.:: الملائكة ::.
ونؤمن بملائكة الله، وأنهم عباد الله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم من خشيته مشفقون، يسبحونه الليل والنهار لا يفترون.
فنتولاهم ونحبهم، لأنهم من جند الله، ولأنهم يستغفرون للذين آمنوا، ونبغض من يبغضهم.
ومنهم جبرائيل الروح الأمين، وميكائيل، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، ومنهم الموكلون بحمل العرش، وملك الموت، ومنكر ونكير، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، وملك الجبال، والكرام الكاتبين، وغيرهم كثير، لا يحصيهم إلا الله تعالى.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام رُفع له البيت المعمور في السماء، يدخله يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم).
وقد يتمثل الملك بأمر الله على هيئة بشر، كما في قصة مريم، وحديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان والإحسان.
أما صورته الحقيقية؛ فقد ذكر الله تعالى في القرآن أنه جعل من الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
تعظيم الله تعالى فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة خالقه.
ومن ثمراته؛ أن يستحيي العبد ممن معه من ملائكة الله تعالى.
ومن ذلك أيضاً؛ تثبيت العبد المؤمن الغريب بالإيمان، وعدم استيحاشه لقلة الأنصار بتذكره أن معه من الله حافظين.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله أحب فلاناً فأَحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض...).
فعلى العبد المؤمن أن يحب ويتولى من يحبهم الله وملائكته وعباده المؤمنين، وعليه أن يبغض ويعادي ويبرأ ممن يبغضهم الله تعالى وملائكته وعباده المؤمنين، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
.:: الكتب ::.
ونؤمن بكتب الله تعالى التي أنزلها سبحانه على رسله جملة، ونؤمن على سبيل التفصيل بما سماه الله منها - كالتوراة والإنجيل والزبور
وأن خاتمها القرآن العظيم كلام رب العالمين على الحقيقة، نزل به الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين، مهيمناً على سائر كتب الله.
وهو منزل من الله تعالى وليس بمخلوق، ولا يُساويه شيء من كلام المخلوقين، ومن قال: {إنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَر} [المدثر: 25]، فقد كفر وحقَّ عليه إن لم يرجع عن ذلك ويتوب قوله تعالى: {سَأُصْلِيه سَقَر} [المدثر: 26].
ونؤمن بأن الله كلَّم موسى تكليماً.
ونؤمن بأن الله تعالى حفظ كتابه من التبديل والتغيير، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وأن الله تعالى علّق النذارة به فقال: {وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
ونؤمن بأن كتابه هو العروة الوثقى وحبله المتين، الذي من استمسك به نجى، ومن أعرض عنه وهجره واتخذه ظهرياً؛ قد هلك وزل وضل ضلالاً مبيناً.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
أخذ كتاب الله بقوة، والتمسك به، وتعظيم أوامره والعمل بها، وعدم ضرب بعضها ببعض.
والإيمان بمتشابهه، ورده إلى مُحْكمه، على طريقة الراسخين في العلم.
الرُسل والأنبياء ::.
ونؤمن بأنبياء الله ورسله أجمعين الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه، أو أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم في سنته - من قص الله علينا خبرهم ومن لم يقصص - ولا نفرق بين أحد من رسله.
جمعهم جميعاً بأصل واحد كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوْحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسَلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ * قَالُوا بَلَى} [الملك: 8 - 9].
وعليهم هداية الدلالة والإرشاد، وليس بمقدورهم هداية قلوب العباد، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء... وذلك أن الهداية نوعان:
هداية دلالة وإرشاد؛ يملك بذلها الرسل والأنبياء والدعاة، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [الشورى: 52].
وهداية توفيق وتسديد؛ وهذه لا يقدر عليها إلا الله، قال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272].
وهذا النوع من الهداية؛ فضل من الله وعدل يهبه سبحانه لمن علم منه إقبالاً على الحق وطلباً له، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
وقال صلى الله عليه وسلم : (ومن يتحَرَّ الخير يُعْطَه).
أما الأول؛ فمن عدل الله تعالى ورحمته أن بذله للخلق أجمعين.
ونؤمن بمعجزات الأنبياء ونحفظ لهم حقهم، ونتأدب معهم، ولا نفضل عليهم أحداً من الناس لا الأولياء ولا الأئمة، ولا غيرهم.
