محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    قاعدة من قواعد التكفير

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    قاعدة من قواعد التكفير Empty قاعدة من قواعد التكفير

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 4:22 am

    بسم الله الرحمن الرحيم

    * * *

    القاعدة:

    " كلُّ مانعٍ من موانِعِ التَّكفيرِ مانِعٌ من موانِعِ لُحوقِ الوعيدِ بالمعيَّنِ، وليس كلُّ مانعٍ من موانعِ لحوقِ الوعيدِ بالمعيَّن مانعاً من موانعِ التَّكفِيرِ "[1].

    * * *

    الشرح:

    قد أفدنا من قبل أن القاعدة لا تكون قاعدة إلا لدلالة أصول ونصوص الشريعة على كل جزئية من جزئياتها.. ومن حق الباحث أو القارئ ألاَّ يعتمد القاعدة كقاعدة شرعية - وبخاصة إن كان لها مساس بالعقائد والأصول - إلا بعد معرفة الأدلة الشرعية الدالة عليها، والملزمة بها.. وهذا يلزمنا بالضرورة ببيان الأدلة الشرعية الدالة على صحة هذه القاعدة الآنفة الذكر أعلاه.

    فأقول: قولنا أن كل مانعٍ من موانع التكفير مانعٌ من موانع لحوق الوعيد والعذاب بالمعين في الدنيا والآخرة، فهو للأصول والأدلة التالية:

    1) الجهل:

    فقد تضافرت الأدلة على أن من يقع في الكفر عن جهل معجز لا يمكن له دفعه فإنه يمنع عنه لحوق الوعيد والعذاب في الدنيا والآخرة، إلى أن تقوم عليه الحجة الشرعية التي تدفع عنه الجهل المعجز فيما قد خالف فيه؛ أي تدفع عنه العجز عن إدراك مراد الشارع فيما قد خالف فيه.

    كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} الإسراء: 15. ولقوله تعالى: {لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة: 286. وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16.

    وفي الحديث عن الأسود بن سريع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول ربّ لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول "[2].

    قلت: وهؤلاء الأصناف الأربعة كلهم يجمعهم الجهل المعجز عن إدراك مراد الشارع فيما قد خالفوا فيه، وإن كان لكل صنف منهم سببه المختلف عن الآخر الذي أوقعه بالجهل المعجز عن إدراك مراد الشارع.

    وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم - وهم حديثو عهد بكفر - بأن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : "الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم.

    قال الشيخ سليمان آل الشيخ في كتابه القيم " تيسير العزيز الحميد ": فيها - أي هذه الحادثة من الدلالات - أن معنى الإله هو المعبود، وأن من أراد أن يفعل الشرك جهلاً فنُهي عن ذلك فانتهى لا يكفر.. اهـ..

    قلت: فجهلهم الناتج عن حداثة عهدهم بالكفر - وهو جهل معجز - منع من لحوق وعيد الكفر بهم رغم وقوعهم به!

    ونحو ذلك قول معاوية بن الحكم السلمي للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا قومٌ حديث عهد بجاهلية، وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تأتهم "[3].

    علماً أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيمن يأتي الكهان فقال: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه يما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد " وفي رواية: "فقد برئ مما أنزل على محمد".

    والشاهد أن هذا الوعيد الشديد الوارد في الحديث لم يُحمل عليهم لكونهم يأتون الكهان بسبب جهلهم المعجز الناتج عن حداثة عهدهم بالجاهلية.. ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم : أنت وقومك كفار.. قد برئت منكم الذمة.. وإنما اكتفى بتعليمه وقيام الحجة عليه فقال له: "لا تأتهم".

    وكذلك لما جاء عدي بن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً وفي عنقه صليب من ذهب - وكان حديث عهد بالكفر - فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله له: "يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك"، ولم يلحق به حكم الكفر به لتعليق الصليب في عنقه.. أو يلزمه بالتوبة ودخول الإسلام من جديد.. وذلك لجهله الناتج عن حداثة عهده بالكفر.

    والأدلة على العذر بالجهل المعجز كثيرة ليس غرضنا هنا استقصاؤها وبسطها فهذا له موضع آخر من أبحاثنا.. وإنما أردنا هنا فقط التدليل على صحة الجزء الأول من القاعدة القائل: أن المانع من التكفير مانع من لحوق الوعيد والعذاب بالمعين.

    2) التأويل:

    ومن موانع التكفير التي تمنع من لحوق الوعيد بالمعين التأويل المعتبر والمستساغ شرعاً؛ فمن وقع في المخالفة الشرعية لتأويل معتبر منع عنه لحوق الوعيد[4].

