سيد رحمه الله من خلالها.. وبخاصة أنه يُنقل عن سيد أنه تخلى عنها وعن كثير مما كتب فيها.. كما يُنقل ذلك عن أخيه محمد قطب وغيره من الباحثين [ انظر سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 509 ]!
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة النضج والجهاد، والبلاء.. التي تعتبر ناسخة لجميع مراحل حياة سيد المتقدمة والتي بدأت في أوائل الخمسينيات.. وانتهت بنهاية حياة سيد معلقاً على أعواد مشانق الطواغيت، بعد عدة سنوات قضاها في سجون الظالمين!
وفي هذه المرحلة الناسخة صدر عن سيد رحمه الله الكتب التالية: الظلال، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، وخصائص التصور الإسلامي، ومقومات التصور الإسلامي، والإسلام ومشكلات الحضارة، وكتابه العظيم معالم في الطريق..
فمن أراد أن يقيّم سيد قطب، وإنجازه العلمي عليه أن يعكف على هذه المرحلة من حياته، وعلى إنجازاته العلمية التي أنجزها في تلك المرحلة الجادة من حياته.
2) عند تقييم سيد رحمه الله ينبغي النظر إلى جميع جوانب سيد:
الإبداعية العلمية منها إضافة إلى مواقفه الدعوية والجهادية، وما تعرض له من بلاء وتعذيب في سبيل الدعوة إلى الله.. كما ينبغي النظر إلى الخاتمة التي ختم عليها سيد التي تجب ما قبلها؛ وهي خاتمة خير وشهادة إن شاء الله ولا نزكيه على الله.. فهذا كله يجب أن يكون معتبراً عند التقييم، والحكم على سيد!
فكثير من الدعاة يكتب كتابات جيدة ومنمقة.. ولكن لا يواكبها مواقف دعوية ترقى بصاحبها إلى مستوى الكلمات التي خطها في كتبه.. ولو نظرت إلى كثير من هؤلاء لوجدتهم يتوسدون عتبات الطواغيت يستعطفونهم المن والعطاء.. مع علمهم أن الطاغوت لا يمكن أن يقبل منهم مقابل ذلك العطاء أقل من الولاء والجدال عنه في الباطل والزور.. فمثل هؤلاء أنى تنفعهم كتبهم ومؤلفاته المنمقة والمدعومة.. وهم في نفس الوقت يكذبونها بمواقفهم العملية والتي هي أصدق تعبيراً عما في أنفسهم من أمراض وآفات!
3) قد وقع سيد قطب رحمه الله في أخطاء:
لا يُتابع فيها، ولا يُقر عليها.. ويُحذر منها - أي من الأخطاء - كل من أراد أن يطالع كتب سيد.. من تلك الأخطاء: وقوعه في التأويل المذموم وموافقته لمذاهب الأشاعرة في الصفات.. ومنها قوله بعدم حجية خبر الآحاد في العقائد وهذا بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة!
فهذه الأخطاء لا يُتابع عليها سيد.. ويجب الاعتراف بأنها أخطاء وأن سيداً قد أخطأ في تلك المسائل.. وأنه لم يوفق إلى الحق والصواب فيها.. وهذا طبع البشر المجبولين على الخطأ.. والكمال عزيز.. وجلّ من لا يُخطئ!
4) لم يكن سيد هو أول وآخر من أخطأ في مسائل الصفات.. وكذلك خبر الآحاد:
فإن كثيراً من فحول الأمة وعلمائها الأقدمين قد وقعوا في هذا النوع من الخطأ.. وسيد متابع لهم ولأقوالهم.. وذلك لم يمنع من إنصافهم والثناء عليهم بما أصابوا فيه.. والاستفادة من علومهم وكتبهم النافعة!
فالإنصاف في هذه الحالة يقتضي أن يُقال: أصاب سيد في كذا.. وأخطأ في كذا.. وليس أخطأ في كذا ونعمي العين - لهوى متبع - عما قد أصاب فيه وأجاد.. وما أضخم هذا الجانب عند سيد رحمه الله؟!
