جرائمهم وخياناتهم في عهد الخلافة الراشدة
فأما في عهد الخلافة الراشدة:
فقد بدت أولى جرائمهم وخياناتهم، في عهد الخليفة العادل الراشد الذي أعز الله به الإسلام - ببركة دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم له -؛ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، متمثلة في الجانب السياسي منها خاصة، إذ لم يكن الفكر والمخطط الرافضي تبلور تمامًا.
وقد مثل هذه الخيانة المجوسي، الفارسي أبو لؤلؤة، الذي كان من سبي فارس بعد أن فتحها الله على المسلمين في عهد الفاروق عمر، فما كان من هذا المجوسي الفارسي بعد أن فاض بالحقد قلبه، واستفاض بالغدر همه إلا أن دبر مؤامرةً مع من يقاسمونه الكراهية والعداء لهذا الدين، وهما "الهرمزان" و "جفينة".
فـ "الهرمزان" الذي كان ميمنة القائد الفارسي "رستم" في القادسية، ثم هرب بعد هلاك "رستم"، ثم ملك خوزشستان، وقاتل المسلمين، ولما رأى عجزه، طلب الصلح فأجيب إليه، ولكنه غدر، وقتل المجزأة بن ثور والبراء بن مالك، فقاتله المسلمون وأسروه وساقوه إلى عمر بن الخطاب؛ فأظهر الإسلام وحسن الطوية، وعاش في المدينة.
و "جفينة" النصراني من أهل الحيرة، كان ظئرًا لسعد ين مالك، أقدمه للمدينة للصلح الذي بيننا وبينهم، وليعلم أهل المدينة الكتابة.
وبالرغم أن أمير المؤمنين، وجميع المسلمين أحسنوا إليهم إلا أن الحقد المجوسي الفارسي على الدين، وعلى دولة الإسلام، كانت أكبر بكثير من هذا الإحسان، فحاكوها مؤامرةً كبرى، وخيانةً في حكم الشرع عظمى، حيث سنوا أول سنة سيئة في الإسلام، وأول لبنة أساس من مخطاطات الرافضة في مجال الغدر والخيانة، ألا وهي سنة الخروج على الحاكم المسلم، وسنة اغتيال الخليفة، والذي بموته أو بالخروج عليه تضطرب البلاد ويفتتن العباد.
ونحن هنا ندرج هذه الخيانة، وهذه الجريمة، ونعدها أولى جرائم الرافضة، بالرغم من أن دين الرفض لم يكن قد ظهر بالفعل كمنهج وكدين، وكفكر لسببين:
الأول: هو إن هذا المجوسي هو أول من سن جريمة الاغتيال السياسي الموجهة ضد الحاكم المسلم؛ نتيجة للحقد على الإسلام وأهله، فكانت هي النبراس الذي به اهتدى بقية الرافضة من بعده.
والثاني: أن الرافضة بعد ذلك اعتبروه رمزًا من رموزهم، واعتبروا سنته في الاغتيال أساسًا من أسسهم، وأدبيات جرائمهم، لدرجة أنهم يترضون عنه في كتبهم، بل وصل بهم الأمر في تعظيمه أن بنوا له قبرًا، ومزارًا في مستقر وقرهم في إيران، يطوفن به ويقدمون عنده القرابين.
وفي ذلك يقول صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ": (واعلم أن في مدينة كاشان الإيرانية في منطقة تسم باغيثين مشهدًا على غرار الجندي المجهول، فيه قبر وهمي لأبي لؤلؤة فيروز الفارسي المجوسي، قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، حيث أطلقوا عليه ما معناه بالعربية؛ مرقد بابا شجاع الدين، وبابا شجاع الدين، هو لقب أطلقوه على أبي لؤلؤة لقتله عمر بن الخطاب، وقد كتب على جدران هذا المشهد بالفارسي؛ "مرك بر أبو بكر، ومركبر عمر، ومركبر عثمان"، ومعناه بالعربية؛ الموت لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان.
وهذا المشهد يزار من قبل الإيرانيين، وتلقى فيه الأموال والتبرعات، وقد رأيت هذا المشهد بنفسي، وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد باشرت بتوسيعه، وتجديده، وفوق ذلك قاموا بطبع صورة المشهد على كارتات تستخدم في تبادل الرسائل والمكاتيب) انتهى كلامه.
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "منهاج السنة النبوية": (ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين، كبني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب، ويقولون إنهم كانوا مظلومين - كما ذكر صاحب هذا الكتاب - وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: "اللهم ارض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه"، ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: "وا ثارات أبي لؤلؤة"، كما يفعلونه في الصورة التي يقدرون فيها صورة عمر من الجبس أو غيره، وأبو لؤلؤة كافر؛ باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسيا من عباد النيران، وكان مملوكًا للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء، وعليه خراج للمغيرة كل يوم أربع دراهم، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة، وإذا رأى سبيهم يقدم المدينة يبقى من ذلك في نفسه شيء) انتهى كلامه رحمه الله.
ثم ظهرت ثاني جريمة سياسية من جرائم الرافضة؛ ألا وهي جريمة مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، بعد بث الشبه واستثارة الشعب ضده.
لكن هذه المرة، الجريمة مستندة على مخطط وفكر متبلور وناضج وأكثر حبكةً من سابقتها، على يد المؤسس الحقيقي لمذهب الرفض، اليهودي بن سبأ، حتى أن فرقةً من فرق الرافضة انتسبت له وسموا بالسبأية.
وعبد الله بن سبأ هذا وإن كان يتبرأ منه الرافضة اليوم ظاهراً إلا أنه يرسخ في أمهات كتبهم باطناً، حتى أن المحققين من علمائهم أكدوا أن هذه الشخصية مثبتة في أمهات كتب الرافضة، بل وفي كتب متنوعة ومصادر مختلفة، بعضها في كتب الرجال وبعضها في الفقه وبعضها في الفرق.
ومن ذلك ما جاء في كتاب "شرح نهج البلاغة" ما ذكره ابن أبي الحديد؛ أن عبد الله ابن سبأ قام إلى علي وهو يخطب.
ومن كتاب "الأنوار النعمانية" ما ذكره سيدهم "نعمة الله الجزائري" قال عبد الله ابن سبأ لعلي: (أنت الإله حقاً).
ومع أن هذا اليهودي الأصل، الرافضي المنهج والدعوة؛ قد نجح في بث الفتن وتشكيك الناس في شرعية خلافة عثمان رضي الله عنه، ومع أنه تم وبإيعاز منه قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، إلا أنه لم يهدأ له بال بذلك، لأنه حقيقةً، لا يقصد عزل أمير وتنصيب آخر، بل أراد أن يفتن المسلمين ويلبس عليهم دينهم، فاستمر يحيك المؤامرات، ويفتل حبائلها حتى في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فبعد أن كادت تخمد فتنة "وقعة الجمل" ويصطلح الفريقان ويسلمون لأمير المؤمنين علي، وإذا به وبأتباعه يغدرون ويصرون على قتال المسلمين، فيهجمون على أصحاب "الجمل" ويبدأون بقتالهم ليوقعوا الحرب التي كادت أن تنطفئ دون قتال.
