بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد؛
لا يخفى على أحد كون جريدة " الشرق الأوسط " سعودية التوجه، والدعم والتوجيه.. وبالتالي من وظائفها مواكبة وتغطية كل ما يجري على أرض الدولة السعودية، بصفة مدافع عن حرمات النظام الحاكم الفاسد والمتسلط على رقاب شعبه بالحديد والنار.. وبصفة الناصح، والدلال، والموجه، والمشارك في تشكيل القرارات الهامة للدولة والمجتمع.. والناقل لسياسة الفئة المالكة والحاكمة ووجهة نظرها!
والنظام السعودي في هذه الأيام ـ بحكم الضغوط الخارجية والداخلية ـ يزعم القيام بعملية إصلاح وترميم وترقيع لظاهرة الفساد العامة السائدة التي يعيشها في جميع جوانب الحكم والمجتمع.. وهذا يعني أن " جريدة الشرق الأوسط " لا بد من أن تدلي دلوها حول هذا الموضوع الهام عن طريق جهابذة كتابها المحترفين.. وبأسلوبها الصحفي الدبلوماسي.. يعرفون النظام الحاكم.. والفئة الحاكمة المتنفذة.. وغيرهم ممن يبحثون موضوع الإصلاح.. ويسألون عن المخرج.. بأقرب الطرق لنيل المجد والإصلاح.. وصناعة التحضر والحضارة من أوسع أبوابها.. هذا إذا أرادوا الإصلاح!
ولم يجدوا لهذه المهمة الحساسة سوى كاتبهم الجاهل الحاقد الذي يكرر ـ كالببغاء ـ كلام من سبقه من العلمانيين الحاقدين " أحمد البغدادي "، فكتب مقاله المنشور بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني)، 2004م، بعنوان " المفكرون الإسلاميون المعاصرون عاجزون عن تقديم أي مشاركة حضارية على المستوى الإنساني، ويقفون حائط صد لكل أفكار التقدم والنهضة "!
والمقال لو قيل لإنسان اجتمع فيه الحقد كله على الإسلام والمسلمين.. والجهل كله بالإسلام والمسلمين.. لما قدر على أن يكتب أكثر مما كتبه هذا الجاهل الحاقد المسمى بالبغدادي!
وحتى لا أتعب عين القارئ.. وأؤذيه بقراءة المقال المذكور.. أقوم بتلخيص أبرز أفكاره في النقاط التالية:
1) الحضارة كفعل إنساني وجدت قبل الأديان وقبل الأنبياء والرسل بملايين السنين!
أقول: وهذا يعني أن الإنسان الذي صنع تلك الحضارات وجد قبل نبي الله آدم عليه السلام بملايين السنين.. ومن آباء غير آدم عليه السلام!!
2) الحضارة والحضارات قامت من دون دين.. وهي لا تحتاج إلى الدين.. والأديان السماوية لا توجد فيها بذور الحضارة.. والنهضة الحضارية ليست من متطلبات الدين!
أقول: لولا حضارة ورقي وتعاليم الإسلام.. لا ندري هل كان " أحمد البغدادي "، ومن ينشر له في الشرق الأوسط.. ممن سيئدون الأم والأخت، والبنت.. أم ممن يعبدون أوثانا من تمر وطين وحجارة..؟!
3) لا توجد حضارة للإسلام.. وإنما توجد حضارة دار الإسلام.. وهي نتاج شعوب عدة ينتمون لأديان عدة.. ومنهم بلا دين.. وحضارة دار الإسلام استمرت فقط لقرن واحد؛ وهو القرن الرابع الهجري.. ثم انهارت واندثرت!
أقول: وهذا جهل مركب ومتعمد بتاريخ دولة امتد عدلها وخيرها لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة لتعم ثلثي الأرض!
وهو جهل كذلك بمفهوم ومعنى الحضارة والتحضر والرقي؛ حيث حصر التحضر والحضارة في الجانب المادي بعيدا عن الجانب الأخلاقي، والعقائدي، والفكري الثقافي.. فما قيمة هذه الآلة المتطورة إذا كان وراءها إنسان عبارة عن كتلة من الشر والفساد والدمار.. يستخدمها في جانب الشر، والسيطرة والهيمنة.. كما هو الحال في الإنسان الغربي المعاصر.. وكل إنسان تمرد على القيم والمبادئ الأخلاقية.. والوازع الديني الإيماني؟!!
