بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
كلما أثرنا موضوع الخروج على أنظمة الكفر والعمالة والخيانة، وضرورة تغييرها وجهادها واستبدالها بنظام إسلامي راشد يحكم بما أنزل الله .. عملاً بالنصوص الشرعية التي تلزم بذلك .. انبرى لنا نفر من الناس ـ الله أعلم بمقاصدهم ونواياهم ـ بشبهتهم القديمة الحديثة، معترضين ومنكرين، يقولون: أتريدون أن تكرروا تجارب فشل بعض الحركات الجهادية كما حصل في بعض البلدان .. انظروا ماذا حصل ويحصل في كل من سورية، ومصر، والجزائر .. من آثار ونتائج سلبية ومدمرة بسبب خروج المسلمين في تلك البلاد على أنظمتهم .. أتريدون أن تكرروا المآسي التي حصلت للمسلمين في تلك البلاد .. فدعوتكم للخروج على الأنظمة الحاكمة لا يعني إلا ذلك .. وهو لا يؤدي إلا إلى ذلك!!
وهنا لا أريد أن أسلط الضوء على الجوانب الإيجابية لما قد حققته وأفرزته الحركات الجهادية المخلصة في تلك البلاد .. فهذا له موضع آخر .. وإنما أكتفي بالرد على الشبهة المثارة أعلاه، والتي تُعتبر أقوى أدلة واعتراضات المخالفين لمبدأ الخروج على أنظمة الكفر والإجرام، والعمالة ..!
فأقول: قبل أن أستعرض الأسباب الحقيقية لفشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير، أشير أولاً إلى أن هذا الاعتراض من المخالفين هو في حقيقته اعتراض على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، واعتراض على الحكم الشرعي الذي أوجب على الأمة الخروج على أئمة الكفر والردة والطغيان .. وعدم الرضى بهم وبأنظمتهم الكافرة العميلة المحاربة لله ولرسوله، والمؤمنين .. وهو في حقيقته كذلك اتهام لحكم الله تعالى بأن العمل به يؤدي إلى الفتنة، والهلكة، والشقاء .. فلينتبهوا لذلك .. وليعدوا الإجابة عن ذلك يوم أن يقفوا بين يدي العزيز الجبار .. ويسألهم عن موقفهم واعتراضهم هذا .. وأنَّى!
أما عن الأسباب التي أدت إلى فشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير فكلها مردها إلى أنفسنا الخطاءة .. والأمارة بالسوء .. والله سبحانه ورسوله مبرآن منها .. قال تعالى:? { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . أي بسبب من أنفسكم .. وتقصيركم .. وعدم التزام رماتكم بجميع ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد .. فأصابكم هذا الذي تسألون عنه ..!
هذه آية نزلت في الصحابة الأطهار .. وقيلت لهم .. وهم خير أجيال الأمة .. وإلى يوم القيامة .. فالنواميس التي فطر الله تعالى الخلقَ عليها لا تُحابي أحداً!
وألخص أهم الأسباب التي أدت إلى فشل بعض الحركات الجهادية المعاصرة في عملية التغيير، في النقاط التالية:
1- عدم استيفاء الحد المقبول من الإعداد اللازم للخروج على هذه الأنظمة الكافرة .. فيحصل الاستعجال في المواجهة .. وقطف الثمار قبل أوانها .. مما يؤدي إلى الوقوع في المحظور .. وفي أمور لا تُحمد عُقباها .. ومن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .. فالنصر والتمكين له أسبابه المؤدية إليه فمن تنكبها .. تنكبه النصر وضل عنه!
قال تعالى: { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } . فمن علامات صدق الخروج الإعداد .. فمن أراد الخروج ثم هو لم يعد للخروج عدته فهو غير صادق في زعمه ودعواه في الخروج للجهاد ..!
فالإعداد هو الذي يميز الصادق في الخروج للجهاد من سواه ..!
