بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد...
الذي حملني على تسجيل هذه الكلمة حول الدستور العراقي، أمران:
أولهما: توجه عدد من الناس بسؤالي عن مدى شرعية هذا الدستور ومدى تطابقه لمبادئ وقيم وتعاليم الإسلام.
ثانياً: رغم أهمية الحدث، وأثره البليغ على العراق شعباً وبلداً، وعلى العرب والمسلمين خارج العراق، إلا أنني - إلى ساعة كتابة هذه الكلمات - لم نسمع عن عالم من علماء المسلمين الرسميين - من خارج العراق - من أنصف هذا الدستور أو تكلم عنه، أو أشار إليه - وكأن الأمر لا يعنيهم، وأن العراق ليس عراقهم، وأن المسلمين في ذلك البلد العريق المبتلى ليسوا إخوانهم.
سوى القرضاوي! - كما في الحلقة المذاعة في قناة الجزيرة بعنوان مشروعية الدستور، وحكم الاستفتاء عليه - حيث أثنى على الدستور ومواده بعبارات الإطراء والمديح والإعجاب، وبارك ما فيه من باطل وكفر، فضلَّ بذلك وأضل، وأعان الغزاة المعتدين وعملاءهم على العراق ومسلمي العراق، فزاد الأمر سوءاً وتشوشاً، حتى قلنا ليته سكت؛ لأن يكون شيطاناً أخرس خير له من أن يكون شيطاناً ناطقاً بالباطل والزور!
لذا وجدت نفسي ملزماً شرعاً بأن أخط هذه الكلمات، وأن أجيب عما سُئلت عنه، مستعيناً بالله تعالى ومتوكلاً عليه.
وأنا هنا لا أرد على الدستور ومواده مادة مادة أو كلمة كلمة، كما لا أتناول جميع المآخذ عليه بشيء من التوسع أو التفصيل، فهذا يطول، لا نملك الوقت لأجله، ثم لا حاجة إليه، وإنما أكتفي فقط بالإشارة إلى بعض أبرز ما يؤخذ عليه على وجه الإجمال، وبما يُحقق الغرض، ويُغني عما سواه.
أبرز هذه المآخذ نلخصها في النقاط التالية:
أولاً:
من المآخذ التي تؤخذ على الدستور العراقي أنه يُغيِّب مبدأ وعقيدة أن الحكم لله تعالى وحده لا شريك له، وهو يجعل خاصية التشريع، والتحليل والتحريم، والتقبيح والتحسين، والحكم على الأشياء، للإنسان بصور شتى ومتعددة، فالله تعالى - وفق دستورهم - ليس له الخلق والأمر، كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف: 54. وإنما له الخلق وحسب، بينما الأمر والحكم والتشريع فهو للعبد المخلوق، وكذلك الكلمة المطلقة، والسيادة العليا - التي لا تعلوها سيادة - فهي للعبد المخلوق!
الله تعالى - كما يقولون في دستورهم - ليس إلهاً في السماء والأرض، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} الزخرف: 84. وإنما هو إله في السماء وحسب، بينما الإله في الأرض هو العبد المخلوق، هو الطاغوت!
وإليك أيها القارئ بعض كلمات القوم - الدالة على هذا المعنى الكفري والباطل - كما في دستورهم، حيث قالوا في مقدمة الدستور: (نحن شعب العراق الذي آلى على نفسه بكل مكوناته وأطيافه، أن يَسُنَّ من منظومة القيم والمثل العليا لرسالات السماء، ومن مستجدات علمِ وحضارات الإنسان هذا الدستور الدائم) اهـ.
لا يكفيهم أن يسنوا دستورهم من القيم والمثل العليا لرسالة الإسلام السماوية، فهذا لا يكفيهم، ولا يرضي أسيادهم، والإسلام أنقص من ذلك، لذا لا بد من أن يُشركوا مع رسالة الإسلام الرسالات الأخرى - على ما اعتراها من تحريف وتشويه - التوراتية اليهودية، والإنجيلية النصرانية، وهذا أيضاً لا يكفي إذ لا بد من أن يُشركوا مع الرسائل السماوية، حثالة الأفكار والقيم والأهواء التي توصل إليها الإنسان بعيداً عن هدي السماء!
إذا ذُكر الله وحده، إذا ذُكر الإسلام وحده، اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة من الكافرين والمنافقين، وإذا ذُكر الشركاء والأنداد فإذا هم يستبشرون ويفرحون، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر: 45. وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} الصافات: 35.
فدستورهم - على قولهم - هو دستور مأخوذ من الإسلام، واليهودية، والنصرانية، ومن شرائع شتى من صنع الإنسان وأهوائه، وهو نفس المعنى والمحتوى الذي أشار إليه المفسر ابن كثير عندما أشار إلى كفر " ياسق التتار " كما في تفسيره لقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة: 50.
حيث قال: (يُنكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرِّ، وعدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق؛ وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكِّم سواه في قليل ولا كثير) اهـ.
قالوا في دستورهم: (جمهورية العراق دولة مستقلة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي، لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور، الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يُعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء، لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه، تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، يختص مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية، تصدر القوانين والأحكام باسم الشعب) اهـ.
وغيرها من المواد التي تقرر ألوهية المخلوق على المخلوق، وعبودية المخلوق للمخلوق، وأن خاصية التشريع والتحليل والتحريم، والحظر والمنع مقصورة على المخلوق، دون الخالق سبحانه وتعالى!
بل أفادت مواد الدستور الآنفة الذكر أعلاه، أن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية الإباحية، ولو كان هذا القانون مستمداً من القرآن والسنة، فهو رد ومرفوض، وهذا يعني أن أمريكا راعية الديمقراطية، وحاميتها، يحق لها أن تتدخل في كل شاردة وواردة من شؤون العراق، تحت عنوان أن هذه الشاردة أو الواردة تتعارض مع دين الديمقراطية ومبادئها التي تسهر أمريكا على تطبيقها وتصديرها، وهذا كله يتم باسم الدستور، وباسم العمل بمواد الدستور!
فإن قيل علام تجاهلت قولهم في الدستور: (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام)؟!
