بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد استُوقِفتُ على فتوى للشيخ سلمان العودة منشورة في موقعه، تحت عنوان "تكفير الأعيان".
فيما يلي نص السؤال، ونص الجواب:
* * *
نص السؤال الذي وُجِّه للشيخ سلمان:
(يبني الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة في أحد مقالاته أحكاماً شرعية على الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بناء على مواقفه وكلامه في خُطبه، والتي هي موجودة في موقعه على الإنترنت.
فبالله عليك يا شيخنا الفاضل الرجاء قراءة المقالة وموافاتي برأيك عنها، أي: هل الشيخ عبد المنعم وافق الحق في تكفيره للبوطي؟ وهل الضوابط الشرعية التي أوردها في مقاله قد أنزلت بشكل صحيح على الرجل؟ أم كان مخطئاً فيها، أم ماذا؟ لأننا طلاب حق ونعرف أن الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال، لا سيما أن من الذين اطلعوا على المقالة وأخذوا على الشيخ عبد المنعم قسوته أو جراءته إنما تعللوا بكلام ليس له ضوابط شرعية. التكفير كلمة ليست سهلة أو لا أحد يكفر إلا الله، وما إلى ذلك؟).
نص جواب الشيخ عن السؤال أعلاه:
(عفواً، تكفير الأعيان والأشخاص مزلق خطير كائناً ما كان خطؤهم، وهو أول فتنة حدثت في الإسلام، وصح التحذير منها في السنة من طرق كثيرة، وقد واجه الأئمة شيئاً من هذا ولم يكونوا يكفرون أعيان الأشخاص، وإن كان في مقالاتهم ما هو كفر، ومن تأمل كلام ابن تيمية في هذا وجد عجباً. غفر الله للجميع، وهدانا إلى سواء السبيل) انتهى الجواب.
* * *
أقول: رغم أن الجواب جاء مقتضباً لا يتعدى الأربعة أسطر، إلا أنه حوى على أخطاء فادحة لا تليق بالشيخ، ولا بمكانته العلمية، ولا بالأمانة الملقاة على عاتقه كداعية إلى الله.
لذا تعين التنبيه والبيان:
* * *
قال: (تكفير الأعيان والأشخاص مزلقٌ خطير...).
أقول؛ قوله (تكفير الأعيان والأشخاص)؛ عام وشامل لمطلق الأعيان والأشخاص؛ بما في ذلك أعيان وأشخاص الكفار الأصليين، وهذا خطأ ظاهر، والصواب أن يقيد إطلاقه فيقول: (تكفير أعيان وأشخاص المسلمين مزلق خطير...)، لأن تكفير الكافرين الذين كفرهم الله تعالى وحكم عليهم بالكفر، واجب شرعي لا يجوز التوقف أو التردد فيه.
فكما أن تكفير المسلم مزلق خطير كذلك عدم تكفير الكافر مزلقٌ خطير لا تُحمد عُقباه، فقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إجماع أهل العلم على تكفير من لا يُكفِّر الكافر أو شكَّ في كفره، لأن عدم تكفير الكافر بعينه يتضمن تعطيل حكم الله ورده، ووصف الأشياء بغير وصف الله تعالى لها!
* * *
قال: (كائناً ما كان خطؤه...).
أقول: قوله "كائناً ما كان خطؤه"، هو أيضاً عام وشامل لمطلق الخطأ بما في ذلك خطأ الكفر والشرك، والزندقة والردة مهما كان مغلظاً ومركباً، وهذا خطأ ظاهر، فظاهر قول الشيخ أنه يمنع من تكفير مطلق الأعيان والأشخاص الكافرين المجرمين مهما كان كفرهم ظاهراً وبواحاً، وهذا مزلق خطير تقدمت الإشارة إليه أعلاه!
* * *
قال: (وهو أول فتنة حدثت في الإسلام...).
أقول: وهذا من التلبيس على الناس، فليس أول فتنة حدثت في الإسلام تكفير الأعيان والأشخاص، وإن كان يعني فتنة الغلاة الخوارج - كما هو ظاهر من كلامه - فهؤلاء لم تكن فتنتهم تكفير الأعيان والأشخاص ممن كفَّرهم الشَّارع وأوجب كفرهم وتكفيرهم، وإنما كانت فتنتهم من جهة تكفيرهم لكبار الصحابة، وقولهم بكفر ذوي الكبائر من أهل القبلة والتوحيد، فهل نحن كذلك حتى يُشير إليهم الدكتور، ويستدل بهم في معرض السؤال عنا وعن منهجنا؟!
* * *
قال: (وصح التحذير منها في السُّنَّة من طرق كثيرة...).
أقول: وهذا خطأ ظاهر، وهو من التلبيس على الناس أمر دينهم، فالسُّنة لم تحذر من تكفير مطلق الأعيان والأشخاص كما زعم الشيخ، وإنما حذَّرت من تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر والشرك، أو تكفيرهم بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير، فهلاَّ أشار الشيخ إلى ذلك فاستراح وأراح؟!
* * *
قال: (وقد واجه الأئمة شيئاً من هذا ولم يكونوا يكفرون أعيان الأشخاص، وإن كان في مقالاتهم ما هو كفر...).
