محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    أينقص الدين وأنا حي؟!(الجزء الاول)

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    أينقص الدين وأنا حي؟!(الجزء الاول) Empty أينقص الدين وأنا حي؟!(الجزء الاول)

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مايو 16, 2010 5:15 pm

    الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه.

    أمّا بعد...

    فإن الله سبحانه وتعالى خلق العباد وهم في درجات الهمة متفاوتون، فمنهم من ترقى به همته لتبلغ به عنان السماء، ومنهم من تقصر به همته حتى تخلد به إلى الأرض.

    فيحل ذلك لأرضه بتسفل ويحل ذا لسمائه بتصعد

    فعالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته وتحقيق بغيته، وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل.

    فتى لا يضم القلب همات قلبه ولو ضمها قلبٌ لما ضمه صدر

    إن عالي الهمة لا يستوحش من قلة السالكين، ولا يأبه بقلة الناجين، ولا يلتفت إلى كثرة المخذلين، ولا يكترث بمخالفة الناكبين، قلبه لا يعرف التثاؤب ولا الراحة ولا السكون ولا الترف.

    وخسيس الهمة؛ كلما همَّ ليسموا للعوالي، وليرتقي في درجات المعالي، ختم الشيطان على قلبه، وعقد على ناصيته وقال له؛ "عليك ليل طويل فارقد!"، وكلما سعى للإرتقاء بهمته وإقالة عثرته عاجلته جيوش التشويش والأماني، ونادته نفسه الأمارة بالسوء؛ أأنت أكبر أم الواقع؟!

    وحين ينتكس الإنسان يهوي إلى الدرك الذي لا يهوي إليه مخلوق قط، حين تصبح البهائم أرفع منه وأقوم، حين يرتكس مع هواه إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه، وإذا ماتت فيه الغيرة على نفسه وعلى المحارم يصبح أسفل من البهائم.

    ولا يقيم على ضيم يُراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد
    هذا على الحبل مربوط برمته وذا يُشد فلا يدري به أحد

    ولقد حاز سلفنا الصالح قصب السبق في علو الهمة وسمو المراد، وقد ضربوا لهم في كل باب من أبواب هذا الدين بسهم، وأخذوا من كل فضل بنصيب.

    ففي العبادة؛ لا تراهم إلا راكعين ساجدين، خاشعين باكين مخبتين.

    وفي سبيل طلب العلم؛ فارقوا الأهل والأولاد، وتنقلوا في البلاد، وهجروا لذيذ الرقاد، وأنفقوا الطارف والتلاد.

    وفي الإنفاق؛ أنفقوا إنفاق من لا يخشى الفقر في دنياه، ويبتغي رضى مولاه.

    وأما في الجهاد؛ فالحديث ذو شجون، فإنهم لما عاينوا أن له فضلاً لا يضاهى، وخيراً لا يتناهى، سمت نفوسهم إليه، وعلت هممهم لتحصيله، فشمروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا لمحاربة أهل الكفر والعناد، فجهزوا جيوشهم وسراياهم، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم وعطاياهم، وباعوا نفوسهم لخالقها وباريها، فجازاهم بذلك من الجنان أعاليها.

    وقد حفظ لنا تاريخنا كثيراً من تلكم المواقف والقصص التي تدل على علو همة القوم وسمو مطلبهم.

    ففي محنة مانعي الزكاة؛ ادلهم الخطب واشتدت المحنة، والتبس الأمر حتى على كبار الصحابة، فوقف الصديق رضي الله عنه لها بالمرصاد وقال: (والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة، ولأقاتلن من فرق بينهما)، قال عمر رضي الله عنه: (فقاتلنا معه، فرأينا ذلك رشدا).

    وعن أبي رجاء العطاردي قال: (دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل وهو يقول؛ أنا فداؤك لولا أنت لهلكنا، فقلت؛ من المُقَبِل ومن المُقَبّل؟ قالوا؛ عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين).

    وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبو بكر بحظها وفنائها في الإسلام).

    يومها وقف الصديق - فداه أبي وأمي - كالجبل الأشم سداً منيعاً أمام تيار الردة، صارخاً من أعماق قلبه متوكلاً على ربه قائلاً: (قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص الدين وأنا حي؟!).

    "أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ يالها من كلمة فاض بها لسانه، ونطق بها جنانه، كلمة ترسم منهجاً واضحاً لما يجب أن يكون عليه كل فرد من أفراد هذه الأمة؛ علو في الهمة، قوة في التوكل، ثبات على الحق.

    "أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ قالها لسان حال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني، الصديق الثاني، يوم أن وقف وحده كالطود الأشم في محنة خلق القرآن، فكشف الله به الغمة، وأنقذ به الأمة.

    "أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ تمثلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوم أن قام يحرض الأمة على قتال التتار، وكان رحمه الله لصدق توكله على الله ويقينه بموعوده؛ يقسم بالله - لا يستثني - أن الله ناصرهم على التتار، فيقال له: (قل إن شاء الله!)، فيقول: (تحقيقاً، لا تعليقا)، فرد الله عاديتهم وانقلبوا على أعقابهم خاسرين.

    "أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ صرخ بها قلب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فكان يطوف كالوالدة الثكلى بين البلاد، وعيناه تذرفان بالدموع ينادي؛ يا للإسلام! يا للإسلام!.

    إن الأحزان والمصائب تشحذ الهمم وتصنع الرجال، فإن لم تحفزنا المصائب وتعلي هممنا الآلام والأحزان فما الذي يُعلينا؟! وما الذي يوقظنا؟!

    ياله من دين... لو أن لهُ رجالاً؟!

    ها قد دنس عُبّاد الصليب كتاب ربنا وألقوه في مراحيضهم، وفق مخطط محكم لتحطيم هيبة كل ما هو مقدس في نفوس أبناء هذه الأمة، وها قد تجرأ إخوان القردة والخنازير وعُبّاد البقر الهندوس ففعلوا مثل فعلهم.

    واحسرتاه على أمتي، إن لم يقم أبناؤها للثأر لكتاب ربهم فمتى يقومون؟! ومتى يستيقضون؟! إن لم تحركهم أمثال هذه الخطوب والمصائب فما الذي يحركهم؟!

    يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، نستنزل النصر من ربنا، وما غِرْنا على كتابه وحرماته!

    إن عُبّاد الصليب قد صالوا على ديارنا، واستباحوا حرماتنا، وهتكوا أعراضنا، ونهبوا ثرواتنا، في أكبر حملة صليبية عرفها تاريخنا المعاصر، فما الذي ينتظره أبناء هذه الأمة؟! ومتى يهبون من سباتهم؟!

    واحسرتاه... كيف انحطت بهم هممهم إلا من رحم ربي فرضوا بالقعود عن نصرة هذا الدين والذب عن أعراض المسلمين؟

    ياله من حرمان؟ ويالها من خسارة؟... قوم قامت سوق الشهادة بأرضهم، وأناخت ركابها ببابهم، وهم مازالوا في سباتهم نائمين، وفي لهوهم سامدين.

    ولكن اقتضت سنة الله أن يكون له عباد يصطفيهم على مر السنين لحمل راية هذا الدين وتبليغها للعالمين.

    قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).

    فانطلقت صيحات النفير من هاهنا وهاهنا؛ "يا خيل الله اركبي... ويا راية الله ارتفعي... ويا حملة الراية قوموا"...

    فاستجاب من استجاب من أبناء هذه الأمة... استجابوا للنداء، وهبوا للنفير ونفضوا عنهم غبار الذل وركام العار، هبّوا مخلفين الدنيا وزينتها وراءهم، نفروا تاركين خلفهم أهلهم وديارهم وأموالهم، ولكل واحد منهم قصة، ولكل فرد منهم مأساة.

    شُعثٌ شعورهم، غُبرٌ رؤسهم، قليلة أعدادهم، ضعيفة عُددهم.

    لكن... قلوبهم ممتلئة بمحبة هذا الدين، ونفوسهم تواقة لجوار رب العالمين، صدقوا مع الله فصدقهم، فأذاقوا عُبّاد الصليب ألوان الهزيمة، وأصناف العذاب، وحطموا هيبتهم، وكسروا شوكتهم، وأجرى الله على أيديهم من الكرامات ما لم يعد يخفى على كل ذي عينين.

    ولما رأى بنو الأصفر حجم المأزق الذي تورطوا فيه، وعِظم خسائرهم وضحاياهم، سارعوا لتشكيل قوات الجيش والحرس الوثني، لتكون الردء الحامي للصليبيين، واليد الضاربة على المجاهدين، فقامت سوق الابتلاء والتمحيص من جديد، فاستجاب لندائهم من خست به همته وباع دينه بآخرته، فكان حكم المجاهدين فيهم واضحاً بيناً لا لبس فيه، وهو وجوب قتالهم وجهادهم لارتدادهم عن الدين وموالاتهم للصليبيين، والتبس أمر هؤلاء على بعض من يوصفون بـ "العلماء" فضلاً عن غيرهم من العامة الدهماء، فأصدروا فتاويهم بعدم جواز قتال هؤلاء، حفاظاً على حرمة "الدم العراقي" وعصمة أهله!

    وهذه والله أزمة حقيقية تعيشها كثيرٌ من الجماعات العاملة للإسلام في هذا الزمان، ألا وهي؛ "أزمة التفريق بين العدو الخارجي والعدو الداخلي".

    فالعدو الخارجي تُستنهض الأمة لقتاله، وتُستنفذ الطاقات لجهاده، حتى إذا ما خرج من بلادنا وأناب عنه المرتدين من بني جلدتنا، يأتمرون بأمره، ويحكمون بحكمه، ويضربون بسوطه؛ حرُم على الأمة قتالهم وجهادهم، ولو اشتد بلاؤهم.

    فإذا كان العدو ذا بشرة شقراء، وعيون زرقاء؛ وجب قتاله، أما إن كان العدو أسمر البشرة أسود العينين؛ فهذا لا يحل قتاله.

    فهذا لعمر الله قتال "الوطنيين"، لا قتال الموحدين، وقتال من يريد العاجلة، لا من يروم الآخرة، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}.

    هؤلاء المرتدون لم ينشئوا جيوشهم أصلاً إلا لمحاربة دين الله سبحانه وتعالى ولتكون اليد الضاربة التي تبطش بالمخلصين من أبناء هذه الأمة، ولا أدل على ذلك من عملياتهم المتواصلة في إبادة أهل السنة - كعملية "البرق" و "الرمح" و "الخنجر" و "السيف"... وغيرها.

    هذه الجيوش؛ لا نسمع حسيسها إلا في قتال أهل الإيمان وعساكر الرحمن...

    فهذه صولاتهم في باكستان؛ على المجاهدين العرب والأفغان.

    وفي الأردن؛ على الأخيار من أهل معان.

    وفي الرياض والقصيم ومكة؛ على أهل التوحيد الحق.

    ثم هم من بعد سلمٌ للكفار مداهنون للفجار.

    ونحن نعلن...

    أن الجيش العراقي؛ هو جيش ردة وعمالة، والى الصليبيين، وجاء لهدم الإسلام وحرب المسلمين، وسنحاربه حرب الأمة للتتار، الذين أجلبوا على الأمة بخيلهم ورجلهم وكانوا مع ذلك يستعلنون بالشهادتين، وكان في جيشهم أئمة ومؤذنون، وفيهم مصلون وصائمون؛ حتى اشتبه أمرهم على الناس، وتحير فيهم العلماء، فكيف يقاتلونهم وهم منتسبون للأمة ناطقون بالشهادتين؟!

    حتى قيض الله لهذه المحنة شمساً من شموس هذه الأمة ومنارة من مناراتها؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فأفتى بردتهم، ووجوب محاربتهم، لتنكبهم عن تحكيم شريعة الرحمن، وعدولهم عن حكم القرآن، إلى حكم "الياسق" الذي وضعه لهم "جنكيز خان"، والذي جمعه لهم من أحكام التوراة والإنجيل والقرآن وعادات التتار، تماماً كما هو حال دساتير الأنظمة العربية هذه الأيام.

    ومما قاله شيخ الإسلام: (إن هؤلاء القوم المسؤول عنهم؛ عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام، وهم جمهور العسكر، ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يصلي إلا قليل جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدرهم).

