الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد كثر السؤال عن مراجعات الشيخ " سيِّد إمام " المعروف باسم " عبد القادر بن عبد العزيز "، وبالدكتور " فضل "، وبخاصة بعد أن سلَّط الإعلام العلماني المنافق والمُجيَّر قدراته الواسعة على تجيير تلك المراجعات والكلمات لمآرب خبيثة تصب في خدمة الطواغيت الحاكمين وأنظمتهم العميلة الفاسدة .. والطعن بمبدأ الجهاد في الإسلام .. والغمز بالمجاهدين!
وقبل أن أقول قولي في مراجعات الشيخ " سيد إمام " أود أن أشير إلى ظاهرة مريبة قد استوقفتني؛ وهي قول البعض ـ ولو بلسان الحال ـ: أن الشيخ سيد إمام لا يُعقَّب عليه .. فهو شيخ الشيوخ .. وشيخ المجاهدين .. وإذا قال قولاً لا بد للشيوخ وغيرهم من أن يتابعوه ويقروه بغض النظر عن مدى صحة قوله من خطأه .. لا يُقبل من أحدٍ قولاً بعد قوله .. فهو الإمام قبل السجن وبعد السجن .. وقبل المراجعات وبعد المراجعات .. وفي مرحلتي الإفراط قبل السجن والمراجعات .. ومرحلة التفريط بعد السجن والمراجعات .. فهو يُتابع في الشيء وضده .. ولا يحق لأحد أن ينكر عليه أو يقول له أخطأت .. أو يُخالفه .. أو كيف .. ولماذا؟!
أقول: وهذا من الغلو المرفوض نقلاً وعقلاً .. فمن عقيدتنا؛ عقيدة أهل السنة والجماعة، أن كلاً ـ مهما علا كعبه وشرفه وعلمه ـ يُخطئ ويُصيب .. يؤخذ منه ويُرد عليه .. ويُقال له أصبت فيما أصاب فيه .. وأخطأت فيما أخطأ فيه .. عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فيُسلَّم له ولحكمه وسنته تسليماً .. ظاهراً وباطناً.
الذي يتعصب للشيوخ وكلماتهم في الحق والباطل .. وعلى حساب الحق .. هم الشيعة الروافض .. ودراويش الصوفية الذين يرون العالَم من خلال شيخهم وعمامته .. وجيل العقيدة والتوحيد والجهاد الذي ينتسب إلى عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة من أبعد الناس عن هذا الوصف والخلق، ولله الحمد.
ونقول كذلك للعلمانيين الظالمين .. ومن وراءهم من المنافقين: لا تفرحوا كثيراً ـ ولا قليلاً ـ بكلمات ومراجعات الشيخ .. فإن لهذا الدين ربَّاً يحميه ويحفظه بالشيخ سيد وبغيره .. والله تعالى لا يزال يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته وتوحيده والجهاد في سبيله .. ومقارعة أعدائه من الطواغيت الظالمين .. وإلى أن تقوم الساعة .. رضي من رضي وسخط من سخط .. كما ورد ذلك في أحاديث صحيحة عدة.
فإن عُلم ذلك، أقول: لمراجعات وكلمات الشيخ سيد إمام ثلاثة جوانب: جانب إيجابي، يُشكر ويُقر عليه، وجانب سلبي يُرد عليه فيه، وجانب مُتشابه يُناقش فيه.
أولاً: الجانب الإيجابي: فهو يكمن من جهة تصريحه بصورة واضحة أكثر من ذي قبل بضرورة مراعاة حرمة الآمنين ممن صان الشرع حرماتهم .. عند القيام بأي عمل عسكري .. وعدم التوسع في استغلال مسألة التترس للاعتداء على حرمات الآمنين .. وضرورة مراعاة العهود والعقود وعدم الغدر .. وأن المسلم القاصد لبلاد غير المسلمين بفيزة وتأشيرة .. أو كلاجئ .. أو طالب .. أو زيارة ونحو ذلك .. هو في عهد وعقد مع المجتمع الذي قصده ودخله لا يجوز الاعتداء على أهله أو على شيء من حرماتهم وأموالهم في شيء .. وأن السائح الأجنبي من غير المسلمين ونحوه ـ ممن لا شأن له بشؤون الحرب والقتال ـ من القاصدين لبلاد المسلمين هم في عهد وأمان مع المسلمين .. لا يجوز الغدر بهم ولا الاعتداء عليهم في شيء .. كما لا يجوز أن يُحاسب الناس بناء على جنسياتهم .. ولون بشرتهم .. ونحوها من المعاني الطيبة التي أقرها الشرع ودعا إليها .. وكان لصاحب هذه الكلمات الفضل والسبق ـ ولله الحمد ـ في الإشارة إليها مراراً وتكراراً ـ كما في كتابنا الاستحلال وغيره ـ وذلك قبل أكثر من عشر سنوات .. وكان الآخرون .. يستخفون بها وبصاحبها .. إلى أن هدى الله منهم الكثير .. ولله الحمد.
الرجوع إلى الحق واجب وفضيلة .. ولو جاء متأخراً .. وكنا نود من الشيخ " سيد إمام " أن يُصارح ويُكاشف إخوانه والناس بما صارحهم وكاشفهم به في مراجعاته وكلماته الأخيرة ـ مما تقدمت الإشارة إليه أعلاه ـ وبنفس الدرجة من الصراحة والوضوح .. وهو حر طليق .. من خارج السجن .. لأن كلماته من داخل السجن ـ في أجواء القهر والتعذيب والإرهاب ـ تقلل من قيمة وأثر وفاعلية كلماته .. مهما كانت صادقة .. وتمثل صاحبها.
وللإنصاف ـ على الأقل من جهتي وبحسب اطلاعي ـ لا أعرف عن الشيخ كلاماً كان يقوله قبل سجنه .. يُضاد ويُخالف ما تمت الإشارة إليه أعلاه .. وإنما الذي يمكن قوله أنه لم تكن له الكلمات الصريحة والواضحة والمحكمة الدالة على هذه المعاني .. بدرجة ما ورد في مراجعاته الأخيرة .. لذا قد سمَّاها البعض بالمراجعات .. ومنهم الذي توسع وظلم فاعتبرها تراجعات .. وكأن الشيخ كان يقول قبل ذلك بخلافها .. ومن جهتي أعتبر ـ هذا الجانب الإيجابي ـ نوع من المصارحة والمكاشفة .. والمناصحة .. والمصالحة .. والاعتذار لمن طالهم شيء من الأذى أو الضرر بسبب هذا القصور في البيان والتوضيح والنصح.
ثانياً: الجانب السلبي: الذي يرقى إلى درجة أن نسميه تراجعاً وانقلاباً وانسلاخاً عما كان عليه الشيخ من قبل .. يتمثل في موقفه الجديد من طواغيت الحكم والكفر والظلم والردة في بلاد المسلمين .. فهو إلى ساعة صدور الجزء التاسع من مراجعاته لم يسمِّ طواغيت الحكم والكفر هؤلاء صراحة بالمسلمين .. كما أنه لم يصرح بكفرهم وتكفيرهم رغم ما اقترفوه من جرائم بحق أنفسهم ودينهم وأمتهم .. بل أشار إليهم بما يوهم إسلامهم، ويلبس على العباد حقيقة كفرهم وإجرامهم ـ ومن دون أن يشير إلى كفرهم ـ ؛ فسماهم " سلطان .. وسلاطين " ـ كما في كلماته تحت عنوان " كفر السلطان والخروج عليه " ـ وهذا مصطلح شرعاً يُطلق عادة على السلاطين المسلمين الذين يحكمون بما أنزل الله .. حتى منهم الذي عنده نوع جور وفسوق .. فهو كذلك يُسمَّى سلطاناً .. بخلاف الطاغوت المحارب لله ولرسوله وللمؤمنين .. الذي يجعل من نفسه نداً لله عز وجل .. فإن له اسماً واحداً شرعاً ولغة .. ألا وهو اسم ومسمى " الطاغوت " .. وهذا الذي اجتنبه الشيخ .. وهو من التلبيس والتضليل، وكتمان العلم الذي لم يُعهد على الشيخ من قبل!
وكذلك بعد أن نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُفيد ويُلزم الأمة بالخروج على أئمة الكفر والردة والطغيان الذين يُرى منهم الكفر البواح، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ". انتقل الشيخ مباشرة ليمنع ويعطل هذا الحكم الشرعي .. ويجعل تطبيقه والعمل به وبمقتضاه من رابع المستحيلات .. ويحدثنا بتوسع واسترسال غير معهود عنه من قبل .. عن فقه العجز والاستضعاف .. والشلل .. فمدار بحثه قائم على الاستدلال بالعجز .. وفقه العجز .. فجعل من العجز دليلاً ومبرراً لإبطال وتعطيل الجهاد .. وكأن العجز قدر ملازم للأمة لا يُمكن الفكاك منه ولا إزالته .. ثم أكثر من الدندنة حول ما يترتب على الخروج على طواغيت الحكم والكفر والردة من مفاسد وأضرار .. وقد أطال من غير طائل في الحديث عن تقدير المصالح والمفاسد والمصالح .. وتقديم مصلحة إقرار هؤلاء الحكام والطواغيت على حكمهم .. والتعايش معهم ومع أنظمتهم .. على مفسدة الخروج عليهم .. ثم قاس الخروج عليهم على خروج المسلمين من قبل على بعض أئمة الجور من المسلمين .. وموقف بعض أهل العلم الذين يمنعون من الخروج على أئمة الجور ممن لا يرقى جورهم إلى درجة الكفر البواح .. مع فارق القياس بين الفريقين والحالتين .. وعصر من سبق من السلف وعصرنا .. وهذا كله مغاير لمنهج وكلمات وأسلوب الشيخ من قبل .. والأهم من هذا كله أنه مغاير ومخالف للنقل الصحيح والعقل السليم .. لذا اعتبرنا هذا الجانب السلبي من مراجعاته .. يرقى إلى درجة أن نعتبره تراجعاً وانقلاباً عما كان عليه الشيخ من قبل.
ثم أن الشيخ لم يفته أن يقترح البديل عن الجهاد .. والجماعات المجاهدة ـ بقية الخير في الأمة ـ .. والإعداد من أجل القيام بواجب الجهاد .. ومنازلة طواغيت الكفر والردة والظلم .. وتحرير البلاد والعباد من كفرهم وشرهم وفسادهم .. أن تتحول الجماعات المجاهدة ـ التي تمثل الطائفة المنصورة الظاهرة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم خيراً.. وبعد أن أعزها الله بالجهاد ـ إلى جماعة لا تتعدى مهامها ونشاطاتها واهتماماتها مهام ونشاطات واهتمامات جماعة التبليغ .. فهنيئاً لجماعة التبليغ بالأفراد الجدد الذي سينضمون إليها ممن يُتابعون الشيخ سيد على تراجعاته .. وليس مراجعاته .. وإلى القارئ بعض عباراته وكلماته حول ما تقدم ذكره، حيث يقول:" وقد تكررت حوادث الخروج على الحكام في بلاد المسلمين خلال العقود الماضية باسم الجهاد في سبيل الله من أجل تحكيم شريعة الإسلام في تلك البلاد، وقد أدت هذه الحوادث إلى مفاسد عظيمة على مستوى الجماعات الإسلامية وعلى مستوى البلاد التي وقعت بها هذه الأحداث ... والجهاد ليس هو الخيار الشرعي الوحيد لمواجهة الواقع غير الشرعي وإنما هناك خيارات أخرى كالدعوة والهجرة والعزلة والعفو والصفح والإعراض والصبر على الأذى وكتمان الإيمان ... وبالنظر إلى الواقع فإن أحوال الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين أحوالها تتراوح بين العجز والاستضعاف، والسوابق والتجارب المريرة التي خاضتها هذه الجماعات خير شاهد على ذلك، ومن الغرور أن يرى الإنسان في نفسه ما ليس فيها فيكون "كلابس ثوبي زور" ... كما نرى عدم جواز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلدان المسلمين من أجل تطبيق الشريعة باسم الجهاد، فالتغيير باليد والصدام كلاهما ليسا من الخيارات الشرعية الميسورة فلا تجب، وإنما تجب الدعوة بالحسنى ... وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية، فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة ... ولهذا فإننا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين لأجل تحكيم الشريعة في مصر وما يشبهها من البلاد لا يجب في ضوء الظروف السابقة سواء كان هذا باسم الجهاد أو باسم تغيير المنكرات باليد، كل هذا لا يجوز ولا يجب، ولا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات (من الجيش والشرطة وقوات الأمن) بالأذى لما في ذلك من المفاسد الكثيرة، وننصح بذلك جميع المسلمين، ونرى أن الاشتغال بالدعوة الإسلامية وتقريب المسلمين من دينهم بما يؤدي إلى تقليل المفاسد الشائعة أجدى نفعًا للإسلام وللمسلمين "ا- هـ. فأي خطاب هذا .. وأي تخدير وتثبيط للأمة يعلو هذا التخدير والتثبيط .. وأي خدمة هذه التي يسدلها الشيخ للطاغوت ونظامه وعصابته وهو يدري أو لا يدري؟!
