الأسباب الداعية لظهور الإرهاب!
لا ينبغي والمجتمع الدولي منهمك في مطاردة الإرهاب ومحاصرته أن نغفل عن الأسباب الأساسية التي تحمل الإنسان على الوقوع في الإرهاب بشقه المذموم.. هذا إذا كنا جادين في معالجة الإرهاب واستئصاله من جذوره.
وللإرهاب - على مستوى الأفراد أو الجماعات - أسباب عدة أبرزها:
1) طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة على رقاب العباد بالحديد والنار.. في كثير من البلاد.. التي تقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته.. وتعتدي على جميع حقوقه وحرماته.. فيتحول هذا الإنسان بفعل ذلك الاضطهاد - رغماً عن أنفه - من إنسان وديع لطيف حسن العشرة.. إلى برميل من البارود.. وإلى قنبلة موقوتة تنفجر وقت أن تسنح له الفرصة بذلك.. منتقماً لحقوقه وحرماته المنتهكة.. وبطريقة قد يترتب عليها وقوع الإرهاب المحظور الذي لا يقره عقل ولا شرع!
وهنا لا نريد أن نسلط الضوء على ما يجوز ومالا يجوز من تلك الأعمال فهذا له موضع آخر.. ومباحث أخرى.. ولكن نريد أن نسلط الضوء على السبب - الذي قل من يتنبه إليه - الذي أدى لوقوع مثل هذا الإرهاب المحظور!
السبب هو طغيان وجبروت وإرهاب الطاغوت الحاكم ونظامه.. الذي حول هذا الإنسان بفعل ظلمه واضطهاده إلى برميل من البارود.. وإلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وفي أي مكان!
كيف لا تريدون أن يتحول هذا الطفل في شبابه إلى برميل من البارود والمتفجرات.. وهو يرى أباه يُهان ويُضرب.. ويُساق إلى سجون الظالمين بغير حق.. وأمه تهان كرامتها وعفتها.. ومنزله يدمر ويُهدم عليه وعلى إخوانه وأخواته؟!!
كثير من الناس والإعلاميين ينظرون إلى ذات الحدث.. وما يترتب عليه من آثار قد تكون غير مرضية.. لا يقرها شرع ولا عقل.. من دون النظر إلى السبب الذي حمل هذا الإنسان وغيره إلى الوصول لهذه النتيجة.. وهذا خطأ في التصور والعلاج!
على سبيل المثال مصر.. فقد تناها إلى مسامعنا عن بعض الأعمال الغير مشروعة التي يمكن أن تُصنف في خانة العمل الإرهابي المذموم والغير مشروع.. ولكن لننظر في المقابل السياسة الطاغية الظالمة الغاشمة التي ينتهجها النظام المصري الحاكم بحق شعبه.. والتي قد تكون سبباً رئيسياً وكبيراً وراء تلك الأحداث أو الأعمال!
حرب شعواء لدين العباد.. السجون مليئة بالأبرياء.. وبصفوة الأمة من الشباب.. الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود.. الناس يؤخذون بالشبهات والظنون.. ممارسة جميع فنون التعذيب والإهانة والقهر والإذلال بحق العباد.. وانتهاك العرض والحرمات.. وبعد عشر سنوات من القهر والتعذيب والإذلال في سجون الطاغوت.. يقولون للسجين أخرج قد تبين لنا أنك بريء!!
هذا واقع ويحصل منه الكثير الكثير في مجتمعاتنا.. ولست أنا الوحيد الذي أشير إليه.. بل هناك كتّاب ليسوا على ملتنا يقررون ما تقدم ذكره عن سياسة طاغوت مصر وغيره.. فقد نشرت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 12/10/2001م، تحت عنوان " هجوم أمريكي على مصر والسعودية ": وجهت دوائر بحثية وإعلامية في الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من مصر والسعودية، واتهمت البلدين بالمسؤولية غير المباشرة عن بروز ما تسميه بالتطرف والإرهاب، وبررت ذلك بسيادة ما تصفه النظام الاستبدادي في البلدين.. وقال مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا.
وأفادت صحيفة " واشنطن بوست " في عددها الصادر أمس بأن الحكومات العربية التي تدعي تأييد الحملة الأمريكية.. هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن مصر مثال واضح، فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسياً ومفلس معنوياً..". اهـ.
ثم بعد ذلك نسمع حسني مبارك يتبجح بكل وقاحة بأنه سوف يُحارب الإرهاب.. ويُطارد الإرهابيين.. ويُطالب دول الغرب - باسم محاربة الإرهاب - بأن يُسلموه بعض الأفراد من شعبه الذين نجاهم الله من ظلمه وطغيانه.. يُطالب بإعادتهم وتسليمهم ليمارس عليهم دور الجزار والجلاد معاً.. وفاته أنه هو ونظامه الفاشي أكبر إرهابي وأكبر سبب للإرهاب في بلده.. بل وفي العالم، وهو الذي ينبغي أن يُحاكم - لو وجد العدل - قبل المستضعفين الذين نجوا من طغيانه وناره!
وما قلناه عن النظام المصري نقوله عن النظام الطائفي الدموي في سوريا، وعن النظام الليبي، وعن النظام التونسي، وعن النظام الأردني.. وعن النظام الجزائري.. وغيرها من الأنظمة الفاشية الظالمة.
وشاهدنا مما تقدم أنه عند الحديث عن الإرهاب وأسبابه وطرق علاجه.. لا ينبغي أن نغفل عن سياسة هذه الأنظمة المتسلطة.. وعن كيفية التخلص منها.. ومن طغيانها التي تعتبر أكبر سبب لظاهرة الإرهاب!
لكن الغريب في الأمر أن هذه الأنظمة الطاغية.. رغم فسادها وطغيانها ودكتاتوريتها.. وممارستها لجميع أنواع الإرهاب بحق شعوبها.. ورغم كونها سبباً رئيسياً لظاهرة الإرهاب في العالم.. فإننا نجد أمريكا ودول الغرب يدعمونها ويؤيدونها ويباركونها!!
فعلى سبيل المثال رغم ما ذكرناه وما هو معروف عن النظام المصري من طغيان وإرهاب بحق شعبه.. فإن أمريكا تتبرع سنوياً للنظام المصري - وليس للشعب المصري - ما يُعادل 2,2 مليار دولار أمريكي، ليُنفق هذا المبلغ على الجلادين، وعصابات الأمن والمخابرات التابعة للنظام!
وكذلك لما تم تنصيب بشار الأسد رئيساً وبطريقة مخالفة لجميع القوانين والدساتير، والأعراف.. بما في ذلك الدستور السوري ذاته.. ورغم ما لهذا النظام الطائفي من سجل ضخم في إرهاب وتقتيل شعبه.. حيث قتل في يوم واحد ما يزيد عن عشرين ألف شخص من المدنيين في مدينة حماه؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ.. غير المساجد والكنائس التي تم تدميرها في ذلك اليوم المشهود.. ومع ذلك ورغم السجل الإرهابي الضخم لهذا النظام.. ذهب كل من وزير خارجية بريطانيا، ووزيرة خارجية أمريكا آنذاك ليباركان النظام الجديد ورئيسه.. ويعربان عن تأييد بلديهما للنظام الجديد!!
