محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    نظرة شرعية لـ "ميثاق الشرف" الذي طرحه إخوان سوريا

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    نظرة شرعية لـ "ميثاق الشرف" الذي طرحه إخوان سوريا Empty نظرة شرعية لـ "ميثاق الشرف" الذي طرحه إخوان سوريا

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 6:14 am

    ولنا كلمة...

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    وبعد...

    فقد طرح الإخوان المسلمون السوريون "مشروع ميثاق شرف وطني للعمل السياسي" كأوراق وطنية أولية - كما سموها! - حول قواعد العمل السياسي وضوابطه، داعين جميع الأطراف والاتجاهات السورية للحوار فيما طرحوه حول؛ الثوابت، والأهداف، والأسس والالتزامات، عسى أن يصلوا جميعاً - بجميع أطيافهم وتجمعاتهم وأحزابهم وطوائفهم - إلى تشكيل "جبهة ميثاق وطني" موحدة، تجمعهم في خندق واحد لمواجهة التحديات والأخطار التي تهدد الوطن !

    وإن كان هذا الحوار نحن مُستثنون منه، ومحرم علينا، ومباح لغيرنا، إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين لأن نقول كلمتنا - ولو كانوا لها كارهين - وأن نبدي حكم الشرع فيما تم طرحه في الميثاق المذكور أعلاه، ناصحين ومشفقين، ومحذرين.

    وذلك للأسباب التالية:

    1) أن الدين النصيحة، وأن المسلم ناصح للجميع، لا يسعه السكوت وهو يرى الآخرين يسيرون بإرادتهم نحو الهاوية والهلاك، وإفساد البلاد والعباد!

    2) كثرة المغالطات والمزالق الشرعية والعقدية، والسياسية، الواردة في ذلك الميثاق المذكور، التي لا يمكن إقرارها أو السكوت عنها!

    3) أن هذه المزالق والمغالطات الواردة في الميثاق، جاءت باسم جماعة الإخوان المسلمين، التي تزعم أنها تتكلم باسم الإسلام، وأن تأصيلاتها وبرامجها مبعثها من الإسلام أو أنها لا تعارض الإسلام!

    فهي جماعة توقِّع على الخطأ وتدعو إليه، ثم تقول؛ هذا هو دين الله وهذا شرعه!

    فلو هذه المزالق والانحرافات وردت على لسان حزب علماني يُحاد الله ورسوله، فلا يؤبه له، فليس بعد العلمانية ذنب، أما أن تصدر عن جماعة أو حزب إسلامي، ثم يقول هذا هو دين الله، فهذا مما لا يمكن قبوله أو السكوت عليه!

    4) سكوتنا على ما ورد في ميثاقهم المذكور، يُخشى أن يُفسر على أنه رضى، وإقرار، وموافقة، أو يُعتبر دليلاً على شرعية ميثاقهم وما جاء فيه، لعدم وجود المنكِرِ عليهم!

    لذا يتعين البيان، والله المستعان.

    ونلخص الملاحظات، والمآخذ، في النقاط التالية:

    1) ملاحظة تغييب عقيدة الولاء والبراء في الله، الذي يقوم على أساس الانتماء العقدي الإيماني، وإبرامه على أساس الانتماء الوطني للوطن السوري؛ فعلى أساس الانتماء للوطن، وحدود الوطن، يُعطى الولاء، وتُقسم الحقوق والواجبات، بغض النظر عن عقيدة، ودين، وانتماء من ينتمي للوطن وحدوده، فالولاء والبراء يُعقدان في الوطن ولذات الوطن!

    وإليك بعض عباراتهم كما وردت في ميثاقهم: (فتحتَ خيمة الحوار الوطني ليس أحدٌ بأولى بالوجود من أحد، وليس لأحد أن يفرض الوصاية على أحد، وأن المواطنة حقوق وواجبات، وأن المشاركة الإيجابية في القرار الوطني، وفي حماية الوطن، وفي بنائه والارتقاء به، واجب وطني، ليس لأحد حق الاستقلال به أو الحجر عليه، وأن المساواة وتكافؤ الفرص يثمران الوحدة الوطنية التي هي القاعدة الأمكن للبناء الوطني المنشود، مؤكدين الحق المتكافئ للجميع في الاستفادة من إمكانيات الدولة في توضيح مواقفهم، والانتصار لرؤاهم، وطرح برامجهم، ويكون شرف الانتماء لهذه المؤسسة الوطنية - الجيش - حقاً عاماً لجميع المواطنين، على أساس من المساواة والعدل، يجد أبناء الوطن أجمع سر مواطنتهم في روح العدل والتآخي والمساواة...)!

