محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    الحرية بين الإسلام والديمقراطية

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    الحرية بين الإسلام والديمقراطية Empty الحرية بين الإسلام والديمقراطية

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 6:29 am

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

    وبعد...

    لا توجد كلمة تغنت بها الشعوب، واستهوتها قلوبهم ككلمة "الحرية"!

    تنادوا بها في كل وادٍ ونادٍ، وفي كل خطبة ومقالٍ أو كتاب، ورفعوها شعاراً، وجعلوها غاية يرخص في سبيلها كل غالٍ ونفيس!

    وفي كثير من الأحيان ينادون بها ولا يعرفون ما الذي يريدونه منها؟!

    إلى أن أصبحت هذه الكلمة - لشدة فتنة الناس بها - مطية دهاقنة الحكم والسياسة إلى أهدافهم ومآربهم ومصالحهم الخاصة، وليصرفوا إليهم وجوه الناس!

    وأصبحت الحرية - في كثير من الأحيان - ذريعة وسبباً لوأد الحرية، والحريات، وإعلان الحروب على كثير من الشعوب!

    وصوروا أن الديمقراطية هي التي تحقق لهم الحرية، لأنها تقوم على الحرية، لذا جعلوا من لوازم مناداتهم بالحرية التنادي بالديمقراطية، وكأن كل واحدة منهما لازمة للأخرى ومؤدية إليها ولا بد، فمن كان محباً للحرية والتحرر لا بد من أن ينادي بالديمقراطية، ويكون محباً لها والعكس كذلك، وكل من كان عدواً للديمقراطية فهو عدو للحرية، كما زعموا!

    والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة:

    هل الديمقراطية - كما تمارس في أرقى الدول الغربية الديمقراطية - فعلاً تحقق الحرية التي يحتاجها ويريدها الإنسان، وترقى به إلى المستوى المطلوب والمنشود من الحرية؟!

    وما هي نوعية وصفة وحدود الحرية التي تحققها الديمقراطية للشعوب؟!

    وهل الإنسان الأمريكي أو الأوربي فعلاً هو حر، وهل الحرية التي يعيشها في بلاده ومجتمعاته فعلاً هي الحرية، أو من الحرية؟!

    وهل الإسلام يتعارض مع مبدأ الحرية، أم أنه يقرها ويدعو إليها؟!

    ثم - إن كان يقرها - كيف ينظر للحرية، وكيف يمارسها، وما هو الممنوع منها وما هو المسموح؟!

    وهل الحرية التي يريدها الإسلام هي ذات الحرية التي تريدها الديمقراطية، أم يوجد فارق بينهما؟!

    ثم أيهما أصدق لهجة وواقعاً مع الحرية المنشودة، الإسلام أم الديمقراطية؟!

    هذه الأسئلة وغيرها تحملنا على المقارنة بين الحرية كما يريدها الإسلام، وكما مارسها لأكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة خلت، ولا يزال يمارسها ويدعو إليها، وبين الحرية كما تريدها الديمقراطية، وكما تمارس في واقع أرقى الدول والمجتمعات الديمقراطية المعاصرة، لنرى أيهما أجدى نفعاً، وأصدق لهجة، وأولى بالسلامة، وأقرب للحق والصواب!

    فأقول:

    الحرية في الديمقراطية، يقوم بتحديدها، وتحديد المسموح منها من الممنوع الإنسان القاصر الضعيف، وفق ما تملي عليه أهواؤه ونزواته وشهواته، وهذا يعني أن مساحة الحرية في الديمقراطية تتسع أحياناً وتضيق أحياناً، بحسب ما يرتئيه الإنسان المشرِّع في كل يوم أو ظرف، بحسب ما يظن فيه المصلحة!

    وهذا يعني أن الشعوب تكون حقل تجارب، وهي في حالة تغيير وتقلب مستمر مع ما يجوز لهم ومالا يجوز لهم من الحرية!

    بينما الحرية في الإسلام، الذي يقوم بتحديدها، وتحديد المسموح منها من الممنوع، هو الله تعالى وحده، خالق الإنسان المنزه عن صفات النقص أو الضعف والعجز، العالم بأحوال عباده وما يُناسبهم وما يحتاجون إليه، وبالتالي فالحرية في الإسلام تمتاز بالثبات والاستقرار، فالذي يجوز من الحرية للإنسان قبل ألف وأربعمائة سنة يجوز له إلى قيام الساعة، فكل امرئٍ يعرف ما له وما عليه، والمساحة التي يمكن أن يتحرك بها كحق وهبه الله إياه!

