محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    لماذا الجهاد في سبيل الله "1"

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    لماذا الجهاد في سبيل الله "1" Empty لماذا الجهاد في سبيل الله "1"

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 5:15 am

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنه قد جاهد في سبيل الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

    وبعد:

    فإن كثيراً من الناس - على اختلاف مقاصدهم ونواياهم - يتساءلون:
    لماذا خيار الجهاد في سبيل الله، وليس دونه؟!

    والذين يسألون هذا السؤال هم أصناف ثلاثة:

    1) فريق منهم يطرح هذا السؤال استرشاداً وطلباً للحق ليلتزموه.. وهؤلاء لا حرج عليهم إن شاء الله.

    2) وفريق آخر يطرح هذا السؤال مشككاً في جدوى هذا الطريق.. مظهراً نوع شفقة على المسلمين وعلى حرماتهم، على اعتبار أن هذا الطريق من لوازمه الوقوع في الفتنة، وتعريض المسلمين لأن تسفك دماؤهم وتُنتهك حرماتهم.. وكذلك تعريض الأوطان للدمار والخراب.. لذلك فهم لا يتورعون في أن يطرحوا نظرياتهم وبدائلهم - التي هي من عند أهوائهم وأنفسهم - عن هذا الطريق.. كطرحهم لطريق الانتخابات الديمقراطية وما يتفرع عنها من فروع وتبعات.. وكطريق الاقتصار على الدعوة باللسان على مبدأ كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، إلى أن يبعث الله بالفرج أو يظهر الإمام.. أو طريق الاقتصار على عنصر التربية.. وغير ذلك من الطرق والطروحات التي تتبناها وتدعو لها بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة!

    3) وفريق ثالث خبثت طويته، وساء مقصده.. يطرحون هذا السؤال من قبيل الطعن والاستخفاف بمبدأ الجهاد.. وعلى أنه خيار غير متحضر لا يناسب زماننا المعاصر.. ويتمثل هذا الفريق في موقف العلمانيين على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم الباطلة!!

    وهذا الفريق العلماني الكافر - بحكم الوسائل المتاحة له - قد ترك أثره الكبير على تفكير ومعنويات كثير من المثقفين الإسلاميين.. مما حدا بالآخرين أن يقفوا موقف المدافع عن مبدأ الجهاد في سبيل الله وبطريقة مشوهة وغير لائقة؛ وكأن الجهاد تهمة مشينة تحتاج إلى من يدافع عنها.. أو يوجد لها المبررات والمسوغات!!

    فهم تارة يطرحون مبدأ الجهاد ويحصرونه في معنى الدفاع عن الأوطان.. والأوطان التي تُغزى تحديداً من عدو خارجي.. أما الأوطان التي تُغزى من الأعداء الداخليين - الذين يكونون في الغالب هم أشد عداوة للأمة والأوطان من الأعداء الخارجيين، ومن مسيلمة الكذاب أيام الصدِّيق رضي الله عنه - لا يجوز أن يُعمل بالجهاد مع هؤلاء الصنف من الأعداء.. حيث توجد الطرق الديمقراطية المتحضرة المعروفة دولياً لفك مثل هذه النزاعات الداخلية!!

    وتارة يحصرونه في جهاد الكلمة أو النفس.. وتارة في التنقل بين المساجد والمبيت فيها على طريقة إخواننا التبليغيين.. وتارة.. وتارة.. فتوسعت الهوة بين معاني هذا الدين العظيم كما أوحاه الله تعالى على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.. وبين مستوى التزام كثير من الناس في زماننا المعاصر.. فانعكس ذلك على الأمة سلباً وذلاً وهواناً، وضياعا!!

    لأجل ذلك كله نجد لزاماً في أن نجيب على هذا السؤال بشيء من التفصيل والبيان: لماذا الجهاد في سبيل الله؟؟

    ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة.. مستلهماً من الله تعالى وحده السداد والعون والتوفيق.

    فأقول: لا خيار للأمة - إن أرادت أن تحيى، وتسترد عافيتها، وتستأنف حياتها الإسلامية من جديد - إلا خيار وطريق الجهاد في سبيل الله وفق ما أمر الله تعالى وشرع.. رضي من رضي وسخط من سخط.

    وذلك لأسباب عدة نذكر أهمها في النقاط التالية:

    أولاً: لأن الله تعالى أمرنا بالجهاد.. فارتضاه لنا طريقاً إلى العزة والنصر والتمكين.. فهو قدر هذه الأمة، لا فكاك لها منه، أو التنكب عنه.. فليس للمؤمن - وهو يُسمى مؤمناً - أن يرتضي لنفسه ولأمته شيئاً بخلاف ما ارتضاه الله تعالى لعباده إلا إذا آثر الكفر على الإيمان، والخروج عن مسمى الإيمان اسماً وحكماً.

    والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصر في هذا الموضع، نذكر منها قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة: 216.

    فقوله تعالى: {كتب عليكم القتال} أي فُرض.. وهو كقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} من حيث دلالة الوجوب.. فكما أن الصيام فرض وكتب على المؤمنين كذلك القتال والجهاد في سبيل الله فهو فرض وكتب على المؤمنين.

    والأمة عندما تستقبل الأمر بالقتال والجهاد كما تستقبل الأمر بالصيام.. وتستعد وتفرح للأول كما تستعد وتفرح للثاني.. فحينئذٍ استبشروا بالفتح وبنصر من الله قريب.