    وقالوا في بيان لهم ملحق تحت عنوان "دعوة إلى جبهة الميثاق الوطني" : (من جماعة الإخوان المسلمين في سورية إلى أحرار سورية حملة لواء التغيير الإيجابي داخل الوطن وخارجه، إلى جميع القوى الوطنية والأحزاب السياسية التي تتطلع إلى غدٍ أفضل، في ظل التطورات والمستجدات الدولية، تأكدت حقيقة أننا جميعاً في خندق واحدٍ، وأن وطننا بحاجة إلى جميع أبنائه، إن الدعوة إلى هذا الموقف الوطني موجهة إلى كل مواطن سوري، داخل الوطن وخارجه أياً كان موقعه أو منطلقه أو انتماؤه؛ وهي دعوة إلى تفعيل الموقف الوطني لإنجاز كل ما من شأنه بناء سورية الحديثة، وتحقيق أهداف الميثاق في سعي وطني جماعي! إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية إذ توجه هذه الدعوة إلى رجال السياسة والفكر، وإلى جميع القوى الوطنية والأحزاب السياسية في سورية من أجل التعاون على حمل الهم الوطني العام... الخ)!

    ولكي يعرف القارئ مدى خطورة هذا الكلام أذكِّره بأن المجتمع السوري - وبخاصة في هذه الأيام - يحتوي على جميع ملل الكفر والزندقة والإلحاد؛ فيه اليهود، والنصارى، والنصيرية - وهم الطائفة الحاكمة المتنفذة! - والدروز، والإسماعيلية، وجميع الأحزاب العلمانية التي تظهر عداءها وبغضها لله ولدينه، كالأحزاب الشيوعية بكل تشعباتها، والأحزاب البعثية، والناصرية وغيرها، إضافة إلى الطغمة الحاكمة المتسلطة على رقاب الشعوب ومقدراتهم التي تسومهم الذل والكفر وسوء العذاب، منذ أكثر من ثلاثين عاماً!

    فهؤلاء كلهم مع الإخوان المسلمين "في خندق واحد" ضد التحديات التي يواجهها الوطن، وهم معنيون مما تقدم نقله عن الإخوان المسلمين!

    فمن أجل الوطن تهون الصعاب، ويتحقق المستحيل، ويجتمع الشيء وضده في خندق واحد!

    وهذا - الذي تقدم عن الإخوان ذكره - مناقض لمئات النصوص الشرعية التي تحرم على المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء، أو يركنوا إليهم في شيء.

    كما في قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}، وقال تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}، وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

    وغيرها كثير من الآيات والنصوص الشرعية التي تفيد كفر وبطلان ما تقدم ذكره ونقله عن الإخوان المسلمين!

    2) ملاحظة كثرة التغني بالوطن والوطنية، إلى درجة العبودية والتأله، وإلى درجة أن يجعلوا من الوطن وثناً يُعبد من دون الله عز وجل، ففي سبيل الوطن ترخص الأنفس والأرواح، ويهون كل شيء، فالوطن هو المحور الذي ينبغي أن يتم عليه الاجتماع أو الافتراق، وهو الغاية القصوى والعليا لكل عمل نبيل، فالوطن والمصلحة الوطنية فوق الجميع، يعلو ولا يُعلى عليها، إلى درجة أنهم لم يُبقوا شيئاً لوجه الله تعالى أو في سبيل الله، فكل شيء للوطن الوثن، ولا شيء لغير الوطن.

    وإليك أيها القارئ بعض ما جاء في ذلك من ميثاقهم المذكور: (ميثاق شرف وطني! هذه الأوراق الوطنية، خيمة الحوار الوطني، إن المطلب السياسي الأول الذي ينبغي أن تجاهد جميع القوى السياسية من أجله، هو تثبيت حقها في وجود رسمي قانوني، تحمل عبأها الوطني من خلاله، ودور الجيش في الدولة الحديثة يتركز في الدفاع عن الوطن وفي حمايته من أي عدوان خارجي، المواطن الحر الموفور الكرامة هو أساس بناء الدولة الحديثة، المشاركة الإيجابية في القرار الوطني، وفي حماية الوطن، وفي بنائه والارتقاء به، واجب وطني، الثوابت الوطنية، الوحدة الوطنية، الاعتراف بالآخر الوطني، يلتزم الموقعون على هذا الميثاق بمواجهة التحديات الخارجية المفروضة على الوطن، مُعلين من شأن التضحية في سبيل حماية الوطن وأمنه وعزته، بتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الذاتية والخاصة، في كل الموازنات السياسية، ويُقاومون - أي الموقعون على هذا الميثاق وهم الإخوان المسلمون - كل الأسباب التي تؤدي إلى إحراج العمل الوطني، في ظلال الشعور بالمسؤولية الوطنية، يجد أبناء الوطن أجمع سر مواطنتهم في روح العدل والتآخي والمساواة، والمشاركة التاريخية في سراء الوطن وضرائه على حدٍّ سواء... الخ!).

    كل هذا جاء عن الوطن والوطنية في بيان لا يتعدى خمس صفحات، بينما لم يأتوا ولو مرة واحدة على ذكر الله تعالى!

