محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    الإرهاب ؛ معناه وواقعه من منظور إسلامي

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    الإرهاب ؛ معناه وواقعه من منظور إسلامي Empty الإرهاب ؛ معناه وواقعه من منظور إسلامي

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 5:07 am

    مقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    وبعد:

    فقد كثر في هذه الأيام إثر الحملة الأمريكية على ما يُسمونه بالإرهاب.. استخدام الناس لكلمة الإرهاب.. وتنديدهم بالإرهاب والإرهابيين.. ورمي كل فريق لكل فريق لا يروق له بالإرهاب وممارسة الإرهاب.. رجاء تغرير المجتمع الدولي للانتقام منه!

    فراجت هذه الكلمة بين الخاصة - وفي جميع وسائل إعلامهم المختلفة - قبل العامة من الناس.. وكثير منهم يطلِقها ولا يعرف معناها.. فيضعها في غير موضعها.. ويحملها من الأوصاف والمعاني مالا تحتمل.. حتى أصبحت هذه الكلمة - في عرف كثير من الناس - علماً على كل مسبةٍ أو وصف مشين.. وذريعةً لشن الحروب وانتهاك الحرمات.. وتحجيم الحريات.. وممارسة الإرهاب على أوسع نطاق!!

    والأخطر من ذلك كله أن يُعلن الحرب على الإرهاب.. ويُعلن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل أن يُحدد هذا الإرهاب الذي يُريدون محاربته.. مما يجعل تحديد ساحة الحرب ضد الإرهاب خاضع لأهواء ورغبات ومصالح الساسة المتنفذين.. فيوسعونها متى شاءوا وحيث ينبغي التضييق .. ويُضيقونها متى شاءوا وحيث ينبغي التوسيع.. فيدخلون من شاءوا في ساحة الإرهاب.. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً.. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب وإن كان على الحقيقة إرهابياً مجرماً ملطخاً بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء!

    ثم إن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل الاتفاق على تحديد معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب.. يكون ذريعة لكل فريق أو طرف أن يُعلن الحرب - متى شاء! - على الفريق أو الطرف الآخر باسم محاربة الإرهاب.. وحق الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الذي تم التوقيع والاتفاق على محاربته في أروقة الأمم المتحدة.. ومجالس أمنها!!

    وعتبي على بني قومي أنهم جُرُّوا إلى حلف الحرب على الإرهاب.. والتوقيع على محاربة الإرهاب.. قبل أن يتفقوا مع الآخرين على معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب.. مما يجعلهم يوماً من الأيام هدفاً لسهام وقنابل القوم.. تحت اسم محاربة الإرهاب الذي وقعوا - بأنفسهم! - على وجوب محاربته.. ولا أرى ذلك اليوم ببعيد!!

    من هنا جاءت الضرورة الملحة للبحث في معنى وصفة الإرهاب: فما هو الإرهاب.. وما هي أسبابه ودوافعه.. ومن هم الإرهابيون.. وكيف يُمارس الإرهاب في واقعنا المعاصر.. وهل هو صفة عامة لاصقة بجميع الدول والحكومات.. أم أنه صفة خاصة لاصقة ببعض الجماعات والأفراد.. وهل للإرهاب وجه حسن ومشروع.. أم أنه كله مستقبح ومردود.. وهل يجوز للمرء أن يصف نفسه بأنه إرهابي أو غير إرهابي.. وهل هذه الكلمة تعني الذم مطلقاً؟!

    هذه المسائل وغيرها من المسائل الهامة ذات العلاقة بالموضوع سنجتهد - إن شاء الله - أن نجيب عليها في هذا المبحث الوجيز بشيء من التفصيل.. والله المستعان.
    معنى كلمة الإرهاب ومشتقاتها
    قال ابن منظور في كتابه " لسان العرب ": رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم، ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه.

    وفي حديث الدعاء: "رغبة ورَهْبَةً إليك "، الرهبة: الخوف والفزع.

    وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه. اهـ.

    وفي " النهاية " لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم: "إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ: "أسمعك راهِباً " أي خائفاً.

    والرهبانيَّة: منسوبة إلى الرَّهْبَنَة، وفيه " لا رهبانيَّة في الإسلام " هي من رهبَنَة النصارى، وأصلها من الرَّهْبَة: الخوف؛ كانوا يترهَّبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذِّها والزهد فيها، والعُزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى إنّ منهم من كان يخصي نفسَه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها. اهـ.

    وإليك الآن معنى كلمة الإرهاب كما وردت في القرآن الكريم:

    قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} الأنفال: 60.

    قال ابن كثير في التفسير: قوله {ترهبون} أي تخوِّفون {به عدو الله وعدوكم} أي من الكافرين. اهـ.

    وقال تعالى في سحرة موسى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} الأعراف: 116.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: {واسترهبوهم} أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج: استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس. اهـ. أي خافهم الناس.

    وقال تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} الحشر: 13.

    قال ابن كثير في التفسير: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله. اهـ.

    نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني: الخوف.. والفزع، والإرهابي: هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين.

    وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الآخرين ممن يريد إخافتهم فهو إرهابي، وقد مارس بحقهم الإرهاب، وهو يكون بذلك متلبساً بالإرهاب، ومتصفاً به.. سواء تسمى إرهابياً أم لم يتسمى.. وسواء اعترف بذلك أم لم يعترف.

    هذا المعنى المتقدم للإرهاب لا يختلف عما تقرره اللغات الأخرى لمعنى هذه الكلمة، فقد جاء في " المورد " عن معنى الإرهاب: terror رعب، ذُعر، هول، كل ما يوقع الرعب في النفوس. و terrorism إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب. و terrorist الإرهابي. و terrorize يُرهب، يُروِّع، يُكرهه على أمرٍ بالإرهاب. و terror-stricken مُروَّع، مذعور.

    وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": جاء في معنى terrorist: noun person using esp organized violence to secure political ends. أي الإرهابي هو بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسة.

    وهذه زيادة في توصيف الإرهابي.. سنستفيد منها عند الحديث عن واقع الإرهاب.. وكيف يُمارس من قبل قوى الظلم والاستكبار في واقعنا المعاصر!

    فإن قيل: عرفنا معنى الإرهاب وصفته.. فما هو الوجه المستحسن المشروع منه.. وما هو الوجه المستقبح المذموم منه؟

    الجواب: من خلال ما تقدم من تعريف للإرهاب ندرك أن الإرهاب منه ما يكون محموداً ومستحسناً ومشروعاً، ومنه ما يكون مستقبحاً وغير مشروع.

    الإرهاب المستحسن المشروع: أما الإرهاب المستحسن المشروع هو الإرهاب الذي يُحدث الخوف والفزع عند أهل الباطل والإجرام الذي يردعهم ويمنعهم عن إجرامهم واعتدائهم.. فيرهبهم قبل أن تتجاسر نفوسهم على الاعتداء.. ويمنعهم من التمادي في الاعتداء إن وقع منهم الاعتداء، كما في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} . أي تخوفون بهذه القوة أعداء الله وأعداءكم من الكافرين المجرمين.. فيخافونكم فلا يتجاسرون على الاعتداء عليكم.

    والإرهاب في هذا الموضع له فوائد عدة إضافة إلى كونه يمنع العدو ويخوفه من الاعتداء، منها: أنه يوفر على الأمة وعلى الطائفة المؤمنة المنصورة حروباً كثيرة.. إذ يكبح جماح العدو ويحقق عنده الهزيمة.. والنصر عليه.. من دون أن تُشن معه الحروب.. وتُزهق الأنفس، كما في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} الأحزاب: 26. فهم هُزموا بالرعب.. ووقعوا بالأسر.. وتحت حد القتل والسيف.. بما أصابهم الله تعالى من خوف ورعب.. إذ الخائف المرعوب لا يصلح للقتال في ميادين المنابذة والقتال!

    وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} الحشر: 2. فهم يخربون بيوتهم بأيديهم.. بما تحقق عندهم من الهزيمة النفسية والمادية بسبب ما قُذف في قلوبهم من الخوف والرعب.. {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} .

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال: "نُصرت بالرعب شهراً، يُرعب مني العدو مسيرة شهر". أي نصرت بخوف العدو مني قبل أن أواجهه بمسيرة شهر.. حيث كان العدو يُصاب بالرعب والخوف لمجرد علمه أن جيش النبي صلى الله عليه وسلم متوجه إليه.. وبمسيرة شهر كامل.. فهذا إرهاب للعدو.. لكنه إرهاب محمود ومشكور ومطلوب.. إذ لولاه لتجرأ الأعداء على الاعتداء فانتهكوا حرمات العباد والبلاد!

    ونحو ذلك القصاص الشرعي؛ فإن فيه إرهاب لذوي النفوس الخبيثة والضعيفة فيزجرها ويردعها عن الإقدام على ارتكاب الجريمة.. وإنزال الأضرار بالآخرين.. فيتحقق بذلك الحياة الآمنة لجميع الناس.. كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 179.

    فإن قيل كيف يكون في القصاص حياة والقاتل - بغير حق - يُقتل ويفقد حياتـه، والسارق تُقطع يده وغير ذلك؟!

    أقول: عندما يُقام الحد على قاتل النفس بغير حق فيُقتل.. فإن في ذلك إرهاب وتخويف لكل من تحدثه نفسه بارتكاب جريمة القتل.. فينردع وينكمش على نفسه خوفاً من القصاص وإرهاباً منه.. فيُكتب بذلك الحياة لعشرات الأنفس التي كان من الممكن أن تُقتل لولا وجود إرهاب القصاص.. فبذلك يكون القصاص فيه حياة للناس، والله تعالى أعلم.

    وكذلك قصاص قطع يد السارق.. فإنه يُرهب كل من تحدثه نفسه بالسرقة والاعتداء على أموال الآخرين.. فيمتنع.. فيكتب بذلك الحفاظ على أموال وحرمات الآخرين!

    وكذلك حد الحرابة، وقاطع الطريق وغيرها من الحدود.. فإن فيها حياة حقيقية لمن تأملها.. لما تتضمنه من إرهاب رادع لذوي النفوس المريضة والضعيفة.. الذين تسول لهم أنفسهم الأمارة بالسوء بالاعتداء على حرمات الآخرين بغير وجه حق!

    هذا هو الوجه الحسن والمشروع للإرهاب.. وهو إرهاب تمارسه جميع الدول والشعوب.. على مر العصور والأزمان وإلى يومنا هذا.. وإلى أن تقوم الساعة!

    فما من دولة إلا ولها جيشها وعتادها التي ترهب به أعداءها.. فتخوفه به من التجرؤ على الاعتداء على حدودها، وحرماتها، ومصالحها!

    هذا التسابق للدول على التسلح.. وعلى اقتناء وشراء الأسلحة المتطورة المتقدمة أولاً بأول.. لإرهاب بعضها البعض.. وإرهاب كل دولة أعداءها من الدول الأخرى.. هو عين الإرهاب.. بمفهومه المتقدم!

    اختراع الأسلحة الذرية والنووية الفتاكة.. والتسابق على اقتنائها.. هو عين الإرهاب.. بل ويدخل فيه كل معاني الإرهاب؛ المذموم منها والممدوح.. وما أكثر الدول - التي تتزعم في هذه الأيام محاربة الإرهاب - الواقعة في هذا النوع من الإرهاب!