    ومما يستغرب له، ويشتد له العجب.. أن الأمة لا تقبل من أحد - أياً كان وصفه أو كانت مكانته - أن يجادلها في شرعية ووجوب {كتب عليكم الصيام} بينما نراها لا تحرك ساكناً، ولا تبدي اعتراضاً عندما ينبري من ذوي النفوس المريضة المشبوهة من يشكك في شرعية ووجوب {كتب عليكم القتال} علماً أن كلا الآيتين لهما نفس الدلالة من حيث الأمر والوجوب؟!!

    وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدينُ كله لله} الأنفال: 39. وقال تعالى: {إلا تنفروا يُعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} التوبة: 39. وقال تعالى: {انفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} التوبة: 41. وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} التوبة: 111.

    وهذا بيع قد تم لا يجوز لمؤمن - ما دام مؤمناً - أن يتخلف عنه وعن تبعاته.. وقوله تعالى: {اشترى من المؤمنين} من صيغ العموم التي تفيد جميع المؤمنين من دون استثناء.. فمن أراد أن يخرج عن عقده وما تم بيعه فهو بذلك يخرج عن كونه من المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم يَقتلون ويُقتَلون.. وهم رضوا بالبيع مقابل جنة عرضها السماوات والأرض.

    وقال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللهُ ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} التوبة: 29. وقال تعالى: {وقاتلوا المشركين كافةً كما يُقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} التوبة: 36.

    وغيرها كثير من الآيات التي تفيد وجوب الجهاد.. وأنه المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده لا مناص لهم من تنكبه أو التفلت منه ومن تبعاته إلا وهم مرتكبون الوزر والإثم، حاكمين على أنفسهم بالذل والهوان والضياع والعذاب!

    وفي الحديث فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم مئات الأحاديث التي تحض على الجهاد، وتأمر به، وتلزم به الأمة.. وتحذر من تركه أو الغفلة عنه إلى ما سواه من الطرق الأخرى الملتوية.

    نذكر منها الطائفة التالية:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله " البخاري.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "بُعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري " [1].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " البخاري.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " [2].

    فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله.. فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته - لا يعلم ماهيتها وحجمها إلا الله - قبل يوم القيامة!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل" [3].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "الغدوة والروحة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها" متفق عليه.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار" [4].

    قلت: كيف بمن يعلو الغبارُ وجهَه.. ويُلامس شغاف قلبه.. إنها الجنان والدرجات العلا وربِّ الكعبة؟!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهمَّ والغمَّ " [5].

    وعن سلمة بن نفيل الكندي، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل - أي استخفوا بها وتركوها - ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: "كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " [6].

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأقتل " مسلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "ولأن أُقتلَ في سبيل الله أحبُّ إلي من أن يكون لي أهل الوبَرِ والمدَرِ " [7].

    هذا قليل من كثير مما ثبت عن سيد الخلق وإمام المجاهدين صلى الله عليه وسلم في الحض على الجهاد في سبيل الله والترغيب به.. ولو طالَبنا المخالفون بأن نأتيهم بألف دليل ودليل من الكتاب والسنة على مشروعية هذا الطريق المبارك لسهل علينا - بإذن الله - أن نأتيهم بما طلبوا.. ولكن لو طالبناهم بدليل واحد - من الكتاب أو السنة - على مشروعية ما هم عليه من الطرق والمناهج المنحرفة لعجزوا أن يأتونا بذلك.. ولرأيتهم يلوون أعناقهم ويلتجئون إلى المتشابهات والعموميات وليس لهم فيها أدنى حجة أو دليل!

    ثم نقول لهؤلاء المخالفين إن قدرتم على تحريف نص أو نصين عن ظاهرهما ودلالتهما.. فأنى لكم بتأويل وتحريف آلاف النصوص الشرعية التي تحض وتأمر بالجهاد في سبيل الله؟!!

    كذلك كيف يليق بكم - وأنتم تُظهرون حرصكم على نصرة هذا الدين - أن تصرفوا نظركم عن هذه النصوص على كثرتها، وتجعلوها وراءكم ظهريا وكأنها لم تكن، والله تعالى - بكبريائه وعظمته وأسمائه الحسنى وصفاته العلا - يخاطبكم بها وكل المؤمنين.. {كتب عليكم القتال..}، {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله..}، {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً..}، {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض..}، {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة..}.. ألستم من الذين آمنوا الذين تعنيهم هذه الآيات وغيرها.. ألستم من الذين آمنوا الذين يخاطبهم الله تعالى؟!!

    ثانياً: لأن في الجهاد حياة.. حياة حقيقية لمعاني العزة والكرامة.. حياة حقيقية لإنسانية وآدمية الإنسان.. حياة حقيقية لحرمات الإنسان من الانتهاك أو أن تكون عرضة لأطماع وأحقاد الوحوش الآدمية الفاجرة!

    قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم..} الأنفال: 24. أي لما فيه سبب حياتكم الحقيقية.. حياة القلوب والأبدان معاً.. ومما دعانا إليه النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله.

    وفي قوله تعالى: {إذا دعاكم لما يحييكم} قال ابن الزبير: أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم. اهـ.

    وقال ابن إسحاق، وابن قتيبة: هو الجهاد الذي يحيي دينَهم ويُعليهم... اهـ.

    وقال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلكم تتقون} البقرة: 179. أي حياة حقيقية آمنة وسالمة من الإجرام والاعتداءات على حرمات وحقوق الإنسان.. والقصاص جزئية تدخل في معنى الجهاد في سبيل الله.

    وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة..} الأنفال: 39. والفتنة كل ما يُضاد الحياة الحقيقية السوية الخالية من الفتن والخراب والفساد.. فإذا استؤصلت الفتنة من المجتمعات.. تحققت الحياة الحقيقية التي ملؤها الخير والسلامة للجميع.. والفتنة - بخاصة إذا كانت ممتنعة بقوة السلاح - لا يمكن استئصالها إلا بالجهاد والقتال كما أمر الله تعالى.

    وقال تعالى لما أمر بالجهاد والقتال: {وهو خير لكم..} البقرة: 216. وفي سورة التوبة: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} التوبة: 41. والخيرية هنا تشمل خيري الدنيا والآخرة.. تشمل الحياة الحقيقية التي ينبغي أن يعيشها الإنسان.. وإن كانت هذه الحقيقة الساطعة - بسبب من عند أنفسنا - لا نعلمها بادئ ذي بدء، فإن الله تعالى يعلمها، كما قال تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

    وفي الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا - أي اقترعوا - على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً". أي إن أخذوا على أيدي أهل الباطل والفساد والشر بالجهاد والإنكار.. نجوا، ونجوا جميعاً، ونجت معهم البلاد من الغرق والضياع.. من كل ما يدخل في معاني الهلاك.. وكل من ينجو من مطلق الهلاك تحققت له ولا بد الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

    وإذا كان في الجهاد حياة حقيقية فإن من لوازم تركه العذاب والحياة الضنك وتحقيق الموت الحقيقي للبلاد والعباد.. موت حقيقي لمعاني الحرية والعزة والكرامة!

    ما قيمة الأجساد إذا كانت تدب على الأرض.. وجميع الحرمات ومعاني إنسانية الإنسان تنتهك وتُقتل؟!

    قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً} طه: 124. ومن الذكر الجهاد في سبيل الله..

    وقال تعالى: {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما} التوبة: 39. والعذاب هنا يشمل عذابي الدنيا والآخرة.. عذاب الدنيا لما يترتب على ترك الجهاد وتسليم الأعناق والحرمات لرحمة الطواغيت.. وعذاب الآخرة بسبب عصيان أمر الله تعالى بجهاد الطواغيت الظالمين.

    مصداق ذلك في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "ما ترك قوم الجهادَ إلا عمهم الله بالعذاب" [8].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " [9]. أي ترجعوا عما كان سبباً في ذِلِّكم.. وهو ترك الانشغال بما تقدم ذكره في الحديث عن الجهاد في سبيل الله.. فسمى الله تعالى الجهاد بالدين.. فمن ترك الجهاد فقد ترك الدين.. ومن رجع إلى الجهاد رجع إلى الدين!

    وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة". قارعة.. الله أعلم بحجمها ونوعها!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم - أي تجتمع وتتكالب - كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت " [10].

    صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فأي هوان وأي ذلٍّ تعيشه أمة الإسلام في هذا الزمان بسبب تركها للجهاد [11].. تأمل مصابها في بلاد الشام وبخاصة منها فلسطين.. ثم تأمل مصابها في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو وكيف أن الناس ضربوا في الوديان والغابات يؤاثرون وحشية الوحوش المفترسة على وحشية الوحوش الآدمية الصربية الصليبية.. ثم تأمل مصابها مؤخراً في الشيشان.. انظر شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً..ما من قطر من أقطار الأرض إلا وتجد فيه الشعوب تدفع ضريبة باهظة في دينها وفي معاشها.. في كل ما تملك من مالٍ وأرض وعرض.. كل ذلك بسبب تخليها عن الجهاد في سبيل الله.. وإيثارها للدعة والراحة، وركونها لظاهر الحياة الدنيا!

    فإن قيل كيف يكون في الجهاد حياة ويترتب عليه ما يترتب من القتل والقتال وحصول الجراحات وغير ذلك؟!

    أقول: نعم، رغم ما ذُكر فإن في الجهاد حياة وذلك من وجهين:

    ألهما: من حيث تقليل نسبة الخسائر التي يمكن أن تصيب الأنفس والأموال والحرمات.. فإذا كان في الجهاد تقتل بعض الأنفس، وتتحقق بعض الخسائر أو الجراحات.. فإن ضريبة ترك الجهاد في سبيل الله، والخلود إلى الأرض.. هي أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتحصل بسبب الجهاد.. فيكون في الجهاد حياة للفارق بين ما يُعد ضريبة للجهاد وبين ما هو ضريبة لترك الجهاد والركون إلى الأرض وحب الدنيا.. وهو فارق ضخم جداً!

    ولتوضيح الصورة أكثر نضرب المثال التالي: في حال آثرت الشعوب الجهاد يُقتل منها مثلاً عشرة أنفس.. وفي حال آثرت ترك الجهاد.. يُقتل منها مائة نفس.. فيكون في اختيارها لطريق الجهاد حياة حقيقية لتسعين نفس - كان موتها محقق في حال ترك الجهاد - وهو الفارق بين ضريبة وتبعات الجهاد وبين ضريبة ترك الجهاد.. وهذا مثال ضربناه لتقريب الصورة إليك يمكنك القياس عليه عند الحديث عن الحرمات التي يمكن أن تنتهك في مواطن الجهاد.. والحرمات التي تنتهك في مواطن الاستسلام والركون إلى الأرض وترك الجهاد [12]!

    أما ثانياً: ففي الجهاد حياة لمعانٍ لا تقل قيمة عن الأنفس والأرواح.. حياة لمعاني الحرية، والعزة، والكرامة، والشرف.. لا طعم للحياة من دونها.. ولا قيمة للأجساد التي تدب على الأرض من دونها.. وهذه معانٍ لا تُستجدى من الآخرين.. ولا يمكن أن تحي من دون الجهاد في سبيل الله!