وهم مع ذلك بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية أو الألوهية شيء، بل تلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت والحاجة إلى الطعام والشراب وغير ذلك... قال تعالى آمراً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعَاً وَلا ضَرَّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاَسْتَكْثَرتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيْرٌ وَبَشِيْرٌ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ} [الأعراف: 188].
ونؤمن بأن خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، فلا نبي بعده، وشريعته هي الشريعة المهيمنة على سائر الشرائع إلى يوم القيامة.
ولا يكون العبد مؤمناً حتى يتبعها ويسلم لحكمها تسليماً، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
ونؤمن بأن الله قد اتخذ محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، بعثه رحمة للعالمين، وأمره وأمر أمته بالتآسي بملة إبراهيم فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيْفَاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} [النحل: 123]، وقال سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَءَؤُاْ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
فنتأسى بذلك إلى أن نلقى الله، فنبرأ من المشركين وأنصارهم وأوليائهم، ونبغضهم ونبرأ مما يعبدون من دون الله، ونكفر بمناهجهم وأديانهم ومللهم الباطلة المخالفة لدين الله، ونظهر ونعلن ونبدي عداوتنا للمحادّين لله منهم، المحاربين للحق، المجاهرين بباطلهم، ولا يمنعنا ذلك من دعوتهم وبيان الحق لمن أراد سماعه منهم، وتمني هدايتهم.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
معرفة بعض نعم الله الجليلة على الخلق وشكره عليها، ومن أعظمها رحمته بهم بإرسال الرسل إليهم ليهدونهم سبيل الرشاد ويعرفونهم بما يوصلهم إلى الجنة وينجيهم من عذاب السعير.
ومن ذلك محبة الرسل، والثناء والصلاة والسلام عليهم، والدعاء لهم على ما تحملوه من أذى أقوامهم، وما صبروا عليه من مشقات الدعوة.
والاقتداء والتأسي بهم في ذلك، ومتابعتهم على نهجهم وسنتهم، وسيرتهم ودعوتهم إلى الله.
ونحب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته الأطهار، وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين، ونتولاهم ولا نبرأ من أحد منهم، بل نبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فلا نذكرهم إلا بخير، وحبهم عندنا دين وإيمان وإحسان نتقرب به إلى الله تعالى.
ونتميز عن أهل البدع بسلامة قلوبنا وألسنتنا لهم، ولا نملُّ من أن ندعو بقوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
ونبرأ إلى الله من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يناصبون أهل البيت العداء.
ونعرف لعلي وفاطمة والحسن والحسين وسائر أهل البيت حقهم؛ فنحبهم ولا نغلوا فيهم:
واحفظ لأهل البيت واجــب *** حقهم واعرف علياً أيما عرفان
لا تنتقص ولا تزد في قدره *** فعليه تصلى النار طائفتــــــــان
إحداهما لا ترتضيه خليفـة *** وتنصه الأخرى إلهاً ثــاني [3]
ونقول مع هذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (... من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [4].
فنبرأ ممن كفر وشرَّع أو ارتد وانحرف عن الصراط، كائناً من كان نسبه.
ونمسك عمّا شجر بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهم في ذلك؛ بين مجتهد مصيب، ومجتهد مخطىء، فلبعضهم أجر، ولبعضهم أجران.
قل خير قول في صحابة أحمـــــــــــــد *** وامدح جميع الآل والنســــوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى *** بسيوفهم يوم التقى الجمعــــان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهــــــــــــــــــم *** وكلاهما في الحشر مرحومـان
لا تقبلن من التوارخ كل مـــــــــــــــا *** جمع الرواة وخطّ كل بنـان [5]
وهم مع ذلك ليسوا بمعصومين، ولكنهم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام؛ خير القرون، والمُدّ من أحدهم إذا تصدّق به خير من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعدهم.
ونحب أنصار الدين في كل زمان إلى قيام الساعة؛ القريب منهم والبعيد، من عرفنا منهم ومن لم نعرف، ولا يضرهم ألا نعرفهم.
لا نبرأ من أحد منهم أو نعاديه أو نعامله معاملة غير المسلمين، بل نتولاهم وندعو لهم وننصرهم، ونجتهد أن نكون منهم.
_______________________________________
[2] رواه مسلم وأبو داود وأحمد، من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
[3] من نونية القحطاني.
[4] رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي.
[5] من نونية القحطاني.