أقول: هذا النفي المطلق عن أئمة العلم وأنهم كانوا لا يكفرون أعيان الأشخاص، هو من الظلم والتقوِّل عليهم بما لا يصح عنهم عن سابق علم وإصرار، لأن الشيخ ليس مثله من يجهل مثل هذا، إذ ما أكثر الشواهد والأدلة الدالة على تكفير أئمة العلم لأعيانٍ وأشخاصٍ أوجب الشرع تكفيرهم.
وعلى رأس هؤلاء الأئمة سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة
فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا، فقتلوا رعاتهم واستاقوا الإبل. فبعث في آثارهم فأتى بهم، فقطع أيديَهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. وفي رواية: ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا.
فهذا تكفير عام وتكفير للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وعن البراء بن عازب قال: (لقيتُ عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله إلى رجلٍ نكحَ امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله) [ صحيح سنن أبي داود: 3744].
فهذه قضية عامة وتكفير عام مجرد، أم قضية محددة وتكفير شخص بعينه؟!
وفي صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجلٌ، فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة - تائباً وطالباً للأمان! - فقال: اقتلوه).
وذلك بسبب أنه ضم إلى ردته شتم النبي صلى الله عليه وسلم والطعن بالدين، ومحاربة الإسلام والمسلمين، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا حكم عام على القول أو الفعل مجرد عن الأعيان، أم أنه حكم على شخص معين ومحدد بالكفر والردة والقتل؟!
وعن ابن عباس: (أن أعمى كانت له أم ولد، تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فال تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق، إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) [1].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
وعن ابن عباس قال: (هجت امرأة من خطمة - وهي العصماء بنت مروان النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لي بها؟، فقام رجل من قومها وهو عمير بن عدي الحطمي، فقال: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي، فقال: لا ينتطِحُ فيه عنزان، قال عمير: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله فقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي) [2].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
وكذلك المرأة التي غنت بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، كتب فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، إلى المهاجر بن أبي ربيعة: (لولا ماسبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر) [3].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
قال ابن تيمية في "الصارم" [ص: 368]: (أمر صلى الله عليه وسلم بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح من غير استتابة لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال ولم يتب قبل القدرة عليه، وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلى ردتهم نحواً من ذلك، وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبي سرح لما ضم إلى ردته الطعن عليه والإفتراء) اهـ.
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
روى أبو أدريس قال: (أُتي علي رضي الله عنه بناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام، فسألهم فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، قال: فقتلهم ولم يستتبهم) [4].
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وقد روي أن رجلاً قال في مجلس علي رضي الله عنه: (ما قتل كعب بن الأشرف إلا غدراً! فأمر علي بضرب عنقه).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
وعن عبد الله بن عتبة، قال: (أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، قال: فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوا فخل عنهم، وإن لم يقبلوا فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله) [5].
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وفي "الزواجر" لابن الهيتمي قال: (وقد قتل خالد بن الوليد رضي الله عنه من قال له: "عند صاحبكم"، وعد هذه الكلمة تنقيصاً له صلى الله عليه وسلم).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
ولما قاتل أبو بكر الصيق ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أهل الردة، هل كان يُقاتل الردة كمعنى مجرد معلق في الفضاء، أم أنه كان يُقاتل وينازل المرتدين بأشخاصهم وأعيانهم؟!
قال عبد الله: (سئل أبي عن رجل قال: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك، قال أبي - أحمد بن حنبل -: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، نضرب عنقه).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
قيل للإمام أحمد رحمه الله: (إن الحسين بن علي الكرابيسي - وكان من الفقهاء - يقول: إن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر، فقال الإمام أحمد: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟!) [6].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
وقال رحمه الله: (كان يوجه إلي - أي في سجنه في المحنة - كل يوم برجلين: أحدهما يُقال له أحمد بن رَباح، والآخر أبو شُعيب الحجام، فلا يزالان يُناظراني حتى إذا أرادا الانصراف دُعي بقيد فزِيد في قيودي، قال: فصار في رجله أربعة أقياد).
قال الإمام رحمه الله: (فلما كان في اليوم الثالث دخلَ عليَّ أحد الرجلين فناظرني، فقلت له: ما تقول في علم الله؟ قال: علمُ الله مخلوق، فقلت: كفَرْتَ، فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق ابن إبراهيم: إن هذا رسولُ أمير المؤمنين! فقلت له: إن هذا قد كَفَرَ) [7].
والسؤال الذي يطرح نفسه: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
قال القاضي عياض في كتابه الشفا: (وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عَجَبَ [8]، وكان خرج يوماً فأخذه المطر فقال: "بدأ الخراز [9] يرش جلوده!"، وكان بعض الفقهاء بها قد توقفوا عن سفك دمه، فقال ابن حبيب: "دمه في غيض، أيُشتم ربٌ عبدناه ثم لا ننتصر له؟! إنَّا إذاً لعبيد سوءٍ، ما نحن له بعابدين" وبكى، ورُفع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن بن الحكم الأموي وكانت "عَجب" عمة هذا المطلوب من حظاياه [10]، وأُعلم باختلاف الفقهاء فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه وأمر بقتله، فقتل وصُلب بحضرة الفقيهين، وعزل القاضي موسى بن زياد لتهمته بالمداهنة في هذه القضية، ووبَّخ بقية الفقهاء وسبهم) اهـ.