    المشركون من قبل قالوا: هذا لله، وهذا لشركائهم، وهؤلاء قالوا: كل شيء للوطن، وفي سبيل الوطن، وليس لله شيء! قال تعالى: {فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

    فإن قال قائلهم: ما الضير فيما تقدم، فقد ثبت وجوب الذود عن الأوطان، كما ثبت شرعية حب الوطن.

    فقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن مكة لما أخرجه المشركون منها: (إنك لأحب أرض الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت)؟!

    نقول لهم: لا تلبِّسوا على الناس دينهم، فلا أرى حديثاً ظُلم وأسيء فهمه وتفسيره كالحديث الآنف الذكر!

    يوجد فرق شاسع بين حب الأوطان والحنين إليها، والذود عنها في سبيل الله، وبين عقد الولاء والبراء في الوطن ولذات الوطن، وتقسيم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء للوطن بغض النظر عن اعتبار العقيدة والدين، واعتبار الوطن غاية عليا ترخص في سبيله جميع المقاصد والغايات، فالأول مشروع وجائز، والآخر باطل وكفر بالله، لمعارضته الصريحة لعقيدة الولاء والبراء في الإسلام!

    جاء في فتاوى "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" [1/541]: (أن من لم يفرق بين اليهود والنصارى، وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة، فهو كافر) اهـ.

    هذا إذا أضفنا ذكر حقيقة ثابتة من حقائق هذا الدين، يتعمد هؤلاء الوطنيون عدم ذكرها وهم يتحدثون عن الوطن والوطنية، وهي أن وطن المسلم ليس محصوراً في موطنه أو قطره الذي ينتمي إليه، وإنما هو كل وطن يحكمه الإسلام، ويعلوه حكم الله، ويستوطنه المسلمون، أو يخضع لسلطان الإسلام ولو كان ذميّاً، فهو وطن له يجب أن يدافع عنه وعن أهله - في سبيل الله - بكل غالٍ ونفيس!

    3) ملاحظة التأكيد على المفهوم القومي العروبي، والبعد الجاهلي لهذا المفهوم، وأنه من جملة ثوابتهم التي لا يمكن التخلي عنها، وأن هذا الصراع بين القومية والإسلام هو صراع قديم قد ولى وانصرم، وهو ناتج عن عوامل من الانفعال وسوء الفهم!

    فهم بعد أن انتهوا من التأكيد على الولاء الوطني، ذهبوا ليؤكدوا على ولائهم القومي العروبي، ويكثروا من التغني والتماجد بالقومية والعروبة، والتضامن العربي!

    وإليك بعض عباراتهم في ذلك كما وردت في ميثاقهم المذكور: (وثاني هذه الثوابت انتماء قطرنا العربي السوري إلى منظومته العربية، هذا الانتماء الذي ينبغي أن يُعتبر أساساً في بناء أي استراتيجية سياسية مستقبلية، ثم إن المواجهة بين العروبة والإسلام، كانت عنوان مرحلة تاريخية تصرَّمت، ولقد نشأت تلك المواجهة عن عوامل من الانفعال وسوء الفهم، وحمى الإيديولوجيات التي سادت المناخ العام في فترات ما بعد الاستقلال، يؤكد الموقعون على هذا الميثاق عروبة الأرض الفلسطينية، إن السعي لتحقيق الوحدة العربية على أسس متينة من الروابط الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، واجب شرعي وضرورة قومية، لا بد من العمل على إعادة التضامن العربي، وتجاوز كل الخلافات البينيّة، وفتح الحدود بين جميع الدول العربية، وإقامة سوق عربية مشتركة للارتقاء بالعلاقات العربية العربية إلى مستوى التحديات... الخ)!

    أقول: كذبوا، هذا الصراع بين الإسلام وبين جاهلية القومية العربية، وكل ولاء لغير الله لم ينصرم، فهو كان ولا يزال، ولن يزال، وإلى أن تقوم الساعة!

    فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعنَّ رجال فخرهن بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفن بأنفها النتن).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بِهَنِ أبيه ولا تكنوا).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم) - أي من جماعات جهنم - فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: (وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله التي سماكم؛ المسلمين، المؤمنين، عباد الله).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية).

    وكل دعوى غير دعوى الإسلام، وكل آصرة أو رابطة لا تقوم على آصرة أو رابطة العقيدة والدين، فهي دعوى جاهلية، ورابطة جاهلية.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب).

    هذا هو موقف الإسلام من جاهلية القوميات وعصبيتها، والدائم إلى يوم القيامة، لا يبطله باطل المبطلين الجاهليين.

    ثم نسأل؛ لماذا التأكيد على عروبة فلسطين، ولا تؤكدون على إسلامية فلسطين قبل عروبتها؟!

