بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد...
لم يدع طاغية تونس شَين العابدين مجالاً يُحارَبُ به الإسلام والمسلمين إلا وقد سلكَه، ولم يدع كفراً إلا وقد مارسَه ودعا إليه.
كان من آخر ذلك ما أبدعته نفسه الكافرة الطاغية الأمارة بالسوء، عندما صرَّح بملء فيه، وعبر وسائل إعلامه الماجن الإباحي، الذي يكرر كل ما يقيء به الطاغوت من قول باطل، ومعه فريق من حاشيته وسحرته، ممن يُؤَمِّنون على كل ما يهرف به من كفر وفسوق، منهم وزير شؤونه الدينية، فقالوا: (أن حجاب المرأة مرفوض، وهو دخيل ونشاز ولباس طائفي، يشكل خطراً على كيان المجتمع التونسي)!
وقد تعدى تصريحهم هذا مجرد التصريح والبيان الدال على جحودهم لفريضة الحجاب، ليُحاربوا الحجاب والفضيلة - منذ عقود - بقوة القانون الكافر وسياط الجلاد الظالم؛ فمنعوه من جميع مظاهر الحياة الرسمية الخاصة منها والعامة، حتى الشوارع؛ أرادوها خالية من النساء المحجبات، ومن تُشاهَد منهنَّ في الشارع محجبة فحرماتها مُستباحة، وهي عُرضة للاعتداء من قبل كلاب الطاغوت المسعورة، والملام حينئذٍ هي لا الكلاب المسعورة!
مظهر الحجاب والمتحجبات يؤذي مشاعر زنادقة الكفر والفسوق والفجور، اللاهثين وراء الحرام، لأنه يُذكرهم بمعاني الطهر والعفة والفضيلة، والأدب والحياء، والإيمان، وهم يريدون لهذه المعاني أن تُوأد وتُمحَى كلياً من ذاكرة وعقل وحياة المسلم التونسي، ولكن فأنَّى! {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
يا أيها الطاغوت...
اعلم أن الإسلام لا يُحارَب والحجاب من الإسلام، الإيمان لا يُحارَب والحجاب من الإيمان، الفضيلة لا تُحارَب والحجاب من الفضيلة، العفة والأدب والحياء، هذه المعاني النبيلة - التي يُعتبر الحجاب دليلاً عليها ورمزاً لها - لا تُحارَب، لأنها من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، وأنَّى لمن يُحارب الفطرة أن يَغلب أو يَنتصر!
يا أيها الطاغوت...
الإسلام لا يُحارَب، لأنه دين الله تعالى الذي تكفَّل بحفظه، ومن تكفل الله بحفظه لا يُحارَب، ولا يُفلح من يُحاربه!
يا أيها الطاغوت...
كم من طاغية قبلك - كانوا أكثر منك جمعاً وطغياناً وقوة واستعلاء في الأرض - حاربوا الإسلام والمسلمين، حاربوا الحجاب، والفضيلة والطهر والإيمان، فأين هم الآن، وأين الإسلام دين الله، هم إلى مزبلة التاريخ تسخطهم الأجيال وتلعنهم كلما ذكرهم الذاكرون، وفي الآخرة هم حطب جهنم ولهم عذاب أليم، بينما الإسلام في ظهور وانتشار وامتداد وتوسع، يدخله الناس أفواجاً، رغم كيد الكائدين، ومكر الماكرين!
أليس في ذلك عبرة ودليلاً لك ولغيرك على أن هناك يداً قاهرة قادرة، تعلو ولا يُعلى عليها، ترعى هذا الدين وتحفظه؟! كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ومن تكفل الله بحفظه فلا ضيعة ولا خوف عليه!
يا أيها الطاغوت...
غيرك من طواغيت الأرض - بما في ذلك أولياؤك وأسيادك في بلاد الغرب - يُحاربون الحجاب والمتحجبات من المؤمنات الطاهرات، لكن ليسوا بوقاحتك وصراحتك وشراستك، فقد سبقتهم جميعاً في هذه سبقاً بعيداً، وبئس السباق سباقك!
يا أيها الطاغوت...
مثلك الأعلى في حربك الشعواء على الطهر والحجاب والمتحجبات، هم الملأ من قوم لوط، إذ قالوا لنبي الله لوط عليه السلام ومن آمن معه، كما قال تعالى عنهم: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، وأنت قلت لجندك وكلابك المسعورة: أخرجوا المؤمنات الطاهرات المحجبات من جامعاتهن، ومدارسهن، وجميع مؤسسات المجتمع، وضيقوا عليهن كل خناق، لا ذنب لهن سوى أنهن مؤمنات طاهرات محجبات التزمن في أنفسهن الحجاب طاعة لله ولرسوله؟!