2- اعتماد العشوائية وأسلوب الترجل .. بعيداً عن التنظيم والتخطيط الدقيق الذي يُعطي لكل مرحلة من مراحل الصراع حقها .. من غير إقدامٍ مفرط ولا إحجامٍ مخل .. وهذا قد حصل منه الشيء الكثير!
3- توسيع دائرة المواجهات والمعركة أكثر من إمكانيات وقدرات المجاهدين .. وفي كثير من الأحيان يتعمد النظام الكافر ـ بحكم الوسائل الضخمة المتاحة لديه ـ فعل ذلك .. لجر المجاهدين إلى خارج ساحتهم أو الدائرة القادرين على توجيه المعركة فيها .. وإلى ما هو أكبر من قدراتهم وإمكانياتهم .. ليقع عليهم المحظور!
فالمرء الذي يقدر على توجيه وقيادة معركة واحدة في اليوم .. لا شك أنه سيفشل ـ هو ومن معه ـ لو طُلب منه أو جُر إلى معارك إضافية خارجة عن حدود إمكانياته وقدراته .. وهذا قد حصل!
والأخ الذي يقدر أن يقود عشرة لا شك أنه سيفشل عندما توكل إليه مهمة قيادة مائة من المجاهدين .. وقد حصل شيء من هذا!
4- الاهتمام بالكم دون النوع .. والانشغال بالصعاليك وبمن لا زبْرَ له .. وأحياناً بمن لا يجوز قتله وقتاله .. عن أئمة الكفر وطواغيتهم .. وبمن بيده القرار وزمام الأمور .. وهذا قد حصل منه الشيء الكثير!
هذا الأسلوب إضافة إلى أنه لا يغير من واقع الطواغيت وأنظمتهم شيئاً .. ويُطيل من أمد
المعركة والصراع .. فإنه يستهلك طاقات وقدرات المجاهدين المحدودة .. في معارك جانبية لا طائل من ورائها يُذكر!
أكثر من مرة قلنا لإخواننا الأفعى تُقتل من رأسها فإذا ضُرب الرأس هدأ الجسد وانهدت أركانه .. وبخاصة أن أكثر الأنظمة الكافرة المتسلطة على الأمة يحكمها أفراد وليس شعوب .. لكن يأبى الإخوان إلا أن يتقاتلوا مع الذيل والذنب .. ومن لا زَبْرَ له يَزْبُره!
فإن قيل وقد قيل: الوصول إلى الرأس صعب ..!
أقول: لا أحد يُطالبك بالاستعجال .. ثم هذا الأمر لا يُطقنه إلا الرجل المكِّيث .. فإن لم تكن من أهل المكث والصبر فلا تستشرفنّه .. وبخاصة في مراحله الأولى!
5- الانقسام الضخم لقيادات العمل الإسلامي حول مشروعية الخروج على هذه الأنظمة الكافرة العميلة .. والدخول في جدال عقيم ممتد منذ أكثر من خمسين سنة ولا يزال .. حول كفرهم وشرعية الخروج عليهم .. وهل كفرهم كفر أكبر أم كفر دون كفر .. وهذا مما لا شك أنه يمد الطواغيت بأسباب القوة والبقاء والحياة .. ويؤثر سلباً على وحدة الصف والكلمة .. وعلى قوة المجاهدين .. ونتائج جهادهم!
6- وقوف كثير من الحركات والجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة موقف المتفرج المراقب لنتائج الصراع .. ليضمنوا السلامة لأنفسهم وأفرادهم .. وليقدروا على تحديد موقفهم في النهاية ـ وبأقل حرج ممكن ـ مع المنتصر .. ولو كان المنتصر هو الطاغوت وحزبه .. وهذا قد حصل!