ليس هذا فحسب، بل إن الذين أظهروا تشيعهم لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه في ذلك الوقت، وطلبوا منه الخروج إلى العراق وتحويل عاصمة الخلافة إلى الكوفة خذلوه وتخلوا عنه مراراً، فحين عزم على الخروج إلى أهل الشام، ليمسك بزمام أمور المسلمين حتى لا تكون فرقة واختلاف ولتتوحد كلمة المسلمين، تسللوا من معسكره دون علمه عائدين إلى بيوتهم، حتى بات معسكره خالياً.
حتى قال رضي الله عنه فيهم: (ما أنتم إلا أسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إلى بأس، وما أنتم لي بثقة)، حتى قال: (وما أنتم بركب يُصال بكم، ولا ذي عز يُعتصم إليه، لعمر الله لبأس حشاش الحرب أنتم، إنكم تُكادون ولا تَكيدون، وتُنتقص أطرافكم ولا تتحاشون).
وخانوه كذلك وخذلوه تارةً أخرى لما أقدمت جيوش خال المؤمنين - رغم أنف الرافضة - معاوية رضي الله عنه متوجهة لعين التمر من أطراف العراق، فاستنهضهم للدفاع عن أرض العراق فلم يجيبوه، حتى قال فيهم: (يا أهل الكوفة، كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام انجحر كل امرئ منكم في بيته، وأغلق بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وزارها، المغرور من غررتموه، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون).
ولما رأى ذلك اليهودي الرافضي أن الأمور السياسية في البلاد صارت كما خطط لها، لم يكتفي بذلك، فأراد أن يهدم من الدين جانبه الأصيل حتى لا يكون للمسلمين مرد يردهم للحق إذا ما تنازعوا سياسياً.
فبدأ بالجانب الديني الذي يمس عقيدة الإسلام يروم زعزعته كما زعزع سياسة البلاد في أركانها، فكان من جرائمه الدينية التي كان سنها حتى صارت ديناً وأصلاً من أصول الرافضة فيما بعد، الطعن والسب في الصحابة الكرام، وكان أول من دعا إلى القول بتأليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى هم بتحريقه ثم نفاه، وحرق السبأية الذين اتبعوا قوله وتمسكوا بتأليهه بعد أن رفضوا استتابته لهم.
وأخذ هذا اليهودي الرافضي يروج لخليط من فاسد معتقدات يهودية ونصرانية ومجوسية، حتى ثبتت هذه المعتقدات في نفوس أصحابها، فكانت أسس وأصول مذهب الروافض على جميع فرقهم.
وها هي خيانتهم تتواصل حتى بعد موته لتصل إلى ابنيه الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدي شباب أهل الجنة، فخانوا الحسن حين أصروا عليه محرضين له بالخروج إلى الشام لقتال معاوية رضي الله عنه، فما كان منه - وهو الذي خبر مكرهم ووافقهم مسايرةً لهم لإخراج خبيئتهم وهو يميل برأيه إلى مصالحة معاوية - إلا أن جهز جيشاً على رأسه قيس بن عبادة، فلما نادى مناد بمقتل قيس؛ سرت فيهم الفوضى وأظهروا حقيقتهم وعدم ثباتهم، فانقلبوا على الحسن ينهبون متاعه، حتى نازعوه البساط الذي كان تحته بعد أن طعنوه وجرحوه.
بل وصلت خيانتهم إلى أبعد من ذلك، فقد فكر المختار بن أبي عبيد الثقفي - وهو أحد شيعة العراق - بأن يهادن معاوية مقابل تسليم الحسن، فعرض على عمه سعد بن مسعود الذي كان والياً على المدائن بقوله: (هل لك في الغنى والشرف؟)، فقال له عمه: (وما ذاك؟)، قال: (توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية)، فقال له عمه: (عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوثقه، بئس الرجل أنت).
وها هو الحسن رضي الله عنه يحكي خيانتهم له مفضلاً الصلح مع معاوية رضي الله عنه، والتنازل له وحفظ بيضة وهيبة آل البيت قائلاً: (أرى معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي، والله لإن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي في أهلي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلما، والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير).
جرائمهم وخياناتهم في عهد الدولة الأموية
وأما في عهد الدولة الأموية، الذين استمر حكمهم من 41 الى 132 للهجرة:
فلقد برزت خياناتهم في جانبها السياسي أكثر من الجانب العقدي، ذلك لأنهم يعلمون أنه متى كان للمسلمين خليفة مسلم يحسن حراسة دينهم وسياسة دنياهم؛ فإنه لن يكون للجانب العقدي أي أثر يذكر، لأنه ساع في قمع وإخماد كل فتنة وشبهة.
فكان لا بد لهم في هذه المرحلة من التركيز والاهتمام أولاً وبشكل أكبر على خلخلة الجانب السياسي والتي من خلالها يتخلخل الدين.
فراحوا يستثيرون حمية الحسين بن علي رضي الله عنهما على دينه بأخبار وروايات مبالغ فيها ومكذوبة عن يزيد بن معاوية؛ من أنه ظلم الخلق وعطل الشريعة الحقة، حتى بادر بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل ليتحقق الأمر، وما إن وصل وعلم به أهل الكوفة حتى سارعوا إليه، فأخذ البيعة منهم، ثم أرسل ببيعة أهل الكوفة إلى الحسين.
فلما علم والي الكوفة عبيد الله ابن زياد بأمر البيعة؛ جاء فقتل مسلماً بن عقيل كما قتل مضيفه هانئ بن عروة المرادي على مرأى ومسمع من شيعة أهل الكوفة الذين كانوا للتو مبايعين ومتحمسين ومحمسين للبيعة!
ومع ذلك فلم يحركوا ساكناً للدفاع عن مسلم ولا عن هانئ بعد إن إشترى عبيد الله ابن زياد ذممهم باللأموال.
فليت شعري أي عهد، بل أي بيعة هذه اللتي نقضوها قبل أن يقيموها؟!
وليت شعري أي تاريخ هذا اللذي يسطر خيانة القوم ليعيد نفسه كما هو في أيامنا هذه؟! فهذه الذمم أرخص ماتكون عند أصحاب الرفض في هذه الأيام كما في سالفها، حتى أنهم ليبيعونها بثمن بخس دراهم معدوده.
نقول: مع هذا كله أبى الحسين رضي الله عنه إلا أن هرع لنجدتهم على ما ادعوه من وقوع الظلم بهم وإستباحة الحرمات وتعطيل الحدود من قبل عمال يزيد ابن معاوية، وإرسالهم بالبيعة له، فخرج على قلة من أصحابه المتابعين، وكثرة من المحذرين له من عدم الخروج، وبما حصل للأبيه وأخيه من غدرتهم مذكرين، ولكن أبى الله إلا أن يتم أمره.