ونرد على مغالطاته الآنفة الذكر أعلاه من أوجه:
منها: أن النص والإجماع قد انعقدا على وجوب الخروج على أئمة الكفر والردة الحاكمين لبلاد المسلمين .. وهذا الحكم لا يمكن تعطيله أو إلغائه .. أو القول ببطلانه .. لمجرد ظنون وتخيلات وأوهام .. مصدرها الخور والضعف .. والهوى .. وحب الركون إلى الدنيا!
ومها: أن تجريم العمل بمقتضى ما انعقد عليه النص والإجماع من ضرورة الخروج على أئمة الكفر والردة والظلم .. واعتباره عملاً محرماً لا يجوز .. هو في حقيقته تجريم للنص .. وفيه إساءة ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يكلف أمته ما لا تُطيق .. وما يترتب عليه فسادها وهلاكها .. وهذا من ظن السوء بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم!
ومنها: على افتراض وجود العجز ـ كما أكثر من الدندنة حول ذلك الشيخ سيد ـ عن إحياء العمل بمقتضى ما انعقد عليه النص والإجماع من ضرورة جهاد أئمة الكفر والردة .. فإن الهمم ـ حينئذٍ ـ ينبغي أن تنصب على دفع العجز .. إذ لا يجوز الاستسلام للعجز .. وأن نحول الشعوب إلى مجموعة نعاج وقطعان من الغنم تُذبح في مذابح ومسالخ الطواغيت .. ومن دون أن يُسمح لها أن تتأوه أو تستنكر جريمة الذبح .. فإذا حصل العجز ـ في مرحلة من المراحل ـ عن الجهاد .. تعين ـ بالنص والإجماع ـ الإعداد الذي به يندفع هذا العجز!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 8/259: يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ا- هـ.
لم يكن العجز ـ يوماً من الأيام ـ مبرراً مطلقاً لترك التكاليف الشرعية .. مع وجو القدرة على دفع العجز .. أو من دون العمل من أجل دفع العجز، قال تعالى:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )التغابن:16. وقال تعالى:( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ )الأنفال:60. فالأمة مطالبة بنص الآيات القرآنية أن تتقي الله ما استطاعت .. وأن تبذل قصارى جهدها واستطاعتها على دفع ما تم العجز فيه .. وأن تعد ما استطاعت لإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله .. ودفع الذل والضيم عن نفسها .. لا أن تستسلم للعجز .. فتستكين له ليصبح وكأنه صفة لازمة لها .. لا فكاك لها منه!
فالذي يُطالِب الأمة ويُخاطبها بخطاب الاستضعاف والضعف والعجز والشلل .. ويبرر لها تقصيرها باسم العجز .. فهذا يزيد العجز عجزاً .. والمرض مرضاً .. ويقتل في الأمة روح العمل والإعداد والتضحية والعطاء .. والاستطاعة على فعل شيء .. ومثله مثل من يقول للمريض الذي التزم الفراش .. لا تتداوى .. ولا تنهض من فراش المرض .. ولا تسعى في تحصيل الدواء .. حتى لا تتعافى .. ولكي تبقى عاجزاً ومريضاً!
ومنها: إن حصل العجز ـ في مرحلة من المراحل لطرف من الأطراف أو فريق من الناس ـ عن مباشرة القتال والجهاد باليد والسِّنان .. بقي التحريض على القتال والجهاد في سبيل الله .. بقي تعبئة الأمة وتحريضها على تحمل مسؤولياتها نحو دين الله .. ونحو البلاد والعباد .. ونحو دفع العدو الصائل سواء كان هذا العدو كافراً أصلياً أم كان كفره من جهة الزندقة والردة .. بقي الجهاد باللسان والكلمة .. جهاد البيان والصدع بالحق .. وهذا خير كثير لو التزم به العلماء والدعاة! كما قال تعالى:) وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً )النساء:84.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنَّ المؤمن يُجاهد بسيفه ولسانه "[صحيح الجامع: 1934].
وقال صلى الله عليه وسلم:" أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطان جائر "[صحيح الجامع: 1100].
هذا هو البديل عند حصول العجز .. وليس الهروب .. والاعتزال .. والدخول في سراديب تحت الأرض .. وكتمان الحق والإيمان .. لندع الظالمين المفسدين .. يرتعون ويمرحون .. ويُفسدون ويُخربون ويُغرقون السفينة .. كما يقترح الشيخ سيد!
ومنها: أن العجز المُعذِر قد يُتصور أو يُفترض .. في فرد أو مجموعة أفراد .. أما أن يُفترض في أمة يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. وأن يكون هذا العجز صفة لازمة لها .. لا فكاك لها منه .. ثم هي بعد ذلك تكون معذورة بالعجز .. فهذا مرفوض بالنقل والعقل.
أمة الإسلام لا يُمكن أن تجتمع على ضلالة .. كما لا يُمكن أن تجتمع على عجز يمنعها من أن تقول للطاغوت أنت طاغوت .. وللظالم أنت ظالم!
أن تُطالَب أمة بكاملها .. يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. أن تلتزم فقه العجز والاستضعاف .. وأن تعتزل .. وتهجر .. وتدخل السراديب .. وتكتم إيمانها .. خوفاً وفرقاً من حفنة قليلة من الطواغيت الظالمين قد تسلطوا عليها .. فهذا مرفوض بالنقل والعقل!
من أجل طاغية مصر .. من أجل طاغية واحد .. نطالب أكثر من سبعين مليون مسلم من شعب مصر أن يدخلوا بيوتهم والسراديب .. وأن يعتزلوا .. ويهجروا .. ويكتموا إيمانهم .. وأن يترخَّصوا لأنفسهم بفقه العجز والاستضعاف .. يا لهول الذل الذي أصاب الخاصة قبل العامة!
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في مسند أحمد وغيره ـ أنه قال:" إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم فقد تُودِّع منهم ". وفي رواية:" إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم فقد تُودع منهم ".
فالشيخ سيد ـ هداه الله ـ يريد من الأمة أن تصل إلى هذا الموصل؛ أن يُتودَّع منها .. وأن تهاب أن تقول للظالم إنك أنت ظالم .. ويحملها على ذلك حملاً .. بذريعة العمل بفقه العجز والاستضعاف .. ويجرِّمها لو حاولت أن تفعل خلاف ذلك مع الظالمين!
قال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتَنهونَّ عن المنكر، أو ليوشِكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم "[صحيح الجامع: 7070].
ومن تلبيسات الشيخ وتوسعه في الاستدلال على فقه العجز والاستضعاف .. ليضعف الهمم في الأمة ونفوس الناس أكثر مما هي ضعيفة .. وليجد لخنوعهم وذلهم وركوعهم للطاغوت مبرراً ومسوغاً .. استدلاله المتكرر بموقف عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من تلك الظاهرة الغريبة الفريدة .. التي لم تتكرر عبر تاريخ البشرية كلها إلا مرة واحدة .. ألا وهي ظاهرة " يأجوج ومأجوج " .. وأنه لم يُؤمر ـ أي عيسى عليه السلام ـ بقتالهم .. وإنما استعصم ومن معه من المؤمنين بالجبل .. لعجزهم عن مواجهة يأجوج ومأجوج!
ونرد عليه فنقول: يأجوج ومأجوج آية من آيات الله .. وعلامة من العلامات الكبرى للساعة .. مهما قيل في عددهم فهم أكثر .. وجاء في الحديث:" فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماءً " مسلم. وذلك لكثرتهم .. فأنى للمؤمنين يومئذٍ ولم يمضِ عليهم سوى زمن قصير على خوض الملاحم الكبرى .. وقتال الدجال ومن معه .. وما أكثر أتباعه الآخر .. وجراحهم لم تندمل بعد!
فأراد الله تعالى أن يمن على المؤمنين .. فيريحهم .. بعد طول بلاء وجهاد .. فيقتل يأجوج ومأجوج بسبب من عنده سبحانه وتعالى؛ " فيرسل عليهم النَّغَفَ ـ نوع من الدود ـ في رقابهم، فيصبحون فَرْسَى ـ أي قتلى ـ كموت نفس واحدة .." مسلم.
ونقول كذلك ـ كما جاء ذلك في الحديث في صحيح مسلم ـ: أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام " إني قد أخرجت عباداً لي لا يُدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور "، فالكف عن قتالهم فيه نص .. وأمر إلهي لا يُرد!
والسؤال الذي يطرح نفسه ـ وينتظر جواباً من الشيخ سيد ـ: هل الطاغية حسني مبارك هو يأجوج ومأجوج .. حتى نرهِّب أكثر من سبعين مليون مسلم من شعب مصر من الانتصاف لحقوقهم ودينهم وحرماتهم .. من هذا الطاغية الظالم؟!
هل حفنة من الطواغيت المتسلطين على رقاب العباد ومقدرات البلاد .. والذين لا يتجاوز تعدادهم مائة نفر هم يأجوج ومأجوج أو بمثابة يأجوج ومأجوج .. لنحذر ونرهب أمة يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. من قتالهم .. والانتصار لحقوقهم ومظالمهم وحرماتهم ودينهم من هؤلاء الطواغيت؟!
ثم هل ورد في حق هؤلاء الحفنة من الطواغيت نص يمنع وينهى عن قتالهم .. كما ورد في حق يأجوج ومأجوج .. حتى نقيس هؤلاء الأنفار القلة من الطواغيت على يأجوج ومأجوج؟!
ما عهدنا عليك مثل هذا التلبيس .. والتخذيل .. والوهن .. والضعف في الاستدلال من قبل يا شيخ سيد .. لكن كما يُقال: حجة الباطل ضعيفة .. مهما كان صاحبه كبيراً وقوياً .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام!
ومنها: من الأخطاء القاتلة .. والقصور الواضح .. أنه لا ينهض من الأمة للعمل بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، إلا مجموعة من الأفراد والشباب المجاهد والغيور على دينه وأمته .. بينما مجموع الأمة بكل أطيافها .. وشرائحها .. من العلماء والعمال والمدرسين والطلاب وغيرهم .. يكتفون بالتفرج والمراقبة والتعليق عن بعد .. لا يُعيرون هذا الحكم الشرعي الواجب أدنى اهتمام منهم وكأنهم غير معنيين منه .. وكأن المعني منه فقط طائفة محددة من المسلمين .. دون غيرهم .. فيُخيل للبعض حينئذٍ أن الأمة عاجزة عن التغيير!
هذه مشكلة كبيرة يقع على عاتق الدعاة والعلماء إزالتها .. من خلال الصدع بالحق وعدم كتمان شيء من العلم .. ليتحمل كل امرئٍ مسؤولياته وبحسب موقعه .. بدلاً من أن يُشاركوا في تكريسها في الأمة .. وكأنه واقع لا مناص منه .. من خلال تحاملهم على المجاهدين .. وكتمان الحق .. ومن خلال تكريس ومباركة حكم الطواغيت الظالمين .. ومباركة تسلطهم بالكفر والظلم والفساد على البلاد والعباد .. وكأن حكمهم من المسلمات الذي لا يقبل التغيير ولا النقاش!
