بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الذين لا يزالون يعتبرون الاختلاف على الديمقراطية هو اختلاف في الوسائل والفرعيات التي لا تمس الأصول والاعتقاد!!
إلى دعاة الترقيع، والتقميش، والتوفيق!!
إلى الذين لا يزالون يتذرعون بجهل حقيقة الديمقراطية!!
إلى الذين يُلبسون الديمقراطية - زوراً وبهتاناً - ثوب الشورى والإسلام!!
إلى الذين يرون في الديمقراطية الحل الأمثل لمشكلات الإسلام والمسلمين!!
إلى الذين يروجون للديمقراطية، ويدعون لها، ثم يزعمون بعد ذلك أ نهم مسلمون!
إلى هؤلاء وغيرهم نقول:
الديمقراطية؛ تعني حكم الشعب، واختيار الشعب، والاحتكام إلى الشعب؛ فلا تعلو سيادة الشعب سيادة، ولا إرادته إرادة بما في ذلك إرادة الله، التي لا اعتبار لها وليست لها أيَّة قيمة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين..
الديمقراطية؛ تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله، ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين..
وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع - من جهة التشريع - هو الإنسان وليس الله جلَّ في علاه.. وهذا مغاير ومناقض لأصول الدين والتوحيد، يدل على ذلك قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه). وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا)، وقوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)، وقوله تعالى:(و إن أطعتموهم إنكم لمشركون). أي لأن عبدتموهم من جهة طاعتكم إياهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، فإنكم لعابدون لهم من دون الله؛ لأن الشرك لا يطلق في القرآن أو السنة إلا لنوع عبادة تصرف لغير الله عز وجل.
وكذلك قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)، فهم أرباب من دون الله لماَّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم وسن القوانين من دون الله تعالى.
الديمقراطية؛ تعني رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب، وليس إلى الله والرسول.. وهذا مغاير ومناقض لقوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، بينما الديمقراطية تقول: فحكمه إلى الشعب، وليس غير الشعب!
وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فجعل الله عز وجل من لوازم الإيمان رد النزاع - أي نزاع - إلى الله والرسول؛ أي إلى الكتاب والسنة.
الديمقراطية؛ تعني مبدأ حرية الاعتقاد والتدين؛ فللمرء - في حكم الديمقراطية - أن يعتقد ما يشاء، ويتدين بالدين الذي يشاء، ووقت يشاء، ولو أراد أن يرتد من الإيمان إلى الكفر والإلحاد فلا راد له ولا مُعيب عليه.
أما حكم الإسلام فهو على نقيض ذلك، وهويتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وليس فاتركوه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة..)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له..).
ومعلوم أن الإسلام انتهى حكمه في أهل الكتاب إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية وهم صاغرون، وإما القتل والقتال. أما عبدة الأوثان من مشركي العرب وغيرهم فليس لهم إلا الإسلام أو القتل والقتال.
وكذلك يوم نزول عيسى عليه السلام - كما دلت على ذلك السنة - فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويسقط الجزية، ولا يقبل من مخالفيه - بما فيهم أهل الكتاب - إلا الإسلام، أو القتل والقتال.
على ضوء هذه الحقائق والنصوص، وغيرها من النصوص الشرعية ذات العلاقة بالمسألة يجب أن يفهم قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).
الديمقراطية؛ تعني مبدأ حرية التعبير والإفصاح، أيَّاً كانت صفة هذا التعبير؛ ولو كان شتماً لله ولرسوله، وطعناً في الدين، إذ لايوجد في الديمقراطية شيء مقدس يحرم الخوض فيه أو التطاول عليه بقبيح القول.. وأي إنكار على ذلك يعني إنكار على النظام الديمقراطي برمته، ويعني تحجيم الحريات المقدسة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين.
