بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
توجد حقائق حول الصراع في فلسطين لا ينبغي - ونحن في غمرة الحماسة والصراع مع بني يهود - نسيانها.. أو تجاهلها وغض الطرف عنها!
فمن لوازم فهم حقيقة الصراع - أي صراع - فهم طبيعة الصراع، والحقائق المحيطة بهذا الصراع.. والعناصر التي تتحكم به وتوجهه!
وللصراع في فلسطين حقائق ثابتة.. كأنها رأي العين.. دل عليها المنقول والمعقول، والواقع المجرب والملموس.. نجملها في النقاط التالية:
الحقيقة الأولى:
أن اليهود في فلسطين غرباء.. ودخلاء.. وجلب من أطراف وبلدان عدة.. ولصوص.. سطوا على أملاك وأراضي الآخرين.. لا حق لهم البتة في فلسطين.. وأرض فلسطين!
وهذا يعني أن وجودهم في فلسطين وجود غير شرعي.. والاعتراف بهم وبدولتهم على ثرى وأرض فلسطين لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً.. فالاعتراف للص بشرعية ما استملكه عن طريق الغصب والسطو لا يُحيل استملاكه لهذا الشيء إلى حق مشروع ومباح.. مهما طال زمن استملاكه لهذا الشيء!
الحقيقة الثانية:
أن اليهود كانوا ولا يزالون دعاة غدر وحرب.. دعاة قتل ودم.. لا يعرفون للسلام معنى ولا طعماً.. لا يُراعون حرمة لعهد ولا ميثاق.. ما يقتطعونه على أنفسهم من عهود في المساء ينقضونه في الصباح، وما يقتطعونه على أنفسهم في الصباح ينقضونه في المساء!
ما من حرب وخديعة تُحاك إلا وتجد أصابع يهود من ورائها.. كما قال تعالى عنهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} المائدة:64.
وهذا يعني أن الذين يسعون للسلام مع اليهود فإن مسعاهم في سراب.. وهم يُحاولون عبثاً.. ومن جهة يُثبتون أنهم لا يعرفون بني يهود.. ولا طبائعهم الشريرة التي تنطوي عليها نفوسهم المريضة!
وهذا الذي نقوله هنا ليس هو من ضروب التحامل عليهم.. لا.. فإن تاريخهم وواقعهم يشهد عليهم بكل ذلك، وهو مليء بالشواهد والأدلة.. فما يُعطونه مما اغتصبوه بيد يستردون أضعافه باليد الأخرى.. وبخاصة إن ظهر لهم أنهم قادرون على ذلك!
كم من اتفاق يبرمونه ويوقعون عليه ثم - طمعاً وشحاً - ينقضونه.. ويفعلون خلافه كلما سمحت لهم الظروف بذلك؟!
الحقيقة الثالثة:
أن اليهود أشد الناس عداوة وكرهاً لهذه الأمة.. ولدينها، كما قال تعالى عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} المائدة:82.
وواقعهم - عبر تاريخهم كله - مع الأمة يُصدق ذلك.. ومن كان كذلك لا يمكن أن يُرجى منه خير قط لهذه الأمة!
الحقيقة الرابعة:
أثبت اليهود - عبر تاريخهم كله وإلى الساعة - أنهم لا يستجيبون لمنطق الشجب والاستنكار أو المطالبة.. وأنهم لا يفهمون إلا بمنطق القوة الرادعة.. وأن ما اغتصبوه من الأمة لا يمكن أن يُرد شيء منه إلا بالقوة.. تاريخهم كله ينطق بهذه الحقيقة.. والقرآن الكريم يُشير إليها بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران:75.
إذا كان دينار.. مجرد دينار.. لا يؤدونه لأصحابه إلا بعد طول الوقوف على رؤوسهم بالمطالبة.. وبعد مماطلة طويلة طمعاً بيأس صاحبه وإمساكه عن المطالبة.. ذلك بأنهم يقولون ليس عليهم حرج في السطو وسرقة، ونهب المسلمين!!
وإذا كان دينار لا يؤدونه لأصحابه.. بمجرد المطالبة والمساءلة.. فكيف تراهم يؤدون فلسطين بكل خيراتها ومقدساتها إلى أهلها وأصحابها.. عن طريق المطالبة أو السؤال أو الشجب والاستنكار.. فهذا لن يكون.. ومن أبعد ما يكون؟!