    ثم أين الإشارة إلى التضامن الإسلامي، والوحدة الإسلامية، والسوق الإسلامي، فعلام لا يتم التأكيد على هذه المعاني الأرحب والأوسع، كما تم التأكيد على التضامن القومي، والوحدة العربية، والسوق العربي، أم أن المسلمين - من غير العرب - في أقطارهم الشاسعة الواسعة ليس لهم حق؟!

    وهل أسقط الخلافة العثمانية، وفرق الأمة الإسلامية إلى دويلات وشعوب متفرقة ومتناحرة، سوى تنادي الناس كل إلى قوميته، الأتراك إلى قوميتهم التركية، والأكراد إلى قوميتهم الكردية، والعرب إلى قوميتهم العربية، والفرس إلى قوميتهم الفارسية، وهكذا كل قوم تنادوا للانتصار لقومياتهم وأجناسهم، بعد أن كانوا أمة واحدة، وجسداً واحداً!

    دعوها فإنها جاهلية منتنة، لعن الله من أحياها وأيقظها!

    4) ومما يؤخذ على ميثاقهم تقريرهم لمبدأ العمل الديمقراطي، وأن الحكَم فيما يتم النزاع عليه هو الشعب، وصناديق الاقتراع، وأن الذي تفرزه صناديق الاقتراع - مهما كانت النتائج مغايرة ومضادة لشرع الله تعالى - هو النافذ الذي يجب العمل به!

    وأن أي طرف - ولو كان أكفر من مسيلمة الكذاب ومن كان معه - فإنه يستمد شرعيته ووجوده من جماهيره، والقاعدة الشعبية التي تنتمي إليه!

    وهذا يعني أن الحق المطلق لو فقد - في مرحلة من المراحل - القاعدة الجماهيرية الشعبية، فوجوده يكون حينئذٍ غير مشروع، ولا جائز!

    وإليك بعض أقوالهم في ذلك كما وردت في ميثاقهم المذكور: (وقصارى أي فريق سياسي أن يأخذ مكانه على الخريطة الوطنية بالحجم الذي تمنحه إياه مرتسماته الواقعية عبر صناديق اقتراع حر ونزيه، وربما من المفيد أن نؤكد أن هذه القوى على اختلاف توجهاتها إنما تستمد شرعيتها من وجودها الواقعي المتمثل في جماهيرها، والدولة الحديثة دولة تداولية، ومن هنا جاء الاشتقاق اللغوي لكلمة الدولة، وتكون صناديق الاقتراع الحر والنزيه، أساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين، وأن أي اختلاف في الرؤى العامة والسياسات العليا والقرارات المصيرية، تحكمه صناديق الاقتراع الحر والنزيه، أو مؤسسات الدولة المنبثقة عن صناديق الاقتراع الحر والنزيه... الخ)!

    وهذا لا شك أنه كفر وشرك، ومناقض لعقيدة التوحيد التي توجب على المؤمن أن يرد النزاع إلى الله ورسوله لا غير، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.

    وقال تعالى عن الذين يزعمون أنهم مؤمنون ثم هم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وهو كل حكم يُخالف حكم الله ورسوله : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}.

    ومن لوازم قولهم كذلك أن أبا بكر الصديق ومن معه من الصحابة كانوا مخطئين لما قمعوا حركة الردة التي كان يتزعمها مسيلمة الكذاب، لأن هذا الآخر كان يملك قاعدة جماهيرية واسعة ربما تزيد عدد من بقي على دينه وإيمانه يومئذٍ!

    نسأل الله تعالى الثبات، وحسن الختام.

    انتبهوا أيها الإخوان، إنكم تلعبون بالكفر والنار، ورب الكعبة!

    5) مع كل هذا التفصيل والتوسع والبيان المحكم في حديثهم عن الوطنية، والقومية، والديمقراطية، فإنهم لما جاءوا إلى ذكر الإسلام مروا عليه مر الكرام، وذكروه في عبارة وجيزة ومطاطة، وحمالة أوجه، لا تغني ولا تسمن من جوع، وعلى استحياء، فقالوا عنه: (الإسلام بمقاصده السامية، وقيمه العليا، وشريعته السمحاء؛ يُشكل مرجعية حضارية، وهوية ذاتية لهذه الأمة...).

    هذا الذي ذكروه عن الإسلام فقط، وهذا الذي يستحقه الإسلام منهم فقط، مرجعية حضارية، وهوية ذاتية!

    ماذا يعني مرجعية حضارية، وهوية ذاتية؟!

    لو سألنا عشرين رجلاً هذا السؤال، لأعطونا عشرين جواباً؛ كل جواب يختلف عن الآخر!

    أهكذا يكون التعبير عن الإسلام، وعن غاياته ومقاصده؟!

    دساتير الأنظمة العلمانية التي تحارب الله ورسولَه، قد أنصفت الإسلام أكثر منكم، حيث أكثرها ينص على أن دين الدولة الإسلام، وأنه مصدر من مصادر التشريع!