وهذا عين الكفر في دين الله؛ إذ لا حرية في الإسلام لكلمة الكفر والشرك، للكلمة التي تفسد ولا تصلح، وتدمر ولا تبني، وتفرق ولا توحد.
قال تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، وقال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وهذه آيات نزلت في نفرٍ قالوا وهم في طريقهم إلى غزوة تبوك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء.. فكفروا بذلك بعد أن كانوا مؤمنين.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار).
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: (هذا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين فخذيه دخل الجنة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
فأين الديمقراطية من هذا الأدب الرفيع الذي جاء به ديننا الحنيف؟
الديمقراطية؛ - يا قوم - تعني العلمانية بكل أبعادها؛ حيث تقوم على مبدأ فصل الدين - أي دين - عن الدولة والحياة، فالله تعالى ليس له في نظر الديمقراطية سوى الزوايا، والمساجد، والكنائس والمعابد شريطة أن لا يكره أحد على دخول هذه الأماكن، وما سوى ذلك من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها فهي ليست من خصوصياته، وإنما هي من خصوصيات الشعب وحده.. وللشعب كذلك صلاحيات التدخل في شؤون والمساجد لو اقتضت الضرورة ذلك..
(فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون)، وقال تعالى: (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً أليما).
(أولئك هم الكافرون حقاً) هو حكم كل ديمقراطي علماني يفصل الدين عن الدولة والسياسة، وشؤون الحياة.. وإن زعم بلسانه - ألف مرة - أنه من المسلمين المؤمنين.
الديمقراطية؛ تعني مبدأ الحرية الشخصية للفرد، فالمرء له - في ظل الديمقراطية - أن يفعل ما يشاء، من الموبقات والفواحش والمنكرات.. من غير حسيب ولا رقيب!
والإباحية التي عرفت بها فرق الزندقة عبر التاريخ، ماذا تعني غير ذلك؟!
الديمقراطية؛ تعني أن الذي يختاره الشعب هو الذي يحكم البلاد والعباد، ولو كان المختار كافراً زنديقاً مرتداً عن دين الله..
وهذا مناقض لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).
وهو كذلك مناقض لإجماع الأمة على أن الكافر لاتجوز له ولاية على المسلمين ولا على بلادهم..
الديمقراطية؛ تعني مساواة الناس جميعاً في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتمائهم العقدي الديني، وسيرتهم الذاتية الأخلاقية؛ حيث أن أكفر وأفجر وأجهل الناس يتساوى مع أتقى وأعلم وأصلح الناس في تقرير أهم القضايا وأخطرها، وهي من يحكم البلاد والعباد!
وهذا مناقض لقوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون)، وقال تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)، وقال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)؟
في دين الله لا يستوون، بينما في دين الديمقراطية نعم يستوون!!
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ حرية تشكيل التكتلات والأحزاب السياسية وغير السياسية، أيَّاً كانت عقيدة وأفكار ومناهج هذه الأحزاب، ومهما كثر تعدادها، ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وفسادها بين البلاد والعباد..
وهذا يعني - من منظور الشرع - الإقرار طواعية بشرعية وحرية الكفر والشرك، والارتداد والإفساد.. وهو مناقض لما يجب القيام به نحو الكفر والمنكر من تغيير وإنكار، كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله).
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). أي لا مناص من إنكار المنكر وتغييره ولو في القلب عند حصول العجز عن إنكاره باليد أو اللسان، أما أن يمتد التعامل مع المنكر إلى حد الرضى به أو المطالبة فهو عين الكفر البواح، وهذا الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، أي ليس وراء إنكار القلب سوى الرضى، والرضى بالكفر كفر ينفي مطلق الإيمان عن صاحبه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة، كما في صحيح البخاري وغيره، وفيه: (فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).
وهذا مثل الديمقراطية، فهي تقول - بكل وقاحة ووضوح -: دع للأحزاب حريتها أن تخرق السفينة ليغرقوها بمن فيها من الأنفس والحرمات، بمعاولهم الهدامة.