يا أيها الطاغوت...
أنتَ لست زَين العابدين، فزين العابدين، لا يُحارِب الإسلام والمسلمين، ويُملئ سجونه بالمسلمين المستضعفين؛ لا ذنب لهم سوى أنهم يقولون ربنا الله، زين العابدين لا يُحارب الفضيلة والطهر والحجاب، زين العابدين لا يُحارب المسلمات المؤمنات الطاهرات العفيفات، ويكرههن على خلع حجابهن ولباسهن بالقوة، زين العابدين لا يمكن أن يُمارس دور إبليس اللعين، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}، أما وأنك أبيت إلا أن تفعل كل ذلك وأكثر، فأنت لست زين العابدين، بل أنت شَيْن العابدين، وطاغوتهم، وكبيرهم الذي يعلمهم الكفر والسحر!
وإن كنت أعجب، فإني أعجب من سكوت الأمة وعلمائها ودعاتها - إلا من رحم الله - عليك، وعلى كفرك، وزندقتك وجحودك، وكفر نظامك وقانونك، رغم تماديك في الكفر والظلم والطغيان حداً لم تعرفه الطغاة الفراعنة من قبلك؟!
إذا جاء الطعن والتهكم بالدين ممن هم ليسوا منا ولا من بني جلدتنا ولغتنا، قام الجميع بالرد والإنكار عليهم، وعلت الأصوات وارتفعت حتى يسمعهم الجميع، وهذا أمر محمود يُشكرون عليه، بينما إذا جاء الطعن والعدوان والجحود، والاستهزاء بالدين من بني جلدتنا ولغتنا، من طواغيت العرب، الكل - إلا من رحم الله - يسكت، ويتعامى، ويتجاهل، وكأن الأمر لا يعنيه، ولا يخصه، وكأن الدين المعتدى عليه ليس دينه ولا دين الله، الذي ينبغي أن يقلق لأجله ويضحي؟!
إذا جاء الطعن من الأجنبي الكافر، الكل يُنكر، ويرفع صوته، بينما إذا جاء الطعن من العربي الكافر المرتد، أو الوطني الكافر الأشد كفراً وفجوراً ونفاقاً، وبخاصة إن كان هذا العربي أو الوطني الكافر المرتد من طواغيت الحكم والظلم، الكل - إلا من رحم الله، رهبة أو رغبة - يصمت صمت أهل القبور، صمٌّ بكمٌ عميٌ لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يُبصرون، والإنكار على هذا المجرم يكون حينئذٍ - كما يقولون -: فتنة، والفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها!
ولهؤلاء جميعاً أذكرهم بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فأعدوا الجواب من الآن لهذا الموقف العصيب - إن استطعتم - الذي يتبرأ فيه المتبوع من التابع، والتابع من المتبوع، إذ يرون العذاب، وتتقطع بهم الأسباب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك، والغش، والنفاق، كما قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}.
أما أنتم يا أهلنا في تونس...
كان الله لكم، وفي عونكم، وفرَّج الله عنكم ما أنتم فيه من هم وكرب وبلاء عظيم، وأراحكم والبلاد من كفر وطغيان وظلم الطاغوت وحاشيته وسحرته.
واعلموا أن هذا الطاغوت المسمى زوراً بـ "زَين العابدين" ليس له عليكم ولاية ولا سمع ولا طاعة، فقد دلَّ النقلُ من الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة على أن الحاكم الكافر المرتد لا سلطان له ولا ولاية على المسلمين وبلادهم، يجب عليكم - جميعاً رجالاً ونساء شيباً وشباناً علماء وعمالاً وطلاباً - بالنص والإجماع الخروج على هذا الطاغية الكافر المرتد وعلى نظامه الكافر العميل.
كما في الحديث الذي في الصحيحين عن عبادة بن الصامت، قال: (دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه؛ فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشَطِنا ومَكرهنا، وعُسرِنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا نُنازعَ الأمر أهلَهُ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).
ونحن والأمة كلها قد رأت وسمعت من هذا الطاغية ومن نظامه الكفر البواح، والجحود الصراح لما فرض الله تعالى، عندنا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيه برهان، لا يشك في كفره وكفر نظامه وسحرته إلا كافر مثله، أو جاهل أعمى الله بصره وبصيرته، ونعوذ بالله من الكفر والخذلان.