5) لسيد قطب رحمه الله حسنات تتمثل في جهاده وصدعه بالحق، وبلائه الكبير في سبيل هذه الدعوة:
نرجو إن شاء الله أن تكون كفارة له عما قد أخطأ فيه.. فإن الحسنات يذهبن السيئات.. وكذلك البلاء فإنه يطهر صاحبه من الخطايا والذنوب والآثام إلى أن يجعله يمشي على الأرض وما عليه خطيئة واحدة.. والبلاء بالنسبة للمؤمنين وبخاصة منهم العلماء العاملين قرينة صريحة على قوة الإيمان والدين.
كما في الحديث: "يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يزال بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " وقال صلى الله عليه وسلم : " وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". وقال صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم المثل فالأمثل..".
وسيد قطب رحمه الله قد ابتلي بلاء شديداً في سبيل الدعوة إلى الله وإلى دينه.. في سبيل شهادة التوحيد أن لا إله إلا الله.. حيث امتد اعتقاله في زنازين الطواغيت إلى أكثر من عشر سنوات.. إلى أن صدر الطاغوت بحقه حكم الإعدام شنقاً.. وكان سيد رحمه الله بإمكانه أن يريح نفسه من كل هذا العناء بكلمة اعتذار يخطها للطاغوت، كما كان يتمنى الطاغوت ذلك منه - كلمة اعتذار بل كلمات تبجيل وولاء وفداء يخطها كثير من الدعاة في هذا الزمان ممن ينقمون على سيد جهاده وصبره على البلاء.. من أجل فتات يسير يرميه إليهم الطاغوت، أو حظ من حظوظ الدنيا يلتمسونه عنده.. وليس من أجل أن يعتقوا رقابهم من حكم الإعدام شنقاً - ولكن أبى سيد إلا أن يكون صادقاً مع الكلمة التي طالما كتب ودافع عنها ألا وهي شهادة التوحيد لا إله إلا الله.. وإن أدى ذلك إلى تعليقه على أعواد مشانق الطواغيت الظالمين!
6) قبل أن يلتزم سيد بالإسلام كان أديباً حاذقاً:
قد اشتغل بالأدب وفنونه كتابة وقراءة وتدريسا، حتى فاق فحول الأدب والبلاغة في زمانه.. وهذا - مما لا شك فيه - قد أثر على أسلوبه عندما كتب عن الإسلام في مراحله المتأخرة.. لذا قد يجد القارئ أحياناً بعض العبارات والاطلاقات المشكلة على الأفهام يغلب عليها الطابع الأدبي البياني.. فليس من العدل مثلاً أن يُحكم على " الظلال " هذا العمل النافع الضخم الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة.. بأنه " ضلال وظلام " وغير ذلك من الأوصاف الجائرة المجحفة.. من أجل تلك الاطلاقات أو العبارات المشكلة على الأفهام!
ليس من العدل والإنصاف أن يُحكم على " الظلال " هذا الكتاب العظيم.. الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة بالحرق والتلف - كما يقول بذلك بعض المعاصرين المشبوهين - من أجل أخطاء قد تحصر في صفحة أو صفحتين؟!
ولو صح هذا المنطق الأعوج الظالم لتعين حرق كتب ومؤلفات جميع أهل العلم.. ولما بقي كتاب لعالم سالماً للأمة!
فما من عالم إلا وأخذ عليه في مسألة ومسائل.. وما من كتاب إلا وقيل فيه ورد عليه.. حاشا كتاب الله تعالى.. والكتب الحاوية للسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
7) ما وقع فيه سيد من خطأ - قد تقدمت الإشارة إليه - لم يمنع الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من أن يثني خيراً على سيد:
وأن يستدل بكلام سيد كما في مقدمة كتابه " مختصر العلو " حيث استدل بكلام لسيد قطب - بصيغة المدح والتأييد - ما يعادل ثلاث صفحات، وابتدأ كلامه: فها هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله.. وبدأ بسرد كلامه!
والسؤال: إذا كان الشيخ الألباني يصف سيد قطب بالأستاذ الكبير ويترحم عليه.. ويستدل بكلامه في أكثر من ثلاث صفحات متتاليات في مقدمة الكتاب فقط.. فكيف بربيع المدخلي ومن تابعه من المقلدة الجهال يشتمون سيداً ويرمونه بالضلال وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة.. ويحذرون منه ومن كتبه؟!
