وقفات مع الشيخ سفر؛ في بيانه للأمة عن الأحداث وخطابه المفتوح إلى الرئيس بوش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد؛
فقد اطلعت على بيان الشيخ سفر الحوالي - حفظه الله - عن الأحداث، وعلى خطابه المفتوح للرئيس الأمريكي جورج بوش.. فوجدت فيهما من الهفوات والكبوات ما حملني على تسجيل هذه الملاحظات نصحاً للأمة بعامة، وللشيخ الذي أحببناه بخاصة!
وقبل أن أبدأ بتسجيل هذه الملاحظات لا بد من التذكير بأمور:
منها: أن من مسلمات عقيدتنا أن كل أحدٍ - مهما علا كعبه وعلمه وفضله - يُخطئ ويُصيب، يؤخذ منه ويُرد عليه عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. والشيخ لا يخرج عن هذه القاعدة!
ومنها: أن تدوين هذه الملاحظات التي أخذناها على الشيخ لا يعني بحال هضم حق الشيخ علينا.. أو الانتقاص من قدره كواحد من أبرز علماء الأمة المعاصرين.. فحقه محفوظ.. ومكانته محفوظة.. وردنا عليه لا يعني الانتقاص من ذلك شيئاً.
ومنها: أن أكثر ما ورد في مقال الشيخ هو حق وصواب.. فجزاه الله عنا خير الجزاء.. وهذا يعني أن الذي نعتقده بأن الشيخ قد حايد فيه الحق والصواب مما ورد في بيانه ومقاله الآنف الذكر يكون هو الأقل.. ونحن نرد ونعقب على هذا الأقل!
ومنها: الذي حملنا على تدوين هذا التعقيب - بعد تردد طويل - هو دافع واجب النصح الذي يجب أن يكون بين المسلمين.. والدين النصيحة.
فإن قيل: لماذا لم تُسارر الشيخ بهذه التعقيبات قبل نشرها.. لعله يتراجع؟!
أقول: لولا أن بيان الشيخ قد ذهب في كل اتجاه.. وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة.. واطلع عليه العامة قبل الخاصة.. وكثر سؤال واعتراضات الإخوان عليه.. لكان هذا الطلب وجيهاً.. أما أنه حصل ما تقدمت الإشارة إليه.. فإن البيان والرد حينئذٍ لا بد أن يكون على الملأ إبراءً للذمة، ونصحاً لمجموع الأمة.. والله تعالى المستعان!
وطريقتنا في تسجيل الملاحظات والتعقيبات تكون بعد أن نتناول كلام الشيخ فقرة فقرة.. ثم يأتي التعقيب بعدها، وعلى طريقة قال وقلت.
قال الشيخ: (فهذه كلمات دعاني إلى إخراجها إبراء الذمة، وإلحاح الأمة، وجسامة الأحداث..) اهـ.
أقول: قد جاء بيانك يا شيخ - على أهميته - متأخراً عن وقت الحاجة.. وبعد أكثر من شهر من حصول الأحداث.. وتأخير البيان عن وقت الحاجة كما هو معلوم لا يجوز!
فقد تكلم فلان وفلان وفلان.. حتى لم يبق أحد إلا وتكلم وأدلى بدلوه إلا أنت.. حتى ظننا أنك منعت من الكلام أو البيان.. علماً أنك أولى الناس بالكلام والبيان.. وبخاصة في الساعات الأولى من الأحداث.. الأكثر اضطراباً ومروجاً.. وفتنة!!
ومن قبيل رد الفضل لأهله فإن أول من تكلم في هذه النازلة الخطيرة الشيخ البصير حمود بن عقلاء الشعيبي جزاه الله خيراً.. فجرّأ الآخرين على الحديث والبيان.. فتكلم بعده المتكلمون.. نسأل الله تعالى أن يكتب له أجر كل من تكلم بحق في هذه النازلة!
قال: (أما أنا فأقول إن لم يدمرها الله كلَّها - أي لأمريكا - فلحكمة عظيمة يعلمها، وهي أنه سيخرج منها من يعبده ولا يشرك به شيئاً، وما ذلك على الله بعزيز) اهـ.
قلت: قوله " وهي أنه سيُخرج منها.. " هو حكم يفيد تأكيد أن الله سيُخرج منها.. وهو من التألي على الله بغير علم!!
فما أدراك يا شيخ أن الله سيخرج منها من يعبده.. هل اطلعت على ما في نفس الله نحو أمريكا وشعب أمريكا.. حتى تجزم بأنه تعالى سيخرج من أمريكا من يعبده؟!
قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} المائدة: 116. هذا قول نبي الله عيسى عليه السلام لربه تعالى..
ولو قال الشيخ: أرجو أن يُخرج منها من يعبده.. أو لعل الله يخرج من أصلابهم.. بصيغة السؤال والدعاء أو الرجاء.. لكان الكلام صواباً.
قال: (وحضارتها - أي حضارة أمة الإسلام - هي حضارة العدل والرحمة والتسامح.. أما الحضارة الند " الغربية " فلم ترق إلى شيء من هذه القيم - أي قيم العدل والرحمة والتسامح التي عُرف بها الإسلام - إلا بعد قرون من الصراع..) اهـ.
قلت: هذا توصيف غير دقيق لما وصلت إليه الحضارة الغربية من قيم.. لا أظن أن الحضارة التي تحاصر الشعوب فتمنع عنهم الطعام والدواء.. والتي تؤدي إلى قتل مئات من الآلاف من أطفال المسلمين كما في العراق وغيرها.. هي حضارة راقية عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة التي عُرف بها الإسلام؟!
لا أظن أن الحضارة التي تعاقب شعباً بكامله وتدمر بلداً بكامله.. بجريرة شخص أو أشخاص كما يزعمون.. هي حضارة عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة شيء؟!
لا أظن هذه الحضارة التي يصفها الشيخ ذاته في مطلع بيانه بأنها " أمة طاغية جمعت بين جبروت عاد، وعدوان ثمود، واستكبار فرعون، وخبائث قوم لوط، وتطفيف أهل مدين، وضمت إلى ذلك مكر اليهود، وحرصهم على الحياة، وتلاعبهم بالألفاظ، وتزكيتهم لأنفسهم على كل أحد سواهم..) اهـ. لا أظن أمة تتصف بهذه الأوصاف.. يجوز أن يُقال عنها بأنها عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة.. التي هي عند الإسلام؟!
قال: (وما أعداؤها الكتابيون أو المشركون، وحكامها الجائرون، ومنافقوها الماكرون إلا بعض ذنوبها.. فإن تابت الشعوب.. رفع الله جور الحكام عنها..) اهـ.
قلت: توصيف حكام الأمة على الإطلاق بأنهم " جائرون " وحسب، وأن الموقف منهم ينتهي عند حدود توبة الشعوب وحسب، من دون جهاد هؤلاء الطواغيت.. هو توصيف غير دقيق.. ولا يدل على واقع وحال هؤلاء الطواغيت من الكفر والردة، والتبديل.. وما يجب على الأمة نحوهم!
لا أظن أننا بحاجة إلى تذكير الشيخ بواقع هؤلاء الطواغيت الذي يدل على أنهم قد غيروا وبدلوا.. وناصبوا الإسلام والمسلمين العداء.. قبل وأكثر من الأعداء الأصليين للأمة!
حبذا الشيخ أن يذكر لنا ناقضة من نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم.. ثم يُثبت لنا أن هؤلاء الطواغيت - الذي يكتفي بوصفهم بالجور - لم يُمارسوها.. ولم يقعوا فيها وقوعاً جلياً وظاهراً.. إلا إذا أراد أن يتلمس لهم أعذار وشبهات أهل الإرجاء والتجهم.. ولا نظن الشيخ يفعل ذلك!!
قال: (فلو أن المجاهدين التزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام - ومن ذلك التشاور مع من يهمه الأمر، وترك الافتئات على سائر الأمة - لتحقق لهم من النكاية في العدو، وقوة الشوكة ما ينفع ولا يضر، ولما كان لأحد أن يعترض عليهم إلا منافق معلوم النفاق) اهـ
قلت: قول الشيخ: (فلو أن المجاهدين..)؛ يفيد الاستغراق والعموم؛ أي عموم المجاهدين بدون استثناء.. وفي كل مكان.. فهم لا يلتزمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام.. ولا يُشاورون من يهمه الأمر.. وهم يُمارسون الافتئات على سائر الأمة!
وهذا تعميم لا أظن أن الشيخ قد تحر فيه الدقة والإنصاف.. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم الناس جرماً إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها). لاحتمال وجود الصالحين فيها الذين لا يستحقون هذا الهجاء!
قلت: هذا فيمن يهجو قبيلة.. فكيف بمن يهجو مطلق المجاهدين في العالم الإسلامي.. لا شك أن هجاءه وطعنه قد طال الأبرياء منهم.. وهو من الافتئات والتجني، والظلم!!
ولو قال الشيخ: (إن من المجاهدين كذا وكذا..) بصيغة التبعيض لا العموم لكان كلامه مقبولاً ومحتملاً.. وأقرب إلى الصواب.. والله تعالى أعلم.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة). وأولى الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يعنيها الحديث.. وينفي عنهم الاجتماع على ضلالة هم المجاهدون الذين تكفل الله تعالى بهدايتهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت: 69.
ثم مثل هذا التعميم في الطعن بالمجاهدين.. في هذه المرحلة العصيبة بالتحديد.. التي يحتاج فيها المجاهدون إلى كل دعم وتأييد ودعاء.. من المستفيد منه؟!!
والسؤال الأخير للشيخ: كيف عرف أن المجاهدين لا يستشيرون من يهمه أمر الجهاد والمجاهدين.. وهو بعيد عنهم آلاف الأميال؟!!
أم أن الشيخ يرى من الحكمة والسلامة أن يستشيره المجاهدون عبر الهاتف أو غير ذلك من وسائل الاتصال.. وهو يعلم أن أنفاسه وجميع تحركاته - هو وغيره من أهل العلم - تُحسب عليه، وهي تحت مراقبة أعين الظالمين العملاء على مدار الساعة والدقائق؟!!
قال: (إن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة أو المعاونة - ولو كانت بالكلام المجرد - هي كفر بواح، ونفاق صراح، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم.. إننا إذ نذكر بهذا الأمر العظيم لنناشد إخواننا المجاهدين القدماء لا سيما الشيخ عبد رب الرسول سياف، والشيخ برهان الدين رباني أن ينأوا بأنفسهم عن هذا..) اهـ.
أقول: كيف يقرر الشيخ أن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة - هي كفر بواح، ونفاق صراح.. ثم يُخاطب الذين دخلوا دخولاً كلياً في نصرة الكفار على المسلمين.. وكعملاء وأذناب.. بأنهم إخوانه.. وهو يعلم أن الأخوة الإيمانية لا يجوز أن تنعقد لكافر؟!!
قال: (كما نناشد حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان أن تبادر بمبادرة صلح بينها وبين تحالف المعارضة بإصدار عفو عام، وتلبية بعض المطالب، وفتح باب الحوار والتفاهم، وإعطاء القادة المسلمين منهم فرصة لمناصب في الحكومة..) اهـ.
قلت: لو قال هذا الكلام غير الشيخ.. أما أن الشيخ العالم بسياسات القوم.. وخفايا أمورهم.. وبحجم المؤامرات الضخمة التي تُحاك ضد التجربة الإسلامية الممثلة في حركة الطالبان.. ثم هو يقول مثل هذا الكلام.. فإنه لا يُقبل منه؟!
فكلام الشيخ مردود عليه من أوجه عدة، منها: أن القوم قد عرضت عليهم الإمارة الإسلامية ما هو أقل من ذلك.. أن يوقفوا القتال لفترة محددة.. طالبتهم بهدنة محددة.. طالبتهم بأن لا يعينوا أعداء الأمة على مسلمي أفغانستان.. لكن القوم يأبون إلا القتال جنباً إلى جنب مع الأمريكان وحلفائها من النصارى والمرتدين.. ضد المشروع الإسلامي في أفغانستان؟!!
المطلوب.. ليس استئصال الطالبان.. وقيادات طالبان.. وإنما الإسلام الذي تحكم به الطالبان وتعمل على نصرته.. واستبداله بنظام عميل علماني موالٍ لأمريكا ودول الغرب.. ولن يرضوا بأقل من ذلك!
فإذا عرفت ذلك يا شيخ - وأنت تعرفه! - كيف يستسيغ لك أن تطالب الإمارة الإسلامية - بعد كل الذي حصل ويحصل - بأن تفتح صدورها وأبواب حكمها.. لتمكن لهؤلاء العملاء الخونة المرتدين من حكم البلاد والعباد؟!!
أبمثل هذه البطانة الفاسدة - التي تطالب بتمكينها - ترجو أن يُنصر الدين.. وتعلو راياته؟!!
قال: (ثم نتوجه بالمناشدة إلى الكتاب والمذيعين والخطباء - في هذه البلاد وكل البلاد - أن يتقوا الله فيما يقولون..) اهـ.
أقول: معذرة للشيخ لو قلنا له أحياناً أنه يحلم.. فهو يخاطب الناس وكأنهم من جملة رعاياه.. وليس لهم إلا أن يتلقوا تعليماته بالرضى والتسليم والتنفيذ!!
هل يريدنا الشيخ أن نذكره بأن أكثر الكتاب.. وكل المذيعين الذين يعنيهم.. وكثير من الخطباء.. هم أداة طيعة.. وجنود محضرون بين أيدي الطواغيت.. لا وظيفة لهم سوى تنفيذ وترويج ما يُملى عليهم من سياسات وآراء باطلة من قبل أنظمة الحكم الطاغية الظالمة؟!
