إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما}.
أما بعد:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
إلى أخوة المنهج ورفاق الدرب وأخلاء الروح؛
أخاطبكم والشوق يحدوني وأمل اللقاء يدفعني أن يجمع الله الشمل، وأن يلتأم الجمع كرة أخرىعلى طاعة الله والجهاد في سبيل الله.
أخاطبكم وأنا أنتظر اليوم الذي تصلون فيه حبال الود السابق وترممون فيه بناء الأخوة السالفة.
حبي لكم يا أخوتي لمّا يعد سرا كيف وكل عين تنطق
بمحبة الله العلي يحبكم حباً على جنبات قلبي يشرق
فكل فرد في الفؤاد مكانه ما ضاق عنه القلب وهو ضيق
أخاطبكم بعد أن قلّ الموافق، وعزّ النصير، وكثرت الجراح واشتدّ الخطب وتخطفت يد المنون كثيراً من الفرسان الأوائل، والأبطال الأماثل.
وقد أخرنا الله لحكمة يعلمها.
ونحن نعاهده سبحانه ونعاهدكم أن نظل شجىً في حلوق الطغاة، وسيفاً مسلطاً على رقاب الظالمين، وجنداً للإسلام نذود عن حياضه، ونستسهل في سبيله الصعب، ونسترخص نفوسنا حتى يظهره الله أو نهلك دونه.
أخاطبكم مشفقاً ناصحاً، وحزيناً متعجباً أن يتخلف مثلكم عن الركب، ويستأخر بعضكم يستبقي الحياة، ويثّاقل جمعكم عن النفير، وقد أتاكم الصليب وأجلب عليكم بخيله ورجله ورماكم عن قوس واحدة.
فأين حديث الماضي، وسمر الليالي، وجراحات الأيام، وآهات المشتاقين إلى الجهاد و الجنان والحور!
أترضون لأنفسكم مثل السوء؟!
قال الله سبحانه: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
فهاهي أمريكا جاءت بقضها وقضيضها، وأقبلت بفخرها وخيلائها تحادّ الله ورسوله، فأين أسود الشرى، وفرسان الميدان، وأبطال التوحيد، ورجال العقيدة! {فهل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين}
لقد قال أئمتنا قديما: (إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر الحق فيما أقامك؟)، فطوبى لمن أقامه الله في مقام الجهاد، والنكاية في أعدائه، والتحريض عليه.
قال سبحانه وتعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً}، وقال سبحانه: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال}، وقال سبحانه: {يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتهاالأنهارومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.
وقد أخرج ابن ماجه عن كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا هل من مشمّر إلى الجنة فإن الجنّة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطّرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية)؟ قالوا: (نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها)، قال: (قولوا إن شاء الله)، فقال القوم: (إن شاء الله)، ثم ذكر الجهاد وحرض عليه.
وعن علي رضي الله عنه - موقوفاً - قال: (من حرض أخاه على الجهاد كان له مثل أجره، وكان له في كل خطوة من ذلك عبادة سنة).
فالنصر يا قومي لن تهن سحائبه إلا بجيل عظيم البذل مغوار
هُبوا ولبوا فما في البؤس من رغد فالجذع من مكة والغصن أنصار
ولم تزل راية التوحيد خافقةً ومرهف الحد مسنوناً على النار
وقد آلمنا وقرح أكبادنا أنا رأينا الجهاد قد درست آثاره فلا تُرى، وطُمست أنواره بين الورى، وأعتم ليله بعد أن كان مُقمرا، وأظلم نهاره بعد أن كان نيّرا، وذوى غصنه بعد أن كان مورقا، وانطفأ حُسنه بعد أن كان مشرقا، وقفلت أبوابه فلا تطرق، وأغللت أسبابه فلا ترمق، وصفنت خيوله فلا تركض، وربضت أسوده فلا تنهض، وامتدت أيدي الكفرة الأذلاء إلى المسلمين فلا تقبض، وأغمدت السيوف من أعداء الدين إخلاداً إلى حضيض الدعة والأمان، وخرس لسان النفير إليهم فصاح نفيرهم في أهل الإيمان، وآمت عروس الشهادة إذ عدمت الخاطبين، وأهمل الناس الجهاد كأنهم ليسوا به مخاطبين.
فلا نجد إلا من طوى نشاطه عنه أو اثّاقل إلى نعيم الدنيا الزائل رغبة عنه، أو تركه جزعاً من القتل وهلعا، أو أعرض عنه شحاً عن الإنفاق وطمعا، أو جهل ما فيه من الثواب الجزيل، أو رضي بالحياة الدنيا من الآخرة، {وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
فيا إخوة العقيدة؛
بم تتعللون - وأنتم أهل الحق؟ - وما الذي يقعد بكم يا أهل الصدق؟ ألأهل والأولاد والمساكن؟ قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
قال صاحب "المشارع": (في هذه الآية الشريفة من التحذير والتخويف والتهديد لمن ترك الجهاد رغبة عنه سكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال مافيه كفاية، فاعتبروا يا أولي الأبصار).
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
قال القرطبي رحمه الله: (هذا توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وقوله؛ {اثاقلتم} أي إلى نعيم الأرض أو الإقامة في الأرض).
قال الله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون * فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين * ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
فانظر- رحمك الله - إلى هذا الوعيد الشديد، والخزي الشديد، والوبال الأليم لمن تخلف عن الجهاد وتقاعد عنه وكره الإنفاق فيه.
وهذه الآيات وإن كانت نزلت لأقوام بأعيانهم فإن فيها ترهيباً وتهديداً لمن فعل كفعلهم، وتخلف عن الجهاد الواجب كتخلفهم، وناهيك عن ذلك فعلاً شنيعاً، ووعيداً فضيعا ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهل بعد هذا الخذلان خذلان! فاتقوا الله واحذروا مكره لمن تخلف عن أمره.
قال صاحب "المشارع" رحمه الله: (اعلم أيها الراغب عما افترض عليه من الجهاد الناكب عن سنن التوفيق والسداد؛ أنك قد تعرضت إلى الطرد والإبعاد وحرمت والله الإسعاد بنيل المراد).
ليت شعري هل سبب إحجامك عن القتال واقتحامك معارك الأبطال، وبخلك في سبيل الله بالنفس والمال؛ إلا طول أمل؟ أو خوف هجوم أجل؟ أو فراق محبوب من أهل ومال؟ أو ولد وخدم وعيال؟ أو أخ لك شقيق؟ أو قريب عليك شفيق؟ أو ولي كريم؟ أو صديق حميم؟ أو حب زوجة ذات حسن وجمال؟ أو جاه منيع؟ أو منصب رفيع؟ أو قصر مشيد؟ أو ظل مديد؟ أو ملبس بهي أو مأكل هني؟
ليس غير هذا يقعدك عن الجهاد، ولا سواه يبعدك عن رب العباد.
وتالله ما هذا منك أيها الأخ بجميل! ألا تسمع قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنووا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}؟
أصغِ لما أُملي عليك من الحجج واستمع ما ألقي إليك من البراهين الساطعة ولتعلم أنه ما يقعدك عن الجهاد سوى الحرمان وليس لتأخرك سبب إلا النفس والشيطان.
وأما سكونك إلى طول الأمل وخوف هجوم الأجل والاحتراز من الموت لابد من نزوله، والإشفاق من الطريق الذي لابد من سلوك سبيله، فوالله إن الإقدام لا ينقص عمر المقدمين كما لا يزيد الإحجام عمر المستأخرين؛ {ولكل أمة اجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}، {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}.
وإن للموت سكرات - أيّها المفتون - وإن هول المطلع شديد ولكن لا تشعرون، وإن للقبر عذاباً لا ينجو منه إلا الصالحون، وإن فيه سؤال الملكين الفاتنين، {يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
ثم بعد ذلك الخطر العظيم؛ إما سعيداً فإلى النعيم المقيم، وإما شقياً فإلى عذاب الجحيم.
والشهيد آمن من جميع ذلك لا يخش شيئاً من هذه المهالك، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجد ألشهيد من ألم القتل إلا كمس القرصة).
