جرائم العبيدين
وأما العبيديون - الذين ينسبون أنفسهم زوراً إلى نسل فاطمة بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -:
فحدث ولا حرج عن جرائمهم, فقد خرجوا على الخلافة العباسية, بعد أن مهدوا لهذا الخروج بمرحلة سرية بثوا من خلالها دعوتهم, متسترين ومتمسحين بمسوح آل البيت, في بلاد المغرب, ثم لما تمكنوا من السيطرة على بلاد المغرب, انتقلوا إلى مصر فاستولوا عليها, وخلعوا الخليفة هناك.
وكان من أبرز جرائمهم في الجانب العقدي؛ أن حاكمهم - وقبل دخولهم لمصر - أرسل مبعوثه لأهل مصر يقطع على نفسه العهود بعدم إظهار البدع وإبقاء السنة وإحيائها, ولكنهم بعد دخولهم غدروا بأهل مصر, وفرضوا التشيع وألزموا الناس بإظهاره, واستخدموا منابر المساجد للدعاية إلى مذهبهم, ونشر بدعهم, وصار ينادى في الأذان؛ بحي على خير العمل.
وظهر منهم الحاكم بأمر الله, الذي ادعى الألوهية, وبث دعاته في كل مكان من مملكته, يبشرون بمعتقدات المجوس, كالتناسخ والحلول, ويزعمون أن روح القدس انتقلت من آدم إلى علي ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله, وكان من أبرز دعاته محمد بن اسماعيل الدرزي المعروف بـ "أنشتكين", وحمزة بن علي الزوزني, وهو فارسي من مقاطعة "زوزن", وجاء إلى القاهرة لهذه المهمة, أي لبث الدعوة إلى ألوهية الحاكم.
ومن جرائمهم الدينية كذلك؛ محاولتهم نبش قبر النبي ونقل جثمانه الطاهر مرتين في زمن الحاكم بأمر الله، الذي ادعى الألوهية.
المحاولة الأولى: يوم أن أشار عليه بعض الزنادقة بنقل النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مصر، فقام فبنى حائزاً بمصر, وأنفق عليه مالاً جزيلاً, وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف، فهاج عليه الناس وحصل له من الهم والغم ما منعه من قصده، ولله الحمد والمنة.
الثانية: حينما أرسل من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم, حيث سكن هذا الرسول بقرب المسجد, وحفر تحت الأرض, ليصل إلى القبر فاكتشف الناس أمره؛ فقتلوه.
ثم لما قيض الله السلاجقة الأتراك؛ يرومون نشر السنة والقضاء على دين الرافضة، شعر العبيديون بعزيمة وقوة هؤلاء الأبطال, وعلموا من أنفسهم العجز عن مواجهتهم, فلجئوا إلى خطتهم القديمة ومكرهم السالف, حيث أرسلوا لأعداء الدين من الصليبيين, وأغروهم بدخول بلاد المسلمين والتوطين لهم, مفضلين استيلاء النصارى على بلاد المسلمين على أن ينتشر مذهب السنة, ويظهر السلاجقة, وكان ممن وطن لهم وكاتبهم وأرسل لهم, أمير الجيوش الفاطمي الأفضل.
وفي ذلك يقول ابن الأثير: (إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية, وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة, ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم ودخول "الإقسيس" إلى مصر وحصرها, فخافوا وأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه).
ويقول الدكتور مصطفى العناني, نقلاً عن المؤرخ اللاتيني المعاصر للحملة الصليبية الأولى "كفارو الكاسكي": (ليكن معلوماً لدى الجميع الآن, وفي المستقبل وفي عهد البابا "أوربان الثاني" الطيب الذكر, أن "الدون جون فريد" بصحبة "الكونت فراند لينيس" وعدد آخر من النبلاء والسادة, الذين رغبوا في زيارة ضريح السيد المسيح - عليه السلام - قد ذهبوا إلى مدينة "جنوة" ومنها ركبوا السفينة الجندية المعروفة باسم "بوميلا" ليبحروا إلى الإسكندرية, ولما وصل الوفد إلى ميناء الإسكندرية, اتجهوا بصحبة الجنود الفواطم إلى ميناء مدينة بيت المقدس - أي يافا - وعندما أرادوا دخول المدينة عبر بوابتها, لزيارة ضريح السيد المسيح رفض حراس المدينة دخولهم إلا أن يدفعوا الرسوم المفروضة عليهم حسب ما هو مقرر كالعادة, ومقدارها بيزنط واحد ليتمكنوا من الدخول).
ويفسر الدكتور العناني هذا الحدث بقوله: (إن هذه الرحلة التي قام بها الأمراء الصليبيون لم تأت من فراغ, وبلا اعتقادات واتصالات مسبقة, بين هؤلاء الأمراء الفاطميين في مصر, فلا يعقل أن يقوم هؤلاء الأمراء الصليبيون بزيارة ميناء الإسكندرية دون أن يستقبلهم مسؤولوا الأمن في الميناء, ودون وجود اتصالات سابقة وترتيب سالف, وهذا يؤيد ما قام به الفاطميون من ارسال جند حراسة اصطحبوا السفينة "بوميلا" إلى ميناء بيت المقدس, وكان الهدف من ذلك حماية هؤلاء الأمراء من خطر السلاجقة إبان رحلة الذهاب والعودة من الإسكندرية إلى بيت المقدس, التي استغرقت أكثر من عامين.