    مثال ذلك ما حصل للصحابي البدري قدامة بن مظعون رضي الله عنه عندما تأول قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} المائدة: 93. فأحل لنفسه شرب الخمر.. على اعتبار أنه من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. وبالتالي لا جناح عليه لو شرب الخمر.. فأحل بذلك شرب الخمر، وهذا كفر.. ولكن لما كان الحامل على وقوعه في هذا الكفر التأويل والفهم الخاطئ للآية مُنع عنه لحوق الكفر به.. وأجمع الصحابة على استتابته وإلزامه الحجة أولاً فإن أصر على الاستحلال بعد ذلك قتل كفراً وردة على أنه قد غير وبدل، واستحل ما حرم الله.

    وكان من شأنه أنه ندم على ذنبه وخطأه ندماً شديداً، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه فقال له: ما أدري أيُّ ذنبك أعظم، استحلالك المحرم أولاً أم يأسك من رحمة الله ثانياً؟!

    ونحو ذلك خطأ حاطب بن أبي بلتعة البدري عندما راسل قريشاً يخبرهم بتوجه النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة.. وهذا الفعل يُعد من الموالاة التي فيها مظاهرة المشركين على المسلمين.. ولكن لما فعل حاطب ذلك متأولاً ظاناً أن ذلك لا يضره في إيمانه وإسلامه.. وكان صادقاً في تأويله وأنه لم يفعلها ردة ولا كفراً.. أقال النبي صلى الله عليه وسلم عثرته، ومنع أن يُحمل عليه حكم الكفر أو النفاق الذي أطلقه عليه عمر رضي الله عنه.. واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم - لأجل ذلك - بقتله!

    قال ابن حجر في الفتح 8/503: وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه. اهـ.

    وكذلك لما تأول الصحابي عدي بن حاتم رضي الله عنه قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} . ففتل في رجله خيطين أسود وأبيض، وهو لا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له، إلى أن بين له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل"، ولم يعنفه على تأويله الخاطئ، ولم يؤثمه، وما طلب منه أن يعيد صومه، علماً أن سحوره كان يمتد به إلى ما بعد ظهور الفجر الصادق!

    فشاهدنا مما تقدم أن نقول: أن التأويل المعتبر شرعاً المستساغ لغة كما هو مانع من موانع التكفير، فهو كذلك مانع من موانع لحوق الوعيد والإثم والحرج بالمعين.

    3) الإكراه:

    كذلك الإكراه فإنه مانع من موانع لوحق الكفر بالمعين، وهو كذلك مانع من موانع لحوق الوعيد والحرج والإثم لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمأن بالإيمان} آل عمران: 28.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه "[5].

    4) الخطأ المنافي للقصد والعمد:

    كذلك من يقع في الكفر خطأ وزلة، على غير وجه القصد أو العمد فإنه يمنع عن صاحبه الكفر ومطلق الوعيد أو الإثم، كالذي أيس من راحلته، ولما وجدها قائمة عند رأسه فقال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح". فهذا النوع من الخطأ لا يؤاخذ به المرء لأنه لم يرده، ولم يصدر عنه على وجه القصد أو العمد.

    قال تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً} الأحزاب: 5.

    إلى هنا نكون قد أثبتنا بالدليل صحة الشطر الأول من القاعدة الذي يقول: "كل ما نع من موانع التكفير مانع من موانع لحوق الوعيد بالمعين".

    وبقي أن نثبت صحة الشطر الثاني من القاعدة الذي يقول: "وليس كل مانع من موانع لحوق الوعيد بالمعين مانعاً من موانع التكفير".

    وإليك بيان ذلك بشيء من التفصيل:

    1) الحسنات:

    فالحسنات يذهبن السيئات.. وتمنع من لحوق الوعيد بالمعين، لقوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات} هود: 114. ولقوله صلى الله عليه وسلم : "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".

    وعن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي، قال وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم في َّ كتاب الله، قال: "هل حضرت الصلاة معنا "؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وسلم : "قد غُفر لك".

    وفي رواية: "أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء "؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: "ثم شهدت الصلاة معنا "؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد غفر لك حدك أو ذنبك " مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته، فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه "[6].

    وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الصلوات الخمس يُذهبن بالذنوب كما يُذهب الماء الدرن"[7].

    وقال صلى الله عليه وسلم : "الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله" مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم : "بينما كلب يُطيف بُركيَّةٍ - بئر - كاد يقتله العطش، إذا رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت فوقها - خفها - فاستقت له به، فغُفِر لها " متفق عليه.

