محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    إخفاقات "الحركة الإسلامية" المعاصرة

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    إخفاقات "الحركة الإسلامية" المعاصرة Empty إخفاقات "الحركة الإسلامية" المعاصرة

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 4:44 pm

    الأسباب والدوافع والعلاج

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    وبعد.

    فإن الذي أعنيه وأقصده من عبارة "الحركة الإسلامية"؛ ليس كل العاملين من أجل الإسلام، ومن أجل إعلاء كلمته وغاياته، وإنما الذي أعنيه كل الشخصيات، والجماعات، والأحزاب الإسلامية المعاصرة التي ارتضت لنفسها الاعتراف بشرعية الأنظمة الطاغية الحاكمة في بلاد المسلمين، والتعامل معها كأنظمة مشروعة تجب طاعتها، والتعايش معها بسلام!

    أعني كل من تسمى بالإسلامي، ثم هو تخلى عن طريق الجهاد في سبيل الله، أو رفعه كشعارٍ عاطفي فقط ليستميل إليه قلوب الناس، وسلك طرق الديمقراطية والانتخابات، والمشاركة في الأعمال النيابية التشريعية، يستجدي الاعتراف بوجوده وحقه في الوجود من الطاغوت!

    أعني كل من تسمى بالإسلامي - أفراداً وجماعات - ثم هو في المقابل رضي لنفسه ودينه أن يكون جزءاً من الحل، وليس كلَّ الحل لما تعاني منه الأمة وتحتاجه، وكأنَّ دين الله تعالى ناقصٌ لا يُلبي حاجيات الأمة كلها، ولا يقدر على ذلك!

    هذا الذي أعنيه في مقالي هذا من عبارة "الحركة الإسلامية"، وهو جزء ضخم يُمثل - وللأسف! - الجزء أو الجانب الأكبر - من حيث الكم - من الحركة الإسلامية العامة المعاصرة الشاملة لجميع العاملين من أجل الإسلام وباسم الإسلام!

    فإن عُلِم ذلك، أقول: هناك سؤال كبير يتكرر في وسائل الإعلام، وعلى ألسنة كثير من الناس والمراقبين، لماذا هذه الحركة الإسلامية المعاصرة لا تزال تُراوح في مكانها، وربما إلى الوراء، لماذا أخفقت في قيادة الأمة، وحل مشاكلها، لماذا فشلت في قيام دولة إسلامية راشدة، تحكم البلاد والعباد بالإسلام، ولا يزال الفشل يُلاحقها، لماذا جهدها ونشاطها ينتهي عند حد الإثارة والتهييج، والتضحية، ليأتي غيرهم، من غير الإسلاميين ليقطف ثمار تلك الجهود والنشاطات لصالحهم ولصالح برامجهم الباطلة؟!

    هذا سؤال كبير، نجيب عنه - بإذن الله - في النقاط التالية:

    1) غياب القناعة والثقة بالنفس على أن تكون الحركة الإسلامية هي البديل، وهي القائد للأمة على مستوى الدولة والمجتمع.

    ويظهر ذلك من أوجه:

    منها: استجداء الحركة الإسلامية - الطويل والذليل - من الطاغوت لكي يعترف بها وبشرعيتها في الوجود، كطرف يستحق العيش، فتضع بذلك الحقَّ في موضع الاتهام والشك وكأنه هو الذي يحتاج من الباطل أن يعترف به، وبوجوده، وبحقه في الوجود، وليس العكس!

    ومنها: تحالفاتها المشبوهة مع الأحزاب العلمانية المحلية لتعمل باسمها وتحت مظلتها، وهي بهذا الفعل الخاطئ - عن قصد أو غير قصد - تكون قد أصبغت الشرعية على الطاغوت ونظامه، وعلى الأحزاب العلمانية وبرامجها، وأمدتها بالقوة والحياة، وزينت ذلك في أعين عوام الناس، بل وخواصهم!

    ومنها: طرحها لنفسها على أنها جزء من الحل، وليس كل الحل، وكفريق من الفرقاء المتعددة الباطلة الموجودة على الساحة، والتي تكمل بعضها البعض، فيجعلون لدين الله الحق نفس النصيب والقدر الذي يستحقه أي حزب جاهلي باطل متواجد على الساحة، كما ويُظهرون - بذلك - دين الله الحق والكامل بمظهر الضعف والعجز والقصور الذي يحتاج إلى الأحزاب الوضعية الأخرى الباطلة وإلى مناهجها ليكتمل ويتقوى بها!

    ومنها: أن أقصى طموحات الحركة الإسلامية تقتصر على المراكز والمناصب الخدماتية والتربوية في المجتمع، إذ لا يمكن أن يفكروا برآسة الدولة، أو استلام الحكم في أي دولة من الدول، فهم دون هذا الطموح، ومن أزهد الناس بذلك، كما يصرحون بذلك مراراً!

