فسيجيبكم بلسان حاله؛ وماذا أصنع برجال جاءوا من تلكم القفار ليقيموا شرع الله، ويطهروا الأرض من رجس الكفار، فما أنا إلا خلقٌ من خلقه، وجندي من جنوده، ولئن أتيتم بالأسباب التي جاءوا بها لتسخرن لكم جنود الأرض والسماوات، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ألا ترون الحزن بادياً على قسمات وجهي! كيف لا وعُبّاد الصليب قد دنسوا مائي يوم أن تنكبتم عن طريق سعدٍ وأصحابه، إني لأتذكر تلك الأيام فلا أملك إلا البكاء، حنيناً وشوقاً لأولئك الرجال، لقد كانت أسعد أيامي يوم أن جريتُ وهم على ظهري، ألا من عودة يا أحفاد سعدٍ والمثنى؟
أيها المجاهدون...
لا تستوحشوا من كثرة عدد أعدائكم وقلتكم، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، وقد انتصر نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدر وعدده أقل منكم، وكذا في مؤتة والقادسية وغيرها.
واعلموا أنكم لن تؤتوا من قلة، ولكنكم تؤتون من قبل الذنوب والمعاصي، فاحترسوا رحمكم الله منها أشد احتراساً من عدوكم، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة، ولم نجد إليهم سبيلا.
احرصوا على الموت توهب لكم الحياة، ضاعفوا حملاتكم ضدهم، وألحوا عليهم ولا تغفلوا عنهم، احرصوا على تلاوة كلام باريكم، أحيوا بالأنفال وبراءة ليلكم، وأكثروا من ذكر مولاكم فإنه والله؛ نعم العون على ما أنتم فيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا: (وذلك ما هو يا رسول الله؟)، قال: (ذكر الله عز وجل).
ولا يغُرّنّكم ولا يَخدَعنّكم ما يروجونه في وسائل إعلامهم عن الحملات العسكرية التي يقومون بها ذات الاسماء البراقة، كـ "البرق" و "الرمح" و "الخنجر"، وأخيراً "السيف"، وقد قال مولاكم: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أَتخافون من يُثَلثُ مع الله؟! أتخافون من يعبدُ الصليب؟! أتخافون من جيش المرتزقة؟!
أمْ تخافون جيش ابن العلقمي أتباع آل البيت الأبيض؟! فهؤلاء والله من أجبن الناس، ولقد كان أجدادهم الأوائل يوصمون بالجبن والغدر والخيانة، وتلك لعمر الله سجية الطبع اللئيم.
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يذكرنا بصفات أجدادهم فيقول: (والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، فمن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيّات ولا عزم على أمر، ولا صبر سيف).
وما أشبه الليلة بالبارحة...
وإننا في "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" لنعلن عن تشكيل فيلق عسكري أسميناه بـ "فيلق عمر"، تيمناً بالفاروق ابن الخطاب فداه أبي وأمي، وهذا الفيلق أنشأناه لاستئصال شأفة واجتثاث رموز وكوادر "فيلق الغدر" - فيلق بدر - فيكفينا مؤنة الاشتغال بهذا الفيلق الغادر، حتى نتفرغ لمنازلة الصليبيين وباقي أعوانهم من المرتدين.
يقول سيد رحمه الله في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}: (الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ويتصلوا به، الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينقصوا ولم ييأسوا، الذين صبروا على فتنة النفس، وعلى فتنة الناس، الذين حملوا أعباءهم فساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب، أولئك لن يتركهم الله وحدهم، ولن يُضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم، إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم، وسينظر على محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء)، انتهى كلامه رحمه الله
يا أهل العراق الحبيب...
يعلم الله؛ أنا ما أتيناكم إلا نُصرة لكم، ودفاعاً عن حرماتكم وأعراضكم، وردّ عادية الصليبيين عنكم، ولتعيشوا أعزة في دياركم، وإن كنتم تظنون أن غاية جهادنا هو طرد المحتل الصليبي ثم وضع السلاح والاشتغال بالدنيا وملذاتها؛ خبنا والله وخسرنا.