    هذا الاستعراض العسكري السنوي لكل دولة.. فتظهر قوتها وعتادها العسكري على مرأى ومسامع الناس.. هو إرهاب.. وهو من قبيل إرهاب وإخافة أعداء تلك الدولة الداخليين المعارضين - إن وجدوا - والخارجيين سواء!

    قانون العقوبات التي تسنه الدول لمجتمعاتها - بغض النظر عن فاعليته وصوابه - هو من قبيل الإرهاب.. وإخافة الناس.. ومنعهم من الاعتداء!

    الشاهد مما تقدم أن هذا النوع من الإرهاب.. تمارسه جميع الدول والمجتمعات.. المتقدمة والمتخلفة منها سواء.. وهو إرهاب ممدوح ومشروع للجميع لا يمكن أن يُدرج تحت طائلة الإرهاب المذموم.. كما لا يُمكن أن يُقال أن هذا النوع من الإرهاب مسموح لجهة معينة دون أخرى.. أو دولة معينة دون أخرى!

    ومن الإرهاب المستحسن المشروع كذلك جهاد وقتال العدو المحتل لبلاد الآخرين.. وإرهابه بالقتال وغير ذلك إلى أن يخرج مذموماً مدحوراً.. وهذا لا خلاف على وجوبه وشرعيته.. حتى في قوانين الأمم المتحدة.. ومجالس أمنها.. التي تنص على أن لكل دولة أو شعب أو فرد معتدى عليه.. له كامل الحق في الدفاع عن نفسه.. وطرد المعتدي الغازي لبلاده!

    مع التنبيه إلى أن هذه القوانين التي تدين المعتدي الغازي سرعان ما تنقلب وتنعكس - على مذهب الأمم المتحدة التي يهيمن عليها النفوذ الأمريكي - لصالح الغازي المعتدي.. حيث يُصبح اعتداء الغازي المعتدي مشروعاً وحقاً من حقوقه.. ومقاومة الشعب المعتدى عليه - وبخاصة إن كان من المسلمين - لذلك العدوان هو باطل.. ويُصنف على أنه من الإرهاب المذموم الذي يجب أن يُحارب.. كما هو حاصل تماماً في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة اليهود.. وغيرها من بلاد المسلمين!

    ومنها: أي من فوائد هذا النوع من الإرهاب كذلك إضافة لما تقدم.. تحقيق الأمن والأمان للبلاد والعباد.. فلا يخاف أحد على نفسه ولا على أهله أو ماله.. لخوف المجرمين ودخولهم في جحورهم، وانكماشهم عن فعل الإجرام لعلمهم المسبق بما يمكن أن ينزل بهم لو أقدموا على فعل شيء من ذلك!

    هذه بعض أوجه الإرهاب المستحسن المشروع.. فما هو الإرهاب المذموم المستقبح.. وما هي صوره وأشكاله.. وكيف يُمارس في واقعنا المعاصر؟
    الإرهاب المستقبح المذموم والغير مشروع
    هو وضع الإرهاب في غير موضعه، ولغرضٍ يُراد منه إحقاق الباطل، وإبطال الحق [1].

    فقصد قتل الأنفس بغير حق.. وقطع السبيل على الآمنين والمستأمنين، والاعتداء على حرماتهم.. هو إجرام ومن الإرهاب المذموم الغير مشروع!

    ومنه قصد إرهاب الأطفال والنساء والشيوخ.. وغيرهم ممن لا تجوز إخافتهم.. بأي نوع من أنواع الإرهاب أو الترويع.. فهو إرهاب مستقبح مذموم وغير مشروع!

    ومنه الإسراف في القتل والانتقام والثأر.. ليطال الأبرياء الآمنين.. ومن لا دخل لهم في الأمر.. فهذا إرهاب مذموم ومستقبح شرعاً وعقلاً.. كما قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} الإسراء: 33.

    وقال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الأنعام: 164. وهذه الآية الكريمة قد تكررت في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كما في سورة الإسراء، آية (15). وسورة فاطر، آية (18). وسورة الزمر، آية (7). وسورة النجم، آية (38). وما ذلك إلا للتوكيد على أهمية هذا المبدأ العظيم.. وهو أن المرء لا يؤخذ بجريرة وذنب غيره.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه". فضلاً أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين.. كما هو حاصل في شريعة الأمم المتحدة.. التي تمثل شريعة الإنسان الأوربي القوي!

    ومن الإرهاب المذموم كذلك إرهاب الناس إلى حدٍّ يمنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية.. أو المطالبة بها.. كما هو حال كثير من الأنظمة السياسية الحاكمة في هذا العصر!

    ومنه إكراه الناس وحملهم على المسير في اتجاه معين.. واختيار معين.. بواسطة الإرهاب والتخويف، والتجويع.. وترويع كل من يخالف أو يُعارض!

    ومنه اتباع سياسة " الغايات تبرر الوسائل".. فمن أجل غايات وضيعة قد تكون مادية.. وذات طابع أناني وشخصي وضيق.. يعتدون على حرمات العباد والبلاد.. وشعوب بكاملها.. بصنوف من الترويع والتخويف والتجويع والإرهاب.. فهذا كذلك من الإرهاب المذموم المستقبح والغير مشروع!

    فهذا وجميع ما تقدم يدخل دخولاً كلياً في الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً..

    وإليك الآن بعض صور هذا النوع من الإرهاب.. ومشاهده وأدلته.. كما نعايشه ونراه في واقعنا المعاصر.. عسى أن تقترب وتتضح إليك صورة هذا الإرهاب المذموم أكثر فأكثر:

    نبتدئ بالحصار الأمريكي - ومعها المجتمع الدولي المتحضر - الجائر الذي كان سبباً مباشراً - حسب إحصائيات الأمم المتحدة ذاتها - في قتل أكثر من مليون ونصف المليون طفل عراقي.. تحت طائلة الجوع والمرض!