ومنها: أن القول بضرورة العمل بالقواعد الشرعية التي تدعو إلى مراعاة وتقدير المصالح والمفاسد .. والعمل على جلب المصالح ودفع المفاسد .. قول صحيح ما ضبط بالنص الشرعي .. بعيداً عن نزوات الهوى .. وميل وحظوظ النفس!
كثير من أهل الأهواء والبدع قد تسلطوا على هذه القاعدة الشرعية " جلب المصالح ودفع المفاسد "، ووجدوا فيها المنفذ السهل لتمرير أهوائهم .. وضلالاتهم .. ومآربهم .. حيث تراهم يردون تقدير المصالح والمفاسد .. إلى عقولهم وأهوائهم بعيداً عن النص الشرعي .. وتقديرات الشريعة للمصالح والمفاسد .. ولو سألتهم لقالوا لك من فورهم: غرضنا جلب المصالح ودفع المفاسد .. وانتقاء أقل الضررين .. ودفع أكبرهما ضرراً .. وبشيء من التحري .. وعندما ترد تقديراتهم إلى النصوص الشرعية .. تجد أنهم قدموا الضرر الأكبر على الضرر الأصغر .. وجلبوا المفاسد .. ودفعوا المصالح الشرعية المعتبرة .. مثال ذلك: من سلك منهج الديمقراطية ومزالقها في عملية الوصول .. تحت هذا العنوان الكبير جلب المصالح ودفع المفاسد، وما دروا أنهم جلبوا على أنفسهم وأمتهم المفاسد .. ودفعوا عن أنفسهم وأمتهم المصالح؛ فكان مثلهم مثل من أساء ثم يحسب أنه ممن يُحسنون صنعاً!
ومن الأمثلة على ذلك كذلك النهج الجديد للشيخ سيد .. حيث اعتبر جهاد طواغيت أئمة الكفر والردة مفسدة كبرى .. والمصلحة الكبرى تكمن في ترك جهادهم .. والصبر عليهم .. وعلى أذاهم .. وظلمهم .. وكفرهم .. وفسادهم!
فانقلبت الموازين .. والضوابط .. فأتت النتائج معكوسة؟!
نصف القرآن الكريم إن لم يكن أكثر .. ومعه مئات من الأحاديث النبوية الشريفة، إن لم يكن أكثر ـ ولا نظن الشيخ سيد يجهلها ـ تدعو إلى مجاهدة ومقارعة هؤلاء الطواغيت الظالمين وعسكرهم .. وإنصاف الحق منهم .. وتحذر العباد من موالاتهم والركون إليهم .. فأين نذهب ـ يا شيخ سيد إمام ـ بهذا الكم الضخم من النصوص الشرعية .. وكيف تريدنا أن نفهمها ونفسرها؟!
أين المصلحة في ترك جهاد هؤلاء الطواغيت .. وقد فقدت الأمة بسببهم دينها .. وعزتها وشرفها .. وكرامتها .. وأرضها .. وخيراتها .. وكل ما هو عزيز عليها!
فقدنا ـ بسببهم، وبسبب الصبر على أذاهم وظلمهم وكفرهم وخيانتهم ـ الدين، والنفس، والعِرض، والأرض، والمال .. والأهل والولد .. وانتشرت وعمَّت الفواحش والمنكرات .. بكل أنواعها وأصنافها .. وقنَّنوا لحمايتها والذود عنها .. وقاتلوا دونها .. وعاقبوا منكرها .. فأي مصلحة هذه التي يرجوها الشيخ سيد من ترك جهادهم .. وأي مفسدة يخافها على الأمة من جراء جهادهم .. والأمة فقدت كل شيء .. ولم تعد هناك مفسدة تخشى وقوعها .. لأنها قد وقعت عليها ومنذ زمن بعيد بسبب السكوت على شر وإجرام هؤلاء الطواغيت المجرمين!
لذا من مقتضيات العمل بأدلة القواعد الشرعية التي تدعو إلى جلب المصالح ودفع المفاسد .. ودفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر .. هو القول: بجهاد هؤلاء الطواغيت .. عسى الله تعالى أن يرفع عن هذه الأمة ما أصابها من ذل وهوان وضعف، وجهل، وفقر!
كما قال تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )البقرة:216.
وقال تعالى:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه )الأنفال:39.
وقال تعالى:( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )البقرة:191.
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/165: ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرّض به المرء للفتنة، صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة، كما قال تعالى عن المنافقين:( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ )التوبة:49.
فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة، فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد ا- هـ.
ومنها: للشيخ ولغيره أن يتكلم عن سنن النصر والتمكين .. وعن فقه الموازنات إن شاء .. ولكن هذا لا يبرر له ولا لغيره التعدي والتوسع إلى درجة تحريم الجهاد .. والقول بعدم جوازه .. أو تجريم من يعمل على إحياء فريضة الجهاد .. أو أن يُعطل مبدأ جهاد طواغيت الكفر والردة والظلم .. وغيرهم من الكافرين والمشركين المحاربين الصائلين .. لحجج واهية ساقطة ـ قد تقدم الرد عليها ـ فهذا لا يُقبل منه ولا من غيره مهما علا كعبه وكانت مكانته .. وهو مرفوض بالنقل والعقل.
عن سلمة بن نفيل الكندي، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسولَ الله، أذالَ الناسُ الخيلَ ـ أي استخفوا بها وتركوها ـ ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال:" كذبوا الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يُقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوبُ أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيلُ معقود في نواصيها الخير على يوم القيامة "[صحيح سنن النسائي:3333].
ونحن نقول للشيخ سيد إمام ولمن سبقه في مثل هذا التراجع والانتكاس والانقلاب من شيوخ وزعامات الجماعة الإسلامية المصرية، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم؛ الآن جاء القتال .. الآن جاء الجهاد .. ولا يزال من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم طائفة تقاتل على الحق في سبيل الله يُزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة .. رغماً عنكم .. وعن انتكاساتكم .. ومراجعاتكم .. ونقمتكم التي فاجأتم بها الناس على الجهاد وأهله!
ومنها: أن الشيخ سيد لم يُرشِّد العمل الجهادي كما زعم .. وكما يُفيد عنوان مراجعاته " ترشيد العمل الجهادي " .. بل هو قد ألغاه وعطله .. وحرمه .. وجرّم من يعمل على إحيائه .. فكيف يرشد شيئاً قد ألغاه وعطله .. ولا يرى جوازه أصلاً .. لذا فإن العنوان الأصح لمراجعاته يكون " التراجع عن العمل الجهادي " وليس " ترشيد العمل الجهادي "!
ومنها: أن الغلو يؤدي إلى الغلو .. والإفراط غالباً ما يحمل صاحبه على التفريط عند حصول المراجعة والمحاسبة .. إن لم يتق الله ويجد بجواره الناصح الأمين .. ويعلم الله كم كان غلو الشيخ سيد في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله شديداً على الحق وأهله .. حيث كان يرى الحكم بغير ما أنزل الله قولاً واحداً ـ وعلى الإطلاق ـ كفراً أكبر ـ كما في كتابه الجامع في طلب العلم الشريف ـ فأبطل التقسيم الذي نص عليه السلف ودلت عليه الآثار .. الدال على أن الحكم بغير ما أنزل الله منه الكفر الأكبر، ومنه الكفر دون الكفر .. كما هو مبين في موضعه .. فنحَى في قوله هذا منحى الخوارج الغلاة .. وأصَّل لمذهبهم الخبيث في المسألة .. وكم قاتلَنا غلاة وخوارج العصر بكلماته .. عندما كنا نبين لهم أن للحكم بغير ما أنزل الله صورتين نص عليهما السلف ودلت عليهما الآثار والنصوص .. صورة تعتبر كفراً أكبر، وصورة تعتبر كفراً أصغر أو كفراً دون كفر .. والقول بخلاف ذلك: مؤداه إلى تكفير جميع العصور والقرون والمجتمعات والدول من بعد الخلفاء الراشدين الأربعة مباشرة وإلى يومنا هذا .. ولأخينا الشيخ الأسير أبي محمد المقدسي ـ فك الله أسره وأسرى المسلمين ـ رد قيم على غلوه هذا كما في رسالته القيمة " النكت اللوامع في ملحوظات الجامع "، فليراجعها من شاء.
واليوم يُفاجئنا الشيخ سيد بغلو آخر .. لكنه في الموقف المقابل .. موقف التفريط والجفاء .. موقف أهل التجهم والإرجاء من علماء وشيوخ بلاط الحكام والطواغيت .. وكم سيُقاتلنا هؤلاء وأتباعهم بكلماته ومراجعاته الأخيرة .. وقد بدأت طلائع مناوشاتهم وشغبهم .. نسأل الله تعالى العون والثبات.
فالشيخ سيد كان عوناً للخوارج الغلاة ـ على الحق وأهله ـ قبل مراجعاته .. وعوناً لأهل التفريط والإرجاء ـ على الحق وأهله ـ بعد مراجعاته .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فانظروا مثلاً ماذا يقول في المسألة كما في مراجعاته الأخيرة:" وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية، فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة "ا- هـ.
فتأملوا التميع والتفريط والتلبيس: فصورة ترك طواغيت الحكم المعاصرين ـ الذين سماهم بالسلطات الحاكمة ـ لأحكام الشريعة .. وإعراضهم عنها .. بل ومحاربتهم لها ولأهلها .. واستبدالها بشرائع وضعية جاهلية من صنائع أهواء البشر .. فهذا عند الشيخ سيد ـ بحسب مذهبه الإرجائي التفريطي الجديد ـ يرقى ويحتمل أن يكون كفراً دون كفر أو معصية أقل وأصغر من الكفر دون كفر .. مع التنبيه على وجود الفارق الكبير من حيث الدلالة والمعنى بين القول بترك الحكم بالشريعة الذي لا يحتمل إلا الكفر البواح .. وبين القول بأن فلاناً لم يحكم بما أنزل الله في مسألة من المسائل ـ أو بعض المسائل ـ عن هوى وضعف .. وشهوة .. من غير جحود ولا تبديل ولا استحلال .. مع اعترافه بالتقصير والإثم .. وأنه مستحق للعقوبة لفعله هذا إن لم تتداركه رحمة الله .. فهذا الذي قال عنه أهل العلم ـ بوصفه المتقدم ـ أنه كفر دون كفر، أو كفر أصغر!
يوجد فرق كبير بين منهج ومذهب الشيخ سيد القديم قبل التراجع وحصول المراجعات .. وبين منهجه ومذهبه التفريطي الجديد بعد المراجعات .. وبحسب ما تتطلبه مرحلة الركون إلى الطواغيت الظالمين .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
ومنها: أن مراجعات الشيخ سيد تتسم بالغلظة والشدة، والعنف، والاستعلاء .. والطعن والتهكم والتجريح .. برفقاء دربه من المجاهدين قبل مراجعاته .. وانتكاساته .. بينما في المقابل تتسم بالرفق والرحمة ولين الجناح إذا ما اقترب كلامه من ساحة طواغيت الحكم .. والسلطات الحاكمة ـ كما يحلو له أن يسميهم، وهو اسم "الدَّلَع" لأجهزة الأمن والتعذيب والمخابرات ـ وهذا ليس من النصح في شيء ولا من الترشيد للعمل الجهادي ـ الذي زعمه الشيخ ـ في شيء!
أخشى أن يكون الخلاف القديم للشيخ سيد مع إخوانه وأقرانه من رفقاء دربه .. قد حمله على مثل هذا النوع من الظلم والعدوان .. لكن هذا لا يتناسب مع سلامة الصدر التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم ـ وبخاصة من كان في موقع ومكانة الشيخ سيد ـ نحو إخوانه المسلمين، وبخاصة منهم المجاهدين!
قال تعالى:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )الفتح:29.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله رفيق يُحب الرفقَ في الأمر كله " البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه " مسلم.
فأين الشيخ من هذه المعاني ....؟!