فأيهما على حق وصواب الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أدرى بمادئ وقواعد الجرح والتعديل.. الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أولى بالاتباع والتقليد - إن جاز التقليد في مثل هذه المواضع - الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما السلفي ويمثل الرأي السلفي المعاصر الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
قلتم: أن الشيخ بكر أبو زيد قد أخطأ وخرج عن السلفية.. ونصر أهل البدع.. عندما لم يوافق المدخلي على جهالاته وإطلاقاته الجائرة بحق سيد رحمه الله.. فهل تجرؤون أن تقولوا في الشيخ ناصر ما قلتموه في الشيخ بكر؟!
ومما استدل به الشيخ ناصر من كلام سيد بصيغة المدح والتأييد:
هو نفسه مما ينكره المدخلي على سيد أشد الإنكار، ويعتبر - بسبب جهله لقواعد التكفير - أن سيداً قد كفر الناس والمجتمعات بهذه الكلمات!
وإليك الكلمات التي استدل بها الشيخ ناصر من كلام سيد رحمهما الله تعالى، فقال الشيخ ناصر: ثم ذكر - أي سيد - رحمه الله عاملين آخرين، ثم قال: " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية.. فلا بد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل المؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منه..".
هذا الكلام يستدل به الشيخ الألباني بصيغة المدح والتأييد كما في مقدمته لكتابه مختصر العلو.. بينما المدخلي يعتبر هذا الكلام - بسبب جهله بضوابط وقواعد التكفير - أنه تكفير للناس والمجتمعات بأعيانها!
ومما حمل المدخلي على الحنق والحقد على سيد هذه العبارات وأمثالها التي تغيظ الطواغيت الظالمين.. ولكن أنظر - أيها الأخ السائل - الفرق بين موقف وفهم الشيخ ناصر لهذه الكلمات وبين موقف وفهم المدخلي لها؟!
ونعيد هنا ما كنا قد سألناه من قبل: أيهما السلفي، ويمثل السلفية المعاصرة الشيخ ناصر.. أم المدخلي.. وأيهما أكثر فهماً للسلفية الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أكثر غيرة على السلفية الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
9) كل ما تقدم يجعلنا نضع إشارات استفهام عديدة على موقف ربيع المدخلي المغالي تجاه سيد وكتب سيد؟!
ما الذي حمله على هذا الحنق والحقد، وهذه الدعاية المكثفة ضد سيد وكتبه تحديداً.. أهو نصرة الحق والمنهج السلفي كما يدعي.. أم الرغبة الجامحة في خدمة طواغيت الحكم المعاصرين الذين تغيظهم كتب وأفكار سيد.. من خلال تنفير الناس عن فكر وكتب سيد رحمه الله؟!
من المستفيد من هذه الحملة الشعواء الطائشة على سيد وفكره وكتبه.. طلاب العلم.. المنهج السلفي.. أم طواغيت الحكم والكفر والجور.. الذين استهدفهم سيد في كثير من كتاباته وكلامه، ومواقفه؟!
آتوني بطاغوت واحد من طواغيت الأرض ممن يحكمون المسلمين بقوانين الكفر والشرك والظلم.. قد تكلم عليه ربيع المدخلي كلمة واحدة.. وليس كما يتكلم على سيد.. أو ألف فيه مقالاً وأوراقاً وليس كتباً ومؤلفات كما كتب في سيد.. أو حذر الأمة من شره وكفره وخطره كما يحذر الناس من سيد ومن فكره؟!
أم أن تحذير الأمة من كفر الطواغيت وإجرامهم وباطلهم لا تخدم الدعوة السلفية والشباب السلفي.. كالتحذير من سيد وكتبه؟!
كل هذا مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على هذه الحملة المشبوهة والمريبة التي يتزعمها ربيع المدخلي ومن معه من أتباعه ومقلديه - كالحلبي والهلالي - على سيد، وعلى كتب وفكر سيد رحمه الله؟!