حتى أننا نعلم من المشايخ والقيادات في بعض الدول التي جرى فيها صراع وقتال بين المجاهدين والنظام الكافر الحاكم .. أنهم تقدموا للطاغوت بطلب للحصول على بطاقات خاصة بهم وبأفرادهم تميزهم عن المجاهدين .. وتعرفهم لجند الطاغوت .. لكي يسلموا من تبعات المداهمات .. والمساءلة في دوائر الطاغوت!!
7- وقوف كثير من المرجعيات والشخصيات الدينية المعتبرة عند كثير من عامة الناس .. في صف الطاغوت وحزبه على المجاهدين الموحدين وكل من يفكر بالخروج عليه وعلى نظامه .. وهذا مما لا شك أنه يؤثر على نتائج الصراع ونتائج الخروج على الطاغوت!
كثير من المشايخ يتكلم ـ وهو متكئ على أريكته ـ بصيغة النقد والتهكم والتجريح لما آلت إليه بعض نتائج العمل الجهادي في بعض الأقطار .. وفاته أنه هو ـ بقعوده وخذلانه وتثبيطه للآخرين ـ سبب رئيسي في حصول تلك النتائج السلبية!!
8- الانحراف الذي طرأ ويطرأ على كثير من الحركات التي سارت في طريق الجهاد والخروج على أنظمة الكفر .. فهي تبدأ كحركات جهادية تُجاهد في سبيل الله .. ثم تنتهي كحركات تطالب بالديمقراطية .. وبنظام علماني .. الحكم فيه للشعب .. والولاء فيه للوطن!!
كما حصل للتجربة السورية لما انتهت بدخول الإخوان المسلمين وكثير من الفصائل الإسلامية .. بتحالف وطني مع أحزاب الكفر والزندقة والردة والإلحاد، وقد سموه " التحالف الوطني لتحرير سورية " .. اتفقوا فيه على تنحية الإسلام عن الحكم .. واستبداله بنظام ديمقراطي علماني يكفل الحرية للجميع .. ويكون الحكم فيه لمن تختارهم أكثرية الشعب ..!!
وكذلك التجربة الجزائرية .. حيث سار القطاع الأعظم من عناصرها ـ ومنذ مراحلها الأولى ـ في طريق الديمقراطية وخيار التعايش مع الطاغوت ونظامه .. والطاغوت إلى الساعة لم يرض بهم ولا عليهم!!
هذا الانحراف في المنهج والتصور والاعتقاد لا شك أنه يؤثر سلباً على نتائج الصراع .. بل ويرفع بركة النصر عن المسلمين، كما قال تعالى:? { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ?} . وهذا العقاب ليس محصوراً في النصارى وحسب بل هو يتعداهم إلى كل من ينسى حظاً من حظوظ الدين والتوحيد .. وما أكثر الحظوظ التي نسيتها تلك الحركات .. ثم هم بعد ذلك يتساءلون عن النصر .. وعن أسباب تأخر النصر!!
وقال تعالى:? { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ?}. مفهوم الآية أي إن لم تنصروا الله .. وتدخلوا في توحيده وعبادته .. وتخلصوا له الدين والولاء ويكون عز وجل هو الغاية من جهادكم .. لا ينصركم الله ولا يُثبت أقدامكم.
9- تجاهل دور الشعوب في عملية التغيير .. والاستخفاف بهم .. والاقتصار على جهود القلة من النخبة المجاهدين .. الذين قد لا يتعدون المئات إن لم يكن العشرات .. وهذا لا شك أنه خطأ كبير ..!
في الوقت الذي يخرج فيه العشرات من الشباب المجاهد على نظام من أنظمة الكفر .. تجد الملايين من الناس يمدون ذلك النظام بالقوة والحياة وكل أصناف السند العون والتأييد .. وكأن الذي يجري على الساحة لا يعنيهم .. وهو لا يعني سوى حفنة من الشباب!!