ووالله... إن ملك العراق كله لا يساوي عندنا رباط ليلة في سبيل الله، ولا يساوي شراك نعل مجاهد من إخواننا، وكل ما نرجوه أن يفتح الله علينا في العراق ثم نتوجه إلى بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، تلك والله اللحظات التي ننتظرها بأشد الشوق، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}.
يا إخوة التوحيد... يا إخوة الدرب...
الثبات... الثبات، فهذا "سيّاف" و "رباني" وغيرهما عندما كانوا في بداية قتالهم للشيوعيين، ظاهرهم لنصرة الدين، وقد أجرى الله على أيديهم العديد من الكرامات، وقد صرحوا أن جهادهم إنما هو لتحكيم شرع الله في أفغانستان، ولكن لما كان في منهجهم خلل عظيم، وغلبت عليهم الذنوب والمعاصي؛ أضلهم الله على علم، فأخذوا يمدون حبال الود بينهم وبين أعداء الأمس، وتسابقوا ليقطفوا ثمرة الجهاد، ويكون لهم نصيب في الملك، وتأولوا المصالح، ولووا أعناق النصوص، وتنكبوا عن أحكام الدين، وأصبح عدو الأمس؛ صديق اليوم، ورفيق الجهاد أمس؛ عدو اليوم، حتى آل بهم الأمر أن جاءوا على الدبابات الأمريكية يطاعنون المسلمين في أفغانستان، وصدق الله سبحانه وتعالى حينما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قال الإمام أحمد: (أتدري ما الفتنة؟ الفتنة؛ الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)، انتهى كلامه رحمه الله.
أيها المجاهدون...
إن سنة الله جرت؛ أنه ليس هناك من هو فوق الحكم الشرعي، بل إن الله خاطب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بخطاب تنخلع له القلوب، فقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}، فهذا في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لو ركن إلى الأعداء - وحاشاه - فكيف بمن دونه؟
فالنجاة النجاة... والصبر الصبر... والثبات الثبات... على ما كان عليه السلف الذين قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، فلا تبدلوا إخوة التوحيد... لا تبدلوا يا إخوة التوحيد.
وإياكم أن تكونوا ممن يخون الله ورسوله، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فإن الجهاد أمانة في أعناقكم، وإن الله سائلكم عن هذه الأمانة، فليس الخائن الذي مدّ يد العون وتنكب الطريق إلى أعداء الله فحسب، بل الخائن؛ من سكت وألقى سلاحه ورضي بأن تُسلم الحريم إلى أعداء الله.
فو الله يوم من حياة الأسود خير من ألف يوم من حياة ابن آوى، إن عزكم وشرفكم وحياتكم هو الجهاد في سبيل الله، فإياكم... إياكم أن تلقوا السلاح، فإنه والله الاستبدال والطرد والإبعاد.
واحرصوا أن تكونوا من ذلك الركب الكريم؛ ركب محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وافتحوا بيوتكم وصدوركم لإخوانكم المهاجرين، الذين هجروا الملذات، ونفروا ليدافعوا عن دينكم وأعراضكم، وكونوا خير أنصار لخير مهاجرين، فلا تشبعوا وهم جائعون، ولا تناموا وهم خائفون، واحرصوا أن تظفروا بهذه البشارة العظيمة؛ بأن تكونوا ممن يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيكم: (أنا منكم وأنتم مني، أنا منكم وأنتم مني).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم).
وما عقم زماننا أن يجود بامثال هؤلاء الأشعريين، فلكل زمان أهله ورجاله.
وهذه صورة من صور التضحية والفداء في سبيل هذا الدين، يفخر بها كل مسلم، صاحبها أسد من عشيرة "زوبع" الأصيلة، وهو الأخ المجاهد أبو عبد الله الزوبعي، فعندما انطلق الإخوة في معركة أبي غريب الأولى، كان أبو عبد الله ممن يؤوي الإخوة في بيته، وقدر الله سبحانه لحكمة يعلمها أن يُكتشف أمر الإخوة قبل العملية، فبدأ الطيران بقصف البيوت، فقُتل من عائلته قُرابة العشرين شخصاً - منهم أبواه وإخوانه وأخواته - وضرب أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب، ولما أردت تعزيته والشدّ من أزره خاطبني قائلاً: (يا فلان! طالما أنت وإخوانك المهاجرون بخير فكل شيء بعد ذلك يهون)، وقالها بلهجته العراقية اللطيفة: (أنا والأهل والأولاد فدوة للمجاهدين).