الحقيقة الخامسة:
بناء على الحقائق الآنفة الذكر.. تتأكد حقيقة لا تتخلف وهي أن أقرب وأقصر طريق لتحصيل واسترداد الحقوق المغتصبة في فلسطين.. وتحجيم أطماع اليهود يكمن في طريق الجهاد في سبيل الله.. وإعلان المقاومة المسلحة، والنفير العام!
وأيما طريق آخر يُنشد غير طريق الجهاد.. فهو مضيعة للحقوق، والأوقات، والطاقات.. وتكريس لشرعية اعتداء المعتدي.. كما هو حاصل ومُشاهد!
الحقيقة السادسة:
أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض على الإسلام وعلى أمة الإسلام.. وهذه حقيقة ظاهرة واضحة لا يجوز الشك بها.. تواترت عليها شواهد المنقول والمعقول، والواقع المشاهد الملموس!
وما أسهل ملاحظة ذلك.. فأول من أعان على قيام دولة الصهاينة اليهود في فلسطين كشرخ يفرق جسد الأمة.. هم نصارى الإنكليز!
ومن ذلك الوقت وإلى الساعة جميع الدول النصرانية؛ وبخاصة منها أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا.. تقف صفاً واحداً منحازاً إلى جانب المعتدين المحتلين من الصهاينة اليهود.. يدعمونهم بجميع أنواع الدعم العسكري، والمادي، والمعنوي!
ومن انحيازهم لليهود.. أنهم يجعلون باطلهم حقاً.. وحق المسلمين باطلاً.. وإرهاب اليهود دفاعاً مشروعاً.. ودفاع المسلمين عن حقوقهم المغتصبة إرهاباً مرفوضاً!
وهذه الحقيقة الدامغة يذكرها الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} المائدة:51.
وهذا يعني أن استجداء الدعم أو التأييد من أمريكا أو غيرها من الأمم النصرانية.. في الصراع الدائر مع اليهود في فلسطين.. هو مخالف لهذه الحقيقة الدامغة.. وهو من جهة أخرى ضرب من الخيانة، والجنون، والجهل، والعبث!
كيف تُناشَد أمريكا لكي تكون وسيطاً بين طرفي النزاع.. وهي تثبت في كل مواقفها.. وفي كل ساعة.. أنها طرف محايد بكليته لصالح اليهود في فلسطين!
أمريكا.. في نزاع المسلمين مع اليهود في فلسطين.. ليست طرفاً نزيهاً أو مستقلاً.. وإنما هي مع الصهاينة اليهود في خندق واحد ضد المسلمين.. وبالتالي فهي لا تصلح للوساطة.. وقد أثبتت ذلك بكل جدارة ووقاحة!
أمريكا خصم غير شريف.. ومن كان خصماً لا يجوز أن يكون خصماً وحكَماً على خصمه في آن معاً!
الحقيقة السابعة:
أكدت الأحداث الأخيرة حقيقة طالما أشرنا إليها؛ وهي أن حكام العرب - وبخاصة منهم حكام بلاد الطوق المحيطة بفلسطين - حكام عملاء ومأجورون.. يعملون ككلاب حراسة أوفياء لحماية دولة يهود.. ومصالح اليهود في المنطقة!
فقدوا مروءة الرجال.. بل ومطلق الحياء.. وهم لا يهمهم من شؤون الملك والحكم إلا كيف يُحافظون على عروشهم المهترئة.. ومخصصاتهم المادية الضخمة والمفتوحة التي أثقلوا بها كاهل شعوبهم.. ولو كان ذلك على حساب أمن ومصالح الأمة والشعوب!
وهذا يعني أنهم لا يُرجى منهم خير للأمة.. ولشعوب الأمة.. والذي يستغيث بهم ويستصرخهم لنصرة قضايا المسلمين في فلسطين وغيرها.. كالذي يستنجد بسراب وبأموات فقدوا مطلق الغيرة والإحساس!!
والذي نعتقده.. لكي تأخذ الشعوب طريقها الصحيح للقيام بواجبها نحو قضية فلسطين وغيرها من قضايا المسلمين.. أنه لا بد لها أولاً من التحرر من ضغط هؤلاء الطواغيت العملاء الجاثمين على صدر الأمة ومقدراتها!