فما يقعد بك - أيها الأخ - عن انتهاز هذه الفرصة ثم تُجار في القبر من العذاب وتفوز عن الله بحسن المآب، وتأمن من فتنة السؤال وما بعد ذلك من الشدائد والأهوال، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقزن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فرحين بما آتاهم الله من فضله مستبشرين، أرواحهم في جوف طير خطر تسرح في عليين، فكم بين هذا الموت الكريم، وبين الموت الأليم.
لئن كانت الأرزاق قسماً مقدرا فقلة حرص المرء في الرزق أجمل
وإن كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل
وإن كانت الدنيا تُعد نفيسة فقدر ثواب الله أعلى وأنبل
وإن كانت الأبدان للموت أنشئت فقتل إمرئ في الله بالسيف أجمل
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}، وسياق الآيات يبين أن ذلك بسبب موالاة الكفار والركون إليهم...
فماذا ستفعل يارب؟
{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}.
من هؤلاء المصطفون؟ من هؤلاء الكرام الذين يدّخرهم الله لنصرة دينه ورفع رايته حين بنكص الناس وينفض جمع الإيمان؟
{يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}.
ثم ماذا يارب؟
{يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
لكن الله يقرر أن هذا الأمر محض الفضل وخالص الإحسان وليس يناله كل أحد؛ {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
فحذار... حذار... من التخلف عن ذلك الركب.
واحرص - يا أخ التوحيد - أن تكون من هؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه، فإن القافلة إذا سارت وشُدت الرحال تخلف العاطل، وظهر الحق من الباطل.
قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
لمّا كثُر المدّعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعط الناس بدعواهم لأدعى الخلي حرقة الشجي؛ فتنوع المدعون في الشهود، فقيل؛ "لا تُقبل هذه الدعوى إلا ببينة"، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية؛ {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}، فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم؛ "إن نفوس المحبين وأموالهم لسيت لهم فهلموا إلى بيعة"، {إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة}، فلما عرفوا عظمة المشترى وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة وأن لها شأناً، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي من غير ثبوت خيار، وقالوا؛ "والله لا نقيلك ولا نستقيلك"، فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم؛ "مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معها".
{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون}.
قال ابن كثير رحمه الله: (يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملك بما تفضل به على عباده المطيعين له، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة؛ "بايعهم الله فأغلى ثمنهم").
وقال تعالى: {ويتخذ منكم شهداء}.
قال السهيلي رحمه الله: (وفيه فضل عظيم للشهداء وتنبيه على حب الله إياهم).
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وماله على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة).
ولما قُتل عبد الله بن عمر بن حرام يوم أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جابر ألا أخبرك ما قال الله لأبيك، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحا، فقال؛ "يا عبد الله تمنّ علي أعطك؟"، قال؛ "يا رب! تُحييني فأقتل فيك ثانية"، قال؛ "إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون " قال: يارب أبلغ من ورائي)، فأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}.
وعن ابن عباس قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتؤوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا؛ "من يبلغ إخواننا عنا انا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب؟"، فقال الله؛ "أنا أُبلّغهم عنكم"، فأنزل الله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛ (أول ثلة تدخل الجنة الفقراء المهاجرون الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإذا كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره، وأن الله عز وجل ليدعوا يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول الله عز وجل أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا: ادخلوا الجنة فيدخلونها بغير حساب فتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي) [رواه أحمد والبزار].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا}؟ فقال: (أما أنا قد سئلنا عن ذلك، فأخبرنا؛ أن أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتؤي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطّلع إليهم ربك اطلاعة فقال؛ "هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟" قالوا؛ "ربنا! وما نستزيد؟ ونحن نسرح في الجنة حيث شئنا"، ثم اطّلع إليهم ثانية فقال؛ "هل تستزيدون شيئاً فأزيدكم؟"، فلما رأوا أنهم لن يتركوا، قالوا؛ "تعيد أرواحنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى").
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن ادخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة، والذي نفس محمد بيده مامن كلم يُكلم في سبيل الله تعالى إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كُلم لونه لون الدم وريحه المسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو أبداً، ولكن لا أجد سعة فاحملهم، ولا يجدون سعة فيشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل).
فأي فضل بعد هذا الفضل وأي منة بعد هذه المنة، وأي شرف بعد هذا الشرف؟!
فهذه أمريكا بين ظهرانينا؛ فتعالوا فاشتفوا منها، وارووا ضمأكم من دمائها... تعالوا لتذودوا عن أعراض المسلمات، ولتظفروا بهذه البشارة الكريمة.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا).
وروى ابن أبي شيبة عن سلمان بن أبي ربيعة أنه قال: (قتلت بسيفي هذا مائة مستلئم كلهم يعبد غير الله، ما قتلت منهم رجلاً صبرا).
وعن ابن سيرين؛ استلقى البراء بن مالك فترنم، فقال له أنس: (اذكر الله يا أخي)، فاستوى جالساً، فقال: (أي أنس! - ابن أبي - لا أموت على فراشي وقد قتلت مائة من المشركين؛ مبارزة، سوى من شاركت في قتله).
واحذر - يا أخ التوحيد - من مزالق الشيطان ومداخله، واحذر؛ أن يحول بينك وبين الجهاد في سبيل الله ويضع أمامك العوائق والأسباب التي تبرر لك القعود والتخلف عن الجهاد - حتى وإن كانت هذه الأعمال طاعة لله ورسوله - فإن هذا الشيطان الطريد المريد لا يفتأ يحول بين العبد وبين ما يرضي ربه.
ورحم الله ابن القيم حين نبّه على هذا الأمر الخطير وقال - ما معناه -: (إن الشيطان ملحاح بطيء اليأس، وهو يترصد للمؤمن ويقعد له في طريق سيره إلى الله ثم ينصب له فخاخاً وأشراكا، لا يتدلى إلى الأدنى إلا إذا عجز عن الأعلى، فيبدأ له بنصب فخ الشرك والكفر فإن نجا منه، نصب له شَرك البدعة، فإن جاوزه أعد له شَبكة الكبائر، فإن تخطاه أعد له شَرك الصغائر، فإن نجا شغله بالمباح، فإن عجز ترصد وكمن له في عقبة العبادات المفضولة، فشغله بها وحسنها بعينه وزينها له و أراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحا، لأنه لمّا عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله ودرجاته العالية، فشغله بالمرضي عن الأرضى له، فيشغله بطلب علم الكفاية عن فرض العين من الجهاد، ويزين له جهاد الدعوة وقد انفتح باب جهاد السيف على مصراعيه).
وقد قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.
وقديماً قال أئمتنا: (ليس الفقيه الذي يعرف الخير، وإنما الفقيه الذي يعرف خير الخيرين).
وقد خرّج ابن المبارك بإسناده عن صفوان؛ أن أبا هريرة قال: (أيستطيع أحدكم أن يقوم فلا يفتر و يصوم فلا يفطر ما كان حيا؟) فقيل: (يا أبا هريرة من يطيق هذا؟)، قال: (والذي نفسي بيده إن نوم المجاهد في سبيل الله أفضل منه).
فهذه درجة نائمهم فكيف قائمهم، وإذا كانت هذه رتبة غافلهم فكيف بعاملهم؟ وإذا كان هذا خطر شراك نعالهم فكيف بخطير أفعالهم؟
تالله إن هذا لهو الفضل المبين، لمثل هذا فليشمر المشمرون، وعلى فواته فليبك العاجزون المقصرون، وعلى ضياع العمر فليحزن المفرطون.
فكم من الأحباب يارب اصطفيتهم واتخذتهم من بيننا وحرمتنا من ذلك بذنوبنا... اللهم فلا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم وألحقنا بهم.
وإن كنت أنسى... فلا أنسى في هذا المقام إخواننا الشهداء رحمهم الله الذين كانوا معنا في السراء والضراء وصبروا معنا على لأواء الطريق.
وعلى رأسهم الأخ الحبيب الغالي الشهيد الحي - نحسبه كذلك والله حسيبه – "أبو عبيدة عبد الهادي دغلس" فوالله ما رزءت بمصيبة - بعد أن هداني الله - بمثل فقد هذا الأخ، هذا الأخ الذي كنت استصغر نفسي أمامه لفرط شجاعته وإقدامه وصبره وحسن خلقه... فعلى مثل عبد الهادي فلتبكِ العيون... فعلى مثل عبد الهادي فلتبكِ العيون.