وبعد أن تحركت الجيوش الصليبية قادمةً من أوروبا في أولى الحملات الصليبية على بلاد المسلمين, وأثناء مرورها بمضيق "البسفور" في أراضي الدولة البيزنطية, أخذ منهم الإمبراطور "كوفين" يمين الولاء والطاعة, وكان فيما أمرهم به أن يسعوا للوصول إلى الإتفاق مع الفاطميين في مصر, لأنهم كانوا أشد الناس خصومةً للترك السلاجقة السنيين, ولا يقبلون مطلقاً مصالحتهم, بينما عرف عنهم التسامح مع الرعايا المسيحيين, وكانوا دائماً مستعدين للتفاهم مع الدول المسيحية).
وذلك يدل على مدى التواطئ الذي كان بين الرافضة العبيديين وبين الصليبيين.
وهذا نفسه ما حصل بين رافضة إيران والأمريكان في مساعدتهم على الإطاحة بدولة طالبان, بالتنسيق مع رافضة الشمال في أفغانستان, وكذلك تعاون رافضة إيران مع الأمريكان في احتلال العراق بتنسيق ومعاونة من رافضة العراق.
وليتهم اكتفوا بمواقفهم السلبية تجاه الغزو الصليبي لبلاد المسلمين, ولكنهم لما رأوا أن مدة حصار "أنطاكيا" قد طالت, خافوا من أن يتسلل الملل واليأس إلى نفوس الجنود الصليبيين فيتراجعون وينتصر السلاجقة, مما حدا بـ "الأفضل" إلى ارسال سفراء مخصوصين يحضون القادة الصليبيين على مواصلة الحصار, وأكدوا لهم أنهم سيرسلون لهم - أي الصليبيين - كل ما يحتاجون له من الإمدادات العسكرية والغذائية, فاستقبلهم القادة الصليبيون بحفاوة بالغة, وعقدوا معهم عدة اجتماعات تسلموا خلالها رسالة الأفضل.
وفي ذلك يقول "وليام صوري" الذي نقله الدكتور يوسف الغوانمة: (إن محاصرة الصليبيين لأنطاكيا أثلجت صدر "الأفضل", واعتبر أن خسارة الأتراك السلاجقة لأي جزء من أملاكهم إنما هو نصر له نفسه, ولما قفلت سفارة "الأفضل" راجعةً صحبتهم سفارة صليبية, تحمل الهدايا للتباحث مع "الأفضل" في الأمور التي تم الإتفاق عليها, وأرسلوا مع السفارة الفاطمية العائدة من ضمن الهدايا؛ حمولة أربعة جياد من رؤوس القتلى السلاجقة هديةً لخليفة مصر).
ولم يكتف "الأفضل" بذلك، بل استغل فرصة انشغال السلاجقة من أهل السنة بقتالهم وجهادهم للصليبيين، فأرسل قواته إلى "صور" وفتحها بالقوة، ثم أرسل قواته من العام التالي إلى بيت المقدس وانتزعه من أصحابه "الأراتقة"، ثم سرعان ما توجه الصليبيون لبيت المقدس كأنها مؤامرة واتفاقية بين الطرفين، يستولي الأفضل على بيت المقدس، ليتم تسليم البلاد بدم بارد إلى يد الصليبيين، وليس أدل على ذلك من أن "الأفضل" لما علم بتوجه الصليبيين إلى بيت المقدس توجه عائداً إلى القاهرة.
وكانت القوات الصليبية التي حاصرت بيت المقدس، في غاية التعب والإنهاك من شدة الحرارة التي لم يعتادوا عليها في بلادهم، حتى أن الماشية والأغنام هلك عدد كبير منها، بل إن عدد الجيش الصليبي الذي كان متوجهًا لحصار بيت المقدس لم يكن كبيرًا، بحيث يستطيع أن يصمد في ظل هذه الظروف، لولًا خيانة الرافضة وتواطئهم مع الصليبين.
إذ بلغ عددهم ألفًا وخمس مائة فارس، وعشرين ألفًا من المشاة.
حتى أن المؤرخة "ابن تغري بردي" قال متعجبًا: (والعجب أن الإفرنج لما خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت، حتى أنهم أكلوا الميتة، وكانت عساكر الإسلام في غاية القوة والكثرة، فكسروا - أي الصليبيون - المسلمين وفرقوا جموعهم!).
وبعد حصار دام أربعين يومًا؛ تمكن الصليبيون من دخول بيت المقدس واحتلالها في شهر شعبًان، في سنة أربع مائة واثنتين وتسعين للهجرة.
وراحوا يقتلون المسلمين، ويحرقون ما كان ببيت المقدس من مصاحف وكتب، حتى بلغ عدد القتلى ما يزيد على سبعين ألف من المسلمين، منهم الأئمة والعلماء والعباد.