لا بد لها أولاً من أن تكسر القيود.. وتهدم السدود - المتمثلة بعمالة أنظمة هؤلاء الطواغيت - التي تحيل بينها وبين القيام بواجبها الشرعي نحو تحرير فلسطين.. وغيرها من قضايا الأمة الهامة والمصيرية!
لا بد لها - على الأقل! - من أن تقوم بعصيان مدني شامل يشل حياة هؤلاء الطواغيت.. ويحملهم على الرحيل!
فإن قيل - وقد قيل - : هذا يعني أن تفتح الأمة عدة جبهات داخلية.. قد تستنزف قوتها.. وتشغلها عن معاركها الحقيقية مع أعداء الأمة الخارجيين؟!
أقول: وإن كان هذا الخيار صعباً.. قد يكلف الأمة شيئاً من التضحيات.. لكنه خيار لا بد منه.. ولا مفر منه.. هذا إذا أرادت الأمة أن تقوم - بحق - بدورها في الدفاع عن حقوقها وثوابتها!
انظروا بتمعن ما الذي يحيل بين مليار مسلم من القيام بواجبهم نحو إخوانهم في فلسطين.. أليس هؤلاء الطواغيت.. أليست الأنظمة المخابراتية التابعة لهؤلاء الطواغيت الظالمين.. التي تسهر بكل إخلاص على حماية حدود دولة يهود!
فهم عقبة كأداء حقيقية أمام أي خطوة تريد الأمة أن تخطوها نحو أهدافها وغاياتها!
معذرة إلى أهالينا وإخواننا في فلسطين.. فإن صرخات الاستغاثة.. وطلب النصرة والعون التي توجهونها للأمة.. يتفطر لها قلوبنا.. وتزيدنا ألماً على ألم.. وهمَّاً على هم.. واعلموا أنه لا يحيل بيننا وبين نصرتكم سوى هؤلاء الطواغيت.. سوى الأنظمة الطاغية العميلة التي تسهر على أمن وحماية دولة يهود!
أقول لكم جازماً: أن ملايين المسلمين يطوقون شوقاً للقتال والاستشهاد على ثرى وثغور فلسطين.. لا يحول بينهم وبين رغبتهم هذه سوى هؤلاء الطواغيت الظالمين الذي يُقاتلون بالنيابة عن اليهود في بلاد المسلمين!
أكبر جريمة يرتكبها المرء المقيم في بلاد الطوق.. والتي قد يُحكم عليه لأجلها بالسجن المؤبد.. مع الأعمال الشاقة.. أن يفكر بجد كيف يجاهد في فلسطين.. كيف يمد يد العون والنصرة لإخوانه وأهله في فلسطين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الحقيقة الثامنة:
أن قضية فلسطين قضية إسلامية قبل أن تكون قضية عربية، أو فلسطينية محلية؛ وهذا يعني أن كل مسلم في العالم له حق في فلسطين، وعليه واجب الدفاع عنها، وعن أهلها.. وكيف لا تكون كذلك وفيها مسرى النبي صلى الله عليه وسلم .. وأولى القبلتين.. وكانت عبر تاريخها منذ ألف وأربعمائة عام داراً للإسلام والمسلمين؟!!
ومما يُحتم إسلامية القضية الفلسطينية كذلك أن كل يهودي في العالم.. أياً كانت جنسيته، ولغته، وكان موطنه.. يعتبر المعركة الدائرة في فلسطين هي معركته.. وأن له حظ فيها لا بد من أدائه!
فإذا كان هذا حال اليهود - كل اليهود - وموقفهم من القضية الفلسطينية.. وهم معتدون ليس لهم حق في فلسطين.. فمن باب أولى على كل مسلم في العالم - الذي له حق ظاهر في فلسطين - أن يعتبر المعركة الدائرة في فلسطين معركته.. وأن عليه واجب نحوها.. كما له حق فيها!
فكلمة "يهودي" التي تعني الانتماء لدين.. تقابلها كلمة "مسلم" وليس عربي أو فلسطيني.. التي تعني الانتماء لجنس أو قوم أو وطن!