أقول: هذا القانون وضع من قبيل المجاملة، والمخادعة لمسلمي العراق، وهو محاط بجملة من القوانين الناسخة والمقيدة التي تفقد هذا القانون أي مدلول أو معنى مؤثر، وهم كمن يقول بالشيء وضده في آنٍ واحد؛ من هذه القوانين قولهم: (لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور)؛ أي أن الحكَمَ على القوانين التي تصدر هو: ثوابت الإسلام، والديمقراطية، والحريات التي يقررها هذا الدستور، والدستور ذاته الذي قالوا عنه وبكل وضوح - على ما فيه من كفر وباطل – أنه (يُعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق)؛ أي أنه أعلى وأسمى من كتاب الله تعالى، ومن حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا عين الكفر البواح!
فالذي يحكم على الأشياء والقوانين - وفق دستورهم - أربعة شركاء: الله الذي شرع الإسلام، والديمقراطية وأربابها ومشرعيها وأهواؤهم، والحريات التي قررها الدستور، والدستور ذاته، وهذا عين الكفر والشرك، قال تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} الكهف: 26. وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف: 40. وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} الأنعام: 57. وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {هُمُ الظَّالِمُونَ} {هُمُ الْفَاسِقُونَ} المائدة: 44-47.
ونقول كذلك: ما هي هذه الثوابت، ومن يحددها، السنة أم الشيعة، وهل سبق أن حددوها واتفقوا عليها، حتى يُعرف القانون الذي يتعارض مع ثوابت الإسلام مما سواه، فمن يقول عن حكم أنه من ثوابت هذا الدين قد يُقابله عشرة يقولون له: لا، هذا ليس من الثوابت، فهلاَّ حسموا أمرهم أولاً فحددوا الثوابت من الدين مما سواها، لو كانوا صادقين!
وإذا كانت قضية حاكمية الله تعالى التي ينقضونها ويردونها في جميع مواد دستورهم، ليست من ثوابت الدين، فماذا سيكون من الثوابت؟!
ثم هل الحرمة والقدسية فقط للثوابت من الدين من دون فروعه، وأحكامه الفرعية؛ بمعنى لو سُنَّت قوانين تتعارض مع فروع أحكام الإسلام فلا حرج من ذلك، بخلاف الثوابت؟!
كل هذه الاعتراضات والأسئلة تدل على كذب القوم، وأنهم ما وضعوا هذه المادة (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام)، إلا من قبيل الخداع، واسترضاء المغفلين!
ثانياً:
من المآخذ التي تؤخذ كذلك على هذا الدستور، تغييب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام؛ فالذي يُوالى ويُعادَى فيه، ليس الله، وإنما الوطن وحدود الوطن - وفق أهوائهم وتقسيماتهم الباطلة - بغض النظر عمن ينتمي لهذا الوطن، وبعيداً عن ميزان واعتبار التقوى، وأيهم أحسن عملاً، ولو كان هذا الذي ينتمي للوطن، من أكفر، وأفجر، وأفسق، وأشر الناس!
والله تعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} القلم: 35-36. بينما الدستور العراقي يقول: بل يستوون، والمجرمون يعلون على المسلمين درجة!
وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة: 22.
وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الممتحنة: 4. وغيرها كثير من النصوص التي تبين وبكامل الوضوح أن الموالاة مقطوعة بين المسلمين والمجرمين الملحدين الذين يُحادُّون الله ورسولَه، ولو كانوا من أولي القربى، أو العشيرة والقبيلة، أو الوطن، وهذا الذي تجاهله دستورهم تجاهلاً صريحاً، ليقرر عكسه وضده!
ثالثاً:
تغييب الهوية العربية للعراق أو إضعافها، وتغييب اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للدولة والمجتمع، وإبراز النزعات والعصبيات القومية الأخرى وثقافاتها ولغاتها، على قلة أهلها!
يظهر ذلك جلياً في قولهم كما في دستورهم: (العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم بلغة الأم كالتركمانية أو السريانية الأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفق الضوابط التربوية، أو بأي لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة، إصدار الجريدة الرسمية باللغتين - أي العربية والكردية -، التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأي من اللغتين، الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بهما، فتح مدارس باللغتين على وفق الضوابط التربوية، اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الإدارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية، لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام) اهـ. وغيرها من المواد التي تُغيب انتماء العراق العربي، وانتمائه للغة العربية، لغة القرآن الكريم!
فبعد أن سلخوا العراق من هويته الإسلامية، ومن انتمائه إلى الإسلام، وأصبغوه بالصبغة العلمانية البحتة، فهاهم يسلخونه - باسم الدستور - من هويته العربية، ومن انتمائه العربي، فلا العربية، ولا الإسلام، بقي للعراق، فأي عراق هذا من دون إسلام، ولا هوية عربية [1]!
لماذا كل هذا، وما الغاية منه، ومن المستفيد من ذلك، هل فعلاً مرادهم إنصاف الأقليات كما زعموا، وهل هكذا يكون الإنصاف، وهل هذا الذي تحتاجه الأقليات، هذه أسئلة لا بد من أن نجيب عنها ليفهم القارئ مراد القوم من وراء هذا الإصرار في سلخ العراق عن انتمائه وتاريخه العربيين!
أما عن الغاية من وراء ذلك كله:
1) تجهيل المسلمين العراقيين - بكل قومياتهم - باللغة العربية، ليتحقق لهم الجهل المطبق بالقرآن الكريم ولغته وتعاليمه ومبادئه، وبالتالي ليسهل على طواغيت الكفر غزو عقول المسلمين بالفكر والأهواء والتوجهات الباطلة التي يريدونها، وبالتالي غزو بلادهم ونهب ثرواتهم!
فالعاصم من كل انحراف هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمرء عندما يجهل لغة القرآن الكريم ولغة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تؤمن عليه فتنة الانحراف، والانزلاق وراء التيارات الباطلة المنحرفة!