    إلى أن قال: (وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين، ولا يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم، فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام؛ لا يجتمعان أبدا).

    وقال: (وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين - مع كونهم يصومون ويصلون - ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟!)، انتهى كلامه رحمه الله.

    ونحن على يقين أننا بقتالنا لجيوش الردة سنواجه باستنكار وامتعاض شديدين من السّذج من أبناء هذه الأمة، إذ في قياسهم القاصر؛ كيف يقاتل المجاهد أخاه وابن عمه وابن عشيرته؟! وما درى هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما بدأ أولاً بقتال من وقف حجر عثرة في طريق هذا الدين من قومه، قبل أن يجالد بني الأصفر، وعلى سنته جرى الصحابة رضي الله عنهم.

    فهذا أبو عبيدة ابن الجراح؛ قتل أباه يوم أحد.

    ومصعب ابن عمير؛ قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد.

    وعمر ابن الخطاب؛ قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر.

    وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث؛ قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد ابن عتبة، وفيهم نزل قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.

    فهذا دربهم وهذه سنتهم لمن أراد اقتفائها.

    وخرج بعضهم بتقسيم لم يسبق إليه للجهاد في العراق، فيقول: (إن المقاومة - وهذا مع تحفظنا على هذه الكلمة - تنقسم إلى قسمين؛ مقاومة شريفة، هي التي تقاوم الكافر المحتل، ومقاومة غير شريفة، التي تقاتل العراقيين أياً كانوا).

    فنقول لهؤلاء...

    إن الذي نعرفه من ديننا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

    إن "المقاومة" الشريفة هي التي تقاتل على أمر الله، {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، لا "المقاومة" التي تشترط لوقف قتالها جدولة انسحاب العدو الخارجي، حتى إذا نصّب بعده حكومة عميلة، تحكم بغير شرع الله وتوالي أعداءه وتعادي أولياءه، انطوينا تحت لوائها وكأن شيئاً لم يكن.

    إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تضحي بدماء أبنائها وتبذل الغالي والنفيس وتتعرض لشتى صنوف الابتلاء وحاديها في ذلك؛ "اللهم خُذ من دمائنا اليوم حتى ترضى... اللهم من حواصل الطير وبطون السباع"، لا "المقاومة" التي تؤثر السلامة، وتقاتل على مبدأ تحقيق مصالح ذاتية، وتتخذ من عملياتها أوراق ضغط على العدو المحتل لتحسين أوضاعها، وإتاحة الفرصة لها بشكل أكبر في المشاركة في الحياة السياسية.

    إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي خَلُص توحيدها لله، فوالت من والاه الله ورسوله ولو كان من أبعد الناس، وعادت من عاداه الله ورسوله ولو كان من أقرب الناس.

    إن يفترق نسبٌ يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد

    قال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد رضي الله عنه - وقد كان تهيأ للخروج مع ابي عبيدة -: (لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره!)، فقال: (ابن عمي أحب إليّ من هذا في قرابته، وهذا أحب إليّ من ابن عمي في دينه، هذا كان أخي في ديني على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووليي وناصري على ابن عمي قبل اليوم، فأنا به أشد استئناساً وإليه أشد طمأنينة).

    إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تجعل من جهادها جهاداً عالمياً غير مرتبط بلونِ أو عرقٍ أو أرض، فالمؤمنون أمةٌ واحدة تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، لا "المقاومة" المزعومة التي تجعل من حدود "سايكس" و "بيكو" منطلقاً لأهدافها وجهادها.

    كان أبو الدرداء رضي الله عنه بدمشق، وسلمان رضي الله عنه بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: (أن هلُم إلى الأرض المقدسة)، فكتب إليه سلمان: (إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يُقدسُ المرءَ عمله).

    إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي إن أصابها قروح وجراحات ونقص في الكوادر والمعدات نهضت وتحاملت على نفسها وتوكلت على ربها، ولم تفزع إلا إليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حمراء الأسد، لا "المقاومة" التي إذا ما أصابها فاجعة أو ابتلاء استوحشت الطريق وفزعت إلى من يمد لها يد العون في طريقها، حتى ولو كان ممن يُحادّ الله ورسوله.

    إن "المقاومة" الشريفة؛ هي صاحبة أهداف نبيلة سامية، ومقاصد شرعية عظيمة، ولذلك فإن وسائلها كلها شرعية على هدي الكتاب والسنة، لا "المقاومة" التي عندها الغاية تبرر الوسيلة، فلا حرج عندها في التحالف والتعاون مع من حادّ الله ورسوله في سبيل تحقيق بعض المصالح والأغراض.

    إن الذين يُقال عنهم بأنهم من غير "المقاومة" الشريفة هم الذين يجاهدون في سبيل الله منذ ما يزيد على العامين، وقد ضحوا بأغلى ما عندهم من أجل رفعة هذا الدين، فقد قدموا علمائهم وقادتهم وكوادرهم.

    فعلى أكتاف من قامت معارك القائم؟ ودماء من سالت في الرمادي والفلوجة وحديثة؟ وأعناق من دُقت في تلعفر والموصل؟ وأرواح من أزهقت في معارك بغداد وديالى وسامراء؟

    فهل قام بكل هذا إلا أبناء "تنظيم القاعدة" من مهاجرين وأنصار وغيرهم من المجاهدين الصادقين، أصحاب المنهج الصافي، الذين آلوا على أنفسهم ألا يتركوا السلاح وفيهم عينٌ تطرف وعرقٌ ينبض.

    ومما يزيد القلب حسرةً وألماً؛ ما آل إليه حال بعض أهل العلم ممن نحسبهم من الصادقين المحبين للجهاد وأهله، فقد بعث إلي بعضهم يشيرون علي بعدم الاستماتة بالقتال في العراق وعدم حشد طاقات الأمة في هذه المعركة.

    ويعلم الله كم أصابني من الهم والحزن من مقالتهم، أهذا ما وصلت له أمتنا؟! أهذا ما جادت به قريحة علمائنا؟! إلى متى يبقى أهل العلم معرضون عن ساحات الجهاد يُصدرون أحكامهم ويوجهون نصائحهم بعيدين عن الواقع الذي تعيشه الأمة؟!