القضية لو وقفت عند نقد سيد فيما قد أخطأ فيه وبيان الحق في ذلك - من غير جنوح إلى إفراط ولا تفريط - وبتجرد وإنصاف، لما وجدت مشكلة - حول سيد - مع ربيع المدخلي ولا غيره ممن يقلدونه.. لأنه لا أحد يقول بعصمة سيد أو أنه فوق أن يُعقب عليه.. بل هو ممن يخطئ ويصيب.. يؤخذ منه ويرد عليه.. ولكن ذلك كله ينبغي أن يكون في حدود الإنصاف والعدل الذي ينبغي أن يتحلى به الباحث الإسلامي.. وهذا لم نلمسه من المدخلي عندما يكتب أو يتكلم عن سيد وجهاد سيد، وعلم سيد!
رحم الله سيد قطب رحمة واسعة.. وعفا عنه وعن زلاته وأخطائه.. وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.. كما صدع بالحق.. وأبان الطريق.. وجاد بنفسه في سبيل الله.. وخط ببنانه الظلال ومعالم في الطريق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
19/12/1421 هـ
وردني سؤال يقول: قد كثر مؤخراً الكلام على سيد قطب رحمه الله بين طاعن ومادح.. واختلط الأمر على كثير من الشباب.. فما تقييمكم لذلك، وما هو رأيكم في سيد.. وجزاكم الله خيراً؟
* * *
الجواب:
الحمد لله رب العالمين.
عند الحديث عن كبار أهل العلم وإرادة تقييمهم، والحكم عليهم بالجرح أو التعديل، لا بد من النظر إلى عدة أمور:
منها: النظر إلى مجموع حسنات العالم ومجموع مواقفه وأحواله.. ومن جهة أخرى النظر إلى مجموع سيئاته أو أخطائه إن وجدت، وإجراء عملية الترجيح بينهما، وبيان أيهما يغلب ويرجح على الآخر!
ومنها: رد المتشابه من أقواله وكلامه إلى المحكم.. وبناء الأحكام عليه وعلى أفكاره ومذاهبه من خلال المحكم الصادر عنه، وليس المتشابه.. حيث ما من عالم إلا وله عبارات متشابهة حمالة أوجه لو أخذت بمفردها، وحوكم على أساسها لظلم العالم وفُهم خطأ، وربما لضلل وفُسق.. ولكن عندما يرد هذا المتشابه إلى المحكم من كلامه ومواقفه، فإن الصورة تتضح أكثر، ويكون الحكم والقرار أقرب إلى الإنصاف والعدل.
ومنها: النظر إلى مجموع مراحل الطلب والالتزام الذي مر بها العالم.. والتفريق بين مراحل ما قبل الالتزام - إن وجدت - وبين مراحل ما بعد الالتزام، واعتماد المراحل الأخيرة من حياته، واجتهاداته، وإطلاقاته.. فالعبرة بالخواتيم، وبما يُختم به على المرء.
فمن الظلم كل الظلم أن تقيم الإنسان من خلال حياته المنحرفة أيام جاهليته - إن وجدت - وتغض الطرف عن مرحلة ما بعد ذلك من التوبة والاستقامة والالتزام والجهاد التي خُتمت به حياته!
ومنها: مراعاة الظروف والأجواء والملابسات المحيطة به لحظة وقوع العالم في الخطأ.. فهي تعيننا على فهم مراده وقصده مما قد أخطأ فيه.. والدافع الذي حمله على الوقوع في الخطأ!
ثم أن هذه الأجواء والملابسات المحيطة به إن لم تمنع من تخطئته والإشارة إلى قوله أو فعله بأنه خطأ إلا أنها قد تمنع تكفيره أو تضليله وتفسيقه!
ومنها: التجرد من الهوى والتحامل المجحف، والأحكام المسبقة عندما يريد الإنسان أن يقيّم إنساناً آخر، وبخاصة إن كان هذا الآخر عالماً من علماء الأمة له سابقة جهاد وبلاء في سبيل الله.. وما أقل هؤلاء المنصفين المتجردين من أهوائهم للحق في زماننا!