والسؤال الذي يطرح نفسه: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
أخرج ابن أبي شيبة في كتابه "الإيمان" عن طاوس، قال: (عجباً لإخواننا من أهل العراق يُسمون الحجَّاج مؤمناً).
وأخرج عن الشعبي قال: (أشهد أنه مؤمنٌ بالطاغوت، كافرٌ بالله) - يعني الحـجاج - [11].
والسؤال: هل هذا تكفير عام، هل الحجاج أمر معنوي عام، غير معلوم، أم أنه شخص معين معلوم؟!
قال ابن تيمية في الفتاوى [2/480 - 483]: (من اعتقدَ ما يعتقده الحلاَّج من المقالات التي قُتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد.
وقول القائل: إنه - أي الحلاج - قُتل مظلوماً قول باطل، فإنه وجب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين؛ لكن لما كان يُظهر الإسلام ويُبطن الإلحاد إلى أصحابه صار زنديقاً، فلما أُخذ وحُبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها...) اهـ.
والسؤال: هل شيخ الإسلام ابن تيمية يتكلم هنا عن الكفر العام، عن كفر القول، أو الفعل، أم أنه يتكلم عن كفر وزندقة شخص معين ومحدد ألا وهو الحلاج؟!
قال القاضي عياض في كتابه القيم الشفا: (أجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية، وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي على قتل الحلاَّج وصلبه لدعواه الإلهية، والقول بالحلول، وقوله أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته) اهـ.
قلت: القاضي عياض ينقل إجماع فقهاء بغداد على تكفير الحلاج بشخصه وعينه، وليس على مجرد قوله أو فعله!
وكذلك مقتل "الجعد بن درهم" فضحى به أمير العراق "خالد بن عبد الله القسري"، حيث قام خطيباً يوم الأضحى، فقال: (يا أيها الناس ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً)، ثم نزل عن المنبر فذبحه، وقد نال فعله استحسان جميع معاصريه من العلماء، وغير معاصريه.
ونحو ذلك مقتل تلميذه "جهم بن صفوان" على يد سلم بن الأحوز أمير خراسان!
والسؤال: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
ما أكثر الأدلة الدالة - لو أردنا الإحصاء والاستقصاء - على أن أئمة العلم كانوا يكفرون الأشخاص والأعيان بذواتهم عندما تتحقق فيهم شروط التكفير وتنتفي عنهم موانعه، وبخاصة عندما تقتضي الحاجة والضرورة للبيان، وفيما تقدم ذكره وبيانه كافٍ لمن نشد معرفة الحق، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
سلمان العودة ومعه طابور من دعاة ومشايخ الفضائيات - رهبة أو رغبة - يريدون أن يقولوا للناس: يوجد كفر، لكن لا يوجد كفار، يوجد ردة، لكن لا يوجد مرتدين، يوجد طغيان، ولكن لا يوجد طواغيت، يوجد ظلم لكن لا يوجد ظالمين!
وهذا من التعطيل الصريح لحكم الله عز وجل، والحكم على الأشياء بغير حكم الله عز وجل، ووصفها بغير ما وصفها الله عز وجل، فالله تعالى يقول من فعل كذا وكذا فهو كافر مشرك خارج من الإسلام، وسلمان العودة وطائفة معه من شيوخ الفضائيات، يقولون: لا؛ هذا ليس كافراً، هذا قال الكفر، فعل الكفر، أمَّا هو فليس كافراً، لا يجوز أن نكفر الأشخاص والأعيان!
لماذا عندما يسرق السارق تقولون هذا سارق، وعندما يزني الزاني، تقولون هذا زانٍ، وعندما يرابي تقولون هو مرابٍ، وعندما يكفر لا تقولون هذا كافر؟!
أحكام الشرع ذات العلاقة بالكفر والكافرين، والردة والمرتدين، والزندقة والزنادقة، - عند القوم - أحكام عامة، معلقة في الفضاء، وفوق الغيوم، ليس لها واقع في الحياة تُحمل عليه، وكل من يحاول أن ينزل هذه الأحكام على واقعها التي تستحقه شرعاً، فهو عندهم تكفيري، ومن الخوارج، حرماته مستباحة!
* * *
قال: (ومن تأمل كلام ابن تيمية في هذا وجد عجباً...).
أقول: فيما نقلناه لك أيها القارئ من كلام ابن تيمية وغيره من أئمة العلم يبطل هذا العجب المزعوم، ويتبين لك نوعية العجب الذي يريده الشيخ.
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ الكل يُقاتل بعصاه وباسمه، مستغلين القبول الواسع الذي منَّ الله به عليه، حتى أعداءه من أهل التجهم والإرجاء، نراهم يقولون؛ قال ابن تيمية، يستدلون بقوله على بعض ما هم عليه، وابن تيمية منهم ومن فهمهم السقيم براء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
انتهى جواب الشيخ، ولم يقترب من الجواب عما سُئل عنه، لعلمه أنه لن يجد ثغرة أو مأخذاً يأخذه علينا فيما قلناه في المدعو "البوطي"، وهذا من فضل الله تعالى علي، فله تعالى الحمد والمنة والفضل.