وظلوا على هذه الحالة من التقتيل والتنكيل أسبوعًا كاملًا، لدرجة أنه لما أراد قائدهم الصليبي "ريموند" زيارة ساحة المعبد، أخذ يتلمس طريقه تلمسًا من كثرة الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه.
وكان من جرائم الخلفاء العبيديين؛ أنهم يتخلصون من كل وزير ينادي بفريضة الجهاد، ويرفع لواءه على وجه السرعة، ويظهر ذلك من خلًال الفترة التي حكموا بها.
فهذا الوزير "الأفضل" لما كان متحالفًا مع الصليبيين كان منهم مقربا، ولما بدأ يتحالف مع الدماشقة الأتراك لمواجهة الصليبيين، قاموا باغتياله في عهد الخليفة الآمر.
وهذا الوزير رضوان بن الولخشي؛ كان من أشد الناس تحمسًا للجهاد ضد الصليبيين، حتى أنه أنشأ ديوانًا جديدًا، أطلق عليه اسم "ديوان الجهاد"، وأخذ يطارد الأرمن ويقصيهم من مناصبهم التي تولوها من قبل الرافضة العبيديين، بل إنه ندد بالخليفة الحافظ العبيدي آنذاك على مواقفه المستكينًة تجاه الصليبيين بالشام.
فعمد الخليفة الحافظ إلى تمكين الأرمن والتعاون معهم سرًا، وأخذ يثير طوائف الجيش الفاطمي ضد الوزير "ابن الولخشي"، الأمر الذي أعاق سير حركة الجهاد التي عزم ابن الولخشي على إدارتها، فاضطر إلى الفرار متحيزًا نحو الشمال حيث يوجد أسد من أسود الجهاد،وهوً عماد الدين زنكي، ليستعين به في جهاده ضد الصليبيين.
وهذا الوزير "ابن السلار" السني الشافعي؛ بذل قصارى جهده لمواجهة الصليبيين، وحاول التعاون مع نور الدين والاتصال به ليتمكنوا من مشغالة الإفرنج في جهة، وضربهم في الجهة أخرى، إلا أن الخليفة آنذاك "الظافر"؛ دبر له مؤامرةً، فاغتاله في عام خمس مائة وثمانية وأربعين للهجرة.
وهذا الوزير العادل طلائع بن رزيك؛ الذي ما لبث بعد توليه الوزارة أن رفع راية الجهاد، وجهز الأساطيل والسرايا لمهاجمة الصليبيين، لكنه ما لبث أن قتل قبل أن يحقق حلمه في تحرير بيت المقدس، من قبل مؤامرة دبرها له "شاور السعدي"، الذي كان واليًا على الصعيد في عهد الخلفة العاضد، عام خمس مائة وثمانية وخمسين للهجرة.
ولما خرج أحد قادة الجيش وهو "أبو الأشبًال الضرغام" على "شاور"، وانتزع منه الوزارة وقتل ولده الأكبر "طي بن شاور"، اضطر "شاور" إلى أن يرسل إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي يستجير به، ويطلب منه النجدة على أن يعطيه ثلث خراج مصر، وأن يكون نائبه بها، حيث قال: (أكون نائبك بها وأقنع بما تعين لي من الضياع والباقي لك).
ومع أن نور الدين كان مترددًا في إرسال حملة عسكرية مع "شاور" إلا أنه استخار فأرسل له أكبر قواده "أسد الدين شركوه"، وأرسل معه ابن أخيه صلاح الدين، وأمر بإعادة "شاور" إلى منصبه، واستطاع "أسد الدين" في حملته أن يقضي على "ضرغام"، وأن يعيد الوزارة إلى "شاور" في شهر رجب عام خمس مائة وتسعة وخمسين للهجرة.
ولكن الغدر والخيانة بدت في محيا "شاور"، فأساء معاملة الناس وتنكب عن وعوده المعسولة لنور الدين، وأراد أن يغدر بـ "أسد الدين شركوه" حيث طلب منه الرجوع إلى الشام، دون أن يرسل إليه ما كان قد استقر بينه وبين نور الدين، ولما رفض "أسد الدين" الرجوع إلى الشام؛ أرسل نوابه إلى مدينة "بلبيس" فتسلمها وتحصن بها، فما كان من "شاور" إلا أن يغدر - كما هي عادة الرافضة - فأرسل إلى ملك بيت المقدس الصليبي يستنجده على "شركوه" ويطمعه في ملك مصر إن هم ساعدوه في إخراج "شركوه"، وبالفعل سارع الصليبيون بالتوجه إلى مصر ومن ثم التقوا بـ "شاور" وعساكره حتى توجهوا جميعاً إلى "بلبيس" وحاصروا أسد الدين فيها.