والسؤال: كيف يزعمون محاربة الإرهاب.. وهم في نفس الوقت يؤيدون ويدعمون الأنظمة الإرهابية.. والأكثر طغياناً ودموية بحق شعوبهم؟!!
قالوا: صدام حسين إرهابي.. قلنا: صدقتم.. لكن ما الفرق بينه وبين حسني مبارك، وحافظ الأسد، والقذافي، وزين العابدين وغيرهم من حكام وطواغيت العرب؟!!
فلماذا صدام إرهابي.. وهؤلاء ليسوا بإرهابيين.. أم أن المسألة خاضعة للهوى وللسياسة بحسب المصالح والمكاسب.. وبحسب الخدمات التي يقدمها كل حاكم؟!!
يقول " مارتن إنديك " المذكور أعلاه والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: "إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها "!
قلت: لا مانع لواشنطن أن تدعم هذه الأنظمة الإرهابية الطاغية المتسلطة على رقاب الشعوب بالحديد والنار.. ما دامت هذه الأنظمة تسير وفق مخططات السياسة الأمريكية.. وتحقق لها أهدافها في المنطقة.. فالغايات تبرر الوسائل عند الساسة الأمريكيين!
2) تكميم الأفواه.. وكبت الحريات الأساسية والضرورية للإنسان.. كما هو حاصل في كثير من الأنظمة العربية الحاكمة.. فإنه في الغالب يولد عند الإنسان ردة فعل قد لا تُحمد عقباها.. حيث قد تنتهي بصاحبها في النهاية إلى أن يقع في الإرهاب المحظور!
فالذي يُمنع من التعبير عما في نفسه بحرية.. قد يلتجئ إلى وسائل عديدة سرية يُعبر من خلالها عن نفسه ومشاعره.. والذي يُمنع من الكتابة على الورق قد يكتب تحت جنح الليل على الجدران!
كثير من الشعوب المقهورة ترى الباطل أمام أعينها.. لكن لا تستطيع أن تقول له شيئاً.. ولا تملك الجرأة - بحكم طغيان وإرهاب الطاغوت - على أن توجه له كلمة نقد أو تعقيب.. فتكتم في نفسها.. وعلى مر الزمن يتراكم هذا الكبت إلى أن يولد انفجاراً يحرق الأخضر واليابس، ويقع الندم.. ولات حين مندم!
بعض المراقبين يظن الشارع العربي راضياً بالحملات الأمريكية ضد أفغانستان.. بسبب أنهم لا يخرجون مظاهرات يعبرون فيها عن معارضتهم لتلك الحرب الأثيمة.. وهؤلاء فاتتهم الحقيقة.. ولو راقبوا ما يُكتب في أندية الحوارات المنتشرة على شاشة الإنترنت من قبل الشباب بأسماء مستعارة حيث الأمان من ظلم وبطش الطواغيت.. لأدركوا أن الشارع العربي المسلم عبارة عن جمرة من نار تحترق في داخلها.. وتأكل بعضها بعضاً كبداً لما يحصل لأبناء الأمة في أفغانستان وفلسطين.. وهذه الجمرة لا بد يوماً من أن تمتد شرارتها ونارها لتحرق من حولها من الظالمين المستبدين العملاء.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
ثم هاهي الجزائر اليوم - ممثلة في نظامه الفاشي الطاغي - ومنذ أكثر من عشر سنوات فإنها تدفع ضريبة باهظة من أبناء ودماء شعبها.. بسبب ظلمها وطغيانها، وغدرها للحريات المشروعة - بمباركة وتأييد من أمريكا وفرنسا وغيرها من دول الغرب - وما كان قد اختاره الشعب الجزائري.. رغم وجود تحفظنا المعروف على شرعية تلك التجربة.. وغيرها من التجارب الديمقراطية الفاشلة في بلاد المسلمين!
3) توسيع دائرة الملاحقات.. وما يتبعها من انتهاكات ومضايقات.. بحيث تشمل المتهم والبريء.. ووضع البريء في موضع المدافع الشرس عن حقوقه وحرماته.. بزعم ملاحقة الإرهاب!
فهذا التوسع في الملاحقات والمطاردات الغير مبررة.. من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى جنوح بعض الأفراد بل والجماعات إلى انتهاج بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة.. من قبيل الدفاع عن النفس.. وطلب النجاة!
متى يلجأ الإنسان للسعي إلى الحصول على جواز سفر مزور.. أتراه يفعل ذلك ودولته تمنحه بكل سهولة ويسر تلك الوثيقة التي هي من حقه؟!!
عشرات الدول.. وأكثرها عربية.. تحرم شعوبها هذا الحق البسيط.. ولا تعطي مواطنيها هذا الجواز إلا بعد سلسلة من الإذلالات والمماطلات والرشاوى، والوساطات، وموافقة المخابرات، وغير ذلك من الإجراءات.. مما يجعل هذه الشعوب من باب طلب النجاة والسلامة.. وممارسة حقهم في السفر والتنقل.. يبحثون عن البديل المزور!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف هذه الشعوب برمتها بأنها إرهابية.. أو نلومها لكونها تفعل ذلك تحت ظروف الاضطرار والإكراه.. وإنما الصواب والعدل أن نلوم الأنظمة الطاغية الإرهابية التي حرمت هذه الشعوب أبسط حقوقها.. وألجأتها رغماً عن أنفها إلى هذه الوسائل الملتوية!
ليفرض نفسه " كوفي عنان " مكان أي مواطن يُمارَس بحقه وحق أهله جميع صنوف التنكيل والإذلال والإرهاب.. ثم مع ذلك يُمنع من الوثيقة التي تمكنه من السفر والتنقل.. ليبقى تحت رحمة الجلادين.. ثم هو في هذه الأجواء يُعرض عليه جواز سفر مزور بمئات الدولارات.. يمكّنه من السفر والنجاة.. ألا ترون أنه سيشتريه ويستخدمه؟!
لكن هل يمكن أن يُصنف " كوفي عنان " حينئذٍ بأنه إرهابي لكونه لجأ مضطراً إلى هذه الوسيلة؟!
الشاهد مما تقدم أن نلفت النظر لمن صدقت نيته في محاربة الإرهاب المحظور والممنوع شرعاً وعقلاً.. أن لا يقصروا اهتمامهم بالنظر إلى سلوك بعض الأفراد أو الجماعات التي تبدوا أنها غير قانونية.. من دون النظر إلى الدوافع أو الأسباب التي أدت إلى مثل هذه السلوكيات الشاذة.. وملاحقة من كان السبب فيها قبل الذين يُباشرونها!
وأردت كذلك أن أنبه إلى أن توسيع دائرة الاشتباه.. والاتهام.. والملاحقات.. والمطاردات.. بغير حق ولا بينة.. قد تولد جيلاً كاملاً من الإرهابيين.. وجيلاً كاملاً من المرهوبين الخائفين.. شئنا أم أبينا.. ومن حيث لا ندري!
هذا القط الوديع الناعم.. احصره في غرفة.. وأغلق عليه جميع النوافذ والمنافذ.. ثم أشعره أنك تريد قتله.. فإنه سرعان ما يتحول وينقلب عليك إلى نمر متوحش كاسر!