    6) تعريضهم بمبدأ الجهاد، ووصفهم له بأنه عنف مرفوض، فقالوا عنه: (يلتزم الموقعون على هذا الميثاق، بنبذ العنف من وسائلهم، ويلتزمون بآليات العمل السياسي الديمقراطي ووسائله).

    هكذا، الجهاد، الذي أمر الله به ورسوله، في مئات من نصوص الكتاب والسنة، أصبح عبارة عن عنف منبوذ ومرفوض، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    ينبذون الجهاد، شرع الله تعالى، ويلتزمون الديمقراطية ووسائلها، شرع الطاغوت!

    7) قالوا: (الاعتراف بالآخر الوطني العقدي، والسياسي، والفكري، والثقافي، ركيزة أساسية من ركائز التفكير والحركة. ولقد أثبتت الأيام فشل سياسات الاستئصال أو التشويه، أو تجفيف المنابع، فليس في وسع أحدٍ أن يمحو الآخر أو ينفه، وأن الحوار البناء، والجدال بالتي هي أحسن، هما الوسيلة الأقرب والأرقى للتعامل مع الآخر وفهمه، وبناء جسور التعارف والتقارب والتواصل معه)!

    وقالوا في بيان "دعوة إلى جبهة الميثاق الوطني": (إلى أحرار سورية حملة لواء التغيير الإيجابي داخل الوطن وخارجه، إلى جميع القوى الوطنية والأحزاب السياسية التي تتطلع إلى غدٍ أفضل في ظل حياةٍ حرة كريمة، تأكدت حقيقة أننا جميعاً في خندق واحد، وأن وطننا بحاجة إلى جميع أبنائه، وأنه أحوج ما يكون في مواجهة الأخطار والتحديات إلى سياسات تؤلف القلوب، وترص الصفوف، وتستقطب الجهود...)!

    أقول: هذا كلام باطل يُرد عليه من وجوه:

    منها: أنه يتضمن الاعتراف بشرعية الآخر الكافر، الكافر المرتد، العقدي، والثقافي، والسياسي، والفكري، والاعتراف بشرعية الكفر كفر، للقاعدة الشرعية التي تنص على أن الرضى بالكفر كفر، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم.

    وأرجو هنا أن لا تقحم مسألة التعايش الآمن مع أهل الذمة والعهد وفق ما بينته نصوص الشريعة، فهذه مسألة، والذي يتكلم عنه الإخوان ويُشيرون إليه هنا مسألة أخرى!

    ومنها: أنه يتضمن إثبات الموالاة لألد أعداء الله من الكافرين، والزنادقة المرتدين، وهذا مغاير لعقيدة الولاء والبراء في الإسلام التي تحصر الموالاة بين المؤمنين دون الكافرين، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...}، و {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}، وما أكثر الآيات التي تنهى عن اتخاذ الكافرين أولياء، وقد تقدم ذكر بعضها.

    ومنها: أنه مغاير ومناقض لسنن الله تعالى في خلقه التي منها: سنة تدافع الحق مع الباطل.

    كما قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، وقال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}، وقال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}.

    فهذه سنة ماضية لا تستقيم الحياة من دونها، لا يمكن للإخوان المسلمين ولا غيرهم أن يلغوها، مهما زعموا أنهم وأهل الباطل في خندق واحد!

    ومنها: أن هذا الطرح طرح خيالي وغير واقعي، فالقرآن أثبت أن ملل الكفر والباطل لا يزالون يُقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم، وأنهم لو ظهروا عليكم لا يراعون فيكم إلاً ولا ذمة، كما قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}، وقال تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}.

    والواقع يصدق كل ذلك، فما أكثر جرائم القوم بحق المسلمين لو أردنا الإحصاء، أم أن مجزرة حماه وغيرها من المجازر التي اقترفتها أيادي المجرمين بحق الآمنين من المسلمين على ثرى الشام، قد نسوها الإخوان المسلمون!

    فكيف يطيب لكم شرعاً، وعقلاً، ومروءة، أن تجلسوا في خندق واحد - كما تقولون - مع من قام بذبح أبنائكم وأهاليكم في حماه وغير حماه؟!

    ثم نقول للإخوان المسلمين...

    ها أنتم تنشدون المودة، والمحبة، والأخوة، والسبل الديمقراطية مع الآخر الكافر، الآخر الزنديق المرتد، والآخرون ينشدون فيكم، وفي غيركم، التقتيل، والتشريد، والسجن، وفي كل مرة يثبتون لكم أنهم لن يرضوا عنكم حتى تتبعوا ملتهم، وتدخلوا في حزبهم وباطلهم، كما هو واقع وحاصل، فكيف ترون الحل، والحال كما وصفنا؟!