4) لا علاقة بين الدين والحضارة والتقدم.. والإنسان بعقله يستطيع أن يعيش ويقيم أعظم الحضارات من دون الحاجة إلى دين.. والنهضة الحضارية ليست من متطلبات الدين!
أقول: وهذا كلام لا يصدر إلا عن ملحد جاهل حاقد.. منكر لفطرة الإنسان وحاجته لخالقه على مدار حياته ووقته!
5) تناقض العقل مع الدين الإسلامي ونصوصه.. حيث لا مكان ولا دور للعقل في الدين!
أقول: وهذا جهل بل تجاهل آخر لدرء تعارض العقل الصحيح السليم مع النقل الشرعي الصحيح.. ولقيمة العقل في نظر الإسلام.. وأن الحفاظ على العقل سالما من كل ما يوقفه عن ممارسة دوره ومهامه.. مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية!
نعم يوجد تعارض بين العقل السقيم المنحرف ـ كعقل أحمد البغدادي ومن لف لفه.. هذا إذا سلمنا بأن له عقل؛ إذ لو كان له عقل لما كتب مثل هذا المقال الساقط ـ وبين النقل الشرعي الصحيح.. فإن كان يقصد هذا المعنى فقد صدق؟!
6) الإسلام بنصوصه دين جامد لا يواكب الواقع ومستجدات العصر.. بخلاف العقل!
أقول: وهذا فيه اتهام وسب للخالق عز وجل .. بأن شرعه الذي شرعه لعباده جامد وقاصر لا يقدر على مواكبة العصر وحاجياته.. وهذا كفر وزندقة!
7) لا يوجد كتاب يحدد مفهوم الحرية كقيمة إنسانية للجميع.. وبالتالي لا يمكن للأضداد أن تتلاقى مهما فعلنا إلا إذا تجاوزنا أحكام الدين في هذا المجال!
أقول: هذا هو مراده أن يجمع الأضداد في سلة واحدة؛ الحق والباطل.. الكفر والإيمان.. الطهر والنجاسة.. العفة والفحش والفجور.. الخير والشر.. وهذا لا يتسنى له إلا بعد أن يتجاوز الدين وتعاليمه!
إنها حرية الشر والدمار والفساد والفجور والإلحاد.. وخرق السفينة في وسط البحر الهائج.. وهذا غير ممكن له إلا بعد التخلي عن كل شيء اسمه دين أو خلق!
كما أن قوله لا يوجد كتاب.. لهو دليل على جحوده لكتاب الله تعالى الذي بين الحقوق والواجبات.. أحسن بيان وتفصيل!
لا نهضة ولا تقدم ولا حضارة من دون حقوق الإنسان.. وفقهاء الإسلام يرفضون شيء اسمه حقوق الإنسان.. وهم لم يفكروا مطلقا بحقوق الإنسان.. والدين الإسلامي لم يرد فيه شيء عن حقوق الإنسان!
أقول: إضافة إلى أن هذا الكلام لا ينم إلا عن جهل مركب، وحقد مغلظ.. فهو يتضمن جحودا وكفرا مغلظا من أوجه:
منها: أن الله تعالى لم يشرع التشريع الذي يكفل من خلاله حقوق الإنسان!
ومنها: أن شرع الله تعالى ضد التقدم والحضارة.. لأنه لم يرد فيه شيء عن حقوق الإنسان.. كما زعم!!
ومنها: أن حقوق الإنسان في ظل دين الله منتهكة.. بدليل أن فقهاء الإسلام يرفضون شيئا أسمه حقوق الإنسان!
ومنها: أن الإنسان المخلوق يراعي حقوق الإنسان ويعرفها أكثر من خالق الإنسان!
9) الفكر الإسلامي المعاصر لا يؤمن بحرية الفكر في الرأي والتعبير والبحث العلمي، بل هو فكر يشجع على الإرهاب الفكري.. وهو فكر مناصر للاستبداد.. وهو فكر يحارب الروائي، والقاص، والكاتب، والمثقف، والصحفي، والأستاذ الجامعي، والمرأة.. فكيف يستطيع أن يفكر بالنهضة والتقدم والحضارة..؟!