فإياكم أن يحول الأعداء بينكم وبينهم، فأقسم بالذي إليه أعود؛ أنه ليس هناك جهاد حقيقي في العراق إلا بوجود المهاجرين، أبناء الأمة المعطاء، النـزاع من القبائل، الذين ينصرون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإياكم أن تفقدوهم، فبذهابهم؛ ذهاب ريحكم، وبذهابهم؛ ذهاب بركة الجهاد ولذته، فلا غنى لكم عنهم، ولا غنى لهم عنكم.
ولا تسمعوا للمخذلين، الذين يزينون تخاذلهم وإرجافهم بصبغة دينية، فمن جاءكم منهم لمحاولة إقناعكم بجدوى التفاوض، أو الدخول في سلك الجيش و الشرطة بحجة المصلحة؛ فصموا آذانكم عن سماع كلامه، واكنسوا عتبة بابكم من آثاره، وقولوا؛ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، فإنهم والله وإن هملجت بهم البراذين، وصفقت بهم البغال، فإن ذل المعصية لا يُفارقهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه، وإن عظمت ألقابهم، وكثرت شهاداتهم، وارتفعت أسمائهم، فقد أبى الله إلا أن يذل من عصاه، أبعد الله من أبعد... أبعد الله من أبعد.
يا أيها المجاهدون...
إن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، فهذا حال الجبل الأصم الذي لم يعص الله يوماً، فكيف بحالي وحالكم؟
وقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلكم يكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر إلى أيمنه فيرى ما قدم، وإلى أشأمه فينظر ما قدم، و إلى أمامه فإذا هو بالنار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
وتخيل - يا أخا الجهاد - وقوفك بين يدي خالقك وباريك، وأنه سائلك عن هذه الأمانة العظيمة؛ ماذا صنعت بها؟ وأعدّ لهذا جواباً، فوالله لئن تفنوا عن بكرة أبيكم وتضحوا بكل شيء لهو أعظم لكم عند الله من أن تلقوه وقد رضيتم بحكم الصليبيين والروافض الحاقدين.
إنها أيام وستنقضي بحلوها ومرها، وحسنها وقبيحها، ثم هي جنة أو نار.
روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال؛ يا بن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول؛ لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له؛ يا بن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول؛ لا والله يا رب ما مرّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدة قط).
فهذه النار وهذا حالها، فهل منا من يصبر على طعامها وشرابها وزقومها وزمهريرها؟
إن ميكائيل عليه السلام لم يعص الله يوماً، وهو من الملائكة المقربين، ما ضحك منذ خلقت النار.
وفي "لطائف المعارف" لابن رجب الحنبلي: (جاءت مولاة لعمر بن عبد العزيز وقصّت أنها رأت في المنام كأن الصراط قد نصبت على جهنم وهي تزفر على أهلها، وذكرت أنها رأت رجالاً مروا على الصراط فأخذتهم النار، قالت؛ ورأيتك يا أمير المؤمنين وقد جيء بك - فوقع مغشياً عليه وبقي زماناً يضطرب وهي تصيح في أذنه - رأيتك والله قد نجوت، رأيتك والله قد نجوت).
إن هذه الأمة لتقذف بفلذات أكبادها إلى أرض الرافدين، وإن أبناءها ليتسابقون ليبذلوا نفوسهم رخيصة فداءً لهذا الدين، والدفاع عن أعراض المسلمين، وليسطروا بدمائهم أروع صور التضحية والفداء، والفخر والإباء.
ومن آخر هؤلاء الليوث الأبطال - وليس آخرهم العالم - المجاهد عبد الله بن محمد الرشود الذي كان شوكة في حلوق طواغيت الجزيرة، فنجاه الله من بين أيديهم بمنه وكرمه، ونفر إلى ساحات النـزال وميادين القتال، ليكون على موعد مع الشهادة التي كان يسألها ويتطلع إليها، وليضرب أروع الأمثلة في بيان ما يجب أن يكون عليه أهل العلم، فلا نامت أعين الجبناء، ولئن سرّ استشهاده الطواغيت من "آل سلول" فإني لأرجو أن يُحيي الله بدمه نفوس أهل العلم، فينفروا بأنفسهم إلى ساحات الجهاد، فيتأسى بهم من خلفهم من أبناء هذه الأمة، فيقوموا فيموتوا على ما مات عليه.