    زعموا - وقد كذبوا! - أنهم يريدون من هذا الحصار والطوق الشائك الملفوف على أعناق شعب العراق المسلم.. تأديب ومعاقبة صدام وحزبه.. وهاهي تمر أكثر من عشر سنوات عجاف على شعب العراق.. وصدام وحزبه يزداد في كل يوم عافية وسمنة.. بينما شعب العراق وأطفال العراق.. يزدادون يوماً بعد يوم موتاً وهلاكاً ومرضاً وفقراً!

    قتل مليون ونصف المليون طفل.. أكثرهم أعمارهم دون السنة الخامسة.. تحضر ورقي ومشروع.. مادام القاتل هو الإنسان الأمريكي أو الأوربي الراقي والمتحضر!!

    أين الجهة القوية والمسؤولة التي تقول لأمريكا - التي تشن في هذه الأيام حرباً على الإرهاب زعمت! - أنت بقتلك لهؤلاء الأطفال تمارسين قمة الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً؟!!

    كم من مرة تنقل لنا وسائل الإعلام عن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية للعراق ثم تكون ضحايا ذلك القصف - المركز والنظيف! - من الأطفال والنساء والشيوخ.. ومن دون أن يقدموا أدنى اعتذار لشعب وأطفال ونساء العراق؟!!

    وعن جرائم وإرهاب عصابات بني صهيون في فلسطين.. حدث ولا حرج.. فإن اليهود الصهاينة ومنذ احتلالهم لأرض فلسطين وإلى الساعة يمارسون أقبح الجرائم الإرهابية البشعة بحق الشيوخ والأطفال والنساء.. وغيرهم من المدنيين!

    فتاريخهم حافل بالجرائم وممارسة أقبح أنواع وصور الإرهاب..

    وإليك هذا النذر القليل من جرائمهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني المسلم الأعزل:

    1) مجزرة بلدة الشيخ بتاريخ 31/12/1947 م، حيث كان ضحاياها أكثر من (600) شخصاً؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ!

    2) مجزرة قرية سعسع الجليل.. وقد دمروا فيها أكثر من عشرين منزلاً.. غير الذي قتلوه من أهل القرية المدنيين.. وكان ذلك بتاريخ 14/2/1948م!

    3) مذبحة قرية أبو كبير.. وكان ضحاياها بالعشرات من المدنيين.. وكان ذلك بتاريخ 31/3/1948م.

    4) مجزرة دار ياسين الشهيرة بتاريخ 10/4/1948 م، حيث يزيد ضحاياها عن (360) شخصاً.. أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ!

    5) مذبحة قرية أبو شوشة بتاريخ 14/5/1948 م، وضحاياها يزيدون عن الخمسين شخصاً!

    6) مجزرة اللد بتاريخ 11/7/1948 م، وضحاياها يزيدون عن (426) شخصاً من المدنيين.. أكثرهم من الأطفال والشيوخ والنساء!

    7) مذبحة قرية عيليون بتاريخ 30/10/1948 م … وكان ضحاياها بالعشرات!

    مجزرة البعنة، ودير الأسد بتاريخ 30/10/1948م … وكان ضحاياها بالعشرات!

    9) مجزرة قرية قبية بتاريخ 14/10/1953.. وقد دمر فيها عشرات المنازل.. وكان ضحاياها أكثر من (67) شخصاً!

    10) مذبحة قرية قلقيلية بتاريخ 10/10/1956م … وكان ضحاياها بالعشرات!

    11) مجزرة قرية كفر قاسم بتاريخ 29/10/1956م.. وكان ضحاياها بالعشرات!

    12) مذبحة مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة بتاريخ بتاريخ 3/11/1956م، وكان ضحاياها يزيدون عن (250) شخصاً!

    13) مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بتاريخ 18/9/1982.. التي كان بطلها أرئيل شارون رئيس الوزراء الحالي لدولة الصهاينة اليهود.. وكان ضحايا هذه المجزرة يزيدون عـن (3500) شخصاً أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ!

    هذا قليل من كثير.. فمجازر بني صهيون بحق المدنيين الفلسطينيين يصعب حصرها في هذه الأوراق.. فهم في كل يوم يُضيفون إلى سجلهم الإرهابي والإجرامي مجزرة ومذبحة جديدة بحق شعب وأطفال فلسطين.. وما أخبار الدرة.. والطفلة إيمان.. وسياسة الاغتيالات لشركائهم في السلام والاستسلام.. وغيرهم.. عن مسامع العالم ببعيد!

    يمارسون قمة العنف والإرهاب المسلح والمنظم ليكرهوا الشعب الفلسطيني على خيار الهجرة.. وترك الأرض.. وافتراش مخيمات الذل والضياع!!

    هذا الإرهاب وغيره.. كله يُمارس على مرأى ومسمع من العالم.. من دون أن يقولوا فيه كلمة شجب أو استنكار.. أو أن يصفوه بمجرد كلمة إرهاب.. وذلك كله لأن أمريكا هي التي ترعاه وتدعمه وتموله وتؤيده!

    يكفي لكي تعلم مدى تحمل أمريكا لتبعات إجرام وإرهاب عصابات بني صهيون.. أن تعلم أن أمريكا في كل عام تقتطع من خزينة شعبها ما يزيد عن ثلاث مليارات دولار أمريكي تقدمها كمساعدات نقدية.. غير المساعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها أمريكا لعصابات بني صهيون.. لكي تمارس بهذه الآلة العسكرية الضخمة والمتطورة سياستها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل!