جواب الشيخ بهذه الطريقة، أكد صحة ما ذهبنا إليه من مذهب في المدعو البوطي، إذ لو كان في كلامنا خطأ للزم عليه النصح، وأن يبينه لنا بشيء من التفصيل والاستدلال الذي به تقوم الحجة على المخالف كما نفعل نحن معه، ومع غيره.
وفي الختام...
أود أن أصارح وأناصح الشيخ، وكل من سلك دربه ونهجه، فأقول: قد بات معلوماً للجميع، للصغير والكبير سواء، أن الباب الذي يلج منه المرء إلى ساحة بلاط الملوك والأمراء والرؤساء، وينال عندهم القبول والخدمات والتسهيلات، ويحظى منهم على الرضى والعطايا والمنح، هو باب ذم ولعن ومحاربة التكفير والتكفيريين، مطلق التكفير؛ من دون تمييز بين التكفير المشروع الممدوح الواجب، وبين الغلو في التكفير المذموم شرعاً وعقلاً!
كل ما يريده هؤلاء الطغاة الظالمين من الدعاة، هو نفس كلماتك - يا سلمان - التي قلتها في الجواب عن السؤال الذي وجه إليك أعلاه!
لا يريد طواغيت الحكم والظلم منكم أكثر من أن تحاربوا مطلق التكفير، وأن تمنعوا، من تكفير الأشخاص والأعيان أياً كان خطؤهم وإجرامهم؟!
لماذا؟
هل لأن طواغيت الحكم هؤلاء يعز عليهم دينهم، وأنهم حريصون على البقاء في دائرة الإسلام، وأنهم يمقتون الكفر والكافرين، أو أن يوصفوا بالكفر؟
لا؛ ليس شيء من ذلك أبداً، وإنما لعلمهم المسبق أنهم بكفرهم والحكم عليهم بالكفر من قِبل علماء الأمة، واقتناع الأمة بكفرهم ومروقهم من الدين، يفقدون شرعيتهم كحكام على بلاد المسلمين، ويفقدون كل الامتيازات والمنح والخصائص التي يخصون أنفسهم بها من دون العباد!
يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على أمته بأن تخرج على الحاكم وأن تُقيله ولو بالقوة إن رأت منه كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، كما في حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه.
وحتى لا يصلون إلى هذا الموصل تراهم يجندون الجنود من شيوخ ودعاة البلاط، والتجهم والإرجاء، وغيرهم من السحرة والإعلاميين، وينفقون عليهم الأموال الطائلة، ليجادولوا عنهم وعن أنظمتهم، وعن شرعيتهم كمسلمين، وليزينوا باطلهم وكفرهم في أعين الناس!
كم يدهشني عندما ألحظ داعية أو شيخاً يتكلم عبر قناة من القنوات الفضائية - وما أكثر من يفعل فعله - عن الصلاة، أو عن الصوم، أو عن حق الجار على جاره، أو غير ذلك من الرقائق، ثم هو فجأة ومن دون مقدمات أو تمهيد تراه يتهجم على التكفير والتكفيريين، والجهاد والجهاديين، والإرهاب والإرهابيين، ومن دون وعي لما يقول، أو تمييز بين التكفير المشروع وبين الغلو في التكفير، مما يُشعرنا أن الشيخ موجَّه، ومطلوب منه أن يؤدي هذه الرسالة وهذا الدور، ولو بهذه الطريقة الممجوجة المخجلة!
ضريبة كل ظهور عبر كثير من القنوات الفضائية؛ أن يتهجم الداعية على التكفير والتكفيريين، فإن لم يفعل فلا حظ له في الظهور، هذا أمر بات معلوماً للجميع!
لكن بئس الظهور؛ الظهور الذي يكون على حساب الدين وسلامة عقيدة الناس، وبيان الحق، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
11/5/1427 هـ
[1] أخرجه النسائي، وأبو داود، صحيح سنن أبي داود: 3665. والمغول: سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض [عون المعبود].
[2] ذكره ابن تيمية في الصارم: 95.
[3] عن كتاب الصارم لابن تيمية .
[4] ذكره ابن تيمية في الصارم: 360.
[5] ذكره ابن تيمية في الصارم، وقال: (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).
[6] انظر ترجمة الإمام أحمد للشيخ أحمد شاكر في مقدمة تخريجه للمسند: ص78.
[7] المرجع السابق: ص92. قال أحمد شاكر في التعليق: هنا بهامش الأصل ما نصه: (إنما كفَّرَهُ لأنه إذا كان علمُ الله مخلوقاً لزمَ أن يكون في الأزل بغير علم حتى خلقه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهذا حق بديهي معلوم من الدين بالضرورة) اهـ.
[8] عجب: اسم زوجة عبد الرحمن الأموي، أمير قرطبة.
[9] الخراز: الذي يرش الجلود بالماء، ليسهل عليه خرزها.
[10] من حظاياه؛ أي من زوجاته المقربات.
[11] قال الشيخ ناصر في التخريج: (هذا الأثر والذي قبله أسنادهما صحيح). قلت: هذا الأثر والذي قبله يُفيدان أن من أئمة العلم من كان يكفر الحجاج بعينه، ومنهم من لا يكفره، ونحن نميل لترجيح القول الآخر الذي لا يُكفِّر، والله تعالى أعلم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد استُوقِفتُ على فتوى للشيخ سلمان العودة منشورة في موقعه، تحت عنوان "تكفير الأعيان".