أقول: لعله يقصد بالبحث العلمي.. والروائي، والقاص، والكاتب.. الروائي والقاص والكاتب الذي يقوم عمله على الشتم والطعن والاستهزاء بالله.. وآياته.. ورسوله.. ونشر الكفر والفساد، والإجرام.. كصاحب هذا المقال!
أقول: نعم الإسلام يمنع من هذا.. ويضرب على أيدي أصحابها بلا هوادة.. فإسلامنا يقوم على مبدأ عظيم أصيل.. به أصبحت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس.. وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وفي ذلك قمة التحضر والرقي والسلامة.. وليس الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كما هو حال الإباحية العلمانية.. التي يدعو إليها البغدادي.. وغيره من أبناء الأمة ممن فقدوا المناعة الفكرية الثقافية منذ زمن!
لا حرية للجراثيم القاتلة في جسد الأمة.. مثلنا ومثلكم مثل الجراثيم التي تغزو جسد الإنسان.. والكريات البيض التي تطارد وتلاحق تلك الجراثيم الفتاكة.. ستظلون تغزون الأمة بجراثيمكم السامة القاتلة.. ونحن في المقابل لكم بالمرصاد؛ سنظل نطاردكم ونلاحقكم إلى أن يفتح الله بيننا وبينكم.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله، كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } الأنبياء:18.
أما إن كان يعني غير هذا.. فهو كذاب أشر.. فالمكتبة الإسلامية ـ رغم إرهاب وديكتاتورية العلمانية المعاصرة الحاكمة ـ تزيد عن المليون كتاب وكتاب.. كلها تشهد على زوره وكذب ادعائه!
10) للنهضة شروطها وأولها فصل الدين عن الدنيا، وأن يبقى الدين على مستوى العلاقة الشخصية بين الخالق والمخلوق.. وهذا متعذر على الفكر الإسلامي.. وبالتالي لا مجال للفكر الإسلامي أن ينشغل بقضايا النهضة والتقدم والحضارة!
أقول: هذه هي النتيجة التي يريد أن يوصلنا إليها صاحب المقال ذو الجهل المركب.. والتي ينصح بها آل سعود.. ومن ينشدون الإصلاح.. وهي أن نكفر بألوهية وربوبية الخالق عز وجل .. وأن يتخذ بعضنا بعضا أربابا ومشرعين من دون الله.. فالحضارة وكذلك التقدم والرقي لا يمكن أن تقوم له قائمة ـ في نظر هذا الملحد ـ إلا بعد الكفر بألوهية الخالق عز وجل .. واتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، وفصل الدين.. وخالق الخلق عن الحياة وما خلق، كما قال تعالى عمن سبقنا من أهل الكتاب: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } التوبة:31.
ثم نسأل هذا الجاهل الحاقد: بلادنا منذ أكثر من ثمانين عاما تحكم من قبل العلمانية والعلمانيين الذين يفصلون الدين عن الحياة.. وعن الدولة والسياسة.. وهي مع ذلك تسير بشعوبها المقهورة من جهل إلى جهل.. ومن تخلف إلى تخلف.. ومن هزيمة إلى هزيمة.. ومن ذل إلى ذل.. فأين الحضارة والتقدم والرقي الذي تنشده من جراء فصل الدين عن الحياة.. والأمة تكتوي منك ومن علمانيتك لأكثر من قرن كامل مضى .. سوء التخلف والقهر والعذاب؟!!
11) الفضل الأكبر للحضارة الغربية الكاسحة التي نجت المسلمين من الاستبدادين السياسي والديني!
أقول: لعله يعني من قوله " نجت المسلمين من الاستبدادين السياسي والديني " ما تفعله آلة الحضارة الغربية من تقتيل وإجرام وتعد على الحرمات والأرواح الآمنة في أفغانستان، وفلسطين، والشيشان، والعراق.. وغيرها من البلدان!!
لعله يقصد ما تقدمه الحضارة الغربية المعاصرة من دعم وغطاء وشرعية لأنظمة طاغية ديكتاتورية تحكم بلاد المسلمين بالعلمانية.. والحديد والنار.. منذ عقود من السنين!