ولكن من رحمة الله تعالى أنه - وأثناء حصارهم لهم - وصلتهم الأنباء بهزيمة الإفرنج على "حارم"، وتملك نور الدين لها، وتقدمه إلى "بانيسا" لأخذها فأصابهم الرعب واضطروا إلى أن يراسلوا أسد الدين المحاصر في "بلبيس" يطلبون منهم الصلح وتسليم ما أخذه سلماً، فاضطر لموافقتهم على ذلك، إذ أن الأقوات قلت عندهم، وعلم عجزه عن مقاومة الفريقين، فصالحهم وخرج من "بلبيس" عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة وهوفي غاية القهر.
هذا الأمر وهذه الخيانة من قبل "شاور"، وتحالفه مع الصليبيين؛ جعل الملك الصالح نور الدين محمود، يوجه نظره إلى غزو مصر ثانيةً للقضاء على مصدر الفرقة في العالم الإسلامي ومنبع الخيانة للأمة، ألا وهي الخلافة الفاطمية، بالإضافة إلى رغبته في نشر المذهب السني والقضاء على مذهب الرفض.
فخرجت حملة من "دمشق" في منتصف شهر ربيع الأول من عام خمسمائة واثنين وستين للهجرة بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، وكانوا على موعد مع النصر، ومن مقدمات هذا النصر وإرهاصاته أن قذف الله الرعب في قلوب أعداءه من الصليبيين والرافضة المرتدين، وبرغم تحالف "شاور" وقواته مع قوات الصليبيين واستنجاده بهم إلا أنهم قدموا والرجاء يقودهم والخوف يسوقهم.
فبدأت أولى المعارك بين قوات أسد الدين وقوات الصليبيين المتحالفين مع "شاور" في منطقة الصعيد بمكان يعرف باسم "البابين"، فدارت معركة حاسمة انتهت بهزيمة الصليبيين والفاطميين أمام جنود "شركوه"، فكان من أعجب ما يُؤَرخ؛ أن ألفي فارس - عدد أفراد جيش "شركوه" - تهزم عساكر مصر وفرنج الساحل.
واستمر الكر والفر بين الفريقين، حتى كان من فضل الله تعالى أن بث الله الفرقة والنزاع بين "شاور" والخليفة الفاطمي "العاضد" من جهة، وتنكر الصليبيين للوزير "شاور" من جهة أخرى.
كل ذلك بالإضافة إلى العزم الصادق على جهاد الصليبيين ونشر الدين الإسلامي الصافي على منهج الجماعة الأولى؛ ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أدى بالنهاية إلى انتصار حملة نور الدين بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، واستيلائهم على مصر في نهاية المطاف.
ولكن الحقد الرافضي لم ينتهي إلى هذا الحد، بل راح الرافضة يدبرون المؤامرات والمكائد بعد سقوط الدولة العبيدية الفاطمية للتخلص من أسد الدين الذي تولى الوزارة في مصر، ومن بعده ابن أخيه صلاح الدين الذي قطع الخطبة للخليفة الفاطمي في ثاني جمعة من المحرم عام خمسمائة وسبعة وستين للهجرة، وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله.
فتمت عدة محاولات لاغتيال القائد صلاح الدين؛
ففي عام خمسمائة وأربعة وسبعين للهجرة من شهر ذي القعدة؛ اتفق مؤتمن الخلافة - وهو خصي كان بقصر "العاضد"، وكان الحكم في القصر إليه مع جماعة من المصريين - على مكاتبة الإفرنج مع شخص يثقون به، يقترحون فيه عليهم أن يتوجه الصليبيون إلى الديار المصرية، فإذا وصلوا إليها وأراد صلاح الدين الخروج إليهم؛ قام هو ومن معه من المصريين في الداخل بقتل مخالفيهم من أنصار صلاح الدين، ثم يخرجون جميعاً في إثره حتى يأتونه من الخلف فيقتلونه ومن معه من العسكر.
ولكن الله تعالى أفشل مخططهم ذلك وانكشف حامل الرسالة، فأرسل صلاح الدين من فوره جماعةً من أصحابه إلى مؤتمن الخلافة - حيث كان يتنزه في قرية له - فأخذوه وقتلوه وأتوا برأسه، وعزل جميع الخدم الذين يتولون أمر قصر الخلافة.
ثم جاءت المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين من قبل الرافضة؛ لما ثار جند السودان الذين كانوا بمصر لمقتل مؤتمن الخلافة، لأنه كان يتعصب لهم، فجمعوا خمسين ألفاً من رجالهم وساروا لحرب صلاح الدين، فدارت بينهم عدة معارك، وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بـ "المنصورة" فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما علموا بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف وظل القتل فيهم مستمراً إلى أن قضى على آخرهم؛ "توران شاه" - أخو صلاح الدين - في منطقة الجيزة.
ولم يستكن الرافضة إلى هذا الحد؛ بل اتفق جماعة من شيعة العلويين بمصر ومنهم "عمارة اليمني" الشاعر المعروف و "عبد الصمد" الكاتب والقاضي "العويرسي" وداعي الدعاة "عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي" وقاضي القضاة "هبة الله بن كامل" ومعهم جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من "صقلية" ومن ساحل الشام إلى الديار المصرية على شيء يبذلونه لهم من المال والبلاد، فإذا قصدوا البلاد وخرج إليهم صلاح الدين لمقاتلتهم؛ ثاروا هم من الداخل في القاهرة ومصر وأعادوا الدولة الفاطمية.