هل يظن الشيخ أن المذيع - وبخاصة في بلادنا - يستطيع أن يقول ما يشاء.. أم أنه ملزم بنشرة - لا يمكن أن يزيد عليها أو ينقص منها حرفاً واحداً - يكتبها له الساسة المتنفذون من وراء الحجب والكواليس؟!!
ولو طالبهم الشيخ أولاً بأن يكفوا أولاً عن محاربة الإسلام والمسلمين.. ويتوبوا من ذلك كله.. ثم بعد ذلك يطالبهم بأن يتقوا الله فيما يقولون.. لكان لكلامه توجيهاً مقبولاً!!
قال: (وعليهم أن يتذكروا دائماً أن النفسية الإسلامية في العصور الأخيرة هي انفعالية غير متزنة، فهي تفضل أن تخوض معركة الآن أو تدفع كل ما تملك في لحظة انفعال - وإن كان قليل الجدوى - على أن تسلك في برنامج أو خطة لنفع الدين نفعاً عاماً بعد سنة، بحهد رتيب دائم أو نفقة مستمرة) اهـ.
قلت: هذا أيضاً من جملة التعميمات الظالمة التي لم يستثني الشيخ منها أحداً من أبناء الأمة.. فهي تشمل كل أحد.. وكل طائفة وجماعة بما في ذلك الطائفة المنصورة المجاهدة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها قائمة.. ولا تزال قائمة على مر العصور والأزمان.. تجاهد وتقاتل في سبيل الله.. فهي كذلك نفسيتها انفعالية غير متزنة، كما يقول الشيخ؟!!
ثم نقول للشيخ: هاهي الأمة لها أكثر من مائة سنة وهي تسير في تلك الخطط الرتيبة الموهومة التي تريدها وكلما أينع العطاء بشيء من الثمر.. جاء الطاغوت - بكل سهولة واستهانة - ليقطف تلك الثمار بآلته الحادة وبطريقتة المذلة والمهينة.. لا يحسب للأمة أدنى حساب!
وهل أوصل الأمة إلى هذا الموصل من الذل والهوان.. إلا تلك الخطط الوئيدة المزعومة الطويلة الأمد - وبعد أن استمرأ دعاتها العيش في سجون الظالمين ([1]) - والتي في نهايتها تعني شيئاً واحداً: هو تعطيل الجهاد في سبيل الله.. وتجريد المسلمين من جميع أنواع القوة.. وتربيتهم على الذل والاستكانة، والرضى بظلم الطواغيت العملاء؟!
قال: (ثم لا يتصدى للجهاد ويرتدي اسمه ووصفه إلا مجموعات متناثرة لا راية لهم، ولا منهج، ولا تربية..) اهـ.
أقول: هذا طعن صريح لكل من يجاهد في سبيل الله.. لا يستثني الشيخ منهم أحداً.. فكل المجاهدين في نظر الشيخ - ومن دون استثناء - لا راية لهم.. ولا منهج.. ولا تربية.. فهم في ضياع يعلوه ضياع.. وعبارة عن مجموعات متناثرة من " الصيّاع "!
لا يعرفون راية إسلامية.. ولا منهجاً قويماً صحيحاً.. إضافة إلى ذلك كله فهم غير مربين.. عديمي التربية!!
اتق الله يا شيخ.. أترى المسلمين الذين يُجاهدون في هذه الأيام العصيبة في أفغانستان.. أو إخواننا الذين يُجاهدون في الشيشان.. هم بلا راية.. ولا منهج.. ولا تربية؟!!
اتق الله يا شيخ.. وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال). هذا فيمن يقول في مؤمن واحد ما ليس فيه.. فكيف بمن يقول بمجموع المجاهدين بما ليس فيهم.. أو بما ليس في كثير منهم.. نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية؟!!
ثم مثل هذا الطعن والتجريح بالمجاهدين.. من يخدم.. ومن المستفيد منه.. وبخاصة في هذه الأيام؟!!
قال: (أما إذا طعن أهل العلم في الجهاد، أو تنكر أهل الجهاد لأهل العلم، وما أشبه ذلك فقد ذهبت ريح المؤمنين وتناثر صفهم، ووقعوا في سبيل المغضوب عليهم أو الضالين..) اهـ.
أقول: قد أدنت نفسك بنفسك يا شيخ.. فهذا الذي قلته قبل قليل من وصفك للمجاهدين بأنهم بلا راية، ولا منهج، ولا تربية، وغير ذلك.. ماذا تسميه.. وإذا لم يكن هذا عين الطعن فما يكون؟!!
ثم لماذا هذا التفريق بين أهل الجهاد وأهل العلم.. وكأن المفروض في أهل العلم أن يكونوا دائماً وراء مكاتبهم.. ومكتباتهم.. بعيداً عن أهل الجهاد.. وميادين الجهاد والعطاء؟!
ألم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم - قدوتنا وأسوتنا - هو أعلم من على وجه الأرض.. وأعظم مربٍّ وموجهٍ.. وبنفس الوقت الأكثر جهاداً وقتالاً في سبيل الله؟!
ألم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. علماء.. ومجاهدون مقاتلون في آنٍ واحد؟!
أليس هؤلاء هم سلفنا الصالح الذين ندعو الناس إلى التزام منهجهم وطريقتهم.. أم أن السلفية التي نريدها تعني فقط التزام منهج السلف الصالح في المعاملات والعبادات؟!!
من أكبر العوامل التي أدت بالأمة إلى هذا الوهن والضعف.. والشرود عن الحق.. هو تخلي العلماء - إلا من رحم الله - عن المجاهدين.. بعد أن رضوا لأنفسهم بأن يتخلوا عن قيادة الأمة، والتدخل في شؤون السياسة والحياة.. انسجاماً مع المبدأ الباطل القائل بفصل الدين عن الدولة والحياة؟!!
قال: (وفي خصوص الحدث يعلم الأمريكان أن الذي عاداهم وعادوه، ونبذ إليهم ونبذوا إليه هو تنظيم القاعدة أو بالأصح " جبهة جهاد الصليبيين " بأعيانهم وخصوصهم، وأن بقية المسلمين لا يأخذون هذا الحكم ولا يدخلون فيه، فحين تحذر أمريكا رعاياها منهم - لا من كل المسلمين - فإنها تعمل بمقتضى العداوة والمنابذة القائمة..) اهـ.
أقول: يريد الشيخ سفر - ومن خلال استدلاله بقصة أبي بصير - أن يحصر الخلاف والعداء بين أمريكا.. وبين أفراد القاعدة فقط.. دون بقية المسلمين الذين هم في عهد وأمان مع أمريكا.. كما يزعم الشيخ!
فهذا من جهة تبسيط مخل لحجم العداء والمعركة بين أمريكا راعية الكفر والإرهاب العالميين من جهة وبين العالم الإسلامي من جهة أخرى الذي لم يسلم أي جزء من أجزائه من شر أمريكا وحلفائها!
وهو يعني كذلك أن أمريكا لا تتحمل أي مسؤولية تجاه عدائها وجرائمها بحق العراق، وفلسطين، وأفغانستان، والشيشان.. وما أطول القائمة لو أردنا أن نعدد الدول والشعوب الإسلامية التي تكتوي من نيران وعدوان أمريكا.. المباشر منه والغير مباشر.. فأمريكا لا يوجد بينها وبين شعوب تلك الدول أي عداء؛ لأن عداءها - حسب قول الشيخ - محصور مع القاعدة فقط!
وهو يعني كذلك إغراء لأمريكا بأن تثأر لنفسها من القاعدة وأفرادها بالطريقة التي تشاء، وهي مطمئنة تجاه موقف العالم الإسلامي منها.. لأن عداءها محصور فقط مع القاعدة وأفرادها.. وليس مع أحدٍ غيرهم من الأمة.. وهو نفس منطق الحكومات العربية!!
إذا كان الشيخ سفر يقول بذلك.. فلا عتب على أولئك الحكام الذين تخلوا عن نصرة المسلمين في أفغانستان!!
والذي يمكن قوله هنا - وقد قاله غيرنا كثير من أهل العلم - أن أمريكا في حرب وعداء صريح مع جميع المسلمين في العالم.. ولا يوجد بينها وبين أي مسلم في العالم عهد ولا أمان إلا مسلم دخل أراضيها بعهد وأمان.. فحينئذٍ يلزمه الوفاء بعهده وأمانه.. كما يلزمهم الوفاء بعهدهم وأمانهم نحوه.. وما استدل به الشيخ سفر من قصة أبي بصير وغيرها من الأدلة لا يمكن أن يُحمل على أوسع من ذلك فيما يخص هذه المسألة.. والله تعالى أعلم.
وما تقدم لا يلزم انتفاء مطلق الأمان لأي مواطن أمريكي يدخل بلاد المسلمين بعهد وأمان.. فتنبه لذلك.
قال: (أما أنه لا يجوز لهذه الفئة ولا لأي فئة أن تجلب على الأمة عداوة لا قِبَل لها بها، تجرها إلى معركة غير متكافئة لم تستعد لها الأمة ولم تتوقعها، فهذا ما نرفع به الصوت ولا نخافت، ولكن إن أبت تلك الفئة إلا الاستبداد بالرأي وفعلت ما عنّ لها بلا مشورة ولا مراعاة مصلحة، فإننا حينئذٍ سنكون نحن الأبرياء ونحن الضحايا لانتقام العدو الغاشم..) اهـ.
أقول: نسأل الشيخ - رجاء أن يُجيب - أي أمة هذه التي يقصد.. أمة الجهاد.. أمة الإعداد والاستشهاد.. أم أمة الغثاء.. أمة الزَّبد.. التي نامت منذ مائة عام ولم تستيقظ بعد.. ولم يأن لها أن تستيقظ؟!!
من يقصد.. أمة الجهاد والاستشهاد.. أم الأمة التي يمثلها طواغيت الحكم الذين باعوا البلاد والعباد - منذ زمن ليس بالقريب - لأعداء الملة والدين؟!!
ومن يقصد بضرورة مشورته.. أهل الاختصاص من العلماء العاملين المجاهدين الذين امتطوا صهوة الجهاد.. أم علماء السلاطين.. أم وزراء داخلية الدول العربية التي ما اجتمعت قط.. وما توحدت كلمتها قط إلا على مسألة واحدة.. وهي حرب الإسلام والمسلمين.. باسم محاربة الإرهاب زعموا؟!!
ننتظر جواباً من الشيخ؟!
قال: (وليس الحل أن نقف مع العدو عليها - أي على الجماعات الجهادية - فهذا حرام على كل حال، ولكن في التحاور معها في قضايا المصالح والمفاسد، وبيان أخطائها ولو أدى ذلك إلى هجرها والتنفير منها) اهـ.
أقول: قول الشيخ " هذا حرام.. " تبسيط مخل لجريمة التعاون مع المشركين الكافرين على المجاهدين الموحدين.. لا يُعط البعد الحقيقي للحكم الذي يستحقه هذا المتعاون مع الكفار على المسلمين.. ألا وهو الكفر والردة.. والمروق من الدين!
شرب الدخان حرام.. ومظاهرة المشركين على المسلمين حرام.. لكن يوجد فرق بين حرام وحرام، وما يلحق كل حرام من أحكام وتبعات.. وكان ينبغي على الشيخ أن يبين ذلك.. فلا يكفي منه - مثلاً - أن يقول عبادة الأصنام حرام.. كأي حرام!
ثم هل اختلافك - يا شيخ - مع تلك الجماعات الجهادية في تقدير المصالح والمفاسد.. يكفي لك أن تحرض الناس على هجر تلك الجماعات وعلى التنفير منها؟!
ثم عندما تهجرها - وأنت مع ذلك تلزمهم بمشورتك - وتطالب الناس بأن يهجروها.. وتنفرهم منها.. فمن المستفيد.. وهذه الخدمة في صالح من تصب؟!!
لو قال هذا الكلام غيرك يا شيخ لكان لنا معه شأن آخر.. وظننا فيه الظنون!
ألست أنت القائل في أول بيانك: (وليعلم كل من أدان أو جرّم أن لازم ذلك إجازة الانتقام وهو مالا تريد أمريكا من الشعوب أكثر منه، ثم هي بعد ذلك ستنفرد بكيفية الانتقام، وتحديد من يشمله، وإلى أي مدى يبلغ بلا حسيب ولا رقيب.."؟!!
إذا كان من يدين العمل ويجرمه فهو يعطي بذلك رخصة للطواغيت الظالمين - كما ذكرت - بأن ينتقموا ممن شاءوا وبالطريقة التي يشاءون.. فكيف بمن يزيد على ذلك بحمل الناس على هجر المجاهدين.. والتنفير منهم.. ومن أعمالهم.. وما يستلزم ذلك من الطعن والتجريح.. لا شك أنه أولى بالترخيص للطواغيت الظالمين على الانتقام.. وتجريئهم على الإسراف في الانتقام؟!
فأنت يا شيخ تدين نفسك بنفسك.. وما تقوله في موضع تنقضه في موضع آخر!!
قال: (وهذا المسلم - على تقدير خطئه في الانتقام من العدو أو اعتباره من ليس بعدو عدواً - ليس بأكثر ذنباً من أصحاب الكبائر كالزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، ومعلوم مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر.. أما تكفيرهم - صريحاً أو إيماءً - فهو من كبائر الذنوب، يخشى على صاحبه أن يعود ذلك عليه..) اهـ.
أقول: جزاك الله خيراً يا شيخ.. لكونك أنزلت المجاهدين منزلة أهل الكبائر من مرتكبي الزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين.. ومنعت من تكفيرهم.. لمجرد اجتهادهم الخاطئ في تشخيص العدو.. فهذا من إنصافك وعدلك.. وذودك عن أعراض وحرمات المجاهدين؟!!