فكلما تذكرته تذكرت حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه أحمد وابن حبان، عن ابن مسعود أنه قال: (عجب ربنا من رجلين - وذكر منهما - رجل غزا في سبيل الله، فانهزم أصحابه وعلم ما عليه في الانهزام، وماله في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله لملائكته؛ "انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه").
فيوم أن اضطر المجاهدون إلى أن يخلوا مواقعهم نتيجة القصف الشديد والمتواصل أبى أن يرجع، وتبايع على الموت - هو وثلة من إخوانه - وانغمسوا في العدو نسأل الله أن يتقبلهم.
ماتوا وغُيّب في التراب شخوصهم فالنسر مسك والعظام رميم
فوالله لقد كان جبلاً من الجبال، وأسداً من الأسود، وعابداً من العباد، وزاهداً من الزهاد، ترى الصلاح في وجهه، مسعّر حرب لو كان معه رجال، لا تأخذه في الله لومة لائم، شديداً على أعداء الله، رحيماً وبراً بإخوانه.
رحمك الله يا عبد الهادي رحمة واسعة، لقد كنت - والله - الأخ الحبيب والصديق الشفيق، وكنت السمع والبصر، فوالله إن مكانك مازال شاغراً، لا يستطيع أن يملأه أحد، وبفضلك فقدت عضواً من أعضائي.
وإن كنت أنسى فلن أنس ذلك اليوم الذي قلت لي فيه: (إني لأدعو لك أكثر مما أدعو لوالدي).
فأي خسارة بعد هذه الخسارة، وأي رزية بعد هذه الرزية، فقدتك في وقت كنت أحوج ما أكون إليك فيه.
نسأل الله عز وجل أن يرفعك في عليين، وأن يلحقنا بك غير مفتونين شهداء صالحين مع النبيين والصديقين وحَسُن أولئك رفيقا، أنت وإخوانك الذين لم أذكرهم لضيق المقام.
لُيسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينَ
ولا يفوتني في هذه الساعة أن أوجه نصيحة وتذكرة إلى علماء الأمة ودعاتها:
فقد قال سبحانه: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون}.
لقد أخذ الله عليكم الميثاق أن تقوموا بما أمركم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والحفاظ على شريعته وبذل النفوس والمهج في سبيل دينه.
ولكنكم للأسف الشديد... بدل أن تقوموا بحق الله؛ آثرتم السلامة وأخلدتم إلى الراحة والأهل والمال والولد، وتركتم المجاهدين يواجهون أعتى قوة في العالم أجلبت عليهم بخيلها ورجلها.
فأين أنتم يا علماء الأمة؟
إلى متى تنكصون وعن الحق ترغبون!
أما زالت المصالح والمفاسد ديناً لكم ومنهجا!
أما آن لكم أن تعودوا إلى دينكم؟
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
ودل قوله صلى الله عليه وسلم؛ (حتى ترجعوا إلى دينكم)؛ على أن ترك الجهاد والإعراض عنه والسكون إلى الدنيا خروج عن الدين ومفارقة له، وكفى به ذنباً وإثماً مبينا.
أما آن لكم أن تستيقضوا من غفلتكم؟ أما آن لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟ عن أي فتنة تتكلمون؟ وعن أي مصلحة تتحدثون؟ وهل هناك فتنة يا علماء الأمة أعظم مما نحن فيه؟!
إن الفتنة الشرك، إن الفتنة ظهور الباطل على الحق، إن الفتنة ضياع حكم الله في الأرض، إن الفتنة أن يحشر الأسود في الأقفاص في كوبا وغيرها.
فها أنتم يبلغ أحدكم ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر؛ لا يكلف نفسه رباط يوم في سبيل الله، ولا يتجشم عناء سفر كي يغبّر قدميه في سبيل الله، يفني أحدكم عمره في طلب العلم على أريكته سلماً لأعداء الله لا يُبتلى يوماً في سبيل الله بحبس أو ضرب أو غيره.
والله إنه لأحد أمرين:
إما أنكم أعز على الله من نبيه الذي أوذي في ذات الله بشتى أنواع الأذى.
أو أنكم على غير هدي النبي.
ومعاذ الله أن تكون الأولى... ومعاذ الله أن تكون الأولى... "فوالله ما جاء أحد بمثل ما جئت به قط إلا أوذي".
إلى من تركتم الأمة؟ إلى طواغيت المشرق والمغرب يستبيحون بيضتها ويسومونها سوء العذاب ويذبحون خيرة بنائها المجاهدين ويستولون على خيراتها؟! أهكذا كان السلف الصالح يغار أحدهم على أمته؟! أين التضحيات يا علماء الأمة؟
أين أنتم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
أين أنتم من سفيان الثوري ذلك العالم الرباني الذي قال: (والله إني لأرى الأمر يجب علي أن أتكلم فيه فلا أستطيع فأبول دماً)؟ ذاك سفيان بال دماً عندما خلُصت نفسه لله ولم ينازعها شيء من الدنيا، بال دماً عندما مازج دمه وخالط أنفاسه حب هذا الدين.
أما بلغكم يا علماء أن يونس بن عبيد رحمه الله نظر إلى قدميه عند موته فبكى، فقيل: (ما يبكيك يا أبا عبد الله؟)، قال: (قدماي لم تغبرا في سبيل الله).
لم تغبر قدماه عندما كان الجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فماذا لو كان الجهاد فرض عين؟ تُرى لو كان ابن عبيد في زمانا ماذا تظنون أنه قائل؟ والله لكان لسان حاله:
فيا جبال اقذفي الأحجار ويا سما ء امطري مهلاً وغسلينا
ويا كواكب آن الرجم فانطلقي ما انت إن أنت لم ترمي الشياطينا؟!
لقد حل بالأمة ما حل من ويلات ونكبات وتعطيل لشريعة رب الأرض والسماوات يوم تخاذل علماء الأمة عن التضحية، يوم أن ضعفت جذوة الجهاد في صدورهم، فتخلفوا عن الركب، يوم غاب عن أذهانهم أن الأمة لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بدماء العلماء، وأن التضحية بدمائهم هو نتاج طبيعي للإرث النبوي الذي ورثوه في صدورهم.
ورحم الله ابن حزم يوم أن قال:
كفاحاً مع الكفارفي حومة الوغى وأكرم موت للفتى قتل كافر
مناي من الدنيا علوم أبُثّها وأنشرها في كل باد وحاضر
دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر
وألزم أطراف الثغور مجاهداً إذا هيعة ثارت فأول نافر
لألقى حمامي مقبلاً غير مدبر بسمر العوالي والدقاق البواكر
فياربّّّ لا تجعل حمامي بغيرها ولا تجعلني من قطان المقابر
ذلك ابن حزم... وأنعم بابن حزم.
أمّا انتم يا علماءنا؛ فقد هادنتم الطواغيت وأسلمتم البلاد والعباد لليهود والصليبيين، وأذنابهم من حكامنا المرتدين، يوم أن سكتم عن جرائمهم وجبنتم عن الصدع في وجوههم، وعجزتم عن حمل راية الجهاد والتوحيد التي كلفكم الله بها، يوم أن قتلتم الغيرة والحمية على دين الله في قلوب الشباب ومنعتموهم من النفير إلى ساحات الوغى، ففرغت ساحات الوغى من الأسود إلا من رحم الله، فلا تكاد تجد عالماً بيننا يُستفتى.
يا عباد الله؛
لا تكاد تجد عالماً بيننا يُستفتى، ولا طالباً به يقتدى، ولا قائداً ربانياً يقود بنا البحر. لقد خذلتمونا في أحلك الظروف، وأسلمتمونا إلى عدونا، وخليتم بيننا وبينه، وغفلتم عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه أبو داود حيث قال: (ما من امرئ يخذل امرئً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته).
