(1) يقول الإمام ابن حزم- رحمه الله- عند قوله تعالى :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء : 65] .
((هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر, وأ يقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى أليه , ووصيته عز وجل الواردة عليه , فليفتش الإنسان نفسه , فإن وجد في نفسه مما قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه , أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ووجد نفسه مائلة إلى فلان وفلان , أو إلى قياسه واستحسانه , أو وجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحداً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى صاحت فمن دونه , فليعلم أن الله تعالى قد أقسم , وقوله الحق إنه ليس مؤمناً وصدق الله تعالى : وإذا لم يكن مؤمناً فهو كافر, ولا سبيل إلى قسم ثالث)) (32)
* ويقول أيضاً- رحمه الله- تعليقاً على الآية السابقة :(( فنص تعالى وأقسم بنفسه أنه لا يكون مؤمناً إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما عن ثم يسلم بقلبه ولا يجد في نفسه حرجاً مما قضى فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب , وأنه هو الإيمان الذي لا إيمان لمن لم يأت به ) (33) .
* ويقول أيضاً رحمه الله :(( فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا ?, وأخبر الله تعالى انه لا إيمان إلا ذلك , مع أنه لا يوجد في الصدر حرج مما قضى , فصح يقيناً أن الإيمان عمل وعقد لأن التحكيم عمل ولا يكون إلا مع القول , ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد .
* ويقول أيضاً- رحمه الله عند قوله تعالى :{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} [ النساء : 115] .
قال أبو محمد :هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك . فإن قال قائل إن من اتبع غير سبيل المؤمنين . قلنا له وبالله تعالى التوفيق : ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين, وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع
ذلك كافراً. ولكن البرهان في هذا قول الله :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .( قال أبو محمد: فهذا هو النص الذي لا يحتمل تأويلاً ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلاً ولا جاء برهان بتخصيصه في وجوه الإيمان ) . (35) .
(2) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله . كما قال تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . .} [النساء : 51] . (36) .
فقوله :((ومن جنس موالاة الكفار)) فإنه يتكلم عن موالاة الكفار التي هي من الكفر الأكبر . كما قال تعالى :{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة : 51] , وذكر صنفين من الناس , الصنف الأول وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى , والصنف الثاني : وهم المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام . . . ثم أخبر عن أمرين هما من جنس موالاة الكفار :(( الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله )) .
وانظر إلى قوله (( أوالتحاكم إليهم. . . )) وكيف أنه أضاف كلمة (( أو )) , ?(( أو )) هنا للتخير , للتنبيه على أن كلا الأمرين كفر بالله ثم تأمل كيف أنه استدل بالآية على هذين الأمرين وهو قوله تعالى :{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . . . } [النساء : 51] .
ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} [النساء : 60] .
: ( كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم , أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك التركوغيرهم)
ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأوليك هم المفلحون }[النور : 51] . : ( فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن , وأن المؤمن هو الذي يقول : سمعنا وأطعنا , فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره , مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة , فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! ) انتهى كلامه رحمه الله .
ومقصوده بالنفاق هنا هو النفاق الأكبر الذي يخرج صاحبه عن ملة الإسلام بدليل قوله : (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ?!)) ولو كان يرى بأن الإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره ليس من أعمال الكفر والنفاق الأكبر لم يجعله هنا بمقابل السب ويقيسه عليه ويجعل الذي يسب الله ورسوله أشد كفراً من الذي يتحاكم إلى الطاغوت , وهذا واضح في قوله رحمه الله: (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! )) أي أن كلا الأمرين كفر بالله ولكن السب أشد كفراً
وتأمل قوله أيضاً : (( مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة )). فلم يجعل الكفر هنا سببه الجحود أو الاستحلال وإنما جعل سببه الترك واتباع الهوى بالإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره من أحكام الطواغيت .
ويقول أيضاً رحمه الله :(( قال الله تعالى:{ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } , وقوله : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية . فجعل الله هذه الأمور شرطا في ثبوت حكم الإيمان , فثبت أن الإيمان المعرفة بشرائط لا يكون معتداً به دونها )) .