ونؤمن بملائكة الله، وأنهم عباد الله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم من خشيته مشفقون، يسبحونه الليل والنهار لا يفترون.
فنتولاهم ونحبهم، لأنهم من جند الله، ولأنهم يستغفرون للذين آمنوا، ونبغض من يبغضهم.
ومنهم جبرائيل الروح الأمين، وميكائيل، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، ومنهم الموكلون بحمل العرش، وملك الموت، ومنكر ونكير، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، وملك الجبال، والكرام الكاتبين، وغيرهم كثير، لا يحصيهم إلا الله تعالى.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام رُفع له البيت المعمور في السماء، يدخله يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم).
وقد يتمثل الملك بأمر الله على هيئة بشر، كما في قصة مريم، وحديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان والإحسان.
أما صورته الحقيقية؛ فقد ذكر الله تعالى في القرآن أنه جعل من الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
تعظيم الله تعالى فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة خالقه.
ومن ثمراته؛ أن يستحيي العبد ممن معه من ملائكة الله تعالى.
ومن ذلك أيضاً؛ تثبيت العبد المؤمن الغريب بالإيمان، وعدم استيحاشه لقلة الأنصار بتذكره أن معه من الله حافظين.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله أحب فلاناً فأَحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض...).
فعلى العبد المؤمن أن يحب ويتولى من يحبهم الله وملائكته وعباده المؤمنين، وعليه أن يبغض ويعادي ويبرأ ممن يبغضهم الله تعالى وملائكته وعباده المؤمنين، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
.:: الكتب ::.
ونؤمن بكتب الله تعالى التي أنزلها سبحانه على رسله جملة، ونؤمن على سبيل التفصيل بما سماه الله منها - كالتوراة والإنجيل والزبور
وأن خاتمها القرآن العظيم كلام رب العالمين على الحقيقة، نزل به الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين، مهيمناً على سائر كتب الله.
وهو منزل من الله تعالى وليس بمخلوق، ولا يُساويه شيء من كلام المخلوقين، ومن قال: {إنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَر} [المدثر: 25]، فقد كفر وحقَّ عليه إن لم يرجع عن ذلك ويتوب قوله تعالى: {سَأُصْلِيه سَقَر} [المدثر: 26].
ونؤمن بأن الله كلَّم موسى تكليماً.
ونؤمن بأن الله تعالى حفظ كتابه من التبديل والتغيير، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وأن الله تعالى علّق النذارة به فقال: {وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
ونؤمن بأن كتابه هو العروة الوثقى وحبله المتين، الذي من استمسك به نجى، ومن أعرض عنه وهجره واتخذه ظهرياً؛ قد هلك وزل وضل ضلالاً مبيناً.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
أخذ كتاب الله بقوة، والتمسك به، وتعظيم أوامره والعمل بها، وعدم ضرب بعضها ببعض.
والإيمان بمتشابهه، ورده إلى مُحْكمه، على طريقة الراسخين في العلم.
الرُسل والأنبياء ::.
ونؤمن بأنبياء الله ورسله أجمعين الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه، أو أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم في سنته - من قص الله علينا خبرهم ومن لم يقصص - ولا نفرق بين أحد من رسله.
جمعهم جميعاً بأصل واحد كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوْحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسَلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ * قَالُوا بَلَى} [الملك: 8 - 9].
وعليهم هداية الدلالة والإرشاد، وليس بمقدورهم هداية قلوب العباد، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء... وذلك أن الهداية نوعان:
هداية دلالة وإرشاد؛ يملك بذلها الرسل والأنبياء والدعاة، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [الشورى: 52].
وهداية توفيق وتسديد؛ وهذه لا يقدر عليها إلا الله، قال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272].
وهذا النوع من الهداية؛ فضل من الله وعدل يهبه سبحانه لمن علم منه إقبالاً على الحق وطلباً له، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
وقال صلى الله عليه وسلم : (ومن يتحَرَّ الخير يُعْطَه).
أما الأول؛ فمن عدل الله تعالى ورحمته أن بذله للخلق أجمعين.
ونؤمن بمعجزات الأنبياء ونحفظ لهم حقهم، ونتأدب معهم، ولا نفضل عليهم أحداً من الناس لا الأولياء ولا الأئمة، ولا غيرهم.