ولكن من لطف الله تعالى بأمة الإسلام أن كشف مخططهم قبل أن يتم، حيث كان من ضمن من أدخلوه معهم في المؤامرة وأطلعوه على خبيئتهم؛ الأمير زين الدين علي بن الواعظ، الذي أبت نفسه أن تقبل بهذه الدنيئة وهذه الخيانة، فأخبر صلاح الدين بما تعاقد عليه القوم، فكافأه على ذلك، ثم استدعاهم واحداً واحدا، وقررهم بذلك فأقروا، ثم اعتقلهم واستفتى الفقهاء في أمرهم؛ فأفتوه بقتلهم، فقتل رؤوسهم وأعيانهم وعفى عن أتباعهم وغلمانهم، وأمر بنفي من بقي من جيش العبيديين إلى أقصى البلاد.
وبذلك تكون مصر قد بدأت صفحةً منيرةً من تاريخها، إذ أعاد صلاح الدين البلاد إلى المذهب السني من جديد، وأرجع تبعيتها للدولة العباسية، ثم راح يرتب صفوفه من جديد.
ولولا مشاغلة الرافضة له ومحاولاتهم العديدة في تدبير المؤامرات لاغتياله؛ لما تأخر بعد ذلك النصر الكبير للأمة الإسلامية إلى عام خمسمائة وثلاثة وثمانين للهجرة، حيث انشغل صلاح الدين بقتال الرافضة، ولما تمكن من القضاء عليهم كدولة وكقوة، استطاع بعدها أن يتفرغ لقتال الصليبيين، ومن ثم استعادة بيت المقدس من أيديهم في موقعة "حطين" الفاصلة.
ولهذا كله؛ فإن شخصية صلاح الدين رحمه الله تعالى، بقدر ما هي تمثل الرمز الناصر لدين الله والمجدد لعز هذه الأمة عند أهل السنة، بقدر ما تغيظ منها رؤوس الرافضة وبقدر ما يبغضون هذه الشخصية.
جرائمهم وخياناتهم في الطور الثاني للخلافة العباسية
ففي أثناء الطور الثاني للخلافة العباسية نجد أن الرافضة يظهرون من جديد, ولكن بلباس التقية التي يدينون بها حتى تظهر لهم الدولة واليد؛ كالثعلب يلبس جلد الشاة فلا ينخدع به إلا الراعي المضيع لرعيته, والغافل بأمور دنياه عن أمور دينه.
فراحوا يتملقون ويتقربون نفاقاً من كبار المسؤولين في الدولة, ويعلنون الولاء والطاعة جهراً، ويبيتون ما لا يرضى من القول سراً, حتى انخدع بهم كثير من الخلفاء العباسيين، فنراهم يقلدونهم المناصب الهامة والحساسة في الدولة.
ومثل هذا الرافضي الشهير "ابن العلقمي" الذي قلده الخليفة المستعصم الوزارة غفلةً منه وتضييعًا, وإلا أما كانت تكفيه العبر من التاريخ القريب مما فعله الرافضة بأجداده؟!
ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولاً, وليرصد لنا التاريخ جرائم القوم وخياناتهم, وقعودهم لأهل السنة كل مرصد, وهم يترقبون بهم الدوائر.
فماذا كان جزاء الخليفة العباسي إلا أن تآمر الحاقد "ابن العلقمي" مع شيخه الرافضي "نصير الدين الطوسي" على هدم البلاد وقتل العباد وخلع الخليفة، بعد أن راسلوا "هولاكو" ملك التتار بدخول بغداد, ووعدوه بمناصرته والتوطين له من خلال خطة وحيلة مكر بها ابن العلقمي.
حيث أوهم الخليفة العباسي بأن عدد الجنود كثر وزاد على ديوان الجند، حتى باتوا من كثرتهم يشكلون عبئاً اقتصاديا على الدولة, وأن الدولة تحتاج في مرافقها الأخرى أكثر من حاجتها في الجند، فأشار عليه؛ أن يقلل نسبة الجند، فما إن وافق على هذه الفكرة وهذا المبدأ؛ حتى راح يسرح الكتائب تلو الكتائب، فبعد أن كان عدد الجنود ما يقارب المائة ألف, صاروا قرابة العشرة آلاف جندي.
وفي ذلك يقول ابن كثير: (وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعاً منه أن يزيل السنة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضية، وأن يقيم خليفةً من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمفتين، والله غالب على أمره) اهـ.
حينها أرسل ابن العلقمي إلى "هولاكو" يبلغه مدى الضعف الذي حل بالدولة وبالخليفة.
وخرج هولاكو لاجتياح بغداد, حتى إذا صار على حدود البلاد؛ خرج له ابن العلقمي في جماعة من خاصته وأهله واجتمعوا بهولاكو، وأشار ابن العلقمي على أن تدبر للخليفة خطة لاستخراجه وكبار قادته وأمرائه وخاصته من حواشيه خارج البلد ليسهل القضاء عليه, ويسهل عليهم اجتياح بغداد.