لذا لا بد من تلاحم المجاهدين مع الشعوب المسلمة .. لتكون قضية الخروج على هذه الأنظمة الكافرة الخائنة .. قضية الجميع، ومهمة الجميع، ومسؤولية الجميع .. فهذا الدين أمانة في أعناق الجميع .. وكل منا على ثغر من الثغور .. ومسؤول عن ثغره!
لا بد لهذه الشعوب من أن تقطع حبل المدد والعون والقوة والحياة الذي تمد به الطواغيت وأنظمتهم .. وهذا هو معنى مفاصلة الطواغيت واعتزالهم واجتنابهم والبراء منهم الذي أمرت به عشرات النصوص الشرعية ..!
كما لا بد للطليعة المجاهدة من العمل الدؤوب للارتقاء بالشعوب المسلمة إلى هذا المستوى من الوعي والفهم والالتزام .. وإلا سنظل نُمنى بمزيد من الخسائر والهزائم!
هذه هي أهم وأبرز أسباب فشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير .. فما من حركة أو تجربة فشلت في عملية التغيير والخروج على أئمة الكفر والطغيان إلا لسببٍ من هذه الأسباب الآنفة الذكر أو بعضها، أو جلها .. وهي كلها كما رأيت من عند أنفسنا .. وبسبب من أنفسنا .. وليس بسبب العمل بالأحكام الشرعية التي تقضي بالخروج على أنظمة الكفر والخيانة!
التقوى والعدل والعقل كل ذلك يقضي بأن نتهم أنفسنا عند حصول أي هزيمة أو تأخير للنصر .. وأن نصحح المسار والخطأ .. ونقلع عن الأسباب التي كانت سبباً في حصول الهزيمة أو الخسائر .. لا أن نتهم الخالق سبحانه وتعالى .. أو أن نتهم شرعه وحكمه .. ونرميه بما لا ينبغي ولا يجوز من القول، ونحن نعلم أو لا نعلم!
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
والحمد لله رب العالمين
[أبو بصير ؛ عبد المنعم مصطفى حليمة - 14/4/1423]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
كلما أثرنا موضوع الخروج على أنظمة الكفر والعمالة والخيانة، وضرورة تغييرها وجهادها واستبدالها بنظام إسلامي راشد يحكم بما أنزل الله .. عملاً بالنصوص الشرعية التي تلزم بذلك .. انبرى لنا نفر من الناس ـ الله أعلم بمقاصدهم ونواياهم ـ بشبهتهم القديمة الحديثة، معترضين ومنكرين، يقولون: أتريدون أن تكرروا تجارب فشل بعض الحركات الجهادية كما حصل في بعض البلدان .. انظروا ماذا حصل ويحصل في كل من سورية، ومصر، والجزائر .. من آثار ونتائج سلبية ومدمرة بسبب خروج المسلمين في تلك البلاد على أنظمتهم .. أتريدون أن تكرروا المآسي التي حصلت للمسلمين في تلك البلاد .. فدعوتكم للخروج على الأنظمة الحاكمة لا يعني إلا ذلك .. وهو لا يؤدي إلا إلى ذلك!!
وهنا لا أريد أن أسلط الضوء على الجوانب الإيجابية لما قد حققته وأفرزته الحركات الجهادية المخلصة في تلك البلاد .. فهذا له موضع آخر .. وإنما أكتفي بالرد على الشبهة المثارة أعلاه، والتي تُعتبر أقوى أدلة واعتراضات المخالفين لمبدأ الخروج على أنظمة الكفر والإجرام، والعمالة ..!
فأقول: قبل أن أستعرض الأسباب الحقيقية لفشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير، أشير أولاً إلى أن هذا الاعتراض من المخالفين هو في حقيقته اعتراض على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، واعتراض على الحكم الشرعي الذي أوجب على الأمة الخروج على أئمة الكفر والردة والطغيان .. وعدم الرضى بهم وبأنظمتهم الكافرة العميلة المحاربة لله ولرسوله، والمؤمنين .. وهو في حقيقته كذلك اتهام لحكم الله تعالى بأن العمل به يؤدي إلى الفتنة، والهلكة، والشقاء .. فلينتبهوا لذلك .. وليعدوا الإجابة عن ذلك يوم أن يقفوا بين يدي العزيز الجبار .. ويسألهم عن موقفهم واعتراضهم هذا .. وأنَّى!