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي
أيها النائمون الغافلون...
عارٌ عليكم أيّها المستسلمون، دينُ يُهان، وأمة تنساق قطعان، وأنتم نائمون، كيف أرتضيتم أن ينام الذئب في وسط القطيع وتأمنون! بغداد تسألكم أليس لعرضها حقٌ عليكم؟ أين فر الراكبون؟! وأين غاب البائعون؟! وأين راح الهاربون؟!
فمن لزحوف اليوم والناس جلهموا طوائف شتى بين لاهين نوم
تلاقت على الآفاق أدمع أمة غابت عن الآفاق وثبات ضيغم
فصارت شعوب المسلمين قوافل تيه أو تباريح هوّم
أطلت وراء الأفق منها مآذنٌ تنادي وتدعو كل قرن معظم
وتدعو شعوب المسلمين وقد غفوا على جهلهم في حيرة وتبرّم
تقول لهم هذي ميادين عزة فصبوا هنا يا قوم ما عز من دم
ستمضي عليكم إن ركنتم مذلة تذوقون من صعب عليها وعلقم
أتعنوا رقاب المسلمين لكافر وتخضع دار للعدو المصلم
إن أبناء هذه الأمة بحاجة إلى منارات حية تضيء لهم الطريق وتنير لهم السبيل.
فهاهو إمام لأحد المساجد في العراق، وكان أعمى البصر، مستنير البصيرة، يأتي إلى الأمير العسكري للـ "قاعدة" في بغداد - وذلك بعد استشهاد الشيخ أبي أنس رحمه الله تعالى - يطلب أن يقوم بعملية استشهادية، فقيل له: (يا فلان! إن الله قد عذرك)، فقال: (إني اطلب الشهادة، لعل الله أن يدخلني الفردوس الأعلى، فاجتمع بالشيخ أبي أنس).
فو الله إن دم الشهيد نورٌ ونار، وإن صدق دعوتنا باستشهاد علمائنا وقادتنا.
قوافل تمضي؛ فالشيخ يوسف العييري، والشيخ أبو أنس الشامي، والمجاهد عمر حديد، وأسد الشام؛ أبو الغادية، وليث الجزيرة؛ سليمان أبو الليث النجدي، وأسد بعقوبة؛ أبو سفيان الزبيدي... وغيرهم وغيرهم، ممن "لا يعرفهم عمر، ولكن يعرفهم رب عمر".
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يُعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تُعار
ونحن على علم أنه سيخرج من هذه الأمة من يردد كلام أسلافه المنافقين، ويقول لمن نفر للجهاد، وأكرمه الله بالشهادة: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، فنجيبهم بجواب الله لهم: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
اللهم إني لأحسب أن الشيخ عبد الله بن محمد الرشود؛ قد فاز بجوارك، وأنت حسيبه، وإنك تعلم يا رب أني بفقده قد خسرت عالماً عاملا، لا تلين له قناة، سيفاً مسلطاً على أعدائك من الكافرين والمرتدين.
اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها، اللهم هيء لنا من أهل العلم من هو خيرٌ منه تحي بدمائهم ومدادهم علم الجهاد.
اللهم إنك تعلم أننا نقاتل عن دين عظيم، هو دينك وشرعك يا رب العالمين، اللهم فكن لنا العون والنصير، ودبر لنا فإنا لا نُحسن التدبير.
اللهم إنك ترى ما حلّ ويحل بنساء المسلمين في العراق، وتعلم أنه لا مغيث لهن سواك، اللهم رحماك بهؤلاء المساكين.
أقسمت عليك باسمك الأعظم... أقسمت عليك باسمك الأعظم... إلا جعلت لنا مخرجا، وعجّلت بهلاك عُبّاد الصليب، وفتحت لنا أبواب رحمتك.