حاول الغزاة الصليبيون المستعمرون - في العقود القليلة الماضية - السيطرة المباشرة على بلاد المسلمين وعلى ثرواتها، فكان العاصم والمانع من ذلك كله هو كتاب الله، ولجوء المسلمين وأبنائهم إلى تعلم كتاب الله وتلاوته، ولكن إن جهلوا لغة القرآن، ووضعت بينهم وبينه حواجز الجهل، والعصبيات القومية، فكيف ينفرون إليه ويستعصمون به، ويعرفون له قدراً، وهم يجهلون لغته ومعانيه ودلالاته، فالمرء عدو ما يجهل!
2) سلخ الجيل المعاصر، عن تاريخه، وعن ثقافته ومرجعيته وحضارته، وعن مثله الأعلى المتمثل في شخص النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشخص أصحابه الكرام كالخلفاء الأربعة وغيرهم من المهاجرين والأنصار، رضي الله تعالى عنهم أجمعين!
جيل يفقد الاعتزاز بهذه المرجعية الفريدة التي لا يعرف التاريخ مثيلاً لها في النبل والعظمة، والخِلال الحميدة، إضافة إلى جهله المركب بلغة القرآن الكريم، جيل ضعيف كغصنٍ مقطوع من شجرة، لا أصل له ولا قرار، لا يقوى على مواجهة التحديات، ولا مواجهة الغزو الخارجي المادي منه والمعنوي، وهذا الذي يريدونه ويخططون له من وراء دستورهم المشؤوم هذا!
3) زرع الفرقة والتنافر بين أبناء العراق، تحت ستار اعتداد وتعصب كل فريق لقوميته ولغته وثقافته، وهذه نتيجة مرضية للغزاة الصليبيين، فهي أولاً تُضعف العراق والعراقيين، وثانياً تُطيل من أمد بقاء الغزاة المستعمرين في البلاد، وتسهل عليهم التدخل في شؤون العراق وقتما يشاءون بحجة إنصاف قومية من أخرى، وحماية الأقليات، وعلى مبدأ - شعارهم القديم - فرق تَسُد!
4) التأكيد على تغييب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، وأثرها الكبير في ترابط وتماسك المجتمع المتعدد القوميات، والتي تجعل من المسلم أخاً للمسلم أياً كانت جنسيته أو قوميته أو لغته أو كان لونه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات: 10. وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71. أياً كانت لغة وجنسية وقومية هؤلاء المؤمنين والمؤمنات، فبعضهم أولياء بعض.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المسلمُ أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلمه "؛ أي لا يُسلمه للظلم والعدوان والقهر، فيخذله في المواطن التي يحتاج فيها إلى النصرة والعون، وغيرها كثير من النصوص الدالة على هذا المعنى العظيم الذي ينقمه منا الأعداء، ويحسدوننا عليه!
أما من المستفيد من هذه الحملة الشرسة والمنظمة - وفق قوانين الدستور ومواده - على العراق، وعلى تاريخه، ولغته، وهويته الإسلامية والعربية، هم ثلاثة فرقاء:
1) الغزاة الصليبيون المستعمرون ومعهم الصهاينة اليهود، الذين بدؤوا يجدون في العراق مرتعاً خصباً لهم ولأطماعهم، ومخططاتهم!
2) الصفويون الحاقدون من الشيعة الروافض الذين يدينون بالولاء والطاعة لقم وطهران، بلاد فارس، وعلى رأسهم الصفوي الفارسي الإيراني الرافضي السيستاني، إمامهم الذي لا تُرد له كلمة عند القوم!
3) الشيوعيون الملحدون، وغيرهم من العلمانيين الحاقدين، من أبناء القوميات المتواجدة على أرض العراق، الذين يكنون الحقد والكراهية لكل ما يمت للإسلام وحضارته بصلة!
هؤلاء هم المستفيدون وحسب، وما سواهم من الناس، العراق وأهله، فهم الخاسرون، والخاسرون جداً!
وهنا أجدني ملزماً في أن أوجه كلمة ونداء إلى أكراد العراق:
فأقول: أنتم بالإسلام كل شيء، لكم تاريخ، وحضارة، ومجد، تمتد جذوره مروراً بالبطل الفاتح قاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي، إلى أن تنتهي عند سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، بل وتتعدى ذلك مروراً بجميع الأنبياء والرسل إلى أن تصل إلى أبينا نبي الله تعالى آدم عليه السلام، فحضارة المسلم، هي حضارة جميع الأنبياء والرسل عبر تاريخهم المجيد الحافل بالعطاء، والجهاد.
أما من دون الإسلام، فأنتم لا شيء، لا تاريخ، ولا أصل، ولا حضارة، ولا ثقافة ولا قيم، فتاريخكم ومجدكم كله ينتهي عند الطبل - وليس البطل - الطاغية الملحد جلال الطالباني وأعوانه وأمثاله، الذي إذا ذُكر تُذكر معه الخيانة والعمالة، ويُذكر معه الكفر والجحود والغدر والظلم والإلحاد، وبئس التاريخ هذا التاريخ، وبئس المجد هذا المجد!
لا يستهوينكم هذا الطاغية الحقود إلى كفره وضلاله وفجوره وطغيانه، فيصدكم عن دين الله، وعن الصراط السوي، فتبوؤا بالخسران في الدنيا والآخرة، وخسران الآخرة أشد وأنكى!
لا تستهوينكم العصبية القومية الجاهلية، على أخوة الإسلام الرحبة الواسعة، قدركم أن تعيشوا إخواناً أعزاء مع إخوانكم من العرب المسلمين، فبأخوة الإسلام، تعيشون معهم إخواناً متحابين متآلفين متراصين متحدين، بعضكم أولياء بعض، وباختياركم للعصبية القومية المقيتة، على عقيدة الإسلام، وأخوة الإسلام، تكونون قد اخترتم الاستعداء، والفرقة والتناحر، وحفرتم بأنفسكم حقولاً مديدة بالعداوة والبغضاء وربما بالحروب قد تتوارثها الأجيال من بعد!
فإن وجد من العرب طاغية ظالم آثر التعصب القومي على عقيدة وأخوة الإسلام، ونالكم منه نوع ظلم، فلا يحملنكم ذلك على أن تفعلوا فعله وتتخلقوا بأخلاقه، فتقابلوا الخطأ بخطئٍ، والإجرام بإجرام، والظلم بظلم، والكفر بكفر، فالإسلام ينهى عن ذلك.