أما عن الأسباب التي أدت إلى فشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير فكلها مردها إلى أنفسنا الخطاءة .. والأمارة بالسوء .. والله سبحانه ورسوله مبرآن منها .. قال تعالى:? { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . أي بسبب من أنفسكم .. وتقصيركم .. وعدم التزام رماتكم بجميع ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد .. فأصابكم هذا الذي تسألون عنه ..!
هذه آية نزلت في الصحابة الأطهار .. وقيلت لهم .. وهم خير أجيال الأمة .. وإلى يوم القيامة .. فالنواميس التي فطر الله تعالى الخلقَ عليها لا تُحابي أحداً!
وألخص أهم الأسباب التي أدت إلى فشل بعض الحركات الجهادية المعاصرة في عملية التغيير، في النقاط التالية:
1- عدم استيفاء الحد المقبول من الإعداد اللازم للخروج على هذه الأنظمة الكافرة .. فيحصل الاستعجال في المواجهة .. وقطف الثمار قبل أوانها .. مما يؤدي إلى الوقوع في المحظور .. وفي أمور لا تُحمد عُقباها .. ومن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .. فالنصر والتمكين له أسبابه المؤدية إليه فمن تنكبها .. تنكبه النصر وضل عنه!
قال تعالى: { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } . فمن علامات صدق الخروج الإعداد .. فمن أراد الخروج ثم هو لم يعد للخروج عدته فهو غير صادق في زعمه ودعواه في الخروج للجهاد ..!
فالإعداد هو الذي يميز الصادق في الخروج للجهاد من سواه ..!
2- اعتماد العشوائية وأسلوب الترجل .. بعيداً عن التنظيم والتخطيط الدقيق الذي يُعطي لكل مرحلة من مراحل الصراع حقها .. من غير إقدامٍ مفرط ولا إحجامٍ مخل .. وهذا قد حصل منه الشيء الكثير!
3- توسيع دائرة المواجهات والمعركة أكثر من إمكانيات وقدرات المجاهدين .. وفي كثير من الأحيان يتعمد النظام الكافر ـ بحكم الوسائل الضخمة المتاحة لديه ـ فعل ذلك .. لجر المجاهدين إلى خارج ساحتهم أو الدائرة القادرين على توجيه المعركة فيها .. وإلى ما هو أكبر من قدراتهم وإمكانياتهم .. ليقع عليهم المحظور!
فالمرء الذي يقدر على توجيه وقيادة معركة واحدة في اليوم .. لا شك أنه سيفشل ـ هو ومن معه ـ لو طُلب منه أو جُر إلى معارك إضافية خارجة عن حدود إمكانياته وقدراته .. وهذا قد حصل!
والأخ الذي يقدر أن يقود عشرة لا شك أنه سيفشل عندما توكل إليه مهمة قيادة مائة من المجاهدين .. وقد حصل شيء من هذا!
4- الاهتمام بالكم دون النوع .. والانشغال بالصعاليك وبمن لا زبْرَ له .. وأحياناً بمن لا يجوز قتله وقتاله .. عن أئمة الكفر وطواغيتهم .. وبمن بيده القرار وزمام الأمور .. وهذا قد حصل منه الشيء الكثير!
هذا الأسلوب إضافة إلى أنه لا يغير من واقع الطواغيت وأنظمتهم شيئاً .. ويُطيل من أمد
المعركة والصراع .. فإنه يستهلك طاقات وقدرات المجاهدين المحدودة .. في معارك جانبية لا طائل من ورائها يُذكر!