فيما يلي نص السؤال، ونص الجواب:
* * *
نص السؤال الذي وُجِّه للشيخ سلمان:
(يبني الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة في أحد مقالاته أحكاماً شرعية على الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بناء على مواقفه وكلامه في خُطبه، والتي هي موجودة في موقعه على الإنترنت.
فبالله عليك يا شيخنا الفاضل الرجاء قراءة المقالة وموافاتي برأيك عنها، أي: هل الشيخ عبد المنعم وافق الحق في تكفيره للبوطي؟ وهل الضوابط الشرعية التي أوردها في مقاله قد أنزلت بشكل صحيح على الرجل؟ أم كان مخطئاً فيها، أم ماذا؟ لأننا طلاب حق ونعرف أن الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال، لا سيما أن من الذين اطلعوا على المقالة وأخذوا على الشيخ عبد المنعم قسوته أو جراءته إنما تعللوا بكلام ليس له ضوابط شرعية. التكفير كلمة ليست سهلة أو لا أحد يكفر إلا الله، وما إلى ذلك؟).
نص جواب الشيخ عن السؤال أعلاه:
(عفواً، تكفير الأعيان والأشخاص مزلق خطير كائناً ما كان خطؤهم، وهو أول فتنة حدثت في الإسلام، وصح التحذير منها في السنة من طرق كثيرة، وقد واجه الأئمة شيئاً من هذا ولم يكونوا يكفرون أعيان الأشخاص، وإن كان في مقالاتهم ما هو كفر، ومن تأمل كلام ابن تيمية في هذا وجد عجباً. غفر الله للجميع، وهدانا إلى سواء السبيل) انتهى الجواب.
* * *
أقول: رغم أن الجواب جاء مقتضباً لا يتعدى الأربعة أسطر، إلا أنه حوى على أخطاء فادحة لا تليق بالشيخ، ولا بمكانته العلمية، ولا بالأمانة الملقاة على عاتقه كداعية إلى الله.
لذا تعين التنبيه والبيان:
* * *
قال: (تكفير الأعيان والأشخاص مزلقٌ خطير...).
أقول؛ قوله (تكفير الأعيان والأشخاص)؛ عام وشامل لمطلق الأعيان والأشخاص؛ بما في ذلك أعيان وأشخاص الكفار الأصليين، وهذا خطأ ظاهر، والصواب أن يقيد إطلاقه فيقول: (تكفير أعيان وأشخاص المسلمين مزلق خطير...)، لأن تكفير الكافرين الذين كفرهم الله تعالى وحكم عليهم بالكفر، واجب شرعي لا يجوز التوقف أو التردد فيه.
فكما أن تكفير المسلم مزلق خطير كذلك عدم تكفير الكافر مزلقٌ خطير لا تُحمد عُقباه، فقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إجماع أهل العلم على تكفير من لا يُكفِّر الكافر أو شكَّ في كفره، لأن عدم تكفير الكافر بعينه يتضمن تعطيل حكم الله ورده، ووصف الأشياء بغير وصف الله تعالى لها!
* * *
قال: (كائناً ما كان خطؤه...).
أقول: قوله "كائناً ما كان خطؤه"، هو أيضاً عام وشامل لمطلق الخطأ بما في ذلك خطأ الكفر والشرك، والزندقة والردة مهما كان مغلظاً ومركباً، وهذا خطأ ظاهر، فظاهر قول الشيخ أنه يمنع من تكفير مطلق الأعيان والأشخاص الكافرين المجرمين مهما كان كفرهم ظاهراً وبواحاً، وهذا مزلق خطير تقدمت الإشارة إليه أعلاه!
* * *
قال: (وهو أول فتنة حدثت في الإسلام...).
أقول: وهذا من التلبيس على الناس، فليس أول فتنة حدثت في الإسلام تكفير الأعيان والأشخاص، وإن كان يعني فتنة الغلاة الخوارج - كما هو ظاهر من كلامه - فهؤلاء لم تكن فتنتهم تكفير الأعيان والأشخاص ممن كفَّرهم الشَّارع وأوجب كفرهم وتكفيرهم، وإنما كانت فتنتهم من جهة تكفيرهم لكبار الصحابة، وقولهم بكفر ذوي الكبائر من أهل القبلة والتوحيد، فهل نحن كذلك حتى يُشير إليهم الدكتور، ويستدل بهم في معرض السؤال عنا وعن منهجنا؟!
* * *
قال: (وصح التحذير منها في السُّنَّة من طرق كثيرة...).
أقول: وهذا خطأ ظاهر، وهو من التلبيس على الناس أمر دينهم، فالسُّنة لم تحذر من تكفير مطلق الأعيان والأشخاص كما زعم الشيخ، وإنما حذَّرت من تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر والشرك، أو تكفيرهم بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير، فهلاَّ أشار الشيخ إلى ذلك فاستراح وأراح؟!
* * *
قال: (وقد واجه الأئمة شيئاً من هذا ولم يكونوا يكفرون أعيان الأشخاص، وإن كان في مقالاتهم ما هو كفر...).
أقول: هذا النفي المطلق عن أئمة العلم وأنهم كانوا لا يكفرون أعيان الأشخاص، هو من الظلم والتقوِّل عليهم بما لا يصح عنهم عن سابق علم وإصرار، لأن الشيخ ليس مثله من يجهل مثل هذا، إذ ما أكثر الشواهد والأدلة الدالة على تكفير أئمة العلم لأعيانٍ وأشخاصٍ أوجب الشرع تكفيرهم.