(3) ويقول الإمام ابن قيم رحمه الله ( ومن حاكم خصمه إلى غير الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت , وقد أمر أن يكفر به , ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده كما هو كذلك في نفس الأمر ) .
(فتأمل قوله : (( ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده )) , ولم يقل: حتى يعتقد أن الحكم لله وحده . ومما يوضح ذلك أيضاً قوله في بداية كلامة: (( ومن حاكم خصمه )) والمحاكمة التي تقع بين الخصمين لا تكون إلا بالفعل , فيكون إذاً معنى قوله : (( حتى يجعل الحكم لله وحده )) أي يحاكم خصمه لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فإن حاكمه إلى غيرهما لم يجعل الحكم الله وحده , ومن ثم لم يكفر بالطاغوت , ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسلامه , حيث إن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد الذي بتحصليه يكون العبد مسلماً مع الإيمان بالله وحده .
(4) ويقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله- : ( ثم ذكر الجويني نتفاً من الياسا من ذلك :أنه من زنى قتل , محصناً كان أو غير محصن , وكذلك من لاط قتل , ومن تعمد الكذب قتل , ومن سحر قتل , ومن تجسس قتل , ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل, ومن بال في الماء الواقف قتل , ومن انغمس فيه قتل , ومن أطعم أسيراً أو سقاه بغير إذن أهله قتل , ومن وجد هارباً ولم يرده قتل ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحد شيئاً من المأكول قتل , بل يناوله من يده إلى يده , ومن أطعم أحداً شيئاً فليأكلً منه أولاً ولو كان المطعوم أميراً لا أسيراً , ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل , ومن ذبح حيواناً ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولاً , وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر . فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) (48) .
فهذا قول واضح منه- رحمه الله- نقل فيه الإجماع على كفرمن تحاكم إلى الشريعة الإلهية المنسوخة كشريعة التوراة . فكيف بمن يتحاكم إلى الشريعة الوضعية التي هي من وضع البشر؟ ! لا شك أشد .
((هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر, وأ يقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى أليه , ووصيته عز وجل الواردة عليه , فليفتش الإنسان نفسه , فإن وجد في نفسه مما قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه , أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ووجد نفسه مائلة إلى فلان وفلان , أو إلى قياسه واستحسانه , أو وجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحداً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى صاحت فمن دونه , فليعلم أن الله تعالى قد أقسم , وقوله الحق إنه ليس مؤمناً وصدق الله تعالى : وإذا لم يكن مؤمناً فهو كافر, ولا سبيل إلى قسم ثالث)) (32)
* ويقول أيضاً- رحمه الله- تعليقاً على الآية السابقة :(( فنص تعالى وأقسم بنفسه أنه لا يكون مؤمناً إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما عن ثم يسلم بقلبه ولا يجد في نفسه حرجاً مما قضى فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب , وأنه هو الإيمان الذي لا إيمان لمن لم يأت به ) (33) .
* ويقول أيضاً رحمه الله :(( فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا ?, وأخبر الله تعالى انه لا إيمان إلا ذلك , مع أنه لا يوجد في الصدر حرج مما قضى , فصح يقيناً أن الإيمان عمل وعقد لأن التحكيم عمل ولا يكون إلا مع القول , ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد .
* ويقول أيضاً- رحمه الله عند قوله تعالى :{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} [ النساء : 115] .
قال أبو محمد :هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك . فإن قال قائل إن من اتبع غير سبيل المؤمنين . قلنا له وبالله تعالى التوفيق : ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين, وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع
ذلك كافراً. ولكن البرهان في هذا قول الله :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .( قال أبو محمد: فهذا هو النص الذي لا يحتمل تأويلاً ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلاً ولا جاء برهان بتخصيصه في وجوه الإيمان ) . (35) .
(2) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله . كما قال تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . .} [النساء : 51] . (36) .