فلا تحوِّلوا الشعوب بأيديكم.. وسوء صنيعكم إلى وحوش كاسرة.. ولا تلجئوا الشعوب بظلمكم وإرهابكم.. إلى الوسائل الملتوية.. فإن حصل فلا تلوموا إلا أنفسكم!
4) ومن جملة الأسباب كذلك التي تجنح بصاحبها للوقوع في بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة.. الفهم الخاطئ للدين ولغاياته ومقاصده.. والجنوح للغلو والتشدد في الدين.. وانتهاج طريق الغلاة الخوارج الأوائل.. الذين وضعوا السيف في أبناء الأمة من أهل القبلة.. وانتهكوا الحرمات بغير حق!
هؤلاء موجودون في زماننا.. ولكنهم شرذمة قليلون.. وهم منبوذون مرفوضون شرعاً وعقلاً.. وعلى مستوى القطاع الأعظم للشباب المسلم الملتزم.. والإسلام أول من أعلن البراء منهم ومن غلوّهم وشذوذهم.. وحذّر منهم!
وهؤلاء مشكلتهم سهل حلها لو تُرك المجال للعلماء العاملين بأن يتصدوا لهم بالتعليم والنصح.. وقيام الحجة.. ولكن أنى للطواغيت العملاء - وبخاصة منها العربية - أن يسمحوا بذلك!
موقف الإسلام من العنف والشدة
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب.. ومعنى الإرهاب.. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب - كما هو شأنهم في كثير من المسائل - بين الإفراط والتفريط.. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف.. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم.. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح.. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يُحرم الخير كله".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف".
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة..
فهذا هو رفقه!
وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله.. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس.. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ".
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع.. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".
وقال صلى الله عليه وسلم: "سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق".
هذا هو ديننا.. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107.
وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين.. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه.. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان.
وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} الفتح: 29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم.. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 123. أي قوة وشدة!
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء.. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره.. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر.. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة.. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من شاء، وبالطريقة التي يشاء.
خاتمة
وفي الختام بقي سؤال لا بد من أن نجيب عليه قبل أن نختم هذا البحث، وهو: هل القوم عازمون بصدق - من خلال حملتهم المعلنة - على محاربة الإرهاب.. أم أن لهم أهدافاً أخرى غير الإرهاب؟!
أقول: في الظاهر أنهم يريدون محاربة الإرهاب.. وفي الباطن الظاهر أنهم يُريدون محاربة الإسلام والمسلمين.. ومنعهم من أي محاولة تمكنهم من استئناف حياة إسلامية راشدة في أي قطر من الأقطار.. إضافة إلى تعزيز نفوذهم وهيمنتهم وسياساتهم السائدة في مناطق وبلاد المسلمين، وبخاصة منها منطقة الشرق الأوسط.. التي بدت تتزعزع في الآونة الأخيرة..
والذي حملنا على القول بذلك الأسباب التالية:
1) من خلال ما تقدم في طيات هذا البحث تبين لنا أن القوم هم الإرهابيون الحقيقيون.. وهم الذين يمارسون، ويدعمون ويؤيدون الإرهاب بكل أبعاده ومعانيه.. ولو صدقوا بأنهم سيحاربون الإرهاب.. لحاربوا أنفسهم بأنفسهم.. وهذا لن يكون!
2) هذه الحشود العسكرية الضخمة التي جيشتها أمريكا وحلفاؤها، والتي تكفي لغزو وتدمير عشرات البلاد.. لا يمكن أن يُصدق أنها جُيشت من أجل مطاردة أفراد معدودين متهمين بالإرهاب!
3) تصريحاتهم المعلنة التي ما استطاعت أن تُخفي ما في صدورهم.. كما جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي " جورج بوش " بأن هذه الحملة التي يقودها ضد الإرهاب إنما هي حملة صليبية ضد الإرهاب!!
وهل الإرهاب لا يُحارب إلا من خلال حملة صليبية وتعبئة صليبية؟!
وكذلك تصريح رئيس وزراء بريطانيا - التي جاءت أقل صراحة من نظيره بوش - عندما ناشد دول الغرب بأن تتحد لمحاربة الإرهاب!
لماذا دول الغرب وحسب.. لماذا لم تكن دول الغرب والشرق معاً.. مما يجعلنا نجزم أنه يقصد ويريد اتحاد دول الغرب الصليبي لمحاربة دول الشرق الإسلامي مبعث الإرهاب.. كما يزعمون!
4) تصريحاتهم المتكررة بأن هذه الحرب قد تستغرق عشرات السنين.. وتطال دول عدة يتجاوز تعدادها الستين بلدا!
ولا نظن أن محاربة الإرهاب يستلزم هذه السنين الطوال.. وهذه البلدان العديدة؟!
5) حصر تهمة الإرهاب بالمسلمين فقط لتكون ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين.. فهم ما إن حصل ما حصل في نيويورك وواشنطن.. إلا وأسرعوا في الإعلان بأن وراء هذا الحدث هم المسلمون.. الطالبان.. وأسامة وجماعته.. قبل أن يأخذ التحقيق مجراه ومداه.. مما يجعلنا نشعر بأنهم يرتبون لحرب طويلة ضد الإسلام والمسلمين.. ومنذ أمد.. ينتظرون الفرصة المناسبة لها.. وقد جاءتهم!
ما يقوم به غير المسلمين من إرهاب بشع.. ليس إرهاباً.. ولا يمكن أن يُصنف على أنه عمل إرهابي مهما كان العمل فظيعاً وممعناً بالإجرام والإرهاب بحق الآخرين.. والسبب أنه ليس مسلماً!
منذ أسبوعين تقريباً تناقلت وسائل الإعلام عن خبر مفاده أن شخصاً مسلحاً اقتحم البرلمان السويسري وقتل من أعضائه وموظفيه أربعة عشر شخصاً.. غير الجرحى الذين أصابهم.. فجاء التعليق مباشرة بأن هذا العمل ليس عملاً إرهابياً.. والتعليل أن صاحبه سويسري الأصل.. أي ليس مسلماً!
وكذلك الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن قيام شخص في أمريكا بقطع رأس سائق الحافلة بالسكين.. مما أدى إلى سقوط الحافلة في حفرة وقتل ستة أشخاص من الركاب.. فجاء التعليق الأمريكي الرسمي أن هذا العمل ليس إرهابياً وليس له علاقة بالإرهاب.. والسبب أن صاحبه نصراني من كرواتيا.. وانتهى الأمر وكأنه لم يكن شيئاً؟!
ولو كان مسلماً لرأينا كيف حملوه وجميع المسلمين في الأرض تهمة الإرهاب.. وتبعات العمل بالإرهاب؟!
ومنذ أيام قلائل خرجت لنا أمريكا بقائمة أخطر الإرهابيين في العالم الذين جيشت مئات الطائرات.. وعشرات البوارج البحرية وراجمات الصواريخ.. وآلاف المعدات العسكرية.. من أجل محاربتهم ومطاردتهم.. وعددهم كان اثنان وعشرين شخصاً.. كلهم من المسلمين!!