وعلى رأس هؤلاء الأئمة سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة
فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا، فقتلوا رعاتهم واستاقوا الإبل. فبعث في آثارهم فأتى بهم، فقطع أيديَهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. وفي رواية: ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا.
فهذا تكفير عام وتكفير للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وعن البراء بن عازب قال: (لقيتُ عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله إلى رجلٍ نكحَ امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله) [ صحيح سنن أبي داود: 3744].
فهذه قضية عامة وتكفير عام مجرد، أم قضية محددة وتكفير شخص بعينه؟!
وفي صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجلٌ، فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة - تائباً وطالباً للأمان! - فقال: اقتلوه).
وذلك بسبب أنه ضم إلى ردته شتم النبي صلى الله عليه وسلم والطعن بالدين، ومحاربة الإسلام والمسلمين، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا حكم عام على القول أو الفعل مجرد عن الأعيان، أم أنه حكم على شخص معين ومحدد بالكفر والردة والقتل؟!
وعن ابن عباس: (أن أعمى كانت له أم ولد، تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فال تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق، إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) [1].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
وعن ابن عباس قال: (هجت امرأة من خطمة - وهي العصماء بنت مروان النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لي بها؟، فقام رجل من قومها وهو عمير بن عدي الحطمي، فقال: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي، فقال: لا ينتطِحُ فيه عنزان، قال عمير: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله فقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي) [2].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
وكذلك المرأة التي غنت بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، كتب فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، إلى المهاجر بن أبي ربيعة: (لولا ماسبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر) [3].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
قال ابن تيمية في "الصارم" [ص: 368]: (أمر صلى الله عليه وسلم بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح من غير استتابة لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال ولم يتب قبل القدرة عليه، وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلى ردتهم نحواً من ذلك، وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبي سرح لما ضم إلى ردته الطعن عليه والإفتراء) اهـ.
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
روى أبو أدريس قال: (أُتي علي رضي الله عنه بناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام، فسألهم فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، قال: فقتلهم ولم يستتبهم) [4].
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وقد روي أن رجلاً قال في مجلس علي رضي الله عنه: (ما قتل كعب بن الأشرف إلا غدراً! فأمر علي بضرب عنقه).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين؟!
وعن عبد الله بن عتبة، قال: (أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، قال: فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوا فخل عنهم، وإن لم يقبلوا فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله) [5].
فهذا تكفير عام وتكفير مجرد للقول أو الفعل، أم أنه تكفير أعيان وأشخاص محددين بأعيانهم؟!
وفي "الزواجر" لابن الهيتمي قال: (وقد قتل خالد بن الوليد رضي الله عنه من قال له: "عند صاحبكم"، وعد هذه الكلمة تنقيصاً له صلى الله عليه وسلم).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
ولما قاتل أبو بكر الصيق ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أهل الردة، هل كان يُقاتل الردة كمعنى مجرد معلق في الفضاء، أم أنه كان يُقاتل وينازل المرتدين بأشخاصهم وأعيانهم؟!
قال عبد الله: (سئل أبي عن رجل قال: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك، قال أبي - أحمد بن حنبل -: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، نضرب عنقه).
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
قيل للإمام أحمد رحمه الله: (إن الحسين بن علي الكرابيسي - وكان من الفقهاء - يقول: إن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر، فقال الإمام أحمد: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟!) [6].
فهذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
وقال رحمه الله: (كان يوجه إلي - أي في سجنه في المحنة - كل يوم برجلين: أحدهما يُقال له أحمد بن رَباح، والآخر أبو شُعيب الحجام، فلا يزالان يُناظراني حتى إذا أرادا الانصراف دُعي بقيد فزِيد في قيودي، قال: فصار في رجله أربعة أقياد).
قال الإمام رحمه الله: (فلما كان في اليوم الثالث دخلَ عليَّ أحد الرجلين فناظرني، فقلت له: ما تقول في علم الله؟ قال: علمُ الله مخلوق، فقلت: كفَرْتَ، فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق ابن إبراهيم: إن هذا رسولُ أمير المؤمنين! فقلت له: إن هذا قد كَفَرَ) [7].
والسؤال الذي يطرح نفسه: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
قال القاضي عياض في كتابه الشفا: (وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عَجَبَ [8]، وكان خرج يوماً فأخذه المطر فقال: "بدأ الخراز [9] يرش جلوده!"، وكان بعض الفقهاء بها قد توقفوا عن سفك دمه، فقال ابن حبيب: "دمه في غيض، أيُشتم ربٌ عبدناه ثم لا ننتصر له؟! إنَّا إذاً لعبيد سوءٍ، ما نحن له بعابدين" وبكى، ورُفع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن بن الحكم الأموي وكانت "عَجب" عمة هذا المطلوب من حظاياه [10]، وأُعلم باختلاف الفقهاء فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه وأمر بقتله، فقتل وصُلب بحضرة الفقيهين، وعزل القاضي موسى بن زياد لتهمته بالمداهنة في هذه القضية، ووبَّخ بقية الفقهاء وسبهم) اهـ.