    هذا كله في عرف الأمم المتحدة.. والمجتمع الدولي.. ليس دعماً للإرهاب.. ولا إيواءً للإرهاب.. بينما الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تنشط في تأمين بعض حاجيات من شردهم الإرهاب في المخيمات وعلى حدود الدول الأخرى.. هو دعم للإرهاب.. يجب أن يُصادر.. وأن تُجفف ينابيعه.. ويوقف العمل به؟!!

    أما في أفغانستان وما يُمارس بحق الشعب المسلم الأفغاني من إرهاب دولي ومنظم فحدث عنه ولا حرج.. فالقائمة طويلة.. نجتزئ منها التالي:

    هذا الحصار المضروب منذ سنوات - وإلى الساعة - على أفغانستان وشعب أفغانستان.. التي كانت من ضحاياه تجويع شعب بكامله.. وبخاصة منهم الأطفال والنساء والشيوخ.. هو قمة الإرهاب المستقبح الذي يمارسه المجتمع الدولي - بقيادة أمريكا - باسم محاربة الإرهاب.. زعموا!

    هذا العرض العسكري الضخم للقوات الأمريكية الذي تقدم قصف أفغانستان.. والذي أدى إلى إرعاب وإخافة الناس.. فهاجر من جراء ذلك أكثر من مليون شخص أفغاني أكثرهم من المستضعفين من النساء والأطفال.. فتركوا ديارهم ومنازلهم ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء.. على حدود دولة باكستان.. أليس هذا من الإرهاب؟!!

    هذا القصف الطائش للقوات الأمريكية والبريطانية على أفغانستان.. بأحدث وأطور وأخطر الأسلحة.. ليطال المئات من الأطفال والنساء والشيوخ.. وغيرهم من المدنيين.. أليس هذا من الإرهاب؟!!

    متى كانت مطاردة شخص بعينه.. مبرراً لإبادة وتشريد، وتجويع شعب بكامله؟!

    إذا كان المرء لا يجوز أن يؤخذ بجريرة غيره.. فكيف يجوز أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين؟!!

    متى كان الخلاف مع شخص مبرراً لانتهاك حرمات بلاد بكاملها؟!

    لا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن الشريعة السائدة في هذا الزمان هي العدالة الأمريكية.. وشريعة الأمم المتحدة على الإسلام والمسلمين؟!

    إنه من الغرابة حقاً التي تستدعي السخرية.. أن تسمي أمريكا حملتها العسكرية الإرهابية هذه على شعب ومسلمي أفغانستان بـ " عملية الحرية الراسخة "؟!

    أي حرية هذه التي تريدها أمريكا.. من إبادة وقتل شعب بكامله؟!

    أي حرية هذه التي تريدها أمريكا.. وهي تقسّم - بالقوة وإرهاب السلاح - العالم إلى فريقين لا ثالث لهما.. فريق معها.. وفريق عليها.. وهو الفريق الذي لا يُطاوعها على حربها ضد الإرهاب.. زعمت!

    فكل دولة أو شعب لا يطاوعها ولا يدخل في موالاتها في حربها الظالمة ضد شعب أفغانستان.. فهو شعب إرهابي.. ونظامه نظام إرهابي.. ستطاله الحرب والنيران الأمريكية في حملتها ضد الإرهاب!

    أي حرية هذه التي تريدها أمريكا.. وهي تكمم الأفواه.. وترهب الإعلام من نقدها ونقد إرهابها وطغيانها.. كما حصل مؤخراً في موقفها من قناة الجزيرة وغيرها من القنوات.. إلى أن وصل بها الموصل أن تلزم وكالات الأنباء بأن ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالحها.. وأن لا ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالح عدوها؟!!

    فأي إرهاب للشعوب يعلو هذا الإرهاب.. وأي كبت للحريات يفوق هذا الكبت؟!!

    أي حرية هذه التي تنشدها أمريكا.. وهي تقتلع نظاماً سياسياً - بوسائل العنف والتدمير والتآمر - ارتضاه - باعتراف الجميع - أكثر من 95 % من مجموع الناس.. لتستبدله بنظام عميل لها.. لا يمثل إلا نفسه؟!

    ألم يأت في تعريف الإرهابي - كما تقدم في قاموسهم؛ قاموس أكسفورد - بأن الإرهابي هو: "بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية".. وهذا الذي تفعله أمريكا وحلفاؤها الآن بحق شعب أفغانستان والنظام السياسي الذي يمثله!

    فأمريكا إضافة إلى نشاطها العسكري العنيف والمكثف لإسقاط دولة ونظام طالبان.. فهي - والمجتمع الدولي معها - تمد قوى المعارضة في الشمال التي تمثل الفئة الأقل في أفغانستان بجميع وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي.. من أجل الوصول إلى نهاية سياسية معينة ألا وهي إسقاط دولة طالبان الحرة التي تمثل الأكثرية.. واستبدالها بدولة تمثلها المعارضة المنبوذة الخائنة العميلة.. وتكون موالية لأمريكا والغرب.. وهذا هو الإرهاب.. والإرهابي كما اتفقوا هم أنفسهم على تسميته بذلك.. وفي قواميسهم!

    فإن قيل: كيف عرفت أن المعارضة الشمالية لا تمثل الأكثرية.. وهي منبوذة من قبل شعب أفغانستان؟

    أقول: الجواب على ذلك سهل.. يدركه كل منصف.. ولعل أبرز ما يجعلنا نجزم بذلك أن هذه الآلاف والملايين التي اضطرت للهجرة إلى دولة باكستان لم يتوجه أحد منهم إلى المناطق الشمالية التي تستولي عليها قوى المعارضة الخائنة العميلة.. مع علمهم المسبق أن هذه المناطق لن تقصفها القوات الأمريكية.. ولن يتعرض سكانها للقصف أو أي ضرر.. وأن المعونات الدولية تخصها بالعطايا مالا تخص غيرها من المناطق.. ومع ذلك فهم آثروا القِل.. والجوع.. والموت على حدود باكستان ولا أن يذهب أحد منهم إلى مناطق تلك المعارضة المشبوهة الخائنة في شمال أفغانستان!