رابعاً:
من المآخذ كذلك التي تؤخذ على الدستور؛ تقسيم العراق وتقطيعه إلى دويلات وأقاليم متفرقة بحسب الانتماء الطائفي أو القومي، حيث كل أقليم يمتاز بصلاحيات وخصائص تزيد عن خصائص وصلاحيات الدولة المركزية المسماة بالاتحادية، تمكنه من الاستقلال التام وقت يشاء، حيث لكل أقليم حكومته، وموارده، وميزانيته، وقوانينه ودستوره والبرلمان الخاصة به، ولغته التي يرتضيها، كما هو مثبت في دستورهم من المادة 113 إلى المادة 118، وهذا لا شكَّ أنه يُعزز من فكرة تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وأقاليم متناحرة متفرقة، حيث في الشمال الأكراد ودولتهم، وفي الجنوب الشيعة الروافض ودولتهم، وفي الغرب وبغداد العرب السنة، يُشاركهم فيها وفي مواردها الفقيرة كل الطوائف والقوميات تحت عنوان الدولة الاتحادية، وهذا مطلب من مطالب السياسة الأمريكية التوسعية في المنطقة، التي تقوم على مبدأ فرِّق تسد، ومبدأ ضرب ومحاربة الإسلام في عقر داره، ومن خلال تقطيع أوصاله أكثر مما هو مُقطَّع ومجزَّأ.
خامساً:
رغم أن الدستور نص - وفي مواضع عدة - على مطلق حرية الأديان والمذاهب والمعتقدات بدون قيد أو شرط بما في ذلك عبادة الشيطان لمن يشاء، وحرية الارتداد عن الدين لمن يشاء، إلا أن ذلك لم يرض الشيعة الروافض؛ إذ لا بد من أن ينص الدستور تحديداً على قدسية مقاماتهم وقبورهم وعتباتهم، وشركياتهم كما في المادة (10): (العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها).
وفي المادة (40-41) قالوا: (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة، أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينيَّة، وإدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية).
هذا الذي يهم أحبار ورهبان الشيعة الروافض، ضاعت العراق، وضاعت ثرواته وخيراته، وضاعت هويته العربية والإسلامية، فهذا كله لا يهمهم ولا يقلقهم، المهم أن تسلم لهم المقامات والعتبات، وأن يضمنوا لأنفسهم حرية عبادتها من دون الله، وحرية جباية الأموال من المساكين والفقراء باسمها، واسم الخمس الذي يُعطى لهم - ظلماً وعدواناً - ويُنفق على شهواتهم وأهوائهم، صدق من قال أنهم من أخف وأسخف الناس عقلاً!
سادساً:
خلوُّ الدستور من مجرد الإشارة إلى حق العراقيين في المقاومة والجهاد من أجل تحرير العراق من الغزاة المستعمرين، بل على العكس نص وبوضوح على محاربة الجهاد والمجاهدين، وضرب جميع فصائل المقاومة تحت عنوان محاربة الإرهاب والإرهابيين، والتكفير والتكفيريين، كما في المادة (7): (يحظر كل كيان أو نهج يتبنى الإرهاب أو التكفير، أو يحرض عليه، أو يُمهد له، أو يمجده أو يروج له أو يبرره، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه).
فهم يعنون بالإرهاب والتكفير، المسلمين من أهل السنة، وبخاصة منهم المجاهدين، فهؤلاء لا حرية لهم، ولا مكان لهم في العراق!
ثم تأمَّل هذا التناقض العجيب، فللمرء في العراق - كما زعموا وفق دستورهم الشركي - حرية الكفر والارتداد والشرك، والإلحاد، وعبادة الشياطين، وأن يقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء، إلا أنه لا حرية لأحد في أن يحكم بالكفر على من حكم الله عليه بالكفر، والخروج من الإسلام؟!
ونحن نقول لهم: الكفر حكم شرعي؛ فمن وقع في الكفر - من غير مانع شرعي معتبر - كفرناه ولا بد عملاً بحكم الله ورسوله، فعلام من يزني يُقال له زانٍ، والذي يسرق يُقال له سارق، بينما من يكفر بالله ورسوله، ولا يرجو لله وقاراً، ولا لنبيه وأصحابه احتراماً، ويعبد آلهة مع الله، ويُظاهر الكافرين المجرمين على المسلمين، لا تريدون أن يُقال له كافر، وترهِّبُون وتهدِّدون من يكفره؟!
وبناءً على جميع ما تقدم من مآخذ ذكرناها في مقالنا هذا، أقول مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه:
هذا الدستور دستور كفري وشركي، يُقنِّن للشرك والكفر والإلحاد، وتدمير العراق وتمزيقه أرضاً وشعباً وثروة، وحضارة وثقافة وانتماء، قد أُعد بعناية من قبل الغزاة الصليبيين، بأقلام حلفائهم من الخونة والعملاء المحليين، لا يجوز التصويت عليه إلا بخيار واحد؛ وهو الرفض التام له، بهذا أفتي من استفتاني، وأراد السلامة لدينه وعقيدته، ونشد النجاة يوم القيامة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء: 88-89.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
16/8/1436 هـ
1) لا ينبغي للقارئ أن يفهم من كلامنا أعلاه أننا ندعو للتعصب القومي أو القومية العربية، التي تغيب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، فهذا معنى جاهلي، نبرأ إلى الله منه، فقد اهتدينا للبراء منه - بفضل الله تعالى - منذ أن وعينا أنفسنا على هذه الحياة، ولكن لما ارتبط الإسلام بالعرب وتاريخهم ولغتهم ارتباطاً وثيقاً بحيث إذا ذُكر أحدهما ذُكر الآخر ولا بد، وإذا غُيب أحدهما غُيب الآخر ولا بد، كان لتغييب هذا العنصر أثره البليغ والخطير على دين وثقافة وقيم وعقيدة المسلمين أياً كانت لغاتهم أو جنسياتهم أو قومياتهم، لذا لزم التنبيه والبيان!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد...