    كلما أنزلتم بياناً - هو أقرب للكفر منه للإيمان - عن ضرورة الصلح والمصالحة، وانتهاج الديمقراطية، ورفض العنف، قابلوا بيانكم بتصفية واعتقال طائفة جديدة من شباب الإسلام في سورية!

    لذا نعيد التأكيد أن طرحكم هذا، هو طرح خيالي وغير واقعي، وهو طرح أقرب إلى الدروشة والمسكنة، إضافة إلى كونه مخالفاً لصريح المنقول، وصحيح المعقول.

    ومنها: أن هذا الحوار البناء، والهادئ، والدافئ، الذي تنشدونه مع الآخر الكافر، الآخر الزنديق المرتد، حبذا لو أظهرتم قليلاً منه في حواركم مع بقية الفصائل والعناصر الإسلامية الفاعلة على الساحة!

    فعهدنا بكم أنكم من أكثر الناس رفضاً للحوار أو مجرد الجلوس مع الآخر المسلم الموحِّد، فكيف يليق بكم أن تمدوا جسور التلاقي، وحبال الود، مع الآخر الكافر، وبشهية غريبة، وذهنٍ متفتح وصدر منشرح، والآخر المسلم تستكثرون عليه مجرد السلام، فضلاً عن الحوار، وصدوركم تضيق من أن تسمع كلمة واحدة منه؟!

    لذا فإننا نشك بمدى مصداقية دعوتكم، إلى الحوار البناء والهادف، ونقلل من أهميتها وفاعليتها!

    ومنها: أن في عرف السياسة المعاصرة تكون التنازلات من كلا الطرفين المتخاصمين، بينما نرى في قضيتنا هذه أن التنازلات تقدم من طرف واحد فقط، وهم الإخوان المسلمون، بينما الطرف الآخر تراه يطلب مزيداً من التنازلات، ومن دون أن يخطو خطوة واحدة نحو الطرف الآخر!

    شاهدنا أن هذا الذي يقدمه الإخوان من تنازلات من دون مقابل يُذكر، حتى في عرف السياسة المعاصرة ودهاليزها، وميزان الربح والخسارة، فهو خطأ ومردود!

    قالوا: (يلتزم الموقعون على هذا الميثاق، بالتعاضد على حماية حقوق الإنسان، والمواطن الفرد...)!

    أقول: حماية حقوق الإنسان وفق شريعة الإسلام، أم وفق قوانين جنيف وشريعة الأمم المتحدة!

    كان لا بد من البيان والتفصيل؛ لأن عبارة "حقوق الإنسان" تُطلق في العادة ويُراد بها حقوق الإنسان وفق ما قررته شرائع الأمم المتحدة، وهذا الذي يفهمه القارئ!

    فإن قيل؛ ما الفرق بين حقوق الإنسان وفق شرائع الإسلام، وحقوق الإنسان وفق شرائع الأمم المتحدة؟!

    أقول: الفرق بينهما كالفرق بين الإيمان والكفر، لو كنتم تعلمون!

    ثم حماية المواطن الفرد، من ماذا، وما حدود هذه الحماية، وهل هي حماية مطلقة أم مقيدة، وهل هي على حساب الجماعة والمجتمع، كان لا بد من البيان؟!

    فالعبارة ناقصة لا يستقيم معناها من دون تتمة، وهي لا تعني شيئاً، إلا إذا قالوا: المعنى في بطن الشاعر، أو الكاتب!

    وعلى ضوء هذه التتمة نحكم على المقولة بأنها حق أو باطل!

    ثم لماذا التركيز على حماية المواطن الفرد، شعار الديمقراطية الغربية، لماذا لا يُقال حماية الأسرة كذلك، الذي لم يأت ميثاقهم على ذكرها قط؟!

    9) يخلو ميثاقهم المذكور من الإشارة إلى مواطن الداء والفساد، التي تتمثل غالبيتها في العصابة الحاكمة المجرمة والمتسلطة على مقدرات البلاد، ورقاب العباد، سبب كل شر وفساد، ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً!

    كما يخلو ميثاقهم من بيان السبيل في معالجة واستئصال تلك المواطن من الفساد والإجرام، فهم بدلاً من أن يفعلوا ذلك، اعترفوا - طواعية - بشرعية الظالمين المجرمين، وأعلنوا - وبكل وقاحة ووضوح - أنهم في خندق واحد، إخوان متحابون ومتكافلون، مع كل القتلة واللصوص، والمجرمين، مصاصي الدماء، فأمدوهم بالقوة والحياة، وأطالوا من عمرهم وبقائهم بعد أن ذبل عهدهم ونظامهم وقارب على الأفول، وأعانوهم بذلك على مزيد من الظلم والتسلط على العباد والبلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    يا أيها الإخوان...

    كيف تنشدون حقوق الإنسان، وأنتم تمدون قتلة الإنسان وحقوقه، بالقوة والحياة، والتعاون، والاعتراف، وأنكم وإياهم جبهة واحدة، وفي خندق واحد، ألا يوجد فيكم رجل عاقل رشيد؟!