فإن شكوتم العجز والضعف، وقلة الحيلة، وإرهاب الطاغوت ونظامه، اعلموا أنه يتعين عليكم حينئذٍ أن تعدوا العدة وتقوموا بواجب الإعداد العام والشامل لجميع أنواع القوة، وتأخذوا بجميع الأسباب الشرعية التي ترفع عنكم هذا العجز والضعف، والتي تمكنكم من إحياء فريضة الجهاد والخروج على هذا الطاغية ونظامه الكافرَين، وإراحة البلاد والعباد منه ومن عصابته.
هذا هو حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فيما يجب عليكم شرعاً وعقلاً، وفيما يجب على كل من يعيش ظروفكم وأحوالكم من المسلمين في أمصارهم المختلفة، ومن يقول لكم خلاف ذلك، فقد كذبكم وغشكم، وما صدققكم، وقد كتمكم ما يجب عليه بيانه!
هذا الخيار وإن بدا للبعض بأنه خيار صعب ومُكلِف إلا أنه أهون الشرين والضررين، فالأمة مخيرة بين أمرين لا بد لها من اختيار أحدهما: إما أن تستكين للباطل، وترضى حياة الذل والخنوع، والكفر، والفسوق، والفجور، والظلم، والجهل والتخلف، والعبودية للطاغوت، وتدخل في دينه وقانونه، وحينئذٍ ستكون الضريبة باهظة وعظيمة لا يُمكن تصور حدودها، وإما خيار العزة والكرامة، والعدل، والحرية، والعبودية الخالصة لرب العباد وحده لا شريك له، وهذا الخيار لا شك أنه يحتاج إلى نوع تضحية وبذل وعطاء، ولكن مهما عظمت تضحية هذا الخيار فهي لا يمكن أن ترقى درجة التضحية أو درجة الضرائب الباهظة التي تُبذل في سبيل خيار الذل والركون إلى الطواغيت الظالمين، والدخول في عبادتهم ودينهم، ونعيذ الأمة من أن ترضى أو تستمرئ هذا الخيار!
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}.
29/9/1427 هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد...
لم يدع طاغية تونس شَين العابدين مجالاً يُحارَبُ به الإسلام والمسلمين إلا وقد سلكَه، ولم يدع كفراً إلا وقد مارسَه ودعا إليه.
كان من آخر ذلك ما أبدعته نفسه الكافرة الطاغية الأمارة بالسوء، عندما صرَّح بملء فيه، وعبر وسائل إعلامه الماجن الإباحي، الذي يكرر كل ما يقيء به الطاغوت من قول باطل، ومعه فريق من حاشيته وسحرته، ممن يُؤَمِّنون على كل ما يهرف به من كفر وفسوق، منهم وزير شؤونه الدينية، فقالوا: (أن حجاب المرأة مرفوض، وهو دخيل ونشاز ولباس طائفي، يشكل خطراً على كيان المجتمع التونسي)!
وقد تعدى تصريحهم هذا مجرد التصريح والبيان الدال على جحودهم لفريضة الحجاب، ليُحاربوا الحجاب والفضيلة - منذ عقود - بقوة القانون الكافر وسياط الجلاد الظالم؛ فمنعوه من جميع مظاهر الحياة الرسمية الخاصة منها والعامة، حتى الشوارع؛ أرادوها خالية من النساء المحجبات، ومن تُشاهَد منهنَّ في الشارع محجبة فحرماتها مُستباحة، وهي عُرضة للاعتداء من قبل كلاب الطاغوت المسعورة، والملام حينئذٍ هي لا الكلاب المسعورة!
مظهر الحجاب والمتحجبات يؤذي مشاعر زنادقة الكفر والفسوق والفجور، اللاهثين وراء الحرام، لأنه يُذكرهم بمعاني الطهر والعفة والفضيلة، والأدب والحياء، والإيمان، وهم يريدون لهذه المعاني أن تُوأد وتُمحَى كلياً من ذاكرة وعقل وحياة المسلم التونسي، ولكن فأنَّى! {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
يا أيها الطاغوت...
اعلم أن الإسلام لا يُحارَب والحجاب من الإسلام، الإيمان لا يُحارَب والحجاب من الإيمان، الفضيلة لا تُحارَب والحجاب من الفضيلة، العفة والأدب والحياء، هذه المعاني النبيلة - التي يُعتبر الحجاب دليلاً عليها ورمزاً لها - لا تُحارَب، لأنها من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، وأنَّى لمن يُحارب الفطرة أن يَغلب أو يَنتصر!