    فإنه لا بد لصواب الحكم؛ من علم بالشرع وخبرة بالواقع.

    يقول سيد رحمه الله: (إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة، ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة، والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية يجددون بها الفقه الإسلامي أو يطورونه وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية لله وحده بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت، هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين، ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين)، انتهى كلامه رحمه الله.

    فلو أن جهادنا جهاد طلب واستعصت علينا بعض حصون بني الأصفر، مما يلحق الضرر بجيش المجاهدين، لقلنا؛ إن في الأمر لسعة، ولكننا نقاتل لندفع عن أمتنا وعن ديننا أخطر عدو صال على ديار المسلمين في هذه العصور، فانتهكوا الحرمات واستباحوا الديار ونهبوا ثروات والخيرات، وامتلأت سجونهم بالمسلمين والمسلمات، بل وامتلأت أحشاء المسلمات بنطفهم القذرة.

    إن الأمة طالما بقيت تجود بفلذات أكبادها وتريق من دماء أبنائها، ذوداً عن هذا الدين؛ فإن الأمة بخير، وإذا ضنت الأمة عن التضحية بدماء أبنائها في سبيل إعلاء كلمة الله؛ تكالبت عليها الأمم وسيمت الذل والهوان، وتسلط عليها أراذل الناس، فبقدر ما يتقدم المجاهدون بقتالهم مع عدوهم ويحققوا انتصارات ملموسة، بقدر ما يرفع الظلم والضيم عن الأمة، والعكس بالعكس.

    فمتى نستميت في الدفاع عن أعراض المسلمين والمسلمات؟ أعندما يدخل عُبّاد الصليب إلى أرض الشام؟ أم إلى مكة والمدينة وينتهكوا أعراضنا فعندها تكون الاستماتة في القتال؟!

    فما بال أخواتنا نساء العراق من ذوات الخدور العفيفات الطاهرات، اللواتي يجأرن إلى الله في قعر زلازلهن من ظلم أعداء الله؟!

    والله يعلم أن ظفر امرأة من أهل السنة في العراق عامة وأهل الفلوجة خاصة؛ أحب إليّ من الدنيا وما فيها.

    فوالله لو أن "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" يفنى عن بكرة أبيه على أن تحرر النساء من سجون الصليبيين والروافض الحاقدين؛ لما ترددنا في ذلك لحظة واحدة.

    كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فكوا العاني)؟ فكيف بالعانية الضعيفة؟! بل فكيف بالعانية التي ينتهك عرضها صباح مساء؟!

    يا حسرة على أمتنا... إن لم نستمت في هذه المواطن فقولوا لي بربكم متى وأين نستميت؟!

    قوافل تمضي بين أفواج رضع وأحزان ثكلى أو تباريح أيم
    وبين صبايا يا لذل دموعها وأفواجُ أطفالٍ وأفواجُ يُتم
    قوافل تمضي وهي تسحب خطوها ذليلاً على شوك مدم وموضم
    تكاد عيون الطفل تسأل من أنا إلى أين أمضي يا فيافي تكلمي
    أتحملني دورٌ للنصارى وبيعة وساحات شرك أو منازل سوّم
    لتُنزع مني فطرةٌ وطهارةٌ ويُغرس بي شركٌ وفتنة مأثم

    هل يُعقل أن تكون خير أمة أخرجت للناس أقل غيرة وحمية لأسراها من اليهود؟!

    فقد قال القرطبي رحمه الله: (قال علماؤنا؛ كان الله قد أخذ عليهم - أي اليهود - أربعة عهود؛ ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وافتداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخاً يتلى، فقال؛ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، قلت - أي القرطبي -؛ ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض، ليس بالمسلمين بل بالكافرين، حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم)، انتهى كلامه رحمه الله.

    وبعضهم يريد منا أن نوقف جهادنا في أرض الرافدين، ويزعم أن الجهاد في العراق إنما هو قتال نكاية لا قتال تمكين، وأنه ثم من سيقطف ثمرة هذا الجهاد المبارك ويعتلي سدة الحكم على حساب دماء المجاهدين.

    فنقول؛ إن الله سبحانه وتعالى قد فرض على عباده اتباع أمره وتطبيق شرعه، ولم يتعبدهم بما غاب عنهم وخفي حاله عليهم، وإن الله سبحانه قد أمرنا بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهذا في جهاد الطلب، فما بالك في مثل حالنا؟ والعدو قد صال علينا، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}.

    قال الجصاص في أحكامه: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين؛ أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة؛ أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم)، انتهى كلامه رحمه الله.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام؛ فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا).

    وقال أيضاً: (فالعدو الصائل، الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه)، انتهى كلامه رحمه الله

    فنحن مأمورون بدفع هذا العدو الصائل، بل ونعتقد بناء على ما سبق من كلام أئمتنا؛ أن الأمة آثمة في تخلفها وقعودها عن نصرة المجاهدين - علماؤها ودعاتها وعوامها –

    فلو أن كل مسلم أخذ بمقتضى هذه الشبهة لما قامت للإسلام قائمة، وما رفعت للمسلمين راية، وهل يعني الأخذ بهذه المقالة سوى التثبيط عن القتال في سبيل الله وتعطيل الجهاد وإيقافه وتسليم البلاد والعباد للصليبيين وأعوانهم من المرتدين ليفعلوا بهم ما يشاءون؟

    وهل القول بأن ثم من سيقطف الثمرة غير المجاهدين إلا رجم من الغيب وضرب من التخمين؟ ومتى كان قطف الثمرة دليلاً على صحة الفعل من عدمه؟!

    ففي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يحصد من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير؛ قُتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدى رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من إذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها).

    إن الذي نعرفه من دين الله؛ أننا أمرنا بامتثال أمره، والنفير خفافاً وثقالاً في سبيله، ثم النتائج مردها إلى الله سبحانه وتعالى وليس إلينا.

    فعليك بذر الحب لا قطف الجنى والله للساعين خير معين

    لقد تمالأت تحالفات الشر وقوى الكفر على المدينة، تريد استئصال شافة المسلمين يوم الأحزاب، وأصاب المسلمين من الخوف ما أصابهم، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟)، يكررها مراراً ولا يجيبه أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك كله يبشر أصحابه بقصور الحيرة ومدائن كسرى، فيقول المنافقون: (ألا تعجبون؟! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا!).