    إلى هذا الحد تستخفون بالعباد، وبعقولهم؟!

    ماذا ستقولون للشعب السوري المقهور، المعتدى عليه، عندما يراكم جالسين بجوار جلاديه، ومصاصي دمائه بالأمس، وفي خندق، وجبهة واحدة، كما تقولون؟!

    ومن استخفافهم بدين الله تعالى، أنهم بعد أن أعلنوا عن كل هذا الشر، والتضامن والتعاون معه، استدلوا بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ومن دون أن يُشيروا إلى أنها آية كريمة مراعاة لمشاعر المجرمين، ثم أي بِرٍّ وأي تقوى هذا الذي تتعاونون عليه مع القتلة المجرمين، والزنادقة المرتدين، ألا تستحون من الله؟!

    ثم أن الآية ابتدأت بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...}، مما دل على أن التعاون على البر والتقوى يكون مع الذين آمنوا، وليس مع الذين كفروا وأجرموا، لذلك رأيناكم تعمدتم حذف قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا...}، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    10) لولا أني وجدت توقيع الإخوان المسلمين في أسفل بيانهم هذا الذي سموه "مشروع ميثاق شرف وطني"! ووجدته منشوراً في موقعهم على الإنترنت، لقلت أن البيان قد كتبه وأعده حزب البعث العربي الاشتراكي، أو أي حزب علماني آخر موجود على الساحة،

    فالطرح - كما تقدم - طرح علماني لا يمت للإسلام بصلة، ولا يختلف عما يطرحه كثير من الأحزاب العلمانية المُفسِدة!

    11) لعل قائلاً يقول: لعل الأخطاء الواردة في ميثاقهم الوطني هذا، هي عبارة عن هفوات وكبوات، غير مقصودة، والإخوان لا يريدونها، ونحن مطالبون بأن نلتمس لهم الأعذار ما استطعنا لذلك سبيلاً؟!

    وعلى هذا القول أجيب:

    فأقول: هذه المزالق والمآخذ التي أخذناها على الإخوان المسلمين في ميثاقهم الوطني هذا، لم تكن أخطاء نادرة أو بمثابة زلة قلم يمكن تأويلها وصرفها عن ظاهرها الباطل، لا، فهي مكررة ومبثوثة في كثير من بياناتهم ونشراتهم؛ حيث لا يخلو بيان من بياناتهم إلا وفيه شيء مما ذكرناه هنا عنهم، وبعض بياناتهم ونشراتهم فيها أكثر مما أخذناه عليهم هنا، مما يجعلنا نشعر أن هذا الطرح الغريب الدخيل على عقيدة الأمة، ليس هو عبارة عن زلة أو كبوة، وإنما هو منهج يلتزمونه ويدرِّسونه، وعقيدة يتبنونها ويدعون إليها، ويُنافحون عنها!

    سنظل نقول فيهم ذلك إلى أن يعلنوا توبتهم على الملأ، أو يصلنا منهم توضيح يتبرأون فيه مما ورد من الباطل في ميثاقهم الوطني العلماني المشؤوم هذا، وغيره من نشراتهم وأدبياتهم!

    وفي ختام هذا التعقيب؛ أختم كلامي بكلمتين ونصيحتين؛ نصيحة للإخوان المسلمين السوريين، ونصيحة للنظام الحاكم وجميع المؤسسات العلمانية، وأحزاب الفساد والدمار، الموجودة على الساحة السورية.

    نصيحتي إلى الإخوان المسلمين:

    فأقول لهم ناصحاً مشفقاً: اتقوا الله في أنفسكم، وفي شبابكم وأتباعكم، وأعدوا لكل كلمة تكتبونها أو موقف تقفونه جواباً بين يدي الله تعالى، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، ولا تغرنكم هذه الحياة الدنيا ومناصبها، فغداً أنتم وغيركم مودعون وميتون، فاحذروا أن تكونوا ممن يقولون يوم القيامة، كما قال تعالى عنهم: {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.

    لا تطلبوا مرضاة الناس ومودتهم بسخط الله، إن عجزتم عن نصرة الحق فلا تنصروا الباطل، فإن قصرت بكم الهمم عن النهوض بتبعات هذا الدين، والارتفاع إلى مستواه، أعلنوا عن ذلك، لعلكم تُعذرون، ويكون ذلك أعذر لكم عند الله!

    فالعجز يبرر القعود، لا يبرر التماس طرق الشر والباطل وتزيينها، والترويج لها!

    فإن وقعتم في الخطأ ولا بد، فقولوا هذا نحن، والخطأ خطؤنا، لا تردوه إلى دين الله تعالى، فهو أهون عليكم عند الله تعالى وعند عباده!