يكفي لبطلان ما قررت أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنزل خالد بن الوليد t منزلة أهل الكبائر لما قتل خطأ أولئك النفر الذين قالوا: صبأنا.. ولم يُحسنوا أن يقولوا أسلمنا.. فعاجلهم خالد بالقتل كما هو ثابت في الصحيح وغيره.. حيث اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرؤ من صنيع خالد.. مع بقاء خالد قائداً وأميراً على جيوش المسلمين.. وسيفاً من سيوف الله المسلولة على أهل الباطل!
قال: (فإن الخطب الرنانة والمقالات والتحقيقات الواسعة في بلادنا عن الحادث التي توحي بأن التهم حقيقية.. وتصور هؤلاء الفتية وكأنهم شياطين مردوا على الشر لا غاية لهم إلا تدمير السلام العالمي، والبطش بالأبرياء.. هي مجافاة لمنطق العدل، ومنطق الدفاع عن البلد وأبنائه، وإساءة بالغة لمشاعر أهلهم وقبائلهم، وهي منافية بوضوح لتصريحات المسؤولين التي لم تزد على وصف هؤلاء بأنهم ضحايا تغرير، فهكذا كان تصريح وزير الداخلية، وهو أكثر الناس متابعة لهؤلاء وأعرفهم بدوافعهم.. أفلا يسع كتابنا وخطباؤنا أن يسكتوا.. أو يقفوا عند حدود تصريحات المسؤولين الذين يحسبون الحساب لما يقولون، ولا يُجازفون بالعبارات الإنشائية في مواقف شديدة الحساسية.. الحقيقة الإعلام المصري أفضل موقفاً في هذه المرة..) اهـ.
قلت: المفاجئ من كلام الشيخ هنا هذا التأدب البالغ في التعامل مع المسؤولين.. وبخاصة منهم جلاد الجزيرة.. عدو الإسلام والمسلمين وزير الداخلية السعودي الذي لم يسلم من شره وظلمه داعية إلى الله.. بما فيهم الشيخ سفر ذاته الذي أمر باعتقاله لأكثر من خمس سنوات!
فالشيخ سفر على سعة علمه واطلاعه ومعرفته بخبايا وخفايا الأمور.. يقف كتلميذ مؤدب أمام جلاد الجزيرة وزير الداخلية السعودي.. راعي المؤتمرات العربية لمكافحة الإرهاب.. يلزم نفسه والأمة معه بأن تقف عند قول وزير الداخلية العالم العارف.. وأن لا تتقدمه أو تتجاوزه في شيء.. لا بقول ولا فهم ولا تفسير.. هذا الذي يقوله الناس عنك يا شيخ.. وعن أستاذك الجديد الذي فاجأتنا به جميعاً!!
ثم لماذا هذه التزكية للإعلام الفاجر المصري.. والشيخ يعلم أن الإعلام المصري تعامل ومنذ اللحظة الأولى من الأحداث.. بأسلوب التجريم والتأثيم.. وضرورة ملاحقة الإرهابيين في كل مكان على حد زعمه!
وهو - والنظام السعودي - من أوائل المؤيدين للحملة الأمريكية ضد أفغانستان.. باسم مطاردة وملاحقة الإرهابيين.. زعموا!!
أقل ما يُقال في الإعلام المصري.. وطريقته في التعامل مع الأحداث.. ما قاله الشيخ سفر ذاته في أول بيانه: (وليعلم كل من أدان أو جرّم أن لازم ذلك إجازة الانتقام، وهو ما لا تريد أمريكا من الشعوب أكثر منه، ثم هي ستنفرد بعد ذلك بطريقة الانتقام..".
والسؤال: ألم يكن الإعلام المصري.. هو أول من جرَّم وأدان.. وتجاوز ذلك إلى التحريض والتأييد.. ومطالبة الدول بتسليم من عندهم من الإرهابيين.. زعموا؟!
فإن كان الجواب نعم.. ولا يجوز أن يكون غير ذلك.. فكيف تصفه يا شيخ سفر بأنه الإعلام الأفضل في هذه المرة؟!!
أخشى أن يكون أستاذك الجديد الذي فاجأتنا به - الذي أخذ علومه وخبراته من جامعات التعذيب والتنكيل المصرية - هو الذي أملى عليك هذه الكلمات، ولا أظن ذلك بعيداً!
قال: (التضييق الذي تمارسه أكثر الحكومات العربية على الشعوب هو سبب رئيس في تعاطفها المطلق مع كل ما يصدر عن هؤلاء، وإمدادهم بمزيد من الأفراد.. وقد صرحت المصادر الغربية نفسها بهذه الحقيقة.. وقد جاء الدليل على هذا جلياً بعد الانتفاضة المباركة، حين أوذي بعضهم بسبب إبداء رأيه في الأحداث، أو توزيع فتاوى عن مقاطعة الشركات الأمريكية، فما كان منه إلا أن فارق البلد وخرج للجهاد.. وبقدر ما تعطي الحكومة في أي بلد الفرصة للإنكار على ما يجري في فلسطين وغيرها، وحرية الاحتجاج والتعبير.. بقدر ذلك تكون قد تجنبت تفريخ الخلايا الانتقامية التي لا تستشير، ولا تبالي بالإقدام على أي عمل كبير أو صغير، وقد أثبتت الحوادث المتكررة أنهم إذا قالوا فعلوا، وإذا توعدوا وفُوا.. وهم مع هذا مضطرون مكروبون بما جرى لهم وما يجري لأمتهم، فتأتي أعمالهم بما يُشبه المعجزات سواءً في أفغانستان أو في الشيشان، أو في الصومال، أو في كشمير، أو في البوسنة..) اهـ.
قلت: قوله" كل ما يصدر عن هؤلاء.. " يعني بهم المجاهدين.. الذين جاهدوا ويجاهدون في أفغانستان أو في الشيشان، أو في الصومال، أو في كشمير، أو في البوسنة..كما أبان ذلك في نهاية الفقرة!
والسؤال: لماذا فقط هؤلاء.. وكأنهم نكرة لا يستحقون وصف ومسمى المجاهدين.. أهكذا يكون إنصاف المجاهدين والذب عن أعراضهم وحرماتهم؟!
ثم هؤلاء المجاهدين الذين جاهدوا ويُجاهدوا في الدول الآنفة الذكر.. هم عبارة - كما زعم الشيخ - عن خلايا انتقامية متهورة لا تستشير، ولا تبالي بالإقدام على أي عمل.. مرضى مكروبون بما جرى لهم؟!!
اتق الله يا شيخ.. أبمثل هذا الطعن والغمز يكون ذودك عن المجاهدين.. بل أنا وأنت وأمثالنا من القاعدين هم المكروبون المهمومون.. ولا شيء يُذهب عنا الهم والغم، والكرب كالجهاد في سبيل الله، كما في الحديث الصحيح: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهمَّ والكرب).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يَغزُ، أو يُجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة). وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب).
وقال تعالى: {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً}.
فهذا الكرب.. وهذا العذاب الذي أصاب ويصيب الأمة - والذي تشير إليه تكراراً في كتاباتك! - ما هو إلا بسبب تخليها عن الجهاد في سبيل الله!
فهذا قول ربنا عز وجل وقول نبيه صلى الله عليه وسلم.. لا نحيد عنه.. وهو أصدق من قولك عن المجاهدين بأنهم عبارة عن خلايا انتقامية مكروبة!
وقول الشيخ عن الحكومات العربية بأنها لو تركت الحرية للناس في التعبير عن آرائها تجاه ما يجري في فلسطين وغيرها.. لما تولدت تلك الخلايا الانتقامية الجهادية.. ولانقرضت ولما انضم إليها أحد من الناس..
وهذا كلام باطل مردود عليه من وجهين:
أولاً: النصوص الشرعية التي تحض وتأمر المسلمين بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته في الأرض - وليس من أجل تحقيق الحريات! - في كل الأجواء أجواء الحرية والديكتاتورية سواء.. وسواء أتيحت للمسلمين حرية التعبير أو لم تُتح.. وما أكثر الآيات والنصوص الشرعية التي تبين ذلك لو أردنا استعراضها وبيانها.. ولا أظنها تخفى على عامة المسلمين فضلاً أن تخفى على الشيخ!
ثانياً: أن دافع المجاهدين قديماً وحديثاً على الجهاد في سبيل الله ليس لعدم توفر حرية التعبير لهم.. كما زعم الشيخ.. فشهداء الصحابة من قبل - بعد أن رأوا الجنان ونعيمها وتذوقوا طعامها وشرابها.. ورأوا مالا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. وتنعموا بحرية لا يمكن أن يحلم بها مخلوق على وجه الأرض - تمنوا على الله تعالى أمنية واحدة فقط أن يعيدهم إلى الدنيا ثانية للجهاد في سبيل الله.. لما رأوا للمجاهد والشهيد من كرامة وحسن منزلة!
وهذا هو نبينا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: (والذي نفس محمدٍ بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ولأن أقتل في سبيل الله أحبُّ إلي من أن يكون لي أهل الوبَر والمدَر).
والسؤال: هل كان نبينا صلى الله عليه وسلم - حاشاه - يتمنى أن يُقتل في سبيل الله.. لأن حرية التعبير لم تكن متوفرة له.. أم لأن الله تعالى قد أمره وشرع له ولأمته الجهاد في سبيل الله؟!!
فإن قلت: لا تحدثني عن النماذج القديمة.. حدثني عن النماذج المعاصرة الحديثة؟
أقول لك ولكل من يعيش عقدة الحرية: ليس سراً ولا خفياً لو قلت أن كثيراً من الشباب الذين انطلقوا للجهاد في الشيشان، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك وغيرها من البلدان.. كانوا ممن يعيشون في بلاد الغرب.. وبعد أن تزوقوا حرية التعبير.. وغيرها من الحريات.. مما لم يجدوه في بلادهم الأصلية.. ووجدوا فيها جميع الملذات الدنيوية.. ومع ذلك لما نادى منادي الجهاد لبوا النداء.. وتركوا المتاع.. ولم تصدهم الحريات السائدة عن المشاركة في ميادين الشرف والجهاد في سبيل الله تعالى!!
ولكن الذي يمكن أن نقوله هنا: أن وجود الظلم.. وانتهاك الحرمات.. بالقتل والسجن والسلب، وغير ذلك من الاعتداءات على الحقوق.. لا شك أنه يكون ذلك حافزاً إيضافياً على الجهاد في سبيل الله؛ لأن الإسلام أمر بالدفاع عن النفس، وعن الأعراض، والأوطان.. ورد المظالم.. والانتصاف للمظلوم من الظالم.. فهذا كله من الحوافز على الجهاد في سبيل الله!
كما قال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39.
كما يمكن القول كذلك: أن ممارسة سياسات الكبت والقهر والإذلال.. وتكميم الأفواه من قبل طواغيت الحكم.. قد تولد بعض التصرفات - كردة فعل من بعض آحاد الناس - الغير مسؤولة.. واللاشرعية.. لا تمت للجهاد الحقيقي الشرعي بصلة.. ولكن هذا شيء.. والحديث عن الجهاد والمجاهدين شيء آخر.. لا يخلط بينهما منصف!
قال: (إن الانفتاح على هؤلاء، وإتاحة الحرية لهم في عرض ما لديهم، ومحاورتهم على ضوء قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية هو الحل الصحيح والوحيد، وإلا سندخل في متاهة لا قرار لها، ولا أدل على معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم كما سنعرضه مجملاً في الفقرة التالية..) اهـ.
قلت: مرة ثانية يتحفظ الشيخ من وصف المجاهدين باسمهم ووصفهم.. ويكتفي بالإشارة إليهم كنكرات من خلال تعبيره عنهم.. بهؤلاء!
لكن الجديد في قوله هنا أن وجود المجاهدين كظاهرة.. فهي تؤرق على الشيخ راحته.. كما تؤرق على طواغيت الحكم راحتهم وأمنهم.. لذا هو يدلهم على الحل الذي من خلاله يتمكنون من حل تلك الجماعات الجهادية والقضاء عليها.. والحل في نظر الشيخ.. الذي يرشد الطواغيت إليه هو: أن يُتيحوا لهؤلاء.. الحرية.. ويستجروهم للنقاشات المفتوحة.. وبصدر مفتوح.. ليتعرف أستاذه الجديد عليهم جيداً.. حامي الحمى ضد الإرهاب.. فينقضَّ عليهم وقت يشاء، وبالطريقة السهلة التي يشاء!!
فإن قيل: هو يقصد بهؤلاء أي الغلاة من المجاهدين؟!
أقول: كلام الشيخ لا يُفيد بذلك.. بل هو يفيد عموم المجاهدين.. لنعيد قراءة قوله ثانية: (ولا أدل على هذا من معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم..".
فقوله " إلى بعضهم " يعني أنه يريد من قوله عن هؤلاء.. أي جميع المجاهدين الصالحين المعتدلين منهم ومن تسرب إليهم الغلو.. الذين هم بعض من هؤلاء!!
فهؤلاء جميعهم - الصالح منهم ومن تسرب إليه الغلو - يشكلون - عما يبدو - مشكلة كبيرة على الشيخ تؤرق عليه مضجعه، كما أرَّقت مضاجع الطواغيت من قبله.. يُساهم - من خلال طرحه الآنف الذكر - في حلها والقضاء عليها!!
قال: (وفي أفغانستان التقى المتطوعون القادمون - من كل مكان حتى من مصر نفسها - بلا منهج ولا تنظيم بهؤلاء الذين يحملون منهجاً في التغيير وفكراً تنظيمياً ومعاناة طويلة. وهكذا تأثر بعض الشباب بهم على اختلاف فيما بينهم وتفاوت في الغلو أو الاقتناع باستخدام العنف، وظلت مصر الوقود لهذا الغلو والتفرق..) اهـ.