ثم إذا كان مجرد ترك الأحزاب الباطلة - المنكر الأكبر - من دون أن ننكر عليها أو نأخذ على أيديها بالزجر والإنكار والمنع مؤداه إلى هلاك المجتمعات بما فيها من المسلمين، فما يكون القول فيما لو اعترفنا طوعاً بشرعيتها وحريتها في أن تفعل ما تشاء وتريد؟!
وهو - أي الاعتراف بشرعية الأحزاب الباطلة - كذلك فإن مؤداه إلى تفريق الأمة، وإضعاف شوكتها، وتشتيت ولاءاتها وانتماءاتها في أحزاب شيطانية متناحرة متباغضة، متنافرة ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذا مناقض لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أ بعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة).
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ اعتبار وإقرار موقف ورأي الأكثرية، مهما كان نوع هذه الأكثرية، وأيَّاً كان موقف هذه الأكثرية، هل وافقت الحق أم لا، فالحق في نظر الديمقراطية والديمقراطيين هو ما تجتمع عليه الأكثرية ولو اجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح!
بينما الحق المطلق - في نظر الإسلام - الذي يجب التزامه والعض عليه بالنواجذ - ولو فارقك جماهير الناس - هو الحق المسطور في الكتاب والسنة. فالحق ما وافق وطابق ما في الكتاب والسنة وإن اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك، والباطل ما حكم عليه الكتاب والسنة بالبطلان ولو اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك. فالحكم لله وحده، وليس للبشر أو الأكثرية.
قال تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون).
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد). فأين موقع هذا النبي ومعه الرجل الواحد في ميزان أكثرية الديمقراطية؟!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون: (جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك).
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: (اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض) انتهى.
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ الاختيار والتصويت، حيث كل شيء مهما سمت قداسته أو قلَّت يجب أن يخضع لعملية التصويت والاختيار، ولو كان المصوت عليه هو شرع الله سبحانه وتعالى..
وهذا مناقض للخضوع والانقياد، والاستسلام التام، والرضى المنافي لأدنى تعقيب أو تقديم أو اعتراض، الذي يجب على العبد نحو ربه سبحانه وتعالى، والذي لا يستقيم للعبد دين ولا إيمان إلا بذلك، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
فإذا كان مجرد رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم مؤداه إلى حبوط الأعمال، ولا يحبط الأعمال إلا الكفر والشرك، فما يكون القول فيمن يرفع حكمه أو قوله فوق حكم وقول النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك أنه أولى في الكفر والارتداد، وأن يحبط عمله كل عمله.
وقال تعالى: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
بينما الديمقراطية تقول: نعم لهم أن يختاروا وأن يعقبوا، ويرفضوا!!
وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
الديمقراطية؛ تقوم على نظرية أن المالك الحقيقي للمال هو الإنسان؛ وبالتالي فله أن يكتسب المال بالطرق التي يشاء، كما ينفق ماله بالطرق التي يشاء ويهوى، وإن كانت هذه الطرق محرمة ومحظورة في دين الله، وهذا مايسمونه بالنظام الرأسمالي الحر.
وهذا بخلاف ما عليه الإسلام الذي يقرر أن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان مستخلف عليه، وهو مسؤول عنه أمام الله تعالى: كيف اكتسبه، وفيما أنفقه.