اللهم من تآمر على هذا الجهاد بالسر والإعلان، وأعان على هدمه متعمداً ومتأولاً ومفاوضاً، اللهم فخذه أخذ عزيز مقتدر، وافضحه على رؤوس الأشهاد، اللهم من قام من هؤلاء وقام رياءً وسمعة ليصُدّ عن دينك، ويحول بين المجاهدين وبين المسلمين، اللهم فأطل عمرهن وأطل فقره، وعرضه للفتن، اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها... اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها... اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
والحمد لله رب العالمين
أيها المجاهدون...
لا تستوحشوا من كثرة عدد أعدائكم وقلتكم، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، وقد انتصر نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدر وعدده أقل منكم، وكذا في مؤتة والقادسية وغيرها.
واعلموا أنكم لن تؤتوا من قلة، ولكنكم تؤتون من قبل الذنوب والمعاصي، فاحترسوا رحمكم الله منها أشد احتراساً من عدوكم، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة، ولم نجد إليهم سبيلا.
احرصوا على الموت توهب لكم الحياة، ضاعفوا حملاتكم ضدهم، وألحوا عليهم ولا تغفلوا عنهم، احرصوا على تلاوة كلام باريكم، أحيوا بالأنفال وبراءة ليلكم، وأكثروا من ذكر مولاكم فإنه والله؛ نعم العون على ما أنتم فيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا: (وذلك ما هو يا رسول الله؟)، قال: (ذكر الله عز وجل).
ولا يغُرّنّكم ولا يَخدَعنّكم ما يروجونه في وسائل إعلامهم عن الحملات العسكرية التي يقومون بها ذات الاسماء البراقة، كـ "البرق" و "الرمح" و "الخنجر"، وأخيراً "السيف"، وقد قال مولاكم: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أَتخافون من يُثَلثُ مع الله؟! أتخافون من يعبدُ الصليب؟! أتخافون من جيش المرتزقة؟!
أمْ تخافون جيش ابن العلقمي أتباع آل البيت الأبيض؟! فهؤلاء والله من أجبن الناس، ولقد كان أجدادهم الأوائل يوصمون بالجبن والغدر والخيانة، وتلك لعمر الله سجية الطبع اللئيم.
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يذكرنا بصفات أجدادهم فيقول: (والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، فمن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيّات ولا عزم على أمر، ولا صبر سيف).
وما أشبه الليلة بالبارحة...
وإننا في "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" لنعلن عن تشكيل فيلق عسكري أسميناه بـ "فيلق عمر"، تيمناً بالفاروق ابن الخطاب فداه أبي وأمي، وهذا الفيلق أنشأناه لاستئصال شأفة واجتثاث رموز وكوادر "فيلق الغدر" - فيلق بدر - فيكفينا مؤنة الاشتغال بهذا الفيلق الغادر، حتى نتفرغ لمنازلة الصليبيين وباقي أعوانهم من المرتدين.
يقول سيد رحمه الله في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}: (الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ويتصلوا به، الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينقصوا ولم ييأسوا، الذين صبروا على فتنة النفس، وعلى فتنة الناس، الذين حملوا أعباءهم فساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب، أولئك لن يتركهم الله وحدهم، ولن يُضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم، إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم، وسينظر على محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء)، انتهى كلامه رحمه الله
يا أهل العراق الحبيب...
يعلم الله؛ أنا ما أتيناكم إلا نُصرة لكم، ودفاعاً عن حرماتكم وأعراضكم، وردّ عادية الصليبيين عنكم، ولتعيشوا أعزة في دياركم، وإن كنتم تظنون أن غاية جهادنا هو طرد المحتل الصليبي ثم وضع السلاح والاشتغال بالدنيا وملذاتها؛ خبنا والله وخسرنا.
ووالله... إن ملك العراق كله لا يساوي عندنا رباط ليلة في سبيل الله، ولا يساوي شراك نعل مجاهد من إخواننا، وكل ما نرجوه أن يفتح الله علينا في العراق ثم نتوجه إلى بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، تلك والله اللحظات التي ننتظرها بأشد الشوق، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}.
يا إخوة التوحيد... يا إخوة الدرب...