فهذا التمهيد هام وضروري بين يدي الجواب على السؤال الوارد أعلاه، والخاص بسيد رحمه الله.. وألخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية:
1) مر سيد قطب رحمه الله في حياته في ثلاثة مراحل:
مرحلة ما قبل الالتزام، ومرحلة التحول إلى الإسلام والعمل الإسلامي، ومرحلة النضج والالتزام والانطلاق الجاد في الدعوة لهذا الدين والجهاد في سبيل الله، وهذه مراحل المتأخر منها ناسخ لما تقدم منها.
فمرحلة ما قبل الالتزام بالدعوة والعمل الإسلامي امتدت تقريباً إلى سنة 1945.. تقلب فيها سيد بين حزبي الوفد والسعديين، ومناصرة العقاد وأدبه وفكره.. وفي هذه المرحلة كتب سيد مقالات وأبحاث عدة، يؤخذ عليه كثير مما كتب فيها.. ولو أراد المرء أن يقيم سيد من خلال كتاباته ومواقفه في تلك المرحلة التي أنهاها بكتابه المعروف " بالتصوير الفني في القرآن " لخرج بطامات لا يستهان بها في ميزان العقيدة والتوحيد.. ولكنها حياة منسوخة بالنسبة لسيد بما صدر عنه فيما بعد من كتابات ومواقف.
فليس من الإنصاف والعدل أن يعكف المرء على كتابات سيد في تلك المرحلة - التي يسميها سيد نفسه في أكثر من موضع في الظلال وغيره بأنها مرحلة الضياع - ثم يخرج للناس ليقول لهم انظروا ماذا يقول سيد.. وهذه هي مواقف سيد؟!
أما المرحلة الثانية: وهي مرحلة التحول إلى العمل الإسلامي والتي انتهت تقريباً في نهاية عام 1950.. في هذه المرحلة تجرأ سيد على الكتابة في مسائل لم يُسبق إليها من أحد، وقبل أن يتمكن من علوم الإسلام وبخاصة منها علمي الحديث والفقه مما أدى إلى وقوعه في بعض الأخطاء التي أخذت عليه كما في كتابه " العدالة الاجتماعية " الذي يُعتبر أول كتاب إسلامي له.. والذي كتبه عام 1948 تقريباً في أوج استفحال الاشتراكية وانتشارها في الأمصار، مما حمل بعض الدعاة آنذاك أن يتكلموا ويكتبوا عن اشتراكية الإسلام مواكبة للتيار الجارف الداعي للاشتراكية.. من جملة هذه الأخطاء التي أخذت على سيد في كتابه المذكور طعنه ببعض الصحابة وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين.. معتمداً في ذلك على روايات غير محققة وأكثرها موضوعة ومكذوبة - من صنع الروافض - لا تصح من حيث السند ولا من حيث المعنى!
فإن قيل أن سيد قطب لم يكن يريد الطعن لمجرد الطعن على طريقة الروافض الخبثاء.. وإنما أراد أن يظهر عظمة النظام الاقتصادي في الإسلام، وما كان قد اعترى هذا النظام من فساد وانحراف في أواخر عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه؟!
أقول: مهما قيل عن الدافع والملابسات التي حملت سيد - في تلك الحقبة والمرحلة - على النقد الجارح لبعض الصحابة رضي الله عنهم فهو مخطئ، وخطأه مردود عليه لا يُتابع فيه!
لكنها مرحلة كذلك لا يجوز أن يُقيم سيد رحمه الله من خلالها.. وبخاصة أنه يُنقل عن سيد أنه تخلى عنها وعن كثير مما كتب فيها.. كما يُنقل ذلك عن أخيه محمد قطب وغيره من الباحثين [ انظر سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 509 ]!
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة النضج والجهاد، والبلاء.. التي تعتبر ناسخة لجميع مراحل حياة سيد المتقدمة والتي بدأت في أوائل الخمسينيات.. وانتهت بنهاية حياة سيد معلقاً على أعواد مشانق الطواغيت، بعد عدة سنوات قضاها في سجون الظالمين!
وفي هذه المرحلة الناسخة صدر عن سيد رحمه الله الكتب التالية: الظلال، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، وخصائص التصور الإسلامي، ومقومات التصور الإسلامي، والإسلام ومشكلات الحضارة، وكتابه العظيم معالم في الطريق..