    فالجهاد حياة حقيقية من هذا الوجه.. فتفطن لذلك!

    وهو - أي الجهاد - إضافة إلى جميع ما تقدم مؤداه إلى حياة الخلود والنعيم في الجنان قبل يوم القيامة، وبعد قيامها كما قال تعالى: {ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله} آل عمران: 169.

    وقال تعالى: {ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} البقرة: 154.

    ثالثاً: لأن الجهاد في سبيل الله هو الدعوة الصادقة والوسيلة الحقيقية لتحقيق السلام في الأرض.. وبيان ذلك أن الله تعالى فطر الخلق على سُنة ثابتة ماضية - لا يمكن لأحدٍ مهما أوتي من قوة أو نفوذ أن يلغيها أو يغيرها - لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة؛ وهي سنة التدافع بين الحق وأهله من جهة وبين الباطل وأهله من جهة أخرى.. فالباطل - منذ أن وجد - بكل تجمعاته وتكتلاته يعمل جاهداً على استئصال الحق من الوجود وبسط نفوذه عليه، وتحقيق السلام في الأرض على طريقته الباطلة الظالمة.. وكذلك الحق بكل تجمعاته لا يألو جهداً في تحجيم الباطل وكسر شوكته.. وفرض السلام في الأرض على طريقته العادلة.

    فلو قُدر للباطل أن يبسط نفوذه على بقعة من بقاع الأرض فهل تراه قادر على تحقيق السلام العادل فيها.. أو أن ينصف الحق وأهله من نفسه؟!

    الجواب: لا.. لماذا؟!

    ذلك لسببين؛

    أولهما: لا يوجد للباطل قانون عادل ثابت يُلزم به أهله وأتباعه في السخط والرضى.. في القوة والضعف.. في السلم والحرب.. الذي يمنعهم من التمادي في ظلم العباد والمخالفين.. مما يحملهم على أن يشرعوا لأنفسهم وللآخرين القوانين التي تلبي نزواتهم وأهواءهم، وأحقادهم.. والتي مؤداها إلى ظلم الآخرين وهضم حقوقهم ووجودهم.. فهم - أي أهل الباطل - لا يتورعون في أن يصدروا القوانين أو يغيروا بها - وقت يشاءون - لما يخدم مصالحهم ومآربهم الخاصة وإن أدى ذلك إلى هضم وسحق الشعوب الأخرى!

    ولو وجدوا في مرحلة من المراحل أن قوانينهم - التي هي من عند أنفسهم وأهوائهم - لا تلبي رغباتهم، وأطماعهم، وأحقادهم.. فالأحبار والرهبان من دهاقنة الساسة جاهزون لسن القوانين التي ترقى إلى درجة تلبية الرغبات والأطماع.. والتي سرعان ما تتحول قوانينهم الجائرة إلى مستوى القانونية أو الشرعية الدولية التي يجب على الشعوب المقهورة المسلوبة الحقوق أن تحتكم إليها وترضى بها وبتبعاتها.. والويل كل الويل لمن يخالفها أو يعترض عليها [13]!!

    فالباطل الذي لا يملك الميزان الثابت العادل.. لا يمكن، بل لا يسمح للآخرين أن يتعاملوا معه بسلام أو بغير صدام.. وبالتالي فهو غير مؤهل بأن يحقق السلام العادل في الوجود!

    السبب الثاني: فقد تضافرت أدلة النصوص الشرعية وكذلك أدلة الواقع المعايش على أن الباطل بكل تجمعاته ومذاهبه لا يمكن أن يرضى عن الحق وأهله، أو أن تهدأ مطاردته وملاحقته لهم.. إلا بأحد خيارين: إما أن يرتد الحق عن حقه ليدخل في دين ومذاهب الباطل.. وإما خيار القتل والتشريد والاستئصال من الوجود إن قدروا على ذلك!!

    قال تعالى: {ولا يزالون يُقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} البقرة: 217. وقوله تعال: {ولا يزالون..} يفيد الاستمرار والمواصلة على القتال ما داموا قادرين على ذلك.. والغرض من هذا القتال أن يردوا أهل الحق عن حقهم ودينهم ليدخلوهم في باطلهم ودينهم!

    وقال تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة} التوبة: 8. أي إن علا سلطانهم على أهل الحق لا يُراعون فيهم حرمة القرابة، ولا حرمة ما بينهم من العهود والمواثيق، ولا يمنعهم عن سفك الدم الحرام أو انتهاك الحرمات شيء من ذلك.. ومن كان كذلك لا يمكن أن يحقق السلام، أو أن يكون مؤهلاً لتحقيق السلام مع الآخرين!

    وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة: 120. فلن الواردة في الآية الكريمة تفيد نفي الحاضر والمستقبل.. أي مهما حاول أهل الحق أن يسترضوا اليهود والنصارى عنهم فلن يُفلحوا إلا بشرط واحد: وهو اتباع ملتهم والدخول في دينهم وباطلهم!

    والآية تفيد كذلك أن رضى اليهود والنصارى عن المسلم مؤشر صريح على انحراف المسلم عن جادة الحق والصواب إلى الباطل الذي هم عليه.. فحيثما يظهر رضى القوم عن المسلم فعليه أن يتهم نفسه، وأن يُراجع دينه!!

    وقال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا} إبراهيم: 13. فقوله تعالى {وقال الذين كفروا..} يفيد الاستغراق؛ أي جميع الذين كفروا على مدار الزمن وإلى يوم القيامة يقولون للرسل وأتباعهم المؤمنين {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}.. ومن كان هذا وصفه وديدنه فأنى له أن يحقق السلام في الأرض؟!!