والسؤال: لماذا كلهم من المسلمين.. ألا يوجد نصراني أو يهودي واحد في العالم قد مارس الإرهاب.. رغم أن المجازر والمقابر الجماعية للمستضعفين من المدنيين لا تزال إلى الساعة أكبر شاهد على إجرام وإرهاب قطاع كبير من اليهود والنصارى؟!!
فعلام لم يُدرج اسم نصراني أو يهودي واحد ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين - وما أكثرهم لو أردنا الإحصاء أو التعداد - هل لأن البلاد والعباد خلت فعلاً من الإرهابيين الذين ينتمون إلى اليهودية أو النصرانية.. أم أنها المؤامرة الصريحة لضرب ومحاربة الإسلام والمسلمين.. تحت ستار ملاحقة ومحاربة الإرهاب؟!
قد هالني خبر نشرته قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 3/10/2001م، تحت عنوان: "تقديراً لمساندة موسكو للحرب الأمريكية، أوربا تكافئ روسيا بتجاهل ممارساتها في الشيشان".
جاء في الخبر: "توقع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو أن يكون الاتحاد الأوربي أكثر تساهلاً في موقفه من الممارسات الروسية في الشيشان تقديراً لمساندة موسكو للحملة الأمريكية على ما يُسمى بالإرهاب.. وأوضح أن الاتحاد يراجع أيضاً الإجراءات التي اتخذت ضد موسكو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان.. وقال للصحفيين في زيارة لواشنطن: سنتخذ موقفاً أكثر تساهلاً مما تفعله روسيا في الشيشان!!". اهـ.
يا سبحان الله! يباركون ويؤيدون الإرهاب الوحشي الذي يمارسه الجيش الروسي بحق الشعب المسلم في الشيشان - بعد أن كانوا قد أدانوه - لكون الإرهاب الذي يمارسه الجيش الملحد الروسي يطال فقط المسلمين الشيشانيين الذين ليس لهم بواكي ولا حرمة.. ولكون موسكو ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب.. زعموا!
فإن كان الغرض هو محاربة الإرهاب كما يدعون.. وليس محاربة الإسلام.. فعلام يؤيدون ويباركون الإرهاب الروسي المتوحش لشعب الشيشان المسلم.. مع اعترافهم المسبق بأن الذي تمارسه روسيا في الشيشان من انتهاك للحرمات واعتداء على المدنيين، والمستضعفين منهم.. يتنافى مع حقوق الإنسان.. وهو من الإرهاب؟!!
موسكو ذو التاريخ الحافل بالإرهاب، والتعذيب، والتقتيل لعشرات الملايين من المسلمين المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال.. وغيرهم من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة.. والتي لا تزال إلى الساعة أيديها ملطخة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والشيشان وغيرهم.. آلآن أصبحت ضد الإرهاب.. وأنها ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب؟!!
كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على طبيعة هذا الإرهاب الذي يريدون محاربته.. ويتحالفون على ملاحقته واستئصاله؟!!
وما تقدم يدل كذلك على تلاعب الساسة الأوربيين بمصطلح الإرهاب وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية المتقلبة.. وسياساتهم الخبيثة.. فيدخلون من شاءوا في دائرة الإرهاب وقت يشاءون.. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب.. وتهمة الإرهاب وقت يشاءون.. بحسب ما تقتضيه المصلحة.. وإن كان في الحقيقة إرهابياً يُمارس الإرهاب في أبشع صوره ومعانيه!
فمن كان معهم - مهما كان إرهابياً مجرماً - ليس إرهابياً.. وهو منزه عن الإرهاب.. وفوق الشبهة أو الاتهام.. ومن لم يكن معهم - مهما كان بريئاً من تهمة الإرهاب - فهو إرهابي، بل وأبو الإرهابيين الذي ينبغي أن يُلاحق ويُحارب!!
هذا هو المقياس والضابط في تحديد الإرهابي من عدمه عند الساسة المتنفذين في أمريكا وبلاد الغرب!!
6) إعلانهم أكثر من مرة وبكل صراحة ووضوح أن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية الضخمة ضد أفغانستان ليس فقط أسامة ومن معه.. وإنما نظام الطالبان الحاكم في أفغانستان.. والتجربة الإسلامية الناشئة في أفغانستان!
بمعنى آخر أن هدفهم استئصال النظام الإسلامي الحاكم في أفغانستان الذي ارتضاه الشعب الأفغاني.. والذي يمثل 95% من أراضي وشعب أفغانستان باعتراف الجميع.. واستبداله بنظام عميل موالٍ لأمريكا ولدول الغرب.. لا يمثل إلا القلة العميلة.. يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في المنطقة!
وهاهي أمريكا - ومعها حلفاؤها - يترجمون اليوم هذا الهدف الخبيث بكل وضوح على أرض الواقع على مرأى ومسمع من العالم.. من خلال هجماتهم العسكرية المكثفة بالقنابل الثقيلة.. والصواريخ العابرة للقارات.. على جميع المرافق التابعة لحكومة الطالبان.. تمهيداً للغزو البري الذي يخططون له برفقة عملائهم من الأفغان المتمثل في التحالف الشمالي الهزيل!!
هذا الذي يحصل وجميع ما تقدم ذكره من نقاط.. يجعلنا نجزم أن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب.. هي في حقيقتها وواقعها حملة صليبية صريحة ضد الإسلام والمسلمين.. وهي إعلان حرب على الإسلام وليس على الإرهاب كما يصورون.. وأن إعلاناتهم التي تدل على خلاف ذلك.. لا تغير من هذه الحقيقة شيئاً.. فواقع حالهم يكذب ادعاءهم وهو أصدق دلالة وتعبيراً من تصريحاتهم التي هي بمثابة ذرِّ الرماد في العيون!
ونحن نقول لهم بكل وضوح:
أنتم تحاولون عبثا.. الإسلام لا يُحارَب؛ لأنه دين الله تعالى الذي تكفل بحفظه وحمايته.. وعلى مر العصور وإلى أن تقوم الساعة!
حاربتم الإسلام - عبر تاريخكم الصليبي الحاقد - أكثر من مرة ومرة.. وفي جميع الميادين والساحات.. فأين الذين حاربوه.. وأين الإسلام.. الذي يزداد انتشاراً واتساعاً.. وقوة.. وفي عقر داركم.. رغم حملات التشويش والمؤامرات العديدة التي تُحاك ضده من قبل ملل الكفر والشرك، وعملائهم المحليين من الزنادقة المنافقين؟!
فأنتم عندما تحاربون الإسلام.. فإنكم في حقيقتكم تحاربون الله.. خالق السماوات والأرض.. الذي بيده الأمر كله.. والله تعالى لا يُحارَب.. لأن الله لا غالب لأمره وقضائه!
فمشيئة الله تعالى هي النافذة والماضية في خلقه وعباده.. أما مشيئة العباد لا ينفذ منها شيء إلا أن يشاء الله تعالى.
يجب أن تتذكروا كل ذلك عندما تحاربون الإسلام!!
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} لأنفال: 30. {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} آل عمران: 12. {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الروم: 4-5.
وما ذلك ببعيد إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
28/7/1422 هـ
ملاحظة: أُرسلت نسخة من هذا البحث للأمم المتحدة عن طريق عنوانها الإلكتروني.. وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الاهتمام بهذا الموضوع.