    إن الواحد منا لا يمكنه أن يعيش معزولاً عن ماضي أسلافه، فتاريخنا المشرق قد حوى لنا مئات الحوادث الناصعة والصفحات المضيئة، التي نستمد منها - بعد الله تعالى - العون والثبات على ما نحن فيه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

    وانطلاقاً من هذا؛ أحببت أن أذكر لأمتي قصة من قصص العز والإباء، وصورة من صور الفخر والكبرياء، علها تكون عوناً على نفض غبار الذل الذي تغشانا، وسبيلاً لرفع الضيم والعار الذي نزل بنا، مع مقارنة بسيطة في أحداثها ووقائعها ومواقف أصحابها مع واقع أمتي اليوم ومواقف أبنائها...

    (ففي سنة ثلاث وستين وأربعمائة؛ أقبل ملك الروم "أرمانيوس" في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرج والفرنج، وعدد عظيمه، وتجمل هائل، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق ما بين ألفي فارس إلى خمسمائة فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغُزّ الذين يكونون وراء القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مئة ألف نقاب وحفار، وألف روزجاري، ومعه أربع عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والعرابات والمجانيق، منها منجنيق يمده ألف ومائتا رجل، ومن عزمه - قبحه الله - أن يجتث الإسلام وأهله، وقد اقطع بطارقته البلاد حتى بغداد).

    أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، أليس هذا هو حال عُباد الصليب اليوم؟ عندما أتوا إلى العراق بكامل عددهم وعدتهم، ببارجاتهم وقاذفاتهم وطائراتهم ودباباتهم ومدرعاتهم، وبما يزيد على مئة وخمسين ألفاً من جنودهم، بمساندة أكثر من ثلاثين دولة من أمم الكفر والإلحاد، في أكبر حملة صليبية تشهدها البلاد، يرومون القضاء على الإسلام وأهله، تحت مسميات "القضاء على الإرهاب والقاعدة"، و "محاربة الأصولية المتشددة"، وغير ذلك مما عاد لا ينطلي إلا على من أعمى الله بصره وختم على قلبه.

    (واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له؛ "أرفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا"، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة فاستعادوه من أيدي المسلمين، واستنقذوه - فيما يزعمون - والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}).

    قلت: ألم يكن هذا مخططهم عقب غزوهم لأرض الرافدين؟ أن يميلوا على الشام وأهله، بحجة إيوائها للبعثيين، وعدم منعها لتسلل المقاتلين، لولا أن الله تعالى ردّ كيدهم وأحبط مكرهم عبر ضربات المجاهدين الصادقين، وهم ما زالوا على تنفيذ مخططهم حريصين، وفي سبيل تحقيقه سائرين، للتمكين لدولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن يدري فالأيام حبالى وإن غداً لناظره لقريب.

    (فالتقاه السلطان "ألب أرسلان" في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند ملك الروم، وكان الملك "ألب أرسلان" التركي سلطان العراق والعجم يومئذ، قد جمع وجوه مملكته، وقال؛ "قد علمتم ما نزل بالمسلمين فما رأيكم؟"، قالوا؛ "رأينا لرأيك تبع، وهذه الجموع لا قبل لأحد بها"، قال؛ "وأين المفر؟ لم يبق إلا الموت، فموتوا كراماً أحسن"، قالوا؛ "أمّا إذ سمحت بنفسك، فنفوسنا لك لفداء"، فعزموا على ملاقاتهم، وقال؛ "نلقاهم في أول بلادي"، فخرج في عشرين ألفاً من الأمجاد الشجعان المنتخبين، فلما ساروا مرحلة عرض على عسكره فوجدهم خمسة عشر ألفاً ورجعت خمسة، فلما سار مرحلة ثانية عرض عسكره فإذ هم اثنى عشر ألفاً، فلما واجههم عند الصباح رأى ما أذهل العقول وحير الألباب، وكان المسلمون كالشامة البيضاء في الثور الأسود، ولما التقى الجمعان، وتراءى الكفر والإيمان، واصطدم الجبلان، طلب السلطان الهدنة، قال "أرمانوس"؛ "لا هدنة إلا ببذل الري" - أي البلاد -).

    قلت: ألم يكن هذا حال "أرمانوسهم" - بوش -؟ أول غزوه لأفغانستان والعراق، فكان لا يلوي على شيء، لا يقبل هدنة، ولا يرضى مصالحة، حتى إذا ما أذاقه الله وجنوده طعم الذل والهزيمة على أيدي عباده المجاهدين وأوليائه الصادقين راح ينادي بضرورة فتح باب التحاور وحل المسألة عن طريق التفاوض.

    (فحمي السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري؛ "إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره، ولعل هذا الفتح باسمك، فالقهم وقت الزوال"، وكان يوم جمعة، قال؛ "فإنه يكون الخطباء على المنابر وإنهم يدعون للمجاهدين").

    أقول: وهنا يأتي دور الأئمة والعلماء، في تثبيتهم للقادة والأمراء، وحثهم على قتال العدو وحربه، وتذكيرهم بتأييد الله لحزبه، ونصرته لأوليائه وجنده، وكما قيل: "قوام هذا الدين بكتاب يهدي وبسيف ينصر، وكفى بربك هادياً ونصيرا".

    وتأمل قوله: (فإنه يكون الخطباء على المنابر، وإنهم يدعون للمجاهدين)، ثم افسح المجال لعينيك لتجودا بالدمع حزناً وألماً على ما آل إليه حال الأمة اليوم، فليت أئمتنا وخطبائنا إذ لم ينفروا بأنفسهم لنصرة المستضعفين، ولم يجاهدوا بألسنتهم أعداء الدين، ولم ينصروا بدعائهم الموحدين، كفوا ألسنتهم عن المجاهدين، ولم يكونوا أعواناً للصليبيين والمرتدين.

    والله إن أمة تدعوا وتقنت على خيرة أبنائها المجاهدين لهي أمة سوء، إن أمة تدعو وتقنت على "يوسف العييري"، و "عبد العزيز المقرنط، و "تركي الدندني"، و"حمد الحميدي"، و "عيسى العوشن"، و "عبد الله الرشود"، و "صالح العوفي" وغيرهم من المجاهدين؛ لهي أمة سوء.