أليس فيكم من يغُط غطة سعيد بن عامر، فقد ذكر أصحاب السير أن أهل حمص شكوه حين كان والياً عليهم إلى عمر، وعابوا عليه أموراً، منها؛ أنه كان يغط وتتجلله الغشية حتى يشق ذلك على الناس. فأجاب معتذراً: (شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضّعت قريش لحمه وحملوه على جذع، وهم يقولون؛ "أتحب أن محمد مكانك وأنك في أهلك ومالك؟"، فيقول؛ "والله! يا قوم ما يسرني أن يفديني محمد صلى الله عليه وسلم بشوكة في قدمه، فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته وأنا يومئذ من المشركين، ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها أرتجف خوفاً من عذاب الله ويغشاني الذي يغشاني")، أليس فيكم من يرجف قلبه خوفاً من عذاب الله ويغشاه ما كان يغشى سعيد لترككم نصرة المجاهدين؟
نعم أسلمتونا للعدو وأسلمتم الأمة قبلنا يوم تخاذلتم عن نصرتنا يا علماء الأمة.
إن اليد التي عقرت ناقة صالح يدٌ واحدة، وقد أهلك الله قوماً بأكملهم نتيجة ذلك، وإن ناقة صالح عليه السلام ليست بأعز على الله من مئات الآلاف من المسلمين من هذه الأمة الذين يذبحون على أيدي الكافرين، بسبب صمتكم وسكوتكم عنهم.
واعلموا يا علماء الأمة؛ أنكم قادمون على الله لا محالة في يوم تشيب له الولدان، {وتضع كل ذات حمل حملها}، {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، في ذلك اليوم العصيب أعدو الجواب لرب الأرباب.
يوم يسألكم عن الأمة ماذا قدمتم لها، وعن المجاهدين وكيف نصرتكم لهم، وعن أعداء الملة وكيف بغضكم وعداوتكم لهم، بالسيف والسنان والقلب واللسان.
إن الله سائلكم عن الأسرى في يد اليهود و الصليبيين والمشركين لمَ لم تستنقذوهم؟
ألم تسمعوا ما قاله عبد الرحمن بن عمرة لما بعثه عمر بن عبد العزيز في فداء المسلمين في القسطنطينية، يقول؛ فقلت له: (أرأيت يا أمير المؤمنين إن أبوا أن يفادوا الرجل بالرجل كيف أصنع؟)ن قال: (زدهم)... إلى أن قال: (فإن أبوا إلا أربعاً)، فقال: (أعطهم بكل مسلم ما سألوه، فوالله لرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام).
إن الله سائلكم عن أفغانستان والعراق ماذا قدمتم لهما.
إن الله سائلكم عن الملا عمر وخذلانكم له، وليس له ذنب إلا أنه أطاع الله ورسوله ورفض أن يعطي الدنية في دينه.
ورحم الله ابن الجوزي يوم اعتلى المنبر وقام خطيباً في الناس يحثهم على الجهاد والحفاظ على بيضة هذا الدين ودفع الكافرين عن ديار المسلمين، بعد أن تخلف الناس وتقاعسوا عن النفير، فقال: (أيها الناس؛ مالكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم وقعدتم، عن نصر الله فلم ينصركم؟ حسبتم أن العزة للمشرك وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، يا ويحكم! أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطرعلى أرضكم التي سقاها بالدماء آبائكم يذلكم ويستعبدكم وأنتم كنتم سادات الدنيا؟ أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم مرأى إخو ان لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟ أفتأكلون وتشربون وتتنعمون بلذائذ الحياة وإخوانكم هناك يتسربلون اللهب ويخوضون النار وينامون على الجمر؟
يا أيها الناس؛ إنها قد دارت رحى الحرب ونادى منادي الجهاد وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحوا الطريق للنساء يُدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل يا نساء بعمائم ولحى، أو لا! فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها.
يا ناس؛ أتدرون مم صنعت هذه اللجم والقيود؟ لقد صنعها النساء من شعورهن لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، هذه والله ظفائر المخدرات لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحفظا؛ قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة الحرب في سبيل الله، فإن لم تقدروا على الخيل تقيدونها فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وظفائر، إنها من شعور النساء فلم يبق في نفوسكم شعور).
وألقى اللجم من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ: (ميدي يا عمد المسجد، وانقضي يا رجوم، وتحرقي يا قلوب الماً وكمدا، لقد أضاع الرجال رجالتهم).
نعم والله لقد أضاع الرجال رجولتهم! فماذا نقول نحن في هذا الزمان الذي عز فيه النصير، وقل فيه المعين وتداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
إننا والله لا نريد رجالاً كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد والمقداد وطلحة والزبير، لكننا نريد رجالاً كصفيّة!
نعم كصفية! عندما قامت بالدفاع عن حرمات المسلمين عندما همّ ذلك اليهودي الخبيث أن يدخل الحصن ويكشف عورات المسلمين فقاتلت عن أعراض المسلمين.
فيا ربي أدركنا فقد بلغ الزبى من الكرب سيل الفاجعات المغرق
فيا علماء الأمة، ويا دعاتها، ويا شبابها؛
اتقوا الله... اتقوا الله وأدركوا ما فاتكم فإنما العصمة السيف...
فدونكم أعداء الشريعة بين ظهرانيكم، ومدوا يد العون إلى اخوانكم بالغالي والنفيس قبل أن يلفظكم التاريخ... نعم! قبل أن يلفظكم التاريخ، وقبل أن ينفض السوق فيربح فيه من يربح ويخسر فيه من يخسر.
عندما أخاطب العلماء، إنما أخاطب العلماء الربانيين، لا أقصد بذلك علماء السوء ومشايخ الفضائيات فهؤلاء يكفيهم الأثر؛ (أن القبور اشتكت إلى الله من نتن رائحة الكفار، فأوحى الله إليها أن بطون علماء السوء أشد نتناً من رائحتك)، أولئك الذين يأكلون الدنيا بالدين.
أما انتم أيّها المجاهدون الصابرون نقول لكم:
مع كل ما يصيبنا من هم ونصب وضيق وبلاء، فوالله لن يرى الأعداء منا إلا كل ما يسوءهم، ولنجاهدنهم بكل ما نستطيع، ولنبذلن الغالي والنفيس في حربهم، فإن مراغمة الطواغيت من أقرب القربات إلى الله، فاصبروا إنما هي أيام قلائل ثم بعدها يأتي الفرج والنصر بعون الله، فإنَ تأخر النصر لا يعني تخلف وعد الله، حاشا وكلا.
إياكم والنكوص والرجوع عن هذا الطريق، فإنه والله مع مشقته وصعوبته ومرارته لحلو في ذات الله، وإنها لنعمة عظيمة أن يصطفيكم الله لنصرة دينه، والجهاد في سبيله.
ألا يكفيكم - يا رفاق الدرب؛ يا أُنس الروح وسلواها - الحديث الذي رواه أبو هريرة، قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فقال: (لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقال: (لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة).
ورحم الله ابن تيمية عندما قال: (واعلموا أصلحكم الله أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيراً أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يُجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين؛ حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله تعالى، وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة، حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان علي وغيرهم حاضرين في هذا المكان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين ولا يُفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته، وسفه نفسه، وحُرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة).
فهل بعد هذا ترومون فضلاً، وتطلبون بدلا، فأكثروا من الدعاء أن يثبتنا على الطريق، وليكن لسان حالنا جميعاً:
لكنني اسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جثتي أرشدك الله من غازوقد رشدا
فيا ربي إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يُعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله بجو السماء في نسور عواكف
وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من بغداد ألف بينهم تُقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقوا دنياخم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى وما أحدٌ يا رب منك بذا أولى
تبرأت من حولي إليك وقوتي فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا
وهب لي رضىً ما لي سوى ذاك مبتغى ولو لقيت نفسي على ليله الهولا
اللهم مكن للمجاهدين في الأرض، اللهم مكن للموحدين في الأرض، اللهم جيش جيوشهم، وابعث سراياهم، وخلّص نواياهم، وخذ العيون عنهم، اللهم يسر لهم كل خير، اللهم قو شوكتهم وآنس وحشتهم، وكن لهم العون والنصير، فهم أقوياء بك يا رب العالمين.
اللهم إن أمريكا جاءت بخيلها وخيلائها تحاد الله ورسوله، اللهم فأحمها الغداة... اللهم فأحمها الغداة، اللهم كما مزقت ملك قيصر فمزق ملك بوش، اللهم شتت شملهم وفرق شملهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين.
اللهم العن طواغيت العرب والعجم، اللهم عليك بالحكام المرتدين، اللهم احصهم، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم... آمين...
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما}.