ومنها: أن الطاغوت الحاكم في مصر وأجهزة مخابراته .. لا يهمهم من مراجعات الشيخ سيد ما أشار إليه ـ في الجانب الإيجابي من كلامه الآنف الذكر ـ من ضرورة عدم الاعتداء على الحرمات المعصومة .. وعدم التساهل في شأن الدماء .. فهذه المعاني ليست مهمة كثيراً عند الطاغوت وجنده .. بل لربما لا يريدونها .. لأنهم يريدون أن تنسب الأعمال الخاطئة للمجاهدين .. ليسيئوا إلى سمعتهم وإلى جهادهم .. وهذا يستدعي ويستلزم وجود الخطأ والأعمال الخاطئة .. فإن لم يأتِ هذا الخطأ من طرف أحد المجاهدين .. قد يأتي به النظام الطاغوتي ذاته .. كما حصل أكثر من مرة وفي أكثر من موقع؛ يأتون بالجريمة ثم يُلصقونها بالمجاهدين ليسيئوا إلى سمعتهم وجهادهم .. وينفروا الناس عنهم .. والشاهد أن الطاغوت لا يهمه هذا الجانب الترشيدي من الشيخ ولا يكترث إليه .. وإنما يهمه شيء واحد من مراجعات الشيخ سيد .. وهو هل سيعترف بشرعيته كحاكم وشرعية حكمه ونظامه .. ويقر له بأنه ولي أمر يستحق أن يُطاع أم لا .. هذا الذي يهم الطاغوت .. وهذا الذي يريده وينتظره من الشيخ سيد ومن معه .. فإن لم يُعط هذه الجزئية الأهم بالنسبة للطاغوت .. لا يتوقع الفرج والعفو من قبل الطاغوت وعسكره .. مهما تكلم عن حرمة الدماء المعصومة .. لأن الطاغوت ـ كما ذكرنا ـ لا تهمه الدماء المعصومة .. ولا حرماتها!
الشيخ سيد قد أتى بنصف المطلوب ـ بالنسبة للطاغوت ـ وهو تحريم وتجريم مقاتلة الطاغوت وعسكره .. وتحريم وتجريم الخروج على نظامه وحكمه .. وهذا مطلب هام بالنسبة للطاغوت .. بقي أن يأتي بالنصف الآخر؛ وهو الاعتراف بشرعيته وشرعية حكمه صراحة، ومن دون مواربة ولا تلميح .. والقول بوجوب طاعته كولي أمر مسلم تجب طاعته على الشعب المصري المسلم ـ كما فعل ذلك من قبل بعض شيوخ وقادة الجماعة الإسلامية المصرية كضريبة للإفراج عنهم ـ فهل سيعطي الشيخ سيد هذه الجزئية وهذا المطلب للطاغوت .. ثم يُفاجئنا بتأصيل جديد في مراجعات وبيانات أخرى .. يبرر اعترافه هذا .. ويؤثم ويُجرم من يُخالفه .. ويحدثنا عن كفر طاغوت وفرعون مصر .. بأنه كفر دون كفر .. هذا ما ستبينه لنا الأيام القادمة!
ومنها: أنه كثر الاعتداد ـ وليس الاعتذار ـ بالسجن .. وبالفترة الزمنية التي قضوها في السجن .. وبالتالي لا أحد يستطيع أن ينكر عليهم ـ ممن هم خارج السجن ـ إذا ما غيروا وبدلوا .. وكأن السجن .. يبرر لهم فعل كل ذلك .. وأن السجن ـ والمدة التي قدوها فيه ـ يجعلهم فوق المساءلة!
أقول: هذه بدعة محدثة لم نعهدها ولم نسمع بها من قبل شيوخ وقادة المراجعات والتنازلات المصرية .. الممثلين في بعض قادة وشيوخ الجماعة الإسلامية المصرية .. الذين لهم وزر هذه السنة السيئة .. ووزر من عمل بها بعدهم .. واتبعهم عليها!
فقد اعتقل من قبل كثير من علماء السلف فما غيروا وما بدلوا .. ولا تراجعوا .. منهم الإمام أحمد .. وشيخ الإسلام ابن تيمية .. والسرخسي .. وغيرهم الكثير .. ومن الخلف الكثير ـ وبعضهم لا يزال إلى الساعة قابعاً في أقبية وزنازين الطواغيت ـ وما عُرف عنهم تحولاً ولا تبديلاً .. ولا تراجعاً .. كما فعل الشيخ سيد إمام ومن معه .. مئات العلماء اعتقلوا في أقبية سجون طاغية الشام النصيري .. ومنهم من قضى نحبه شهيداً ـ إن شاء الله ـ تحت التعذيب كالشيخ المجاهد مروان حديد .. وأخيه الشيخ المجاهد عدنان عقلة .. وقد مضى على اعتقاله في غياهب السجون النصيرية ـ ولا يزالا ـ أكثر من عشرين عاماً .. وفي الأردن الشيخ أبي محمد المقدسي ومن معه من الإخوان .. وقد قضى نصف عمره في سجون الطغاة .. وفي مصر .. الشيخ كمال السنانيري وقد قضى نحبه شهيداً ـ إن شاء الله ـ تحت التعذيب .. وزينب الغزالي .. امرأة صبرت على أشد أنواع التعذيب .. حتى أن الكلاب الضارية قد سُلطت على جسدها الطاهر الشريف .. وما عُرف عنها هذا الضعف والخور والتراجع كما هو الحال عند الشيخ سيد إمام ومن معه، ومن سبقه من شيوخ المراجعات والتنازلات للجماعة الإسلامية المصرية .. وكذلك الشيخ المجاهد عمر عبد الرحمن في سجون أمريكا .. والشيخ عبد الحميد كشك .. وقبلهم المجاهد الصدَّاع بالحق سيد قطب .. وكلنا يعلم كيف أن سيد قطب رحمه الله آثر المشنقة وحكم الإعدام .. ولا أن يفرج عنه إفراجاً مغموساً بكلمة اعتذار للطاغية .. فيتقوى بها على طغيانه وكفره وظلمه .. فوضع الله له بسبب ذلك القبول في الأرض .. فشتان شتان بين موقف سيد قطب، وبين موقف سيد إمام .. وفي المغرب كذلك الشيخ محمد الفزازي ومن معه من الإخوان والشيوخ .. والشيخ علي بلحاج في الجزائر ومن معه من الإخوان .. وفي الجزيرة العربية الشيخ الخضير، وناصر الفهد، وابن زعير .. وغيرهم الكثير الكثير من الشيوخ والعلماء الصدَّاعين بالحق لو أردنا الإحصاء .. فما عُرف عن أحدهم أنه قد غير وبدل .. وتراجع .. نسأل الله تعالى أن يرحم الأموات منهم .. وأن يتقبلهم عنده من الشهداء .. وأن يثبت الأحياء .. وأن يختم الله تعالى لنا ولهم بخاتمة خير يحبها الله تعالى ويرضاها، اللهم آمين.
ثم أن المؤمن مُبتلى .. ويُبتلى على قدر دينه وإيمانه .. فمن سار على درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. درب الدعوة إلى الله تعالى .. والجهاد .. والصدع بالحق .. لا بد أنه مبتلى .. كما لا بد له من أن يوطد نفسه على تحمل البلاء .. وعلى نوع بلاء يُصيبه .. من غير استشراف أو طلب له .. فليس لأدنى بلاء يُصيب المسلم ـ وبخاصة الذي يسلك طريق الأنبياء ـ يرفع رايات الاستسلام .. والتراجعات .. والمراجعات!
قال تعالى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )العنكبوت:2-3.
وقال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )البقرة:155.
وقال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )محمد:31.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السَّخَطُ "[صحيح سنن الترمذي:1954].
وسئل رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال:" الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم؛ فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه "[صحيح الترغيب والترهيب: 3402].
وقال صلى الله عليه وسلم:" كما يُضاعف لنا الأجر، كذلك يُضاعف علينا البلاء "[صحيح الجامع:4577].
وقال صلى الله عليه وسلم:" إنا معشرَ الأنبياء يُضاعَفُ علينا البلاء "[صحيح الجامع: 2288].
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما أوذي أحدٌ ما أوذيتُ في الله عز وجل "[ السلسلة الصحيحة:2222].
وفي صحيح ابن حبان، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني أحبك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن البلايا أسرعُ إلى من يُحبني من السيل إلى منتهاه "[السلسلة الصحيحة:1586]. أي هذا الزعم له برهان؛ وبرهانه نزول البلايا في ساحتك .. وتحملك إياها .. وصبرك عليها .. فإن لم تكن أهلاً لذلك، فدعواك المحبة والولاء زعم لا حقيقة له ولا برهان!
أما زعم المحبة والمتابعة والولاء .. من غير بلاء .. فعلى المرء حينئذٍ أن يراجع نفسه .. ويُحاسب إيمانه، وينظر أين موقعه من أهل الصدق والإيمان!
فإن قيل: لعل هذا الذي صدر عن الشيخ سيد إمام كان ناتجاً عن إكراه .. والمكره معذور كما هو معلوم؟
أقول: نتمنى ونود أن يكون الأمر كذلك .. وما حملنا على تأخير تسجيل هذا الرد .. سوى تحرينا لهذا العذر .. والتماساً له .. لكن وللأسف فقد جاءت جميع القرائن لتدل على أن مراجعات وكلمات الشيخ سيد إمام قد كتبت بملء إرادته واختياره .. وأنه لا يقبل من أحدٍ أن يقول عنه خلاف ذلك!
ثم أن الإكراه المعتبر شرعاً .. والذي يعذر صاحبه .. هو الذي يقول عبارة تُطلب منه تحت ظروف الإكراه .. أو يخط فقرة .. أو صفحة أو صفحتين .. بحسب ما يُملى عليه .. أما أن يخط مراجعات .. وأبحاثاً .. وكتباً .. وتأصيلات فقهية لا يعرفها إلا هو .. وتراه يستدل لأقواله من هنا وهناك .. ومن تجاربه الشخصية .. ويجتهد في أن يُقنع الآخرين بوجهة نظره .. ويتصل بهم ويحملهم على موافقته بالترغيب أو الترهيب .. فهذا لا يُمكن أن يُصنف في خانة الإكراه المعتبر الذي يقيل عثرات صاحبه، والله تعالى أعلم.
ومع ذلك ـ حبَّاً منا للعذر الذي تعلمناه من سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ـ أقول: إن جاءت الأخبار فيما بعد بخلاف اعتقادنا؛ لتقول: بأن الأخ خط كلماته ومراجعاته هذه تحت الإكراه .. وكان مكرهاً عليها .. وهو لا يقرها ولا يرضاها .. ويبرأ إلى الله تعالى منها .. فنحن مباشرة ـ ومن دون أدنى تردد ـ سنحذف ردنا هذا ونمزّقه .. وكأنه لم يكن .. مع تسجيل اعتذار صريح وبالخط العريض للأخ الكريم .. فما كان غرضنا يوماً من وراء ما نكتب أن نظلم أحداً من الناس .. ثم ما أسهل الاعتذار علي ـ ولله الحمد ـ إن كان فيه انتصاف لحقٍّ أو مظلوم.
ثالثاً: الجانب المُتشابه: وهو الجانب الغالب على مراجعاته وتقريراته .. والمسائل التي تناولها؛ فقد خلط فيها بين حق وباطل .. مما جعل غالب كلامه في حكم المتشابه الذي يحتاج إلى تفصيل وتحليل .. وفرز من جديد .. وبيان وجه الحق فيه بعيداً عن الباطل .. وفصل الباطل الذي ألصقه بالحق ـ لغرضٍ في نفس كاتبه ـ ليُضرَب به عرض الحائط .. ويُرمى بعيداً .. وهذا يحتاج مني إلى جهد ووقت لا أملكهما الآن .. وإن كان في العمر بقية .. وكانت الظروف تسمح .. قد تكون لي وقفة ثانية مع كلماته إن شاء الله.
وأحسب فيما تقدم بيانه كفاية للتحذير مما صدر عن الشيخ سيد إمام من شطط وباطل وبخاصة فيما يتعلق بالجانب السلبي من كلامه .. والمشار إليه أعلاه .. لخطورة هذا الجانب .. وأهمية تعريته .. والله تعالى من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )هود:88.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
19/11/1428 هـ. 29/11/2007 م.