    (فصلوا، وبكى السلطان، ودعا وأمّنوا، وسجد وعفّر وجههن وقال؛ "يا أمراء من شاء فلينصرف، فما هاهنا سلطان"، وعقد ذنب حصانه بيده، ولبس البياض وتحنّط، وقال؛ "ليودع كل واحد صاحبه وليوصي"، ففعلوا ذلك، وقال؛ "إني عازم على أن أحمل فاحملوا معي"، وتواقف الفريقان، وتواجه الفتيان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل ومرّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره).

    أقول: وهذه سنة الله سبحانه وتعالى، لا بد من المواجهة مع قوى الشر، ولابد من لحظة الصدام مع تحالفات الكفر، فإنه لن يكون الرفع لهذه المذلة التي تعيشها الأمة اليوم إلا بإعلاء راية الجهاد واستنـزال النصر من رب العباد، ولن تضرب شجرة هذا الدين جذورها في أرضنا حتى تسقيها الأمة من دماء أبنائها كما سقاها الأولون، ولن يقوم لنا ما قام للأولين حتى نبذل ما بذلوه.

    (فأنزل الله نصره على المسلمين، ومنحهم أكتافهم، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأُسر ملكهم "أرمانوس"، وجلس "ألبُ أرسلان" على كرسي الملك في مضربة في سرادقه على فراشه، وأكل من طعامه ولبس من ثيابه، وأُحضر الملك بين يديه وفي عنقه حبل، فقال؛ "ما كنت صانعاً لوظفرت بي؟"، قال؛ "أو تشك أنت في قتلك حينئذ؟"، قال "ألبُ أرسلان"؛ "وأنت أقل في عيني من أن أقتلك، اذهبوا فبيعوه"، فطافوا به جميع العسكر والحبل في عنقه، يُنادى عليه بالدراهم والفلوس فما يشتريه أحد، حتى انتهوا في آخر العسكر إلى رجل فقال؛ "إن بعتومونيه بهذا الكلب، اشتريته"، فأخذوه وأخذوا الكلب، وأتوا بهما إلى "ألب أرسلان"، وأخبروه بما صنعوا به وبما دُفع فيه، فقال؛ "الكلب خير منه، لأنه ينفع وهذا لا ينفع، خذوا الكلب، وادفعوا له هذا الكلب"، ثم إنه بعد ذلك أمر بإطلاقه وأن يجعل الكلب قرينه مربوطاً في عنقه، ووكل به من يوصله إلى بلاده، فلما وصل عزلوه عن الملك وكحلوه، فلله الحمد والمنة).

    وهذه رسالة إلى الحرائر من نساء الرافدين خاصة وإلى نساء الأمة عامة:

    أين أنتن من هذا الجهاد المبارك؟ وماذا قدمتن لهذه الأمة؟ ألا تتقين الله في أنفسكن؟ أتُربين أولادكن ليذبحوا على موائد الطواغيت؟ أرضيتن بالخنوع والقعود عن هذا الجهاد؟ ألا ترين أن الرجال قد أذالوا الخيل ووضعوا السلاح وقالوا؛ "لا جهاد"؟ فما لكن لا تلقين أولادكن في أتون المعركة حتى يصطلوا بنارها ويدافعوا عن هذا الدين؟ لماذا لا تحرضن أزواجكن وأولادكن على جهاد الصليبيين وقتال المرتدين، وبذل نفوسهم ودمائهم رخيصة في سبيل هذا الدين؟

    لقد كانت المرأة من المشركين في يوم أحد - وهن على الباطل - تحمل معها المكاحل والمراود، فكلما ولّى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مروداً ومكحلة، وقلن له؛ "إنما أنت امرأة"، فما بالكن وأنتن على الحق؟!

    الله... الله في أنفسكن أعتقنها من النار، وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكن: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار).

    الله... ألله يا حفيدات أم عمارة...

    وما أدراكن ما أم عمارة؟

    قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: (لمقامها اليوم خير من مقام فلان وفلان).

    قالت أم عمارة: (لقد رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقي معه إلا نفر ما يُتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه، نذب عنه، والناس يمرون منهزمين وراء النبي صلى الله عليه وسلمن ولا ترس معي، فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال له؛ "ألق ترسك إلى من يقاتل"، فألأقاه، فأخذته، فجعلت أترّس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل لو كانوا رجّالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فيقبل رجل على فرس فيضربني، وتترست له، فلم يصنع شيئاً، وولّى، فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: "يا ابن أم عمارة! أمك أمك")، قالت: (فعاونني عليه حتى أوردته شعوب) - تريد أنها قتلته -

    وكانت رضي الله عنها لا ترى الخطر يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون سداده وملأ لهوته، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني).

    وشهدت رضي الله عنها اليمامة، فقاتلت حتى قطعت يدها وجرحت اثنا عشر جرحاً.

    إن المرأة المجاهدة هي التي تربي وليدها؛ لا ليعيش، بل ليُقاتل، ثم ليُقتل، ثم ليعيش فيكون حراً... ما أعظمها من همة، وما أسماها من نية.

    ذكر أهل السير؛ أن خالداً بن الوليد رضي الله عنه بلغه أن جيشاً كبيراً من الروم قد نزلوا بأجنادين من جنوب فلسطين، وأن نصارى العرب وأهل الشام قد سارعوا بالانضمام إليه، فخرج خالد فصفّ قواته، وأقبل يُحرضُ جنده ويُحمسهم، وأقام نساء المسلمين خلف الجيش يبتهلن إلى الله ويدعونه ويستغثنه، وكلما مر بهن رجل من المسلمين دفعن إليه أولادهن وقلن له: (قاتلوا دون أولادكم ونسائكم)، كما أمرهن خالد أن يُحرمن على الرجال ما كان مباحاً لهم معهن، ثم حمل خالد وصحبه على الروم، فما صبر الروم لهم فواقاً، وانهزموا هزيمة شديدة، وقتلهم المسلمون كيف شاءوا، وأصابوا معسكرهم وما حوى.

    الله... الله يا حفيدات صفية وأسماء والخنساء.