يا أيها الطاغوت...
الإسلام لا يُحارَب، لأنه دين الله تعالى الذي تكفَّل بحفظه، ومن تكفل الله بحفظه لا يُحارَب، ولا يُفلح من يُحاربه!
يا أيها الطاغوت...
كم من طاغية قبلك - كانوا أكثر منك جمعاً وطغياناً وقوة واستعلاء في الأرض - حاربوا الإسلام والمسلمين، حاربوا الحجاب، والفضيلة والطهر والإيمان، فأين هم الآن، وأين الإسلام دين الله، هم إلى مزبلة التاريخ تسخطهم الأجيال وتلعنهم كلما ذكرهم الذاكرون، وفي الآخرة هم حطب جهنم ولهم عذاب أليم، بينما الإسلام في ظهور وانتشار وامتداد وتوسع، يدخله الناس أفواجاً، رغم كيد الكائدين، ومكر الماكرين!
أليس في ذلك عبرة ودليلاً لك ولغيرك على أن هناك يداً قاهرة قادرة، تعلو ولا يُعلى عليها، ترعى هذا الدين وتحفظه؟! كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ومن تكفل الله بحفظه فلا ضيعة ولا خوف عليه!
يا أيها الطاغوت...
غيرك من طواغيت الأرض - بما في ذلك أولياؤك وأسيادك في بلاد الغرب - يُحاربون الحجاب والمتحجبات من المؤمنات الطاهرات، لكن ليسوا بوقاحتك وصراحتك وشراستك، فقد سبقتهم جميعاً في هذه سبقاً بعيداً، وبئس السباق سباقك!
يا أيها الطاغوت...
مثلك الأعلى في حربك الشعواء على الطهر والحجاب والمتحجبات، هم الملأ من قوم لوط، إذ قالوا لنبي الله لوط عليه السلام ومن آمن معه، كما قال تعالى عنهم: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، وأنت قلت لجندك وكلابك المسعورة: أخرجوا المؤمنات الطاهرات المحجبات من جامعاتهن، ومدارسهن، وجميع مؤسسات المجتمع، وضيقوا عليهن كل خناق، لا ذنب لهن سوى أنهن مؤمنات طاهرات محجبات التزمن في أنفسهن الحجاب طاعة لله ولرسوله؟!
يا أيها الطاغوت...
أنتَ لست زَين العابدين، فزين العابدين، لا يُحارِب الإسلام والمسلمين، ويُملئ سجونه بالمسلمين المستضعفين؛ لا ذنب لهم سوى أنهم يقولون ربنا الله، زين العابدين لا يُحارب الفضيلة والطهر والحجاب، زين العابدين لا يُحارب المسلمات المؤمنات الطاهرات العفيفات، ويكرههن على خلع حجابهن ولباسهن بالقوة، زين العابدين لا يمكن أن يُمارس دور إبليس اللعين، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}، أما وأنك أبيت إلا أن تفعل كل ذلك وأكثر، فأنت لست زين العابدين، بل أنت شَيْن العابدين، وطاغوتهم، وكبيرهم الذي يعلمهم الكفر والسحر!
وإن كنت أعجب، فإني أعجب من سكوت الأمة وعلمائها ودعاتها - إلا من رحم الله - عليك، وعلى كفرك، وزندقتك وجحودك، وكفر نظامك وقانونك، رغم تماديك في الكفر والظلم والطغيان حداً لم تعرفه الطغاة الفراعنة من قبلك؟!
إذا جاء الطعن والتهكم بالدين ممن هم ليسوا منا ولا من بني جلدتنا ولغتنا، قام الجميع بالرد والإنكار عليهم، وعلت الأصوات وارتفعت حتى يسمعهم الجميع، وهذا أمر محمود يُشكرون عليه، بينما إذا جاء الطعن والعدوان والجحود، والاستهزاء بالدين من بني جلدتنا ولغتنا، من طواغيت العرب، الكل - إلا من رحم الله - يسكت، ويتعامى، ويتجاهل، وكأن الأمر لا يعنيه، ولا يخصه، وكأن الدين المعتدى عليه ليس دينه ولا دين الله، الذي ينبغي أن يقلق لأجله ويضحي؟!