فقد كثر السؤال عن مراجعات الشيخ " سيِّد إمام " المعروف باسم " عبد القادر بن عبد العزيز "، وبالدكتور " فضل "، وبخاصة بعد أن سلَّط الإعلام العلماني المنافق والمُجيَّر قدراته الواسعة على تجيير تلك المراجعات والكلمات لمآرب خبيثة تصب في خدمة الطواغيت الحاكمين وأنظمتهم العميلة الفاسدة .. والطعن بمبدأ الجهاد في الإسلام .. والغمز بالمجاهدين!
وقبل أن أقول قولي في مراجعات الشيخ " سيد إمام " أود أن أشير إلى ظاهرة مريبة قد استوقفتني؛ وهي قول البعض ـ ولو بلسان الحال ـ: أن الشيخ سيد إمام لا يُعقَّب عليه .. فهو شيخ الشيوخ .. وشيخ المجاهدين .. وإذا قال قولاً لا بد للشيوخ وغيرهم من أن يتابعوه ويقروه بغض النظر عن مدى صحة قوله من خطأه .. لا يُقبل من أحدٍ قولاً بعد قوله .. فهو الإمام قبل السجن وبعد السجن .. وقبل المراجعات وبعد المراجعات .. وفي مرحلتي الإفراط قبل السجن والمراجعات .. ومرحلة التفريط بعد السجن والمراجعات .. فهو يُتابع في الشيء وضده .. ولا يحق لأحد أن ينكر عليه أو يقول له أخطأت .. أو يُخالفه .. أو كيف .. ولماذا؟!
أقول: وهذا من الغلو المرفوض نقلاً وعقلاً .. فمن عقيدتنا؛ عقيدة أهل السنة والجماعة، أن كلاً ـ مهما علا كعبه وشرفه وعلمه ـ يُخطئ ويُصيب .. يؤخذ منه ويُرد عليه .. ويُقال له أصبت فيما أصاب فيه .. وأخطأت فيما أخطأ فيه .. عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فيُسلَّم له ولحكمه وسنته تسليماً .. ظاهراً وباطناً.
الذي يتعصب للشيوخ وكلماتهم في الحق والباطل .. وعلى حساب الحق .. هم الشيعة الروافض .. ودراويش الصوفية الذين يرون العالَم من خلال شيخهم وعمامته .. وجيل العقيدة والتوحيد والجهاد الذي ينتسب إلى عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة من أبعد الناس عن هذا الوصف والخلق، ولله الحمد.
ونقول كذلك للعلمانيين الظالمين .. ومن وراءهم من المنافقين: لا تفرحوا كثيراً ـ ولا قليلاً ـ بكلمات ومراجعات الشيخ .. فإن لهذا الدين ربَّاً يحميه ويحفظه بالشيخ سيد وبغيره .. والله تعالى لا يزال يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته وتوحيده والجهاد في سبيله .. ومقارعة أعدائه من الطواغيت الظالمين .. وإلى أن تقوم الساعة .. رضي من رضي وسخط من سخط .. كما ورد ذلك في أحاديث صحيحة عدة.
فإن عُلم ذلك، أقول: لمراجعات وكلمات الشيخ سيد إمام ثلاثة جوانب: جانب إيجابي، يُشكر ويُقر عليه، وجانب سلبي يُرد عليه فيه، وجانب مُتشابه يُناقش فيه.
أولاً: الجانب الإيجابي: فهو يكمن من جهة تصريحه بصورة واضحة أكثر من ذي قبل بضرورة مراعاة حرمة الآمنين ممن صان الشرع حرماتهم .. عند القيام بأي عمل عسكري .. وعدم التوسع في استغلال مسألة التترس للاعتداء على حرمات الآمنين .. وضرورة مراعاة العهود والعقود وعدم الغدر .. وأن المسلم القاصد لبلاد غير المسلمين بفيزة وتأشيرة .. أو كلاجئ .. أو طالب .. أو زيارة ونحو ذلك .. هو في عهد وعقد مع المجتمع الذي قصده ودخله لا يجوز الاعتداء على أهله أو على شيء من حرماتهم وأموالهم في شيء .. وأن السائح الأجنبي من غير المسلمين ونحوه ـ ممن لا شأن له بشؤون الحرب والقتال ـ من القاصدين لبلاد المسلمين هم في عهد وأمان مع المسلمين .. لا يجوز الغدر بهم ولا الاعتداء عليهم في شيء .. كما لا يجوز أن يُحاسب الناس بناء على جنسياتهم .. ولون بشرتهم .. ونحوها من المعاني الطيبة التي أقرها الشرع ودعا إليها .. وكان لصاحب هذه الكلمات الفضل والسبق ـ ولله الحمد ـ في الإشارة إليها مراراً وتكراراً ـ كما في كتابنا الاستحلال وغيره ـ وذلك قبل أكثر من عشر سنوات .. وكان الآخرون .. يستخفون بها وبصاحبها .. إلى أن هدى الله منهم الكثير .. ولله الحمد.
الرجوع إلى الحق واجب وفضيلة .. ولو جاء متأخراً .. وكنا نود من الشيخ " سيد إمام " أن يُصارح ويُكاشف إخوانه والناس بما صارحهم وكاشفهم به في مراجعاته وكلماته الأخيرة ـ مما تقدمت الإشارة إليه أعلاه ـ وبنفس الدرجة من الصراحة والوضوح .. وهو حر طليق .. من خارج السجن .. لأن كلماته من داخل السجن ـ في أجواء القهر والتعذيب والإرهاب ـ تقلل من قيمة وأثر وفاعلية كلماته .. مهما كانت صادقة .. وتمثل صاحبها.
وللإنصاف ـ على الأقل من جهتي وبحسب اطلاعي ـ لا أعرف عن الشيخ كلاماً كان يقوله قبل سجنه .. يُضاد ويُخالف ما تمت الإشارة إليه أعلاه .. وإنما الذي يمكن قوله أنه لم تكن له الكلمات الصريحة والواضحة والمحكمة الدالة على هذه المعاني .. بدرجة ما ورد في مراجعاته الأخيرة .. لذا قد سمَّاها البعض بالمراجعات .. ومنهم الذي توسع وظلم فاعتبرها تراجعات .. وكأن الشيخ كان يقول قبل ذلك بخلافها .. ومن جهتي أعتبر ـ هذا الجانب الإيجابي ـ نوع من المصارحة والمكاشفة .. والمناصحة .. والمصالحة .. والاعتذار لمن طالهم شيء من الأذى أو الضرر بسبب هذا القصور في البيان والتوضيح والنصح.
ثانياً: الجانب السلبي: الذي يرقى إلى درجة أن نسميه تراجعاً وانقلاباً وانسلاخاً عما كان عليه الشيخ من قبل .. يتمثل في موقفه الجديد من طواغيت الحكم والكفر والظلم والردة في بلاد المسلمين .. فهو إلى ساعة صدور الجزء التاسع من مراجعاته لم يسمِّ طواغيت الحكم والكفر هؤلاء صراحة بالمسلمين .. كما أنه لم يصرح بكفرهم وتكفيرهم رغم ما اقترفوه من جرائم بحق أنفسهم ودينهم وأمتهم .. بل أشار إليهم بما يوهم إسلامهم، ويلبس على العباد حقيقة كفرهم وإجرامهم ـ ومن دون أن يشير إلى كفرهم ـ ؛ فسماهم " سلطان .. وسلاطين " ـ كما في كلماته تحت عنوان " كفر السلطان والخروج عليه " ـ وهذا مصطلح شرعاً يُطلق عادة على السلاطين المسلمين الذين يحكمون بما أنزل الله .. حتى منهم الذي عنده نوع جور وفسوق .. فهو كذلك يُسمَّى سلطاناً .. بخلاف الطاغوت المحارب لله ولرسوله وللمؤمنين .. الذي يجعل من نفسه نداً لله عز وجل .. فإن له اسماً واحداً شرعاً ولغة .. ألا وهو اسم ومسمى " الطاغوت " .. وهذا الذي اجتنبه الشيخ .. وهو من التلبيس والتضليل، وكتمان العلم الذي لم يُعهد على الشيخ من قبل!
وكذلك بعد أن نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُفيد ويُلزم الأمة بالخروج على أئمة الكفر والردة والطغيان الذين يُرى منهم الكفر البواح، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ". انتقل الشيخ مباشرة ليمنع ويعطل هذا الحكم الشرعي .. ويجعل تطبيقه والعمل به وبمقتضاه من رابع المستحيلات .. ويحدثنا بتوسع واسترسال غير معهود عنه من قبل .. عن فقه العجز والاستضعاف .. والشلل .. فمدار بحثه قائم على الاستدلال بالعجز .. وفقه العجز .. فجعل من العجز دليلاً ومبرراً لإبطال وتعطيل الجهاد .. وكأن العجز قدر ملازم للأمة لا يُمكن الفكاك منه ولا إزالته .. ثم أكثر من الدندنة حول ما يترتب على الخروج على طواغيت الحكم والكفر والردة من مفاسد وأضرار .. وقد أطال من غير طائل في الحديث عن تقدير المصالح والمفاسد والمصالح .. وتقديم مصلحة إقرار هؤلاء الحكام والطواغيت على حكمهم .. والتعايش معهم ومع أنظمتهم .. على مفسدة الخروج عليهم .. ثم قاس الخروج عليهم على خروج المسلمين من قبل على بعض أئمة الجور من المسلمين .. وموقف بعض أهل العلم الذين يمنعون من الخروج على أئمة الجور ممن لا يرقى جورهم إلى درجة الكفر البواح .. مع فارق القياس بين الفريقين والحالتين .. وعصر من سبق من السلف وعصرنا .. وهذا كله مغاير لمنهج وكلمات وأسلوب الشيخ من قبل .. والأهم من هذا كله أنه مغاير ومخالف للنقل الصحيح والعقل السليم .. لذا اعتبرنا هذا الجانب السلبي من مراجعاته .. يرقى إلى درجة أن نعتبره تراجعاً وانقلاباً عما كان عليه الشيخ من قبل.
ثم أن الشيخ لم يفته أن يقترح البديل عن الجهاد .. والجماعات المجاهدة ـ بقية الخير في الأمة ـ .. والإعداد من أجل القيام بواجب الجهاد .. ومنازلة طواغيت الكفر والردة والظلم .. وتحرير البلاد والعباد من كفرهم وشرهم وفسادهم .. أن تتحول الجماعات المجاهدة ـ التي تمثل الطائفة المنصورة الظاهرة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم خيراً.. وبعد أن أعزها الله بالجهاد ـ إلى جماعة لا تتعدى مهامها ونشاطاتها واهتماماتها مهام ونشاطات واهتمامات جماعة التبليغ .. فهنيئاً لجماعة التبليغ بالأفراد الجدد الذي سينضمون إليها ممن يُتابعون الشيخ سيد على تراجعاته .. وليس مراجعاته .. وإلى القارئ بعض عباراته وكلماته حول ما تقدم ذكره، حيث يقول:" وقد تكررت حوادث الخروج على الحكام في بلاد المسلمين خلال العقود الماضية باسم الجهاد في سبيل الله من أجل تحكيم شريعة الإسلام في تلك البلاد، وقد أدت هذه الحوادث إلى مفاسد عظيمة على مستوى الجماعات الإسلامية وعلى مستوى البلاد التي وقعت بها هذه الأحداث ... والجهاد ليس هو الخيار الشرعي الوحيد لمواجهة الواقع غير الشرعي وإنما هناك خيارات أخرى كالدعوة والهجرة والعزلة والعفو والصفح والإعراض والصبر على الأذى وكتمان الإيمان ... وبالنظر إلى الواقع فإن أحوال الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين أحوالها تتراوح بين العجز والاستضعاف، والسوابق والتجارب المريرة التي خاضتها هذه الجماعات خير شاهد على ذلك، ومن الغرور أن يرى الإنسان في نفسه ما ليس فيها فيكون "كلابس ثوبي زور" ... كما نرى عدم جواز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلدان المسلمين من أجل تطبيق الشريعة باسم الجهاد، فالتغيير باليد والصدام كلاهما ليسا من الخيارات الشرعية الميسورة فلا تجب، وإنما تجب الدعوة بالحسنى ... وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية، فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة ... ولهذا فإننا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين لأجل تحكيم الشريعة في مصر وما يشبهها من البلاد لا يجب في ضوء الظروف السابقة سواء كان هذا باسم الجهاد أو باسم تغيير المنكرات باليد، كل هذا لا يجوز ولا يجب، ولا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات (من الجيش والشرطة وقوات الأمن) بالأذى لما في ذلك من المفاسد الكثيرة، وننصح بذلك جميع المسلمين، ونرى أن الاشتغال بالدعوة الإسلامية وتقريب المسلمين من دينهم بما يؤدي إلى تقليل المفاسد الشائعة أجدى نفعًا للإسلام وللمسلمين "ا- هـ. فأي خطاب هذا .. وأي تخدير وتثبيط للأمة يعلو هذا التخدير والتثبيط .. وأي خدمة هذه التي يسدلها الشيخ للطاغوت ونظامه وعصابته وهو يدري أو لا يدري؟!