فلما علم يزيد بمقدم الحسين؛ أرسل إليه جنده ليصدوه ويحيلوا بينه وبين صدع كلمة المسلمين، فلما رأى الحسين أنه قد أحيط به ورأى خذلان شيعته له, وخذلانهم عن مناصرته؛ علم أنه وقع في فخ خيانتهم، فعرض على قائد جند يزيد أحد ثلاثة:
إما أن يعود من حيث أتى.
أو يتركوه يمضي ليقابل يزيد بنفسه.
وإلا فيدعوه يلحق بأهل الثغور مجاهداً مرابطاً.
ولكن عبيد الله ابن زياد؛ أبى إلا أن يقاتله، حتى قُتل.
ومن غرائب وعجائب وقاحتهم؛ أن علمائهم يسطرون الروايات عن الحسين في ذمه لهم والدعاء عليهم قبل مقتله!
فقد جاء في كتاب "إعلام الورى" للطبرسي؛ دعاء الحسين على شيعته قبل إستشهاده: (اللهم إن متعتهم ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا تُرضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا).
وإننا هنا نقف وقفة المتفكر ونتأمل لهذه الخيانات للأهل البيت تأمل المعتبر، فإذا كان هذا حالهم مع من يدعون محبتهم... بل والمبالغة والغلو في محبتهم، فكيف يكون حالهم مع غيرهم؟! ولإن طالت محبيهم خياناتهم فمن باب أولى ان تطال غيرهم من المسلمين على ما نراه اليوم من مسارعتهم إلى الكفار وموالاتهم ومخاذنتهم.
ومن أهم الخيانات التي تمت في عصر بني أمية؛ ما ذكر في "وفيات الأعيان"؛ أنهم ساهموا في خروج بني العباس على الخلافة الأموية، وإسقاطها بسقوط خراسان على يد "أبي مسلم الخراساني"، والذي أخذ يدعوا ببيعة "إبراهيم بن محمد"، فلما علم "نصر ابن سياط" - نائب مروان ابن محمد آخر ملوك بني أمية بخراسان - كتب إلى مروان يعلمه بأمر البيعة، فكتب مروان إلى نائبه بدمشق بإحضار إبراهيم موثقاً، فأحضره وقام بحبسه، ولما تحقق أن مروان لابد قاتله؛ أوصى إلى اخيه السفاح - وهو أول من ولي الخلافة من أولاد العباس - وبقي إبراهيم بالحبس شهرين حتى مات، وقيل قُتل.
جرائمهم وخياناتهم في العهد العباسي
وأما في العهد العباسي والذي إستمر حكمهم فيه مابين سنة مئة واثنين وثلاثين، إلى ست مئة وست وخمسين للهجرة:
فحدث ولا حرج عن ظهور أمر الرافضة وتشعب خياناتهم وتفننهم في أساليبها، ومن جميع الجوانب - سياسيةً كانت أو دينية أو أخلاقية -
فأما الإغتيالات؛ فأكثر من أن تحصى، وأما قلاقل الإنقسامات والدويلات الخارجة عن الخلافة؛ أشد من أن ترسى.
فكانت بداية جرائمهم في هذا العصر؛ سياسية تروم إسقاط الخلافة الأموية والخروج على ولاية الحاكم الأموي، ثم بعد ذلك التستر بدعوى أحقية بني العباس في الخلافه، والتي نادى ودعى إليها "أبو مسلم الخراساني"؛ ليتمكنوا من السيطرة على مقاليد البلاد بعد أن أظهروا موالاتهم ومشايعتهم لبني العباس زورا, فبدأوا بخراسان التي كانت أول ما سقط من البلاد على يد أبي مسلم ومع بداية العهد العباسي؛ فأخذ الفرس الحاقدون يشفون غليلهم من العرب المسلمين هناك، فأشبعوهم قتلاً وبطشاً وتنكيلا.
وحاول "أبو مسلم" نفسه شق عصا الطاعة على المنصور الذي ولي الخلافة بعد موت أخيه السفاح، وحاول أن يغدر به، ولكن المنصور بدهاءه وفطنته تنبه لما يحيكه "أبو مسلم" له؛ فاستدرجه حتى تمكن من قتله شر قتله، ودارت بعد ذلك محاولات فاشله من أنصار أبي مسلم للإنتقام له، تارةً من خلال الفتن السياسية، وتارةً من خلال بث الشبهات.
ومن هذه المحاولات؛ خروج "سنباب" الذي طالب ببدن "أبي مسلم"؛ فأرسل له المنصور جيشاً فهزمه.
ثم ظهرت "الراوندية" قرب أصفهان، أيضاً من جماعة "أبي مسلم"، يدعون لمعتقدات فاسدة، فنادوا بألوهية المنصور وأرادوا بذلك خداعه والإيقاع به لقتله، ولكنه حاربهم وانتصر عليهم.
ثم ظهر بعد ذلك منهم رجل لقب نفسه بـ "المقنع"، زعم أن الله سبحانه وتعالى حل في آدم ثم في نوح ثم في "أبي مسلم" ثم حل به أخيراً، واستطاع أن يكون له جماعة وتغلب على بلاد ماوراء النهر، متحصناً بقلعة "كش"، ولكن الخليفة "المهدي" - والذي إشتهر بشدته على الملاحدة والزنادقة - تعقبه فأرسل له جيشاً يحاصره، فلما تيقن هلكته سقى نفسه وأهل بيته السم وهلك.
ومع ذلك فلم يستطع "المهدي" أن يقضي على فتنتهم، نظراً لتسترهم الدائم بالتقية والسرية، فهم دائماً يعملون ويخططون بالخفاء مستخدمين النفاق الإجتماعي بالتقرب والتزلف إلى كبار رجالات الدولة في الخلافة العباسية، حتى تمكنوا من الوصول للمناصب الوزارية، فاستوزر كثير من خلفاء بني العباس هؤلاء الرافضة المجوس؛ كالبرامكة وأبي مسلم الخرساني والمجوسي الفضل ابن سحل، الذي كان وزيراً للمأمون وقائداً لجيشه، وكان يلقب بذي الرياستين - أي الحرب والسياسة -
بل وزوجوا أبنائهم من بنات الفرس، فأم المأمون "مراجل"؛ فارسية، ما أدى إلى تأثره وظهور هذا الأثر عندما إنتهى الحكم إليه، حيث اتخذ من "مروى" عاصمةً للخلافة بدلاً من بغداد، ونادى بأفكار وفلسفات غريبة عن الإسلام، كقوله بخلق القرآن.