وهم مع ذلك بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية أو الألوهية شيء، بل تلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت والحاجة إلى الطعام والشراب وغير ذلك... قال تعالى آمراً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعَاً وَلا ضَرَّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاَسْتَكْثَرتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيْرٌ وَبَشِيْرٌ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ} [الأعراف: 188].
ونؤمن بأن خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، فلا نبي بعده، وشريعته هي الشريعة المهيمنة على سائر الشرائع إلى يوم القيامة.
ولا يكون العبد مؤمناً حتى يتبعها ويسلم لحكمها تسليماً، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
ونؤمن بأن الله قد اتخذ محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، بعثه رحمة للعالمين، وأمره وأمر أمته بالتآسي بملة إبراهيم فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيْفَاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} [النحل: 123]، وقال سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَءَؤُاْ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
فنتأسى بذلك إلى أن نلقى الله، فنبرأ من المشركين وأنصارهم وأوليائهم، ونبغضهم ونبرأ مما يعبدون من دون الله، ونكفر بمناهجهم وأديانهم ومللهم الباطلة المخالفة لدين الله، ونظهر ونعلن ونبدي عداوتنا للمحادّين لله منهم، المحاربين للحق، المجاهرين بباطلهم، ولا يمنعنا ذلك من دعوتهم وبيان الحق لمن أراد سماعه منهم، وتمني هدايتهم.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
معرفة بعض نعم الله الجليلة على الخلق وشكره عليها، ومن أعظمها رحمته بهم بإرسال الرسل إليهم ليهدونهم سبيل الرشاد ويعرفونهم بما يوصلهم إلى الجنة وينجيهم من عذاب السعير.
ومن ذلك محبة الرسل، والثناء والصلاة والسلام عليهم، والدعاء لهم على ما تحملوه من أذى أقوامهم، وما صبروا عليه من مشقات الدعوة.
والاقتداء والتأسي بهم في ذلك، ومتابعتهم على نهجهم وسنتهم، وسيرتهم ودعوتهم إلى الله.
ونحب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته الأطهار، وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين، ونتولاهم ولا نبرأ من أحد منهم، بل نبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فلا نذكرهم إلا بخير، وحبهم عندنا دين وإيمان وإحسان نتقرب به إلى الله تعالى.
ونتميز عن أهل البدع بسلامة قلوبنا وألسنتنا لهم، ولا نملُّ من أن ندعو بقوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
ونبرأ إلى الله من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يناصبون أهل البيت العداء.
ونعرف لعلي وفاطمة والحسن والحسين وسائر أهل البيت حقهم؛ فنحبهم ولا نغلوا فيهم:
واحفظ لأهل البيت واجــب *** حقهم واعرف علياً أيما عرفان
لا تنتقص ولا تزد في قدره *** فعليه تصلى النار طائفتــــــــان
إحداهما لا ترتضيه خليفـة *** وتنصه الأخرى إلهاً ثــاني [3]
ونقول مع هذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (... من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [4].
فنبرأ ممن كفر وشرَّع أو ارتد وانحرف عن الصراط، كائناً من كان نسبه.
ونمسك عمّا شجر بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهم في ذلك؛ بين مجتهد مصيب، ومجتهد مخطىء، فلبعضهم أجر، ولبعضهم أجران.
قل خير قول في صحابة أحمـــــــــــــد *** وامدح جميع الآل والنســــوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى *** بسيوفهم يوم التقى الجمعــــان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهــــــــــــــــــم *** وكلاهما في الحشر مرحومـان
لا تقبلن من التوارخ كل مـــــــــــــــا *** جمع الرواة وخطّ كل بنـان [5]
وهم مع ذلك ليسوا بمعصومين، ولكنهم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام؛ خير القرون، والمُدّ من أحدهم إذا تصدّق به خير من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعدهم.
ونحب أنصار الدين في كل زمان إلى قيام الساعة؛ القريب منهم والبعيد، من عرفنا منهم ومن لم نعرف، ولا يضرهم ألا نعرفهم.
لا نبرأ من أحد منهم أو نعاديه أو نعامله معاملة غير المسلمين، بل نتولاهم وندعو لهم وننصرهم، ونجتهد أن نكون منهم.
_______________________________________
[2] رواه مسلم وأبو داود وأحمد، من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
[3] من نونية القحطاني.
[4] رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي.
[5] من نونية القحطاني.