ونرد على مغالطاته الآنفة الذكر أعلاه من أوجه:
منها: أن النص والإجماع قد انعقدا على وجوب الخروج على أئمة الكفر والردة الحاكمين لبلاد المسلمين .. وهذا الحكم لا يمكن تعطيله أو إلغائه .. أو القول ببطلانه .. لمجرد ظنون وتخيلات وأوهام .. مصدرها الخور والضعف .. والهوى .. وحب الركون إلى الدنيا!
ومها: أن تجريم العمل بمقتضى ما انعقد عليه النص والإجماع من ضرورة الخروج على أئمة الكفر والردة والظلم .. واعتباره عملاً محرماً لا يجوز .. هو في حقيقته تجريم للنص .. وفيه إساءة ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يكلف أمته ما لا تُطيق .. وما يترتب عليه فسادها وهلاكها .. وهذا من ظن السوء بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم!
ومنها: على افتراض وجود العجز ـ كما أكثر من الدندنة حول ذلك الشيخ سيد ـ عن إحياء العمل بمقتضى ما انعقد عليه النص والإجماع من ضرورة جهاد أئمة الكفر والردة .. فإن الهمم ـ حينئذٍ ـ ينبغي أن تنصب على دفع العجز .. إذ لا يجوز الاستسلام للعجز .. وأن نحول الشعوب إلى مجموعة نعاج وقطعان من الغنم تُذبح في مذابح ومسالخ الطواغيت .. ومن دون أن يُسمح لها أن تتأوه أو تستنكر جريمة الذبح .. فإذا حصل العجز ـ في مرحلة من المراحل ـ عن الجهاد .. تعين ـ بالنص والإجماع ـ الإعداد الذي به يندفع هذا العجز!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 8/259: يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ا- هـ.
لم يكن العجز ـ يوماً من الأيام ـ مبرراً مطلقاً لترك التكاليف الشرعية .. مع وجو القدرة على دفع العجز .. أو من دون العمل من أجل دفع العجز، قال تعالى:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )التغابن:16. وقال تعالى:( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ )الأنفال:60. فالأمة مطالبة بنص الآيات القرآنية أن تتقي الله ما استطاعت .. وأن تبذل قصارى جهدها واستطاعتها على دفع ما تم العجز فيه .. وأن تعد ما استطاعت لإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله .. ودفع الذل والضيم عن نفسها .. لا أن تستسلم للعجز .. فتستكين له ليصبح وكأنه صفة لازمة لها .. لا فكاك لها منه!
فالذي يُطالِب الأمة ويُخاطبها بخطاب الاستضعاف والضعف والعجز والشلل .. ويبرر لها تقصيرها باسم العجز .. فهذا يزيد العجز عجزاً .. والمرض مرضاً .. ويقتل في الأمة روح العمل والإعداد والتضحية والعطاء .. والاستطاعة على فعل شيء .. ومثله مثل من يقول للمريض الذي التزم الفراش .. لا تتداوى .. ولا تنهض من فراش المرض .. ولا تسعى في تحصيل الدواء .. حتى لا تتعافى .. ولكي تبقى عاجزاً ومريضاً!
ومنها: إن حصل العجز ـ في مرحلة من المراحل لطرف من الأطراف أو فريق من الناس ـ عن مباشرة القتال والجهاد باليد والسِّنان .. بقي التحريض على القتال والجهاد في سبيل الله .. بقي تعبئة الأمة وتحريضها على تحمل مسؤولياتها نحو دين الله .. ونحو البلاد والعباد .. ونحو دفع العدو الصائل سواء كان هذا العدو كافراً أصلياً أم كان كفره من جهة الزندقة والردة .. بقي الجهاد باللسان والكلمة .. جهاد البيان والصدع بالحق .. وهذا خير كثير لو التزم به العلماء والدعاة! كما قال تعالى:) وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً )النساء:84.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنَّ المؤمن يُجاهد بسيفه ولسانه "[صحيح الجامع: 1934].
وقال صلى الله عليه وسلم:" أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطان جائر "[صحيح الجامع: 1100].
هذا هو البديل عند حصول العجز .. وليس الهروب .. والاعتزال .. والدخول في سراديب تحت الأرض .. وكتمان الحق والإيمان .. لندع الظالمين المفسدين .. يرتعون ويمرحون .. ويُفسدون ويُخربون ويُغرقون السفينة .. كما يقترح الشيخ سيد!
ومنها: أن العجز المُعذِر قد يُتصور أو يُفترض .. في فرد أو مجموعة أفراد .. أما أن يُفترض في أمة يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. وأن يكون هذا العجز صفة لازمة لها .. لا فكاك لها منه .. ثم هي بعد ذلك تكون معذورة بالعجز .. فهذا مرفوض بالنقل والعقل.
أمة الإسلام لا يُمكن أن تجتمع على ضلالة .. كما لا يُمكن أن تجتمع على عجز يمنعها من أن تقول للطاغوت أنت طاغوت .. وللظالم أنت ظالم!
أن تُطالَب أمة بكاملها .. يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. أن تلتزم فقه العجز والاستضعاف .. وأن تعتزل .. وتهجر .. وتدخل السراديب .. وتكتم إيمانها .. خوفاً وفرقاً من حفنة قليلة من الطواغيت الظالمين قد تسلطوا عليها .. فهذا مرفوض بالنقل والعقل!
من أجل طاغية مصر .. من أجل طاغية واحد .. نطالب أكثر من سبعين مليون مسلم من شعب مصر أن يدخلوا بيوتهم والسراديب .. وأن يعتزلوا .. ويهجروا .. ويكتموا إيمانهم .. وأن يترخَّصوا لأنفسهم بفقه العجز والاستضعاف .. يا لهول الذل الذي أصاب الخاصة قبل العامة!
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في مسند أحمد وغيره ـ أنه قال:" إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم فقد تُودِّع منهم ". وفي رواية:" إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم فقد تُودع منهم ".
فالشيخ سيد ـ هداه الله ـ يريد من الأمة أن تصل إلى هذا الموصل؛ أن يُتودَّع منها .. وأن تهاب أن تقول للظالم إنك أنت ظالم .. ويحملها على ذلك حملاً .. بذريعة العمل بفقه العجز والاستضعاف .. ويجرِّمها لو حاولت أن تفعل خلاف ذلك مع الظالمين!
قال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتَنهونَّ عن المنكر، أو ليوشِكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم "[صحيح الجامع: 7070].
ومن تلبيسات الشيخ وتوسعه في الاستدلال على فقه العجز والاستضعاف .. ليضعف الهمم في الأمة ونفوس الناس أكثر مما هي ضعيفة .. وليجد لخنوعهم وذلهم وركوعهم للطاغوت مبرراً ومسوغاً .. استدلاله المتكرر بموقف عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من تلك الظاهرة الغريبة الفريدة .. التي لم تتكرر عبر تاريخ البشرية كلها إلا مرة واحدة .. ألا وهي ظاهرة " يأجوج ومأجوج " .. وأنه لم يُؤمر ـ أي عيسى عليه السلام ـ بقتالهم .. وإنما استعصم ومن معه من المؤمنين بالجبل .. لعجزهم عن مواجهة يأجوج ومأجوج!
ونرد عليه فنقول: يأجوج ومأجوج آية من آيات الله .. وعلامة من العلامات الكبرى للساعة .. مهما قيل في عددهم فهم أكثر .. وجاء في الحديث:" فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماءً " مسلم. وذلك لكثرتهم .. فأنى للمؤمنين يومئذٍ ولم يمضِ عليهم سوى زمن قصير على خوض الملاحم الكبرى .. وقتال الدجال ومن معه .. وما أكثر أتباعه الآخر .. وجراحهم لم تندمل بعد!
فأراد الله تعالى أن يمن على المؤمنين .. فيريحهم .. بعد طول بلاء وجهاد .. فيقتل يأجوج ومأجوج بسبب من عنده سبحانه وتعالى؛ " فيرسل عليهم النَّغَفَ ـ نوع من الدود ـ في رقابهم، فيصبحون فَرْسَى ـ أي قتلى ـ كموت نفس واحدة .." مسلم.
ونقول كذلك ـ كما جاء ذلك في الحديث في صحيح مسلم ـ: أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام " إني قد أخرجت عباداً لي لا يُدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور "، فالكف عن قتالهم فيه نص .. وأمر إلهي لا يُرد!
والسؤال الذي يطرح نفسه ـ وينتظر جواباً من الشيخ سيد ـ: هل الطاغية حسني مبارك هو يأجوج ومأجوج .. حتى نرهِّب أكثر من سبعين مليون مسلم من شعب مصر من الانتصاف لحقوقهم ودينهم وحرماتهم .. من هذا الطاغية الظالم؟!
هل حفنة من الطواغيت المتسلطين على رقاب العباد ومقدرات البلاد .. والذين لا يتجاوز تعدادهم مائة نفر هم يأجوج ومأجوج أو بمثابة يأجوج ومأجوج .. لنحذر ونرهب أمة يزيد تعدادها عن المليار ونصف المليار نسمة .. من قتالهم .. والانتصار لحقوقهم ومظالمهم وحرماتهم ودينهم من هؤلاء الطواغيت؟!
ثم هل ورد في حق هؤلاء الحفنة من الطواغيت نص يمنع وينهى عن قتالهم .. كما ورد في حق يأجوج ومأجوج .. حتى نقيس هؤلاء الأنفار القلة من الطواغيت على يأجوج ومأجوج؟!
ما عهدنا عليك مثل هذا التلبيس .. والتخذيل .. والوهن .. والضعف في الاستدلال من قبل يا شيخ سيد .. لكن كما يُقال: حجة الباطل ضعيفة .. مهما كان صاحبه كبيراً وقوياً .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام!
ومنها: من الأخطاء القاتلة .. والقصور الواضح .. أنه لا ينهض من الأمة للعمل بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، إلا مجموعة من الأفراد والشباب المجاهد والغيور على دينه وأمته .. بينما مجموع الأمة بكل أطيافها .. وشرائحها .. من العلماء والعمال والمدرسين والطلاب وغيرهم .. يكتفون بالتفرج والمراقبة والتعليق عن بعد .. لا يُعيرون هذا الحكم الشرعي الواجب أدنى اهتمام منهم وكأنهم غير معنيين منه .. وكأن المعني منه فقط طائفة محددة من المسلمين .. دون غيرهم .. فيُخيل للبعض حينئذٍ أن الأمة عاجزة عن التغيير!
هذه مشكلة كبيرة يقع على عاتق الدعاة والعلماء إزالتها .. من خلال الصدع بالحق وعدم كتمان شيء من العلم .. ليتحمل كل امرئٍ مسؤولياته وبحسب موقعه .. بدلاً من أن يُشاركوا في تكريسها في الأمة .. وكأنه واقع لا مناص منه .. من خلال تحاملهم على المجاهدين .. وكتمان الحق .. ومن خلال تكريس ومباركة حكم الطواغيت الظالمين .. ومباركة تسلطهم بالكفر والظلم والفساد على البلاد والعباد .. وكأن حكمهم من المسلمات الذي لا يقبل التغيير ولا النقاش!