فالإنسان في الإسلام كما ليس له أن يكسب ماله بالحرام والطرق غير المشروعة، كالربا، والرشوة، والسحت والمتاجرة فيما هو حرام وغير ذلك، كذلك لا يجوز له أن ينفق ماله في الحرام والطرق الغير مشروعة، بل إن الإنسان في الإسلام لا يملك نفسه في أن يفعل بها ما يشاء بعيداً عن هدي الإسلام؛ لذلك عُدَّ إنزال الضرر في النفس والانتحار من أكبر الكبائر التي يجازي الله عليها بالعذاب الأليم، وهذا المعنى نجده في قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء)، وقال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتَلون). وهذا شراء ما يملك سبحانه وتعالى - خاص بالمؤمنين - إمعاناً في الكرم والجود والفضل، وترغيباً بالجهاد والاستشهاد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعزي أحداً في مصابه، يقول له: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى). وبالتالي ليس للإنسان أن يعترض على أخذ شيء منه هو لا يملكه، وإنما ملكه لغيره؛ وهو الله سبحانه وتعالى.
هذه هي الديمقراطية باختصار...
وبناء على ما تقدم:
فإننا نقول جازمين غير مترددين ولا شاكين في أن الديمقراطية حكمها في دين الله تعالى هو الكفر البواح الذي لا يخفى إلا على كل أعمى البصر والبصيرة. وأن من اعتقدها، أو دعى إليها، أو أقرها ورضيها، أو حسَّنها - على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية الآنفة الذكر - من غير مانع شرعي معتبر، فهو كافر مرتد عن دينه وإن تسمى بأسماء المسلمين، وزعم زوراً أنه من المسلمين المؤمنين، فالإسلام وحال هذا وصفه لا يجتمعان في دين الله أبداً.
أما من كان يقول بالديمقراطية جاهلاً للمعاني والأسس والمبادئ - الآنفة الذكر - التي تقوم عليها الديمقراطية، فمثل هذا نرى الإمساك عن تكفيره بعينه، مع بقاء القول بكفر قوله، إلى أن تقوم عليه الحجة الشرعية التي تبين له كفر الديمقراطية، ومناقضتها لدين الله تعالى، لأن الديمقراطية من المصطلحات والمفاهيم المستحدثة والمشكلة على كثير من الناس، التي يمكن أن يعذر فيها بالجهل إلى أن تقوم الحجة الشرعية التي بها يندفع جهل الجاهل.
وكذلك الذي يقول بالديمقراطية وهو لا يريد المعاني والأسس الآنفة الذكر، وإنما يستخدمها كمصطلح يريد بها الشورى، أو حرية التعبير والإفصاح عن الكلمة البناءة، أو رفع القيود والرقابة التي تمنع الناس من ممارسة حقوقهم الشرعية والأساسية في الحياة، وغير ذلك من التأويلات والتفسيرات الفاسدة التي لا تحتملها الديمقراطية أساساً، فمثل هذا - رغم خطئه - إلا أنه لا يكفر، ولا ينبغي أن يُكفَّر.. هذا ما يقتضيه العدل والإنصاف، وتلزم به قواعد الدين وأصوله.
أما حكم الإسلام في العمل النيابي والنواب:
فإننا نقول: إن العمل النيابي - للمزالق العقدية والشرعية التي لا يمكن تفاديها - هو كفر بواح بدين الله تعالى، ولا يجوز القول بخلاف ذلك.
أما النواب أنفسهم الذين سلكوا هذا النفق المظلم، فإننا نقول فيهم: من غلبت منهم شبها ته، وتأويلاته، وأدلته، مزالقه وأخطاءه، فمثل هذا نرى فيه أن يمسك عن تكفيره بعينه - مع بقاء القول بكفر فعله ومسلكه - إلى أن تقوم عليه الحجة الشرعية التي تدفع عنه ما وقع فيه من مخالفات وجهالات.
أما من غلبت مزالقه وأخطاؤه، شبهاته وتأويلاته وأدلته، فمثل هذا، القول فيه: أنه يكفر بعينه لانتفاء موانع التكفير عنه، وتحقق شروطه فيه، والله تعالى أعلم.
هذه هي الديمقراطية، وهذا هو حكمها، وحكم القائل والعامل بها.. فهل أنتم منتهون، فهل أنتم منتهون؟
اللهم إني قد بلَّغت فاشهد.
[عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير | 11/ 2/ 1999م]
إلى الذين لا يزالون يعتبرون الاختلاف على الديمقراطية هو اختلاف في الوسائل والفرعيات التي لا تمس الأصول والاعتقاد!!
إلى دعاة الترقيع، والتقميش، والتوفيق!!
إلى الذين لا يزالون يتذرعون بجهل حقيقة الديمقراطية!!
إلى الذين يُلبسون الديمقراطية - زوراً وبهتاناً - ثوب الشورى والإسلام!!
إلى الذين يرون في الديمقراطية الحل الأمثل لمشكلات الإسلام والمسلمين!!
إلى الذين يروجون للديمقراطية، ويدعون لها، ثم يزعمون بعد ذلك أ نهم مسلمون!
إلى هؤلاء وغيرهم نقول:
الديمقراطية؛ تعني حكم الشعب، واختيار الشعب، والاحتكام إلى الشعب؛ فلا تعلو سيادة الشعب سيادة، ولا إرادته إرادة بما في ذلك إرادة الله، التي لا اعتبار لها وليست لها أيَّة قيمة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين..
الديمقراطية؛ تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله، ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين..
وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع - من جهة التشريع - هو الإنسان وليس الله جلَّ في علاه.. وهذا مغاير ومناقض لأصول الدين والتوحيد، يدل على ذلك قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه). وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا)، وقوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)، وقوله تعالى:(و إن أطعتموهم إنكم لمشركون). أي لأن عبدتموهم من جهة طاعتكم إياهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، فإنكم لعابدون لهم من دون الله؛ لأن الشرك لا يطلق في القرآن أو السنة إلا لنوع عبادة تصرف لغير الله عز وجل.
وكذلك قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)، فهم أرباب من دون الله لماَّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم وسن القوانين من دون الله تعالى.
الديمقراطية؛ تعني رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب، وليس إلى الله والرسول.. وهذا مغاير ومناقض لقوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، بينما الديمقراطية تقول: فحكمه إلى الشعب، وليس غير الشعب!
وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فجعل الله عز وجل من لوازم الإيمان رد النزاع - أي نزاع - إلى الله والرسول؛ أي إلى الكتاب والسنة.
الديمقراطية؛ تعني مبدأ حرية الاعتقاد والتدين؛ فللمرء - في حكم الديمقراطية - أن يعتقد ما يشاء، ويتدين بالدين الذي يشاء، ووقت يشاء، ولو أراد أن يرتد من الإيمان إلى الكفر والإلحاد فلا راد له ولا مُعيب عليه.
أما حكم الإسلام فهو على نقيض ذلك، وهويتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وليس فاتركوه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة..)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له..).
ومعلوم أن الإسلام انتهى حكمه في أهل الكتاب إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية وهم صاغرون، وإما القتل والقتال. أما عبدة الأوثان من مشركي العرب وغيرهم فليس لهم إلا الإسلام أو القتل والقتال.
وكذلك يوم نزول عيسى عليه السلام - كما دلت على ذلك السنة - فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويسقط الجزية، ولا يقبل من مخالفيه - بما فيهم أهل الكتاب - إلا الإسلام، أو القتل والقتال.
على ضوء هذه الحقائق والنصوص، وغيرها من النصوص الشرعية ذات العلاقة بالمسألة يجب أن يفهم قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).
الديمقراطية؛ تعني مبدأ حرية التعبير والإفصاح، أيَّاً كانت صفة هذا التعبير؛ ولو كان شتماً لله ولرسوله، وطعناً في الدين، إذ لايوجد في الديمقراطية شيء مقدس يحرم الخوض فيه أو التطاول عليه بقبيح القول.. وأي إنكار على ذلك يعني إنكار على النظام الديمقراطي برمته، ويعني تحجيم الحريات المقدسة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين.