والسؤال الذي يطرح نفسه: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
أخرج ابن أبي شيبة في كتابه "الإيمان" عن طاوس، قال: (عجباً لإخواننا من أهل العراق يُسمون الحجَّاج مؤمناً).
وأخرج عن الشعبي قال: (أشهد أنه مؤمنٌ بالطاغوت، كافرٌ بالله) - يعني الحـجاج - [11].
والسؤال: هل هذا تكفير عام، هل الحجاج أمر معنوي عام، غير معلوم، أم أنه شخص معين معلوم؟!
قال ابن تيمية في الفتاوى [2/480 - 483]: (من اعتقدَ ما يعتقده الحلاَّج من المقالات التي قُتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد.
وقول القائل: إنه - أي الحلاج - قُتل مظلوماً قول باطل، فإنه وجب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين؛ لكن لما كان يُظهر الإسلام ويُبطن الإلحاد إلى أصحابه صار زنديقاً، فلما أُخذ وحُبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها...) اهـ.
والسؤال: هل شيخ الإسلام ابن تيمية يتكلم هنا عن الكفر العام، عن كفر القول، أو الفعل، أم أنه يتكلم عن كفر وزندقة شخص معين ومحدد ألا وهو الحلاج؟!
قال القاضي عياض في كتابه القيم الشفا: (أجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية، وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي على قتل الحلاَّج وصلبه لدعواه الإلهية، والقول بالحلول، وقوله أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته) اهـ.
قلت: القاضي عياض ينقل إجماع فقهاء بغداد على تكفير الحلاج بشخصه وعينه، وليس على مجرد قوله أو فعله!
وكذلك مقتل "الجعد بن درهم" فضحى به أمير العراق "خالد بن عبد الله القسري"، حيث قام خطيباً يوم الأضحى، فقال: (يا أيها الناس ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً)، ثم نزل عن المنبر فذبحه، وقد نال فعله استحسان جميع معاصريه من العلماء، وغير معاصريه.
ونحو ذلك مقتل تلميذه "جهم بن صفوان" على يد سلم بن الأحوز أمير خراسان!
والسؤال: فهل هذا حكم عام وتكفير عام، أم أنه حكم وكذلك تكفير لشخص معين محدد؟!
ما أكثر الأدلة الدالة - لو أردنا الإحصاء والاستقصاء - على أن أئمة العلم كانوا يكفرون الأشخاص والأعيان بذواتهم عندما تتحقق فيهم شروط التكفير وتنتفي عنهم موانعه، وبخاصة عندما تقتضي الحاجة والضرورة للبيان، وفيما تقدم ذكره وبيانه كافٍ لمن نشد معرفة الحق، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
سلمان العودة ومعه طابور من دعاة ومشايخ الفضائيات - رهبة أو رغبة - يريدون أن يقولوا للناس: يوجد كفر، لكن لا يوجد كفار، يوجد ردة، لكن لا يوجد مرتدين، يوجد طغيان، ولكن لا يوجد طواغيت، يوجد ظلم لكن لا يوجد ظالمين!
وهذا من التعطيل الصريح لحكم الله عز وجل، والحكم على الأشياء بغير حكم الله عز وجل، ووصفها بغير ما وصفها الله عز وجل، فالله تعالى يقول من فعل كذا وكذا فهو كافر مشرك خارج من الإسلام، وسلمان العودة وطائفة معه من شيوخ الفضائيات، يقولون: لا؛ هذا ليس كافراً، هذا قال الكفر، فعل الكفر، أمَّا هو فليس كافراً، لا يجوز أن نكفر الأشخاص والأعيان!
لماذا عندما يسرق السارق تقولون هذا سارق، وعندما يزني الزاني، تقولون هذا زانٍ، وعندما يرابي تقولون هو مرابٍ، وعندما يكفر لا تقولون هذا كافر؟!
أحكام الشرع ذات العلاقة بالكفر والكافرين، والردة والمرتدين، والزندقة والزنادقة، - عند القوم - أحكام عامة، معلقة في الفضاء، وفوق الغيوم، ليس لها واقع في الحياة تُحمل عليه، وكل من يحاول أن ينزل هذه الأحكام على واقعها التي تستحقه شرعاً، فهو عندهم تكفيري، ومن الخوارج، حرماته مستباحة!
* * *
قال: (ومن تأمل كلام ابن تيمية في هذا وجد عجباً...).
أقول: فيما نقلناه لك أيها القارئ من كلام ابن تيمية وغيره من أئمة العلم يبطل هذا العجب المزعوم، ويتبين لك نوعية العجب الذي يريده الشيخ.
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ الكل يُقاتل بعصاه وباسمه، مستغلين القبول الواسع الذي منَّ الله به عليه، حتى أعداءه من أهل التجهم والإرجاء، نراهم يقولون؛ قال ابن تيمية، يستدلون بقوله على بعض ما هم عليه، وابن تيمية منهم ومن فهمهم السقيم براء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
انتهى جواب الشيخ، ولم يقترب من الجواب عما سُئل عنه، لعلمه أنه لن يجد ثغرة أو مأخذاً يأخذه علينا فيما قلناه في المدعو "البوطي"، وهذا من فضل الله تعالى علي، فله تعالى الحمد والمنة والفضل.