    2) تخلي الحركة عن كثير من ثوابت العقيدة والدين، والتي منها عقيدة الولاء والبراء، وعقيدة الجهاد في سبيل الله، وعقيدة الحكم بما أنزل الله، والشروع في علمنة الحركة، وإفسادها وخروجها عن المنهج الرباني؛ ويتمثل ذلك في اعتراف الحركة وتحاكمها إلى دساتير الأنظمة الطاغية التي تحكم بلاد المسلمين، وبرفعها شعارات الديمقراطية، وحاكمية الشعب، والوحدة الوطنية التي تُكرس عقيدة الولاء والبراء، وتقسِّم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء إلى الحدود الجغرافية للوطن بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو مبدأ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، ومبدأ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وضرورة المصالحة مع القومية العربية؛ على اعتبار أن الخلاف الدائر بين العروبة أو القومية والإسلام خلاف مفتعل لا حقيقة له، وغير ذلك من الشعارات والرايات التي تجعل الحركة الإسلامية المعاصرة أقرب للعلمانية منها إلى الإسلام!

    لقد بتنا نسمع مؤخراً من يصرح من قادة الحركة الإسلامية المعاصرة - بكل وقاحة ووضوح - أن شعار "القرآن دستورنا" الذي رفعناه طيلة أكثر من سبعين عاماً، إنما هو شعار عاطفي فقط غير واقعي ولا عملي، أردنا منه استعطاف الناس واستمالة قلوبهم لحزبنا وتجمعنا، وقد صدق هذا القيادي وهو كذوب!

    ونحن نسأل: الذي يرفع شعار "القرآن دستورنا" على مدار سبعين عاماً كاذباً كشعارٍ عاطفي فقط، فما الذي يمنعه من أن يرفع بقية الشعارات الأخرى - الذي ظل يرفعها لأكثر من سبعين عاماً كذلك - : (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا،)، كشعار عاطفي فقط، يُدغدغون بها - نفاقاً - مشاعر الناس نحوهم وحسب؟!

    والعجيب في الأمر أن الحركة إذ تمارس أقصى درجات الانفتاح والتفاهم والتودد والمداهنة والمجاملة مع الأحزاب والجماعات من ذوي التوجه العلماني واللاديني، فهي تمارس أقصى درجات الانغلاق والجفاء مع الفصائل أو الجماعات التي لا ترى رؤيتها، ولا تسلك مسلكها، وبخاصة منها الجماعات السلفية السنية الجهادية، فهم أذلة ورحماء على الكافرين، أعزة وأجلاف على المؤمنين الموحدين المجاهدين، فيهم وجه شبه بالخوارج الأوائل الذين يتركون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    والذي يصف الحركة الإسلامية المعاصرة بأنها حركة متلونة متذبذبة؛ لا هي إلى العلمانية قولاً واحداً، ولا إلى الإسلام قولاً واحداً، وإنما هي متذبذبة بينهما، فقد أصاب الحق وصدق!

    3) مما يؤخذ كذلك على فريق كبير ممن ينتمي للحركة الإسلامية المعاصرة أنهم عندما ينطلقون نحو أهدافهم ومشاريعهم العامة، تراهم أول ما يضعون في حسبانهم وأولوياتهم؛ ماذا تريد منا أمريكا، والمجتمع الدولي، لكي نتمكن من تحقيق تلك الأهداف والمشاريع، ماذا نفعل، وماذا نقول، وماذا نجتنب، حتى ترضى عنا أمريكا، وعملاؤها من طواغيت الحكم في بلاد المسلمين، وحتى يعترفوا بنا، ويتفاوضوا معنا، ويسمحوا لنا بالوجود والعيش؟!

    وكان الصواب يقتضي منهم أن يضعوا نصب أعينهم، ويجعلوا ذلك أولى أولوياتهم: ماذا يريد الربُّ سبحانه وتعالى منا، لكي نستحق نصرَه وتأييده وعونه، ماذا نفعل، وماذا نقول، وماذا نجتنب حتى يرضى الله تعالى عنا، فنحن عباد الله، لا عباد أمريكا ولا سواها من البشر، أو الأصنام والأوثان؟!

    كان ينبغي أن يضعوا نصب أعينهم مبدأ: مرضاة الله تعالى أولاً وآخراً، وإن سخطت علينا أمريكا، والمجتمع الدولي، بل والعالم كله، فما عند الله تعالى لا يُطلب بمعصيته، ولا بمرضاة أعدائه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من التمس رضا الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس).

    وقال صلى الله عليه وسلم : (من أرضى اللهَ بسخط الناس، كفاه الله الناسَ، و من أسخط اللهَ برضى الناس، وكَّله الله إلى الناس).