    ومن صور الإرهاب المستقبح كذلك.. هو ما رآه العالم من إرهاب فظيع بحق الشعب المسلم في الشيشان.. وفي البوسنة والهرسك.. وفي كشمير.. وفي كوسوفو.. وفي جزر الملوك الأندونوسية.. حيث المجازر والمقابر الجماعية لا تزال إلى الساعة شاهدة على إجرام وإرهاب القوم.. والتي حصلت ولا تزال إلى الساعة تحصل.. على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي المتحضر.. بل ومباركته!!

    ولو أردنا أن نقف عند مجازر القوم بحق المدنيين والمستضعفين.. مجزرة مجزرة.. وذكر تفاصيل كل مجزرة لطال بنا المقام.. واحتاج ذلك منا إلى مجلدات!

    وغرضنا هنا التمثيل لتقريب صورة الإرهاب المستقبح شرعاً وعقلاً.. والإرهابي المجرم الذي يستحق العقاب.. وليس الاستقصاء أو الإحصاء.. فهذا مجاله الأبحاث الإحصائية وهي متوفرة - في مكتبة الأمم المتحدة! - لمن يريدها!

    خلاصة ما تقدم:

    من خلال ما تقدم ندرك أن الإرهاب منه ما يكون مذموماً ومستقبحاً.. ومنه ما يكون ممدوحاً ومشروعاً بحسب التفصيل المتقدم.

    وبالتالي لا يستحسن أن يُطلق المرء على نفسه بأنه إرهابي - كما يفعل ذلك بعض الشباب المتحمس من قبيل ردة الفعل مما يُشاهده من ازدواجية في المعايير والتقييم في توصيف ومحاربة الإرهاب - أو غير إرهابي من دون أن يُشير إلى نوع الإرهاب الذي يثبته لنفسه، ونوع الإرهاب الذي ينفيه عن نفسه.. وبخاصة أننا في هذه الأيام نعيش حملة شعواء على الإرهاب.. مزيفة المعنى والمضمون.. والوسائل والأهداف.. مما جعل هذه الكلمة في أذهان كثير من الناس تعني السب والقبح والإجرام، والاعتداء على حرمات الآمنين.. وهذا لا بد من اعتباره عند الانتساب لهذه الكلمة.

    والله تعالى أعلم


    [1] قد يرد اعتراض يقول: من الذي يُحدد الإرهاب المستحسن المشروع من الإرهاب المستقبح الغير مشروع.. فما يمكن أن تراه موضعاً مناسباً للإرهاب قد يراه غيرك موضعاً غير مناسب.. وما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً.. فكيف يمكن الاتفاق على مثل هذه التقسيمات والتحديدات.. ولمن الحكم فيها؟!

    الجواب: نقول بكل وضوح وبساطة أن الحكم في هذه المسائل وغيرها من المسائل.. وكل ما يمكن أن يحصل فيه نزاع بين الناس هو لله تعالى وحده.. وليس للأمم المتحدة، ولا لغيرها من الهيئات والتجمعات.. وذلك لأسباب عدة منها: أن الله تعالى أمر عباده بأن يحتكموا إليه سبحانه وتعالى وإلى ما شرعه من شرائع وأحكام على لسان أنبيائه ورسله صلوات الله تعالى عليهم، ولا مناص لهم من التنكب عن ذلك ما داموا يؤمنون بالله ورسله؛ فالمسألة من هذا الوجه لها بعد عقدي وإيماني كما قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}الأنعام: 57.

    وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف: 40. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء: 59.

    ومنها: أن حكم الله تعالى هو العدل المطلق الذي لا يُحابي مخلوقاً.. بخلاف المخلوق فإنه - مهما اجتهد - لا بد له أن يقع في المحاباة وتحت طائلة الهوى، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} غافر: 20.

    ومنها: أن حكم الله تعالى هو الأقرب للعقول السليمة، والفطر السوية، والأنفس المجردة عن التعصب والحقد.. وبالتالي أن ترضى به.

    لذلك قلنا ونقول: أن هذه المسائل وغيرها من المسائل يجب أن تُرد لحكم الله تعالى وحده.. وليس لأحد سواه.

    فإن قيل: مشكلة الإرهاب عالمية.. وهذا المنطق المتقدم لا يمكن أن تخاطب به غير المسلمين؟!

    أقول: إن كان حكم الله تعالى العليم الحكيم لا يمكن أن نجمع عليه الجميع.. فمن باب أولى أن لا يتحقق هذا الاجتماع على حكم مخلوق ضعيف جاهل.. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} البقرة: 216.

    ثم إن أبى الآخرون إلا التخبط في أهوائهم وتقسيماتهم، وعدم المتابعة.. يكفي أن تكون هذه المشكلة - مشكلة الإرهاب - محسومة وواضحة المعالم.. عند أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

    المجتمع الدولي والإرهاب
    قد أصدرت الأمم المتحدة عدة قوانين - وفي فترة زمنية وجيزة قياسية - تعلن فيها الحرب على الإرهاب.. والإرهابيين.. ومن دون أن تحدد صفة ونوعية وشكل هذا الإرهاب الذي تريد محاربته.. وتلزم الدول التوقيع على محاربته.. وهذا يشكل فراغاً قانونياً كبيراً وخللاً حقيقياً في محاربة واستئصال الإرهاب الحقيقي المذموم!