الذي حملني على تسجيل هذه الكلمة حول الدستور العراقي، أمران:
أولهما: توجه عدد من الناس بسؤالي عن مدى شرعية هذا الدستور ومدى تطابقه لمبادئ وقيم وتعاليم الإسلام.
ثانياً: رغم أهمية الحدث، وأثره البليغ على العراق شعباً وبلداً، وعلى العرب والمسلمين خارج العراق، إلا أنني - إلى ساعة كتابة هذه الكلمات - لم نسمع عن عالم من علماء المسلمين الرسميين - من خارج العراق - من أنصف هذا الدستور أو تكلم عنه، أو أشار إليه - وكأن الأمر لا يعنيهم، وأن العراق ليس عراقهم، وأن المسلمين في ذلك البلد العريق المبتلى ليسوا إخوانهم.
سوى القرضاوي! - كما في الحلقة المذاعة في قناة الجزيرة بعنوان مشروعية الدستور، وحكم الاستفتاء عليه - حيث أثنى على الدستور ومواده بعبارات الإطراء والمديح والإعجاب، وبارك ما فيه من باطل وكفر، فضلَّ بذلك وأضل، وأعان الغزاة المعتدين وعملاءهم على العراق ومسلمي العراق، فزاد الأمر سوءاً وتشوشاً، حتى قلنا ليته سكت؛ لأن يكون شيطاناً أخرس خير له من أن يكون شيطاناً ناطقاً بالباطل والزور!
لذا وجدت نفسي ملزماً شرعاً بأن أخط هذه الكلمات، وأن أجيب عما سُئلت عنه، مستعيناً بالله تعالى ومتوكلاً عليه.
وأنا هنا لا أرد على الدستور ومواده مادة مادة أو كلمة كلمة، كما لا أتناول جميع المآخذ عليه بشيء من التوسع أو التفصيل، فهذا يطول، لا نملك الوقت لأجله، ثم لا حاجة إليه، وإنما أكتفي فقط بالإشارة إلى بعض أبرز ما يؤخذ عليه على وجه الإجمال، وبما يُحقق الغرض، ويُغني عما سواه.
أبرز هذه المآخذ نلخصها في النقاط التالية:
أولاً:
من المآخذ التي تؤخذ على الدستور العراقي أنه يُغيِّب مبدأ وعقيدة أن الحكم لله تعالى وحده لا شريك له، وهو يجعل خاصية التشريع، والتحليل والتحريم، والتقبيح والتحسين، والحكم على الأشياء، للإنسان بصور شتى ومتعددة، فالله تعالى - وفق دستورهم - ليس له الخلق والأمر، كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف: 54. وإنما له الخلق وحسب، بينما الأمر والحكم والتشريع فهو للعبد المخلوق، وكذلك الكلمة المطلقة، والسيادة العليا - التي لا تعلوها سيادة - فهي للعبد المخلوق!
الله تعالى - كما يقولون في دستورهم - ليس إلهاً في السماء والأرض، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} الزخرف: 84. وإنما هو إله في السماء وحسب، بينما الإله في الأرض هو العبد المخلوق، هو الطاغوت!
وإليك أيها القارئ بعض كلمات القوم - الدالة على هذا المعنى الكفري والباطل - كما في دستورهم، حيث قالوا في مقدمة الدستور: (نحن شعب العراق الذي آلى على نفسه بكل مكوناته وأطيافه، أن يَسُنَّ من منظومة القيم والمثل العليا لرسالات السماء، ومن مستجدات علمِ وحضارات الإنسان هذا الدستور الدائم) اهـ.
لا يكفيهم أن يسنوا دستورهم من القيم والمثل العليا لرسالة الإسلام السماوية، فهذا لا يكفيهم، ولا يرضي أسيادهم، والإسلام أنقص من ذلك، لذا لا بد من أن يُشركوا مع رسالة الإسلام الرسالات الأخرى - على ما اعتراها من تحريف وتشويه - التوراتية اليهودية، والإنجيلية النصرانية، وهذا أيضاً لا يكفي إذ لا بد من أن يُشركوا مع الرسائل السماوية، حثالة الأفكار والقيم والأهواء التي توصل إليها الإنسان بعيداً عن هدي السماء!
إذا ذُكر الله وحده، إذا ذُكر الإسلام وحده، اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة من الكافرين والمنافقين، وإذا ذُكر الشركاء والأنداد فإذا هم يستبشرون ويفرحون، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر: 45. وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} الصافات: 35.
فدستورهم - على قولهم - هو دستور مأخوذ من الإسلام، واليهودية، والنصرانية، ومن شرائع شتى من صنع الإنسان وأهوائه، وهو نفس المعنى والمحتوى الذي أشار إليه المفسر ابن كثير عندما أشار إلى كفر " ياسق التتار " كما في تفسيره لقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة: 50.
حيث قال: (يُنكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرِّ، وعدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق؛ وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكِّم سواه في قليل ولا كثير) اهـ.
قالوا في دستورهم: (جمهورية العراق دولة مستقلة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي، لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور، الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يُعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء، لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه، تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، يختص مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية، تصدر القوانين والأحكام باسم الشعب) اهـ.
وغيرها من المواد التي تقرر ألوهية المخلوق على المخلوق، وعبودية المخلوق للمخلوق، وأن خاصية التشريع والتحليل والتحريم، والحظر والمنع مقصورة على المخلوق، دون الخالق سبحانه وتعالى!
بل أفادت مواد الدستور الآنفة الذكر أعلاه، أن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية الإباحية، ولو كان هذا القانون مستمداً من القرآن والسنة، فهو رد ومرفوض، وهذا يعني أن أمريكا راعية الديمقراطية، وحاميتها، يحق لها أن تتدخل في كل شاردة وواردة من شؤون العراق، تحت عنوان أن هذه الشاردة أو الواردة تتعارض مع دين الديمقراطية ومبادئها التي تسهر أمريكا على تطبيقها وتصديرها، وهذا كله يتم باسم الدستور، وباسم العمل بمواد الدستور!
فإن قيل علام تجاهلت قولهم في الدستور: (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام)؟!