    وغيرها كثير من النصوص والأحاديث التي تفيد أن الحسنات تكفرن السيئات، وتمنعن عن المعين لحوق وعيد السيئات به.

    ولكن هل تمنع عنه لحوق وعيد الكفر به لو وقع في الكفر البواح؟

    الجواب: أن الحسنات مهما عظمت لا يمكن أن تمنع عن صاحبها الكفر لو وقع فيه.. ويطاله وعيد الكفر وآثاره في الدنيا والآخرة ولا بد.

    فالحسنات تكفر السيئات التي هي دون الكفر والشرك.. أما الكفر والشرك لا طاقة لها به، لقوله تعالى: {إنه من يُشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} المائدة: 72. ولقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} الزمر: 65. ولقوله تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} الأنعام: 88. ولقوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً} الفرقان: 23.

    فإن قيل: بما في ذلك حسنة التوحيد؟!

    أقول: بما في ذلك حسنة التوحيد.. إلا إذا اقتضى وجود التوحيد انتفاء الشرك والكفر.. فحينئذٍ لا شك أن التوحيد ينفع صاحبه وينجيه، أما أن يُفترض اجتماع حسنة التوحيد وسيئة الشرك في قلب امرئٍ واحد.. فالتوحيد هنا لا ينفع صاحبه، ووجوده وعدمه سواء، ومن وجه آخر فإن افتراض وجودهما معاً هو ضرب من التناقض، والقول بالشيء وضده معاً!

    قال صلى الله عليه وسلم : "لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئٍ "[8].

    وقال صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى: يا ابن آدم! مهما عبدتني ورجوتني ولم تُشرك بي شيئاً غفرتُ لك على ما كان منك - أي من عمل - وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوباً استقبلتك بملئهن من المغفرة، وأغفر لك ولا أبالي "[9].

    وقال صلى الله عليه وسلم : "ثِنتان موجبتان " قال رجل: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: "من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يُشرك بالله شيئاً دخل النار " مسلم.

    ولكن الذي يمكن قوله هنا: أن الحسنات العظيمة قد تتشفع لصاحبها عند مورد الكفر المتشابه المحتمل.. وحصول العثرات والكبوات التي لا ترقى إلى درجة الكفر البواح.. وتحملنا على تحسين الظن والتأويل له، كما حصل لحاطب بن أبي بلتعة لما كاتب كفار قريش.. فإن مما تشفع له وأقال عثرته حسنة بدر العظيمة، حيث فيه وبسببه قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " البخاري.

    2) البلاء:

    كذلك البلاء فإنه يكفر السيئات، ويمنع من لحوق الوعيد بالمعين، كما في الحديث المتفق عليه: "ما يصيب المؤمنَ من وصَبٍ ولا نصَبٍ، ولا غمٍّ، ولا همٍّ، ولا حزنٍ حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّرَ من خطاياه".

    وقال صلى الله عليه وسلم : "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلُغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثمَّ صبَّره على ذلك، حتى يُبلَغه المنزلة التي سبقت من الله تعالى".

    وقال صلى الله عليه وسلم : "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه، إلا كفَّرَ اللهُ عنه من سيئاته".

    وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى يقول: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً، فحمدني وصبر على ما ابتليته به، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا". وغيرها كثير من الأحاديث الصحيحة التي تفيد أن البلاء يحط عن صاحبه السيئات، ويمنع عنه وعيدها.

    ولكن هل يحط عن صاحبه سيئة الكفر، ويمنع عنه لحوق وعيده وما يترتب عليه من آثار في الدنيا والآخرة؟

    الجواب: لا.. لأن البلاء مهما عظم وكبر لا يمكن أن يحط عن صاحبه سيئة الكفر، أو يمنع عنه وعيده وآثاره.. للأدلة الآنفة الذكر الدالة على أن الشرك يحبط جميع العمل، ويمحق جميع الحسنات.

    فالصبر على البلاء مانع من موانع لحوق الوعيد بالمعين فيما هو دون الكفر أو الشرك الكبر.

    ولكن يمكن أن نقول ما قلناه من قبل: أن المرء المبتلى في الله.. الذي يُعرف عنه جلادة وصبر على البلاء في سبيل نصرة الحق.. فمثل هذا تقال عثراته.. كما ينبغي أن يُتوسع بحقه التأويل.. وساحة الأعذار.. لو عثر أو وقع في كفر متشابه أو محتمل من وجه أو أوجه ومن أوجه أخرى لا يحتمل ذلك.