    نراهم يصدرون عشرات القوانين - وبطريقة عصبية.. وحالة نفسية مضطربة غير متزنة في سويعات عدة - تدين الإرهاب.. وتلاحق الإرهاب.. وتجفف مصادر الإرهاب.. ومن دون أن يحددوا صفة وهوية هذا الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب أو أن تُجفف ينابيعه ومصادر دعمه.. علماً أنه قد مضى على المطالبة بتعريف محدد للإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب منذ أكثر من عشر سنوات ومن جهات عدة.. ولكن إلى الساعة لم يفعلوا ذلك.. لماذا؟!

    هذا سؤال هام قد أجبت عليه في مقال آخر.. أعيد هنا تلخيص الإجابة عليه في النقاط التالية:

    1) تعريف الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب، وتحديد معالمه وصفته.. يجعل كل ما هو خارج هذا التعريف والتوصيف ليس إرهاباً.. والمتحرك في تلك المساحة التي هي خارج ذلك التوصيف والتعريف - وبخاصة إن كان إسلامياً - لم يعد من الممكن أن يُلاحق على أنه إرهابي.. وأن ما يقوم به من أعمال كذلك لا يمكن أن تُصنّف على أنها أعمال إرهابية..وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون!

    2) هذا التحديد لمعاني الإرهاب الذي تنبغي محاربته.. قد تستفيد منه حركات التحرر في العالم - وما أكثرها - في جهادهم ونضالهم لتحرر من هيمنة وطغيان واستعباد المستعمر المحتل.. بحيث أنها تتحرك خارج إطار الإرهاب المتفق على إدانته.. وهذا ما لا يريدونه أن يقع أو يكون!

    3) تحديد مفهوم الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب والاتفاق عليه.. يمنع كثيراً من الدول الطاغية أن تمارس ما تشاء من صور الإرهاب بحق الشعوب المستضعفة.. وقت تشاء.. وبخاصة منها أمريكا راعية الإرهاب العالمي.. وربيبتها دولة الصهاينة اليهود.. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون!

    فتغييب تحديد معنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب.. يُسهل لقوى الاستكبار والظلم في الأرض - على نطاق واسع - في أن تتدخل في شؤون البلاد والعباد.. وأن تمارس الإرهاب على أوسع نطاق.. باسم محاربة الإرهاب.. ومطاردة الإرهابيين!

    كما أن تغييب تحديد معنى الإرهاب.. يجعل من هذا المصطلح معنى مطاطاً خاضعاً لأهواء ورغبات الساسة المتنفذين.. فيدخلون من شاءوا - ووقت يشاءون - في الإرهاب.. وتحت طائلة ملاحقة الإرهاب.. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً.. ويخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب.. وإن كان إرهابياً مجرماً على الحقيقة والتحقيق!

    4) تحديد مفهوم ومعنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب ويُحاصر.. قد يُظهر جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة اليهود على أنه جهاد مشروع لا يندرج تحت مفهوم الإرهاب.. وهذا يعني اعترافاً ضمنياً بأن دولة الصهاينة اليهود دولة محتلة ومغتصبة لحقوق الآخرين، لا شرعية لها.. تستحق المقاومة والجهاد.. إلى أن يتحقق الجلاء.. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو أن يكون شيئاً منه!

    5) تحديد مفهوم الإرهاب.. والاتفاق عليه دولياً.. يلزم بالضرورة إدانة الدول الطاغية المتلبسة - كمَّاً ونوعاً - بجميع ضروب الإرهاب.. وعلى رأس تلك الدول أمريكا وربيبتها دولة الصهاينة اليهود..!

    فهم لو فعلوا.. وحددوا طبيعة الإرهاب الذي ينبغي أن يُدان ويُحارب، لأدانوا أنفسهم بأنفسهم.. وحاربوا أنفسهم بأنفسهم لو صدقوا!

    فنحن نتحداهم أن يُخرجوا لنا تعريفاً للإرهاب يتفقون عليه.. من دون أن يرتد عليهم ويكونوا هم أول المتلبسين به قبل غيرهم.. ومن دون أن يكونوا هم قد اقترفوه ومارسوه - في أقبح صوره وأشكاله - قبل غيرهم!

    فلو قالوا الإرهاب هو قتل المدنيين وترويعهم.. فهم أول من قتل المدنيين وروعوهم.. كما هو حاصل في أماكن عدة تقدمت الإشارة إليها!

    ولو قالوا الإرهاب قتل وترويع الأطفال.. فهم أول من قتل وروع الأطفال.. وأكبر شاهد على ذلك أطفال العراق.. وأفغانستان.. وفلسطين.. والشيشان.. والبوسنة والهرسك.. وما أطول القائمة!

    ولو قالوا الإرهاب هو إلقاء القنابل النووية التي تؤدي إلى قتل وترويع الأبرياء.. فهم أول من ألقوا القنابل النووية على هروشيما.. وفي أماكن عدة غيرها..!

    وهاهم اليوم يروضون العالم لتقبل استخدام الأسلحة النووية ضد أفغانستان.. وضد شعب وأطفال أفغانستان.. من خلال ربطهم مرض " الجمرة الخبيثة " بأسامة بن لادن.. وبالقاعدة.. ليقولوا للناس قد اعتدي على أمريكا بالأسلحة الكيماوية.. وبالتالي من حقها - كما تنص على ذلك الأمم المتحدة! - أن ترد على الاعتداء بالمثل وبنفس السلاح.. وهذا كله سيكون في حال عجزت أمريكا وحلفاؤها من تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة في أفغانستان من خلال استخدام أسلحتهم المتطورة الجوية والبحرية والبرية!