قلت: هذه نظرة الشيخ سفر لصفوة الأمة من الشباب المسلم الذين جاهدوا في أفغانستان.. ودافعوا عن دين وحرمات الأمة.. فهم عبارة عن مجموعات متفرقة من الغلاة.. يؤمنون بالعنف.. وليس بالجهاد.. على تفاوت فيما بينهم في الغلو واستخدام العنف.. التقوا على غير ميعاد على أرض أفغانستان.. وهكذا تمت عدوى انتقال الغلو واستخدام العنف إلى بقية الأمصار والبلدان والشعوب.. عن طريق الاحتكاك بهؤلاء الغلاة الذين يؤمنون بالعنف.. هذه هي القصة باختصار كما يذكرها الشيخ، وكما يعتقد بها!!
قال: (وهكذا بلغ الشحن النفسي غايته داخلياً وخارجياً، دون أن تتراجع الحكومة المصرية عن مسلسل الحسم وحلقاته من القتل والتشريد والسجن بالظنة أو لمجرد اللحية وغطاء الشعر للفتيات، ومضت قدماً في تحريض الدول الأخرى على الإسلاميين ونجحت مساعيها من خلال تبني مؤتمرات وزراء الداخلية العرب لذلك، وسرعان ما سابقها النظام التونسي في هذا المجال، ناهيك عن النظام البعثي في سورية الذي كان قد دمر أهم مدينتين لأهل السنة حماة في سورية وطرابلس في لبنان، وسجن وشرد عشرات الآلاف بحيث تجاوزت مأساتهم مأساة الفلسطينيين، وقل عن دول أخرى مثل ذلك..) اهـ.
قلت: ولنا أن نسأل: هذه المؤتمرات التي عُقدت لوزراء داخلية العرب.. التي اجتمعت على محاربة الإسلام.. التي أشار إليها الشيخ في كلامه أعلاه.. ألم يكن وزير داخلية الدولة السعودية هو زعيمها والمحرض عليها بالدرجة الأولى؟!!
أحسنت وصفاً لحالي النظامين الطاغيين: النظام المصري، والنظام الطائفي البعثي النصيري السوري.. والسؤال: ألم تكن السعودية هي أكثر الدول حماساً في تأييد ودعم هذين النظامين وما يصدر عنهما من سياسات ومواقف باطلة؟!!
لما هلك طاغية الشام وولي ولده مكانه..أول من بارك ولايته وحكمه هي الدولة السعودية.. من خلال زيارة ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز والوفد المرافق له إلى دمشق.. ليقول للنظام الطائفي النصيري المجرم وجلاديه: نحن أبناء آل سعود نقدم لكم أسمى آيات الولاء والدعم والتأييد.. بعد أن أبدوا تعازيهم الحارة بهلاك الطاغية حافظ الأسد.. الذي قلت عنه أنه دمر مدينتي حماه وطرابلس!!
أليس الذي يدعم ويؤيد ويبارك، ويوالي الظالمين المجرمين.. له نفس وزرهم وجرمهم؟!
فإن كان الجواب نعم - ولا يجوز أن يكون الجواب غير ذلك - لماذا لم تشر إلى ذلك ولو بكلمة واحدة من خلال بيانك المطول هذا؟!
وهل الكفر محصور في موالاة النصارى فقط.. أمَّا موالاة النصيرية الأشد كفراً ومروقاً من اليهود والنصارى كما يقول ابن تيمية وغيره.. هو جائز ومباح.. ولا حرج فيه؟!!
ثم هاهي الأخبار تطالعنا اليوم عن اتفاق الدولة السعودية وتنسيقها مع المجتمع الدولي على تنصيب الكافر الفاجر ظاهر شاه كحاكم على أفغانستان.. عند سقوط حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان؟!!
إما أن تصدع بالحق كاملاً.. أو تسكت يا شيخ.. لعلك تُعذر؟!!
قال: (مخاطبة الحكومات في البلاد الإسلامية وإشعارها.. بأن ما تريده أمريكا من مراصد استخباراتية ومراكز للمعلومات عن الصحوة الإسلامية، ورقابة على خطب الجمعة وغيرها، بل وللاغتيالات كما صرح أكثر من مسؤول أمريكي.. مرفوض جملة وتفصيلا.. وكل دولة توافق عليها - ولا سيما تلك المجاورة للعدو الصهيوني فهي خائنة لله ولرسوله ولقضايا الأمة، وموالية للكفار على المسلمين، ويجب على بقية الدول فضحها وعدم إمدادها بأي شيء.. وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية، أما لو حدث اغتيال أحد المجاهدين من طريقها فسوف يؤدي إلى انتقام لا تُحصر أبعاده) اهـ.
أقول: سامح الله الشيخ الفاضل.. وهل أمريكا تحتاج إلى إقامة مراصد استخباراتية في بلاد المسلمين.. ما حاجتها لذلك إذا كانت الحكومات ذاتها المتسلطة على رقاب ومقدرات الشعوب تعمل كمراصد استخباراتية لصالح أمريكا.. ألم توقع جميع الحكومات العربية وغيرها.. على عشرات القوانين الصادرة عن الأمم المتحدة والمتعلقة بالإرهاب.. والتي تعني بكل وضوح محاربة الإسلام، ورصد تحركات المسلمين العاملين.. وتجفيف الينابيع.. وغير ذلك من الملاحقات والمتابعات.. باسم محاربة الإرهاب والإرهابيين.. زعموا!!
قول الشيخ: (ويجب على بقية الدول فضحها، وعدم إمدادها بشيء..)، أي للدولة التي تسمح لأمريكا أن تقيم في أراضيها مراصد استخباراتية.. والسؤال: أين هذه الدول التي لم تسمح.. حتى تقوم بفضح ومعاقبة الدول التي سمحت لأمريكا أن تقيم مراصد استخباراتية؟!!
هل يستطيع الشيخ أن يوجد لنا دولة من الدول العربية لم تدخل دخول العبيد في موالاة ونصرة أمريكا؟!!
هل يستطيع الشيخ أن يثبت لنا وجود دولة واحدة من هذه الدول التي يخاطبها.. ليست عميلة لأمريكا أو غيرها من دول الغرب!
ألم يعلم الشيخ أن دولته السعودية فيها عشرات القواعد العسكرية الأمريكية.. وما يزيد عن (5000) آلاف جندي أمريكي.. ماذا تراهم يعملون هؤلاء.. يلعبون.. أم أنهم يرصدون.. ويخططون.. ويدبرون؟!!
لو قال هذا الكلام غيرك يا شيخ لقلنا لعله لم يطلع على عمالة وخيانة هذه الأنظمة لأمتهم ودينهم.. أما أنت المعروف بالدراية التامة بخفايا هذه الأنظمة العميلة.. وبدراساتك وتحليلاتك المعمقة.. تقول ما تقدم من كلام.. فإنا لا نقبله منك.. ولا نقيلك منه!
أما قول الشيخ: (وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية..).
تنبيه من.. وعلى من.. ثم كيف تضمن وجود شباب الجهاد وقتئذٍ.. وأنت تدعو جميع الحكومات والمسؤولين على تصفيتهم وتذويبهم في مجتمعاتهم من خلال مشروع الانفتاح والحرية الذي تقترحه.. وبعد أن ألصقت بهم جمعاً من الاتهامات والطعونات الجارحة.. تقدمت الإشارة إليها؟!!
وفي خطابه المفتوح إلى الرئيس بوش:
قال الشيخ: (أكتب إليك وأنا فرد من أمة مستضعفة مضطهدة في مثل الحال التي كان عليها عيسى عليه السلام حين كان يتعرض لعدوان اليهود من جهة والرومان من جهة أخرى) اهـ.
أقول: وصف أمة الإسلام بالاستضعاف.. وتشبيهها بما كان عليه عيسى عليه السلام ومن معه من الاستضعاف.. وصف لا يصح ولا يليق، وذلك من أوجه:
أولاً: من جهة النصوص الشرعية التي ترد وتبطل هذا الزعم والوصف، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} المنافقون: 8.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بُعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري).
ثانياً: إن الطائفة المنصورة المجاهدة الظاهرة على الحق.. والتي لا يضرها من خذلها أو من خالفها.. التي تفيد النصوص الشرعية بأنها موجودة في زماننا وفي كل زمان.. تبطل كذلك زعم الاستضعاف الذي ادعاه الشيخ لأمة الإسلام، كما في الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "
وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).
فهم بنص الحديث: قاهرين لعدوهم.. ظاهرين بالحق.. قائمين بأمر الله.. لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.. فكيف يليق بمن هذه هي صفتهم على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم أن يوصفوا بالاستضعاف؟!!
ثالثاً: إضافة لما تقدم ليس من السياسة الشرعية التظاهر بالاستضعاف أمام أعداء الله والدين.. الذين لا يزيدهم ذلك إلا غياً وكبراً واحتقاراً للمسلمين!
رابعاً: ما ذكره الشيخ هنا هو مناقض لما ذكره في بيانه عن الأحداث حيث قال هناك: (أن هذه الأمة الإسلامية أمة مصطفاة، مرحومة، منصورة مهما نزل بها من المصائب وحل بها من الضعف والهوان.." !!
قال: (ولا زلنا نأمل أن تراجع الولايات المتحدة مواقفها وتكون أقرب إلى العدل لكي نرجع إلى حسن ظننا بها.. ولكن الثقة في أمريكا وعدالتها سرعان ما اهتزت..) اهـ.
قلت: متى حسن المسلمون الظن بأمريكا.. حتى يرجعوا إلى تحسين الظن بها.. إلا إذا كان الشيخ بقوله " ولا زلنا.." يقصد الحكومات الطاغية المسلطة على رقاب المسلمين.. فهو يتكلم بالنيابة عنهم؟!!
ثم كيف يجوز أن يحسن الظن بالدولة الأمريكية.. ويلتمس منها العدل.. والشيخ ذاته يصفها في مطلع بيانه عن الأحداث بأنها: (جمعت بين جبروت عاد، وعدوان ثمود، واستكبار فرعون، وخبائث قوم لوط، وتطفيف أهل مدين، وضمت إلى ذلك مكر اليهود، وحرصهم على الحياة، وتلاعبهم بالألفاظ، وتزكيتهم لأنفسهم على كل أحدٍ سواهم.."؟!!
أمة هذه بعض صفاتها كما يقول الشيخ.. فكيف من جهة أخرى يُحسن بها الظن.. ويلتمس عندها العدل؟!!
قال: (ولقد حرصنا نحن المسلمين على انتخابكم - أي انتخاب الرئيس بوش - ونحن نملك الأدلة على أن غالبية الأصوات المرجحة لفوزكم هي أصواتنا، وأنا شخصياً نصحت المسلمين بذلك، وكان بعضهم يأمل بأن تكونوا أقرب إلى العدل من الديمقراطيين مع أن بعضهم الآخر كان صريحاً في أن الأمر لا يعدو اختيار أهون الشرين، ولم نفعل ذلك نسياناً منا لجرائم حزبكم ووالدكم في كل أرض إسلامية..)اهـ.
قلت: كلام الشيخ هنا باطل.. وهو مردود عليه من أوجه:
منها: هو باطل من جهة الترخيص للمسلمين في أن يُشاركوا في اللعبة الديمقراطية المعمول بها في أمريكا، وما يترتب على ذلك من مزالق عقدية وشرعية.. لا تُحمد عقباها.. ولا يمكن أن تُبرر مهما قيل عن مصالح مزعومة.. إذ المصلحة الشرعية المعتبرة هي المصلحة التي لا تعارض نصاً صريحاً من نصوص الشريعة.. فكيف وهي هنا تُعارض أصول الشريعة وكلياتها.. كما كنا قد بينا ذلك في مواضع عديدة من أبحاثنا!
ومنها: أن التعاون على إيصال مثل هذا المجرم السفاح إلى سدة الحكم هو من قبيل التعاون على الإثم والعدوان.. ويُخشى على الشيخ - إلا أن يعفو الله - أن يتحمل قسطاً من إجرام هذا الرجل وما يرتكبه بحق المسلمين في أفغانستان وغيرها من إجرام ومذابح.. لأنه - كما زعم - هو السبب الأكبر في إنجاح بوش.. وترشيحه إلى سدة الحكم.. وأن أصوات الشيخ هي التي أوصلته إلى هذا الموصل الذي هو عليه الآن من الإجرام والاعتداء!!
ومنها: أن ما يُقال عن الجمهوريين بأنهم أهون شراً من الديمقراطيين.. هو كلام سطحي مرفوض شرعاً وعقلاً وواقعاً.. حيث دلت جميع القرائن والأحداث.. أن الحزبين سواء من حيث الإجرام والعداء للإسلام والمسلمين!!
لا ينبغي للشيخ - الواعي والعالم - أن يقع في شباك أضحوكة التفريق بين: الجمهوريين من جهة والديمقراطيين من جهة.. وبين حزب العمال في بريطانيا، وحزب المحافظين.. وحزب الليكود الصهيوني ونظيره حزب العمل.. من حيث موقف هذه الأحزاب من قضية الإسلام والمسلمين.. إذ ملل الكفر - وإن تفرقت فيما بينها إلا أن - موقفها واحد تجاه الإسلام والمسلمين.. ومصالحهم!!
ومنها: أن الشيخ ذاته - في مطلع خطابه المفتوح - يذكر أن الديمقراطيين أحسن حالاً من حكام الجمهوريين.. حيث يقول: (ثم جاء الرئيس " كلنتون " وإدارته اليهودية وكان أكثر اهتماماً منك ومن أبيك بحل المشكلة.. " أي المشكلة الفلسطينية؟!
والسؤال: إذا كان الشيخ يعلم أن الديمقراطيين - الذي يكون كلنتون واحداً منهم - أكثر اهتماماً بحل المشكلة من الجمهوريين - الذي يكون بوش واحداً منهم - كيف يوصي باختيار وترشيح بوش الأقل اهتماماً بحل المشكلة؟!!