ومنها: أن القول بضرورة العمل بالقواعد الشرعية التي تدعو إلى مراعاة وتقدير المصالح والمفاسد .. والعمل على جلب المصالح ودفع المفاسد .. قول صحيح ما ضبط بالنص الشرعي .. بعيداً عن نزوات الهوى .. وميل وحظوظ النفس!
كثير من أهل الأهواء والبدع قد تسلطوا على هذه القاعدة الشرعية " جلب المصالح ودفع المفاسد "، ووجدوا فيها المنفذ السهل لتمرير أهوائهم .. وضلالاتهم .. ومآربهم .. حيث تراهم يردون تقدير المصالح والمفاسد .. إلى عقولهم وأهوائهم بعيداً عن النص الشرعي .. وتقديرات الشريعة للمصالح والمفاسد .. ولو سألتهم لقالوا لك من فورهم: غرضنا جلب المصالح ودفع المفاسد .. وانتقاء أقل الضررين .. ودفع أكبرهما ضرراً .. وبشيء من التحري .. وعندما ترد تقديراتهم إلى النصوص الشرعية .. تجد أنهم قدموا الضرر الأكبر على الضرر الأصغر .. وجلبوا المفاسد .. ودفعوا المصالح الشرعية المعتبرة .. مثال ذلك: من سلك منهج الديمقراطية ومزالقها في عملية الوصول .. تحت هذا العنوان الكبير جلب المصالح ودفع المفاسد، وما دروا أنهم جلبوا على أنفسهم وأمتهم المفاسد .. ودفعوا عن أنفسهم وأمتهم المصالح؛ فكان مثلهم مثل من أساء ثم يحسب أنه ممن يُحسنون صنعاً!
ومن الأمثلة على ذلك كذلك النهج الجديد للشيخ سيد .. حيث اعتبر جهاد طواغيت أئمة الكفر والردة مفسدة كبرى .. والمصلحة الكبرى تكمن في ترك جهادهم .. والصبر عليهم .. وعلى أذاهم .. وظلمهم .. وكفرهم .. وفسادهم!
فانقلبت الموازين .. والضوابط .. فأتت النتائج معكوسة؟!
نصف القرآن الكريم إن لم يكن أكثر .. ومعه مئات من الأحاديث النبوية الشريفة، إن لم يكن أكثر ـ ولا نظن الشيخ سيد يجهلها ـ تدعو إلى مجاهدة ومقارعة هؤلاء الطواغيت الظالمين وعسكرهم .. وإنصاف الحق منهم .. وتحذر العباد من موالاتهم والركون إليهم .. فأين نذهب ـ يا شيخ سيد إمام ـ بهذا الكم الضخم من النصوص الشرعية .. وكيف تريدنا أن نفهمها ونفسرها؟!
أين المصلحة في ترك جهاد هؤلاء الطواغيت .. وقد فقدت الأمة بسببهم دينها .. وعزتها وشرفها .. وكرامتها .. وأرضها .. وخيراتها .. وكل ما هو عزيز عليها!
فقدنا ـ بسببهم، وبسبب الصبر على أذاهم وظلمهم وكفرهم وخيانتهم ـ الدين، والنفس، والعِرض، والأرض، والمال .. والأهل والولد .. وانتشرت وعمَّت الفواحش والمنكرات .. بكل أنواعها وأصنافها .. وقنَّنوا لحمايتها والذود عنها .. وقاتلوا دونها .. وعاقبوا منكرها .. فأي مصلحة هذه التي يرجوها الشيخ سيد من ترك جهادهم .. وأي مفسدة يخافها على الأمة من جراء جهادهم .. والأمة فقدت كل شيء .. ولم تعد هناك مفسدة تخشى وقوعها .. لأنها قد وقعت عليها ومنذ زمن بعيد بسبب السكوت على شر وإجرام هؤلاء الطواغيت المجرمين!
لذا من مقتضيات العمل بأدلة القواعد الشرعية التي تدعو إلى جلب المصالح ودفع المفاسد .. ودفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر .. هو القول: بجهاد هؤلاء الطواغيت .. عسى الله تعالى أن يرفع عن هذه الأمة ما أصابها من ذل وهوان وضعف، وجهل، وفقر!
كما قال تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )البقرة:216.
وقال تعالى:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه )الأنفال:39.
وقال تعالى:( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )البقرة:191.
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/165: ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرّض به المرء للفتنة، صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة، كما قال تعالى عن المنافقين:( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ )التوبة:49.
فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة، فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد ا- هـ.
ومنها: للشيخ ولغيره أن يتكلم عن سنن النصر والتمكين .. وعن فقه الموازنات إن شاء .. ولكن هذا لا يبرر له ولا لغيره التعدي والتوسع إلى درجة تحريم الجهاد .. والقول بعدم جوازه .. أو تجريم من يعمل على إحياء فريضة الجهاد .. أو أن يُعطل مبدأ جهاد طواغيت الكفر والردة والظلم .. وغيرهم من الكافرين والمشركين المحاربين الصائلين .. لحجج واهية ساقطة ـ قد تقدم الرد عليها ـ فهذا لا يُقبل منه ولا من غيره مهما علا كعبه وكانت مكانته .. وهو مرفوض بالنقل والعقل.
عن سلمة بن نفيل الكندي، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسولَ الله، أذالَ الناسُ الخيلَ ـ أي استخفوا بها وتركوها ـ ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال:" كذبوا الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يُقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوبُ أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيلُ معقود في نواصيها الخير على يوم القيامة "[صحيح سنن النسائي:3333].
ونحن نقول للشيخ سيد إمام ولمن سبقه في مثل هذا التراجع والانتكاس والانقلاب من شيوخ وزعامات الجماعة الإسلامية المصرية، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم؛ الآن جاء القتال .. الآن جاء الجهاد .. ولا يزال من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم طائفة تقاتل على الحق في سبيل الله يُزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة .. رغماً عنكم .. وعن انتكاساتكم .. ومراجعاتكم .. ونقمتكم التي فاجأتم بها الناس على الجهاد وأهله!
ومنها: أن الشيخ سيد لم يُرشِّد العمل الجهادي كما زعم .. وكما يُفيد عنوان مراجعاته " ترشيد العمل الجهادي " .. بل هو قد ألغاه وعطله .. وحرمه .. وجرّم من يعمل على إحيائه .. فكيف يرشد شيئاً قد ألغاه وعطله .. ولا يرى جوازه أصلاً .. لذا فإن العنوان الأصح لمراجعاته يكون " التراجع عن العمل الجهادي " وليس " ترشيد العمل الجهادي "!
ومنها: أن الغلو يؤدي إلى الغلو .. والإفراط غالباً ما يحمل صاحبه على التفريط عند حصول المراجعة والمحاسبة .. إن لم يتق الله ويجد بجواره الناصح الأمين .. ويعلم الله كم كان غلو الشيخ سيد في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله شديداً على الحق وأهله .. حيث كان يرى الحكم بغير ما أنزل الله قولاً واحداً ـ وعلى الإطلاق ـ كفراً أكبر ـ كما في كتابه الجامع في طلب العلم الشريف ـ فأبطل التقسيم الذي نص عليه السلف ودلت عليه الآثار .. الدال على أن الحكم بغير ما أنزل الله منه الكفر الأكبر، ومنه الكفر دون الكفر .. كما هو مبين في موضعه .. فنحَى في قوله هذا منحى الخوارج الغلاة .. وأصَّل لمذهبهم الخبيث في المسألة .. وكم قاتلَنا غلاة وخوارج العصر بكلماته .. عندما كنا نبين لهم أن للحكم بغير ما أنزل الله صورتين نص عليهما السلف ودلت عليهما الآثار والنصوص .. صورة تعتبر كفراً أكبر، وصورة تعتبر كفراً أصغر أو كفراً دون كفر .. والقول بخلاف ذلك: مؤداه إلى تكفير جميع العصور والقرون والمجتمعات والدول من بعد الخلفاء الراشدين الأربعة مباشرة وإلى يومنا هذا .. ولأخينا الشيخ الأسير أبي محمد المقدسي ـ فك الله أسره وأسرى المسلمين ـ رد قيم على غلوه هذا كما في رسالته القيمة " النكت اللوامع في ملحوظات الجامع "، فليراجعها من شاء.
واليوم يُفاجئنا الشيخ سيد بغلو آخر .. لكنه في الموقف المقابل .. موقف التفريط والجفاء .. موقف أهل التجهم والإرجاء من علماء وشيوخ بلاط الحكام والطواغيت .. وكم سيُقاتلنا هؤلاء وأتباعهم بكلماته ومراجعاته الأخيرة .. وقد بدأت طلائع مناوشاتهم وشغبهم .. نسأل الله تعالى العون والثبات.
فالشيخ سيد كان عوناً للخوارج الغلاة ـ على الحق وأهله ـ قبل مراجعاته .. وعوناً لأهل التفريط والإرجاء ـ على الحق وأهله ـ بعد مراجعاته .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فانظروا مثلاً ماذا يقول في المسألة كما في مراجعاته الأخيرة:" وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية، فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة "ا- هـ.
فتأملوا التميع والتفريط والتلبيس: فصورة ترك طواغيت الحكم المعاصرين ـ الذين سماهم بالسلطات الحاكمة ـ لأحكام الشريعة .. وإعراضهم عنها .. بل ومحاربتهم لها ولأهلها .. واستبدالها بشرائع وضعية جاهلية من صنائع أهواء البشر .. فهذا عند الشيخ سيد ـ بحسب مذهبه الإرجائي التفريطي الجديد ـ يرقى ويحتمل أن يكون كفراً دون كفر أو معصية أقل وأصغر من الكفر دون كفر .. مع التنبيه على وجود الفارق الكبير من حيث الدلالة والمعنى بين القول بترك الحكم بالشريعة الذي لا يحتمل إلا الكفر البواح .. وبين القول بأن فلاناً لم يحكم بما أنزل الله في مسألة من المسائل ـ أو بعض المسائل ـ عن هوى وضعف .. وشهوة .. من غير جحود ولا تبديل ولا استحلال .. مع اعترافه بالتقصير والإثم .. وأنه مستحق للعقوبة لفعله هذا إن لم تتداركه رحمة الله .. فهذا الذي قال عنه أهل العلم ـ بوصفه المتقدم ـ أنه كفر دون كفر، أو كفر أصغر!
يوجد فرق كبير بين منهج ومذهب الشيخ سيد القديم قبل التراجع وحصول المراجعات .. وبين منهجه ومذهبه التفريطي الجديد بعد المراجعات .. وبحسب ما تتطلبه مرحلة الركون إلى الطواغيت الظالمين .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
ومنها: أن مراجعات الشيخ سيد تتسم بالغلظة والشدة، والعنف، والاستعلاء .. والطعن والتهكم والتجريح .. برفقاء دربه من المجاهدين قبل مراجعاته .. وانتكاساته .. بينما في المقابل تتسم بالرفق والرحمة ولين الجناح إذا ما اقترب كلامه من ساحة طواغيت الحكم .. والسلطات الحاكمة ـ كما يحلو له أن يسميهم، وهو اسم "الدَّلَع" لأجهزة الأمن والتعذيب والمخابرات ـ وهذا ليس من النصح في شيء ولا من الترشيد للعمل الجهادي ـ الذي زعمه الشيخ ـ في شيء!
أخشى أن يكون الخلاف القديم للشيخ سيد مع إخوانه وأقرانه من رفقاء دربه .. قد حمله على مثل هذا النوع من الظلم والعدوان .. لكن هذا لا يتناسب مع سلامة الصدر التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم ـ وبخاصة من كان في موقع ومكانة الشيخ سيد ـ نحو إخوانه المسلمين، وبخاصة منهم المجاهدين!
قال تعالى:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )الفتح:29.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله رفيق يُحب الرفقَ في الأمر كله " البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه " مسلم.
فأين الشيخ من هذه المعاني ....؟!