    كما أنها تمتاز بالحق المطلق والعدالة المطلقة؛ لأنها صادرة عن الله عز وجل، وهذا بخلاف الحرية في الديمقراطية الصادرة عن الإنسان الذي يحتمل الوقوع في الظلم والخطأ، والقصور!

    الحرية في الديمقراطية، يكون الإنسان حراً في دائرة المباحات التي أذن له المشرعون من البشر أن يتحرك بها!

    بينما الحرية في الإسلام، يكون الإنسان حراً في دائرة المباحات والمسموحات التي أذن الله بها، وأذن لعبده استباحتها والتنعم بها، والتحرك فيها!

    الحرية في الديمقراطية، تحارب وتنكر الشر الذي يتفق عليه المشرعون من البشر بأنه شرٌّ، وهذا من لوازمه - بحكم جهلهم وقصورهم وعجزهم - أن يدخلوا كثيراً من الشر في دائرة الخير الجائز والمباح، كما من لوازمه أن يدخلوا كثيراً من الخير في دائرة الشر الممنوع والمحظور، عقلاً وشرعاً!

    كم من أمر يجيزونه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه، وكذلك كم من أمر يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه، فيجيزونه ويُبيحونه، وهذا كله يقلل من قيمة الحرية التي يدعونها!

    بينما الحرية في الإسلام، تحارب وتنكر الشرَّ الذي حكم الله تعالى عليه بأنه شرٌّ، الذي ما بعده إلا الخير، وذلك لما ذكرناه آنفاً أن الله تعالى منزه عن الخطأ أو الزلل سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى لا يجيز إلا الخير والنافع، كما أنه لا يحرم إلا كل شرٍّ وقبيح!

    فالله تعالى جميل يحب الجمال، وبالتالي فهو لا يُشرِّع إلا الجميل والجمال، فحاشاه سبحانه وتعالى أن يشرع القبيح أو يأذن به!

    ومنه نعلم أن الحرية في الإسلام، تتحرك في جميع ميادينها مع الجميل والجمال، وتبتعد كل البعد عن الخبائث والقبائح!

    الحرية في الديمقراطية، تعبد العبيد للعبيد، فتجعل العبيد منقادين لعبيد ربما يكونون أقل منهم شأناً، يُشرعون ويُقننون لهم، يُحرمون ويُحلون لهم، وليس على الآخرين إلا الطاعة والاستسلام والانقياد، والخضوع!

    فأي حرية هذه، مع العبودية للمخلوق هذه؟!

    بينما الحرية في الإسلام، فإنها تعمل على تحرير العباد - كل العباد - من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه وتعالى!

    فإن قيل: هي في نهاية المطاف عبادة وعبودية، فأين الحرية؟!

    أقول: أجيب على هذا السؤال الساقط من أوجه:

    منها: أن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان، وأنشأه ورباه، وهداه النجدين، وسخر له الكون كله، وبالتالي من حقه سبحانه وتعالى أن يُعبد، ومن الواجب على عباده أن يعبدوه ويُخلصوا في عبادته سبحانه وتعالى، وشكره، واتباع أوامره!

    فعبادة العبد لخالقه وحده، عز، وفخر، ورفعة، وشرف ما بعده شرف، بينما عبادته للمخلوق العاجز الضعيف، ظلم، وذل، وضياع، وعذاب ما بعده عذاب!

    ومنها: أن المرء فُطر على العبودية والتدين، فهو إن لم يكن عبداً لخالقه، فسيكون لا محالة عبداً للمخلوق وفي الباطل، أياً كانت صورة ونوعية هذا المخلوق!

    ومنها: أن إفراد الله تعالى وحده بالعبادة، هو عين التحرر من عبادة الآلهة الأخرى الوضيعة المكذوبة المزعومة!