فمن أراد أن يقيّم سيد قطب، وإنجازه العلمي عليه أن يعكف على هذه المرحلة من حياته، وعلى إنجازاته العلمية التي أنجزها في تلك المرحلة الجادة من حياته.
2) عند تقييم سيد رحمه الله ينبغي النظر إلى جميع جوانب سيد:
الإبداعية العلمية منها إضافة إلى مواقفه الدعوية والجهادية، وما تعرض له من بلاء وتعذيب في سبيل الدعوة إلى الله.. كما ينبغي النظر إلى الخاتمة التي ختم عليها سيد التي تجب ما قبلها؛ وهي خاتمة خير وشهادة إن شاء الله ولا نزكيه على الله.. فهذا كله يجب أن يكون معتبراً عند التقييم، والحكم على سيد!
فكثير من الدعاة يكتب كتابات جيدة ومنمقة.. ولكن لا يواكبها مواقف دعوية ترقى بصاحبها إلى مستوى الكلمات التي خطها في كتبه.. ولو نظرت إلى كثير من هؤلاء لوجدتهم يتوسدون عتبات الطواغيت يستعطفونهم المن والعطاء.. مع علمهم أن الطاغوت لا يمكن أن يقبل منهم مقابل ذلك العطاء أقل من الولاء والجدال عنه في الباطل والزور.. فمثل هؤلاء أنى تنفعهم كتبهم ومؤلفاته المنمقة والمدعومة.. وهم في نفس الوقت يكذبونها بمواقفهم العملية والتي هي أصدق تعبيراً عما في أنفسهم من أمراض وآفات!
3) قد وقع سيد قطب رحمه الله في أخطاء:
لا يُتابع فيها، ولا يُقر عليها.. ويُحذر منها - أي من الأخطاء - كل من أراد أن يطالع كتب سيد.. من تلك الأخطاء: وقوعه في التأويل المذموم وموافقته لمذاهب الأشاعرة في الصفات.. ومنها قوله بعدم حجية خبر الآحاد في العقائد وهذا بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة!
فهذه الأخطاء لا يُتابع عليها سيد.. ويجب الاعتراف بأنها أخطاء وأن سيداً قد أخطأ في تلك المسائل.. وأنه لم يوفق إلى الحق والصواب فيها.. وهذا طبع البشر المجبولين على الخطأ.. والكمال عزيز.. وجلّ من لا يُخطئ!
4) لم يكن سيد هو أول وآخر من أخطأ في مسائل الصفات.. وكذلك خبر الآحاد:
فإن كثيراً من فحول الأمة وعلمائها الأقدمين قد وقعوا في هذا النوع من الخطأ.. وسيد متابع لهم ولأقوالهم.. وذلك لم يمنع من إنصافهم والثناء عليهم بما أصابوا فيه.. والاستفادة من علومهم وكتبهم النافعة!
فالإنصاف في هذه الحالة يقتضي أن يُقال: أصاب سيد في كذا.. وأخطأ في كذا.. وليس أخطأ في كذا ونعمي العين - لهوى متبع - عما قد أصاب فيه وأجاد.. وما أضخم هذا الجانب عند سيد رحمه الله؟!
5) لسيد قطب رحمه الله حسنات تتمثل في جهاده وصدعه بالحق، وبلائه الكبير في سبيل هذه الدعوة:
نرجو إن شاء الله أن تكون كفارة له عما قد أخطأ فيه.. فإن الحسنات يذهبن السيئات.. وكذلك البلاء فإنه يطهر صاحبه من الخطايا والذنوب والآثام إلى أن يجعله يمشي على الأرض وما عليه خطيئة واحدة.. والبلاء بالنسبة للمؤمنين وبخاصة منهم العلماء العاملين قرينة صريحة على قوة الإيمان والدين.
كما في الحديث: "يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يزال بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " وقال صلى الله عليه وسلم : " وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". وقال صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم المثل فالأمثل..".