وجاءت هذه الدعوة من رواسب تربيته الفارسية المجوسية، فكان نتيجة هذا التقارب أن تمكن رافضة المجوس من بث أفكارهم ومعتقداتهم بين المسلمين، وراحوا يدسون الأحاديث المكذوبة، ويلصقونها بالدين، وراحوا يصورون التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ فتن وخصومة بين الصحابة، ويطعنون بأبي بكر وعمر خاصه وفي الصحابة عامة، بل إنبرى شعرائهم يتفاخرون بمجد فارس القديم، مما حدى بالأصمعي هجاءه بقوله:
إذا ذكر الشرك بمجلس أضاءت وجوه بني برمكي
وإن تليت عندهم آية أتوا بالحديث عن مزدكي
بل نتج عن هذا التقارب ماهو أشد على دولة الإسلام ودينه؛ ألا وهو تآمرهم على الخلافة وخروجهم وإستقلالهم في مناطق متعددة.
فكان أول من خرج على الخلافة العباسية، هو ما قام به طاهر بن الحسين الخزاعي، حيث استقل بخراسان كما فعل من قبل "أبو مسلم"، وتوالت بعد ذلك الانقسامات عن الخلافة وظهرت الخيانات والجرائم العظيمة من هذه الدويلات, فكان القرامطة في الأحساء والبحرين واليمن وعمان وفي بلاد الشام, والبويهيون في العراق وفارس, والعبيديون في مصر والشام.
ولكن من فضل الله تعالى أنه لم يكن يظهر للرافضة يد ودولة إلا ويظهر الله عليهم من يقوم بجهادهم ويسومهم العذاب, فقيض للرافضة في تلك الفترة السلاجقة الأتراك السنيين, الذين كان ولاءهم تابعاً للعباسيين، ولكنهم كانوا أشداء على الرافضة، فقامت هذه الدويلات الرافضة بالتعاون مع الصليبيين ومكنتهم من الدخول إلى بلاد المسلمين للقضاء على أهل السنة الذين عجزوا عن الصمود في مجالدتهم.
جرائم القرامطة في العهد العباسي
فمن جرائم القرامطة التي رصدها لنا التاريخ في العهد العباسي:
في المجال السياسي؛ خروجهم على الدولة العباسية ومناوءتها, وتحريقهم منازل بني عبد قيس، ثم اجتياحهم الكوفة عام 293 للهجرة, وقيامهم بالمذابح الرهيبة التي حدثت في ذلك العام حتى أرخ لها المؤرخون.
ومن جرائمهم في جانب العقيدة وشعائر الدين؛ أنهم نشروا العقائد الفاسدة ابتداءً بدعوى التشيع لآل البيت, ثم قالوا بالرجعة، وعلم علي رضي الله عنه للغيب, ثم التنكر لآل البيت, وذكر مثالب علي وأولاده, وبطلان هذا الدين, ولذلك فإن القرامطة كانوا يقربون الفلاسفة ويعتمدون على نظرياتهم وكتبهم, ويوصون دعاتهم: (وإن وجدت فيلسوفاً فهم عمدتنا، لأننا نتفق وهم على إبطال النواميس والأنبياء، وعلى قدم العالم).
وفي سنة 294 للهجرة؛ قام القرامطة الإسماعيليون بالإعتداء على حجاج بيت الله الحرام، بعد أن أمنوهم على أنفسهم, فقتلوا جميع القوافل, وتعقبوا من فر منهم، حتى أن نساء القرامطة كن يقفن بين القتلى يعرضن الماء؛ فمن كان به رمق يقمن بالإجهاز عليه, ولم يكتفوا بقتل الحجيج, بل راحوا يفسدون مياه الآبار بالجيف والتراب والحجارة.
وفي عام 321 للهجرة؛ قاموا كذلك باعتراض قوافل الحجيج وقتل الرجال, وسبي النساء والذرية.
وهذا يذكرنا بجريمتهم في هذا العصر, حينما أرسلت إيران مجموعةً من شيعة الكويت لترويع الحجاج في مكة عام 1409 للهجرة, فقاموا بزرع المتفجرات المدمرة في أحد الجسور بمكة المكرمة, بعد أن سلمهم إياها السفير الإيراني في الكويت, وهربوها إلى مكة, وقد فجروا منها حول المسجد مساء يوم السابع من شهر ذي الحجة من ذلك العام, مما أدى إلى مقتل رجل وإصابة 16 شخصاً بجروح، عدا الخسائر المادية.
ومن فظائع جرائمهم الدينية؛ أنهم تطاولوا حتى على بيت الله الحرام وعلى الكعبة المشرفة, فسرقوا منها الحجر الأسود, وبقي عندهم حتى عام 335 للهجرة.
وفي ذلك يقول ابن كثير في "البداية والنهاية": (ذكر أخذ القرامطة الحجر الأسود إلى بلادهم: فيها خرج ركب العراق, وأميرهم منصور الديلمي, ووصلوا إلى مكة سالمين, وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج, فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية, فانتهب أموالهم, واستباح قتالهم, فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً, وجلس أميرهم أبو طاهر - لعنه الله - على باب الكعبة والرجال تصرع حوله, والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية, الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول: "أنا بالله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا", وكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، يقتلون وهم كذلك, ويطوفون فيقتلون في الطواف, فلما قضى القرمطي أمره, وفعل ما فعل في الحجيج من الأفاعيل القبيحة, أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم, ودفن كثيراً منهم في أمكانهم من الحرم وفي المسجد الحرام, ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة, وذلك المدفن والمكان, ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصلى عليهم, لإنهم محرمون شهداء في نفس الأمر, وهدم قبة زمزم, وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها, وشققها بين أصحابه, وأمر رجلاً أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه, فسقط على أم رأسه فمات إلى النار, فعند ذلك إنكف الخبيث عن الميزاب, ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود, فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده, وقال: "أين الطير الأبابيل, أين الحجارة من سجيل؟!"، ثم قلع الحجر الأسود, وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم, فمكث عندهم 22 سنةً حتى ردوه, فإنا لله وإنا إليه راجعون) انتهى كلامه رحمه الله.
جرائم البويهيين
وأما البويهيون؛
فكذلك خرجوا على الخلافة العباسية, واستولوا على العراق عام 334 للهجرة, وخلعوا الخليفة العباسي المستكفي بالله, وجاؤوا بالفضل بن المقتدر, فنصبوه خليفةً, ولقبوه بالمطيع لله.
ومن جرائمهم الدينية؛ أنهم فرضوا التشيع ديناً, واتخذوه ستاراً لنشر الأفكار والمعتقدات المجوسية, وبثوا الفتن بين المسلمين على أساس التفريق بين أهل السنة وبين الشيعة, وانتشر في عهدهم سب الصحابة.
وهم أول من أظهر بدعة إغلاق الأسواق في يوم عاشوراء من المحرم, ونصب القباب, وأظهروا معالم الحزن, وأخرجوا النساء يلطمن وينحن على الحسين, وهن سافرات ناشرات لشعورهن, وتجرأوا على ذات الله تعالى, حيث تسمى آخر ملوكهم بالملك الرحيم, منازعةً لله في اسمه.