وهذا عين الكفر في دين الله؛ إذ لا حرية في الإسلام لكلمة الكفر والشرك، للكلمة التي تفسد ولا تصلح، وتدمر ولا تبني، وتفرق ولا توحد.
قال تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، وقال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وهذه آيات نزلت في نفرٍ قالوا وهم في طريقهم إلى غزوة تبوك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء.. فكفروا بذلك بعد أن كانوا مؤمنين.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار).
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: (هذا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين فخذيه دخل الجنة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
فأين الديمقراطية من هذا الأدب الرفيع الذي جاء به ديننا الحنيف؟
الديمقراطية؛ - يا قوم - تعني العلمانية بكل أبعادها؛ حيث تقوم على مبدأ فصل الدين - أي دين - عن الدولة والحياة، فالله تعالى ليس له في نظر الديمقراطية سوى الزوايا، والمساجد، والكنائس والمعابد شريطة أن لا يكره أحد على دخول هذه الأماكن، وما سوى ذلك من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها فهي ليست من خصوصياته، وإنما هي من خصوصيات الشعب وحده.. وللشعب كذلك صلاحيات التدخل في شؤون والمساجد لو اقتضت الضرورة ذلك..
(فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون)، وقال تعالى: (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً أليما).
(أولئك هم الكافرون حقاً) هو حكم كل ديمقراطي علماني يفصل الدين عن الدولة والسياسة، وشؤون الحياة.. وإن زعم بلسانه - ألف مرة - أنه من المسلمين المؤمنين.
الديمقراطية؛ تعني مبدأ الحرية الشخصية للفرد، فالمرء له - في ظل الديمقراطية - أن يفعل ما يشاء، من الموبقات والفواحش والمنكرات.. من غير حسيب ولا رقيب!
والإباحية التي عرفت بها فرق الزندقة عبر التاريخ، ماذا تعني غير ذلك؟!
الديمقراطية؛ تعني أن الذي يختاره الشعب هو الذي يحكم البلاد والعباد، ولو كان المختار كافراً زنديقاً مرتداً عن دين الله..
وهذا مناقض لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).
وهو كذلك مناقض لإجماع الأمة على أن الكافر لاتجوز له ولاية على المسلمين ولا على بلادهم..
الديمقراطية؛ تعني مساواة الناس جميعاً في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتمائهم العقدي الديني، وسيرتهم الذاتية الأخلاقية؛ حيث أن أكفر وأفجر وأجهل الناس يتساوى مع أتقى وأعلم وأصلح الناس في تقرير أهم القضايا وأخطرها، وهي من يحكم البلاد والعباد!
وهذا مناقض لقوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون)، وقال تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)، وقال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)؟
في دين الله لا يستوون، بينما في دين الديمقراطية نعم يستوون!!
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ حرية تشكيل التكتلات والأحزاب السياسية وغير السياسية، أيَّاً كانت عقيدة وأفكار ومناهج هذه الأحزاب، ومهما كثر تعدادها، ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وفسادها بين البلاد والعباد..
وهذا يعني - من منظور الشرع - الإقرار طواعية بشرعية وحرية الكفر والشرك، والارتداد والإفساد.. وهو مناقض لما يجب القيام به نحو الكفر والمنكر من تغيير وإنكار، كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله).
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). أي لا مناص من إنكار المنكر وتغييره ولو في القلب عند حصول العجز عن إنكاره باليد أو اللسان، أما أن يمتد التعامل مع المنكر إلى حد الرضى به أو المطالبة فهو عين الكفر البواح، وهذا الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، أي ليس وراء إنكار القلب سوى الرضى، والرضى بالكفر كفر ينفي مطلق الإيمان عن صاحبه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة، كما في صحيح البخاري وغيره، وفيه: (فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).
وهذا مثل الديمقراطية، فهي تقول - بكل وقاحة ووضوح -: دع للأحزاب حريتها أن تخرق السفينة ليغرقوها بمن فيها من الأنفس والحرمات، بمعاولهم الهدامة.