وهذا يعني كذلك أنه لا يحق لأحدٍ - أياً كان منصبه وكان موقعه - بأن يفرط بشبرٍ واحدٍ من أرض وتراب فلسطين لصالح اليهود.. فضلاً عن أن يعترف - كما فعل حكام العرب في قمتهم الأخيرة! - بشرعية دولة يهود على أرض فلسطين.. وبالتطبيع الكامل معها.. مقابل أن ينسحب اليهود من الأراضي التي استولوا عليها سنة 1967م؟!!
الحقيقة التاسعة:
أن التحرير التام لأرض فلسطين لا يتم إلا على أيدٍ مؤمنة متوضئة توحد الله تعالى.. فعلى قدر ما نعدُّ الجيلَ المؤمن الموحِّد الطاهر.. الذي يهوى الموت في سبيل الله كما يهوى العدو الحياة.. بقدر ما نقترب من النصر والتحرير والتمكين.. وعلى قدر ما نتجاهل هذه الحقيقة، وتبتعد أجيالنا عن دينها وتعاليم قرآنها.. وتركن إلى الترف والميوعة والمجون.. على قدر ما نبتعد عن النصر والتحرير، والتمكين.. كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} النور:55. فكل هذا الخير والعطاء.. مقابل الاستقامة على الطاعة، وتحقيق التوحيد {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود).
فلم يقل الحجر أو الشجر: يا عربي أو يا فلسطيني.. أو يا فتحاوي.. أو يا علماني.. أو يا شيوعي.. وإنما يقول: يا مسلم.. يا عبد الله؛ أي يا موحِّد.. هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.. مما يدل على البعد العقدي الديني لحقيقة المعركة مع يهود.. وعلى نوعية الناس التي يتحقق على أيديهم هذا الفتح، والنصر.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
وبعد:
فهذه الحقائق - التي هي في حكم المسلمات - التي أشرنا إليها لا بد من الانتباه إليها وعدم تجاهلها أو نسيانها.. ونحن نخوض معركة تحصيل الحقوق.. وطرد الغاصب المستعمر اليهودي.. من أرض فلسطين.. كل فلسطين.
{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[عبد المنعم مصطفى حليمة أبو بصير / 19/1/1423 هـ]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
توجد حقائق حول الصراع في فلسطين لا ينبغي - ونحن في غمرة الحماسة والصراع مع بني يهود - نسيانها.. أو تجاهلها وغض الطرف عنها!
فمن لوازم فهم حقيقة الصراع - أي صراع - فهم طبيعة الصراع، والحقائق المحيطة بهذا الصراع.. والعناصر التي تتحكم به وتوجهه!
وللصراع في فلسطين حقائق ثابتة.. كأنها رأي العين.. دل عليها المنقول والمعقول، والواقع المجرب والملموس.. نجملها في النقاط التالية:
الحقيقة الأولى:
أن اليهود في فلسطين غرباء.. ودخلاء.. وجلب من أطراف وبلدان عدة.. ولصوص.. سطوا على أملاك وأراضي الآخرين.. لا حق لهم البتة في فلسطين.. وأرض فلسطين!
وهذا يعني أن وجودهم في فلسطين وجود غير شرعي.. والاعتراف بهم وبدولتهم على ثرى وأرض فلسطين لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً.. فالاعتراف للص بشرعية ما استملكه عن طريق الغصب والسطو لا يُحيل استملاكه لهذا الشيء إلى حق مشروع ومباح.. مهما طال زمن استملاكه لهذا الشيء!
الحقيقة الثانية:
أن اليهود كانوا ولا يزالون دعاة غدر وحرب.. دعاة قتل ودم.. لا يعرفون للسلام معنى ولا طعماً.. لا يُراعون حرمة لعهد ولا ميثاق.. ما يقتطعونه على أنفسهم من عهود في المساء ينقضونه في الصباح، وما يقتطعونه على أنفسهم في الصباح ينقضونه في المساء!
ما من حرب وخديعة تُحاك إلا وتجد أصابع يهود من ورائها.. كما قال تعالى عنهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} المائدة:64.
وهذا يعني أن الذين يسعون للسلام مع اليهود فإن مسعاهم في سراب.. وهم يُحاولون عبثاً.. ومن جهة يُثبتون أنهم لا يعرفون بني يهود.. ولا طبائعهم الشريرة التي تنطوي عليها نفوسهم المريضة!