الثبات... الثبات، فهذا "سيّاف" و "رباني" وغيرهما عندما كانوا في بداية قتالهم للشيوعيين، ظاهرهم لنصرة الدين، وقد أجرى الله على أيديهم العديد من الكرامات، وقد صرحوا أن جهادهم إنما هو لتحكيم شرع الله في أفغانستان، ولكن لما كان في منهجهم خلل عظيم، وغلبت عليهم الذنوب والمعاصي؛ أضلهم الله على علم، فأخذوا يمدون حبال الود بينهم وبين أعداء الأمس، وتسابقوا ليقطفوا ثمرة الجهاد، ويكون لهم نصيب في الملك، وتأولوا المصالح، ولووا أعناق النصوص، وتنكبوا عن أحكام الدين، وأصبح عدو الأمس؛ صديق اليوم، ورفيق الجهاد أمس؛ عدو اليوم، حتى آل بهم الأمر أن جاءوا على الدبابات الأمريكية يطاعنون المسلمين في أفغانستان، وصدق الله سبحانه وتعالى حينما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قال الإمام أحمد: (أتدري ما الفتنة؟ الفتنة؛ الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)، انتهى كلامه رحمه الله.
أيها المجاهدون...
إن سنة الله جرت؛ أنه ليس هناك من هو فوق الحكم الشرعي، بل إن الله خاطب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بخطاب تنخلع له القلوب، فقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}، فهذا في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لو ركن إلى الأعداء - وحاشاه - فكيف بمن دونه؟
فالنجاة النجاة... والصبر الصبر... والثبات الثبات... على ما كان عليه السلف الذين قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، فلا تبدلوا إخوة التوحيد... لا تبدلوا يا إخوة التوحيد.
وإياكم أن تكونوا ممن يخون الله ورسوله، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فإن الجهاد أمانة في أعناقكم، وإن الله سائلكم عن هذه الأمانة، فليس الخائن الذي مدّ يد العون وتنكب الطريق إلى أعداء الله فحسب، بل الخائن؛ من سكت وألقى سلاحه ورضي بأن تُسلم الحريم إلى أعداء الله.
فو الله يوم من حياة الأسود خير من ألف يوم من حياة ابن آوى، إن عزكم وشرفكم وحياتكم هو الجهاد في سبيل الله، فإياكم... إياكم أن تلقوا السلاح، فإنه والله الاستبدال والطرد والإبعاد.
واحرصوا أن تكونوا من ذلك الركب الكريم؛ ركب محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وافتحوا بيوتكم وصدوركم لإخوانكم المهاجرين، الذين هجروا الملذات، ونفروا ليدافعوا عن دينكم وأعراضكم، وكونوا خير أنصار لخير مهاجرين، فلا تشبعوا وهم جائعون، ولا تناموا وهم خائفون، واحرصوا أن تظفروا بهذه البشارة العظيمة؛ بأن تكونوا ممن يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيكم: (أنا منكم وأنتم مني، أنا منكم وأنتم مني).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم).
وما عقم زماننا أن يجود بامثال هؤلاء الأشعريين، فلكل زمان أهله ورجاله.
وهذه صورة من صور التضحية والفداء في سبيل هذا الدين، يفخر بها كل مسلم، صاحبها أسد من عشيرة "زوبع" الأصيلة، وهو الأخ المجاهد أبو عبد الله الزوبعي، فعندما انطلق الإخوة في معركة أبي غريب الأولى، كان أبو عبد الله ممن يؤوي الإخوة في بيته، وقدر الله سبحانه لحكمة يعلمها أن يُكتشف أمر الإخوة قبل العملية، فبدأ الطيران بقصف البيوت، فقُتل من عائلته قُرابة العشرين شخصاً - منهم أبواه وإخوانه وأخواته - وضرب أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب، ولما أردت تعزيته والشدّ من أزره خاطبني قائلاً: (يا فلان! طالما أنت وإخوانك المهاجرون بخير فكل شيء بعد ذلك يهون)، وقالها بلهجته العراقية اللطيفة: (أنا والأهل والأولاد فدوة للمجاهدين).
فإياكم أن يحول الأعداء بينكم وبينهم، فأقسم بالذي إليه أعود؛ أنه ليس هناك جهاد حقيقي في العراق إلا بوجود المهاجرين، أبناء الأمة المعطاء، النـزاع من القبائل، الذين ينصرون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإياكم أن تفقدوهم، فبذهابهم؛ ذهاب ريحكم، وبذهابهم؛ ذهاب بركة الجهاد ولذته، فلا غنى لكم عنهم، ولا غنى لهم عنكم.