فأما في عهد الخلافة الراشدة:
فقد بدت أولى جرائمهم وخياناتهم، في عهد الخليفة العادل الراشد الذي أعز الله به الإسلام - ببركة دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم له -؛ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، متمثلة في الجانب السياسي منها خاصة، إذ لم يكن الفكر والمخطط الرافضي تبلور تمامًا.
وقد مثل هذه الخيانة المجوسي، الفارسي أبو لؤلؤة، الذي كان من سبي فارس بعد أن فتحها الله على المسلمين في عهد الفاروق عمر، فما كان من هذا المجوسي الفارسي بعد أن فاض بالحقد قلبه، واستفاض بالغدر همه إلا أن دبر مؤامرةً مع من يقاسمونه الكراهية والعداء لهذا الدين، وهما "الهرمزان" و "جفينة".
فـ "الهرمزان" الذي كان ميمنة القائد الفارسي "رستم" في القادسية، ثم هرب بعد هلاك "رستم"، ثم ملك خوزشستان، وقاتل المسلمين، ولما رأى عجزه، طلب الصلح فأجيب إليه، ولكنه غدر، وقتل المجزأة بن ثور والبراء بن مالك، فقاتله المسلمون وأسروه وساقوه إلى عمر بن الخطاب؛ فأظهر الإسلام وحسن الطوية، وعاش في المدينة.
و "جفينة" النصراني من أهل الحيرة، كان ظئرًا لسعد ين مالك، أقدمه للمدينة للصلح الذي بيننا وبينهم، وليعلم أهل المدينة الكتابة.
وبالرغم أن أمير المؤمنين، وجميع المسلمين أحسنوا إليهم إلا أن الحقد المجوسي الفارسي على الدين، وعلى دولة الإسلام، كانت أكبر بكثير من هذا الإحسان، فحاكوها مؤامرةً كبرى، وخيانةً في حكم الشرع عظمى، حيث سنوا أول سنة سيئة في الإسلام، وأول لبنة أساس من مخطاطات الرافضة في مجال الغدر والخيانة، ألا وهي سنة الخروج على الحاكم المسلم، وسنة اغتيال الخليفة، والذي بموته أو بالخروج عليه تضطرب البلاد ويفتتن العباد.
ونحن هنا ندرج هذه الخيانة، وهذه الجريمة، ونعدها أولى جرائم الرافضة، بالرغم من أن دين الرفض لم يكن قد ظهر بالفعل كمنهج وكدين، وكفكر لسببين:
الأول: هو إن هذا المجوسي هو أول من سن جريمة الاغتيال السياسي الموجهة ضد الحاكم المسلم؛ نتيجة للحقد على الإسلام وأهله، فكانت هي النبراس الذي به اهتدى بقية الرافضة من بعده.
والثاني: أن الرافضة بعد ذلك اعتبروه رمزًا من رموزهم، واعتبروا سنته في الاغتيال أساسًا من أسسهم، وأدبيات جرائمهم، لدرجة أنهم يترضون عنه في كتبهم، بل وصل بهم الأمر في تعظيمه أن بنوا له قبرًا، ومزارًا في مستقر وقرهم في إيران، يطوفن به ويقدمون عنده القرابين.
وفي ذلك يقول صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ": (واعلم أن في مدينة كاشان الإيرانية في منطقة تسم باغيثين مشهدًا على غرار الجندي المجهول، فيه قبر وهمي لأبي لؤلؤة فيروز الفارسي المجوسي، قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، حيث أطلقوا عليه ما معناه بالعربية؛ مرقد بابا شجاع الدين، وبابا شجاع الدين، هو لقب أطلقوه على أبي لؤلؤة لقتله عمر بن الخطاب، وقد كتب على جدران هذا المشهد بالفارسي؛ "مرك بر أبو بكر، ومركبر عمر، ومركبر عثمان"، ومعناه بالعربية؛ الموت لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان.
وهذا المشهد يزار من قبل الإيرانيين، وتلقى فيه الأموال والتبرعات، وقد رأيت هذا المشهد بنفسي، وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد باشرت بتوسيعه، وتجديده، وفوق ذلك قاموا بطبع صورة المشهد على كارتات تستخدم في تبادل الرسائل والمكاتيب) انتهى كلامه.
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "منهاج السنة النبوية": (ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين، كبني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب، ويقولون إنهم كانوا مظلومين - كما ذكر صاحب هذا الكتاب - وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: "اللهم ارض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه"، ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: "وا ثارات أبي لؤلؤة"، كما يفعلونه في الصورة التي يقدرون فيها صورة عمر من الجبس أو غيره، وأبو لؤلؤة كافر؛ باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسيا من عباد النيران، وكان مملوكًا للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء، وعليه خراج للمغيرة كل يوم أربع دراهم، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة، وإذا رأى سبيهم يقدم المدينة يبقى من ذلك في نفسه شيء) انتهى كلامه رحمه الله.
ثم ظهرت ثاني جريمة سياسية من جرائم الرافضة؛ ألا وهي جريمة مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، بعد بث الشبه واستثارة الشعب ضده.
لكن هذه المرة، الجريمة مستندة على مخطط وفكر متبلور وناضج وأكثر حبكةً من سابقتها، على يد المؤسس الحقيقي لمذهب الرفض، اليهودي بن سبأ، حتى أن فرقةً من فرق الرافضة انتسبت له وسموا بالسبأية.
وعبد الله بن سبأ هذا وإن كان يتبرأ منه الرافضة اليوم ظاهراً إلا أنه يرسخ في أمهات كتبهم باطناً، حتى أن المحققين من علمائهم أكدوا أن هذه الشخصية مثبتة في أمهات كتب الرافضة، بل وفي كتب متنوعة ومصادر مختلفة، بعضها في كتب الرجال وبعضها في الفقه وبعضها في الفرق.
ومن ذلك ما جاء في كتاب "شرح نهج البلاغة" ما ذكره ابن أبي الحديد؛ أن عبد الله ابن سبأ قام إلى علي وهو يخطب.
ومن كتاب "الأنوار النعمانية" ما ذكره سيدهم "نعمة الله الجزائري" قال عبد الله ابن سبأ لعلي: (أنت الإله حقاً).
ومع أن هذا اليهودي الأصل، الرافضي المنهج والدعوة؛ قد نجح في بث الفتن وتشكيك الناس في شرعية خلافة عثمان رضي الله عنه، ومع أنه تم وبإيعاز منه قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، إلا أنه لم يهدأ له بال بذلك، لأنه حقيقةً، لا يقصد عزل أمير وتنصيب آخر، بل أراد أن يفتن المسلمين ويلبس عليهم دينهم، فاستمر يحيك المؤامرات، ويفتل حبائلها حتى في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فبعد أن كادت تخمد فتنة "وقعة الجمل" ويصطلح الفريقان ويسلمون لأمير المؤمنين علي، وإذا به وبأتباعه يغدرون ويصرون على قتال المسلمين، فيهجمون على أصحاب "الجمل" ويبدأون بقتالهم ليوقعوا الحرب التي كادت أن تنطفئ دون قتال.