لا تلعب بالنار يا شيخ.. لأن يقول عنك الناس أخطأت خير لك من أن يقولوا عنك كفرت..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد؛
فقد اطلعت على بيان الشيخ سفر الحوالي - حفظه الله - عن الأحداث، وعلى خطابه المفتوح للرئيس الأمريكي جورج بوش.. فوجدت فيهما من الهفوات والكبوات ما حملني على تسجيل هذه الملاحظات نصحاً للأمة بعامة، وللشيخ الذي أحببناه بخاصة!
وقبل أن أبدأ بتسجيل هذه الملاحظات لا بد من التذكير بأمور:
منها: أن من مسلمات عقيدتنا أن كل أحدٍ - مهما علا كعبه وعلمه وفضله - يُخطئ ويُصيب، يؤخذ منه ويُرد عليه عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. والشيخ لا يخرج عن هذه القاعدة!
ومنها: أن تدوين هذه الملاحظات التي أخذناها على الشيخ لا يعني بحال هضم حق الشيخ علينا.. أو الانتقاص من قدره كواحد من أبرز علماء الأمة المعاصرين.. فحقه محفوظ.. ومكانته محفوظة.. وردنا عليه لا يعني الانتقاص من ذلك شيئاً.
ومنها: أن أكثر ما ورد في مقال الشيخ هو حق وصواب.. فجزاه الله عنا خير الجزاء.. وهذا يعني أن الذي نعتقده بأن الشيخ قد حايد فيه الحق والصواب مما ورد في بيانه ومقاله الآنف الذكر يكون هو الأقل.. ونحن نرد ونعقب على هذا الأقل!
ومنها: الذي حملنا على تدوين هذا التعقيب - بعد تردد طويل - هو دافع واجب النصح الذي يجب أن يكون بين المسلمين.. والدين النصيحة.
فإن قيل: لماذا لم تُسارر الشيخ بهذه التعقيبات قبل نشرها.. لعله يتراجع؟!
أقول: لولا أن بيان الشيخ قد ذهب في كل اتجاه.. وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة.. واطلع عليه العامة قبل الخاصة.. وكثر سؤال واعتراضات الإخوان عليه.. لكان هذا الطلب وجيهاً.. أما أنه حصل ما تقدمت الإشارة إليه.. فإن البيان والرد حينئذٍ لا بد أن يكون على الملأ إبراءً للذمة، ونصحاً لمجموع الأمة.. والله تعالى المستعان!
وطريقتنا في تسجيل الملاحظات والتعقيبات تكون بعد أن نتناول كلام الشيخ فقرة فقرة.. ثم يأتي التعقيب بعدها، وعلى طريقة قال وقلت.
قال الشيخ: (فهذه كلمات دعاني إلى إخراجها إبراء الذمة، وإلحاح الأمة، وجسامة الأحداث..) اهـ.
أقول: قد جاء بيانك يا شيخ - على أهميته - متأخراً عن وقت الحاجة.. وبعد أكثر من شهر من حصول الأحداث.. وتأخير البيان عن وقت الحاجة كما هو معلوم لا يجوز!
فقد تكلم فلان وفلان وفلان.. حتى لم يبق أحد إلا وتكلم وأدلى بدلوه إلا أنت.. حتى ظننا أنك منعت من الكلام أو البيان.. علماً أنك أولى الناس بالكلام والبيان.. وبخاصة في الساعات الأولى من الأحداث.. الأكثر اضطراباً ومروجاً.. وفتنة!!
ومن قبيل رد الفضل لأهله فإن أول من تكلم في هذه النازلة الخطيرة الشيخ البصير حمود بن عقلاء الشعيبي جزاه الله خيراً.. فجرّأ الآخرين على الحديث والبيان.. فتكلم بعده المتكلمون.. نسأل الله تعالى أن يكتب له أجر كل من تكلم بحق في هذه النازلة!
قال: (أما أنا فأقول إن لم يدمرها الله كلَّها - أي لأمريكا - فلحكمة عظيمة يعلمها، وهي أنه سيخرج منها من يعبده ولا يشرك به شيئاً، وما ذلك على الله بعزيز) اهـ.
قلت: قوله " وهي أنه سيُخرج منها.. " هو حكم يفيد تأكيد أن الله سيُخرج منها.. وهو من التألي على الله بغير علم!!
فما أدراك يا شيخ أن الله سيخرج منها من يعبده.. هل اطلعت على ما في نفس الله نحو أمريكا وشعب أمريكا.. حتى تجزم بأنه تعالى سيخرج من أمريكا من يعبده؟!
قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} المائدة: 116. هذا قول نبي الله عيسى عليه السلام لربه تعالى..
ولو قال الشيخ: أرجو أن يُخرج منها من يعبده.. أو لعل الله يخرج من أصلابهم.. بصيغة السؤال والدعاء أو الرجاء.. لكان الكلام صواباً.
قال: (وحضارتها - أي حضارة أمة الإسلام - هي حضارة العدل والرحمة والتسامح.. أما الحضارة الند " الغربية " فلم ترق إلى شيء من هذه القيم - أي قيم العدل والرحمة والتسامح التي عُرف بها الإسلام - إلا بعد قرون من الصراع..) اهـ.
قلت: هذا توصيف غير دقيق لما وصلت إليه الحضارة الغربية من قيم.. لا أظن أن الحضارة التي تحاصر الشعوب فتمنع عنهم الطعام والدواء.. والتي تؤدي إلى قتل مئات من الآلاف من أطفال المسلمين كما في العراق وغيرها.. هي حضارة راقية عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة التي عُرف بها الإسلام؟!
لا أظن أن الحضارة التي تعاقب شعباً بكامله وتدمر بلداً بكامله.. بجريرة شخص أو أشخاص كما يزعمون.. هي حضارة عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة شيء؟!
لا أظن هذه الحضارة التي يصفها الشيخ ذاته في مطلع بيانه بأنها " أمة طاغية جمعت بين جبروت عاد، وعدوان ثمود، واستكبار فرعون، وخبائث قوم لوط، وتطفيف أهل مدين، وضمت إلى ذلك مكر اليهود، وحرصهم على الحياة، وتلاعبهم بالألفاظ، وتزكيتهم لأنفسهم على كل أحد سواهم..) اهـ. لا أظن أمة تتصف بهذه الأوصاف.. يجوز أن يُقال عنها بأنها عندها من قيم العدل والتسامح والرحمة.. التي هي عند الإسلام؟!
قال: (وما أعداؤها الكتابيون أو المشركون، وحكامها الجائرون، ومنافقوها الماكرون إلا بعض ذنوبها.. فإن تابت الشعوب.. رفع الله جور الحكام عنها..) اهـ.
قلت: توصيف حكام الأمة على الإطلاق بأنهم " جائرون " وحسب، وأن الموقف منهم ينتهي عند حدود توبة الشعوب وحسب، من دون جهاد هؤلاء الطواغيت.. هو توصيف غير دقيق.. ولا يدل على واقع وحال هؤلاء الطواغيت من الكفر والردة، والتبديل.. وما يجب على الأمة نحوهم!
لا أظن أننا بحاجة إلى تذكير الشيخ بواقع هؤلاء الطواغيت الذي يدل على أنهم قد غيروا وبدلوا.. وناصبوا الإسلام والمسلمين العداء.. قبل وأكثر من الأعداء الأصليين للأمة!
حبذا الشيخ أن يذكر لنا ناقضة من نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم.. ثم يُثبت لنا أن هؤلاء الطواغيت - الذي يكتفي بوصفهم بالجور - لم يُمارسوها.. ولم يقعوا فيها وقوعاً جلياً وظاهراً.. إلا إذا أراد أن يتلمس لهم أعذار وشبهات أهل الإرجاء والتجهم.. ولا نظن الشيخ يفعل ذلك!!
قال: (فلو أن المجاهدين التزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام - ومن ذلك التشاور مع من يهمه الأمر، وترك الافتئات على سائر الأمة - لتحقق لهم من النكاية في العدو، وقوة الشوكة ما ينفع ولا يضر، ولما كان لأحد أن يعترض عليهم إلا منافق معلوم النفاق) اهـ
قلت: قول الشيخ: (فلو أن المجاهدين..)؛ يفيد الاستغراق والعموم؛ أي عموم المجاهدين بدون استثناء.. وفي كل مكان.. فهم لا يلتزمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام.. ولا يُشاورون من يهمه الأمر.. وهم يُمارسون الافتئات على سائر الأمة!
وهذا تعميم لا أظن أن الشيخ قد تحر فيه الدقة والإنصاف.. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم الناس جرماً إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها). لاحتمال وجود الصالحين فيها الذين لا يستحقون هذا الهجاء!
قلت: هذا فيمن يهجو قبيلة.. فكيف بمن يهجو مطلق المجاهدين في العالم الإسلامي.. لا شك أن هجاءه وطعنه قد طال الأبرياء منهم.. وهو من الافتئات والتجني، والظلم!!
ولو قال الشيخ: (إن من المجاهدين كذا وكذا..) بصيغة التبعيض لا العموم لكان كلامه مقبولاً ومحتملاً.. وأقرب إلى الصواب.. والله تعالى أعلم.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة). وأولى الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يعنيها الحديث.. وينفي عنهم الاجتماع على ضلالة هم المجاهدون الذين تكفل الله تعالى بهدايتهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت: 69.
ثم مثل هذا التعميم في الطعن بالمجاهدين.. في هذه المرحلة العصيبة بالتحديد.. التي يحتاج فيها المجاهدون إلى كل دعم وتأييد ودعاء.. من المستفيد منه؟!!
والسؤال الأخير للشيخ: كيف عرف أن المجاهدين لا يستشيرون من يهمه أمر الجهاد والمجاهدين.. وهو بعيد عنهم آلاف الأميال؟!!
أم أن الشيخ يرى من الحكمة والسلامة أن يستشيره المجاهدون عبر الهاتف أو غير ذلك من وسائل الاتصال.. وهو يعلم أن أنفاسه وجميع تحركاته - هو وغيره من أهل العلم - تُحسب عليه، وهي تحت مراقبة أعين الظالمين العملاء على مدار الساعة والدقائق؟!!
قال: (إن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة أو المعاونة - ولو كانت بالكلام المجرد - هي كفر بواح، ونفاق صراح، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم.. إننا إذ نذكر بهذا الأمر العظيم لنناشد إخواننا المجاهدين القدماء لا سيما الشيخ عبد رب الرسول سياف، والشيخ برهان الدين رباني أن ينأوا بأنفسهم عن هذا..) اهـ.
أقول: كيف يقرر الشيخ أن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة - هي كفر بواح، ونفاق صراح.. ثم يُخاطب الذين دخلوا دخولاً كلياً في نصرة الكفار على المسلمين.. وكعملاء وأذناب.. بأنهم إخوانه.. وهو يعلم أن الأخوة الإيمانية لا يجوز أن تنعقد لكافر؟!!
قال: (كما نناشد حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان أن تبادر بمبادرة صلح بينها وبين تحالف المعارضة بإصدار عفو عام، وتلبية بعض المطالب، وفتح باب الحوار والتفاهم، وإعطاء القادة المسلمين منهم فرصة لمناصب في الحكومة..) اهـ.
قلت: لو قال هذا الكلام غير الشيخ.. أما أن الشيخ العالم بسياسات القوم.. وخفايا أمورهم.. وبحجم المؤامرات الضخمة التي تُحاك ضد التجربة الإسلامية الممثلة في حركة الطالبان.. ثم هو يقول مثل هذا الكلام.. فإنه لا يُقبل منه؟!
فكلام الشيخ مردود عليه من أوجه عدة، منها: أن القوم قد عرضت عليهم الإمارة الإسلامية ما هو أقل من ذلك.. أن يوقفوا القتال لفترة محددة.. طالبتهم بهدنة محددة.. طالبتهم بأن لا يعينوا أعداء الأمة على مسلمي أفغانستان.. لكن القوم يأبون إلا القتال جنباً إلى جنب مع الأمريكان وحلفائها من النصارى والمرتدين.. ضد المشروع الإسلامي في أفغانستان؟!!
المطلوب.. ليس استئصال الطالبان.. وقيادات طالبان.. وإنما الإسلام الذي تحكم به الطالبان وتعمل على نصرته.. واستبداله بنظام عميل علماني موالٍ لأمريكا ودول الغرب.. ولن يرضوا بأقل من ذلك!
فإذا عرفت ذلك يا شيخ - وأنت تعرفه! - كيف يستسيغ لك أن تطالب الإمارة الإسلامية - بعد كل الذي حصل ويحصل - بأن تفتح صدورها وأبواب حكمها.. لتمكن لهؤلاء العملاء الخونة المرتدين من حكم البلاد والعباد؟!!
أبمثل هذه البطانة الفاسدة - التي تطالب بتمكينها - ترجو أن يُنصر الدين.. وتعلو راياته؟!!
قال: (ثم نتوجه بالمناشدة إلى الكتاب والمذيعين والخطباء - في هذه البلاد وكل البلاد - أن يتقوا الله فيما يقولون..) اهـ.
أقول: معذرة للشيخ لو قلنا له أحياناً أنه يحلم.. فهو يخاطب الناس وكأنهم من جملة رعاياه.. وليس لهم إلا أن يتلقوا تعليماته بالرضى والتسليم والتنفيذ!!
هل يريدنا الشيخ أن نذكره بأن أكثر الكتاب.. وكل المذيعين الذين يعنيهم.. وكثير من الخطباء.. هم أداة طيعة.. وجنود محضرون بين أيدي الطواغيت.. لا وظيفة لهم سوى تنفيذ وترويج ما يُملى عليهم من سياسات وآراء باطلة من قبل أنظمة الحكم الطاغية الظالمة؟!
هل يظن الشيخ أن المذيع - وبخاصة في بلادنا - يستطيع أن يقول ما يشاء.. أم أنه ملزم بنشرة - لا يمكن أن يزيد عليها أو ينقص منها حرفاً واحداً - يكتبها له الساسة المتنفذون من وراء الحجب والكواليس؟!!