أما بعد:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
إلى أخوة المنهج ورفاق الدرب وأخلاء الروح؛
أخاطبكم والشوق يحدوني وأمل اللقاء يدفعني أن يجمع الله الشمل، وأن يلتأم الجمع كرة أخرىعلى طاعة الله والجهاد في سبيل الله.
أخاطبكم وأنا أنتظر اليوم الذي تصلون فيه حبال الود السابق وترممون فيه بناء الأخوة السالفة.
حبي لكم يا أخوتي لمّا يعد سرا كيف وكل عين تنطق
بمحبة الله العلي يحبكم حباً على جنبات قلبي يشرق
فكل فرد في الفؤاد مكانه ما ضاق عنه القلب وهو ضيق
أخاطبكم بعد أن قلّ الموافق، وعزّ النصير، وكثرت الجراح واشتدّ الخطب وتخطفت يد المنون كثيراً من الفرسان الأوائل، والأبطال الأماثل.
وقد أخرنا الله لحكمة يعلمها.
ونحن نعاهده سبحانه ونعاهدكم أن نظل شجىً في حلوق الطغاة، وسيفاً مسلطاً على رقاب الظالمين، وجنداً للإسلام نذود عن حياضه، ونستسهل في سبيله الصعب، ونسترخص نفوسنا حتى يظهره الله أو نهلك دونه.
أخاطبكم مشفقاً ناصحاً، وحزيناً متعجباً أن يتخلف مثلكم عن الركب، ويستأخر بعضكم يستبقي الحياة، ويثّاقل جمعكم عن النفير، وقد أتاكم الصليب وأجلب عليكم بخيله ورجله ورماكم عن قوس واحدة.
فأين حديث الماضي، وسمر الليالي، وجراحات الأيام، وآهات المشتاقين إلى الجهاد و الجنان والحور!
أترضون لأنفسكم مثل السوء؟!
قال الله سبحانه: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
فهاهي أمريكا جاءت بقضها وقضيضها، وأقبلت بفخرها وخيلائها تحادّ الله ورسوله، فأين أسود الشرى، وفرسان الميدان، وأبطال التوحيد، ورجال العقيدة! {فهل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين}
لقد قال أئمتنا قديما: (إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر الحق فيما أقامك؟)، فطوبى لمن أقامه الله في مقام الجهاد، والنكاية في أعدائه، والتحريض عليه.
قال سبحانه وتعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً}، وقال سبحانه: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال}، وقال سبحانه: {يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتهاالأنهارومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.
وقد أخرج ابن ماجه عن كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا هل من مشمّر إلى الجنة فإن الجنّة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطّرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية)؟ قالوا: (نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها)، قال: (قولوا إن شاء الله)، فقال القوم: (إن شاء الله)، ثم ذكر الجهاد وحرض عليه.
وعن علي رضي الله عنه - موقوفاً - قال: (من حرض أخاه على الجهاد كان له مثل أجره، وكان له في كل خطوة من ذلك عبادة سنة).
فالنصر يا قومي لن تهن سحائبه إلا بجيل عظيم البذل مغوار
هُبوا ولبوا فما في البؤس من رغد فالجذع من مكة والغصن أنصار
ولم تزل راية التوحيد خافقةً ومرهف الحد مسنوناً على النار
وقد آلمنا وقرح أكبادنا أنا رأينا الجهاد قد درست آثاره فلا تُرى، وطُمست أنواره بين الورى، وأعتم ليله بعد أن كان مُقمرا، وأظلم نهاره بعد أن كان نيّرا، وذوى غصنه بعد أن كان مورقا، وانطفأ حُسنه بعد أن كان مشرقا، وقفلت أبوابه فلا تطرق، وأغللت أسبابه فلا ترمق، وصفنت خيوله فلا تركض، وربضت أسوده فلا تنهض، وامتدت أيدي الكفرة الأذلاء إلى المسلمين فلا تقبض، وأغمدت السيوف من أعداء الدين إخلاداً إلى حضيض الدعة والأمان، وخرس لسان النفير إليهم فصاح نفيرهم في أهل الإيمان، وآمت عروس الشهادة إذ عدمت الخاطبين، وأهمل الناس الجهاد كأنهم ليسوا به مخاطبين.
فلا نجد إلا من طوى نشاطه عنه أو اثّاقل إلى نعيم الدنيا الزائل رغبة عنه، أو تركه جزعاً من القتل وهلعا، أو أعرض عنه شحاً عن الإنفاق وطمعا، أو جهل ما فيه من الثواب الجزيل، أو رضي بالحياة الدنيا من الآخرة، {وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
فيا إخوة العقيدة؛
بم تتعللون - وأنتم أهل الحق؟ - وما الذي يقعد بكم يا أهل الصدق؟ ألأهل والأولاد والمساكن؟ قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
قال صاحب "المشارع": (في هذه الآية الشريفة من التحذير والتخويف والتهديد لمن ترك الجهاد رغبة عنه سكوناً إلى ما هو فيه من الأهل والمال مافيه كفاية، فاعتبروا يا أولي الأبصار).
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
قال القرطبي رحمه الله: (هذا توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وقوله؛ {اثاقلتم} أي إلى نعيم الأرض أو الإقامة في الأرض).
قال الله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون * فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين * ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
فانظر- رحمك الله - إلى هذا الوعيد الشديد، والخزي الشديد، والوبال الأليم لمن تخلف عن الجهاد وتقاعد عنه وكره الإنفاق فيه.
وهذه الآيات وإن كانت نزلت لأقوام بأعيانهم فإن فيها ترهيباً وتهديداً لمن فعل كفعلهم، وتخلف عن الجهاد الواجب كتخلفهم، وناهيك عن ذلك فعلاً شنيعاً، ووعيداً فضيعا ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهل بعد هذا الخذلان خذلان! فاتقوا الله واحذروا مكره لمن تخلف عن أمره.
قال صاحب "المشارع" رحمه الله: (اعلم أيها الراغب عما افترض عليه من الجهاد الناكب عن سنن التوفيق والسداد؛ أنك قد تعرضت إلى الطرد والإبعاد وحرمت والله الإسعاد بنيل المراد).
ليت شعري هل سبب إحجامك عن القتال واقتحامك معارك الأبطال، وبخلك في سبيل الله بالنفس والمال؛ إلا طول أمل؟ أو خوف هجوم أجل؟ أو فراق محبوب من أهل ومال؟ أو ولد وخدم وعيال؟ أو أخ لك شقيق؟ أو قريب عليك شفيق؟ أو ولي كريم؟ أو صديق حميم؟ أو حب زوجة ذات حسن وجمال؟ أو جاه منيع؟ أو منصب رفيع؟ أو قصر مشيد؟ أو ظل مديد؟ أو ملبس بهي أو مأكل هني؟
ليس غير هذا يقعدك عن الجهاد، ولا سواه يبعدك عن رب العباد.
وتالله ما هذا منك أيها الأخ بجميل! ألا تسمع قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنووا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}؟
أصغِ لما أُملي عليك من الحجج واستمع ما ألقي إليك من البراهين الساطعة ولتعلم أنه ما يقعدك عن الجهاد سوى الحرمان وليس لتأخرك سبب إلا النفس والشيطان.
وأما سكونك إلى طول الأمل وخوف هجوم الأجل والاحتراز من الموت لابد من نزوله، والإشفاق من الطريق الذي لابد من سلوك سبيله، فوالله إن الإقدام لا ينقص عمر المقدمين كما لا يزيد الإحجام عمر المستأخرين؛ {ولكل أمة اجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}، {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}.
وإن للموت سكرات - أيّها المفتون - وإن هول المطلع شديد ولكن لا تشعرون، وإن للقبر عذاباً لا ينجو منه إلا الصالحون، وإن فيه سؤال الملكين الفاتنين، {يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
ثم بعد ذلك الخطر العظيم؛ إما سعيداً فإلى النعيم المقيم، وإما شقياً فإلى عذاب الجحيم.
والشهيد آمن من جميع ذلك لا يخش شيئاً من هذه المهالك، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجد ألشهيد من ألم القتل إلا كمس القرصة).