    ولو قالوا الإرهاب هو استخدام العنف لضمان نهاية سياسية معينة.. فهم أول من سلك ويسلك هذا الطريق.. فدعمهم لعصابات بني صهيون عن طريق العنف المسلح من أجل إقامة دولتهم في فلسطين.. وكذلك دعم حركات التمرد الإرهابية في جنوب السودان ضد حكومة السودان.. ودعم المعارضة العراقية وتدريبها على السلاح لتمارس عمليات الاغتيال والتفجير في العراق.. وأخيراً دعم الشرذمة القليلة المعارضة في شمال أفغانستان بقوة السلاح.. وتشجيعهم على قتل أبناء بلدهم ودينهم.. كل ذلك شاهد عليهم وعلى إرهابهم وإجرامهم.. وأنهم أول من سلك هذا الطريق.. وأول من سنَّه وشجع عليه!

    ولو قالوا الإرهاب هو الاغتيالات السياسية.. فهم أول من فعل ذلك ويفعلوه!

    فكيفما فسروا الإرهاب.. سيجدون أنفسهم أنهم أول المدانين بهذا الإرهاب.. وأن سهامهم المسمومة سترتد إلى نحورهم وصدورهم.. لذا نجزم أنهم لن يتفقوا على تعريف محدد للإرهاب يلتزمون به.. ليبقى ما هو محرم على غيرهم مباح لهم.. وليبقى شعار محاربة الإرهاب هو الشعار المناسب والمطاط الذي يسمح لهم بالتدخل في شؤون الآخرين كلما لاح لهم أهمية ذلك بالنسبة لأمنهم ومصالحهم الذاتية!

    ويجعلنا نجزم كذلك أن هذا التنادي المحموم إلى مصادرة وتجفيف مصادر دعم الإرهاب.. ما هو في حقيقته إلا دعوة لتجفيف مصادر دعم الفقراء والمساكين المشردين في الخيام.. الذين شردهم الإرهاب الدولي المنظم الذي تتزعمه أمريكا وربيبتها دولة عصابات بني صهيون!

    جميع الأرصدة البنكية التي تمت مصادرتها وتجميدها هي تابعة لجمعيات وجهات خيريـة إسلامية.. لم نسمع أنهم جمدوا أو صادروا حساباً واحداً تابعاً لجهة نصرانية.. أو يهودية.. أو مجوسية وثنية.. أو علمانية.. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام حول غايات هذه الحملة المسعورة على الأنشطة الخيرية الإسلامية ذات الطابع الإنساني.. باسم مصادرة وتجفيف دعم الإرهاب.. زعموا؟!!

    ولو صدقوا في إيقاف ودعم الإرهاب.. لأوقفوا أمريكا عن دعم عصابات بني صهيون الإرهابية المحتلة لأرض فلسطين.. التي تقدم لها في كل عام أكثر من ثلاثة مليارات دولار تُجبى وتُقتطع كضرائب من الشعب الأمريكي المغفل.. هذا غير المعونات العسكرية المتطورة التي تقدمها لها كهبة لتقتل بها الشعب الفلسطيني الأعزل!

    قالوا: قد نصت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التأكيد الراسخ للفرد أو الجماعة في الدفاع عن النفس، كما هو معترف به في ميثاق الأمم المتحدة، وكما هو مؤكد في القرار [1362/ 2001][2].

    نقول لهم بكل وضوح وصراحة أن الإنسان في كثير من البلدان وبخاصة منها العربية والتي تسمي نفسها بأنها إسلامية قد تسلطت عليها أنظمة فاشية طاغية خائنة عميلة لا تقيم للإنسان وزنا.. فقد قتلوا فيه كل معاني العزة والحرية والكرامة.. واعتدوا على جميع حرماته وحقوقه بكل ما تعني كلمة الاعتداء من معنى.. ومع كل ذلك فقد كمموا الأفواه ولم يسمحوا للإنسان أن يقول للجلاد مجرد قف - ولو للحظة - عن جلدي.. وعن اغتصاب حقوقي!

    أفتونا يا أيها الأمم المتحدة - ولا نظنكم أهلاً للإفتاء - ماذا يفعل هذا الإنسان.. إن دافع عن نفسه، وعن حرماته.. وأزاح السكينة عن رقبته ورقبة أطفاله قلتم عنه إرهابي.. وطاردتموه وحاصرتموه.. وقطعتم عليه سبل العيش والرزق.. وقلتم عنه قد استخدم العنف في رد الاعتداء.. وإن سكت واستكان ضاعت الحقوق كلها.. وانتهكت الحرمات.. وقلتم عنه من حقه أن يُدافع عن نفسه؟!!

    فنحن - وهذا لسان حال آلاف بل وملايين الناس ممن يعيشون في الشرق الأوسط - في حيرة من أمرنا.. فنحن بين نارين.. بين نار سياط الجلادين الإرهابيين.. وبين نار قوانين الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة التي لم تحسن التمييز بين الظالم والمظلوم.. وبين المعتدي والمعتدَى عليه.. والتي جاءت لتلبي حاجيات أمريكا وحلفائها في فترة زمنية معينة فقط؟!

    ثم هل الإنسان الأوربي لو تم الاعتداء على حقوقه.. وحرياته.. وخصوصياته.. وحرماته بالصورة التي يُعتدى فيها على الإنسان العربي المسلم.. ثم هو يدافع عن نفسه.. كنتم ستصنفونه وتطاردونه وتحاصرونه على أنه إرهابي؟!!

    القضية لا تُحسم ولا تُعالج بإصدار القوانين ضد الإرهاب.. والإكثار منها.. وإرغام الأطراف - من غير اقتناع - على التوقيع عليها.. بقدر ما تكون هذه القوانين تتسم بالعدل والإنصاف والواقعية.. وتعالج أسباب الإرهاب قبل أن تطارد وتقطف ثماره ونتائجه!


    [2] انظر نص قرار مجلس الأمن المنشور في جريدة " الشرق الأوسط " في عددها الصادر بـ 30/9/2001.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 1:25 am