فجاء ابن العلقمي ينسج خيوط المكر والخيانة للخليفة المستعصم, ويشير عليه بأن يخرج لهولاكو ليعقد معه اجتماع صلح، يصطحب فيه خاصته من الحاشية والأمراء والقضاة والقادة، وبالفعل وثق الخليفة بوزيره الرافضي... كيف لا! وهو الذي قربه إليه وعينه له وزيراً.
فماذا كانت نتيجة هذا التقارب السني الرافضي الشهير؟
النتيجة هي ما استمرأ عليه الرافضة وألفوه... إنه الغدر والخيانة, حتى أن الخليفة لما قدم على هولاكولم يكن هولاكو عازماً على قتله، بل تهيب ذلك, ولكن ابن العلقمي و "الطوسي" شجعاه على ذلك, ونصحاه بقتله وقتل من جاء معه، حتى تم لهم ذلك بالفعل.
ودخل التتار إلى بغداد فأوقعوا فيها مذبحةً عظيمةً في النفوس, ومحرقةً هائلةً في الكتب والمكتبات، فلم ينج من ذلك إلا أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إلى بيت ابن العلقمي.
وفي ذلك يقول الإمام الذهبي: (وفي سنة 656 هـ؛ أحاط أمر الله ببغداد فأصبحت خاويةً على عروشها, وبقيت حصيداً كأن لم تغن بالأمس, فإنا لله وإنا إليه راجعون, نازلها المغول في أخلاط من السفل وأوباش من المنافقين, وكل من لم يؤمن بالرب, وكان ابن العلقمي الوزير واليًا على المسلمين، وكان رافضيا جلدًا، فلما استداروا ببغداد, وخارت القوى وجف الريق, وانخلعت الأفئدة أشار الوزير على الخليفة المستعصم بالله بمصانعة العدو, وقال دعني أخرج إليهم في تقرير الصلح, فخرج واستوثق لنفسه ولمن أراد, وجاء إلى الخليفة وقال إن الملك قد رغب أن يزوج ابنته بابنك أبي بكر, ويبقيك في الخلافة كما كان الخلفاء مع السلجوقية, ويرحل عنك فأجبه إلى ذلك فإن فيه حقن الدماء، وأرى أن تخرج إليه).
فخرج الخليفة في جمع من الأعيان إلى السلطان هولاكو, فأنزله في خيمة, ثم دخل الوزير فاستدعى الأكابر لحضور العقد, فحضروا وضربت أعناقهم, وصار كذلك يخرج طائفةً بعد طائفة فيقتلون, ثم صيح في البلد, وبذل السيف واستمر القتل والسبي والحريق والنهب، وقامت قيامة بغداد - فلا حول ولا قوة إلا بالله - بضعا وثلاثين يومًا, كل صباح يدخل فرقة من التتار فيحصدون محلةً، حتى جرت السيول من الدماء, وردمت فجاج المدينة من القتلى, حتى قيل إنه راح تحت السيف ألف ألف وثمانمائة ألف، والأصح أنهم بلغوا نحوًا من ثمانمائة ألف, وهذا شيء لا يكاد ينضبط، فإنهم قتلوا في الطرق والجوامع والبيوت والأسطحة وبظاهر البلد ما لا يحصى, بل هي ملحمة ما جرى قط في الإسلام مثلها, وسبوا من النساء والصغار ما ملأ الفضاء، وممن أسر ولد الخليفة الصغير وإخوانه, وقتل الخليفة وابناه أحمد وعبدالرحمن, وممن قتل مع الخليفة من الأعيان: أعمامه علي والحسين ويوسف, وجماعة من أهل البيت.
وأخرج الصاحب محيي الدين الرًئيس العلامة ابن الجوزي وبنوه عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم, فضربت أعناقهم, وممن قتل صبرًا جماعة مستكثرون من العلماء والأمراء والأكابر, وخلت بغداد من أهلها, ودثرت المحال, واستولى عليها الحريق, واحترقت دار الخلافة, والجامع الكبير, حتى وصلت النار إلى خزانة الكتب, وعم الحريق جميع البلاد, وما سلم إلا ما فيه من هؤلاء الملاعين) اهـ.
ولم يقف هؤلاء الروافض الحاقدين في جرائمهم السياسية عند حد الإضرار بالخليفة وحاشيته لإسقاط الدولة الإسلامية وحسب؛ بل تمادى ضررهم إلى عامة المسلمين, فأخذوا يقطعون الطرق، ويقتلون الآمنين من الناس، ويأخذون القوافل, بل أخذوا يبتكرون وسائل مختلفةً للفتك بالناس ونشر الرعب بينهم, فقد بلغ من جرأة هؤلاء المفسدين؛ أنهم كانوا يخطفون الناس من الشوارع والحارات بأغرب الطرق, وكان الرجل يتبع خاطفه من سكون والخوف ملجمه والويل له إن أبدى مقاومةً أو تحرك لسانه طلبًا للنجدة، فإذا فعل ذلك استقر خنجر خاطفه في قلبه، فكان الإنسان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد لرجوعه تيقن أهله بأن الباطنية قتلوه، فيقعدوا للعزاء به, ويسودهم الحزن، والأسى حتى يرجع، فأصبح الناس لا يمشون في الشوارع منفردين، وكانوا على غاية من الحذر.