فما يقعد بك - أيها الأخ - عن انتهاز هذه الفرصة ثم تُجار في القبر من العذاب وتفوز عن الله بحسن المآب، وتأمن من فتنة السؤال وما بعد ذلك من الشدائد والأهوال، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقزن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فرحين بما آتاهم الله من فضله مستبشرين، أرواحهم في جوف طير خطر تسرح في عليين، فكم بين هذا الموت الكريم، وبين الموت الأليم.
لئن كانت الأرزاق قسماً مقدرا فقلة حرص المرء في الرزق أجمل
وإن كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل
وإن كانت الدنيا تُعد نفيسة فقدر ثواب الله أعلى وأنبل
وإن كانت الأبدان للموت أنشئت فقتل إمرئ في الله بالسيف أجمل
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}، وسياق الآيات يبين أن ذلك بسبب موالاة الكفار والركون إليهم...
فماذا ستفعل يارب؟
{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}.
من هؤلاء المصطفون؟ من هؤلاء الكرام الذين يدّخرهم الله لنصرة دينه ورفع رايته حين بنكص الناس وينفض جمع الإيمان؟
{يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}.
ثم ماذا يارب؟
{يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
لكن الله يقرر أن هذا الأمر محض الفضل وخالص الإحسان وليس يناله كل أحد؛ {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
فحذار... حذار... من التخلف عن ذلك الركب.
واحرص - يا أخ التوحيد - أن تكون من هؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه، فإن القافلة إذا سارت وشُدت الرحال تخلف العاطل، وظهر الحق من الباطل.
قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
لمّا كثُر المدّعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعط الناس بدعواهم لأدعى الخلي حرقة الشجي؛ فتنوع المدعون في الشهود، فقيل؛ "لا تُقبل هذه الدعوى إلا ببينة"، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية؛ {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}، فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم؛ "إن نفوس المحبين وأموالهم لسيت لهم فهلموا إلى بيعة"، {إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة}، فلما عرفوا عظمة المشترى وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة وأن لها شأناً، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي من غير ثبوت خيار، وقالوا؛ "والله لا نقيلك ولا نستقيلك"، فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم؛ "مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معها".
{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون}.
قال ابن كثير رحمه الله: (يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملك بما تفضل به على عباده المطيعين له، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة؛ "بايعهم الله فأغلى ثمنهم").
وقال تعالى: {ويتخذ منكم شهداء}.
قال السهيلي رحمه الله: (وفيه فضل عظيم للشهداء وتنبيه على حب الله إياهم).
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وماله على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة).
ولما قُتل عبد الله بن عمر بن حرام يوم أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جابر ألا أخبرك ما قال الله لأبيك، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحا، فقال؛ "يا عبد الله تمنّ علي أعطك؟"، قال؛ "يا رب! تُحييني فأقتل فيك ثانية"، قال؛ "إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون " قال: يارب أبلغ من ورائي)، فأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}.
وعن ابن عباس قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتؤوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا؛ "من يبلغ إخواننا عنا انا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب؟"، فقال الله؛ "أنا أُبلّغهم عنكم"، فأنزل الله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛ (أول ثلة تدخل الجنة الفقراء المهاجرون الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإذا كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره، وأن الله عز وجل ليدعوا يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول الله عز وجل أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا: ادخلوا الجنة فيدخلونها بغير حساب فتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي) [رواه أحمد والبزار].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا}؟ فقال: (أما أنا قد سئلنا عن ذلك، فأخبرنا؛ أن أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتؤي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطّلع إليهم ربك اطلاعة فقال؛ "هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟" قالوا؛ "ربنا! وما نستزيد؟ ونحن نسرح في الجنة حيث شئنا"، ثم اطّلع إليهم ثانية فقال؛ "هل تستزيدون شيئاً فأزيدكم؟"، فلما رأوا أنهم لن يتركوا، قالوا؛ "تعيد أرواحنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى").
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن ادخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة، والذي نفس محمد بيده مامن كلم يُكلم في سبيل الله تعالى إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كُلم لونه لون الدم وريحه المسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو أبداً، ولكن لا أجد سعة فاحملهم، ولا يجدون سعة فيشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل).
فأي فضل بعد هذا الفضل وأي منة بعد هذه المنة، وأي شرف بعد هذا الشرف؟!
فهذه أمريكا بين ظهرانينا؛ فتعالوا فاشتفوا منها، وارووا ضمأكم من دمائها... تعالوا لتذودوا عن أعراض المسلمات، ولتظفروا بهذه البشارة الكريمة.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا).
وروى ابن أبي شيبة عن سلمان بن أبي ربيعة أنه قال: (قتلت بسيفي هذا مائة مستلئم كلهم يعبد غير الله، ما قتلت منهم رجلاً صبرا).
وعن ابن سيرين؛ استلقى البراء بن مالك فترنم، فقال له أنس: (اذكر الله يا أخي)، فاستوى جالساً، فقال: (أي أنس! - ابن أبي - لا أموت على فراشي وقد قتلت مائة من المشركين؛ مبارزة، سوى من شاركت في قتله).
واحذر - يا أخ التوحيد - من مزالق الشيطان ومداخله، واحذر؛ أن يحول بينك وبين الجهاد في سبيل الله ويضع أمامك العوائق والأسباب التي تبرر لك القعود والتخلف عن الجهاد - حتى وإن كانت هذه الأعمال طاعة لله ورسوله - فإن هذا الشيطان الطريد المريد لا يفتأ يحول بين العبد وبين ما يرضي ربه.
ورحم الله ابن القيم حين نبّه على هذا الأمر الخطير وقال - ما معناه -: (إن الشيطان ملحاح بطيء اليأس، وهو يترصد للمؤمن ويقعد له في طريق سيره إلى الله ثم ينصب له فخاخاً وأشراكا، لا يتدلى إلى الأدنى إلا إذا عجز عن الأعلى، فيبدأ له بنصب فخ الشرك والكفر فإن نجا منه، نصب له شَرك البدعة، فإن جاوزه أعد له شَبكة الكبائر، فإن تخطاه أعد له شَرك الصغائر، فإن نجا شغله بالمباح، فإن عجز ترصد وكمن له في عقبة العبادات المفضولة، فشغله بها وحسنها بعينه وزينها له و أراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحا، لأنه لمّا عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله ودرجاته العالية، فشغله بالمرضي عن الأرضى له، فيشغله بطلب علم الكفاية عن فرض العين من الجهاد، ويزين له جهاد الدعوة وقد انفتح باب جهاد السيف على مصراعيه).
وقد قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.
وقديماً قال أئمتنا: (ليس الفقيه الذي يعرف الخير، وإنما الفقيه الذي يعرف خير الخيرين).
وقد خرّج ابن المبارك بإسناده عن صفوان؛ أن أبا هريرة قال: (أيستطيع أحدكم أن يقوم فلا يفتر و يصوم فلا يفطر ما كان حيا؟) فقيل: (يا أبا هريرة من يطيق هذا؟)، قال: (والذي نفسي بيده إن نوم المجاهد في سبيل الله أفضل منه).
فهذه درجة نائمهم فكيف قائمهم، وإذا كانت هذه رتبة غافلهم فكيف بعاملهم؟ وإذا كان هذا خطر شراك نعالهم فكيف بخطير أفعالهم؟
تالله إن هذا لهو الفضل المبين، لمثل هذا فليشمر المشمرون، وعلى فواته فليبك العاجزون المقصرون، وعلى ضياع العمر فليحزن المفرطون.
فكم من الأحباب يارب اصطفيتهم واتخذتهم من بيننا وحرمتنا من ذلك بذنوبنا... اللهم فلا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم وألحقنا بهم.
وإن كنت أنسى... فلا أنسى في هذا المقام إخواننا الشهداء رحمهم الله الذين كانوا معنا في السراء والضراء وصبروا معنا على لأواء الطريق.
وعلى رأسهم الأخ الحبيب الغالي الشهيد الحي - نحسبه كذلك والله حسيبه – "أبو عبيدة عبد الهادي دغلس" فوالله ما رزءت بمصيبة - بعد أن هداني الله - بمثل فقد هذا الأخ، هذا الأخ الذي كنت استصغر نفسي أمامه لفرط شجاعته وإقدامه وصبره وحسن خلقه... فعلى مثل عبد الهادي فلتبكِ العيون... فعلى مثل عبد الهادي فلتبكِ العيون.