ليس هذا فحسب، بل إن الذين أظهروا تشيعهم لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه في ذلك الوقت، وطلبوا منه الخروج إلى العراق وتحويل عاصمة الخلافة إلى الكوفة خذلوه وتخلوا عنه مراراً، فحين عزم على الخروج إلى أهل الشام، ليمسك بزمام أمور المسلمين حتى لا تكون فرقة واختلاف ولتتوحد كلمة المسلمين، تسللوا من معسكره دون علمه عائدين إلى بيوتهم، حتى بات معسكره خالياً.
حتى قال رضي الله عنه فيهم: (ما أنتم إلا أسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إلى بأس، وما أنتم لي بثقة)، حتى قال: (وما أنتم بركب يُصال بكم، ولا ذي عز يُعتصم إليه، لعمر الله لبأس حشاش الحرب أنتم، إنكم تُكادون ولا تَكيدون، وتُنتقص أطرافكم ولا تتحاشون).
وخانوه كذلك وخذلوه تارةً أخرى لما أقدمت جيوش خال المؤمنين - رغم أنف الرافضة - معاوية رضي الله عنه متوجهة لعين التمر من أطراف العراق، فاستنهضهم للدفاع عن أرض العراق فلم يجيبوه، حتى قال فيهم: (يا أهل الكوفة، كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام انجحر كل امرئ منكم في بيته، وأغلق بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وزارها، المغرور من غررتموه، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون).
ولما رأى ذلك اليهودي الرافضي أن الأمور السياسية في البلاد صارت كما خطط لها، لم يكتفي بذلك، فأراد أن يهدم من الدين جانبه الأصيل حتى لا يكون للمسلمين مرد يردهم للحق إذا ما تنازعوا سياسياً.
فبدأ بالجانب الديني الذي يمس عقيدة الإسلام يروم زعزعته كما زعزع سياسة البلاد في أركانها، فكان من جرائمه الدينية التي كان سنها حتى صارت ديناً وأصلاً من أصول الرافضة فيما بعد، الطعن والسب في الصحابة الكرام، وكان أول من دعا إلى القول بتأليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى هم بتحريقه ثم نفاه، وحرق السبأية الذين اتبعوا قوله وتمسكوا بتأليهه بعد أن رفضوا استتابته لهم.
وأخذ هذا اليهودي الرافضي يروج لخليط من فاسد معتقدات يهودية ونصرانية ومجوسية، حتى ثبتت هذه المعتقدات في نفوس أصحابها، فكانت أسس وأصول مذهب الروافض على جميع فرقهم.
وها هي خيانتهم تتواصل حتى بعد موته لتصل إلى ابنيه الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدي شباب أهل الجنة، فخانوا الحسن حين أصروا عليه محرضين له بالخروج إلى الشام لقتال معاوية رضي الله عنه، فما كان منه - وهو الذي خبر مكرهم ووافقهم مسايرةً لهم لإخراج خبيئتهم وهو يميل برأيه إلى مصالحة معاوية - إلا أن جهز جيشاً على رأسه قيس بن عبادة، فلما نادى مناد بمقتل قيس؛ سرت فيهم الفوضى وأظهروا حقيقتهم وعدم ثباتهم، فانقلبوا على الحسن ينهبون متاعه، حتى نازعوه البساط الذي كان تحته بعد أن طعنوه وجرحوه.
بل وصلت خيانتهم إلى أبعد من ذلك، فقد فكر المختار بن أبي عبيد الثقفي - وهو أحد شيعة العراق - بأن يهادن معاوية مقابل تسليم الحسن، فعرض على عمه سعد بن مسعود الذي كان والياً على المدائن بقوله: (هل لك في الغنى والشرف؟)، فقال له عمه: (وما ذاك؟)، قال: (توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية)، فقال له عمه: (عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوثقه، بئس الرجل أنت).
وها هو الحسن رضي الله عنه يحكي خيانتهم له مفضلاً الصلح مع معاوية رضي الله عنه، والتنازل له وحفظ بيضة وهيبة آل البيت قائلاً: (أرى معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي، والله لإن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي في أهلي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلما، والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير).
جرائمهم وخياناتهم في عهد الدولة الأموية
وأما في عهد الدولة الأموية، الذين استمر حكمهم من 41 الى 132 للهجرة:
فلقد برزت خياناتهم في جانبها السياسي أكثر من الجانب العقدي، ذلك لأنهم يعلمون أنه متى كان للمسلمين خليفة مسلم يحسن حراسة دينهم وسياسة دنياهم؛ فإنه لن يكون للجانب العقدي أي أثر يذكر، لأنه ساع في قمع وإخماد كل فتنة وشبهة.
فكان لا بد لهم في هذه المرحلة من التركيز والاهتمام أولاً وبشكل أكبر على خلخلة الجانب السياسي والتي من خلالها يتخلخل الدين.
فراحوا يستثيرون حمية الحسين بن علي رضي الله عنهما على دينه بأخبار وروايات مبالغ فيها ومكذوبة عن يزيد بن معاوية؛ من أنه ظلم الخلق وعطل الشريعة الحقة، حتى بادر بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل ليتحقق الأمر، وما إن وصل وعلم به أهل الكوفة حتى سارعوا إليه، فأخذ البيعة منهم، ثم أرسل ببيعة أهل الكوفة إلى الحسين.
فلما علم والي الكوفة عبيد الله ابن زياد بأمر البيعة؛ جاء فقتل مسلماً بن عقيل كما قتل مضيفه هانئ بن عروة المرادي على مرأى ومسمع من شيعة أهل الكوفة الذين كانوا للتو مبايعين ومتحمسين ومحمسين للبيعة!
ومع ذلك فلم يحركوا ساكناً للدفاع عن مسلم ولا عن هانئ بعد إن إشترى عبيد الله ابن زياد ذممهم باللأموال.
فليت شعري أي عهد، بل أي بيعة هذه اللتي نقضوها قبل أن يقيموها؟!
وليت شعري أي تاريخ هذا اللذي يسطر خيانة القوم ليعيد نفسه كما هو في أيامنا هذه؟! فهذه الذمم أرخص ماتكون عند أصحاب الرفض في هذه الأيام كما في سالفها، حتى أنهم ليبيعونها بثمن بخس دراهم معدوده.
نقول: مع هذا كله أبى الحسين رضي الله عنه إلا أن هرع لنجدتهم على ما ادعوه من وقوع الظلم بهم وإستباحة الحرمات وتعطيل الحدود من قبل عمال يزيد ابن معاوية، وإرسالهم بالبيعة له، فخرج على قلة من أصحابه المتابعين، وكثرة من المحذرين له من عدم الخروج، وبما حصل للأبيه وأخيه من غدرتهم مذكرين، ولكن أبى الله إلا أن يتم أمره.