لا ينبغي والمجتمع الدولي منهمك في مطاردة الإرهاب ومحاصرته أن نغفل عن الأسباب الأساسية التي تحمل الإنسان على الوقوع في الإرهاب بشقه المذموم.. هذا إذا كنا جادين في معالجة الإرهاب واستئصاله من جذوره.
وللإرهاب - على مستوى الأفراد أو الجماعات - أسباب عدة أبرزها:
1) طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة على رقاب العباد بالحديد والنار.. في كثير من البلاد.. التي تقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته.. وتعتدي على جميع حقوقه وحرماته.. فيتحول هذا الإنسان بفعل ذلك الاضطهاد - رغماً عن أنفه - من إنسان وديع لطيف حسن العشرة.. إلى برميل من البارود.. وإلى قنبلة موقوتة تنفجر وقت أن تسنح له الفرصة بذلك.. منتقماً لحقوقه وحرماته المنتهكة.. وبطريقة قد يترتب عليها وقوع الإرهاب المحظور الذي لا يقره عقل ولا شرع!
وهنا لا نريد أن نسلط الضوء على ما يجوز ومالا يجوز من تلك الأعمال فهذا له موضع آخر.. ومباحث أخرى.. ولكن نريد أن نسلط الضوء على السبب - الذي قل من يتنبه إليه - الذي أدى لوقوع مثل هذا الإرهاب المحظور!
السبب هو طغيان وجبروت وإرهاب الطاغوت الحاكم ونظامه.. الذي حول هذا الإنسان بفعل ظلمه واضطهاده إلى برميل من البارود.. وإلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وفي أي مكان!
كيف لا تريدون أن يتحول هذا الطفل في شبابه إلى برميل من البارود والمتفجرات.. وهو يرى أباه يُهان ويُضرب.. ويُساق إلى سجون الظالمين بغير حق.. وأمه تهان كرامتها وعفتها.. ومنزله يدمر ويُهدم عليه وعلى إخوانه وأخواته؟!!
كثير من الناس والإعلاميين ينظرون إلى ذات الحدث.. وما يترتب عليه من آثار قد تكون غير مرضية.. لا يقرها شرع ولا عقل.. من دون النظر إلى السبب الذي حمل هذا الإنسان وغيره إلى الوصول لهذه النتيجة.. وهذا خطأ في التصور والعلاج!
على سبيل المثال مصر.. فقد تناها إلى مسامعنا عن بعض الأعمال الغير مشروعة التي يمكن أن تُصنف في خانة العمل الإرهابي المذموم والغير مشروع.. ولكن لننظر في المقابل السياسة الطاغية الظالمة الغاشمة التي ينتهجها النظام المصري الحاكم بحق شعبه.. والتي قد تكون سبباً رئيسياً وكبيراً وراء تلك الأحداث أو الأعمال!
حرب شعواء لدين العباد.. السجون مليئة بالأبرياء.. وبصفوة الأمة من الشباب.. الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود.. الناس يؤخذون بالشبهات والظنون.. ممارسة جميع فنون التعذيب والإهانة والقهر والإذلال بحق العباد.. وانتهاك العرض والحرمات.. وبعد عشر سنوات من القهر والتعذيب والإذلال في سجون الطاغوت.. يقولون للسجين أخرج قد تبين لنا أنك بريء!!
هذا واقع ويحصل منه الكثير الكثير في مجتمعاتنا.. ولست أنا الوحيد الذي أشير إليه.. بل هناك كتّاب ليسوا على ملتنا يقررون ما تقدم ذكره عن سياسة طاغوت مصر وغيره.. فقد نشرت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 12/10/2001م، تحت عنوان " هجوم أمريكي على مصر والسعودية ": وجهت دوائر بحثية وإعلامية في الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من مصر والسعودية، واتهمت البلدين بالمسؤولية غير المباشرة عن بروز ما تسميه بالتطرف والإرهاب، وبررت ذلك بسيادة ما تصفه النظام الاستبدادي في البلدين.. وقال مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا.
وأفادت صحيفة " واشنطن بوست " في عددها الصادر أمس بأن الحكومات العربية التي تدعي تأييد الحملة الأمريكية.. هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن مصر مثال واضح، فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسياً ومفلس معنوياً..". اهـ.
ثم بعد ذلك نسمع حسني مبارك يتبجح بكل وقاحة بأنه سوف يُحارب الإرهاب.. ويُطارد الإرهابيين.. ويُطالب دول الغرب - باسم محاربة الإرهاب - بأن يُسلموه بعض الأفراد من شعبه الذين نجاهم الله من ظلمه وطغيانه.. يُطالب بإعادتهم وتسليمهم ليمارس عليهم دور الجزار والجلاد معاً.. وفاته أنه هو ونظامه الفاشي أكبر إرهابي وأكبر سبب للإرهاب في بلده.. بل وفي العالم، وهو الذي ينبغي أن يُحاكم - لو وجد العدل - قبل المستضعفين الذين نجوا من طغيانه وناره!
وما قلناه عن النظام المصري نقوله عن النظام الطائفي الدموي في سوريا، وعن النظام الليبي، وعن النظام التونسي، وعن النظام الأردني.. وعن النظام الجزائري.. وغيرها من الأنظمة الفاشية الظالمة.
وشاهدنا مما تقدم أنه عند الحديث عن الإرهاب وأسبابه وطرق علاجه.. لا ينبغي أن نغفل عن سياسة هذه الأنظمة المتسلطة.. وعن كيفية التخلص منها.. ومن طغيانها التي تعتبر أكبر سبب لظاهرة الإرهاب!
لكن الغريب في الأمر أن هذه الأنظمة الطاغية.. رغم فسادها وطغيانها ودكتاتوريتها.. وممارستها لجميع أنواع الإرهاب بحق شعوبها.. ورغم كونها سبباً رئيسياً لظاهرة الإرهاب في العالم.. فإننا نجد أمريكا ودول الغرب يدعمونها ويؤيدونها ويباركونها!!
فعلى سبيل المثال رغم ما ذكرناه وما هو معروف عن النظام المصري من طغيان وإرهاب بحق شعبه.. فإن أمريكا تتبرع سنوياً للنظام المصري - وليس للشعب المصري - ما يُعادل 2,2 مليار دولار أمريكي، ليُنفق هذا المبلغ على الجلادين، وعصابات الأمن والمخابرات التابعة للنظام!
وكذلك لما تم تنصيب بشار الأسد رئيساً وبطريقة مخالفة لجميع القوانين والدساتير، والأعراف.. بما في ذلك الدستور السوري ذاته.. ورغم ما لهذا النظام الطائفي من سجل ضخم في إرهاب وتقتيل شعبه.. حيث قتل في يوم واحد ما يزيد عن عشرين ألف شخص من المدنيين في مدينة حماه؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ.. غير المساجد والكنائس التي تم تدميرها في ذلك اليوم المشهود.. ومع ذلك ورغم السجل الإرهابي الضخم لهذا النظام.. ذهب كل من وزير خارجية بريطانيا، ووزيرة خارجية أمريكا آنذاك ليباركان النظام الجديد ورئيسه.. ويعربان عن تأييد بلديهما للنظام الجديد!!