فكلما تذكرته تذكرت حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه أحمد وابن حبان، عن ابن مسعود أنه قال: (عجب ربنا من رجلين - وذكر منهما - رجل غزا في سبيل الله، فانهزم أصحابه وعلم ما عليه في الانهزام، وماله في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله لملائكته؛ "انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه").
فيوم أن اضطر المجاهدون إلى أن يخلوا مواقعهم نتيجة القصف الشديد والمتواصل أبى أن يرجع، وتبايع على الموت - هو وثلة من إخوانه - وانغمسوا في العدو نسأل الله أن يتقبلهم.
ماتوا وغُيّب في التراب شخوصهم فالنسر مسك والعظام رميم
فوالله لقد كان جبلاً من الجبال، وأسداً من الأسود، وعابداً من العباد، وزاهداً من الزهاد، ترى الصلاح في وجهه، مسعّر حرب لو كان معه رجال، لا تأخذه في الله لومة لائم، شديداً على أعداء الله، رحيماً وبراً بإخوانه.
رحمك الله يا عبد الهادي رحمة واسعة، لقد كنت - والله - الأخ الحبيب والصديق الشفيق، وكنت السمع والبصر، فوالله إن مكانك مازال شاغراً، لا يستطيع أن يملأه أحد، وبفضلك فقدت عضواً من أعضائي.
وإن كنت أنسى فلن أنس ذلك اليوم الذي قلت لي فيه: (إني لأدعو لك أكثر مما أدعو لوالدي).
فأي خسارة بعد هذه الخسارة، وأي رزية بعد هذه الرزية، فقدتك في وقت كنت أحوج ما أكون إليك فيه.
نسأل الله عز وجل أن يرفعك في عليين، وأن يلحقنا بك غير مفتونين شهداء صالحين مع النبيين والصديقين وحَسُن أولئك رفيقا، أنت وإخوانك الذين لم أذكرهم لضيق المقام.
لُيسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينَ
ولا يفوتني في هذه الساعة أن أوجه نصيحة وتذكرة إلى علماء الأمة ودعاتها:
فقد قال سبحانه: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون}.
لقد أخذ الله عليكم الميثاق أن تقوموا بما أمركم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والحفاظ على شريعته وبذل النفوس والمهج في سبيل دينه.
ولكنكم للأسف الشديد... بدل أن تقوموا بحق الله؛ آثرتم السلامة وأخلدتم إلى الراحة والأهل والمال والولد، وتركتم المجاهدين يواجهون أعتى قوة في العالم أجلبت عليهم بخيلها ورجلها.
فأين أنتم يا علماء الأمة؟
إلى متى تنكصون وعن الحق ترغبون!
أما زالت المصالح والمفاسد ديناً لكم ومنهجا!
أما آن لكم أن تعودوا إلى دينكم؟
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
ودل قوله صلى الله عليه وسلم؛ (حتى ترجعوا إلى دينكم)؛ على أن ترك الجهاد والإعراض عنه والسكون إلى الدنيا خروج عن الدين ومفارقة له، وكفى به ذنباً وإثماً مبينا.
أما آن لكم أن تستيقضوا من غفلتكم؟ أما آن لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟ عن أي فتنة تتكلمون؟ وعن أي مصلحة تتحدثون؟ وهل هناك فتنة يا علماء الأمة أعظم مما نحن فيه؟!
إن الفتنة الشرك، إن الفتنة ظهور الباطل على الحق، إن الفتنة ضياع حكم الله في الأرض، إن الفتنة أن يحشر الأسود في الأقفاص في كوبا وغيرها.
فها أنتم يبلغ أحدكم ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر؛ لا يكلف نفسه رباط يوم في سبيل الله، ولا يتجشم عناء سفر كي يغبّر قدميه في سبيل الله، يفني أحدكم عمره في طلب العلم على أريكته سلماً لأعداء الله لا يُبتلى يوماً في سبيل الله بحبس أو ضرب أو غيره.
والله إنه لأحد أمرين:
إما أنكم أعز على الله من نبيه الذي أوذي في ذات الله بشتى أنواع الأذى.
أو أنكم على غير هدي النبي.
ومعاذ الله أن تكون الأولى... ومعاذ الله أن تكون الأولى... "فوالله ما جاء أحد بمثل ما جئت به قط إلا أوذي".
إلى من تركتم الأمة؟ إلى طواغيت المشرق والمغرب يستبيحون بيضتها ويسومونها سوء العذاب ويذبحون خيرة بنائها المجاهدين ويستولون على خيراتها؟! أهكذا كان السلف الصالح يغار أحدهم على أمته؟! أين التضحيات يا علماء الأمة؟
أين أنتم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
أين أنتم من سفيان الثوري ذلك العالم الرباني الذي قال: (والله إني لأرى الأمر يجب علي أن أتكلم فيه فلا أستطيع فأبول دماً)؟ ذاك سفيان بال دماً عندما خلُصت نفسه لله ولم ينازعها شيء من الدنيا، بال دماً عندما مازج دمه وخالط أنفاسه حب هذا الدين.
أما بلغكم يا علماء أن يونس بن عبيد رحمه الله نظر إلى قدميه عند موته فبكى، فقيل: (ما يبكيك يا أبا عبد الله؟)، قال: (قدماي لم تغبرا في سبيل الله).
لم تغبر قدماه عندما كان الجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فماذا لو كان الجهاد فرض عين؟ تُرى لو كان ابن عبيد في زمانا ماذا تظنون أنه قائل؟ والله لكان لسان حاله:
فيا جبال اقذفي الأحجار ويا سما ء امطري مهلاً وغسلينا
ويا كواكب آن الرجم فانطلقي ما انت إن أنت لم ترمي الشياطينا؟!
لقد حل بالأمة ما حل من ويلات ونكبات وتعطيل لشريعة رب الأرض والسماوات يوم تخاذل علماء الأمة عن التضحية، يوم أن ضعفت جذوة الجهاد في صدورهم، فتخلفوا عن الركب، يوم غاب عن أذهانهم أن الأمة لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بدماء العلماء، وأن التضحية بدمائهم هو نتاج طبيعي للإرث النبوي الذي ورثوه في صدورهم.
ورحم الله ابن حزم يوم أن قال:
كفاحاً مع الكفارفي حومة الوغى وأكرم موت للفتى قتل كافر
مناي من الدنيا علوم أبُثّها وأنشرها في كل باد وحاضر
دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر
وألزم أطراف الثغور مجاهداً إذا هيعة ثارت فأول نافر
لألقى حمامي مقبلاً غير مدبر بسمر العوالي والدقاق البواكر
فياربّّّ لا تجعل حمامي بغيرها ولا تجعلني من قطان المقابر
ذلك ابن حزم... وأنعم بابن حزم.
أمّا انتم يا علماءنا؛ فقد هادنتم الطواغيت وأسلمتم البلاد والعباد لليهود والصليبيين، وأذنابهم من حكامنا المرتدين، يوم أن سكتم عن جرائمهم وجبنتم عن الصدع في وجوههم، وعجزتم عن حمل راية الجهاد والتوحيد التي كلفكم الله بها، يوم أن قتلتم الغيرة والحمية على دين الله في قلوب الشباب ومنعتموهم من النفير إلى ساحات الوغى، ففرغت ساحات الوغى من الأسود إلا من رحم الله، فلا تكاد تجد عالماً بيننا يُستفتى.
يا عباد الله؛
لا تكاد تجد عالماً بيننا يُستفتى، ولا طالباً به يقتدى، ولا قائداً ربانياً يقود بنا البحر. لقد خذلتمونا في أحلك الظروف، وأسلمتمونا إلى عدونا، وخليتم بيننا وبينه، وغفلتم عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه أبو داود حيث قال: (ما من امرئ يخذل امرئً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته).