وسيد قطب رحمه الله قد ابتلي بلاء شديداً في سبيل الدعوة إلى الله وإلى دينه.. في سبيل شهادة التوحيد أن لا إله إلا الله.. حيث امتد اعتقاله في زنازين الطواغيت إلى أكثر من عشر سنوات.. إلى أن صدر الطاغوت بحقه حكم الإعدام شنقاً.. وكان سيد رحمه الله بإمكانه أن يريح نفسه من كل هذا العناء بكلمة اعتذار يخطها للطاغوت، كما كان يتمنى الطاغوت ذلك منه - كلمة اعتذار بل كلمات تبجيل وولاء وفداء يخطها كثير من الدعاة في هذا الزمان ممن ينقمون على سيد جهاده وصبره على البلاء.. من أجل فتات يسير يرميه إليهم الطاغوت، أو حظ من حظوظ الدنيا يلتمسونه عنده.. وليس من أجل أن يعتقوا رقابهم من حكم الإعدام شنقاً - ولكن أبى سيد إلا أن يكون صادقاً مع الكلمة التي طالما كتب ودافع عنها ألا وهي شهادة التوحيد لا إله إلا الله.. وإن أدى ذلك إلى تعليقه على أعواد مشانق الطواغيت الظالمين!
6) قبل أن يلتزم سيد بالإسلام كان أديباً حاذقاً:
قد اشتغل بالأدب وفنونه كتابة وقراءة وتدريسا، حتى فاق فحول الأدب والبلاغة في زمانه.. وهذا - مما لا شك فيه - قد أثر على أسلوبه عندما كتب عن الإسلام في مراحله المتأخرة.. لذا قد يجد القارئ أحياناً بعض العبارات والاطلاقات المشكلة على الأفهام يغلب عليها الطابع الأدبي البياني.. فليس من العدل مثلاً أن يُحكم على " الظلال " هذا العمل النافع الضخم الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة.. بأنه " ضلال وظلام " وغير ذلك من الأوصاف الجائرة المجحفة.. من أجل تلك الاطلاقات أو العبارات المشكلة على الأفهام!
ليس من العدل والإنصاف أن يُحكم على " الظلال " هذا الكتاب العظيم.. الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة بالحرق والتلف - كما يقول بذلك بعض المعاصرين المشبوهين - من أجل أخطاء قد تحصر في صفحة أو صفحتين؟!
ولو صح هذا المنطق الأعوج الظالم لتعين حرق كتب ومؤلفات جميع أهل العلم.. ولما بقي كتاب لعالم سالماً للأمة!
فما من عالم إلا وأخذ عليه في مسألة ومسائل.. وما من كتاب إلا وقيل فيه ورد عليه.. حاشا كتاب الله تعالى.. والكتب الحاوية للسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
7) ما وقع فيه سيد من خطأ - قد تقدمت الإشارة إليه - لم يمنع الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من أن يثني خيراً على سيد:
وأن يستدل بكلام سيد كما في مقدمة كتابه " مختصر العلو " حيث استدل بكلام لسيد قطب - بصيغة المدح والتأييد - ما يعادل ثلاث صفحات، وابتدأ كلامه: فها هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله.. وبدأ بسرد كلامه!
والسؤال: إذا كان الشيخ الألباني يصف سيد قطب بالأستاذ الكبير ويترحم عليه.. ويستدل بكلامه في أكثر من ثلاث صفحات متتاليات في مقدمة الكتاب فقط.. فكيف بربيع المدخلي ومن تابعه من المقلدة الجهال يشتمون سيداً ويرمونه بالضلال وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة.. ويحذرون منه ومن كتبه؟!
فأيهما على حق وصواب الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أدرى بمادئ وقواعد الجرح والتعديل.. الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أولى بالاتباع والتقليد - إن جاز التقليد في مثل هذه المواضع - الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما السلفي ويمثل الرأي السلفي المعاصر الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
قلتم: أن الشيخ بكر أبو زيد قد أخطأ وخرج عن السلفية.. ونصر أهل البدع.. عندما لم يوافق المدخلي على جهالاته وإطلاقاته الجائرة بحق سيد رحمه الله.. فهل تجرؤون أن تقولوا في الشيخ ناصر ما قلتموه في الشيخ بكر؟!
ومما استدل به الشيخ ناصر من كلام سيد بصيغة المدح والتأييد:
هو نفسه مما ينكره المدخلي على سيد أشد الإنكار، ويعتبر - بسبب جهله لقواعد التكفير - أن سيداً قد كفر الناس والمجتمعات بهذه الكلمات!