    ألا ترين أن الأمة تُنحر من الوريد إلى الوريد، وتُستباح من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها؟ ألم يبلغكن ما تلاقيه أخواتكن في سجون القهر الصليبي؟ وهل استشعرت إحداكن أن لو كانت مكانهن كيف سيكون حالها وأنها تتمنى من أبناء الأمة استنقاذها وفك أسرها؟

    ولقد بعث لي كثير من الأخوات المجاهدات في أرض الرافدين، يطلبن القيام بعمليات استشهادية، ويلححن في طلب ذلك، وقد كتبت لي إحداهن رسالة سطرتها بمزيج دمعها ودمها، وذلك بعد استشهاد الاخوة في عملية أبي غريب، التي كانوا يرومون منها استنقاذ الأسيرات من سجون القهر الصليبي، كتبت تلح علي فيها بتنفيذ عملية استشهادية، قائلة: (إن الحياة لا تطيب بعد مقتل هؤلاء)، واستحلفتني بالله طويلاً أن أستجيب لها في طلبها، ومنذ ذلك اليوم وإلى هذه الساعة - وذلك قرابة ثمانية أشهر - وهي تواصل الصوم لا تفطر.

    ويعلم الله مقدار تأثري بكلماتها وما تمالكت نفسي فبكيت أسفاً على حال هذه الأمة، ألهذا الحد وصلت المهانة بأمتي، هل فني الرجال فاضطررنا لتجنيد النساء؟! أليس من العار على أبناء أمتي أن تطلب أخواتنا الطاهرات العفيفات أن يقمن بالعمليات الاستشهادية ورجال أمتي في سباتهم نائمون وفي لهوهم يلعبون؟!

    وهذه رسالة إلى عدو الله "بوش"...

    لقد غرتك من قبل قوتك، وامتلأ بالباطل صدرك، وخضت الحرب على أفغانستان، وزعمت أنك تخوض حرباً مقدسة، وأن إلهك هو من أمرك بهذه الحرب، ثم سولت لك نفسك فثنيت بالحرب على العراق للتمكين لدولة إسرائيل، وظننت أن الأمر سيسير وفق ما خططت له وهويت، وما دار في خلدك أن الله قد ادّخر لك ما يسؤك على يدي فئة قليلة من أبناء العقيدة وجنود التوحيد، من مهاجرين وأنصار، الذين مرغوا أنف جيشك في التراب على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

    فأين إلهك الذي زعمت؟ فلتدعه فلينقذك وجنودك من هذا المستنقع الذي غرقتم فيه إن كنت من الصادقين!

    لقد قلت من قبل: (أن الإله الذي يعبده هؤلاء المجاهدون هو إله وثني فاسد) - كما زعمت - وما دريت بأن الإله الذي نعبده ونلوذ به ونتوكل عليه هو الذي قذف الرعب في قلوب جنودك وربط على قلوب هذه الفئة الصابرة، وإلا فقل لي؛ من الذي أظهر هؤلاء الشعث الغبر، القليلة أعدادهم، الضعيفة عُددهم، على جيشك العرمرم وآلتك العسكرية الضخمة؟ إنه الله سبحانه وتعالى، الذي أهلك أصحاب الفيل يوم أن أقبلوا بجحافلهم لهدم الكعبة، فأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.

    ودعني أهمس في أذنك الصماء يا "صاحب الفيل"...

    إن الإله الذي تعبده أيها الأحمق، ويعبده أذنابك من الروافض الحاقدين، لهو إله سوء، وإن مسيحك الذي تنتظره و "عسكريهم" الذي ينتظره أذنابك الروافض، لهو إله واحد، إنه المسيح الدجال، فابحثوا عنه في سرداب سامراء، أو في سهل "مجيدو" لعله ينقذكم.

    وسننظر أيها الأحمق المطاع من سينتصر في نهاية المعركة؛ أإلهنا أم إلهكم، {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ}.

    أمة الإسلام...

    إننا نعتقد أن الجهاد في العراق فتنة وابتلاء وتمحيص من الله ليميز الصادق من الكاذب، والخبيث من الطيب، ولعله قد بلغكم خطة المكر الصليبي التي لجأ إليها بنو الأصفر، بعد أن أفزعهم وأقضّ مضاجعهم وأرّقت ليلهم ضربات المجاهدين المتتالية، والتي أفقدت الصليبيين توازنهم، وأصبح رموز البيت الأسود يتخبطون في تصريحاتهم، فصرحوا بموافقتهم على التفاوض مع "المقاومة المسلحة" المزعومة في العراق، يرومون من ذلك وقف نزيف الدم المتواصل من قوات الصليبيين وأذنابهم من المرتدين ومحاولة شق صفوف المجاهدين والتشويش على راية الجهاد الصافية، ولنا وقفة مع خطة المكر هذه، فنقول:

    لا بد أن يعلم القاصي والداني؛ بأن العدو الصليبي عندما اجتاح العراق وسقط حزب البعث الكافر وتهاوت رموزه وأذنابه وانفرط عقد جيشه، نهض المجاهدون يذودن عن حياض هذا الدين لرد الغزاة المحتلين، وقامت سوق الجهاد، وتسابق الأبطال إلى الجلاد، وتحركت كتائب الاستشهاديين، فأحالوا ليل العدو مجمراً، وانبرت الكتائب والمجاميع، وتقدمت الزحوف، والتحمت الصفوف، يذيقون العدو كأس الحتوف، وانقضت أسود التوحيد عليهم انقضاض الصقور على بُغاث الطيور، فخرقوهم بددا، وجعلوهم فددا، فقامت سوق الجنان، وتسابق الشجعان، كل يبتغي جوار الرحمن.

    فتخلخلت صفوف العدو ودب الرعب في قلوبهم، وتزلزلت قواعدهم وحصونهم، وبدأت بفضل الله تتضح معالم المعركة، وكثرت خسائر العدو في المعدات والأرواح، وأصبح العراق بأكمله جحيماً على عُبّاد الصليب، واتسع الخرق على الراقع، وانكشف ظهر العدو، ولم يعد باستطاعتهم أن يغطوا حقيقة المعركة، فعمدوا كما أسلفنا إلى الإتيان ببعض المرتزقة من أبناء جلدتنا، على أنهم يمثلون "المقاومة"، حتى يكونون الواجهة التي تقطف ثمار الجهاد، وليسعوا إلى إنقاذ السيد الأمريكي من المستنقع الذي غرق فيه.