    3) الشفاعة:

    ومن موانع لحوق الوعيد بالمعين شفاعة الشافعين له يوم القيامة.. ولكن هل يمكن أن تمنع عنه وعيد الكفر والشرك.. لو كان من أهل الكفر والشرك؟

    الجواب: لا.. لأن شفاعة الشافعين لا تدرك إلا من وافته المنية على التوحيد.. أما من تدركه المنية على الكفر والشرك.. ليس له شفيع.. ولا تنفعه شفاعة الشافعين.

    كما قال تعالى عن المشركين: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر: 48. وقال تعالى: {فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم} الشعراء: 100-101.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطيت الشفاعة وهي نائلة من لا يُشرك بالله شيئاً". وقال صلى الله عليه وسلم : "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من نفسه " البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم : "فإني أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة".

    وممن يشفع يوم القيامة بإذن الله غير الأنبياء والمرسلين: الملائكة، والشهداء، وغيرهم من عباد الله الصالحين..

    خلاصة القول: أن الشفاعة تمنع لحوق الوعيد بالمعين ما دام هذا الوعيد دون الكفر والشرك.. فإن وقع في الكفر والشرك لا تنفعه شفاعة الشافعين في شيء.

    4) التوبة والاستغفار:

    فإن التوبة تجب ما قبلها.. وتمنع من لحوق الوعيد بالمعين، كما قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون شيئاً} مريم: 60. وقال تعالى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا أتوب التواب الرحيم} البقرة: 160. وقال تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} الأنفال: 33.

    فإن قيل: فإن التوبة تجب ما قبلها بما في ذلك الكفر والشرك.. وتمنع عنه لحوق وعيده؛ فمن تاب من الكفر كمن لا ذنب له؟

    أقول: التوبة تمنع عنه ثبوت الكفر ووعيده بالمعين بعد التوبة، ولا تمنع عنه لحوق الكفر ووعيده قبل التوبة.. أي أن التوبة تزيل الكفر بعد لحوقه بالمعين وليس قبل لحوقه.. لذا أدرجناه كمانع من موانع لحوق الوعيد، وليس كمانع من موانع لحوق التكفير، والله تعالى أعلم.

    5) إضافة لما تقدم توجد موانع أخرى تمنع من لحوق الوعيد بالمعين: منها دعاء المؤمنين واستغفارهم له بعد مماته.. ومنها ما يُهدى إليه - بعد مماته - من صدقة، أو حج، أو عمرة ونحو ذلك.. ومنها عذاب القبر.. وهذه كلها وردت فيها نصوص صريحة صحيحة كمانعة من موانع لحوق الوعيد بالمعين.. لكنها لا تصح كمانع من موانع لحوق التكفير ووعيده.

    كما في الحديث عن عبد الله بن عمرو، أن العاص بن وائل أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو كان مسلماً، فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه، بلغه ذلك "[10]. أما كونه قد مات على الكفر والشرك فإنه لا ينتفع بشيء من ذلك!

    خلاصة ما تقدم:

    كل هذا التفصيل المتقدم لكي نثبت صحة القاعدة الآنفة الذكر التي تقول: "كلُّ مانعٍ من موانع التكفيرِ مانعٌ من موانعِ لُحوق الوعيدِ بالمعيَّن، وليس كلُّ مانعٍ من موانعِ لحوقِ الوعيدِ بالمعيَّن مانعاً من موانعِ التكفيرِ".

    والحمد لله الذي تتم بفضله الطيبات الصالحات
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    [عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير | 11 / 3 / 1422 هـ]


    [1] هذه القاعدة لم تُذكر في كتابنا " قواعد في التكفير ".. أرجو أن نتمكن من إضافتها إليه عند الشروع في طباعة الكتاب طبعة ثانية إن شاء الله.

    [2] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع الصغير: 881.

    [3] صحيح سنن أبي داود: 823.

    [4] التأويل منه ما يُسقط عن المرء الوعيد في الدنيا والآخرة، ومنه ما يمنع عنه الكفر دون سواه من أنواع الوعيد والعقاب، ومنه ما يمنع عنه مطلق الوعيد الكفر وغيره.. كما أنه ليس كل تأويل يلزم بالضرورة أن يقيل عثرات صاحبه، أو يمنع عنه لحوق الوعيد.. وذلك بحسب نوعية التأويل وقوته، واستساغته شرعاً وعقلاً ولغةً.. فتنبه لذلك.

    [5] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 1731.

    [6] صحيح الترغيب والترهيب: 547.

    [7] أخرجه أحمد، صحيح الجامع: 1668.

    [8] السلسلة الصحيحة: 1050.

    [9] أخرجه الطبراني، صحيح الجامع: 4341.

    [10] صحيح سنن أبي داود: 2507.

    

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 5:03 pm