أقول: هذا القانون وضع من قبيل المجاملة، والمخادعة لمسلمي العراق، وهو محاط بجملة من القوانين الناسخة والمقيدة التي تفقد هذا القانون أي مدلول أو معنى مؤثر، وهم كمن يقول بالشيء وضده في آنٍ واحد؛ من هذه القوانين قولهم: (لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور)؛ أي أن الحكَمَ على القوانين التي تصدر هو: ثوابت الإسلام، والديمقراطية، والحريات التي يقررها هذا الدستور، والدستور ذاته الذي قالوا عنه وبكل وضوح - على ما فيه من كفر وباطل – أنه (يُعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق)؛ أي أنه أعلى وأسمى من كتاب الله تعالى، ومن حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا عين الكفر البواح!
فالذي يحكم على الأشياء والقوانين - وفق دستورهم - أربعة شركاء: الله الذي شرع الإسلام، والديمقراطية وأربابها ومشرعيها وأهواؤهم، والحريات التي قررها الدستور، والدستور ذاته، وهذا عين الكفر والشرك، قال تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} الكهف: 26. وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف: 40. وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} الأنعام: 57. وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {هُمُ الظَّالِمُونَ} {هُمُ الْفَاسِقُونَ} المائدة: 44-47.
ونقول كذلك: ما هي هذه الثوابت، ومن يحددها، السنة أم الشيعة، وهل سبق أن حددوها واتفقوا عليها، حتى يُعرف القانون الذي يتعارض مع ثوابت الإسلام مما سواه، فمن يقول عن حكم أنه من ثوابت هذا الدين قد يُقابله عشرة يقولون له: لا، هذا ليس من الثوابت، فهلاَّ حسموا أمرهم أولاً فحددوا الثوابت من الدين مما سواها، لو كانوا صادقين!
وإذا كانت قضية حاكمية الله تعالى التي ينقضونها ويردونها في جميع مواد دستورهم، ليست من ثوابت الدين، فماذا سيكون من الثوابت؟!
ثم هل الحرمة والقدسية فقط للثوابت من الدين من دون فروعه، وأحكامه الفرعية؛ بمعنى لو سُنَّت قوانين تتعارض مع فروع أحكام الإسلام فلا حرج من ذلك، بخلاف الثوابت؟!
كل هذه الاعتراضات والأسئلة تدل على كذب القوم، وأنهم ما وضعوا هذه المادة (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام)، إلا من قبيل الخداع، واسترضاء المغفلين!
ثانياً:
من المآخذ التي تؤخذ كذلك على هذا الدستور، تغييب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام؛ فالذي يُوالى ويُعادَى فيه، ليس الله، وإنما الوطن وحدود الوطن - وفق أهوائهم وتقسيماتهم الباطلة - بغض النظر عمن ينتمي لهذا الوطن، وبعيداً عن ميزان واعتبار التقوى، وأيهم أحسن عملاً، ولو كان هذا الذي ينتمي للوطن، من أكفر، وأفجر، وأفسق، وأشر الناس!
والله تعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} القلم: 35-36. بينما الدستور العراقي يقول: بل يستوون، والمجرمون يعلون على المسلمين درجة!
وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة: 22.
وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الممتحنة: 4. وغيرها كثير من النصوص التي تبين وبكامل الوضوح أن الموالاة مقطوعة بين المسلمين والمجرمين الملحدين الذين يُحادُّون الله ورسولَه، ولو كانوا من أولي القربى، أو العشيرة والقبيلة، أو الوطن، وهذا الذي تجاهله دستورهم تجاهلاً صريحاً، ليقرر عكسه وضده!
ثالثاً:
تغييب الهوية العربية للعراق أو إضعافها، وتغييب اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للدولة والمجتمع، وإبراز النزعات والعصبيات القومية الأخرى وثقافاتها ولغاتها، على قلة أهلها!
يظهر ذلك جلياً في قولهم كما في دستورهم: (العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم بلغة الأم كالتركمانية أو السريانية الأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفق الضوابط التربوية، أو بأي لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة، إصدار الجريدة الرسمية باللغتين - أي العربية والكردية -، التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأي من اللغتين، الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بهما، فتح مدارس باللغتين على وفق الضوابط التربوية، اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الإدارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية، لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام) اهـ. وغيرها من المواد التي تُغيب انتماء العراق العربي، وانتمائه للغة العربية، لغة القرآن الكريم!
فبعد أن سلخوا العراق من هويته الإسلامية، ومن انتمائه إلى الإسلام، وأصبغوه بالصبغة العلمانية البحتة، فهاهم يسلخونه - باسم الدستور - من هويته العربية، ومن انتمائه العربي، فلا العربية، ولا الإسلام، بقي للعراق، فأي عراق هذا من دون إسلام، ولا هوية عربية [1]!
لماذا كل هذا، وما الغاية منه، ومن المستفيد من ذلك، هل فعلاً مرادهم إنصاف الأقليات كما زعموا، وهل هكذا يكون الإنصاف، وهل هذا الذي تحتاجه الأقليات، هذه أسئلة لا بد من أن نجيب عنها ليفهم القارئ مراد القوم من وراء هذا الإصرار في سلخ العراق عن انتمائه وتاريخه العربيين!
أما عن الغاية من وراء ذلك كله:
1) تجهيل المسلمين العراقيين - بكل قومياتهم - باللغة العربية، ليتحقق لهم الجهل المطبق بالقرآن الكريم ولغته وتعاليمه ومبادئه، وبالتالي ليسهل على طواغيت الكفر غزو عقول المسلمين بالفكر والأهواء والتوجهات الباطلة التي يريدونها، وبالتالي غزو بلادهم ونهب ثرواتهم!
فالعاصم من كل انحراف هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمرء عندما يجهل لغة القرآن الكريم ولغة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تؤمن عليه فتنة الانحراف، والانزلاق وراء التيارات الباطلة المنحرفة!