ولو طالبهم الشيخ أولاً بأن يكفوا أولاً عن محاربة الإسلام والمسلمين.. ويتوبوا من ذلك كله.. ثم بعد ذلك يطالبهم بأن يتقوا الله فيما يقولون.. لكان لكلامه توجيهاً مقبولاً!!
قال: (وعليهم أن يتذكروا دائماً أن النفسية الإسلامية في العصور الأخيرة هي انفعالية غير متزنة، فهي تفضل أن تخوض معركة الآن أو تدفع كل ما تملك في لحظة انفعال - وإن كان قليل الجدوى - على أن تسلك في برنامج أو خطة لنفع الدين نفعاً عاماً بعد سنة، بحهد رتيب دائم أو نفقة مستمرة) اهـ.
قلت: هذا أيضاً من جملة التعميمات الظالمة التي لم يستثني الشيخ منها أحداً من أبناء الأمة.. فهي تشمل كل أحد.. وكل طائفة وجماعة بما في ذلك الطائفة المنصورة المجاهدة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها قائمة.. ولا تزال قائمة على مر العصور والأزمان.. تجاهد وتقاتل في سبيل الله.. فهي كذلك نفسيتها انفعالية غير متزنة، كما يقول الشيخ؟!!
ثم نقول للشيخ: هاهي الأمة لها أكثر من مائة سنة وهي تسير في تلك الخطط الرتيبة الموهومة التي تريدها وكلما أينع العطاء بشيء من الثمر.. جاء الطاغوت - بكل سهولة واستهانة - ليقطف تلك الثمار بآلته الحادة وبطريقتة المذلة والمهينة.. لا يحسب للأمة أدنى حساب!
وهل أوصل الأمة إلى هذا الموصل من الذل والهوان.. إلا تلك الخطط الوئيدة المزعومة الطويلة الأمد - وبعد أن استمرأ دعاتها العيش في سجون الظالمين ([1]) - والتي في نهايتها تعني شيئاً واحداً: هو تعطيل الجهاد في سبيل الله.. وتجريد المسلمين من جميع أنواع القوة.. وتربيتهم على الذل والاستكانة، والرضى بظلم الطواغيت العملاء؟!
قال: (ثم لا يتصدى للجهاد ويرتدي اسمه ووصفه إلا مجموعات متناثرة لا راية لهم، ولا منهج، ولا تربية..) اهـ.
أقول: هذا طعن صريح لكل من يجاهد في سبيل الله.. لا يستثني الشيخ منهم أحداً.. فكل المجاهدين في نظر الشيخ - ومن دون استثناء - لا راية لهم.. ولا منهج.. ولا تربية.. فهم في ضياع يعلوه ضياع.. وعبارة عن مجموعات متناثرة من " الصيّاع "!
لا يعرفون راية إسلامية.. ولا منهجاً قويماً صحيحاً.. إضافة إلى ذلك كله فهم غير مربين.. عديمي التربية!!
اتق الله يا شيخ.. أترى المسلمين الذين يُجاهدون في هذه الأيام العصيبة في أفغانستان.. أو إخواننا الذين يُجاهدون في الشيشان.. هم بلا راية.. ولا منهج.. ولا تربية؟!!
اتق الله يا شيخ.. وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال). هذا فيمن يقول في مؤمن واحد ما ليس فيه.. فكيف بمن يقول بمجموع المجاهدين بما ليس فيهم.. أو بما ليس في كثير منهم.. نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية؟!!
ثم مثل هذا الطعن والتجريح بالمجاهدين.. من يخدم.. ومن المستفيد منه.. وبخاصة في هذه الأيام؟!!
قال: (أما إذا طعن أهل العلم في الجهاد، أو تنكر أهل الجهاد لأهل العلم، وما أشبه ذلك فقد ذهبت ريح المؤمنين وتناثر صفهم، ووقعوا في سبيل المغضوب عليهم أو الضالين..) اهـ.
أقول: قد أدنت نفسك بنفسك يا شيخ.. فهذا الذي قلته قبل قليل من وصفك للمجاهدين بأنهم بلا راية، ولا منهج، ولا تربية، وغير ذلك.. ماذا تسميه.. وإذا لم يكن هذا عين الطعن فما يكون؟!!
ثم لماذا هذا التفريق بين أهل الجهاد وأهل العلم.. وكأن المفروض في أهل العلم أن يكونوا دائماً وراء مكاتبهم.. ومكتباتهم.. بعيداً عن أهل الجهاد.. وميادين الجهاد والعطاء؟!
ألم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم - قدوتنا وأسوتنا - هو أعلم من على وجه الأرض.. وأعظم مربٍّ وموجهٍ.. وبنفس الوقت الأكثر جهاداً وقتالاً في سبيل الله؟!
ألم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. علماء.. ومجاهدون مقاتلون في آنٍ واحد؟!
أليس هؤلاء هم سلفنا الصالح الذين ندعو الناس إلى التزام منهجهم وطريقتهم.. أم أن السلفية التي نريدها تعني فقط التزام منهج السلف الصالح في المعاملات والعبادات؟!!
من أكبر العوامل التي أدت بالأمة إلى هذا الوهن والضعف.. والشرود عن الحق.. هو تخلي العلماء - إلا من رحم الله - عن المجاهدين.. بعد أن رضوا لأنفسهم بأن يتخلوا عن قيادة الأمة، والتدخل في شؤون السياسة والحياة.. انسجاماً مع المبدأ الباطل القائل بفصل الدين عن الدولة والحياة؟!!
قال: (وفي خصوص الحدث يعلم الأمريكان أن الذي عاداهم وعادوه، ونبذ إليهم ونبذوا إليه هو تنظيم القاعدة أو بالأصح " جبهة جهاد الصليبيين " بأعيانهم وخصوصهم، وأن بقية المسلمين لا يأخذون هذا الحكم ولا يدخلون فيه، فحين تحذر أمريكا رعاياها منهم - لا من كل المسلمين - فإنها تعمل بمقتضى العداوة والمنابذة القائمة..) اهـ.
أقول: يريد الشيخ سفر - ومن خلال استدلاله بقصة أبي بصير - أن يحصر الخلاف والعداء بين أمريكا.. وبين أفراد القاعدة فقط.. دون بقية المسلمين الذين هم في عهد وأمان مع أمريكا.. كما يزعم الشيخ!
فهذا من جهة تبسيط مخل لحجم العداء والمعركة بين أمريكا راعية الكفر والإرهاب العالميين من جهة وبين العالم الإسلامي من جهة أخرى الذي لم يسلم أي جزء من أجزائه من شر أمريكا وحلفائها!
وهو يعني كذلك أن أمريكا لا تتحمل أي مسؤولية تجاه عدائها وجرائمها بحق العراق، وفلسطين، وأفغانستان، والشيشان.. وما أطول القائمة لو أردنا أن نعدد الدول والشعوب الإسلامية التي تكتوي من نيران وعدوان أمريكا.. المباشر منه والغير مباشر.. فأمريكا لا يوجد بينها وبين شعوب تلك الدول أي عداء؛ لأن عداءها - حسب قول الشيخ - محصور مع القاعدة فقط!
وهو يعني كذلك إغراء لأمريكا بأن تثأر لنفسها من القاعدة وأفرادها بالطريقة التي تشاء، وهي مطمئنة تجاه موقف العالم الإسلامي منها.. لأن عداءها محصور فقط مع القاعدة وأفرادها.. وليس مع أحدٍ غيرهم من الأمة.. وهو نفس منطق الحكومات العربية!!
إذا كان الشيخ سفر يقول بذلك.. فلا عتب على أولئك الحكام الذين تخلوا عن نصرة المسلمين في أفغانستان!!
والذي يمكن قوله هنا - وقد قاله غيرنا كثير من أهل العلم - أن أمريكا في حرب وعداء صريح مع جميع المسلمين في العالم.. ولا يوجد بينها وبين أي مسلم في العالم عهد ولا أمان إلا مسلم دخل أراضيها بعهد وأمان.. فحينئذٍ يلزمه الوفاء بعهده وأمانه.. كما يلزمهم الوفاء بعهدهم وأمانهم نحوه.. وما استدل به الشيخ سفر من قصة أبي بصير وغيرها من الأدلة لا يمكن أن يُحمل على أوسع من ذلك فيما يخص هذه المسألة.. والله تعالى أعلم.
وما تقدم لا يلزم انتفاء مطلق الأمان لأي مواطن أمريكي يدخل بلاد المسلمين بعهد وأمان.. فتنبه لذلك.
قال: (أما أنه لا يجوز لهذه الفئة ولا لأي فئة أن تجلب على الأمة عداوة لا قِبَل لها بها، تجرها إلى معركة غير متكافئة لم تستعد لها الأمة ولم تتوقعها، فهذا ما نرفع به الصوت ولا نخافت، ولكن إن أبت تلك الفئة إلا الاستبداد بالرأي وفعلت ما عنّ لها بلا مشورة ولا مراعاة مصلحة، فإننا حينئذٍ سنكون نحن الأبرياء ونحن الضحايا لانتقام العدو الغاشم..) اهـ.
أقول: نسأل الشيخ - رجاء أن يُجيب - أي أمة هذه التي يقصد.. أمة الجهاد.. أمة الإعداد والاستشهاد.. أم أمة الغثاء.. أمة الزَّبد.. التي نامت منذ مائة عام ولم تستيقظ بعد.. ولم يأن لها أن تستيقظ؟!!
من يقصد.. أمة الجهاد والاستشهاد.. أم الأمة التي يمثلها طواغيت الحكم الذين باعوا البلاد والعباد - منذ زمن ليس بالقريب - لأعداء الملة والدين؟!!
ومن يقصد بضرورة مشورته.. أهل الاختصاص من العلماء العاملين المجاهدين الذين امتطوا صهوة الجهاد.. أم علماء السلاطين.. أم وزراء داخلية الدول العربية التي ما اجتمعت قط.. وما توحدت كلمتها قط إلا على مسألة واحدة.. وهي حرب الإسلام والمسلمين.. باسم محاربة الإرهاب زعموا؟!!
ننتظر جواباً من الشيخ؟!
قال: (وليس الحل أن نقف مع العدو عليها - أي على الجماعات الجهادية - فهذا حرام على كل حال، ولكن في التحاور معها في قضايا المصالح والمفاسد، وبيان أخطائها ولو أدى ذلك إلى هجرها والتنفير منها) اهـ.
أقول: قول الشيخ " هذا حرام.. " تبسيط مخل لجريمة التعاون مع المشركين الكافرين على المجاهدين الموحدين.. لا يُعط البعد الحقيقي للحكم الذي يستحقه هذا المتعاون مع الكفار على المسلمين.. ألا وهو الكفر والردة.. والمروق من الدين!
شرب الدخان حرام.. ومظاهرة المشركين على المسلمين حرام.. لكن يوجد فرق بين حرام وحرام، وما يلحق كل حرام من أحكام وتبعات.. وكان ينبغي على الشيخ أن يبين ذلك.. فلا يكفي منه - مثلاً - أن يقول عبادة الأصنام حرام.. كأي حرام!
ثم هل اختلافك - يا شيخ - مع تلك الجماعات الجهادية في تقدير المصالح والمفاسد.. يكفي لك أن تحرض الناس على هجر تلك الجماعات وعلى التنفير منها؟!
ثم عندما تهجرها - وأنت مع ذلك تلزمهم بمشورتك - وتطالب الناس بأن يهجروها.. وتنفرهم منها.. فمن المستفيد.. وهذه الخدمة في صالح من تصب؟!!
لو قال هذا الكلام غيرك يا شيخ لكان لنا معه شأن آخر.. وظننا فيه الظنون!
ألست أنت القائل في أول بيانك: (وليعلم كل من أدان أو جرّم أن لازم ذلك إجازة الانتقام وهو مالا تريد أمريكا من الشعوب أكثر منه، ثم هي بعد ذلك ستنفرد بكيفية الانتقام، وتحديد من يشمله، وإلى أي مدى يبلغ بلا حسيب ولا رقيب.."؟!!
إذا كان من يدين العمل ويجرمه فهو يعطي بذلك رخصة للطواغيت الظالمين - كما ذكرت - بأن ينتقموا ممن شاءوا وبالطريقة التي يشاءون.. فكيف بمن يزيد على ذلك بحمل الناس على هجر المجاهدين.. والتنفير منهم.. ومن أعمالهم.. وما يستلزم ذلك من الطعن والتجريح.. لا شك أنه أولى بالترخيص للطواغيت الظالمين على الانتقام.. وتجريئهم على الإسراف في الانتقام؟!
فأنت يا شيخ تدين نفسك بنفسك.. وما تقوله في موضع تنقضه في موضع آخر!!
قال: (وهذا المسلم - على تقدير خطئه في الانتقام من العدو أو اعتباره من ليس بعدو عدواً - ليس بأكثر ذنباً من أصحاب الكبائر كالزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، ومعلوم مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر.. أما تكفيرهم - صريحاً أو إيماءً - فهو من كبائر الذنوب، يخشى على صاحبه أن يعود ذلك عليه..) اهـ.
أقول: جزاك الله خيراً يا شيخ.. لكونك أنزلت المجاهدين منزلة أهل الكبائر من مرتكبي الزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين.. ومنعت من تكفيرهم.. لمجرد اجتهادهم الخاطئ في تشخيص العدو.. فهذا من إنصافك وعدلك.. وذودك عن أعراض وحرمات المجاهدين؟!!