فلما علم يزيد بمقدم الحسين؛ أرسل إليه جنده ليصدوه ويحيلوا بينه وبين صدع كلمة المسلمين، فلما رأى الحسين أنه قد أحيط به ورأى خذلان شيعته له, وخذلانهم عن مناصرته؛ علم أنه وقع في فخ خيانتهم، فعرض على قائد جند يزيد أحد ثلاثة:
إما أن يعود من حيث أتى.
أو يتركوه يمضي ليقابل يزيد بنفسه.
وإلا فيدعوه يلحق بأهل الثغور مجاهداً مرابطاً.
ولكن عبيد الله ابن زياد؛ أبى إلا أن يقاتله، حتى قُتل.
ومن غرائب وعجائب وقاحتهم؛ أن علمائهم يسطرون الروايات عن الحسين في ذمه لهم والدعاء عليهم قبل مقتله!
فقد جاء في كتاب "إعلام الورى" للطبرسي؛ دعاء الحسين على شيعته قبل إستشهاده: (اللهم إن متعتهم ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا تُرضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا).
وإننا هنا نقف وقفة المتفكر ونتأمل لهذه الخيانات للأهل البيت تأمل المعتبر، فإذا كان هذا حالهم مع من يدعون محبتهم... بل والمبالغة والغلو في محبتهم، فكيف يكون حالهم مع غيرهم؟! ولإن طالت محبيهم خياناتهم فمن باب أولى ان تطال غيرهم من المسلمين على ما نراه اليوم من مسارعتهم إلى الكفار وموالاتهم ومخاذنتهم.
ومن أهم الخيانات التي تمت في عصر بني أمية؛ ما ذكر في "وفيات الأعيان"؛ أنهم ساهموا في خروج بني العباس على الخلافة الأموية، وإسقاطها بسقوط خراسان على يد "أبي مسلم الخراساني"، والذي أخذ يدعوا ببيعة "إبراهيم بن محمد"، فلما علم "نصر ابن سياط" - نائب مروان ابن محمد آخر ملوك بني أمية بخراسان - كتب إلى مروان يعلمه بأمر البيعة، فكتب مروان إلى نائبه بدمشق بإحضار إبراهيم موثقاً، فأحضره وقام بحبسه، ولما تحقق أن مروان لابد قاتله؛ أوصى إلى اخيه السفاح - وهو أول من ولي الخلافة من أولاد العباس - وبقي إبراهيم بالحبس شهرين حتى مات، وقيل قُتل.
جرائمهم وخياناتهم في العهد العباسي
وأما في العهد العباسي والذي إستمر حكمهم فيه مابين سنة مئة واثنين وثلاثين، إلى ست مئة وست وخمسين للهجرة:
فحدث ولا حرج عن ظهور أمر الرافضة وتشعب خياناتهم وتفننهم في أساليبها، ومن جميع الجوانب - سياسيةً كانت أو دينية أو أخلاقية -
فأما الإغتيالات؛ فأكثر من أن تحصى، وأما قلاقل الإنقسامات والدويلات الخارجة عن الخلافة؛ أشد من أن ترسى.
فكانت بداية جرائمهم في هذا العصر؛ سياسية تروم إسقاط الخلافة الأموية والخروج على ولاية الحاكم الأموي، ثم بعد ذلك التستر بدعوى أحقية بني العباس في الخلافه، والتي نادى ودعى إليها "أبو مسلم الخراساني"؛ ليتمكنوا من السيطرة على مقاليد البلاد بعد أن أظهروا موالاتهم ومشايعتهم لبني العباس زورا, فبدأوا بخراسان التي كانت أول ما سقط من البلاد على يد أبي مسلم ومع بداية العهد العباسي؛ فأخذ الفرس الحاقدون يشفون غليلهم من العرب المسلمين هناك، فأشبعوهم قتلاً وبطشاً وتنكيلا.
وحاول "أبو مسلم" نفسه شق عصا الطاعة على المنصور الذي ولي الخلافة بعد موت أخيه السفاح، وحاول أن يغدر به، ولكن المنصور بدهاءه وفطنته تنبه لما يحيكه "أبو مسلم" له؛ فاستدرجه حتى تمكن من قتله شر قتله، ودارت بعد ذلك محاولات فاشله من أنصار أبي مسلم للإنتقام له، تارةً من خلال الفتن السياسية، وتارةً من خلال بث الشبهات.
ومن هذه المحاولات؛ خروج "سنباب" الذي طالب ببدن "أبي مسلم"؛ فأرسل له المنصور جيشاً فهزمه.
ثم ظهرت "الراوندية" قرب أصفهان، أيضاً من جماعة "أبي مسلم"، يدعون لمعتقدات فاسدة، فنادوا بألوهية المنصور وأرادوا بذلك خداعه والإيقاع به لقتله، ولكنه حاربهم وانتصر عليهم.
ثم ظهر بعد ذلك منهم رجل لقب نفسه بـ "المقنع"، زعم أن الله سبحانه وتعالى حل في آدم ثم في نوح ثم في "أبي مسلم" ثم حل به أخيراً، واستطاع أن يكون له جماعة وتغلب على بلاد ماوراء النهر، متحصناً بقلعة "كش"، ولكن الخليفة "المهدي" - والذي إشتهر بشدته على الملاحدة والزنادقة - تعقبه فأرسل له جيشاً يحاصره، فلما تيقن هلكته سقى نفسه وأهل بيته السم وهلك.
ومع ذلك فلم يستطع "المهدي" أن يقضي على فتنتهم، نظراً لتسترهم الدائم بالتقية والسرية، فهم دائماً يعملون ويخططون بالخفاء مستخدمين النفاق الإجتماعي بالتقرب والتزلف إلى كبار رجالات الدولة في الخلافة العباسية، حتى تمكنوا من الوصول للمناصب الوزارية، فاستوزر كثير من خلفاء بني العباس هؤلاء الرافضة المجوس؛ كالبرامكة وأبي مسلم الخرساني والمجوسي الفضل ابن سحل، الذي كان وزيراً للمأمون وقائداً لجيشه، وكان يلقب بذي الرياستين - أي الحرب والسياسة -
بل وزوجوا أبنائهم من بنات الفرس، فأم المأمون "مراجل"؛ فارسية، ما أدى إلى تأثره وظهور هذا الأثر عندما إنتهى الحكم إليه، حيث اتخذ من "مروى" عاصمةً للخلافة بدلاً من بغداد، ونادى بأفكار وفلسفات غريبة عن الإسلام، كقوله بخلق القرآن.