هذه الحضارة الغربية.. شريكة الأنظمة الديكتاتورية الطاغية الحاكمة في بلادنا في كل جريمة يرتكبونها بحق الشعوب المضطهدة والمقهورة.. هي الحضارة التي فتن بها صاحب المقال.. وهي التي يدعو المسلمين إلى الاقتداء بها.. وأن يحذوا حذوها!
هذه أهم وأبرز نقاط المقال.. وأنا هنا لا أريد أن أناقش هذه النقاط بشيء من التوسع، وإنما أكتفي بما تقدم من تعليق سريع، وذلك لبيان بطلانها وفسادها وكذب صاحبها.. على غلمان وصبيان المسلمين!
كما لا أريد أن أتوسع في مناقشة المقال من الناحية العقدية، وبيان بطلان وكفر ما ورد فيه.. فهو كذلك معلوم لصغار المسلمين!
كما أنني لا أريد أن أستدل على كفر وزندقة صاحب المقال.. فكفره وردته.. وانسلاخه من الدين لا تخفى على مسلم موحد يعرف دينه ويعرف ما عليه هذا الرجل من باطل.
وإنما الذي أود السؤال عنه:
كيف يمكن التوفيق بين ما تزعمه الدولة السعودية بأنها دولة إسلامية.. قائمة على التوحيد والعقيدة الصحيحة.. ثم هي في المقابل ترعى وتدعم.. مثل هذه الجريدة ـ وغيرها من الجرائد والمجلات ـ التي تنشر مثل هذه المقالات التي تدعو صراحة إلى الكفر والإلحاد ومحاربة الدين.. وفصل الدين عن الحياة؟؟!
كيف يمكن التوفيق بين القول بأنها دولة إسلامية.. ثم هي تسمح لمثل هذه المقالات أن توزع وتدخل كل بيت من بيوت المسلمين في بلاد الحرمين الشريفين.. ليفتنوا عن دينهم؟!!
ألم يقرءوا في كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وغيره من علماء نجد أن " الرضى بالكفر كفر " وأن الرضى بالشيء كفاعله؟!
أم أن من لوازم الإصلاح المنشود.. ترويض الناس على القبول بمزيد من الانسلاخ والتفلت، وفصل الدين عن الدولة والحياة.. وهذا يستدعي السماح لمثل هذه المقالات المنحرفة والمشبوهة.. أن تكتب وتنشر في الجرائد السعودية.. لتغزو الناس في مساكنهم وأسواقهم؟!
ترويض الناس في المجتمع السعودي المسلم.. على القبول بفكرة أن علماء الإسلام وفقهاء الدين لا يوجد عندهم مشروع حضاري تقدمي.. ولا يمكن أن يقدموا شيئا في سبيل تقدم ورفعة الأمة.. وبالتالي عليهم التخلي عنهم.. وعن مبادئهم ومناهجهم.. وأفكارهم.. ودينهم.. والالتفاف حول العلمانيين المتنورين التقدميين الذين يملكون المشاريع الحضارية التقدمية دون سواهم؟!
لعل هذا الذي ينشر.. لصد الناس عن دينهم.. وفتنتهم وإفسادهم.. هو خطوة من تلك الخطوات نحو الإصلاح المنشود، كما يقول ولي عهد النظام مخاطبا المتمردات المترجلات من نساء بلاد الحرمين: " الإصلاح.. خطوة.. خطوة "!
هذا ما ستنبئنا عنه الأيام القادمة.. وتعرفنا عليه بصورة أوضح.. فالأيام القادمة أيام حبلى بالمفاجآت.. ولكن هل ستلد مولودا مشوها عليلا نحذره.. أم مولودا سويا معافى نترقبه.. يولد معه فجر جديد.. وعهد من الخير جديد.. يعم الجزيرة العربية، وبلاد المسلمين؟!