يكفي لبطلان ما قررت أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنزل خالد بن الوليد t منزلة أهل الكبائر لما قتل خطأ أولئك النفر الذين قالوا: صبأنا.. ولم يُحسنوا أن يقولوا أسلمنا.. فعاجلهم خالد بالقتل كما هو ثابت في الصحيح وغيره.. حيث اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرؤ من صنيع خالد.. مع بقاء خالد قائداً وأميراً على جيوش المسلمين.. وسيفاً من سيوف الله المسلولة على أهل الباطل!
قال: (فإن الخطب الرنانة والمقالات والتحقيقات الواسعة في بلادنا عن الحادث التي توحي بأن التهم حقيقية.. وتصور هؤلاء الفتية وكأنهم شياطين مردوا على الشر لا غاية لهم إلا تدمير السلام العالمي، والبطش بالأبرياء.. هي مجافاة لمنطق العدل، ومنطق الدفاع عن البلد وأبنائه، وإساءة بالغة لمشاعر أهلهم وقبائلهم، وهي منافية بوضوح لتصريحات المسؤولين التي لم تزد على وصف هؤلاء بأنهم ضحايا تغرير، فهكذا كان تصريح وزير الداخلية، وهو أكثر الناس متابعة لهؤلاء وأعرفهم بدوافعهم.. أفلا يسع كتابنا وخطباؤنا أن يسكتوا.. أو يقفوا عند حدود تصريحات المسؤولين الذين يحسبون الحساب لما يقولون، ولا يُجازفون بالعبارات الإنشائية في مواقف شديدة الحساسية.. الحقيقة الإعلام المصري أفضل موقفاً في هذه المرة..) اهـ.
قلت: المفاجئ من كلام الشيخ هنا هذا التأدب البالغ في التعامل مع المسؤولين.. وبخاصة منهم جلاد الجزيرة.. عدو الإسلام والمسلمين وزير الداخلية السعودي الذي لم يسلم من شره وظلمه داعية إلى الله.. بما فيهم الشيخ سفر ذاته الذي أمر باعتقاله لأكثر من خمس سنوات!
فالشيخ سفر على سعة علمه واطلاعه ومعرفته بخبايا وخفايا الأمور.. يقف كتلميذ مؤدب أمام جلاد الجزيرة وزير الداخلية السعودي.. راعي المؤتمرات العربية لمكافحة الإرهاب.. يلزم نفسه والأمة معه بأن تقف عند قول وزير الداخلية العالم العارف.. وأن لا تتقدمه أو تتجاوزه في شيء.. لا بقول ولا فهم ولا تفسير.. هذا الذي يقوله الناس عنك يا شيخ.. وعن أستاذك الجديد الذي فاجأتنا به جميعاً!!
ثم لماذا هذه التزكية للإعلام الفاجر المصري.. والشيخ يعلم أن الإعلام المصري تعامل ومنذ اللحظة الأولى من الأحداث.. بأسلوب التجريم والتأثيم.. وضرورة ملاحقة الإرهابيين في كل مكان على حد زعمه!
وهو - والنظام السعودي - من أوائل المؤيدين للحملة الأمريكية ضد أفغانستان.. باسم مطاردة وملاحقة الإرهابيين.. زعموا!!
أقل ما يُقال في الإعلام المصري.. وطريقته في التعامل مع الأحداث.. ما قاله الشيخ سفر ذاته في أول بيانه: (وليعلم كل من أدان أو جرّم أن لازم ذلك إجازة الانتقام، وهو ما لا تريد أمريكا من الشعوب أكثر منه، ثم هي ستنفرد بعد ذلك بطريقة الانتقام..".
والسؤال: ألم يكن الإعلام المصري.. هو أول من جرَّم وأدان.. وتجاوز ذلك إلى التحريض والتأييد.. ومطالبة الدول بتسليم من عندهم من الإرهابيين.. زعموا؟!
فإن كان الجواب نعم.. ولا يجوز أن يكون غير ذلك.. فكيف تصفه يا شيخ سفر بأنه الإعلام الأفضل في هذه المرة؟!!
أخشى أن يكون أستاذك الجديد الذي فاجأتنا به - الذي أخذ علومه وخبراته من جامعات التعذيب والتنكيل المصرية - هو الذي أملى عليك هذه الكلمات، ولا أظن ذلك بعيداً!
قال: (التضييق الذي تمارسه أكثر الحكومات العربية على الشعوب هو سبب رئيس في تعاطفها المطلق مع كل ما يصدر عن هؤلاء، وإمدادهم بمزيد من الأفراد.. وقد صرحت المصادر الغربية نفسها بهذه الحقيقة.. وقد جاء الدليل على هذا جلياً بعد الانتفاضة المباركة، حين أوذي بعضهم بسبب إبداء رأيه في الأحداث، أو توزيع فتاوى عن مقاطعة الشركات الأمريكية، فما كان منه إلا أن فارق البلد وخرج للجهاد.. وبقدر ما تعطي الحكومة في أي بلد الفرصة للإنكار على ما يجري في فلسطين وغيرها، وحرية الاحتجاج والتعبير.. بقدر ذلك تكون قد تجنبت تفريخ الخلايا الانتقامية التي لا تستشير، ولا تبالي بالإقدام على أي عمل كبير أو صغير، وقد أثبتت الحوادث المتكررة أنهم إذا قالوا فعلوا، وإذا توعدوا وفُوا.. وهم مع هذا مضطرون مكروبون بما جرى لهم وما يجري لأمتهم، فتأتي أعمالهم بما يُشبه المعجزات سواءً في أفغانستان أو في الشيشان، أو في الصومال، أو في كشمير، أو في البوسنة..) اهـ.
قلت: قوله" كل ما يصدر عن هؤلاء.. " يعني بهم المجاهدين.. الذين جاهدوا ويجاهدون في أفغانستان أو في الشيشان، أو في الصومال، أو في كشمير، أو في البوسنة..كما أبان ذلك في نهاية الفقرة!
والسؤال: لماذا فقط هؤلاء.. وكأنهم نكرة لا يستحقون وصف ومسمى المجاهدين.. أهكذا يكون إنصاف المجاهدين والذب عن أعراضهم وحرماتهم؟!
ثم هؤلاء المجاهدين الذين جاهدوا ويُجاهدوا في الدول الآنفة الذكر.. هم عبارة - كما زعم الشيخ - عن خلايا انتقامية متهورة لا تستشير، ولا تبالي بالإقدام على أي عمل.. مرضى مكروبون بما جرى لهم؟!!
اتق الله يا شيخ.. أبمثل هذا الطعن والغمز يكون ذودك عن المجاهدين.. بل أنا وأنت وأمثالنا من القاعدين هم المكروبون المهمومون.. ولا شيء يُذهب عنا الهم والغم، والكرب كالجهاد في سبيل الله، كما في الحديث الصحيح: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهمَّ والكرب).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يَغزُ، أو يُجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة). وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب).
وقال تعالى: {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً}.
فهذا الكرب.. وهذا العذاب الذي أصاب ويصيب الأمة - والذي تشير إليه تكراراً في كتاباتك! - ما هو إلا بسبب تخليها عن الجهاد في سبيل الله!
فهذا قول ربنا عز وجل وقول نبيه صلى الله عليه وسلم.. لا نحيد عنه.. وهو أصدق من قولك عن المجاهدين بأنهم عبارة عن خلايا انتقامية مكروبة!
وقول الشيخ عن الحكومات العربية بأنها لو تركت الحرية للناس في التعبير عن آرائها تجاه ما يجري في فلسطين وغيرها.. لما تولدت تلك الخلايا الانتقامية الجهادية.. ولانقرضت ولما انضم إليها أحد من الناس..
وهذا كلام باطل مردود عليه من وجهين:
أولاً: النصوص الشرعية التي تحض وتأمر المسلمين بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته في الأرض - وليس من أجل تحقيق الحريات! - في كل الأجواء أجواء الحرية والديكتاتورية سواء.. وسواء أتيحت للمسلمين حرية التعبير أو لم تُتح.. وما أكثر الآيات والنصوص الشرعية التي تبين ذلك لو أردنا استعراضها وبيانها.. ولا أظنها تخفى على عامة المسلمين فضلاً أن تخفى على الشيخ!
ثانياً: أن دافع المجاهدين قديماً وحديثاً على الجهاد في سبيل الله ليس لعدم توفر حرية التعبير لهم.. كما زعم الشيخ.. فشهداء الصحابة من قبل - بعد أن رأوا الجنان ونعيمها وتذوقوا طعامها وشرابها.. ورأوا مالا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. وتنعموا بحرية لا يمكن أن يحلم بها مخلوق على وجه الأرض - تمنوا على الله تعالى أمنية واحدة فقط أن يعيدهم إلى الدنيا ثانية للجهاد في سبيل الله.. لما رأوا للمجاهد والشهيد من كرامة وحسن منزلة!
وهذا هو نبينا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: (والذي نفس محمدٍ بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ولأن أقتل في سبيل الله أحبُّ إلي من أن يكون لي أهل الوبَر والمدَر).
والسؤال: هل كان نبينا صلى الله عليه وسلم - حاشاه - يتمنى أن يُقتل في سبيل الله.. لأن حرية التعبير لم تكن متوفرة له.. أم لأن الله تعالى قد أمره وشرع له ولأمته الجهاد في سبيل الله؟!!
فإن قلت: لا تحدثني عن النماذج القديمة.. حدثني عن النماذج المعاصرة الحديثة؟
أقول لك ولكل من يعيش عقدة الحرية: ليس سراً ولا خفياً لو قلت أن كثيراً من الشباب الذين انطلقوا للجهاد في الشيشان، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك وغيرها من البلدان.. كانوا ممن يعيشون في بلاد الغرب.. وبعد أن تزوقوا حرية التعبير.. وغيرها من الحريات.. مما لم يجدوه في بلادهم الأصلية.. ووجدوا فيها جميع الملذات الدنيوية.. ومع ذلك لما نادى منادي الجهاد لبوا النداء.. وتركوا المتاع.. ولم تصدهم الحريات السائدة عن المشاركة في ميادين الشرف والجهاد في سبيل الله تعالى!!
ولكن الذي يمكن أن نقوله هنا: أن وجود الظلم.. وانتهاك الحرمات.. بالقتل والسجن والسلب، وغير ذلك من الاعتداءات على الحقوق.. لا شك أنه يكون ذلك حافزاً إيضافياً على الجهاد في سبيل الله؛ لأن الإسلام أمر بالدفاع عن النفس، وعن الأعراض، والأوطان.. ورد المظالم.. والانتصاف للمظلوم من الظالم.. فهذا كله من الحوافز على الجهاد في سبيل الله!
كما قال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39.
كما يمكن القول كذلك: أن ممارسة سياسات الكبت والقهر والإذلال.. وتكميم الأفواه من قبل طواغيت الحكم.. قد تولد بعض التصرفات - كردة فعل من بعض آحاد الناس - الغير مسؤولة.. واللاشرعية.. لا تمت للجهاد الحقيقي الشرعي بصلة.. ولكن هذا شيء.. والحديث عن الجهاد والمجاهدين شيء آخر.. لا يخلط بينهما منصف!
قال: (إن الانفتاح على هؤلاء، وإتاحة الحرية لهم في عرض ما لديهم، ومحاورتهم على ضوء قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية هو الحل الصحيح والوحيد، وإلا سندخل في متاهة لا قرار لها، ولا أدل على معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم كما سنعرضه مجملاً في الفقرة التالية..) اهـ.
قلت: مرة ثانية يتحفظ الشيخ من وصف المجاهدين باسمهم ووصفهم.. ويكتفي بالإشارة إليهم كنكرات من خلال تعبيره عنهم.. بهؤلاء!
لكن الجديد في قوله هنا أن وجود المجاهدين كظاهرة.. فهي تؤرق على الشيخ راحته.. كما تؤرق على طواغيت الحكم راحتهم وأمنهم.. لذا هو يدلهم على الحل الذي من خلاله يتمكنون من حل تلك الجماعات الجهادية والقضاء عليها.. والحل في نظر الشيخ.. الذي يرشد الطواغيت إليه هو: أن يُتيحوا لهؤلاء.. الحرية.. ويستجروهم للنقاشات المفتوحة.. وبصدر مفتوح.. ليتعرف أستاذه الجديد عليهم جيداً.. حامي الحمى ضد الإرهاب.. فينقضَّ عليهم وقت يشاء، وبالطريقة السهلة التي يشاء!!
فإن قيل: هو يقصد بهؤلاء أي الغلاة من المجاهدين؟!
أقول: كلام الشيخ لا يُفيد بذلك.. بل هو يفيد عموم المجاهدين.. لنعيد قراءة قوله ثانية: (ولا أدل على هذا من معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم..".
فقوله " إلى بعضهم " يعني أنه يريد من قوله عن هؤلاء.. أي جميع المجاهدين الصالحين المعتدلين منهم ومن تسرب إليهم الغلو.. الذين هم بعض من هؤلاء!!
فهؤلاء جميعهم - الصالح منهم ومن تسرب إليه الغلو - يشكلون - عما يبدو - مشكلة كبيرة على الشيخ تؤرق عليه مضجعه، كما أرَّقت مضاجع الطواغيت من قبله.. يُساهم - من خلال طرحه الآنف الذكر - في حلها والقضاء عليها!!
قال: (وفي أفغانستان التقى المتطوعون القادمون - من كل مكان حتى من مصر نفسها - بلا منهج ولا تنظيم بهؤلاء الذين يحملون منهجاً في التغيير وفكراً تنظيمياً ومعاناة طويلة. وهكذا تأثر بعض الشباب بهم على اختلاف فيما بينهم وتفاوت في الغلو أو الاقتناع باستخدام العنف، وظلت مصر الوقود لهذا الغلو والتفرق..) اهـ.