حاول الغزاة الصليبيون المستعمرون - في العقود القليلة الماضية - السيطرة المباشرة على بلاد المسلمين وعلى ثرواتها، فكان العاصم والمانع من ذلك كله هو كتاب الله، ولجوء المسلمين وأبنائهم إلى تعلم كتاب الله وتلاوته، ولكن إن جهلوا لغة القرآن، ووضعت بينهم وبينه حواجز الجهل، والعصبيات القومية، فكيف ينفرون إليه ويستعصمون به، ويعرفون له قدراً، وهم يجهلون لغته ومعانيه ودلالاته، فالمرء عدو ما يجهل!
2) سلخ الجيل المعاصر، عن تاريخه، وعن ثقافته ومرجعيته وحضارته، وعن مثله الأعلى المتمثل في شخص النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشخص أصحابه الكرام كالخلفاء الأربعة وغيرهم من المهاجرين والأنصار، رضي الله تعالى عنهم أجمعين!
جيل يفقد الاعتزاز بهذه المرجعية الفريدة التي لا يعرف التاريخ مثيلاً لها في النبل والعظمة، والخِلال الحميدة، إضافة إلى جهله المركب بلغة القرآن الكريم، جيل ضعيف كغصنٍ مقطوع من شجرة، لا أصل له ولا قرار، لا يقوى على مواجهة التحديات، ولا مواجهة الغزو الخارجي المادي منه والمعنوي، وهذا الذي يريدونه ويخططون له من وراء دستورهم المشؤوم هذا!
3) زرع الفرقة والتنافر بين أبناء العراق، تحت ستار اعتداد وتعصب كل فريق لقوميته ولغته وثقافته، وهذه نتيجة مرضية للغزاة الصليبيين، فهي أولاً تُضعف العراق والعراقيين، وثانياً تُطيل من أمد بقاء الغزاة المستعمرين في البلاد، وتسهل عليهم التدخل في شؤون العراق وقتما يشاءون بحجة إنصاف قومية من أخرى، وحماية الأقليات، وعلى مبدأ - شعارهم القديم - فرق تَسُد!
4) التأكيد على تغييب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، وأثرها الكبير في ترابط وتماسك المجتمع المتعدد القوميات، والتي تجعل من المسلم أخاً للمسلم أياً كانت جنسيته أو قوميته أو لغته أو كان لونه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات: 10. وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71. أياً كانت لغة وجنسية وقومية هؤلاء المؤمنين والمؤمنات، فبعضهم أولياء بعض.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المسلمُ أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلمه "؛ أي لا يُسلمه للظلم والعدوان والقهر، فيخذله في المواطن التي يحتاج فيها إلى النصرة والعون، وغيرها كثير من النصوص الدالة على هذا المعنى العظيم الذي ينقمه منا الأعداء، ويحسدوننا عليه!
أما من المستفيد من هذه الحملة الشرسة والمنظمة - وفق قوانين الدستور ومواده - على العراق، وعلى تاريخه، ولغته، وهويته الإسلامية والعربية، هم ثلاثة فرقاء:
1) الغزاة الصليبيون المستعمرون ومعهم الصهاينة اليهود، الذين بدؤوا يجدون في العراق مرتعاً خصباً لهم ولأطماعهم، ومخططاتهم!
2) الصفويون الحاقدون من الشيعة الروافض الذين يدينون بالولاء والطاعة لقم وطهران، بلاد فارس، وعلى رأسهم الصفوي الفارسي الإيراني الرافضي السيستاني، إمامهم الذي لا تُرد له كلمة عند القوم!
3) الشيوعيون الملحدون، وغيرهم من العلمانيين الحاقدين، من أبناء القوميات المتواجدة على أرض العراق، الذين يكنون الحقد والكراهية لكل ما يمت للإسلام وحضارته بصلة!
هؤلاء هم المستفيدون وحسب، وما سواهم من الناس، العراق وأهله، فهم الخاسرون، والخاسرون جداً!
وهنا أجدني ملزماً في أن أوجه كلمة ونداء إلى أكراد العراق:
فأقول: أنتم بالإسلام كل شيء، لكم تاريخ، وحضارة، ومجد، تمتد جذوره مروراً بالبطل الفاتح قاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي، إلى أن تنتهي عند سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، بل وتتعدى ذلك مروراً بجميع الأنبياء والرسل إلى أن تصل إلى أبينا نبي الله تعالى آدم عليه السلام، فحضارة المسلم، هي حضارة جميع الأنبياء والرسل عبر تاريخهم المجيد الحافل بالعطاء، والجهاد.
أما من دون الإسلام، فأنتم لا شيء، لا تاريخ، ولا أصل، ولا حضارة، ولا ثقافة ولا قيم، فتاريخكم ومجدكم كله ينتهي عند الطبل - وليس البطل - الطاغية الملحد جلال الطالباني وأعوانه وأمثاله، الذي إذا ذُكر تُذكر معه الخيانة والعمالة، ويُذكر معه الكفر والجحود والغدر والظلم والإلحاد، وبئس التاريخ هذا التاريخ، وبئس المجد هذا المجد!
لا يستهوينكم هذا الطاغية الحقود إلى كفره وضلاله وفجوره وطغيانه، فيصدكم عن دين الله، وعن الصراط السوي، فتبوؤا بالخسران في الدنيا والآخرة، وخسران الآخرة أشد وأنكى!
لا تستهوينكم العصبية القومية الجاهلية، على أخوة الإسلام الرحبة الواسعة، قدركم أن تعيشوا إخواناً أعزاء مع إخوانكم من العرب المسلمين، فبأخوة الإسلام، تعيشون معهم إخواناً متحابين متآلفين متراصين متحدين، بعضكم أولياء بعض، وباختياركم للعصبية القومية المقيتة، على عقيدة الإسلام، وأخوة الإسلام، تكونون قد اخترتم الاستعداء، والفرقة والتناحر، وحفرتم بأنفسكم حقولاً مديدة بالعداوة والبغضاء وربما بالحروب قد تتوارثها الأجيال من بعد!
فإن وجد من العرب طاغية ظالم آثر التعصب القومي على عقيدة وأخوة الإسلام، ونالكم منه نوع ظلم، فلا يحملنكم ذلك على أن تفعلوا فعله وتتخلقوا بأخلاقه، فتقابلوا الخطأ بخطئٍ، والإجرام بإجرام، والظلم بظلم، والكفر بكفر، فالإسلام ينهى عن ذلك.