نسأل الله تعالى الخير كله ظاهره وباطنه.. وأن يدفع عنا وعن أمة الإسلام.. وبلاد المسلمين.. الشر كله ظاهره وباطنه.. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
والحمد لله رب العالمين
[عبد المنعم مصطفى حليمة ؛ أبو بصير الطرطوسي | 28/11/1424 هـ]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد؛
لا يخفى على أحد كون جريدة " الشرق الأوسط " سعودية التوجه، والدعم والتوجيه.. وبالتالي من وظائفها مواكبة وتغطية كل ما يجري على أرض الدولة السعودية، بصفة مدافع عن حرمات النظام الحاكم الفاسد والمتسلط على رقاب شعبه بالحديد والنار.. وبصفة الناصح، والدلال، والموجه، والمشارك في تشكيل القرارات الهامة للدولة والمجتمع.. والناقل لسياسة الفئة المالكة والحاكمة ووجهة نظرها!
والنظام السعودي في هذه الأيام ـ بحكم الضغوط الخارجية والداخلية ـ يزعم القيام بعملية إصلاح وترميم وترقيع لظاهرة الفساد العامة السائدة التي يعيشها في جميع جوانب الحكم والمجتمع.. وهذا يعني أن " جريدة الشرق الأوسط " لا بد من أن تدلي دلوها حول هذا الموضوع الهام عن طريق جهابذة كتابها المحترفين.. وبأسلوبها الصحفي الدبلوماسي.. يعرفون النظام الحاكم.. والفئة الحاكمة المتنفذة.. وغيرهم ممن يبحثون موضوع الإصلاح.. ويسألون عن المخرج.. بأقرب الطرق لنيل المجد والإصلاح.. وصناعة التحضر والحضارة من أوسع أبوابها.. هذا إذا أرادوا الإصلاح!
ولم يجدوا لهذه المهمة الحساسة سوى كاتبهم الجاهل الحاقد الذي يكرر ـ كالببغاء ـ كلام من سبقه من العلمانيين الحاقدين " أحمد البغدادي "، فكتب مقاله المنشور بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني)، 2004م، بعنوان " المفكرون الإسلاميون المعاصرون عاجزون عن تقديم أي مشاركة حضارية على المستوى الإنساني، ويقفون حائط صد لكل أفكار التقدم والنهضة "!
والمقال لو قيل لإنسان اجتمع فيه الحقد كله على الإسلام والمسلمين.. والجهل كله بالإسلام والمسلمين.. لما قدر على أن يكتب أكثر مما كتبه هذا الجاهل الحاقد المسمى بالبغدادي!
وحتى لا أتعب عين القارئ.. وأؤذيه بقراءة المقال المذكور.. أقوم بتلخيص أبرز أفكاره في النقاط التالية:
1) الحضارة كفعل إنساني وجدت قبل الأديان وقبل الأنبياء والرسل بملايين السنين!
أقول: وهذا يعني أن الإنسان الذي صنع تلك الحضارات وجد قبل نبي الله آدم عليه السلام بملايين السنين.. ومن آباء غير آدم عليه السلام!!
2) الحضارة والحضارات قامت من دون دين.. وهي لا تحتاج إلى الدين.. والأديان السماوية لا توجد فيها بذور الحضارة.. والنهضة الحضارية ليست من متطلبات الدين!
أقول: لولا حضارة ورقي وتعاليم الإسلام.. لا ندري هل كان " أحمد البغدادي "، ومن ينشر له في الشرق الأوسط.. ممن سيئدون الأم والأخت، والبنت.. أم ممن يعبدون أوثانا من تمر وطين وحجارة..؟!
3) لا توجد حضارة للإسلام.. وإنما توجد حضارة دار الإسلام.. وهي نتاج شعوب عدة ينتمون لأديان عدة.. ومنهم بلا دين.. وحضارة دار الإسلام استمرت فقط لقرن واحد؛ وهو القرن الرابع الهجري.. ثم انهارت واندثرت!
أقول: وهذا جهل مركب ومتعمد بتاريخ دولة امتد عدلها وخيرها لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة لتعم ثلثي الأرض!
وهو جهل كذلك بمفهوم ومعنى الحضارة والتحضر والرقي؛ حيث حصر التحضر والحضارة في الجانب المادي بعيدا عن الجانب الأخلاقي، والعقائدي، والفكري الثقافي.. فما قيمة هذه الآلة المتطورة إذا كان وراءها إنسان عبارة عن كتلة من الشر والفساد والدمار.. يستخدمها في جانب الشر، والسيطرة والهيمنة.. كما هو الحال في الإنسان الغربي المعاصر.. وكل إنسان تمرد على القيم والمبادئ الأخلاقية.. والوازع الديني الإيماني؟!!