    ورغم أن الحركة الإسلامية المعاصرة مشت شوطاً بعيداً في تلمس مرضاة أمريكا ودول الغرب، إلا أن أمريكا لا تزال تأنف وتترفع، وتشترط مزيداً من التوسط والاعتدال والانفتاح - الذي يعني عندهم الانسلاخ من الدين وقيوده وثوابته - عسى أن تحظى بمزيد من التنازلات والعمالة والخنوع!

    صدق الله العظيم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].

    مشكلة أمريكا الآن - وعملائها من طواغيت الحكم في المنطقة - هم أهل التوحيد والجهاد، أينما كانوا، لذا فهي تبحث - منذ فترة - عن التيار المتنور والمنفتح من الحركة الإسلامية المعاصرة الذي يرضى لنفسه أن يكون تلك الأداة الطيعة بيد أمريكا التي ترضى أن تُحارب تلك الطائفة المؤمنة المجاهدة، تحت مسمى محاربة التشدد، والعنف، والإرهاب، والتكفير، والتكفيريين - كما يزعمون! - وقد بتنا نسمع ونرى مؤخراً من كثيرٍ ممن ينتسبون للحركة الإسلامية المعاصرة، يرفعون شعار ضرورة محاربة التشدد، والعنف، والتكفير، والتكفيريين، والعمل من أجل التنوير، والوسطية والاعتدال، وهم في حقيقتهم يريدون بذلك أن يقولوا لأمريكا؛ هاقد وجدت ضالتك، نحن نكفيك شر هؤلاء الموحدين، نحن دعاة الاعتدال والوسطية، والانفتاح، أطلقوا أيدينا، نحن من أهل البيت نعرف كيف نحارب هذه المجموعات، وكيف ننفر الناس عنها، بإمكانك أن تضعي يدك معنا، وتعتمدي علينا في محاربة هذه الفئة المارقة!

    وإني أعيذ وأحذر الحركة الإسلامية من أن تسير في هذا الطريق الوعر، وأن تصل لهذا الموصل الدنيء، فإن أبت إلا أن تفعل، وأن تكون حَرْبَةَ وبلعام أمريكا في محاربة أهل التوحيد والجهاد، فحينئذٍ تسمي حركتها أي اسم شاءت، لكن لا تنسب نفسها للإسلام، ولا تسمي نفسها زوراً بـ "الإسلامية"!

    وفي الحديث القدسي: (إن الله تعالى قال: من عاد لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب)، فلحوم المجاهدين مسمومة يا قوم، حذار أن تقتربوا منها بسوء!

    4) غياب القدوة، والقيادة المميزة والقوية الشجاعة، والحرَّة، التي ترتفع إلى مستوى الأمانة والأحداث، والمسؤولية، وتعيش - بصدق وإخلاص - همَّ الأمة وآلامها، وكذلك قصور الحركة عن مواكبة تطلعات واهتمامات وحاجيات الأمة والشعوب، إلى درجة الإهمال والاستهتار، والغفلة، مما يجعل كثيراً من هذه الشعوب - وللأسف! - تنصرف عنها إلى أحزاب وتجمعات غير إسلامية، عسى أن تجد عندها بعض ما تحتاجه وتريده!

    5) غلبة التعصب الحزبي، والسلوك الأناني على غالب المواقف والأنشطة التي تقوم بها الحركة الإسلامية المعاصرة!

    هذه هي أهم الأسباب التي أدت ولا تزال تؤدي إلى تخلف وإخفاقات الحركة الإسلامية المعاصرة في إحداث أي نقلة نوعية نحو التغيير المنشود والمأمول، والتي تجعلها تراوح في مكانها، وأحياناً إلى الوراء، وتجعل يومها المنصرم خيراً من يومها الحاضر، والقادم!

    فإن قيل: هذه هي الأسباب، هذا هو الداء، فما هو الدواء، والعلاج، وكيف السبيل للخلاص، إذ لا يكفي تشخيص الداء من دون تحديد الدواء لذلك الداء؟!

    أقول: الدواء والعلاج سهلٌ لمن سهَّله الله عليه، وصدق في طلبه، وهو معلوم بكل أدلته وتفاصيله.