وهذا الذي نقوله هنا ليس هو من ضروب التحامل عليهم.. لا.. فإن تاريخهم وواقعهم يشهد عليهم بكل ذلك، وهو مليء بالشواهد والأدلة.. فما يُعطونه مما اغتصبوه بيد يستردون أضعافه باليد الأخرى.. وبخاصة إن ظهر لهم أنهم قادرون على ذلك!
كم من اتفاق يبرمونه ويوقعون عليه ثم - طمعاً وشحاً - ينقضونه.. ويفعلون خلافه كلما سمحت لهم الظروف بذلك؟!
الحقيقة الثالثة:
أن اليهود أشد الناس عداوة وكرهاً لهذه الأمة.. ولدينها، كما قال تعالى عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} المائدة:82.
وواقعهم - عبر تاريخهم كله - مع الأمة يُصدق ذلك.. ومن كان كذلك لا يمكن أن يُرجى منه خير قط لهذه الأمة!
الحقيقة الرابعة:
أثبت اليهود - عبر تاريخهم كله وإلى الساعة - أنهم لا يستجيبون لمنطق الشجب والاستنكار أو المطالبة.. وأنهم لا يفهمون إلا بمنطق القوة الرادعة.. وأن ما اغتصبوه من الأمة لا يمكن أن يُرد شيء منه إلا بالقوة.. تاريخهم كله ينطق بهذه الحقيقة.. والقرآن الكريم يُشير إليها بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران:75.
إذا كان دينار.. مجرد دينار.. لا يؤدونه لأصحابه إلا بعد طول الوقوف على رؤوسهم بالمطالبة.. وبعد مماطلة طويلة طمعاً بيأس صاحبه وإمساكه عن المطالبة.. ذلك بأنهم يقولون ليس عليهم حرج في السطو وسرقة، ونهب المسلمين!!
وإذا كان دينار لا يؤدونه لأصحابه.. بمجرد المطالبة والمساءلة.. فكيف تراهم يؤدون فلسطين بكل خيراتها ومقدساتها إلى أهلها وأصحابها.. عن طريق المطالبة أو السؤال أو الشجب والاستنكار.. فهذا لن يكون.. ومن أبعد ما يكون؟!
الحقيقة الخامسة:
بناء على الحقائق الآنفة الذكر.. تتأكد حقيقة لا تتخلف وهي أن أقرب وأقصر طريق لتحصيل واسترداد الحقوق المغتصبة في فلسطين.. وتحجيم أطماع اليهود يكمن في طريق الجهاد في سبيل الله.. وإعلان المقاومة المسلحة، والنفير العام!
وأيما طريق آخر يُنشد غير طريق الجهاد.. فهو مضيعة للحقوق، والأوقات، والطاقات.. وتكريس لشرعية اعتداء المعتدي.. كما هو حاصل ومُشاهد!
الحقيقة السادسة:
أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض على الإسلام وعلى أمة الإسلام.. وهذه حقيقة ظاهرة واضحة لا يجوز الشك بها.. تواترت عليها شواهد المنقول والمعقول، والواقع المشاهد الملموس!
وما أسهل ملاحظة ذلك.. فأول من أعان على قيام دولة الصهاينة اليهود في فلسطين كشرخ يفرق جسد الأمة.. هم نصارى الإنكليز!
ومن ذلك الوقت وإلى الساعة جميع الدول النصرانية؛ وبخاصة منها أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا.. تقف صفاً واحداً منحازاً إلى جانب المعتدين المحتلين من الصهاينة اليهود.. يدعمونهم بجميع أنواع الدعم العسكري، والمادي، والمعنوي!
ومن انحيازهم لليهود.. أنهم يجعلون باطلهم حقاً.. وحق المسلمين باطلاً.. وإرهاب اليهود دفاعاً مشروعاً.. ودفاع المسلمين عن حقوقهم المغتصبة إرهاباً مرفوضاً!
وهذه الحقيقة الدامغة يذكرها الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} المائدة:51.
وهذا يعني أن استجداء الدعم أو التأييد من أمريكا أو غيرها من الأمم النصرانية.. في الصراع الدائر مع اليهود في فلسطين.. هو مخالف لهذه الحقيقة الدامغة.. وهو من جهة أخرى ضرب من الخيانة، والجنون، والجهل، والعبث!