    ونحو ذلك قوله تعالى عن فتية أهل الكهف: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يُعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا} الكهف: 20. وغيرها كثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تفيد هذا المعنى..

    وفي الحديث فقد أخرج البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر ورقة بن نوفل خبر ما رأى من الوحي، قال له ورقة: هذا الناموس - أي جبريل عليه السلام - الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً - أي شاباً قوياُ - ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟! فقال: نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.

    هذه أدلة النصوص الشرعية.. أما أدلة الواقع الملموس والمشاهد فحدث عنها ولا حرج؛ فما أكثر تلك الديار وأولئك الشعوب التي تنتهك حرماتهم صباح مساء بسبب أنهم لم يدخلوا في طاعة القوم أو في دينهم؟!

    فانظر ماذا حصل ويحصل في فلسطين.. وماذا حصل في البوسنة والهرسك.. وفي كوسوفو.. وماذا يحصل في هذه الأيام في الشيشان.. وفي الفلبين.. وفي أندونيسيا.. وفي الصين.. وفي كشمير.. وفي أفغانستان.. وفي العراق.. وفي السودان.. وفي أرتيريا.. وفي لبنان.. وفي الصومال.. وغيرها كثير من البلدان!!

    ما يحصل في تلك الديار وغيرها من ممارسات وتصفيات وحصارات، ومؤامرات.. لهو أكبر دليل على أن القوم لا يُحسنون صنعة السلام.. إلا سلام الأسياد مع العبيد.. العبيد الذين لا يحق لهم - في قوانين الأسياد - إلا أن يمتهنوا صنعة الركوع والسجود والطاعة للأسياد ولقوانين الأسياد!

    هذا هو سلام الباطل.. فسلامه غدر وحرب وقتل وقتال.. وهضم ونصب للحقوق والحريات.. ومن كان كذلك فهو غير مؤهل لرعاية عملية السلام.. ولا لبسط وتحقيق السلام.. لأنهم هم أنفسهم يفقدون السلام.. وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه للآخرين!

    إذا كان هذا هو سلام الباطل.. فهل الحق قادر على تحقيق السلام العادل.. وهل هو قادر على إنصاف الآخرين - ولو كانوا من أهل الباطل - من نفسه.. أو يحقق لهم الأمن والسلام؟!

    الجواب:

    نعم.. لماذا؟

    لأن الحق يملك القانون العادل الثابت الذي يُعرفه ما له وما عليه.. القانون الذي يلتزمه في السر والعلن.. في السخط والرضى.. في السلم والحرب.. وليس له أن يخرج قيد أنملة عن هذا القانون إلا إذا آثر أن يخرج عن كونه ووصفه بأنه الحق أو من أهل الحق!

    هذا القانون هو "حكم الله تعالى" الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي لا يُحابي مخلوقاً على حساب مخلوق.. فكل الناس أمامه سواء.. الغالب والمغلوب.. الضعيف والقوي.. السيد والوضيع لا فرق بينهم أمام حكم الله.. فلكل له وعليه.. وعلى الجميع أن يلتزموا بما لهم وما عليهم.. بحسب ما يقضي الله تعالى في حكمه وشرعه!

    وهذا من أكبر العوامل التي تعين على تحقيق السلام في الأرض.. إذ أن الآخرين يعرفون قبل أن يدخلوا في السلم مع الحق وأهله ما لهم وما عليهم.. إنهم جميعاً أمام قانون واحد لا يمكن أن يتغير ولا أن يتبدل بحسب الأهواء والمصالح.. فهو لا يخضع لمزاج السلاطين أو الحكام ولا لسياساتهم.. كما لا يجوز أن يخضع لرغبات ونزوات الشعوب المنتصرة الغالبة.. كما هو الحال عند الباطل وأهله!!

    فهم عندما يدخلون في سلم الحق لن يكونوا عبيداً للعبيد.. ولا خاضعين لسلطة العبيد كما هو الحال عندما ينتصر الباطل في موقعة من المواقع.. وإنما هم في حقيقة أمرهم داخلون في الطاعة العامة لله عز وجل.. وفي العبودية العامة للخالق سبحانه وتعالى.. وفي السلم العام الذي شرعه الله تعالى للعباد.. وهذه عبودية تشريف لا انتقاص فيها من قدر المخلوق أو العباد [14]!

    من قوانين الحق التي يلتزم بها المسلمون حكاماً ومحكومين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} المائدة: 1. وقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} النحل: 91. وقوله تعالى: {ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون} النحل: 95. وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} الإسراء: 34. فهي نصوص تلاحق ضمير وأخلاق المؤمن أينما ذهب أو حل وأقام.. تمنعه من أن يفكر - مجرد التفكير - في الغدر أو الخيانة أو نقض العهد مهما كانت تكاليف وتبعات الالتزام بالعهد أو العقد الذي يعطيه المؤمن للآخرين [15]!

    وقد تقدم معنا حديث السفينة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "؛ أي إن تركوا لأهل الباطل الحرية في قيادة السفينة والمجتمعات، أو أن يفرضوا سلامهم الباطل كما يحلو لهم فقد هلكوا جميعاً: الصالحين والطالحين.. وغرقت بهم السفينة، وهلكت البلاد..!

    وإن أخذوا على أيديهم - بالجهاد والقتال - ومنعوهم عن فسادهم وطغيانهم، وفرضوا سلامهم العادل.. نجوا جميعا: الصالحين والطالحين معاً.. ونجت معهم السفينة والمجتمعات من الغرق في أوحال الشرك والفساد، والدمار..!