وإليك الكلمات التي استدل بها الشيخ ناصر من كلام سيد رحمهما الله تعالى، فقال الشيخ ناصر: ثم ذكر - أي سيد - رحمه الله عاملين آخرين، ثم قال: " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية.. فلا بد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل المؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منه..".
هذا الكلام يستدل به الشيخ الألباني بصيغة المدح والتأييد كما في مقدمته لكتابه مختصر العلو.. بينما المدخلي يعتبر هذا الكلام - بسبب جهله بضوابط وقواعد التكفير - أنه تكفير للناس والمجتمعات بأعيانها!
ومما حمل المدخلي على الحنق والحقد على سيد هذه العبارات وأمثالها التي تغيظ الطواغيت الظالمين.. ولكن أنظر - أيها الأخ السائل - الفرق بين موقف وفهم الشيخ ناصر لهذه الكلمات وبين موقف وفهم المدخلي لها؟!
ونعيد هنا ما كنا قد سألناه من قبل: أيهما السلفي، ويمثل السلفية المعاصرة الشيخ ناصر.. أم المدخلي.. وأيهما أكثر فهماً للسلفية الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
وأيهما أكثر غيرة على السلفية الشيخ ناصر أم المدخلي؟!
9) كل ما تقدم يجعلنا نضع إشارات استفهام عديدة على موقف ربيع المدخلي المغالي تجاه سيد وكتب سيد؟!
ما الذي حمله على هذا الحنق والحقد، وهذه الدعاية المكثفة ضد سيد وكتبه تحديداً.. أهو نصرة الحق والمنهج السلفي كما يدعي.. أم الرغبة الجامحة في خدمة طواغيت الحكم المعاصرين الذين تغيظهم كتب وأفكار سيد.. من خلال تنفير الناس عن فكر وكتب سيد رحمه الله؟!
من المستفيد من هذه الحملة الشعواء الطائشة على سيد وفكره وكتبه.. طلاب العلم.. المنهج السلفي.. أم طواغيت الحكم والكفر والجور.. الذين استهدفهم سيد في كثير من كتاباته وكلامه، ومواقفه؟!
آتوني بطاغوت واحد من طواغيت الأرض ممن يحكمون المسلمين بقوانين الكفر والشرك والظلم.. قد تكلم عليه ربيع المدخلي كلمة واحدة.. وليس كما يتكلم على سيد.. أو ألف فيه مقالاً وأوراقاً وليس كتباً ومؤلفات كما كتب في سيد.. أو حذر الأمة من شره وكفره وخطره كما يحذر الناس من سيد ومن فكره؟!
أم أن تحذير الأمة من كفر الطواغيت وإجرامهم وباطلهم لا تخدم الدعوة السلفية والشباب السلفي.. كالتحذير من سيد وكتبه؟!
كل هذا مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على هذه الحملة المشبوهة والمريبة التي يتزعمها ربيع المدخلي ومن معه من أتباعه ومقلديه - كالحلبي والهلالي - على سيد، وعلى كتب وفكر سيد رحمه الله؟!
القضية لو وقفت عند نقد سيد فيما قد أخطأ فيه وبيان الحق في ذلك - من غير جنوح إلى إفراط ولا تفريط - وبتجرد وإنصاف، لما وجدت مشكلة - حول سيد - مع ربيع المدخلي ولا غيره ممن يقلدونه.. لأنه لا أحد يقول بعصمة سيد أو أنه فوق أن يُعقب عليه.. بل هو ممن يخطئ ويصيب.. يؤخذ منه ويرد عليه.. ولكن ذلك كله ينبغي أن يكون في حدود الإنصاف والعدل الذي ينبغي أن يتحلى به الباحث الإسلامي.. وهذا لم نلمسه من المدخلي عندما يكتب أو يتكلم عن سيد وجهاد سيد، وعلم سيد!
رحم الله سيد قطب رحمة واسعة.. وعفا عنه وعن زلاته وأخطائه.. وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.. كما صدع بالحق.. وأبان الطريق.. وجاد بنفسه في سبيل الله.. وخط ببنانه الظلال ومعالم في الطريق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
19/12/1421 هـ