رابعاً:
من المآخذ كذلك التي تؤخذ على الدستور؛ تقسيم العراق وتقطيعه إلى دويلات وأقاليم متفرقة بحسب الانتماء الطائفي أو القومي، حيث كل أقليم يمتاز بصلاحيات وخصائص تزيد عن خصائص وصلاحيات الدولة المركزية المسماة بالاتحادية، تمكنه من الاستقلال التام وقت يشاء، حيث لكل أقليم حكومته، وموارده، وميزانيته، وقوانينه ودستوره والبرلمان الخاصة به، ولغته التي يرتضيها، كما هو مثبت في دستورهم من المادة 113 إلى المادة 118، وهذا لا شكَّ أنه يُعزز من فكرة تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وأقاليم متناحرة متفرقة، حيث في الشمال الأكراد ودولتهم، وفي الجنوب الشيعة الروافض ودولتهم، وفي الغرب وبغداد العرب السنة، يُشاركهم فيها وفي مواردها الفقيرة كل الطوائف والقوميات تحت عنوان الدولة الاتحادية، وهذا مطلب من مطالب السياسة الأمريكية التوسعية في المنطقة، التي تقوم على مبدأ فرِّق تسد، ومبدأ ضرب ومحاربة الإسلام في عقر داره، ومن خلال تقطيع أوصاله أكثر مما هو مُقطَّع ومجزَّأ.
خامساً:
رغم أن الدستور نص - وفي مواضع عدة - على مطلق حرية الأديان والمذاهب والمعتقدات بدون قيد أو شرط بما في ذلك عبادة الشيطان لمن يشاء، وحرية الارتداد عن الدين لمن يشاء، إلا أن ذلك لم يرض الشيعة الروافض؛ إذ لا بد من أن ينص الدستور تحديداً على قدسية مقاماتهم وقبورهم وعتباتهم، وشركياتهم كما في المادة (10): (العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها).
وفي المادة (40-41) قالوا: (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة، أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينيَّة، وإدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية).
هذا الذي يهم أحبار ورهبان الشيعة الروافض، ضاعت العراق، وضاعت ثرواته وخيراته، وضاعت هويته العربية والإسلامية، فهذا كله لا يهمهم ولا يقلقهم، المهم أن تسلم لهم المقامات والعتبات، وأن يضمنوا لأنفسهم حرية عبادتها من دون الله، وحرية جباية الأموال من المساكين والفقراء باسمها، واسم الخمس الذي يُعطى لهم - ظلماً وعدواناً - ويُنفق على شهواتهم وأهوائهم، صدق من قال أنهم من أخف وأسخف الناس عقلاً!
سادساً:
خلوُّ الدستور من مجرد الإشارة إلى حق العراقيين في المقاومة والجهاد من أجل تحرير العراق من الغزاة المستعمرين، بل على العكس نص وبوضوح على محاربة الجهاد والمجاهدين، وضرب جميع فصائل المقاومة تحت عنوان محاربة الإرهاب والإرهابيين، والتكفير والتكفيريين، كما في المادة (7): (يحظر كل كيان أو نهج يتبنى الإرهاب أو التكفير، أو يحرض عليه، أو يُمهد له، أو يمجده أو يروج له أو يبرره، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه).
فهم يعنون بالإرهاب والتكفير، المسلمين من أهل السنة، وبخاصة منهم المجاهدين، فهؤلاء لا حرية لهم، ولا مكان لهم في العراق!
ثم تأمَّل هذا التناقض العجيب، فللمرء في العراق - كما زعموا وفق دستورهم الشركي - حرية الكفر والارتداد والشرك، والإلحاد، وعبادة الشياطين، وأن يقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء، إلا أنه لا حرية لأحد في أن يحكم بالكفر على من حكم الله عليه بالكفر، والخروج من الإسلام؟!
ونحن نقول لهم: الكفر حكم شرعي؛ فمن وقع في الكفر - من غير مانع شرعي معتبر - كفرناه ولا بد عملاً بحكم الله ورسوله، فعلام من يزني يُقال له زانٍ، والذي يسرق يُقال له سارق، بينما من يكفر بالله ورسوله، ولا يرجو لله وقاراً، ولا لنبيه وأصحابه احتراماً، ويعبد آلهة مع الله، ويُظاهر الكافرين المجرمين على المسلمين، لا تريدون أن يُقال له كافر، وترهِّبُون وتهدِّدون من يكفره؟!
وبناءً على جميع ما تقدم من مآخذ ذكرناها في مقالنا هذا، أقول مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه:
هذا الدستور دستور كفري وشركي، يُقنِّن للشرك والكفر والإلحاد، وتدمير العراق وتمزيقه أرضاً وشعباً وثروة، وحضارة وثقافة وانتماء، قد أُعد بعناية من قبل الغزاة الصليبيين، بأقلام حلفائهم من الخونة والعملاء المحليين، لا يجوز التصويت عليه إلا بخيار واحد؛ وهو الرفض التام له، بهذا أفتي من استفتاني، وأراد السلامة لدينه وعقيدته، ونشد النجاة يوم القيامة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء: 88-89.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
16/8/1436 هـ
1) لا ينبغي للقارئ أن يفهم من كلامنا أعلاه أننا ندعو للتعصب القومي أو القومية العربية، التي تغيب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، فهذا معنى جاهلي، نبرأ إلى الله منه، فقد اهتدينا للبراء منه - بفضل الله تعالى - منذ أن وعينا أنفسنا على هذه الحياة، ولكن لما ارتبط الإسلام بالعرب وتاريخهم ولغتهم ارتباطاً وثيقاً بحيث إذا ذُكر أحدهما ذُكر الآخر ولا بد، وإذا غُيب أحدهما غُيب الآخر ولا بد، كان لتغييب هذا العنصر أثره البليغ والخطير على دين وثقافة وقيم وعقيدة المسلمين أياً كانت لغاتهم أو جنسياتهم أو قومياتهم، لذا لزم التنبيه والبيان!