    وهو باختصار: أن تُحافظ الحركة الإسلامية بكل أطيافها وأطرافها، وأفرادها - مهما اشتدت عليها الظروف والمحن - على عقيدة وثوابت الدين الإسلامي ومبادئه، وأن تسير بكل ثبات وصبرٍ وتجلد ومنهجية وإخلاص نحو أهداف وغايات وثوابت هذا الدين، وفق صراط الله المستقيم، الذي سار عليه جميع الأنبياء والرسل، ومن سار على نهجهم ودربهم من الصديقين والشهداء والصالحين، مع الأخذ بالأسباب اللازمة، واعتبار السُّنن التي خلق الله الخلقَ عليها، والتي لا تُحابي أحداً، ومن دون أن يلتفتوا إلى السُّبل والطرق الباطلة الملتوية، مهما كانت قصيرة ومغرية وبرَّاقة، وكان عبورها سهلا، فإن وصلوا، وحقق الله على أيديهم النصر والتمكين أو شيئاً من ذلك، فالحمد لله، وإن لم يُقدِّر الله لهم شيئاً من ذلك، وأراد أن يكون النصر والفتح على يد الجيل التالي، فهم لا يُسألون، ولا يُستعتبون - ما داموا قد أخذوا بالأسباب والسنن والتزموا صراط الله المستقيم - لماذا لم تنتصروا، أو تصلوا إلى تلك الغايات والأهداف؟!

    بينما سَيُسْتَعتَبُون، ويُسألون، ويُشدَّد عليهم في السؤال، إذا ما انحرفوا عن صراط الله المستقيم، ونشدوا الطرق والسبل الملتوية الباطلة، حتى ولو أوصلتهم تلك الطرق الباطلة إلى نوع من الظفر أو التمكين؛ فالغايات لا تُبرر الوسائل!

    قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

    وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم قال: (هذا سبيلُ الله)، ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله، وقال: (هذه سُبُلٌ؛ على كلِّ سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه)، وقرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

    وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

    ثم إن من الأنبياء من لم يؤمن به إلا الرجل الواحد، كما في الحديث: (ما صُدِّق نبيٌّ من الأنبياء ما صُدِّقتُ، إن من الأنبياء من لم يُصدقه من أمته إلا رجلٌ واحد) [مسلم].

    ومع ذلك هذا النبي الذي لم يُصدقه - طيلة دعوته وفترة نبوته - من أمته إلا رجل واحد، لم يكن ليلتفت - حاشاه! - عن صراط الله المستقيم، إلى السُّبل والطرق الملتوية الأخرى، ليكثِّرَ سواد أتباعه، أو من أجل غنائم وحظوظ دنيوية، ونوع تمكين في الأرض!

    وكذلك نبي الله نوح عليه السلام حيث ظلَّ ألف عامٍ إلا خمسين وهو يدعو قومه إلى الإيمان والإسلام، ومع ذلك لم يؤمن به إلا قليل من الناس؛ قد لا يتجاوزون العشرين نفراً، كما قال تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40]، ومع ذلك لم يكن نوح عليه السلام - حاشاه - يستعجل النصر والتمكين أو استمالة قومه للإيمان به من خلال الطرق والمناهج الملتوية، وإنما ظلَّ صابراً على أمر الله وصراطه المستقيم إلى أن أتاه اليقين.

    فإذا كانت الحركة الإسلامية المعاصرة لم تستطع أن تُحرر أرض فلسطين من أيدي الصهاينة اليهود، فهي غير مطالبة شرعاً ولا عقلاً، أن تعترف للصهاينة المغتصبين بحقهم فيما اغتصبوه من أرض فلسطين، بذريعة لا يمكن إلا ما كان، وقليل من الغنائم خير من لا شيء، ولا يُمكن الاعتراف بنا كحزب أو جماعة لها حقوقها إلا بعد التوقيع والموافقة على كذا وكذا من صفقات البيع والخيانة، فإن عجزت الحركة اليوم عن تحرير الأرض واسترداد الحقوق، فلتدع مهمة التحرير للأجيال القادمة، عسى الله تعالى أن يمن عليها بالفتح والنصر، والتمكين، وإن ذلك لكائن بإذن الله ولو بعد حين!

    العجز يُسقط التكليف إلى حين توفر القدرة، لكن لا يُبرر الخيانة، والعمالة، والبيع، والدخول في صفقات مشبوهة تمد العدو بالقوة والحياة، وتُصبغ على عدوانه ووجوده الشرعية والقانونية!

    المطلوب من الحركة الإسلامية المعاصرة بكل أطرافها وأفرادها؛ أن لا تستعجل زمن النصر، وأن لا تقلق لو تأخر عنها النصر ظرفاً من الزمان، قد يكون لسبب من عند أنفسنا، وإنما عليها أن تجتهد قدر طاقتها في أن تتقي الله ما استطاعت، وأن تتفكر في أسباب تأخر النصر؛ لتصلح ما أفسدته، وتكمل ما يجب عليها إكماله، وأن تقلق أشد القلق لو لم تنصر الله عز وجل في موقف من المواقف يستدعي منها النصرة والتأييد؛ لأن نصر الله تعالى يتنزل على من ينصره، ويتأخر ويتخلف عمن يخذل دينه ولا ينصره.

    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، أي إن لم تنصروا الله لا ينصركم ولا يثبت أقدامكم!

    وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].

    14/5/1426 هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 2:05 am