فقوله :((ومن جنس موالاة الكفار)) فإنه يتكلم عن موالاة الكفار التي هي من الكفر الأكبر . كما قال تعالى :{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة : 51] , وذكر صنفين من الناس , الصنف الأول وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى , والصنف الثاني : وهم المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام . . . ثم أخبر عن أمرين هما من جنس موالاة الكفار :(( الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله )) .
وانظر إلى قوله (( أوالتحاكم إليهم. . . )) وكيف أنه أضاف كلمة (( أو )) , ?(( أو )) هنا للتخير , للتنبيه على أن كلا الأمرين كفر بالله ثم تأمل كيف أنه استدل بالآية على هذين الأمرين وهو قوله تعالى :{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . . . } [النساء : 51] .
ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} [النساء : 60] .
: ( كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم , أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك التركوغيرهم)
ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأوليك هم المفلحون }[النور : 51] . : ( فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن , وأن المؤمن هو الذي يقول : سمعنا وأطعنا , فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره , مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة , فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! ) انتهى كلامه رحمه الله .
ومقصوده بالنفاق هنا هو النفاق الأكبر الذي يخرج صاحبه عن ملة الإسلام بدليل قوله : (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ?!)) ولو كان يرى بأن الإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره ليس من أعمال الكفر والنفاق الأكبر لم يجعله هنا بمقابل السب ويقيسه عليه ويجعل الذي يسب الله ورسوله أشد كفراً من الذي يتحاكم إلى الطاغوت , وهذا واضح في قوله رحمه الله: (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! )) أي أن كلا الأمرين كفر بالله ولكن السب أشد كفراً
وتأمل قوله أيضاً : (( مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة )). فلم يجعل الكفر هنا سببه الجحود أو الاستحلال وإنما جعل سببه الترك واتباع الهوى بالإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره من أحكام الطواغيت .
ويقول أيضاً رحمه الله :(( قال الله تعالى:{ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } , وقوله : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية . فجعل الله هذه الأمور شرطا في ثبوت حكم الإيمان , فثبت أن الإيمان المعرفة بشرائط لا يكون معتداً به دونها )) .
(3) ويقول الإمام ابن قيم رحمه الله ( ومن حاكم خصمه إلى غير الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت , وقد أمر أن يكفر به , ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده كما هو كذلك في نفس الأمر ) .
(فتأمل قوله : (( ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده )) , ولم يقل: حتى يعتقد أن الحكم لله وحده . ومما يوضح ذلك أيضاً قوله في بداية كلامة: (( ومن حاكم خصمه )) والمحاكمة التي تقع بين الخصمين لا تكون إلا بالفعل , فيكون إذاً معنى قوله : (( حتى يجعل الحكم لله وحده )) أي يحاكم خصمه لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فإن حاكمه إلى غيرهما لم يجعل الحكم الله وحده , ومن ثم لم يكفر بالطاغوت , ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسلامه , حيث إن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد الذي بتحصليه يكون العبد مسلماً مع الإيمان بالله وحده .
(4) ويقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله- : ( ثم ذكر الجويني نتفاً من الياسا من ذلك :أنه من زنى قتل , محصناً كان أو غير محصن , وكذلك من لاط قتل , ومن تعمد الكذب قتل , ومن سحر قتل , ومن تجسس قتل , ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل, ومن بال في الماء الواقف قتل , ومن انغمس فيه قتل , ومن أطعم أسيراً أو سقاه بغير إذن أهله قتل , ومن وجد هارباً ولم يرده قتل ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحد شيئاً من المأكول قتل , بل يناوله من يده إلى يده , ومن أطعم أحداً شيئاً فليأكلً منه أولاً ولو كان المطعوم أميراً لا أسيراً , ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل , ومن ذبح حيواناً ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولاً , وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر . فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) (48) .
فهذا قول واضح منه- رحمه الله- نقل فيه الإجماع على كفرمن تحاكم إلى الشريعة الإلهية المنسوخة كشريعة التوراة . فكيف بمن يتحاكم إلى الشريعة الوضعية التي هي من وضع البشر؟ ! لا شك أشد .