والسؤال: كيف يزعمون محاربة الإرهاب.. وهم في نفس الوقت يؤيدون ويدعمون الأنظمة الإرهابية.. والأكثر طغياناً ودموية بحق شعوبهم؟!!
قالوا: صدام حسين إرهابي.. قلنا: صدقتم.. لكن ما الفرق بينه وبين حسني مبارك، وحافظ الأسد، والقذافي، وزين العابدين وغيرهم من حكام وطواغيت العرب؟!!
فلماذا صدام إرهابي.. وهؤلاء ليسوا بإرهابيين.. أم أن المسألة خاضعة للهوى وللسياسة بحسب المصالح والمكاسب.. وبحسب الخدمات التي يقدمها كل حاكم؟!!
يقول " مارتن إنديك " المذكور أعلاه والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: "إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها "!
قلت: لا مانع لواشنطن أن تدعم هذه الأنظمة الإرهابية الطاغية المتسلطة على رقاب الشعوب بالحديد والنار.. ما دامت هذه الأنظمة تسير وفق مخططات السياسة الأمريكية.. وتحقق لها أهدافها في المنطقة.. فالغايات تبرر الوسائل عند الساسة الأمريكيين!
2) تكميم الأفواه.. وكبت الحريات الأساسية والضرورية للإنسان.. كما هو حاصل في كثير من الأنظمة العربية الحاكمة.. فإنه في الغالب يولد عند الإنسان ردة فعل قد لا تُحمد عقباها.. حيث قد تنتهي بصاحبها في النهاية إلى أن يقع في الإرهاب المحظور!
فالذي يُمنع من التعبير عما في نفسه بحرية.. قد يلتجئ إلى وسائل عديدة سرية يُعبر من خلالها عن نفسه ومشاعره.. والذي يُمنع من الكتابة على الورق قد يكتب تحت جنح الليل على الجدران!
كثير من الشعوب المقهورة ترى الباطل أمام أعينها.. لكن لا تستطيع أن تقول له شيئاً.. ولا تملك الجرأة - بحكم طغيان وإرهاب الطاغوت - على أن توجه له كلمة نقد أو تعقيب.. فتكتم في نفسها.. وعلى مر الزمن يتراكم هذا الكبت إلى أن يولد انفجاراً يحرق الأخضر واليابس، ويقع الندم.. ولات حين مندم!
بعض المراقبين يظن الشارع العربي راضياً بالحملات الأمريكية ضد أفغانستان.. بسبب أنهم لا يخرجون مظاهرات يعبرون فيها عن معارضتهم لتلك الحرب الأثيمة.. وهؤلاء فاتتهم الحقيقة.. ولو راقبوا ما يُكتب في أندية الحوارات المنتشرة على شاشة الإنترنت من قبل الشباب بأسماء مستعارة حيث الأمان من ظلم وبطش الطواغيت.. لأدركوا أن الشارع العربي المسلم عبارة عن جمرة من نار تحترق في داخلها.. وتأكل بعضها بعضاً كبداً لما يحصل لأبناء الأمة في أفغانستان وفلسطين.. وهذه الجمرة لا بد يوماً من أن تمتد شرارتها ونارها لتحرق من حولها من الظالمين المستبدين العملاء.. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
ثم هاهي الجزائر اليوم - ممثلة في نظامه الفاشي الطاغي - ومنذ أكثر من عشر سنوات فإنها تدفع ضريبة باهظة من أبناء ودماء شعبها.. بسبب ظلمها وطغيانها، وغدرها للحريات المشروعة - بمباركة وتأييد من أمريكا وفرنسا وغيرها من دول الغرب - وما كان قد اختاره الشعب الجزائري.. رغم وجود تحفظنا المعروف على شرعية تلك التجربة.. وغيرها من التجارب الديمقراطية الفاشلة في بلاد المسلمين!
3) توسيع دائرة الملاحقات.. وما يتبعها من انتهاكات ومضايقات.. بحيث تشمل المتهم والبريء.. ووضع البريء في موضع المدافع الشرس عن حقوقه وحرماته.. بزعم ملاحقة الإرهاب!
فهذا التوسع في الملاحقات والمطاردات الغير مبررة.. من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى جنوح بعض الأفراد بل والجماعات إلى انتهاج بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة.. من قبيل الدفاع عن النفس.. وطلب النجاة!
متى يلجأ الإنسان للسعي إلى الحصول على جواز سفر مزور.. أتراه يفعل ذلك ودولته تمنحه بكل سهولة ويسر تلك الوثيقة التي هي من حقه؟!!
عشرات الدول.. وأكثرها عربية.. تحرم شعوبها هذا الحق البسيط.. ولا تعطي مواطنيها هذا الجواز إلا بعد سلسلة من الإذلالات والمماطلات والرشاوى، والوساطات، وموافقة المخابرات، وغير ذلك من الإجراءات.. مما يجعل هذه الشعوب من باب طلب النجاة والسلامة.. وممارسة حقهم في السفر والتنقل.. يبحثون عن البديل المزور!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف هذه الشعوب برمتها بأنها إرهابية.. أو نلومها لكونها تفعل ذلك تحت ظروف الاضطرار والإكراه.. وإنما الصواب والعدل أن نلوم الأنظمة الطاغية الإرهابية التي حرمت هذه الشعوب أبسط حقوقها.. وألجأتها رغماً عن أنفها إلى هذه الوسائل الملتوية!
ليفرض نفسه " كوفي عنان " مكان أي مواطن يُمارَس بحقه وحق أهله جميع صنوف التنكيل والإذلال والإرهاب.. ثم مع ذلك يُمنع من الوثيقة التي تمكنه من السفر والتنقل.. ليبقى تحت رحمة الجلادين.. ثم هو في هذه الأجواء يُعرض عليه جواز سفر مزور بمئات الدولارات.. يمكّنه من السفر والنجاة.. ألا ترون أنه سيشتريه ويستخدمه؟!
لكن هل يمكن أن يُصنف " كوفي عنان " حينئذٍ بأنه إرهابي لكونه لجأ مضطراً إلى هذه الوسيلة؟!
الشاهد مما تقدم أن نلفت النظر لمن صدقت نيته في محاربة الإرهاب المحظور والممنوع شرعاً وعقلاً.. أن لا يقصروا اهتمامهم بالنظر إلى سلوك بعض الأفراد أو الجماعات التي تبدوا أنها غير قانونية.. من دون النظر إلى الدوافع أو الأسباب التي أدت إلى مثل هذه السلوكيات الشاذة.. وملاحقة من كان السبب فيها قبل الذين يُباشرونها!
وأردت كذلك أن أنبه إلى أن توسيع دائرة الاشتباه.. والاتهام.. والملاحقات.. والمطاردات.. بغير حق ولا بينة.. قد تولد جيلاً كاملاً من الإرهابيين.. وجيلاً كاملاً من المرهوبين الخائفين.. شئنا أم أبينا.. ومن حيث لا ندري!
هذا القط الوديع الناعم.. احصره في غرفة.. وأغلق عليه جميع النوافذ والمنافذ.. ثم أشعره أنك تريد قتله.. فإنه سرعان ما يتحول وينقلب عليك إلى نمر متوحش كاسر!