    الحرية في الديمقراطية، تُخضع الإنسان لكثير من المؤثرات والضغوط الخارجية التي تفقده كثيراً من حرية الاختيار والتفكير: ضغط الإعلام بجميع فروعه وتخصصاته ووسائله، ضغط إثارة الشهوات ووسائل اللهو بجميع أصنافها وألوانها، وما أضخمها، ضغط الحاجة والسعي الدؤوب وراء الرزق والكسب، ضغط سحرة الساسة والأحبار والرهبان ومدى تزويرهم للحقائق، ضغط المخدرات والمسكرات المنتشرة في كل مكان، وأخيراً التلويح باستخدام عصا الإرهاب والتهديد الجسدي والمادي لمن يستعصي على جميع تلك الوسائل والضغوطات، ولا يستعصي عليها إلا من رحمه الله، وما أقلهم!

    فهذه الضغوط والمؤثرات تُسلب المرء صفة حرية الاختيار، والتفكير، واتخاذ المواقف التي يريدها ويرضاها بعيداً عن تلك المؤثرات الخارجية المصطنعة!

    هذه الضغوط والمؤثرات التي يصعب الفكاك منها، تُسلب المرء حريته، وإن زعم بلسانه أنه حرٌّ، وظهر للآخرين بأنه حر!

    لذلك نجد طغاة القوم ومستكبريهم، وأحبارهم ورهبانهم، لا يحتاجون إلى مزيد عناء عندما يريدون من شعوبهم أن تسير في اتجاه دون اتجاه، أو يريدون حملهم على استعداء جهة دون جهة، أو على اختيار شيء دون شيء، يكفي لتحقيق ذلك أن يُسلطوا عليهم قليلاً من تلك المؤثرات والضغوطات الآنفة الذكر، ولفترة وجيزة من الوقت!

    هذه الضغوط والمؤثرات التي تسلب المرء حريته، هي المعنية من قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

    ليس مكر الليل وحسب، أو مكر النهار وحسب، بل هو مكر الليل والنهار وعلى مدار الوقت، بحيث لا يُعطى المرء منهم لحظة واحدة يخلد فيها للراحة والهدوء والتفكير، حتى لا يهتدي إلى الحق، ويعرف أين هو من الصواب!

    بينما الحرية في الإسلام، تحرر المرء من جميع تلك المؤثرات الخارجية التي تقلل من حريته وحرية اختياره وقراره، وربما تسلبها كلها، لتعيد له جميع قواه النفسية والجسدية والمعنوية، وترفع عنه جميع الأغلال والقيود، ثم تقول له بعد ذلك: اختر الذي تريده، {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

    الحرية في الديمقراطية، تمر بصاحبها على الجيف المتآكلة، وعلى القبائح، وعلى الأمراض، وعلى الفساد، وعلى كل ما يُفسد الذوق الجميل، والطبائع السوية، فتجرئه على الشذوذ والاعتداء، والإدمان على ذلك!

    ومثله كمثل الذي يقود سيارة بلا كوابح، ولا ضوابط، ولا مراعاة لحقوق طريق أو مار، فيصطدم بالجميع، ويمر على الجميع، ويعتدي على الجميع!

    بينما الحرية في الإسلام، تمر بصاحبها على كل ما هو جميل أو طيب، كما أنها لا تسمح له أن يتعدى ذلك، ليمر على الخبائث والجيف والأمراض، لتحافظ على سلامة ذوقه، وتفكيره، وصحته، وإيمانه!

    ومثله كمثل الذي يقود سيارة بكوابح وضوابط، ينطلق حيث ينبغي الانطلاق، ويقف حيث ينبغي التوقف، ويُعطي كل ذي حقٍّ حقه، من غير إفراطٍ ولا تفريط!

    الحرية في الديمقراطية، تظهر وكأنها منحة يمن بها الإنسان على أخيه الإنسان، يعطيه منها ما يشاء ويسلبها منه متى يشاء!

    بينما الحرية في الإسلام، حق وهبه الله تعالى لعباده، وفطرهم عليه، لا منة فيه لمخلوق على مخلوق، لا يجوز أن يُسلب أو يُنتقص منه شيء إلا بإذن الله، وبسلطانٍ بينٍ منه سبحانه وتعالى، يتجسد هذا المعنى في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض أمرائه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).

    هذه هي الحرية في الديمقراطية، وهذه هي الحرية في الإسلام، فأي الفريقين أولى بالحرية، والسلامة، والحق؟!

    الحرية في الديمقراطية أم الحرية في الإسلام؟!

    {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
    8/3/1423 هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 12:14 am