ويصور لنا المؤرخ ابن الأثير صورةً لما فعله الباطنية بمؤذن خطفوه، فيقول: (وأخذوا - الباطنية - في بعض الأيام مؤذنًا أخذه جار له باطني فقام أهله للنياحة عليه, فأصعده الباطنية إلى سطح داره وأروه أهله كيف يلطمون، ويبكون، وهو لا يقدر أن يتكلم خوفًا منهم) اهـ.
ومن أساليبهم الأخرى التي استخدموها للفتك بأفراد المجتمع الإسلامي، ونشر الرعب بينهم؛ أنهم كانوا يخطفون الناس بحيل مختلفة، ويُحملون إلى منازل ودور غير معروفة، حيث يسجنونهم أو يقتلونهم, وكان إذا مر بهم إنسان أخذوه إلى إحدى تلك الدور، وهناك يعذبونه ثم يقتلونه ويرمونه في بئر في تلك الدار أعدت لذلك الغرض.
وكانت طريقتهم في خطف الناس أنه كان يجلس على أول الدرب المؤدية إلى إحدى هذه الدور رجل ضرير من الباطنية, فإذا مر به إنسان سأله أن يقوده خطوات في هذا الدرب، فتأخذه الرأفة والإحسان لعمل الخير، فيقوده في هذا الدرب، حتى إذا وصل إلى دار من دورهم قبضوا عليه وقتلوه، ورموه في البئر.
ولكن لم يلبث أن اكتشف الناس حيلة الباطنية هذه، ففتكوا بهم وقتلوهم، ففي أحد الأيام صادف أن رجلاً دخل دار صديق له فرأى فيها ثياباً وأحذيةً وملابس لم يعهدها، فخرج من عنده، وتحدث للناس بما رآه فداهم الناس البيت، وكشفوا عن الملابس، والثياب فعرفوا أنها من المقتولين، فثار الناس وأخذوا يبحثون عمن قتل منهم, وتجردوا للانتقام من الباطنية بقيادة العالم أبي القاسم مسعود بن محمد الخجندي الفقيه الشافعي, فجمع الناس بالأسلحة، وأمر بحفر الأخاديد, وأوقد فيها النيران، وأمر العامة من الناس بأن يأتوا بالباطنية أفواجاً، ومنفردين فيلقونهم في النار، حتى قتلوا منهم خلقًا كثيراً.
وللعلم فإن ما سبق ذكره من تاريخهم الأسود في قطع الطريق، وقتل الآمنين وخطفهم، وخوف الناس وانقطاع رجائهم في من يفتقدونه من أهليهم؛ هو ذات ما يحدث اليوم في أرض العراق وبلاد الرافدين من قبل الروافض, بل إنهم يتسترون في لباس الجيش والشرطة ليكون لهم السلطة جهارًا نهارًا في اقتياد الرجال من بيوتهم ومن ثم تعذيبهًم، وقتلهم, والاعتداء على النساء، ونهب البيوت بحجة تفتيشها, فلا يستطيع أحد منعهم.
بل إن جرائمهم صارت تتقصى أصحاب المؤهلات والكوادر العلمية خاصة, فمن يقوم بجرائم اغتيال الأساتذة الأكاديميين، والقضاة، والعلماء من أهل السنة، ومن يتصيدهم غير هؤلاء الروافض وبأوامر من مرجعياتهم تعطى لفيالقهم على شكل بيانات منسوخة, وقد تسربت نسخ من هذه البيانات عبر الإنترنت فقرأها القاصي والداني, ولا مجال لإنكارها.
جرائمهم وخياناتهم في العهد العثماني
وفي عهد العثمانيين الذين جددوا حركة الجهاد الإسلامي، وبدؤوا يجتاحون العالم حتى وصلوا إلى أوربا مستعيدين بذلك البلاد الإسلامية التي خسرها المسلمون أثناء الغزو الصليبي:
قامت يد الغدر والخيانة؛ الرافضية الفكر والمنهج، اليهودية الأصل والمنشأ، والتي اعتادت أن تطعن ظهر الأمة لتحول بين المسلمين وبين جهادهم ضد الكفر والكفار, امتدت من جديد لتستغل انشغال العثمانيين أثناء توغلهم في قلب أوربا مجاهدين ليقوموا بحركات انفصالية خارجين عن الخلافة الإسلامية العثمانية براءةً، ومتحالفين مع أعداء الإسلام ولاءًً.
فتعاونوا مع البريطانيين، والبرتغاليين، والفرنسيين، والروس، حتى أضعفوا الخلافة العثمانية وأنهكوها، فكانوا من أكبر أسباب سقوطها، حيث شكلوا عدة جبهات، وعدة حركات انفصالية؛ فكان الصفويون في شروان والعراق وفارس، والبهائيون في بلاد فارس, ولهم نشاطات في مناطق متفرقة, والقاديانية في الهند، والنصيرية والدروز في بلاد الشام.
