إليك أحاديثه الشريفة الجامعة لهذه الأحكام:
1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: آتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ماله أهجر؟ استفهموه، فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، فأمرهم بثلاث: قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم... الحديث) [9].
2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال: انطلقوا إلى يهود، فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم: يا معشر يهود أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: ذلك أريد، ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله) [10].
3) عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ورسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم بصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم على ذلك ما شئنا أن نقركم بها، حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا) [11].
4) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك غيرهم هم عدونا... وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا، فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟ فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم، فقال عمر: كذبت يا عدو الله، فأجلاهم عمر... الحديث) [12].
5) وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) [13].
6) وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان في أرض الجزيرة) [14].
7) وعنها رضي الله عنها قالت: (آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك بجزيرة العرب دينان) [15].
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) [16].
9) وعن أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه قال: ( آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: أخرجوا اليهود من أرض الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [17].
إن هذه الأحاديث النبوية الشريفة التي تكلم بها خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لتدل على جملة من الأحكام الشرعية أصدرها سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام وجعلها أمانة في عنق أتباعه إلى يوم الدين. والله سائلهم عنها ومحاسبهم عليها.
وهذه الأحاديث الشريفة تدل بوضوح على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال وتحت أي مبرر أو مسوغ أن يجمع في أرض الجزيرة دينان ولا تقام فيها شعيرتان ولا تحكم فيها شريعتان ولا تستقبل بها قبلتان ولا يبنى بها معبدان.
فهذا حكم شرعي لأهل الإسلام، وشريعة لازمة لأهل القرآن، لا حظ في هذه الجزيرة العربية المباركة لمشرك وكافر ولا كتابي ولا غير كتابي، لا يهودي ولا نصراني، ولا وثني ولا قبوري، ولا بعثي ولا شيوعي، ولا اشتراكي ولا علماني، ولا رافضي ولا باطني، فهي وقف للمؤمنين وحكر للمسلمين، لا حظ فيها للمشركين ولا الزنادقة المارقين.
وهذه الجملة لها تفصيل كما سيأتي في الفصل التالي.
[9] البخاري 6/170 (3053) ومسلم 3/1259 (1637)
[10] البخاري ( 6944) ومسلم ( 1765)
[11] أخرجه البخاري 5/21 (2338) ومسلم 3/1187
[12] أخرجه البخاري 5/327 (2730) ومسلم (1765).
[13] أخرجه مسلم (5/160) وأبو داوود (2/43) والترمذي (2/398).
[14] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/350 رقم (18750) وأحمد في المسند عن عائشة 10/144 ومالك في من كتاب الجامع تنوير الحوالك 3/88 وأبو عبيد في كتاب الاموال ص 107 رقم (272) موصولا بنحوه وهو صحيح على شرط الشيخين.
[15] رواه أحمد 10/144 بسند صحيح.
[16] موطأ مالك (1388).
[17] أخرجه أحمد (1691) والدارمي (2/233) والبيهقي (9/208).