قلت: هذه نظرة الشيخ سفر لصفوة الأمة من الشباب المسلم الذين جاهدوا في أفغانستان.. ودافعوا عن دين وحرمات الأمة.. فهم عبارة عن مجموعات متفرقة من الغلاة.. يؤمنون بالعنف.. وليس بالجهاد.. على تفاوت فيما بينهم في الغلو واستخدام العنف.. التقوا على غير ميعاد على أرض أفغانستان.. وهكذا تمت عدوى انتقال الغلو واستخدام العنف إلى بقية الأمصار والبلدان والشعوب.. عن طريق الاحتكاك بهؤلاء الغلاة الذين يؤمنون بالعنف.. هذه هي القصة باختصار كما يذكرها الشيخ، وكما يعتقد بها!!
قال: (وهكذا بلغ الشحن النفسي غايته داخلياً وخارجياً، دون أن تتراجع الحكومة المصرية عن مسلسل الحسم وحلقاته من القتل والتشريد والسجن بالظنة أو لمجرد اللحية وغطاء الشعر للفتيات، ومضت قدماً في تحريض الدول الأخرى على الإسلاميين ونجحت مساعيها من خلال تبني مؤتمرات وزراء الداخلية العرب لذلك، وسرعان ما سابقها النظام التونسي في هذا المجال، ناهيك عن النظام البعثي في سورية الذي كان قد دمر أهم مدينتين لأهل السنة حماة في سورية وطرابلس في لبنان، وسجن وشرد عشرات الآلاف بحيث تجاوزت مأساتهم مأساة الفلسطينيين، وقل عن دول أخرى مثل ذلك..) اهـ.
قلت: ولنا أن نسأل: هذه المؤتمرات التي عُقدت لوزراء داخلية العرب.. التي اجتمعت على محاربة الإسلام.. التي أشار إليها الشيخ في كلامه أعلاه.. ألم يكن وزير داخلية الدولة السعودية هو زعيمها والمحرض عليها بالدرجة الأولى؟!!
أحسنت وصفاً لحالي النظامين الطاغيين: النظام المصري، والنظام الطائفي البعثي النصيري السوري.. والسؤال: ألم تكن السعودية هي أكثر الدول حماساً في تأييد ودعم هذين النظامين وما يصدر عنهما من سياسات ومواقف باطلة؟!!
لما هلك طاغية الشام وولي ولده مكانه..أول من بارك ولايته وحكمه هي الدولة السعودية.. من خلال زيارة ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز والوفد المرافق له إلى دمشق.. ليقول للنظام الطائفي النصيري المجرم وجلاديه: نحن أبناء آل سعود نقدم لكم أسمى آيات الولاء والدعم والتأييد.. بعد أن أبدوا تعازيهم الحارة بهلاك الطاغية حافظ الأسد.. الذي قلت عنه أنه دمر مدينتي حماه وطرابلس!!
أليس الذي يدعم ويؤيد ويبارك، ويوالي الظالمين المجرمين.. له نفس وزرهم وجرمهم؟!
فإن كان الجواب نعم - ولا يجوز أن يكون الجواب غير ذلك - لماذا لم تشر إلى ذلك ولو بكلمة واحدة من خلال بيانك المطول هذا؟!
وهل الكفر محصور في موالاة النصارى فقط.. أمَّا موالاة النصيرية الأشد كفراً ومروقاً من اليهود والنصارى كما يقول ابن تيمية وغيره.. هو جائز ومباح.. ولا حرج فيه؟!!
ثم هاهي الأخبار تطالعنا اليوم عن اتفاق الدولة السعودية وتنسيقها مع المجتمع الدولي على تنصيب الكافر الفاجر ظاهر شاه كحاكم على أفغانستان.. عند سقوط حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان؟!!
إما أن تصدع بالحق كاملاً.. أو تسكت يا شيخ.. لعلك تُعذر؟!!
قال: (مخاطبة الحكومات في البلاد الإسلامية وإشعارها.. بأن ما تريده أمريكا من مراصد استخباراتية ومراكز للمعلومات عن الصحوة الإسلامية، ورقابة على خطب الجمعة وغيرها، بل وللاغتيالات كما صرح أكثر من مسؤول أمريكي.. مرفوض جملة وتفصيلا.. وكل دولة توافق عليها - ولا سيما تلك المجاورة للعدو الصهيوني فهي خائنة لله ولرسوله ولقضايا الأمة، وموالية للكفار على المسلمين، ويجب على بقية الدول فضحها وعدم إمدادها بأي شيء.. وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية، أما لو حدث اغتيال أحد المجاهدين من طريقها فسوف يؤدي إلى انتقام لا تُحصر أبعاده) اهـ.
أقول: سامح الله الشيخ الفاضل.. وهل أمريكا تحتاج إلى إقامة مراصد استخباراتية في بلاد المسلمين.. ما حاجتها لذلك إذا كانت الحكومات ذاتها المتسلطة على رقاب ومقدرات الشعوب تعمل كمراصد استخباراتية لصالح أمريكا.. ألم توقع جميع الحكومات العربية وغيرها.. على عشرات القوانين الصادرة عن الأمم المتحدة والمتعلقة بالإرهاب.. والتي تعني بكل وضوح محاربة الإسلام، ورصد تحركات المسلمين العاملين.. وتجفيف الينابيع.. وغير ذلك من الملاحقات والمتابعات.. باسم محاربة الإرهاب والإرهابيين.. زعموا!!
قول الشيخ: (ويجب على بقية الدول فضحها، وعدم إمدادها بشيء..)، أي للدولة التي تسمح لأمريكا أن تقيم في أراضيها مراصد استخباراتية.. والسؤال: أين هذه الدول التي لم تسمح.. حتى تقوم بفضح ومعاقبة الدول التي سمحت لأمريكا أن تقيم مراصد استخباراتية؟!!
هل يستطيع الشيخ أن يوجد لنا دولة من الدول العربية لم تدخل دخول العبيد في موالاة ونصرة أمريكا؟!!
هل يستطيع الشيخ أن يثبت لنا وجود دولة واحدة من هذه الدول التي يخاطبها.. ليست عميلة لأمريكا أو غيرها من دول الغرب!
ألم يعلم الشيخ أن دولته السعودية فيها عشرات القواعد العسكرية الأمريكية.. وما يزيد عن (5000) آلاف جندي أمريكي.. ماذا تراهم يعملون هؤلاء.. يلعبون.. أم أنهم يرصدون.. ويخططون.. ويدبرون؟!!
لو قال هذا الكلام غيرك يا شيخ لقلنا لعله لم يطلع على عمالة وخيانة هذه الأنظمة لأمتهم ودينهم.. أما أنت المعروف بالدراية التامة بخفايا هذه الأنظمة العميلة.. وبدراساتك وتحليلاتك المعمقة.. تقول ما تقدم من كلام.. فإنا لا نقبله منك.. ولا نقيلك منه!
أما قول الشيخ: (وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية..).
تنبيه من.. وعلى من.. ثم كيف تضمن وجود شباب الجهاد وقتئذٍ.. وأنت تدعو جميع الحكومات والمسؤولين على تصفيتهم وتذويبهم في مجتمعاتهم من خلال مشروع الانفتاح والحرية الذي تقترحه.. وبعد أن ألصقت بهم جمعاً من الاتهامات والطعونات الجارحة.. تقدمت الإشارة إليها؟!!
وفي خطابه المفتوح إلى الرئيس بوش:
قال الشيخ: (أكتب إليك وأنا فرد من أمة مستضعفة مضطهدة في مثل الحال التي كان عليها عيسى عليه السلام حين كان يتعرض لعدوان اليهود من جهة والرومان من جهة أخرى) اهـ.
أقول: وصف أمة الإسلام بالاستضعاف.. وتشبيهها بما كان عليه عيسى عليه السلام ومن معه من الاستضعاف.. وصف لا يصح ولا يليق، وذلك من أوجه:
أولاً: من جهة النصوص الشرعية التي ترد وتبطل هذا الزعم والوصف، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} المنافقون: 8.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بُعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري).
ثانياً: إن الطائفة المنصورة المجاهدة الظاهرة على الحق.. والتي لا يضرها من خذلها أو من خالفها.. التي تفيد النصوص الشرعية بأنها موجودة في زماننا وفي كل زمان.. تبطل كذلك زعم الاستضعاف الذي ادعاه الشيخ لأمة الإسلام، كما في الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "
وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).
فهم بنص الحديث: قاهرين لعدوهم.. ظاهرين بالحق.. قائمين بأمر الله.. لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.. فكيف يليق بمن هذه هي صفتهم على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم أن يوصفوا بالاستضعاف؟!!
ثالثاً: إضافة لما تقدم ليس من السياسة الشرعية التظاهر بالاستضعاف أمام أعداء الله والدين.. الذين لا يزيدهم ذلك إلا غياً وكبراً واحتقاراً للمسلمين!
رابعاً: ما ذكره الشيخ هنا هو مناقض لما ذكره في بيانه عن الأحداث حيث قال هناك: (أن هذه الأمة الإسلامية أمة مصطفاة، مرحومة، منصورة مهما نزل بها من المصائب وحل بها من الضعف والهوان.." !!
قال: (ولا زلنا نأمل أن تراجع الولايات المتحدة مواقفها وتكون أقرب إلى العدل لكي نرجع إلى حسن ظننا بها.. ولكن الثقة في أمريكا وعدالتها سرعان ما اهتزت..) اهـ.
قلت: متى حسن المسلمون الظن بأمريكا.. حتى يرجعوا إلى تحسين الظن بها.. إلا إذا كان الشيخ بقوله " ولا زلنا.." يقصد الحكومات الطاغية المسلطة على رقاب المسلمين.. فهو يتكلم بالنيابة عنهم؟!!
ثم كيف يجوز أن يحسن الظن بالدولة الأمريكية.. ويلتمس منها العدل.. والشيخ ذاته يصفها في مطلع بيانه عن الأحداث بأنها: (جمعت بين جبروت عاد، وعدوان ثمود، واستكبار فرعون، وخبائث قوم لوط، وتطفيف أهل مدين، وضمت إلى ذلك مكر اليهود، وحرصهم على الحياة، وتلاعبهم بالألفاظ، وتزكيتهم لأنفسهم على كل أحدٍ سواهم.."؟!!
أمة هذه بعض صفاتها كما يقول الشيخ.. فكيف من جهة أخرى يُحسن بها الظن.. ويلتمس عندها العدل؟!!
قال: (ولقد حرصنا نحن المسلمين على انتخابكم - أي انتخاب الرئيس بوش - ونحن نملك الأدلة على أن غالبية الأصوات المرجحة لفوزكم هي أصواتنا، وأنا شخصياً نصحت المسلمين بذلك، وكان بعضهم يأمل بأن تكونوا أقرب إلى العدل من الديمقراطيين مع أن بعضهم الآخر كان صريحاً في أن الأمر لا يعدو اختيار أهون الشرين، ولم نفعل ذلك نسياناً منا لجرائم حزبكم ووالدكم في كل أرض إسلامية..)اهـ.
قلت: كلام الشيخ هنا باطل.. وهو مردود عليه من أوجه:
منها: هو باطل من جهة الترخيص للمسلمين في أن يُشاركوا في اللعبة الديمقراطية المعمول بها في أمريكا، وما يترتب على ذلك من مزالق عقدية وشرعية.. لا تُحمد عقباها.. ولا يمكن أن تُبرر مهما قيل عن مصالح مزعومة.. إذ المصلحة الشرعية المعتبرة هي المصلحة التي لا تعارض نصاً صريحاً من نصوص الشريعة.. فكيف وهي هنا تُعارض أصول الشريعة وكلياتها.. كما كنا قد بينا ذلك في مواضع عديدة من أبحاثنا!
ومنها: أن التعاون على إيصال مثل هذا المجرم السفاح إلى سدة الحكم هو من قبيل التعاون على الإثم والعدوان.. ويُخشى على الشيخ - إلا أن يعفو الله - أن يتحمل قسطاً من إجرام هذا الرجل وما يرتكبه بحق المسلمين في أفغانستان وغيرها من إجرام ومذابح.. لأنه - كما زعم - هو السبب الأكبر في إنجاح بوش.. وترشيحه إلى سدة الحكم.. وأن أصوات الشيخ هي التي أوصلته إلى هذا الموصل الذي هو عليه الآن من الإجرام والاعتداء!!
ومنها: أن ما يُقال عن الجمهوريين بأنهم أهون شراً من الديمقراطيين.. هو كلام سطحي مرفوض شرعاً وعقلاً وواقعاً.. حيث دلت جميع القرائن والأحداث.. أن الحزبين سواء من حيث الإجرام والعداء للإسلام والمسلمين!!
لا ينبغي للشيخ - الواعي والعالم - أن يقع في شباك أضحوكة التفريق بين: الجمهوريين من جهة والديمقراطيين من جهة.. وبين حزب العمال في بريطانيا، وحزب المحافظين.. وحزب الليكود الصهيوني ونظيره حزب العمل.. من حيث موقف هذه الأحزاب من قضية الإسلام والمسلمين.. إذ ملل الكفر - وإن تفرقت فيما بينها إلا أن - موقفها واحد تجاه الإسلام والمسلمين.. ومصالحهم!!
ومنها: أن الشيخ ذاته - في مطلع خطابه المفتوح - يذكر أن الديمقراطيين أحسن حالاً من حكام الجمهوريين.. حيث يقول: (ثم جاء الرئيس " كلنتون " وإدارته اليهودية وكان أكثر اهتماماً منك ومن أبيك بحل المشكلة.. " أي المشكلة الفلسطينية؟!
والسؤال: إذا كان الشيخ يعلم أن الديمقراطيين - الذي يكون كلنتون واحداً منهم - أكثر اهتماماً بحل المشكلة من الجمهوريين - الذي يكون بوش واحداً منهم - كيف يوصي باختيار وترشيح بوش الأقل اهتماماً بحل المشكلة؟!!
لا تلعب بالنار يا شيخ.. لأن يقول عنك الناس أخطأت خير لك من أن يقولوا عنك كفرت..