4) لا علاقة بين الدين والحضارة والتقدم.. والإنسان بعقله يستطيع أن يعيش ويقيم أعظم الحضارات من دون الحاجة إلى دين.. والنهضة الحضارية ليست من متطلبات الدين!
أقول: وهذا كلام لا يصدر إلا عن ملحد جاهل حاقد.. منكر لفطرة الإنسان وحاجته لخالقه على مدار حياته ووقته!
5) تناقض العقل مع الدين الإسلامي ونصوصه.. حيث لا مكان ولا دور للعقل في الدين!
أقول: وهذا جهل بل تجاهل آخر لدرء تعارض العقل الصحيح السليم مع النقل الشرعي الصحيح.. ولقيمة العقل في نظر الإسلام.. وأن الحفاظ على العقل سالما من كل ما يوقفه عن ممارسة دوره ومهامه.. مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية!
نعم يوجد تعارض بين العقل السقيم المنحرف ـ كعقل أحمد البغدادي ومن لف لفه.. هذا إذا سلمنا بأن له عقل؛ إذ لو كان له عقل لما كتب مثل هذا المقال الساقط ـ وبين النقل الشرعي الصحيح.. فإن كان يقصد هذا المعنى فقد صدق؟!
6) الإسلام بنصوصه دين جامد لا يواكب الواقع ومستجدات العصر.. بخلاف العقل!
أقول: وهذا فيه اتهام وسب للخالق عز وجل .. بأن شرعه الذي شرعه لعباده جامد وقاصر لا يقدر على مواكبة العصر وحاجياته.. وهذا كفر وزندقة!
7) لا يوجد كتاب يحدد مفهوم الحرية كقيمة إنسانية للجميع.. وبالتالي لا يمكن للأضداد أن تتلاقى مهما فعلنا إلا إذا تجاوزنا أحكام الدين في هذا المجال!
أقول: هذا هو مراده أن يجمع الأضداد في سلة واحدة؛ الحق والباطل.. الكفر والإيمان.. الطهر والنجاسة.. العفة والفحش والفجور.. الخير والشر.. وهذا لا يتسنى له إلا بعد أن يتجاوز الدين وتعاليمه!
إنها حرية الشر والدمار والفساد والفجور والإلحاد.. وخرق السفينة في وسط البحر الهائج.. وهذا غير ممكن له إلا بعد التخلي عن كل شيء اسمه دين أو خلق!
كما أن قوله لا يوجد كتاب.. لهو دليل على جحوده لكتاب الله تعالى الذي بين الحقوق والواجبات.. أحسن بيان وتفصيل!
لا نهضة ولا تقدم ولا حضارة من دون حقوق الإنسان.. وفقهاء الإسلام يرفضون شيء اسمه حقوق الإنسان.. وهم لم يفكروا مطلقا بحقوق الإنسان.. والدين الإسلامي لم يرد فيه شيء عن حقوق الإنسان!
أقول: إضافة إلى أن هذا الكلام لا ينم إلا عن جهل مركب، وحقد مغلظ.. فهو يتضمن جحودا وكفرا مغلظا من أوجه:
منها: أن الله تعالى لم يشرع التشريع الذي يكفل من خلاله حقوق الإنسان!
ومنها: أن شرع الله تعالى ضد التقدم والحضارة.. لأنه لم يرد فيه شيء عن حقوق الإنسان.. كما زعم!!
ومنها: أن حقوق الإنسان في ظل دين الله منتهكة.. بدليل أن فقهاء الإسلام يرفضون شيئا أسمه حقوق الإنسان!
ومنها: أن الإنسان المخلوق يراعي حقوق الإنسان ويعرفها أكثر من خالق الإنسان!
9) الفكر الإسلامي المعاصر لا يؤمن بحرية الفكر في الرأي والتعبير والبحث العلمي، بل هو فكر يشجع على الإرهاب الفكري.. وهو فكر مناصر للاستبداد.. وهو فكر يحارب الروائي، والقاص، والكاتب، والمثقف، والصحفي، والأستاذ الجامعي، والمرأة.. فكيف يستطيع أن يفكر بالنهضة والتقدم والحضارة..؟!