    والذي يهمنا من ألفاظ الحديث في هذا الموضع قوله صلى الله عليه وسلم: " نجوا ونجوا جميعاً " الذي يفيد حرص الحق على تحقيق النجاة والسلامة لأهل الباطل كذلك.. وهذا مالا يمكن أن نجده أو نشعر به عند أهل الباطل نحو الحق وأهله!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً " [16]. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها " [17].

    هذه هي أخلاق الحق التي تُلزم كل مسلم ولو كان في أدغال إفريقيا أو الفلبين.. فهو يكفيه بأن يسمع بهذا الحديث أو نحوه ليكون له رادعاً وزاجراً يردعه من أن يمس أو يصيب الكافر الذمي أو المعاهد المؤمَّن بأدنى أذى أو سوء!

    وبعد، فإنه يحق لنا أن نسأل: أهكذا هم أهل الباطل - بكل تجمعاتهم ومذاهبهم - عندما يتعاملون مع المسلمين وبخاصة إن ظهروا عليهم بنوع قوة أو سلطة؟!

    الجواب: تجده في المجازر الجماعية بحق الشيوخ والأطفال والنساء التي ارتكبت في البوسنة والهرسك.. وفي الشيشان.. وفي أفغانستان من قبل.. تجده في المقابر الجماعية للأحياء.. تجده في حرق المسلمين وهم يتعبدون في مساجدهم كما حصل في مالوكو إندونسيا؟!!

    تجد الجواب في البيوت المهدمة على أهلها وأصحابها الأبرياء في فلسطين؟!

    راجع تاريخ فتوحات الإسلام كلها.. هل تعرف مرة أن الإسلام اضطر - فضلاً عن أن يجبر - أهل البلاد بأن يخرجوا من ديارهم بالآلاف أو الملايين!!

    بينما نجد صهاينة اليهود لما غزوا فلسطين شردوا ملايين المسلمين من أبناءها وأسكنوهم في العراء وفي المخيمات.. ثم بعد ذلك قسّموا الناس بين نازح ولاجئ، ولكل منهما درجة؟!

    كذلك لما غزت روسيا من قبل أفغانستان.. وكذلك لما غزت الشيشان.. وكذلك الصرب لما غزوا البوسنة والهرسك.. أجبروا المسلمين من أهل البلد على الهجرة والخروج من ديارهم وبيوتهم.. وذلك بعد أن ارتكبوا بحقهم المجازر التي لا يمكن أن يتصورها عقل آدمي!!

    كل ذلك يحصل في زمن الديمقراطية.. وزمن الإنسانية.. ومحاربة العنصرية.. وعلى مرأى ومسمع من جميع محافل الباطل ومؤسساته ودوله [18].

    كل ذلك يجعلنا نجزم ونؤكد بأن الباطل لا يمكن له أن يحقق السلام العادل في الوجود لأنه لا يملك الخصائص النفسية والأخلاقية التي تمكنه من ذلك، بخلاف الحق فإنه يملك جميع مقومات وخصائص تحقيق السلام العادل في الأرض كل الأرض.. وبالتالي هو الذي يجب أن يُرشح لقيادة ورعاية عملية السلام، وعلى طريقته الخاصة به.. وليس على طريقة أحدٍ غيره.

    ولما كان الباطل لا يسمح للحق أن يقود ويرعى عملية السلام.. أو يحقق السلام العادل على طريقته الشرعية الربانية.. لزم على الحق وأهله أن يجاهدوا الباطل وأهله ويزيلوا من أمامهم العقبات الكثيرة التي ينثرها الباطل في طريقهم والتي تحيل بينهم وبين تحقيق السلام!

    لذا فإن كل من يريد السلام بحق نقول له: أقرب طريق لتحقيق السلام العادل هو الجهاد في سبيل الله.. وأي طريق آخر يُسلك غير طريق الجهاد فهو طريق لا يوصل للسلام ولا يمكن أن يحقق السلام، وهو مضيعة للأوقات والأعمار من غير طائل ولا فائدة.. وليس من ورائه إلا تأخير عملية السلام.. وإطالة أمد الحروب والظلم والشقاء والحرمان!

    فكل من يتنكب طريق الجهاد - بقصد أو غير قصد - فهو لا يعمل للسلام.. ولا يريد للسلام أن تقوم له قائمة.. وإنما يريد أن يطيل أمد الحروب والشقاء والظلم والحرمان.. يريد أن يطيل عمر طغيان الباطل.. يريد أن يكرس سلام الباطل الذي هو ليس بسلام.. وإن زعم ملء وعليه فإن أقرب الناس للسلام، وأصدقهم دعوة إلى السلام هم المجاهدون في سبيل الله الذين يُقاتلون في سبيل الله.. وأكثر الناس بعداً وعداءً للسلام هم أكثرهم عداءً لمبدأ الجهاد في سبيل الله!!

    رابعاً: لأن الغايات العامة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله.

    فمن دواعي الشروع في طريق الجهاد كذلك أن الغايات العظمى الكليّة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله.

    ومن أجل وأعظم غايات الإسلام نشر التوحيد وبسط نفوذه.. واستئصال الشرك وتحجيم نفوذه.. والعمل على أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. ومن جور الأديان والشرك إلى عدل الإسلام والتوحيد.. وهذه مهمة جميع الأنبياء والرسل من لدن آدم رضي الله عنه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36.