كيف تُناشَد أمريكا لكي تكون وسيطاً بين طرفي النزاع.. وهي تثبت في كل مواقفها.. وفي كل ساعة.. أنها طرف محايد بكليته لصالح اليهود في فلسطين!
أمريكا.. في نزاع المسلمين مع اليهود في فلسطين.. ليست طرفاً نزيهاً أو مستقلاً.. وإنما هي مع الصهاينة اليهود في خندق واحد ضد المسلمين.. وبالتالي فهي لا تصلح للوساطة.. وقد أثبتت ذلك بكل جدارة ووقاحة!
أمريكا خصم غير شريف.. ومن كان خصماً لا يجوز أن يكون خصماً وحكَماً على خصمه في آن معاً!
الحقيقة السابعة:
أكدت الأحداث الأخيرة حقيقة طالما أشرنا إليها؛ وهي أن حكام العرب - وبخاصة منهم حكام بلاد الطوق المحيطة بفلسطين - حكام عملاء ومأجورون.. يعملون ككلاب حراسة أوفياء لحماية دولة يهود.. ومصالح اليهود في المنطقة!
فقدوا مروءة الرجال.. بل ومطلق الحياء.. وهم لا يهمهم من شؤون الملك والحكم إلا كيف يُحافظون على عروشهم المهترئة.. ومخصصاتهم المادية الضخمة والمفتوحة التي أثقلوا بها كاهل شعوبهم.. ولو كان ذلك على حساب أمن ومصالح الأمة والشعوب!
وهذا يعني أنهم لا يُرجى منهم خير للأمة.. ولشعوب الأمة.. والذي يستغيث بهم ويستصرخهم لنصرة قضايا المسلمين في فلسطين وغيرها.. كالذي يستنجد بسراب وبأموات فقدوا مطلق الغيرة والإحساس!!
والذي نعتقده.. لكي تأخذ الشعوب طريقها الصحيح للقيام بواجبها نحو قضية فلسطين وغيرها من قضايا المسلمين.. أنه لا بد لها أولاً من التحرر من ضغط هؤلاء الطواغيت العملاء الجاثمين على صدر الأمة ومقدراتها!
لا بد لها أولاً من أن تكسر القيود.. وتهدم السدود - المتمثلة بعمالة أنظمة هؤلاء الطواغيت - التي تحيل بينها وبين القيام بواجبها الشرعي نحو تحرير فلسطين.. وغيرها من قضايا الأمة الهامة والمصيرية!
لا بد لها - على الأقل! - من أن تقوم بعصيان مدني شامل يشل حياة هؤلاء الطواغيت.. ويحملهم على الرحيل!
فإن قيل - وقد قيل - : هذا يعني أن تفتح الأمة عدة جبهات داخلية.. قد تستنزف قوتها.. وتشغلها عن معاركها الحقيقية مع أعداء الأمة الخارجيين؟!
أقول: وإن كان هذا الخيار صعباً.. قد يكلف الأمة شيئاً من التضحيات.. لكنه خيار لا بد منه.. ولا مفر منه.. هذا إذا أرادت الأمة أن تقوم - بحق - بدورها في الدفاع عن حقوقها وثوابتها!
انظروا بتمعن ما الذي يحيل بين مليار مسلم من القيام بواجبهم نحو إخوانهم في فلسطين.. أليس هؤلاء الطواغيت.. أليست الأنظمة المخابراتية التابعة لهؤلاء الطواغيت الظالمين.. التي تسهر بكل إخلاص على حماية حدود دولة يهود!
فهم عقبة كأداء حقيقية أمام أي خطوة تريد الأمة أن تخطوها نحو أهدافها وغاياتها!
معذرة إلى أهالينا وإخواننا في فلسطين.. فإن صرخات الاستغاثة.. وطلب النصرة والعون التي توجهونها للأمة.. يتفطر لها قلوبنا.. وتزيدنا ألماً على ألم.. وهمَّاً على هم.. واعلموا أنه لا يحيل بيننا وبين نصرتكم سوى هؤلاء الطواغيت.. سوى الأنظمة الطاغية العميلة التي تسهر على أمن وحماية دولة يهود!