أكثر من مرة قلنا لإخواننا الأفعى تُقتل من رأسها فإذا ضُرب الرأس هدأ الجسد وانهدت أركانه .. وبخاصة أن أكثر الأنظمة الكافرة المتسلطة على الأمة يحكمها أفراد وليس شعوب .. لكن يأبى الإخوان إلا أن يتقاتلوا مع الذيل والذنب .. ومن لا زَبْرَ له يَزْبُره!
فإن قيل وقد قيل: الوصول إلى الرأس صعب ..!
أقول: لا أحد يُطالبك بالاستعجال .. ثم هذا الأمر لا يُطقنه إلا الرجل المكِّيث .. فإن لم تكن من أهل المكث والصبر فلا تستشرفنّه .. وبخاصة في مراحله الأولى!
5- الانقسام الضخم لقيادات العمل الإسلامي حول مشروعية الخروج على هذه الأنظمة الكافرة العميلة .. والدخول في جدال عقيم ممتد منذ أكثر من خمسين سنة ولا يزال .. حول كفرهم وشرعية الخروج عليهم .. وهل كفرهم كفر أكبر أم كفر دون كفر .. وهذا مما لا شك أنه يمد الطواغيت بأسباب القوة والبقاء والحياة .. ويؤثر سلباً على وحدة الصف والكلمة .. وعلى قوة المجاهدين .. ونتائج جهادهم!
6- وقوف كثير من الحركات والجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة موقف المتفرج المراقب لنتائج الصراع .. ليضمنوا السلامة لأنفسهم وأفرادهم .. وليقدروا على تحديد موقفهم في النهاية ـ وبأقل حرج ممكن ـ مع المنتصر .. ولو كان المنتصر هو الطاغوت وحزبه .. وهذا قد حصل!
حتى أننا نعلم من المشايخ والقيادات في بعض الدول التي جرى فيها صراع وقتال بين المجاهدين والنظام الكافر الحاكم .. أنهم تقدموا للطاغوت بطلب للحصول على بطاقات خاصة بهم وبأفرادهم تميزهم عن المجاهدين .. وتعرفهم لجند الطاغوت .. لكي يسلموا من تبعات المداهمات .. والمساءلة في دوائر الطاغوت!!
7- وقوف كثير من المرجعيات والشخصيات الدينية المعتبرة عند كثير من عامة الناس .. في صف الطاغوت وحزبه على المجاهدين الموحدين وكل من يفكر بالخروج عليه وعلى نظامه .. وهذا مما لا شك أنه يؤثر على نتائج الصراع ونتائج الخروج على الطاغوت!
كثير من المشايخ يتكلم ـ وهو متكئ على أريكته ـ بصيغة النقد والتهكم والتجريح لما آلت إليه بعض نتائج العمل الجهادي في بعض الأقطار .. وفاته أنه هو ـ بقعوده وخذلانه وتثبيطه للآخرين ـ سبب رئيسي في حصول تلك النتائج السلبية!!
8- الانحراف الذي طرأ ويطرأ على كثير من الحركات التي سارت في طريق الجهاد والخروج على أنظمة الكفر .. فهي تبدأ كحركات جهادية تُجاهد في سبيل الله .. ثم تنتهي كحركات تطالب بالديمقراطية .. وبنظام علماني .. الحكم فيه للشعب .. والولاء فيه للوطن!!
كما حصل للتجربة السورية لما انتهت بدخول الإخوان المسلمين وكثير من الفصائل الإسلامية .. بتحالف وطني مع أحزاب الكفر والزندقة والردة والإلحاد، وقد سموه " التحالف الوطني لتحرير سورية " .. اتفقوا فيه على تنحية الإسلام عن الحكم .. واستبداله بنظام ديمقراطي علماني يكفل الحرية للجميع .. ويكون الحكم فيه لمن تختارهم أكثرية الشعب ..!!