    وقد تقدمت الإشارة إلى حرص الباطل الشديد على منع الحق من أن يبسط نفوذه أو ينشر ما لديه من الخير والهداية، وهو لا يتردد في زرع العقبات والأشواك في طريقه، التي تعيق بين رسالته وهدفه وبين الناس.. وقد ذكرنا - فيما تقدم - الأدلة على ذلك من النصوص الشرعية، وكذلك أدلة الواقع التي تثبت أن الباطل لا يهدأ له بال ولا تقر له عين إلا بعد أن يرد الحق عن حقه أو يُزيله عن الوجود والحياة إن استطاع!

    وهذا واقع ظاهر لا خفاء فيه.. لا ينبغي أن نطيل الجدال حوله لنثبت صحته!

    الشاهد مما تقدم:

    أن الإسلام لا بد له من أن يؤدي رسالته، وهو وجِد لذلك.. وأن القائمين على نصرة هذا الدين الحنيف لا بد لهم من أن يعملوا جادين ومخلصين لنصرة هذا الدين ونشر تعاليمه بين الناس كل الناس، وليس لهم خيار غير ذلك.. وهذا من لوازمه إزالة كل العقبات والأشواك التي يفترشها الباطل في طريق الحق.. ومادة ذلك كله الجهاد في سبيل الله.

    فالباطل بكل جيوشه وتجمعاته.. ليس ذلك الخصم السهل البسيط المسكين - كما يصور البعض - الذي يمكن أن تحسم معه المشاكل من خلال الوعظ أو مجرد الكلمة - على طريقة المفتونين بالديمقراطية - بعيداً عن قوة السيف والحديد.. والذين يرون غير ذلك فهؤلاء لم يقرأوا القرآن بعد.. ولم يقرأوا التاريخ ولا الواقع كذلك.. وهم على قلوبهم وأبصارهم غشاوة!

    لأجل ذلك نجد أن الله تعالى قد أنزل القرآن الكريم؛ وهو الحق المطلق.. وأنزل معه الحديد فيه بأس شديد ليحمي به هذا الحق.. ويسهّل له رسالته في الوجود.

    قال تعالى: {لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلمَ اللهُ من ينصرُه ورسلَه بالغيب إن الله قوي عزيز} الحديد: 25.

    فالحق لا بد له من حديد يحميه ويرد عنه سهام شياطين الإنس والجن.. فحق بلا حديد سهل المنال.. وسهل أن تنتهك حرماته.. وسهل أن يُمنع عن تحقيق أهدافه ورسالته.. وهو عرضة للسخرية والاستهانة من كل مارق أو كافر معاند!

    فالذي لا يرى الجهاد.. ولا يدعو للجهاد.. ولا يأمر بالجهاد.. فهو - بقصد أو غير قصد - يُريد أن ينزل بالحق كل أنواع الأذى المتقدمة الذكر أعلاه.. ولا يريد للحق أن تقوم له قائمة عز مشرفة!

    تأمل عدد نسخ القرآن الكريم التي تطبع في العالم فهي تتجاوز مئات الملايين.. بل ما من بيت إلا وفيه عدة نسخ من القرآن الكريم.. ولكن لما تخلى الناس عن الحديد وخلت بيوتهم من الحديد.. ضعف أثر القرآن في الوجود!

    وهذا الذي يريده الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه من قوله: إن الله ليزع - أي ليردع - بالسلطان مالا يزع بالقرآن!

    خلاصة القول:

    أن القرآن والحديد رسالتان متوازيتان تسيران جنباً إلى جنب.. لا مضاء لإحداهما إلا بالأخرى.. وهما للحق كالجناحين للطائر لا يمكن له الطيران والعلو في السماء إلا بهما معاً.. فإن أصيب في أحد جناحيه خرَّ إلى الأرض ووقع.. ولا بد له من أن يقع!

    خامساً: ثم بعد كل ذلك لأن الجهاد في سبيل الله عبادة عظيمة.. التفريط بها تفريط بباب عظيم من أبواب الجنة.. تفريط بالدرجات العُلا.. والخصال الفريدة.. التي لا يمكن أن تتأتى للقاعدين من غير جهاد.. مهما أتوا من ضروب العبادات الأخرى.. لندع نصوص الكتاب والسنة تحدثنا عن كل ذلك:

    قال تعال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاً وعدَ الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} النساء: 95.

    جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: "لا أجده!.. هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟! " قال: ومن يستطيع ذلك؟!! [البخاري].

    وقيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.." [البخاري].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" [البخاري].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب" [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" [البخاري].

    وقال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.." [البخاري]. هذا رباط يومٍ في سبيل الله.. فكيف بجهاد يومٍ في سبيل الله.. أو جهاد أيام.. أو جهاد أشهر.. أو جهاد العمر.. الله أكبر.. إنها الجنان والدرجات ورب الكعبة!!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "تضمّن اللهُ لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أُرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلم؛ لونه لون دمٍ وريحه مسك. والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمدٍ بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل" [مسلم].

    وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا سعيد من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً وجبت له الجنة " فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل ثم قال: "وأُخرى يُرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض!" قال وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله" [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" [مسلم]. فهو ليس باب واحد بل هي أبواب كلها تحت ظلال السيوف والجهاد!

    قال النووي: قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها... اهـ.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان" [مسلم].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر " [19].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار" [البخاري].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " [20].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "للشهيد عند الله سِتُّ خصال: يُغفر له في أول دُفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُضع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه " [21]. فهي ليست خصلة واحدة بل ست خصال بعضها يفضل ويعلو بعض.. أكرم وأعظم بها من خصال، لا يُعطاها إلا الشهيد!!

    وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم". وقد تقدم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "إن السيوف مفاتيح الجنة " [22].

    وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر؟! حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله " [23]. وحارس الحرس هو الحارس الذي يحرس في الخطوط الأمامية المتاخمة للعدو.. فيكون بذلك حارساً للحرس الذين يحرسون في الخطوط الخلفية من موقع العدو.. والله تعالى أعلم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزُخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب. وتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار}" [24].

    هذا غيض من فيض مما ثبت في فضل الجهاد.. وما للمجاهدين من أجر، ومثوبة، وكرامة لا يؤتاها غيرهم.. وهو باعث عظيم على السير في هذا الطريق المبارك العظيم لا يفرط به إلا كل خائب خاسر!

    وهو كذلك - أي الجهاد في سبيل الله - عبادة يظهر فيها مدى صدق حب العبد لربه عز وجل.. ومدى صدق انتمائه لهذا الدين.. فبالجهاد تُعرف الرجال، وتُعرف حقيقة معادن الناس، ومن منهم الصادق في زعمه للإيمان ومن منهم الكاذب.. فالمؤمن الصادق في إيمانه وحبه لربه عز وجل هو الذي يقتحم المخاطر ولا يتردد في أن يرمي بنفسه في مواطن الجهاد والخوف في سبيل الله.. أما أصحاب القلوب المريضة بالنفاق وغيرهم هم الذين يبحثون عن الأعذار والذرائع الكاذبة لكي يتخلفوا عن مواطن الجهاد في سبيل الله!

    قال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين. إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون} التوبة: 44-45.

    قال ابن تيمية في الفتاوى: 28/438: فهذا إخبار من الله أن المؤمن لا يستأذن الرسول في ترك الجهاد وإنما يستأذنه الذين لا يؤمنون، فكيف بالتارك من غير استئذان؟!. اهـ.

    قلت: فكيف بمن يثبط الأمة عن الجهاد، ويؤثم المجاهدين ويجرمهم لجهادهم؟!

    كيف بمن يُعطل الجهاد كلياً، ويصد عنه الأمة لتأويلات باطلة فاسدة مبعثها الخور، والجبن والإرجاف؟!

    كيف بمن يستبدل الجهاد في سبيل الله بالطرق الباطلة الشركية كالديمقراطية، والانتخابات البرلمانية وغيرها.. ويحسنها ويفضلها عليه؟!

    كيف بمن يكره الجهاد والمجاهدين - صفوة هذه الأمة - ويعاديهم، ويحرض الناس على أذاهم والنيل منهم ومن جهادهم.. حسداً من عند أنفسهم؟!

    لا شك أن هؤلاء أولى بالنفاق من أولئك الذين يتركون الجهاد بعد استئذان!

    قال صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يُحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" [مسلم].

    هذا فيمن لم يحدث نفسه بالجهاد بصدق وإخلاص.. فكيف بمن تقدم ذكرهم، وذكرت أوصافهم وخصالهم المشينة.. لا شك أنهم أولى بالنفاق وبشعب النفاق!

    من علامات الولاية والاصطفاء المتابعة.. والجهاد في سبيل الله.. فمن أتى بالمتابعة للشريعة والسنة من دون الجهاد في سبيل الله لا يكون ولياً من أولياء الله.. ومن أتى بالجهاد من دون المتابعة للشريعة والسنة لا يكون ولياً من أولياء الله.. ولتحقيق الولاية لا بد من المتابعة والجهاد في سبيل الله معاً.

    قال ابن تيمية رحمه الله: قد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول، والجهاد في سبيل الله؛ وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه من الكفر والفسوق والعصيان. اهـ.

    عجباً لأولئك الذين يريدون أن يربوا شباب الأمة بعيداً عن مواطن وساحات الجهاد.. يربونهم في صالات التنظير المكيفة بعيداً عن واقع الحياة، وآلام الأمة.. ثم هم يتوقعون بعد ذلك أن يرتفع هؤلاء الشباب إلى مستوى مسؤوليات ومبادئ هذا الدين العظيم.. أو أن يكونوا يوماً من الأيام أكفاءً لتحمل مسؤولياتهم الضخمة نحو هذا الدين.. أو أن يكونوا من أولياء الله الربانيين؟!

    هؤلاء يحلمون.. أو أنهم لم يقرؤوا كلمات هذا الدين.. ولو قرؤوها فهم لم يقرؤوها على مراد الله ورسوله!!

    أمة الإسلام أمة كتبَ اللهُ عليها أن تكون أمة جهاد وبذل وعطاء.. أمة لا تعرف الدعة أو الميوعة أو الهزل أو الركون للدنيا والمتاع.. أمة لا تعرف إلا الجد في جميع أمورها.. لأنها أمة رسالة ودين تتوقف عليها نجاة البشرية جمعاء!

    لأجل ذلك كله نقول - ما قلناه في أول هذا المقال - لا خيار للأمة إلا خيار الجهاد.. ولا عز لها إلا بالجهاد.. ولا نجاة لها إلا بالجهاد.. ولا طريق لها تسلكه إلا طريق الجهاد.. فهل أنتم موقنون.. فهل أنتم مؤمنون؟؟!!

    اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    وصلى الله على سيدنا وقائدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم

    [أبو بصير؛ عبد المنعم مصطفى حليمة | 24/10/1421هـ]


    [1] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 2831.

    [2] صحيح سنن أبي داود: 2185.

    [3] صحيح سنن النسائي: 2971.

    [4] صحيح سنن النسائي: 2919.

    [5] أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة: 1941.

    [6] صحيح سنن النسائي: 3333.

    [7] صحيح سنن النسائي: 2955.

    [8] أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 2663.

    [9] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 1:12 am