جواب الشيخ بهذه الطريقة، أكد صحة ما ذهبنا إليه من مذهب في المدعو البوطي، إذ لو كان في كلامنا خطأ للزم عليه النصح، وأن يبينه لنا بشيء من التفصيل والاستدلال الذي به تقوم الحجة على المخالف كما نفعل نحن معه، ومع غيره.
وفي الختام...
أود أن أصارح وأناصح الشيخ، وكل من سلك دربه ونهجه، فأقول: قد بات معلوماً للجميع، للصغير والكبير سواء، أن الباب الذي يلج منه المرء إلى ساحة بلاط الملوك والأمراء والرؤساء، وينال عندهم القبول والخدمات والتسهيلات، ويحظى منهم على الرضى والعطايا والمنح، هو باب ذم ولعن ومحاربة التكفير والتكفيريين، مطلق التكفير؛ من دون تمييز بين التكفير المشروع الممدوح الواجب، وبين الغلو في التكفير المذموم شرعاً وعقلاً!
كل ما يريده هؤلاء الطغاة الظالمين من الدعاة، هو نفس كلماتك - يا سلمان - التي قلتها في الجواب عن السؤال الذي وجه إليك أعلاه!
لا يريد طواغيت الحكم والظلم منكم أكثر من أن تحاربوا مطلق التكفير، وأن تمنعوا، من تكفير الأشخاص والأعيان أياً كان خطؤهم وإجرامهم؟!
لماذا؟
هل لأن طواغيت الحكم هؤلاء يعز عليهم دينهم، وأنهم حريصون على البقاء في دائرة الإسلام، وأنهم يمقتون الكفر والكافرين، أو أن يوصفوا بالكفر؟
لا؛ ليس شيء من ذلك أبداً، وإنما لعلمهم المسبق أنهم بكفرهم والحكم عليهم بالكفر من قِبل علماء الأمة، واقتناع الأمة بكفرهم ومروقهم من الدين، يفقدون شرعيتهم كحكام على بلاد المسلمين، ويفقدون كل الامتيازات والمنح والخصائص التي يخصون أنفسهم بها من دون العباد!
يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على أمته بأن تخرج على الحاكم وأن تُقيله ولو بالقوة إن رأت منه كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، كما في حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه.
وحتى لا يصلون إلى هذا الموصل تراهم يجندون الجنود من شيوخ ودعاة البلاط، والتجهم والإرجاء، وغيرهم من السحرة والإعلاميين، وينفقون عليهم الأموال الطائلة، ليجادولوا عنهم وعن أنظمتهم، وعن شرعيتهم كمسلمين، وليزينوا باطلهم وكفرهم في أعين الناس!
كم يدهشني عندما ألحظ داعية أو شيخاً يتكلم عبر قناة من القنوات الفضائية - وما أكثر من يفعل فعله - عن الصلاة، أو عن الصوم، أو عن حق الجار على جاره، أو غير ذلك من الرقائق، ثم هو فجأة ومن دون مقدمات أو تمهيد تراه يتهجم على التكفير والتكفيريين، والجهاد والجهاديين، والإرهاب والإرهابيين، ومن دون وعي لما يقول، أو تمييز بين التكفير المشروع وبين الغلو في التكفير، مما يُشعرنا أن الشيخ موجَّه، ومطلوب منه أن يؤدي هذه الرسالة وهذا الدور، ولو بهذه الطريقة الممجوجة المخجلة!
ضريبة كل ظهور عبر كثير من القنوات الفضائية؛ أن يتهجم الداعية على التكفير والتكفيريين، فإن لم يفعل فلا حظ له في الظهور، هذا أمر بات معلوماً للجميع!
لكن بئس الظهور؛ الظهور الذي يكون على حساب الدين وسلامة عقيدة الناس، وبيان الحق، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
11/5/1427 هـ
[1] أخرجه النسائي، وأبو داود، صحيح سنن أبي داود: 3665. والمغول: سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض [عون المعبود].
[2] ذكره ابن تيمية في الصارم: 95.
[3] عن كتاب الصارم لابن تيمية .
[4] ذكره ابن تيمية في الصارم: 360.
[5] ذكره ابن تيمية في الصارم، وقال: (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).
[6] انظر ترجمة الإمام أحمد للشيخ أحمد شاكر في مقدمة تخريجه للمسند: ص78.
[7] المرجع السابق: ص92. قال أحمد شاكر في التعليق: هنا بهامش الأصل ما نصه: (إنما كفَّرَهُ لأنه إذا كان علمُ الله مخلوقاً لزمَ أن يكون في الأزل بغير علم حتى خلقه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهذا حق بديهي معلوم من الدين بالضرورة) اهـ.
[8] عجب: اسم زوجة عبد الرحمن الأموي، أمير قرطبة.
[9] الخراز: الذي يرش الجلود بالماء، ليسهل عليه خرزها.
[10] من حظاياه؛ أي من زوجاته المقربات.
[11] قال الشيخ ناصر في التخريج: (هذا الأثر والذي قبله أسنادهما صحيح). قلت: هذا الأثر والذي قبله يُفيدان أن من أئمة العلم من كان يكفر الحجاج بعينه، ومنهم من لا يكفره، ونحن نميل لترجيح القول الآخر الذي لا يُكفِّر، والله تعالى أعلم.