أقول: لعله يقصد بالبحث العلمي.. والروائي، والقاص، والكاتب.. الروائي والقاص والكاتب الذي يقوم عمله على الشتم والطعن والاستهزاء بالله.. وآياته.. ورسوله.. ونشر الكفر والفساد، والإجرام.. كصاحب هذا المقال!
أقول: نعم الإسلام يمنع من هذا.. ويضرب على أيدي أصحابها بلا هوادة.. فإسلامنا يقوم على مبدأ عظيم أصيل.. به أصبحت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس.. وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وفي ذلك قمة التحضر والرقي والسلامة.. وليس الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كما هو حال الإباحية العلمانية.. التي يدعو إليها البغدادي.. وغيره من أبناء الأمة ممن فقدوا المناعة الفكرية الثقافية منذ زمن!
لا حرية للجراثيم القاتلة في جسد الأمة.. مثلنا ومثلكم مثل الجراثيم التي تغزو جسد الإنسان.. والكريات البيض التي تطارد وتلاحق تلك الجراثيم الفتاكة.. ستظلون تغزون الأمة بجراثيمكم السامة القاتلة.. ونحن في المقابل لكم بالمرصاد؛ سنظل نطاردكم ونلاحقكم إلى أن يفتح الله بيننا وبينكم.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله، كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } الأنبياء:18.
أما إن كان يعني غير هذا.. فهو كذاب أشر.. فالمكتبة الإسلامية ـ رغم إرهاب وديكتاتورية العلمانية المعاصرة الحاكمة ـ تزيد عن المليون كتاب وكتاب.. كلها تشهد على زوره وكذب ادعائه!
10) للنهضة شروطها وأولها فصل الدين عن الدنيا، وأن يبقى الدين على مستوى العلاقة الشخصية بين الخالق والمخلوق.. وهذا متعذر على الفكر الإسلامي.. وبالتالي لا مجال للفكر الإسلامي أن ينشغل بقضايا النهضة والتقدم والحضارة!
أقول: هذه هي النتيجة التي يريد أن يوصلنا إليها صاحب المقال ذو الجهل المركب.. والتي ينصح بها آل سعود.. ومن ينشدون الإصلاح.. وهي أن نكفر بألوهية وربوبية الخالق عز وجل .. وأن يتخذ بعضنا بعضا أربابا ومشرعين من دون الله.. فالحضارة وكذلك التقدم والرقي لا يمكن أن تقوم له قائمة ـ في نظر هذا الملحد ـ إلا بعد الكفر بألوهية الخالق عز وجل .. واتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، وفصل الدين.. وخالق الخلق عن الحياة وما خلق، كما قال تعالى عمن سبقنا من أهل الكتاب: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } التوبة:31.
ثم نسأل هذا الجاهل الحاقد: بلادنا منذ أكثر من ثمانين عاما تحكم من قبل العلمانية والعلمانيين الذين يفصلون الدين عن الحياة.. وعن الدولة والسياسة.. وهي مع ذلك تسير بشعوبها المقهورة من جهل إلى جهل.. ومن تخلف إلى تخلف.. ومن هزيمة إلى هزيمة.. ومن ذل إلى ذل.. فأين الحضارة والتقدم والرقي الذي تنشده من جراء فصل الدين عن الحياة.. والأمة تكتوي منك ومن علمانيتك لأكثر من قرن كامل مضى .. سوء التخلف والقهر والعذاب؟!!
11) الفضل الأكبر للحضارة الغربية الكاسحة التي نجت المسلمين من الاستبدادين السياسي والديني!
أقول: لعله يعني من قوله " نجت المسلمين من الاستبدادين السياسي والديني " ما تفعله آلة الحضارة الغربية من تقتيل وإجرام وتعد على الحرمات والأرواح الآمنة في أفغانستان، وفلسطين، والشيشان، والعراق.. وغيرها من البلدان!!
لعله يقصد ما تقدمه الحضارة الغربية المعاصرة من دعم وغطاء وشرعية لأنظمة طاغية ديكتاتورية تحكم بلاد المسلمين بالعلمانية.. والحديد والنار.. منذ عقود من السنين!