ثم إذا كان مجرد ترك الأحزاب الباطلة - المنكر الأكبر - من دون أن ننكر عليها أو نأخذ على أيديها بالزجر والإنكار والمنع مؤداه إلى هلاك المجتمعات بما فيها من المسلمين، فما يكون القول فيما لو اعترفنا طوعاً بشرعيتها وحريتها في أن تفعل ما تشاء وتريد؟!
وهو - أي الاعتراف بشرعية الأحزاب الباطلة - كذلك فإن مؤداه إلى تفريق الأمة، وإضعاف شوكتها، وتشتيت ولاءاتها وانتماءاتها في أحزاب شيطانية متناحرة متباغضة، متنافرة ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذا مناقض لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أ بعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة).
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ اعتبار وإقرار موقف ورأي الأكثرية، مهما كان نوع هذه الأكثرية، وأيَّاً كان موقف هذه الأكثرية، هل وافقت الحق أم لا، فالحق في نظر الديمقراطية والديمقراطيين هو ما تجتمع عليه الأكثرية ولو اجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح!
بينما الحق المطلق - في نظر الإسلام - الذي يجب التزامه والعض عليه بالنواجذ - ولو فارقك جماهير الناس - هو الحق المسطور في الكتاب والسنة. فالحق ما وافق وطابق ما في الكتاب والسنة وإن اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك، والباطل ما حكم عليه الكتاب والسنة بالبطلان ولو اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك. فالحكم لله وحده، وليس للبشر أو الأكثرية.
قال تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون).
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد). فأين موقع هذا النبي ومعه الرجل الواحد في ميزان أكثرية الديمقراطية؟!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون: (جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك).
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: (اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض) انتهى.
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ الاختيار والتصويت، حيث كل شيء مهما سمت قداسته أو قلَّت يجب أن يخضع لعملية التصويت والاختيار، ولو كان المصوت عليه هو شرع الله سبحانه وتعالى..
وهذا مناقض للخضوع والانقياد، والاستسلام التام، والرضى المنافي لأدنى تعقيب أو تقديم أو اعتراض، الذي يجب على العبد نحو ربه سبحانه وتعالى، والذي لا يستقيم للعبد دين ولا إيمان إلا بذلك، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
فإذا كان مجرد رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم مؤداه إلى حبوط الأعمال، ولا يحبط الأعمال إلا الكفر والشرك، فما يكون القول فيمن يرفع حكمه أو قوله فوق حكم وقول النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك أنه أولى في الكفر والارتداد، وأن يحبط عمله كل عمله.
وقال تعالى: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
بينما الديمقراطية تقول: نعم لهم أن يختاروا وأن يعقبوا، ويرفضوا!!
وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
الديمقراطية؛ تقوم على نظرية أن المالك الحقيقي للمال هو الإنسان؛ وبالتالي فله أن يكتسب المال بالطرق التي يشاء، كما ينفق ماله بالطرق التي يشاء ويهوى، وإن كانت هذه الطرق محرمة ومحظورة في دين الله، وهذا مايسمونه بالنظام الرأسمالي الحر.
وهذا بخلاف ما عليه الإسلام الذي يقرر أن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان مستخلف عليه، وهو مسؤول عنه أمام الله تعالى: كيف اكتسبه، وفيما أنفقه.