ولا تسمعوا للمخذلين، الذين يزينون تخاذلهم وإرجافهم بصبغة دينية، فمن جاءكم منهم لمحاولة إقناعكم بجدوى التفاوض، أو الدخول في سلك الجيش و الشرطة بحجة المصلحة؛ فصموا آذانكم عن سماع كلامه، واكنسوا عتبة بابكم من آثاره، وقولوا؛ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، فإنهم والله وإن هملجت بهم البراذين، وصفقت بهم البغال، فإن ذل المعصية لا يُفارقهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه، وإن عظمت ألقابهم، وكثرت شهاداتهم، وارتفعت أسمائهم، فقد أبى الله إلا أن يذل من عصاه، أبعد الله من أبعد... أبعد الله من أبعد.
يا أيها المجاهدون...
إن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، فهذا حال الجبل الأصم الذي لم يعص الله يوماً، فكيف بحالي وحالكم؟
وقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلكم يكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر إلى أيمنه فيرى ما قدم، وإلى أشأمه فينظر ما قدم، و إلى أمامه فإذا هو بالنار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
وتخيل - يا أخا الجهاد - وقوفك بين يدي خالقك وباريك، وأنه سائلك عن هذه الأمانة العظيمة؛ ماذا صنعت بها؟ وأعدّ لهذا جواباً، فوالله لئن تفنوا عن بكرة أبيكم وتضحوا بكل شيء لهو أعظم لكم عند الله من أن تلقوه وقد رضيتم بحكم الصليبيين والروافض الحاقدين.
إنها أيام وستنقضي بحلوها ومرها، وحسنها وقبيحها، ثم هي جنة أو نار.
روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال؛ يا بن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول؛ لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له؛ يا بن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول؛ لا والله يا رب ما مرّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدة قط).
فهذه النار وهذا حالها، فهل منا من يصبر على طعامها وشرابها وزقومها وزمهريرها؟
إن ميكائيل عليه السلام لم يعص الله يوماً، وهو من الملائكة المقربين، ما ضحك منذ خلقت النار.
وفي "لطائف المعارف" لابن رجب الحنبلي: (جاءت مولاة لعمر بن عبد العزيز وقصّت أنها رأت في المنام كأن الصراط قد نصبت على جهنم وهي تزفر على أهلها، وذكرت أنها رأت رجالاً مروا على الصراط فأخذتهم النار، قالت؛ ورأيتك يا أمير المؤمنين وقد جيء بك - فوقع مغشياً عليه وبقي زماناً يضطرب وهي تصيح في أذنه - رأيتك والله قد نجوت، رأيتك والله قد نجوت).
إن هذه الأمة لتقذف بفلذات أكبادها إلى أرض الرافدين، وإن أبناءها ليتسابقون ليبذلوا نفوسهم رخيصة فداءً لهذا الدين، والدفاع عن أعراض المسلمين، وليسطروا بدمائهم أروع صور التضحية والفداء، والفخر والإباء.
ومن آخر هؤلاء الليوث الأبطال - وليس آخرهم العالم - المجاهد عبد الله بن محمد الرشود الذي كان شوكة في حلوق طواغيت الجزيرة، فنجاه الله من بين أيديهم بمنه وكرمه، ونفر إلى ساحات النـزال وميادين القتال، ليكون على موعد مع الشهادة التي كان يسألها ويتطلع إليها، وليضرب أروع الأمثلة في بيان ما يجب أن يكون عليه أهل العلم، فلا نامت أعين الجبناء، ولئن سرّ استشهاده الطواغيت من "آل سلول" فإني لأرجو أن يُحيي الله بدمه نفوس أهل العلم، فينفروا بأنفسهم إلى ساحات الجهاد، فيتأسى بهم من خلفهم من أبناء هذه الأمة، فيقوموا فيموتوا على ما مات عليه.
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي
أيها النائمون الغافلون...