هذه الحضارة الغربية.. شريكة الأنظمة الديكتاتورية الطاغية الحاكمة في بلادنا في كل جريمة يرتكبونها بحق الشعوب المضطهدة والمقهورة.. هي الحضارة التي فتن بها صاحب المقال.. وهي التي يدعو المسلمين إلى الاقتداء بها.. وأن يحذوا حذوها!
هذه أهم وأبرز نقاط المقال.. وأنا هنا لا أريد أن أناقش هذه النقاط بشيء من التوسع، وإنما أكتفي بما تقدم من تعليق سريع، وذلك لبيان بطلانها وفسادها وكذب صاحبها.. على غلمان وصبيان المسلمين!
كما لا أريد أن أتوسع في مناقشة المقال من الناحية العقدية، وبيان بطلان وكفر ما ورد فيه.. فهو كذلك معلوم لصغار المسلمين!
كما أنني لا أريد أن أستدل على كفر وزندقة صاحب المقال.. فكفره وردته.. وانسلاخه من الدين لا تخفى على مسلم موحد يعرف دينه ويعرف ما عليه هذا الرجل من باطل.
وإنما الذي أود السؤال عنه:
كيف يمكن التوفيق بين ما تزعمه الدولة السعودية بأنها دولة إسلامية.. قائمة على التوحيد والعقيدة الصحيحة.. ثم هي في المقابل ترعى وتدعم.. مثل هذه الجريدة ـ وغيرها من الجرائد والمجلات ـ التي تنشر مثل هذه المقالات التي تدعو صراحة إلى الكفر والإلحاد ومحاربة الدين.. وفصل الدين عن الحياة؟؟!
كيف يمكن التوفيق بين القول بأنها دولة إسلامية.. ثم هي تسمح لمثل هذه المقالات أن توزع وتدخل كل بيت من بيوت المسلمين في بلاد الحرمين الشريفين.. ليفتنوا عن دينهم؟!!
ألم يقرءوا في كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وغيره من علماء نجد أن " الرضى بالكفر كفر " وأن الرضى بالشيء كفاعله؟!
أم أن من لوازم الإصلاح المنشود.. ترويض الناس على القبول بمزيد من الانسلاخ والتفلت، وفصل الدين عن الدولة والحياة.. وهذا يستدعي السماح لمثل هذه المقالات المنحرفة والمشبوهة.. أن تكتب وتنشر في الجرائد السعودية.. لتغزو الناس في مساكنهم وأسواقهم؟!
ترويض الناس في المجتمع السعودي المسلم.. على القبول بفكرة أن علماء الإسلام وفقهاء الدين لا يوجد عندهم مشروع حضاري تقدمي.. ولا يمكن أن يقدموا شيئا في سبيل تقدم ورفعة الأمة.. وبالتالي عليهم التخلي عنهم.. وعن مبادئهم ومناهجهم.. وأفكارهم.. ودينهم.. والالتفاف حول العلمانيين المتنورين التقدميين الذين يملكون المشاريع الحضارية التقدمية دون سواهم؟!
لعل هذا الذي ينشر.. لصد الناس عن دينهم.. وفتنتهم وإفسادهم.. هو خطوة من تلك الخطوات نحو الإصلاح المنشود، كما يقول ولي عهد النظام مخاطبا المتمردات المترجلات من نساء بلاد الحرمين: " الإصلاح.. خطوة.. خطوة "!
هذا ما ستنبئنا عنه الأيام القادمة.. وتعرفنا عليه بصورة أوضح.. فالأيام القادمة أيام حبلى بالمفاجآت.. ولكن هل ستلد مولودا مشوها عليلا نحذره.. أم مولودا سويا معافى نترقبه.. يولد معه فجر جديد.. وعهد من الخير جديد.. يعم الجزيرة العربية، وبلاد المسلمين؟!
نسأل الله تعالى الخير كله ظاهره وباطنه.. وأن يدفع عنا وعن أمة الإسلام.. وبلاد المسلمين.. الشر كله ظاهره وباطنه.. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
والحمد لله رب العالمين
[عبد المنعم مصطفى حليمة ؛ أبو بصير الطرطوسي | 28/11/1424 هـ]