فالإنسان في الإسلام كما ليس له أن يكسب ماله بالحرام والطرق غير المشروعة، كالربا، والرشوة، والسحت والمتاجرة فيما هو حرام وغير ذلك، كذلك لا يجوز له أن ينفق ماله في الحرام والطرق الغير مشروعة، بل إن الإنسان في الإسلام لا يملك نفسه في أن يفعل بها ما يشاء بعيداً عن هدي الإسلام؛ لذلك عُدَّ إنزال الضرر في النفس والانتحار من أكبر الكبائر التي يجازي الله عليها بالعذاب الأليم، وهذا المعنى نجده في قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء)، وقال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتَلون). وهذا شراء ما يملك سبحانه وتعالى - خاص بالمؤمنين - إمعاناً في الكرم والجود والفضل، وترغيباً بالجهاد والاستشهاد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعزي أحداً في مصابه، يقول له: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى). وبالتالي ليس للإنسان أن يعترض على أخذ شيء منه هو لا يملكه، وإنما ملكه لغيره؛ وهو الله سبحانه وتعالى.
هذه هي الديمقراطية باختصار...
وبناء على ما تقدم:
فإننا نقول جازمين غير مترددين ولا شاكين في أن الديمقراطية حكمها في دين الله تعالى هو الكفر البواح الذي لا يخفى إلا على كل أعمى البصر والبصيرة. وأن من اعتقدها، أو دعى إليها، أو أقرها ورضيها، أو حسَّنها - على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية الآنفة الذكر - من غير مانع شرعي معتبر، فهو كافر مرتد عن دينه وإن تسمى بأسماء المسلمين، وزعم زوراً أنه من المسلمين المؤمنين، فالإسلام وحال هذا وصفه لا يجتمعان في دين الله أبداً.
أما من كان يقول بالديمقراطية جاهلاً للمعاني والأسس والمبادئ - الآنفة الذكر - التي تقوم عليها الديمقراطية، فمثل هذا نرى الإمساك عن تكفيره بعينه، مع بقاء القول بكفر قوله، إلى أن تقوم عليه الحجة الشرعية التي تبين له كفر الديمقراطية، ومناقضتها لدين الله تعالى، لأن الديمقراطية من المصطلحات والمفاهيم المستحدثة والمشكلة على كثير من الناس، التي يمكن أن يعذر فيها بالجهل إلى أن تقوم الحجة الشرعية التي بها يندفع جهل الجاهل.
وكذلك الذي يقول بالديمقراطية وهو لا يريد المعاني والأسس الآنفة الذكر، وإنما يستخدمها كمصطلح يريد بها الشورى، أو حرية التعبير والإفصاح عن الكلمة البناءة، أو رفع القيود والرقابة التي تمنع الناس من ممارسة حقوقهم الشرعية والأساسية في الحياة، وغير ذلك من التأويلات والتفسيرات الفاسدة التي لا تحتملها الديمقراطية أساساً، فمثل هذا - رغم خطئه - إلا أنه لا يكفر، ولا ينبغي أن يُكفَّر.. هذا ما يقتضيه العدل والإنصاف، وتلزم به قواعد الدين وأصوله.
أما حكم الإسلام في العمل النيابي والنواب:
فإننا نقول: إن العمل النيابي - للمزالق العقدية والشرعية التي لا يمكن تفاديها - هو كفر بواح بدين الله تعالى، ولا يجوز القول بخلاف ذلك.
أما النواب أنفسهم الذين سلكوا هذا النفق المظلم، فإننا نقول فيهم: من غلبت منهم شبها ته، وتأويلاته، وأدلته، مزالقه وأخطاءه، فمثل هذا نرى فيه أن يمسك عن تكفيره بعينه - مع بقاء القول بكفر فعله ومسلكه - إلى أن تقوم عليه الحجة الشرعية التي تدفع عنه ما وقع فيه من مخالفات وجهالات.
أما من غلبت مزالقه وأخطاؤه، شبهاته وتأويلاته وأدلته، فمثل هذا، القول فيه: أنه يكفر بعينه لانتفاء موانع التكفير عنه، وتحقق شروطه فيه، والله تعالى أعلم.
هذه هي الديمقراطية، وهذا هو حكمها، وحكم القائل والعامل بها.. فهل أنتم منتهون، فهل أنتم منتهون؟
اللهم إني قد بلَّغت فاشهد.
[عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير | 11/ 2/ 1999م]