فلا تحوِّلوا الشعوب بأيديكم.. وسوء صنيعكم إلى وحوش كاسرة.. ولا تلجئوا الشعوب بظلمكم وإرهابكم.. إلى الوسائل الملتوية.. فإن حصل فلا تلوموا إلا أنفسكم!
4) ومن جملة الأسباب كذلك التي تجنح بصاحبها للوقوع في بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة.. الفهم الخاطئ للدين ولغاياته ومقاصده.. والجنوح للغلو والتشدد في الدين.. وانتهاج طريق الغلاة الخوارج الأوائل.. الذين وضعوا السيف في أبناء الأمة من أهل القبلة.. وانتهكوا الحرمات بغير حق!
هؤلاء موجودون في زماننا.. ولكنهم شرذمة قليلون.. وهم منبوذون مرفوضون شرعاً وعقلاً.. وعلى مستوى القطاع الأعظم للشباب المسلم الملتزم.. والإسلام أول من أعلن البراء منهم ومن غلوّهم وشذوذهم.. وحذّر منهم!
وهؤلاء مشكلتهم سهل حلها لو تُرك المجال للعلماء العاملين بأن يتصدوا لهم بالتعليم والنصح.. وقيام الحجة.. ولكن أنى للطواغيت العملاء - وبخاصة منها العربية - أن يسمحوا بذلك!
موقف الإسلام من العنف والشدة
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب.. ومعنى الإرهاب.. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب - كما هو شأنهم في كثير من المسائل - بين الإفراط والتفريط.. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف.. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم.. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح.. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يُحرم الخير كله".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف".
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة..
فهذا هو رفقه!
وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله.. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس.. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ".
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع.. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".
وقال صلى الله عليه وسلم: "سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق".
هذا هو ديننا.. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107.
وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين.. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه.. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان.
وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} الفتح: 29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم.. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 123. أي قوة وشدة!
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء.. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره.. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر.. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة.. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من شاء، وبالطريقة التي يشاء.
خاتمة
وفي الختام بقي سؤال لا بد من أن نجيب عليه قبل أن نختم هذا البحث، وهو: هل القوم عازمون بصدق - من خلال حملتهم المعلنة - على محاربة الإرهاب.. أم أن لهم أهدافاً أخرى غير الإرهاب؟!
أقول: في الظاهر أنهم يريدون محاربة الإرهاب.. وفي الباطن الظاهر أنهم يُريدون محاربة الإسلام والمسلمين.. ومنعهم من أي محاولة تمكنهم من استئناف حياة إسلامية راشدة في أي قطر من الأقطار.. إضافة إلى تعزيز نفوذهم وهيمنتهم وسياساتهم السائدة في مناطق وبلاد المسلمين، وبخاصة منها منطقة الشرق الأوسط.. التي بدت تتزعزع في الآونة الأخيرة..
والذي حملنا على القول بذلك الأسباب التالية:
1) من خلال ما تقدم في طيات هذا البحث تبين لنا أن القوم هم الإرهابيون الحقيقيون.. وهم الذين يمارسون، ويدعمون ويؤيدون الإرهاب بكل أبعاده ومعانيه.. ولو صدقوا بأنهم سيحاربون الإرهاب.. لحاربوا أنفسهم بأنفسهم.. وهذا لن يكون!
2) هذه الحشود العسكرية الضخمة التي جيشتها أمريكا وحلفاؤها، والتي تكفي لغزو وتدمير عشرات البلاد.. لا يمكن أن يُصدق أنها جُيشت من أجل مطاردة أفراد معدودين متهمين بالإرهاب!
3) تصريحاتهم المعلنة التي ما استطاعت أن تُخفي ما في صدورهم.. كما جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي " جورج بوش " بأن هذه الحملة التي يقودها ضد الإرهاب إنما هي حملة صليبية ضد الإرهاب!!
وهل الإرهاب لا يُحارب إلا من خلال حملة صليبية وتعبئة صليبية؟!
وكذلك تصريح رئيس وزراء بريطانيا - التي جاءت أقل صراحة من نظيره بوش - عندما ناشد دول الغرب بأن تتحد لمحاربة الإرهاب!
لماذا دول الغرب وحسب.. لماذا لم تكن دول الغرب والشرق معاً.. مما يجعلنا نجزم أنه يقصد ويريد اتحاد دول الغرب الصليبي لمحاربة دول الشرق الإسلامي مبعث الإرهاب.. كما يزعمون!
4) تصريحاتهم المتكررة بأن هذه الحرب قد تستغرق عشرات السنين.. وتطال دول عدة يتجاوز تعدادها الستين بلدا!
ولا نظن أن محاربة الإرهاب يستلزم هذه السنين الطوال.. وهذه البلدان العديدة؟!
5) حصر تهمة الإرهاب بالمسلمين فقط لتكون ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين.. فهم ما إن حصل ما حصل في نيويورك وواشنطن.. إلا وأسرعوا في الإعلان بأن وراء هذا الحدث هم المسلمون.. الطالبان.. وأسامة وجماعته.. قبل أن يأخذ التحقيق مجراه ومداه.. مما يجعلنا نشعر بأنهم يرتبون لحرب طويلة ضد الإسلام والمسلمين.. ومنذ أمد.. ينتظرون الفرصة المناسبة لها.. وقد جاءتهم!
ما يقوم به غير المسلمين من إرهاب بشع.. ليس إرهاباً.. ولا يمكن أن يُصنف على أنه عمل إرهابي مهما كان العمل فظيعاً وممعناً بالإجرام والإرهاب بحق الآخرين.. والسبب أنه ليس مسلماً!
منذ أسبوعين تقريباً تناقلت وسائل الإعلام عن خبر مفاده أن شخصاً مسلحاً اقتحم البرلمان السويسري وقتل من أعضائه وموظفيه أربعة عشر شخصاً.. غير الجرحى الذين أصابهم.. فجاء التعليق مباشرة بأن هذا العمل ليس عملاً إرهابياً.. والتعليل أن صاحبه سويسري الأصل.. أي ليس مسلماً!
وكذلك الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن قيام شخص في أمريكا بقطع رأس سائق الحافلة بالسكين.. مما أدى إلى سقوط الحافلة في حفرة وقتل ستة أشخاص من الركاب.. فجاء التعليق الأمريكي الرسمي أن هذا العمل ليس إرهابياً وليس له علاقة بالإرهاب.. والسبب أن صاحبه نصراني من كرواتيا.. وانتهى الأمر وكأنه لم يكن شيئاً؟!
ولو كان مسلماً لرأينا كيف حملوه وجميع المسلمين في الأرض تهمة الإرهاب.. وتبعات العمل بالإرهاب؟!
ومنذ أيام قلائل خرجت لنا أمريكا بقائمة أخطر الإرهابيين في العالم الذين جيشت مئات الطائرات.. وعشرات البوارج البحرية وراجمات الصواريخ.. وآلاف المعدات العسكرية.. من أجل محاربتهم ومطاردتهم.. وعددهم كان اثنان وعشرين شخصاً.. كلهم من المسلمين!!