ومنها: أن الطاغوت الحاكم في مصر وأجهزة مخابراته .. لا يهمهم من مراجعات الشيخ سيد ما أشار إليه ـ في الجانب الإيجابي من كلامه الآنف الذكر ـ من ضرورة عدم الاعتداء على الحرمات المعصومة .. وعدم التساهل في شأن الدماء .. فهذه المعاني ليست مهمة كثيراً عند الطاغوت وجنده .. بل لربما لا يريدونها .. لأنهم يريدون أن تنسب الأعمال الخاطئة للمجاهدين .. ليسيئوا إلى سمعتهم وإلى جهادهم .. وهذا يستدعي ويستلزم وجود الخطأ والأعمال الخاطئة .. فإن لم يأتِ هذا الخطأ من طرف أحد المجاهدين .. قد يأتي به النظام الطاغوتي ذاته .. كما حصل أكثر من مرة وفي أكثر من موقع؛ يأتون بالجريمة ثم يُلصقونها بالمجاهدين ليسيئوا إلى سمعتهم وجهادهم .. وينفروا الناس عنهم .. والشاهد أن الطاغوت لا يهمه هذا الجانب الترشيدي من الشيخ ولا يكترث إليه .. وإنما يهمه شيء واحد من مراجعات الشيخ سيد .. وهو هل سيعترف بشرعيته كحاكم وشرعية حكمه ونظامه .. ويقر له بأنه ولي أمر يستحق أن يُطاع أم لا .. هذا الذي يهم الطاغوت .. وهذا الذي يريده وينتظره من الشيخ سيد ومن معه .. فإن لم يُعط هذه الجزئية الأهم بالنسبة للطاغوت .. لا يتوقع الفرج والعفو من قبل الطاغوت وعسكره .. مهما تكلم عن حرمة الدماء المعصومة .. لأن الطاغوت ـ كما ذكرنا ـ لا تهمه الدماء المعصومة .. ولا حرماتها!
الشيخ سيد قد أتى بنصف المطلوب ـ بالنسبة للطاغوت ـ وهو تحريم وتجريم مقاتلة الطاغوت وعسكره .. وتحريم وتجريم الخروج على نظامه وحكمه .. وهذا مطلب هام بالنسبة للطاغوت .. بقي أن يأتي بالنصف الآخر؛ وهو الاعتراف بشرعيته وشرعية حكمه صراحة، ومن دون مواربة ولا تلميح .. والقول بوجوب طاعته كولي أمر مسلم تجب طاعته على الشعب المصري المسلم ـ كما فعل ذلك من قبل بعض شيوخ وقادة الجماعة الإسلامية المصرية كضريبة للإفراج عنهم ـ فهل سيعطي الشيخ سيد هذه الجزئية وهذا المطلب للطاغوت .. ثم يُفاجئنا بتأصيل جديد في مراجعات وبيانات أخرى .. يبرر اعترافه هذا .. ويؤثم ويُجرم من يُخالفه .. ويحدثنا عن كفر طاغوت وفرعون مصر .. بأنه كفر دون كفر .. هذا ما ستبينه لنا الأيام القادمة!
ومنها: أنه كثر الاعتداد ـ وليس الاعتذار ـ بالسجن .. وبالفترة الزمنية التي قضوها في السجن .. وبالتالي لا أحد يستطيع أن ينكر عليهم ـ ممن هم خارج السجن ـ إذا ما غيروا وبدلوا .. وكأن السجن .. يبرر لهم فعل كل ذلك .. وأن السجن ـ والمدة التي قدوها فيه ـ يجعلهم فوق المساءلة!
أقول: هذه بدعة محدثة لم نعهدها ولم نسمع بها من قبل شيوخ وقادة المراجعات والتنازلات المصرية .. الممثلين في بعض قادة وشيوخ الجماعة الإسلامية المصرية .. الذين لهم وزر هذه السنة السيئة .. ووزر من عمل بها بعدهم .. واتبعهم عليها!
فقد اعتقل من قبل كثير من علماء السلف فما غيروا وما بدلوا .. ولا تراجعوا .. منهم الإمام أحمد .. وشيخ الإسلام ابن تيمية .. والسرخسي .. وغيرهم الكثير .. ومن الخلف الكثير ـ وبعضهم لا يزال إلى الساعة قابعاً في أقبية وزنازين الطواغيت ـ وما عُرف عنهم تحولاً ولا تبديلاً .. ولا تراجعاً .. كما فعل الشيخ سيد إمام ومن معه .. مئات العلماء اعتقلوا في أقبية سجون طاغية الشام النصيري .. ومنهم من قضى نحبه شهيداً ـ إن شاء الله ـ تحت التعذيب كالشيخ المجاهد مروان حديد .. وأخيه الشيخ المجاهد عدنان عقلة .. وقد مضى على اعتقاله في غياهب السجون النصيرية ـ ولا يزالا ـ أكثر من عشرين عاماً .. وفي الأردن الشيخ أبي محمد المقدسي ومن معه من الإخوان .. وقد قضى نصف عمره في سجون الطغاة .. وفي مصر .. الشيخ كمال السنانيري وقد قضى نحبه شهيداً ـ إن شاء الله ـ تحت التعذيب .. وزينب الغزالي .. امرأة صبرت على أشد أنواع التعذيب .. حتى أن الكلاب الضارية قد سُلطت على جسدها الطاهر الشريف .. وما عُرف عنها هذا الضعف والخور والتراجع كما هو الحال عند الشيخ سيد إمام ومن معه، ومن سبقه من شيوخ المراجعات والتنازلات للجماعة الإسلامية المصرية .. وكذلك الشيخ المجاهد عمر عبد الرحمن في سجون أمريكا .. والشيخ عبد الحميد كشك .. وقبلهم المجاهد الصدَّاع بالحق سيد قطب .. وكلنا يعلم كيف أن سيد قطب رحمه الله آثر المشنقة وحكم الإعدام .. ولا أن يفرج عنه إفراجاً مغموساً بكلمة اعتذار للطاغية .. فيتقوى بها على طغيانه وكفره وظلمه .. فوضع الله له بسبب ذلك القبول في الأرض .. فشتان شتان بين موقف سيد قطب، وبين موقف سيد إمام .. وفي المغرب كذلك الشيخ محمد الفزازي ومن معه من الإخوان والشيوخ .. والشيخ علي بلحاج في الجزائر ومن معه من الإخوان .. وفي الجزيرة العربية الشيخ الخضير، وناصر الفهد، وابن زعير .. وغيرهم الكثير الكثير من الشيوخ والعلماء الصدَّاعين بالحق لو أردنا الإحصاء .. فما عُرف عن أحدهم أنه قد غير وبدل .. وتراجع .. نسأل الله تعالى أن يرحم الأموات منهم .. وأن يتقبلهم عنده من الشهداء .. وأن يثبت الأحياء .. وأن يختم الله تعالى لنا ولهم بخاتمة خير يحبها الله تعالى ويرضاها، اللهم آمين.
ثم أن المؤمن مُبتلى .. ويُبتلى على قدر دينه وإيمانه .. فمن سار على درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. درب الدعوة إلى الله تعالى .. والجهاد .. والصدع بالحق .. لا بد أنه مبتلى .. كما لا بد له من أن يوطد نفسه على تحمل البلاء .. وعلى نوع بلاء يُصيبه .. من غير استشراف أو طلب له .. فليس لأدنى بلاء يُصيب المسلم ـ وبخاصة الذي يسلك طريق الأنبياء ـ يرفع رايات الاستسلام .. والتراجعات .. والمراجعات!
قال تعالى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )العنكبوت:2-3.
وقال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )البقرة:155.
وقال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )محمد:31.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السَّخَطُ "[صحيح سنن الترمذي:1954].
وسئل رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال:" الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم؛ فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه "[صحيح الترغيب والترهيب: 3402].
وقال صلى الله عليه وسلم:" كما يُضاعف لنا الأجر، كذلك يُضاعف علينا البلاء "[صحيح الجامع:4577].
وقال صلى الله عليه وسلم:" إنا معشرَ الأنبياء يُضاعَفُ علينا البلاء "[صحيح الجامع: 2288].
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما أوذي أحدٌ ما أوذيتُ في الله عز وجل "[ السلسلة الصحيحة:2222].
وفي صحيح ابن حبان، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني أحبك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن البلايا أسرعُ إلى من يُحبني من السيل إلى منتهاه "[السلسلة الصحيحة:1586]. أي هذا الزعم له برهان؛ وبرهانه نزول البلايا في ساحتك .. وتحملك إياها .. وصبرك عليها .. فإن لم تكن أهلاً لذلك، فدعواك المحبة والولاء زعم لا حقيقة له ولا برهان!
أما زعم المحبة والمتابعة والولاء .. من غير بلاء .. فعلى المرء حينئذٍ أن يراجع نفسه .. ويُحاسب إيمانه، وينظر أين موقعه من أهل الصدق والإيمان!
فإن قيل: لعل هذا الذي صدر عن الشيخ سيد إمام كان ناتجاً عن إكراه .. والمكره معذور كما هو معلوم؟
أقول: نتمنى ونود أن يكون الأمر كذلك .. وما حملنا على تأخير تسجيل هذا الرد .. سوى تحرينا لهذا العذر .. والتماساً له .. لكن وللأسف فقد جاءت جميع القرائن لتدل على أن مراجعات وكلمات الشيخ سيد إمام قد كتبت بملء إرادته واختياره .. وأنه لا يقبل من أحدٍ أن يقول عنه خلاف ذلك!
ثم أن الإكراه المعتبر شرعاً .. والذي يعذر صاحبه .. هو الذي يقول عبارة تُطلب منه تحت ظروف الإكراه .. أو يخط فقرة .. أو صفحة أو صفحتين .. بحسب ما يُملى عليه .. أما أن يخط مراجعات .. وأبحاثاً .. وكتباً .. وتأصيلات فقهية لا يعرفها إلا هو .. وتراه يستدل لأقواله من هنا وهناك .. ومن تجاربه الشخصية .. ويجتهد في أن يُقنع الآخرين بوجهة نظره .. ويتصل بهم ويحملهم على موافقته بالترغيب أو الترهيب .. فهذا لا يُمكن أن يُصنف في خانة الإكراه المعتبر الذي يقيل عثرات صاحبه، والله تعالى أعلم.
ومع ذلك ـ حبَّاً منا للعذر الذي تعلمناه من سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ـ أقول: إن جاءت الأخبار فيما بعد بخلاف اعتقادنا؛ لتقول: بأن الأخ خط كلماته ومراجعاته هذه تحت الإكراه .. وكان مكرهاً عليها .. وهو لا يقرها ولا يرضاها .. ويبرأ إلى الله تعالى منها .. فنحن مباشرة ـ ومن دون أدنى تردد ـ سنحذف ردنا هذا ونمزّقه .. وكأنه لم يكن .. مع تسجيل اعتذار صريح وبالخط العريض للأخ الكريم .. فما كان غرضنا يوماً من وراء ما نكتب أن نظلم أحداً من الناس .. ثم ما أسهل الاعتذار علي ـ ولله الحمد ـ إن كان فيه انتصاف لحقٍّ أو مظلوم.
ثالثاً: الجانب المُتشابه: وهو الجانب الغالب على مراجعاته وتقريراته .. والمسائل التي تناولها؛ فقد خلط فيها بين حق وباطل .. مما جعل غالب كلامه في حكم المتشابه الذي يحتاج إلى تفصيل وتحليل .. وفرز من جديد .. وبيان وجه الحق فيه بعيداً عن الباطل .. وفصل الباطل الذي ألصقه بالحق ـ لغرضٍ في نفس كاتبه ـ ليُضرَب به عرض الحائط .. ويُرمى بعيداً .. وهذا يحتاج مني إلى جهد ووقت لا أملكهما الآن .. وإن كان في العمر بقية .. وكانت الظروف تسمح .. قد تكون لي وقفة ثانية مع كلماته إن شاء الله.
وأحسب فيما تقدم بيانه كفاية للتحذير مما صدر عن الشيخ سيد إمام من شطط وباطل وبخاصة فيما يتعلق بالجانب السلبي من كلامه .. والمشار إليه أعلاه .. لخطورة هذا الجانب .. وأهمية تعريته .. والله تعالى من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )هود:88.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
19/11/1428 هـ. 29/11/2007 م.