وكذلك التجربة الجزائرية .. حيث سار القطاع الأعظم من عناصرها ـ ومنذ مراحلها الأولى ـ في طريق الديمقراطية وخيار التعايش مع الطاغوت ونظامه .. والطاغوت إلى الساعة لم يرض بهم ولا عليهم!!
هذا الانحراف في المنهج والتصور والاعتقاد لا شك أنه يؤثر سلباً على نتائج الصراع .. بل ويرفع بركة النصر عن المسلمين، كما قال تعالى:? { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ?} . وهذا العقاب ليس محصوراً في النصارى وحسب بل هو يتعداهم إلى كل من ينسى حظاً من حظوظ الدين والتوحيد .. وما أكثر الحظوظ التي نسيتها تلك الحركات .. ثم هم بعد ذلك يتساءلون عن النصر .. وعن أسباب تأخر النصر!!
وقال تعالى:? { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ?}. مفهوم الآية أي إن لم تنصروا الله .. وتدخلوا في توحيده وعبادته .. وتخلصوا له الدين والولاء ويكون عز وجل هو الغاية من جهادكم .. لا ينصركم الله ولا يُثبت أقدامكم.
9- تجاهل دور الشعوب في عملية التغيير .. والاستخفاف بهم .. والاقتصار على جهود القلة من النخبة المجاهدين .. الذين قد لا يتعدون المئات إن لم يكن العشرات .. وهذا لا شك أنه خطأ كبير ..!
في الوقت الذي يخرج فيه العشرات من الشباب المجاهد على نظام من أنظمة الكفر .. تجد الملايين من الناس يمدون ذلك النظام بالقوة والحياة وكل أصناف السند العون والتأييد .. وكأن الذي يجري على الساحة لا يعنيهم .. وهو لا يعني سوى حفنة من الشباب!!
لذا لا بد من تلاحم المجاهدين مع الشعوب المسلمة .. لتكون قضية الخروج على هذه الأنظمة الكافرة الخائنة .. قضية الجميع، ومهمة الجميع، ومسؤولية الجميع .. فهذا الدين أمانة في أعناق الجميع .. وكل منا على ثغر من الثغور .. ومسؤول عن ثغره!
لا بد لهذه الشعوب من أن تقطع حبل المدد والعون والقوة والحياة الذي تمد به الطواغيت وأنظمتهم .. وهذا هو معنى مفاصلة الطواغيت واعتزالهم واجتنابهم والبراء منهم الذي أمرت به عشرات النصوص الشرعية ..!
كما لا بد للطليعة المجاهدة من العمل الدؤوب للارتقاء بالشعوب المسلمة إلى هذا المستوى من الوعي والفهم والالتزام .. وإلا سنظل نُمنى بمزيد من الخسائر والهزائم!
هذه هي أهم وأبرز أسباب فشل بعض الحركات الجهادية في عملية التغيير .. فما من حركة أو تجربة فشلت في عملية التغيير والخروج على أئمة الكفر والطغيان إلا لسببٍ من هذه الأسباب الآنفة الذكر أو بعضها، أو جلها .. وهي كلها كما رأيت من عند أنفسنا .. وبسبب من أنفسنا .. وليس بسبب العمل بالأحكام الشرعية التي تقضي بالخروج على أنظمة الكفر والخيانة!
التقوى والعدل والعقل كل ذلك يقضي بأن نتهم أنفسنا عند حصول أي هزيمة أو تأخير للنصر .. وأن نصحح المسار والخطأ .. ونقلع عن الأسباب التي كانت سبباً في حصول الهزيمة أو الخسائر .. لا أن نتهم الخالق سبحانه وتعالى .. أو أن نتهم شرعه وحكمه .. ونرميه بما لا ينبغي ولا يجوز من القول، ونحن نعلم أو لا نعلم!
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
والحمد لله رب العالمين
[أبو بصير ؛ عبد المنعم مصطفى حليمة - 14/4/1423]