    فأين هذه "المقاومة"؟! وأين هم فرسانها؟ الذين لم نسمع بهم ولم نرهم طوال أكثر من سنتين من الحرب الضروس؟ فأين هم وأين تضحياتهم؟ وأين صولاتهم وجولاتهم على الصليبيين في أرض العراق؟ أين كانت هذه الثعالب يوم أن كانت المعارك تدور رحاها في الفلوجة وفي القائم والموصل وديالى وسامراء وغيرها؟

    أفي السلم أعياراً جفاءً وغلظة وفي الحرب أشباه النساء العوارك

    ونحن - بفضل الله - على علم ودراية بما يُحاك لنا في الخفاء من مؤامرات ينسجها عُبّاد الصليب مع الروافض الحاقدين - وللأسف - مع بعض الأحزاب "الإستسلامية" المحسوبة زوراً وبهتاناً على الإسلام والمجاهدين، كـ "الحزب الإسلامي"، وبعض رموز العشائر الذين ارتضوا بأن يكونوا مطايا للصليبيين لتنفيذ مخططهم في القضاء على الجهاد وأهله.

    فنقول لهؤلاء المتآمرين...

    إن جهادنا هو لنصرة هذا الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، ورد عادية الصليبيين، وإننا لنقاتل عن دين، هو دينٌ عظيم، هو دين رب العالمين، فالذي كفانا مكر الصليبيين في الأيام السابقة؛ قادرٌ على أن يكفينا مكركم، ويفضح خبيئتكم، ويكشف سوأتكم.

    ويْحَكُم أيّها المُجرِمُون.. لئن تلقوا الله بذنوب كأمثال جبال تهامة خير لكم من أن تلقوه بذنب عظيم، وهو التآمر على الجهاد والمجاهدين، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، وهل هناك أعظم فاحشة من تعطيل الجهاد، الذي بتعطيله تُنتهك الأعراض وتُستباح الديار؟

    ها قد رضيتم بالمساهمة في كتابة دستور البلاد، والمشاركة في تعبيد الخلق لغير ربّ العباد، مع اليهود والصليبيين والروافض الحاقدين؛ ويالها من جريمة تقشعر منها الجلود وتشمئز منها النفوس، {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.

    فليسمع القاصي والداني...

    أننا نعلنها بيضاء صافية؛ بأننا لن نُسلم راية الجهاد والبلاد إلى من لا يؤتمنون على أمور الدنياً فضلاً عن أمور الدين، بل ما صار لهم قيمة وما اضطر العدو للجلوس معهم إلا بدماء المجاهدين.

    ووالله! لن نتوقف عن قتال الصليبيين وأعوانهم من المرتدين، إلا أن نكون في باطن الأرض لا على ظاهرها.

    وليعلم أصحاب منهج "إمساك العصا من الوسط"؛ أنه قد ولى الزمان الذي يُتاجر به بدماء المجاهدين وتُتخذ جماجمهم جسراً يعبر عليه المنتفعون.

    وأمّا أنتم أيها المجاهدون... يا ليوث الحمى وأسود الوغى...

    إن العدو يعيش أسوأ أيامه على أرض الرافدين، فقد عَظُمت فيه النكاية، وأثخنته الجراح، ومعنويات جنوده في أدنى مستوى لها، ويظهر ذلك جلياً على فلتات تصريحات قادتهم وكبرائهم، حتى صرّح بعض أعضاء "الكونجرس"؛ بأن أمريكا تخسر الحرب في العراق، وما ذلك إلا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل ضرباتكم المركزة والموجعة، والتي جعلتهم يفزعون إلى المشرق والمغرب، ويسعون بكل وسيلة وحيلة للقضاء على الجهاد والمجاهدين.

    فكونوا رحمكم الله على حذر، واصبروا على ما أقامكم الله فيه، فإن هذه الأيام وما بعدها محطات حاسمة في تاريخ جهادكم المشرق على أرض الرافدين الحبيبة، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الشدة، وأن مع العسر يسرا.

    ولا يهولنّكم عدد أعداءكم ولا عدته، فوالذي نفسي بيده ما انتصر المسلمون في معركة من معارك الإسلام بكثرة عدد ولا عظيم عدة، وإنما بصدق توكلهم على مولاهم وافتقارهم وذلهم بين يديه.

    ذكر الطبري وغيره؛ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه توجه بعد القادسية إلى المدائن - عاصمة كسرى - فوجد عدوه قد اعتصموا منهم بنهر عظيم يقذف بالزبد لشدة جريانه، فرأى سعد في منامه؛ أن خيول المسلمين قد اقتتحمت مياه دجلة وعبرت وجاءت بخير عظيم، فلما أصبح قام بهم خطيباً، وقال: (إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر، فلا تخلصون إليهم معه، وهو يخلصون إليكم إذا شاءوا، فيناوشونكم في سفنهم، وليس ورائكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحفركم الدنيا، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم)، فقالوا جميعاً: (عزم الله لنا ولك على الرشد، فافعل)، فعبروا النهر وعامت بهم الخيل، وجعل سعد يقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل... حسبنا الله ونعم الوكيل... والله لينصرن الله وليّه، وليُظهرنّ الله دينه، وليَهزمنّ الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات)، فخرجوا من النهر وما غرق منهم أحد، فهزموا الفرس، وغنموا ما لا يحصى من الجواهر والكنوز العظيمة.

    فهذا نهر دجلة دونكم فاسألوه؛ هل جازه يوماً سعدُ ومن معه بخيولهم؟ ثم سلوه ثانية؛ كيف جازوه؟ وما الذي صنعوه؟

    فسيجيبكم بلسان حاله؛ وماذا أصنع برجال جاءوا من تلكم القفار ليقيموا شرع الله، ويطهروا الأرض من رجس الكفار، فما أنا إلا خلقٌ من خلقه، وجندي من جنوده، ولئن أتيتم بالأسباب التي جاءوا بها لتسخرن لكم جنود الأرض والسماوات، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ألا ترون الحزن بادياً على قسمات وجهي![/

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:00 pm