أليس فيكم من يغُط غطة سعيد بن عامر، فقد ذكر أصحاب السير أن أهل حمص شكوه حين كان والياً عليهم إلى عمر، وعابوا عليه أموراً، منها؛ أنه كان يغط وتتجلله الغشية حتى يشق ذلك على الناس. فأجاب معتذراً: (شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضّعت قريش لحمه وحملوه على جذع، وهم يقولون؛ "أتحب أن محمد مكانك وأنك في أهلك ومالك؟"، فيقول؛ "والله! يا قوم ما يسرني أن يفديني محمد صلى الله عليه وسلم بشوكة في قدمه، فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته وأنا يومئذ من المشركين، ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها أرتجف خوفاً من عذاب الله ويغشاني الذي يغشاني")، أليس فيكم من يرجف قلبه خوفاً من عذاب الله ويغشاه ما كان يغشى سعيد لترككم نصرة المجاهدين؟
نعم أسلمتونا للعدو وأسلمتم الأمة قبلنا يوم تخاذلتم عن نصرتنا يا علماء الأمة.
إن اليد التي عقرت ناقة صالح يدٌ واحدة، وقد أهلك الله قوماً بأكملهم نتيجة ذلك، وإن ناقة صالح عليه السلام ليست بأعز على الله من مئات الآلاف من المسلمين من هذه الأمة الذين يذبحون على أيدي الكافرين، بسبب صمتكم وسكوتكم عنهم.
واعلموا يا علماء الأمة؛ أنكم قادمون على الله لا محالة في يوم تشيب له الولدان، {وتضع كل ذات حمل حملها}، {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، في ذلك اليوم العصيب أعدو الجواب لرب الأرباب.
يوم يسألكم عن الأمة ماذا قدمتم لها، وعن المجاهدين وكيف نصرتكم لهم، وعن أعداء الملة وكيف بغضكم وعداوتكم لهم، بالسيف والسنان والقلب واللسان.
إن الله سائلكم عن الأسرى في يد اليهود و الصليبيين والمشركين لمَ لم تستنقذوهم؟
ألم تسمعوا ما قاله عبد الرحمن بن عمرة لما بعثه عمر بن عبد العزيز في فداء المسلمين في القسطنطينية، يقول؛ فقلت له: (أرأيت يا أمير المؤمنين إن أبوا أن يفادوا الرجل بالرجل كيف أصنع؟)ن قال: (زدهم)... إلى أن قال: (فإن أبوا إلا أربعاً)، فقال: (أعطهم بكل مسلم ما سألوه، فوالله لرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام).
إن الله سائلكم عن أفغانستان والعراق ماذا قدمتم لهما.
إن الله سائلكم عن الملا عمر وخذلانكم له، وليس له ذنب إلا أنه أطاع الله ورسوله ورفض أن يعطي الدنية في دينه.
ورحم الله ابن الجوزي يوم اعتلى المنبر وقام خطيباً في الناس يحثهم على الجهاد والحفاظ على بيضة هذا الدين ودفع الكافرين عن ديار المسلمين، بعد أن تخلف الناس وتقاعسوا عن النفير، فقال: (أيها الناس؛ مالكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم وقعدتم، عن نصر الله فلم ينصركم؟ حسبتم أن العزة للمشرك وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، يا ويحكم! أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطرعلى أرضكم التي سقاها بالدماء آبائكم يذلكم ويستعبدكم وأنتم كنتم سادات الدنيا؟ أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم مرأى إخو ان لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟ أفتأكلون وتشربون وتتنعمون بلذائذ الحياة وإخوانكم هناك يتسربلون اللهب ويخوضون النار وينامون على الجمر؟
يا أيها الناس؛ إنها قد دارت رحى الحرب ونادى منادي الجهاد وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحوا الطريق للنساء يُدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل يا نساء بعمائم ولحى، أو لا! فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها.
يا ناس؛ أتدرون مم صنعت هذه اللجم والقيود؟ لقد صنعها النساء من شعورهن لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، هذه والله ظفائر المخدرات لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحفظا؛ قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة الحرب في سبيل الله، فإن لم تقدروا على الخيل تقيدونها فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وظفائر، إنها من شعور النساء فلم يبق في نفوسكم شعور).
وألقى اللجم من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ: (ميدي يا عمد المسجد، وانقضي يا رجوم، وتحرقي يا قلوب الماً وكمدا، لقد أضاع الرجال رجالتهم).
نعم والله لقد أضاع الرجال رجولتهم! فماذا نقول نحن في هذا الزمان الذي عز فيه النصير، وقل فيه المعين وتداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
إننا والله لا نريد رجالاً كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد والمقداد وطلحة والزبير، لكننا نريد رجالاً كصفيّة!
نعم كصفية! عندما قامت بالدفاع عن حرمات المسلمين عندما همّ ذلك اليهودي الخبيث أن يدخل الحصن ويكشف عورات المسلمين فقاتلت عن أعراض المسلمين.
فيا ربي أدركنا فقد بلغ الزبى من الكرب سيل الفاجعات المغرق
فيا علماء الأمة، ويا دعاتها، ويا شبابها؛
اتقوا الله... اتقوا الله وأدركوا ما فاتكم فإنما العصمة السيف...
فدونكم أعداء الشريعة بين ظهرانيكم، ومدوا يد العون إلى اخوانكم بالغالي والنفيس قبل أن يلفظكم التاريخ... نعم! قبل أن يلفظكم التاريخ، وقبل أن ينفض السوق فيربح فيه من يربح ويخسر فيه من يخسر.
عندما أخاطب العلماء، إنما أخاطب العلماء الربانيين، لا أقصد بذلك علماء السوء ومشايخ الفضائيات فهؤلاء يكفيهم الأثر؛ (أن القبور اشتكت إلى الله من نتن رائحة الكفار، فأوحى الله إليها أن بطون علماء السوء أشد نتناً من رائحتك)، أولئك الذين يأكلون الدنيا بالدين.
أما انتم أيّها المجاهدون الصابرون نقول لكم:
مع كل ما يصيبنا من هم ونصب وضيق وبلاء، فوالله لن يرى الأعداء منا إلا كل ما يسوءهم، ولنجاهدنهم بكل ما نستطيع، ولنبذلن الغالي والنفيس في حربهم، فإن مراغمة الطواغيت من أقرب القربات إلى الله، فاصبروا إنما هي أيام قلائل ثم بعدها يأتي الفرج والنصر بعون الله، فإنَ تأخر النصر لا يعني تخلف وعد الله، حاشا وكلا.
إياكم والنكوص والرجوع عن هذا الطريق، فإنه والله مع مشقته وصعوبته ومرارته لحلو في ذات الله، وإنها لنعمة عظيمة أن يصطفيكم الله لنصرة دينه، والجهاد في سبيله.
ألا يكفيكم - يا رفاق الدرب؛ يا أُنس الروح وسلواها - الحديث الذي رواه أبو هريرة، قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فقال: (لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقال: (لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة).
ورحم الله ابن تيمية عندما قال: (واعلموا أصلحكم الله أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيراً أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يُجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين؛ حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله تعالى، وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة، حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان علي وغيرهم حاضرين في هذا المكان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين ولا يُفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته، وسفه نفسه، وحُرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة).
فهل بعد هذا ترومون فضلاً، وتطلبون بدلا، فأكثروا من الدعاء أن يثبتنا على الطريق، وليكن لسان حالنا جميعاً:
لكنني اسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جثتي أرشدك الله من غازوقد رشدا
فيا ربي إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يُعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله بجو السماء في نسور عواكف
وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من بغداد ألف بينهم تُقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقوا دنياخم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى وما أحدٌ يا رب منك بذا أولى
تبرأت من حولي إليك وقوتي فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا
وهب لي رضىً ما لي سوى ذاك مبتغى ولو لقيت نفسي على ليله الهولا
اللهم مكن للمجاهدين في الأرض، اللهم مكن للموحدين في الأرض، اللهم جيش جيوشهم، وابعث سراياهم، وخلّص نواياهم، وخذ العيون عنهم، اللهم يسر لهم كل خير، اللهم قو شوكتهم وآنس وحشتهم، وكن لهم العون والنصير، فهم أقوياء بك يا رب العالمين.
اللهم إن أمريكا جاءت بخيلها وخيلائها تحاد الله ورسوله، اللهم فأحمها الغداة... اللهم فأحمها الغداة، اللهم كما مزقت ملك قيصر فمزق ملك بوش، اللهم شتت شملهم وفرق شملهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين.
اللهم العن طواغيت العرب والعجم، اللهم عليك بالحكام المرتدين، اللهم احصهم، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم... آمين...