أقول لكم جازماً: أن ملايين المسلمين يطوقون شوقاً للقتال والاستشهاد على ثرى وثغور فلسطين.. لا يحول بينهم وبين رغبتهم هذه سوى هؤلاء الطواغيت الظالمين الذي يُقاتلون بالنيابة عن اليهود في بلاد المسلمين!
أكبر جريمة يرتكبها المرء المقيم في بلاد الطوق.. والتي قد يُحكم عليه لأجلها بالسجن المؤبد.. مع الأعمال الشاقة.. أن يفكر بجد كيف يجاهد في فلسطين.. كيف يمد يد العون والنصرة لإخوانه وأهله في فلسطين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الحقيقة الثامنة:
أن قضية فلسطين قضية إسلامية قبل أن تكون قضية عربية، أو فلسطينية محلية؛ وهذا يعني أن كل مسلم في العالم له حق في فلسطين، وعليه واجب الدفاع عنها، وعن أهلها.. وكيف لا تكون كذلك وفيها مسرى النبي صلى الله عليه وسلم .. وأولى القبلتين.. وكانت عبر تاريخها منذ ألف وأربعمائة عام داراً للإسلام والمسلمين؟!!
ومما يُحتم إسلامية القضية الفلسطينية كذلك أن كل يهودي في العالم.. أياً كانت جنسيته، ولغته، وكان موطنه.. يعتبر المعركة الدائرة في فلسطين هي معركته.. وأن له حظ فيها لا بد من أدائه!
فإذا كان هذا حال اليهود - كل اليهود - وموقفهم من القضية الفلسطينية.. وهم معتدون ليس لهم حق في فلسطين.. فمن باب أولى على كل مسلم في العالم - الذي له حق ظاهر في فلسطين - أن يعتبر المعركة الدائرة في فلسطين معركته.. وأن عليه واجب نحوها.. كما له حق فيها!
فكلمة "يهودي" التي تعني الانتماء لدين.. تقابلها كلمة "مسلم" وليس عربي أو فلسطيني.. التي تعني الانتماء لجنس أو قوم أو وطن!
وهذا يعني كذلك أنه لا يحق لأحدٍ - أياً كان منصبه وكان موقعه - بأن يفرط بشبرٍ واحدٍ من أرض وتراب فلسطين لصالح اليهود.. فضلاً عن أن يعترف - كما فعل حكام العرب في قمتهم الأخيرة! - بشرعية دولة يهود على أرض فلسطين.. وبالتطبيع الكامل معها.. مقابل أن ينسحب اليهود من الأراضي التي استولوا عليها سنة 1967م؟!!
الحقيقة التاسعة:
أن التحرير التام لأرض فلسطين لا يتم إلا على أيدٍ مؤمنة متوضئة توحد الله تعالى.. فعلى قدر ما نعدُّ الجيلَ المؤمن الموحِّد الطاهر.. الذي يهوى الموت في سبيل الله كما يهوى العدو الحياة.. بقدر ما نقترب من النصر والتحرير والتمكين.. وعلى قدر ما نتجاهل هذه الحقيقة، وتبتعد أجيالنا عن دينها وتعاليم قرآنها.. وتركن إلى الترف والميوعة والمجون.. على قدر ما نبتعد عن النصر والتحرير، والتمكين.. كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} النور:55. فكل هذا الخير والعطاء.. مقابل الاستقامة على الطاعة، وتحقيق التوحيد {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود).
فلم يقل الحجر أو الشجر: يا عربي أو يا فلسطيني.. أو يا فتحاوي.. أو يا علماني.. أو يا شيوعي.. وإنما يقول: يا مسلم.. يا عبد الله؛ أي يا موحِّد.. هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.. مما يدل على البعد العقدي الديني لحقيقة المعركة مع يهود.. وعلى نوعية الناس التي يتحقق على أيديهم هذا الفتح، والنصر.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
وبعد:
فهذه الحقائق - التي هي في حكم المسلمات - التي أشرنا إليها لا بد من الانتباه إليها وعدم تجاهلها أو نسيانها.. ونحن نخوض معركة تحصيل الحقوق.. وطرد الغاصب المستعمر اليهودي.. من أرض فلسطين.. كل فلسطين.
{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[عبد المنعم مصطفى حليمة أبو بصير / 19/1/1423 هـ]