والسؤال: لماذا كلهم من المسلمين.. ألا يوجد نصراني أو يهودي واحد في العالم قد مارس الإرهاب.. رغم أن المجازر والمقابر الجماعية للمستضعفين من المدنيين لا تزال إلى الساعة أكبر شاهد على إجرام وإرهاب قطاع كبير من اليهود والنصارى؟!!
فعلام لم يُدرج اسم نصراني أو يهودي واحد ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين - وما أكثرهم لو أردنا الإحصاء أو التعداد - هل لأن البلاد والعباد خلت فعلاً من الإرهابيين الذين ينتمون إلى اليهودية أو النصرانية.. أم أنها المؤامرة الصريحة لضرب ومحاربة الإسلام والمسلمين.. تحت ستار ملاحقة ومحاربة الإرهاب؟!
قد هالني خبر نشرته قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 3/10/2001م، تحت عنوان: "تقديراً لمساندة موسكو للحرب الأمريكية، أوربا تكافئ روسيا بتجاهل ممارساتها في الشيشان".
جاء في الخبر: "توقع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو أن يكون الاتحاد الأوربي أكثر تساهلاً في موقفه من الممارسات الروسية في الشيشان تقديراً لمساندة موسكو للحملة الأمريكية على ما يُسمى بالإرهاب.. وأوضح أن الاتحاد يراجع أيضاً الإجراءات التي اتخذت ضد موسكو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان.. وقال للصحفيين في زيارة لواشنطن: سنتخذ موقفاً أكثر تساهلاً مما تفعله روسيا في الشيشان!!". اهـ.
يا سبحان الله! يباركون ويؤيدون الإرهاب الوحشي الذي يمارسه الجيش الروسي بحق الشعب المسلم في الشيشان - بعد أن كانوا قد أدانوه - لكون الإرهاب الذي يمارسه الجيش الملحد الروسي يطال فقط المسلمين الشيشانيين الذين ليس لهم بواكي ولا حرمة.. ولكون موسكو ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب.. زعموا!
فإن كان الغرض هو محاربة الإرهاب كما يدعون.. وليس محاربة الإسلام.. فعلام يؤيدون ويباركون الإرهاب الروسي المتوحش لشعب الشيشان المسلم.. مع اعترافهم المسبق بأن الذي تمارسه روسيا في الشيشان من انتهاك للحرمات واعتداء على المدنيين، والمستضعفين منهم.. يتنافى مع حقوق الإنسان.. وهو من الإرهاب؟!!
موسكو ذو التاريخ الحافل بالإرهاب، والتعذيب، والتقتيل لعشرات الملايين من المسلمين المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال.. وغيرهم من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة.. والتي لا تزال إلى الساعة أيديها ملطخة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والشيشان وغيرهم.. آلآن أصبحت ضد الإرهاب.. وأنها ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب؟!!
كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على طبيعة هذا الإرهاب الذي يريدون محاربته.. ويتحالفون على ملاحقته واستئصاله؟!!
وما تقدم يدل كذلك على تلاعب الساسة الأوربيين بمصطلح الإرهاب وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية المتقلبة.. وسياساتهم الخبيثة.. فيدخلون من شاءوا في دائرة الإرهاب وقت يشاءون.. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب.. وتهمة الإرهاب وقت يشاءون.. بحسب ما تقتضيه المصلحة.. وإن كان في الحقيقة إرهابياً يُمارس الإرهاب في أبشع صوره ومعانيه!
فمن كان معهم - مهما كان إرهابياً مجرماً - ليس إرهابياً.. وهو منزه عن الإرهاب.. وفوق الشبهة أو الاتهام.. ومن لم يكن معهم - مهما كان بريئاً من تهمة الإرهاب - فهو إرهابي، بل وأبو الإرهابيين الذي ينبغي أن يُلاحق ويُحارب!!
هذا هو المقياس والضابط في تحديد الإرهابي من عدمه عند الساسة المتنفذين في أمريكا وبلاد الغرب!!
6) إعلانهم أكثر من مرة وبكل صراحة ووضوح أن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية الضخمة ضد أفغانستان ليس فقط أسامة ومن معه.. وإنما نظام الطالبان الحاكم في أفغانستان.. والتجربة الإسلامية الناشئة في أفغانستان!
بمعنى آخر أن هدفهم استئصال النظام الإسلامي الحاكم في أفغانستان الذي ارتضاه الشعب الأفغاني.. والذي يمثل 95% من أراضي وشعب أفغانستان باعتراف الجميع.. واستبداله بنظام عميل موالٍ لأمريكا ولدول الغرب.. لا يمثل إلا القلة العميلة.. يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في المنطقة!
وهاهي أمريكا - ومعها حلفاؤها - يترجمون اليوم هذا الهدف الخبيث بكل وضوح على أرض الواقع على مرأى ومسمع من العالم.. من خلال هجماتهم العسكرية المكثفة بالقنابل الثقيلة.. والصواريخ العابرة للقارات.. على جميع المرافق التابعة لحكومة الطالبان.. تمهيداً للغزو البري الذي يخططون له برفقة عملائهم من الأفغان المتمثل في التحالف الشمالي الهزيل!!
هذا الذي يحصل وجميع ما تقدم ذكره من نقاط.. يجعلنا نجزم أن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب.. هي في حقيقتها وواقعها حملة صليبية صريحة ضد الإسلام والمسلمين.. وهي إعلان حرب على الإسلام وليس على الإرهاب كما يصورون.. وأن إعلاناتهم التي تدل على خلاف ذلك.. لا تغير من هذه الحقيقة شيئاً.. فواقع حالهم يكذب ادعاءهم وهو أصدق دلالة وتعبيراً من تصريحاتهم التي هي بمثابة ذرِّ الرماد في العيون!
ونحن نقول لهم بكل وضوح:
أنتم تحاولون عبثا.. الإسلام لا يُحارَب؛ لأنه دين الله تعالى الذي تكفل بحفظه وحمايته.. وعلى مر العصور وإلى أن تقوم الساعة!
حاربتم الإسلام - عبر تاريخكم الصليبي الحاقد - أكثر من مرة ومرة.. وفي جميع الميادين والساحات.. فأين الذين حاربوه.. وأين الإسلام.. الذي يزداد انتشاراً واتساعاً.. وقوة.. وفي عقر داركم.. رغم حملات التشويش والمؤامرات العديدة التي تُحاك ضده من قبل ملل الكفر والشرك، وعملائهم المحليين من الزنادقة المنافقين؟!
فأنتم عندما تحاربون الإسلام.. فإنكم في حقيقتكم تحاربون الله.. خالق السماوات والأرض.. الذي بيده الأمر كله.. والله تعالى لا يُحارَب.. لأن الله لا غالب لأمره وقضائه!
فمشيئة الله تعالى هي النافذة والماضية في خلقه وعباده.. أما مشيئة العباد لا ينفذ منها شيء إلا أن يشاء الله تعالى.
يجب أن تتذكروا كل ذلك عندما تحاربون الإسلام!!
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} لأنفال: 30. {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} آل عمران: 12. {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الروم: 4-5.
وما ذلك ببعيد إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
28/7/1422 هـ
ملاحظة: أُرسلت نسخة من هذا البحث للأمم المتحدة عن طريق عنوانها الإلكتروني.. وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الاهتمام بهذا الموضوع.