وجاءت هذه الدعوة من رواسب تربيته الفارسية المجوسية، فكان نتيجة هذا التقارب أن تمكن رافضة المجوس من بث أفكارهم ومعتقداتهم بين المسلمين، وراحوا يدسون الأحاديث المكذوبة، ويلصقونها بالدين، وراحوا يصورون التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ فتن وخصومة بين الصحابة، ويطعنون بأبي بكر وعمر خاصه وفي الصحابة عامة، بل إنبرى شعرائهم يتفاخرون بمجد فارس القديم، مما حدى بالأصمعي هجاءه بقوله:
إذا ذكر الشرك بمجلس أضاءت وجوه بني برمكي
وإن تليت عندهم آية أتوا بالحديث عن مزدكي
بل نتج عن هذا التقارب ماهو أشد على دولة الإسلام ودينه؛ ألا وهو تآمرهم على الخلافة وخروجهم وإستقلالهم في مناطق متعددة.
فكان أول من خرج على الخلافة العباسية، هو ما قام به طاهر بن الحسين الخزاعي، حيث استقل بخراسان كما فعل من قبل "أبو مسلم"، وتوالت بعد ذلك الانقسامات عن الخلافة وظهرت الخيانات والجرائم العظيمة من هذه الدويلات, فكان القرامطة في الأحساء والبحرين واليمن وعمان وفي بلاد الشام, والبويهيون في العراق وفارس, والعبيديون في مصر والشام.
ولكن من فضل الله تعالى أنه لم يكن يظهر للرافضة يد ودولة إلا ويظهر الله عليهم من يقوم بجهادهم ويسومهم العذاب, فقيض للرافضة في تلك الفترة السلاجقة الأتراك السنيين, الذين كان ولاءهم تابعاً للعباسيين، ولكنهم كانوا أشداء على الرافضة، فقامت هذه الدويلات الرافضة بالتعاون مع الصليبيين ومكنتهم من الدخول إلى بلاد المسلمين للقضاء على أهل السنة الذين عجزوا عن الصمود في مجالدتهم.
جرائم القرامطة في العهد العباسي
فمن جرائم القرامطة التي رصدها لنا التاريخ في العهد العباسي:
في المجال السياسي؛ خروجهم على الدولة العباسية ومناوءتها, وتحريقهم منازل بني عبد قيس، ثم اجتياحهم الكوفة عام 293 للهجرة, وقيامهم بالمذابح الرهيبة التي حدثت في ذلك العام حتى أرخ لها المؤرخون.
ومن جرائمهم في جانب العقيدة وشعائر الدين؛ أنهم نشروا العقائد الفاسدة ابتداءً بدعوى التشيع لآل البيت, ثم قالوا بالرجعة، وعلم علي رضي الله عنه للغيب, ثم التنكر لآل البيت, وذكر مثالب علي وأولاده, وبطلان هذا الدين, ولذلك فإن القرامطة كانوا يقربون الفلاسفة ويعتمدون على نظرياتهم وكتبهم, ويوصون دعاتهم: (وإن وجدت فيلسوفاً فهم عمدتنا، لأننا نتفق وهم على إبطال النواميس والأنبياء، وعلى قدم العالم).
وفي سنة 294 للهجرة؛ قام القرامطة الإسماعيليون بالإعتداء على حجاج بيت الله الحرام، بعد أن أمنوهم على أنفسهم, فقتلوا جميع القوافل, وتعقبوا من فر منهم، حتى أن نساء القرامطة كن يقفن بين القتلى يعرضن الماء؛ فمن كان به رمق يقمن بالإجهاز عليه, ولم يكتفوا بقتل الحجيج, بل راحوا يفسدون مياه الآبار بالجيف والتراب والحجارة.
وفي عام 321 للهجرة؛ قاموا كذلك باعتراض قوافل الحجيج وقتل الرجال, وسبي النساء والذرية.
وهذا يذكرنا بجريمتهم في هذا العصر, حينما أرسلت إيران مجموعةً من شيعة الكويت لترويع الحجاج في مكة عام 1409 للهجرة, فقاموا بزرع المتفجرات المدمرة في أحد الجسور بمكة المكرمة, بعد أن سلمهم إياها السفير الإيراني في الكويت, وهربوها إلى مكة, وقد فجروا منها حول المسجد مساء يوم السابع من شهر ذي الحجة من ذلك العام, مما أدى إلى مقتل رجل وإصابة 16 شخصاً بجروح، عدا الخسائر المادية.
ومن فظائع جرائمهم الدينية؛ أنهم تطاولوا حتى على بيت الله الحرام وعلى الكعبة المشرفة, فسرقوا منها الحجر الأسود, وبقي عندهم حتى عام 335 للهجرة.
وفي ذلك يقول ابن كثير في "البداية والنهاية": (ذكر أخذ القرامطة الحجر الأسود إلى بلادهم: فيها خرج ركب العراق, وأميرهم منصور الديلمي, ووصلوا إلى مكة سالمين, وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج, فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية, فانتهب أموالهم, واستباح قتالهم, فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً, وجلس أميرهم أبو طاهر - لعنه الله - على باب الكعبة والرجال تصرع حوله, والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية, الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول: "أنا بالله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا", وكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، يقتلون وهم كذلك, ويطوفون فيقتلون في الطواف, فلما قضى القرمطي أمره, وفعل ما فعل في الحجيج من الأفاعيل القبيحة, أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم, ودفن كثيراً منهم في أمكانهم من الحرم وفي المسجد الحرام, ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة, وذلك المدفن والمكان, ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصلى عليهم, لإنهم محرمون شهداء في نفس الأمر, وهدم قبة زمزم, وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها, وشققها بين أصحابه, وأمر رجلاً أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه, فسقط على أم رأسه فمات إلى النار, فعند ذلك إنكف الخبيث عن الميزاب, ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود, فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده, وقال: "أين الطير الأبابيل, أين الحجارة من سجيل؟!"، ثم قلع الحجر الأسود, وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم, فمكث عندهم 22 سنةً حتى ردوه, فإنا لله وإنا إليه راجعون) انتهى كلامه رحمه الله.
جرائم البويهيين
وأما البويهيون؛
فكذلك خرجوا على الخلافة العباسية, واستولوا على العراق عام 334 للهجرة, وخلعوا الخليفة العباسي المستكفي بالله, وجاؤوا بالفضل بن المقتدر, فنصبوه خليفةً, ولقبوه بالمطيع لله.
ومن جرائمهم الدينية؛ أنهم فرضوا التشيع ديناً, واتخذوه ستاراً لنشر الأفكار والمعتقدات المجوسية, وبثوا الفتن بين المسلمين على أساس التفريق بين أهل السنة وبين الشيعة, وانتشر في عهدهم سب الصحابة.
وهم أول من أظهر بدعة إغلاق الأسواق في يوم عاشوراء من المحرم, ونصب القباب, وأظهروا معالم الحزن, وأخرجوا النساء يلطمن وينحن على الحسين, وهن سافرات ناشرات لشعورهن, وتجرأوا على ذات الله تعالى, حيث تسمى آخر ملوكهم بالملك الرحيم, منازعةً لله في اسمه.