    لا تقولوا كلاماً يبطل أعمالكم، ويُسيء إلى ماضي وتاريخ جماعتكم، واعلموا أن حسنات أسلافكم لا تبرر لكم الوقوع في الكفر أو الاسترسال والتوسع في الباطل!

    لا تقولوا كلاماً، يصعب الاعتذار عنه فيما بعد!

    لا تقولوا: قد أغلظت علينا، فلو وجدت كلاماً لغة وشرعاً أقل شدة يناسب مقالكم وميثاقكم، ومواقفكم، للجأت إليه، فغرضي ليس ذات الشدة أو الإغلاظ، لا، وإنما لكي تنتبهوا إلى الحجم الحقيقي للمزالق التي وقعتم بها!

    لا تنظروا إلى شدة بعض العبارات الواردة في التعقيب، وانظروا إلى أخطائكم وانحرافاتكم، هل تستحق هذه الشدة أم لا؟!

    لا يمنعنكم الكبر والتعالي أو التعصب الحزبي، من الاستفادة مما ورد في مقالي هذا، فأنا ناصح لكم ولغيركم، وأحب لكم الخير، والله على ما أقول شهيد.

    أما نصيحتي إلى النظام الحاكم، وجميع الأحزاب والمؤسسات العلمانية الموجود على الساحة السورية، هي كالتالي:

    فأقول لهم: قد منحتكم الأمة من عمرها - وهي مكرهة! - أكثر من خمسين عاماً، فلم تجد منكم إلا ما يُسيئها؛ فقد حاربتم الله ورسوله والمؤمنين، وكفَّرتم الشعوب، ونشرتم فيهم الفساد والفجور والأمراض، تسومونهم الذل والعذاب، لا تُراعون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة!

    نهبتم خيرات الأمة، فرقتم البلاد والعباد في ملل وأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان!

    مكنتم لليهود في فلسطين، ولا تزالون تعملون على تمكينهم، وتطبيع العلاقات معهم، وعملتم عندهم - طول حياتكم - موظفين ككلاب حراسة أوفياء تمنعون جنود الحق من أن تقوم بواجبها الشرعي نحو تحرير فلسطين وأهل فلسطين!

    وقفتم كعملاء مع أعداء الأمة، على الأمة وأبنائها!

    كل الأمم والشعوب قد تقدمت وازدهرت في مجال الصناعات والاختراعات، إلا أمة الإسلام - بسببكم - لا تزال في آخر الأمم في هذا المجال!

    كيف لا، وأنتم تحاربون النبوغ والإبداع، وتعتبرون العلم والاكتشاف جريمة كبرى يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام!

    علماء الأمة العظماء، في ظل حكمكم وأنظمتكم، بين شهيدٍ أو سجينٍ أو طريد، لم تحترموا في الأمة شيء!

    الكمبيوتر وبرامجه وعالَمه أصبح ألعوبة بأيدي أطفال الشعوب الأخرى، وهي لا تزال إلى الساعة - خوفاً على عروشكم - محرمة على شعوبنا، وطلابنا، وعلمائنا!

    مخازيكم لا يمكن إحصاؤها، لذا نصارحكم ناصحين ومحذرين، ليس لكم في حكم الحق إلا واحدة من اثنتين؛

    إما التوبة الصادقة، والدخول في سلم الإسلام كافة، فتصطلحون مع الله ومع عباده، فتَسلَمون ويَسلَم العباد منكم ومن شركم، وهذا الذي نحبه لكم، ونرجوه لكم، فهو أنفع لكم في دنياكم وآخرتكم.

    فإن أبيتم إلا الاستمرار فيما أنتم عليه الآن من العداء والحرب، والخروج على ثوابت الأمة وعقيدتها، فليس لكم حينئذٍ في حكم الحق إلا القتل والقتال، وذلك كائن ولو بعد حين، وما هو ببعيدٍ إن شاء الله!

    فالشام هي خِيرة الله من أرضه، لها مستقبل ريادي في قيادة الأمة نحو المجد والنصر، والعزة والتمكين لهذه الأمة، لا يمكن - مهما أوتيتم من قوة ومكر وخداع - أن تمنعوه أو تأخروه لحظة عن موعده المقدور.

    فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله).

    ومن تكفل الله به فلا ضَيعة عليه.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام لا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة، وهم بالشام).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)، وغرب المدينة هي الشام.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون ما يقول الله عز وجل، يقول: أنت - أي الشام - صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي...).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمين - أي مدينتهم - بأرض يُقال لها؛ الغوطة، فيها مدينة يُقال لها؛ دمشق؛ خير منازل المسلمين يومئذٍ).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً، وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدين).

    فجنود الحق موجودون، وهم قادمون، ومجد الشام قادم إن شاء الله لا محالة، ومثلكم بالنسبة للشام ولتاريخ ومستقبل الشام كمثل سحابة سوداء أظلت سماء الشام، سرعان ما تزول وتأفل، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    6/1/1423 هـ

    

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:21 pm