عارٌ عليكم أيّها المستسلمون، دينُ يُهان، وأمة تنساق قطعان، وأنتم نائمون، كيف أرتضيتم أن ينام الذئب في وسط القطيع وتأمنون! بغداد تسألكم أليس لعرضها حقٌ عليكم؟ أين فر الراكبون؟! وأين غاب البائعون؟! وأين راح الهاربون؟!
فمن لزحوف اليوم والناس جلهموا طوائف شتى بين لاهين نوم
تلاقت على الآفاق أدمع أمة غابت عن الآفاق وثبات ضيغم
فصارت شعوب المسلمين قوافل تيه أو تباريح هوّم
أطلت وراء الأفق منها مآذنٌ تنادي وتدعو كل قرن معظم
وتدعو شعوب المسلمين وقد غفوا على جهلهم في حيرة وتبرّم
تقول لهم هذي ميادين عزة فصبوا هنا يا قوم ما عز من دم
ستمضي عليكم إن ركنتم مذلة تذوقون من صعب عليها وعلقم
أتعنوا رقاب المسلمين لكافر وتخضع دار للعدو المصلم
إن أبناء هذه الأمة بحاجة إلى منارات حية تضيء لهم الطريق وتنير لهم السبيل.
فهاهو إمام لأحد المساجد في العراق، وكان أعمى البصر، مستنير البصيرة، يأتي إلى الأمير العسكري للـ "قاعدة" في بغداد - وذلك بعد استشهاد الشيخ أبي أنس رحمه الله تعالى - يطلب أن يقوم بعملية استشهادية، فقيل له: (يا فلان! إن الله قد عذرك)، فقال: (إني اطلب الشهادة، لعل الله أن يدخلني الفردوس الأعلى، فاجتمع بالشيخ أبي أنس).
فو الله إن دم الشهيد نورٌ ونار، وإن صدق دعوتنا باستشهاد علمائنا وقادتنا.
قوافل تمضي؛ فالشيخ يوسف العييري، والشيخ أبو أنس الشامي، والمجاهد عمر حديد، وأسد الشام؛ أبو الغادية، وليث الجزيرة؛ سليمان أبو الليث النجدي، وأسد بعقوبة؛ أبو سفيان الزبيدي... وغيرهم وغيرهم، ممن "لا يعرفهم عمر، ولكن يعرفهم رب عمر".
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يُعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تُعار
ونحن على علم أنه سيخرج من هذه الأمة من يردد كلام أسلافه المنافقين، ويقول لمن نفر للجهاد، وأكرمه الله بالشهادة: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، فنجيبهم بجواب الله لهم: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
اللهم إني لأحسب أن الشيخ عبد الله بن محمد الرشود؛ قد فاز بجوارك، وأنت حسيبه، وإنك تعلم يا رب أني بفقده قد خسرت عالماً عاملا، لا تلين له قناة، سيفاً مسلطاً على أعدائك من الكافرين والمرتدين.
اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها، اللهم هيء لنا من أهل العلم من هو خيرٌ منه تحي بدمائهم ومدادهم علم الجهاد.
اللهم إنك تعلم أننا نقاتل عن دين عظيم، هو دينك وشرعك يا رب العالمين، اللهم فكن لنا العون والنصير، ودبر لنا فإنا لا نُحسن التدبير.
اللهم إنك ترى ما حلّ ويحل بنساء المسلمين في العراق، وتعلم أنه لا مغيث لهن سواك، اللهم رحماك بهؤلاء المساكين.
أقسمت عليك باسمك الأعظم... أقسمت عليك باسمك الأعظم... إلا جعلت لنا مخرجا، وعجّلت بهلاك عُبّاد الصليب، وفتحت لنا أبواب رحمتك.
اللهم من تآمر على هذا الجهاد بالسر والإعلان، وأعان على هدمه متعمداً ومتأولاً ومفاوضاً، اللهم فخذه أخذ عزيز مقتدر، وافضحه على رؤوس الأشهاد، اللهم من قام من هؤلاء وقام رياءً وسمعة ليصُدّ عن دينك، ويحول بين المجاهدين وبين المسلمين، اللهم فأطل عمرهن وأطل فقره، وعرضه للفتن، اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها... اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها... اللهم دعوة سعدٍ فلا تردها.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
والحمد لله رب العالمين