إذا جاء الطعن من الأجنبي الكافر، الكل يُنكر، ويرفع صوته، بينما إذا جاء الطعن من العربي الكافر المرتد، أو الوطني الكافر الأشد كفراً وفجوراً ونفاقاً، وبخاصة إن كان هذا العربي أو الوطني الكافر المرتد من طواغيت الحكم والظلم، الكل - إلا من رحم الله، رهبة أو رغبة - يصمت صمت أهل القبور، صمٌّ بكمٌ عميٌ لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يُبصرون، والإنكار على هذا المجرم يكون حينئذٍ - كما يقولون -: فتنة، والفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها!
ولهؤلاء جميعاً أذكرهم بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فأعدوا الجواب من الآن لهذا الموقف العصيب - إن استطعتم - الذي يتبرأ فيه المتبوع من التابع، والتابع من المتبوع، إذ يرون العذاب، وتتقطع بهم الأسباب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك، والغش، والنفاق، كما قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}.
أما أنتم يا أهلنا في تونس...
كان الله لكم، وفي عونكم، وفرَّج الله عنكم ما أنتم فيه من هم وكرب وبلاء عظيم، وأراحكم والبلاد من كفر وطغيان وظلم الطاغوت وحاشيته وسحرته.
واعلموا أن هذا الطاغوت المسمى زوراً بـ "زَين العابدين" ليس له عليكم ولاية ولا سمع ولا طاعة، فقد دلَّ النقلُ من الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة على أن الحاكم الكافر المرتد لا سلطان له ولا ولاية على المسلمين وبلادهم، يجب عليكم - جميعاً رجالاً ونساء شيباً وشباناً علماء وعمالاً وطلاباً - بالنص والإجماع الخروج على هذا الطاغية الكافر المرتد وعلى نظامه الكافر العميل.
كما في الحديث الذي في الصحيحين عن عبادة بن الصامت، قال: (دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه؛ فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشَطِنا ومَكرهنا، وعُسرِنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا نُنازعَ الأمر أهلَهُ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).
ونحن والأمة كلها قد رأت وسمعت من هذا الطاغية ومن نظامه الكفر البواح، والجحود الصراح لما فرض الله تعالى، عندنا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيه برهان، لا يشك في كفره وكفر نظامه وسحرته إلا كافر مثله، أو جاهل أعمى الله بصره وبصيرته، ونعوذ بالله من الكفر والخذلان.
فإن شكوتم العجز والضعف، وقلة الحيلة، وإرهاب الطاغوت ونظامه، اعلموا أنه يتعين عليكم حينئذٍ أن تعدوا العدة وتقوموا بواجب الإعداد العام والشامل لجميع أنواع القوة، وتأخذوا بجميع الأسباب الشرعية التي ترفع عنكم هذا العجز والضعف، والتي تمكنكم من إحياء فريضة الجهاد والخروج على هذا الطاغية ونظامه الكافرَين، وإراحة البلاد والعباد منه ومن عصابته.
هذا هو حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فيما يجب عليكم شرعاً وعقلاً، وفيما يجب على كل من يعيش ظروفكم وأحوالكم من المسلمين في أمصارهم المختلفة، ومن يقول لكم خلاف ذلك، فقد كذبكم وغشكم، وما صدققكم، وقد كتمكم ما يجب عليه بيانه!
هذا الخيار وإن بدا للبعض بأنه خيار صعب ومُكلِف إلا أنه أهون الشرين والضررين، فالأمة مخيرة بين أمرين لا بد لها من اختيار أحدهما: إما أن تستكين للباطل، وترضى حياة الذل والخنوع، والكفر، والفسوق، والفجور، والظلم، والجهل والتخلف، والعبودية للطاغوت، وتدخل في دينه وقانونه، وحينئذٍ ستكون الضريبة باهظة وعظيمة لا يُمكن تصور حدودها، وإما خيار العزة والكرامة، والعدل، والحرية، والعبودية الخالصة لرب العباد وحده لا شريك له، وهذا الخيار لا شك أنه يحتاج إلى نوع تضحية وبذل وعطاء، ولكن مهما عظمت تضحية هذا الخيار فهي لا يمكن أن ترقى درجة التضحية أو درجة الضرائب الباهظة التي تُبذل في سبيل خيار الذل والركون إلى الطواغيت الظالمين، والدخول في عبادتهم ودينهم، ونعيذ الأمة من أن ترضى أو تستمرئ هذا الخيار!
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}.
29/9/1427 هـ