فمن جرائم الصفويين في الجانب السياسي؛ خروجهم على الخلافة العثمانية, وتأسيس دولة مستقلة لهم عام ألف وخمس مائة للميلاد 1500 م، معلنين دين الرفض على البلاد كدين أساس, ولم يكتفوا بهذا, بل حاربوا أهل السنة الذين كانوا يشكلون أكثريةً فيها, حيث بلغت نسبتهم ما يقارب بخمس وستين بالمائة 65 %.
ثم تحالفوا بعد ذلك مع الإنجليز في عهد الشاه عباس الصفوي عام ألف وخمس مائة وثمانية وثمانين للميلاد 1588 م، ومكنوا لهم في البلاد، وجعلوا لهم فيها أوكارًا يتم الاجتماع فيها معهم للتآمر ضد الخلافة العثمانية، لدرجة أن مستشاريه كانوا من الإنجليز, وأشهرهم "السير أنطوني", و "روبرت تشيرلي".
وأما جرائمهم في ما يتعلق بجانب الدين والعقيدة؛ فمنها صرفهم الحجاج الإيرانيين من الحج إلى "مشهد"، بدل أن يحجوا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
حيث قام شاه عباس الصفوي بالحج إلى "مشهد" مبتدءاً بنفسه سيرًا على الأقدام؛ ليصرف الناس عن الحج إلى مكة وليكون قدوتهم, ومن ذلك الحين أصبحت مشهد مدينةً مقدسةً لدى الرافضة الإيرانيين.
وفتح الصفويون في عهد الشاه عباس بلادهم للمبشرين الغربيين، حتى سمحوا لهم ببناء الكنائس، ومد جسور من التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي.
وفي ذلك يقول "سليم واكيم" في كتابه "إيران في الحضارة": (وإثر ظهور البرتغاليين في المنطقة بدأت إيران علاقات تجاريةً مع إنجلترا وفرنسا وهولندا, ومهدت هذه العلاقات إلى اتصالات على مستوىً دبلوماسي وثقافي وديني عند اعتلاء شاه عباس الأول عرش فارس عام 1587م، وسجلت تغييرات أساسية في البلاد وفي علاقاتها مع الغرب, وكان من نتائج التحول السياسي الذي أحدثه شاه عباس أن غص بلاطه بالمبشرين والقسس, فضلاً عن التجار والدبلوماسيين والصناع والجنود المرتزقة، فبنى الغربيون الكنائس في إيران).
البهائيون
وأما البهائيون؛
فقد خرجوا على الدولة العثمانية وتعاونوا مع الاستعمار الإنجليزي, ونادوا بتعطيل الجهاد... بل إلغائه أمام زحف الاستعمار الإنجليزي, مما يعني الاستسلام والخنوع للاستعمار, وكانوا مرتبطين بالمحافل الصهيونية - كالماسونية السرية - والتي يدار من خلالها التآمر على دين الإسلام ودولته حتى لا تقوم له قائمة, ويدبر لقادة الإسلام والجهاد خطط الاغتيالات والقتل.
القاديانيون
وأما القاديانيون؛
فقد تعاونوا مع الإنجليز, بل إن الإنجليز هم الذين ساهموا في نشأتهم, فخرج زعيمهم "غلام أحمد" يدعي أنه المهدي المنتظر, ثم استمر حتى ادعى النبوة, وأمر بتعطيل الجهاد حتى يخذل أتباعه عن جهاد الإنجليز الذي كان على أشده, الأمر الذي يدل على أنهم ما أنشئوا إلا من أجل تعطيل الجهاد, فلذا نجد أتباعهم اليوم ينشطون أكثر في فلسطين حتى يخذلوا عن الجهاد ضد اليهود المحتلين.
وأما العبيديون - الذين ينسبون أنفسهم زوراً إلى نسل فاطمة بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -:
فحدث ولا حرج عن جرائمهم, فقد خرجوا على الخلافة العباسية, بعد أن مهدوا لهذا الخروج بمرحلة سرية بثوا من خلالها دعوتهم, متسترين ومتمسحين بمسوح آل البيت, في بلاد المغرب, ثم لما تمكنوا من السيطرة على بلاد المغرب, انتقلوا إلى مصر فاستولوا عليها, وخلعوا الخليفة هناك.
وكان من أبرز جرائمهم في الجانب العقدي؛ أن حاكمهم - وقبل دخولهم لمصر - أرسل مبعوثه لأهل مصر يقطع على نفسه العهود بعدم إظهار البدع وإبقاء السنة وإحيائها, ولكنهم بعد دخولهم غدروا بأهل مصر, وفرضوا التشيع وألزموا الناس بإظهاره, واستخدموا منابر المساجد للدعاية إلى مذهبهم, ونشر بدعهم, وصار ينادى في الأذان؛ بحي على خير العمل.
وظهر منهم الحاكم بأمر الله, الذي ادعى الألوهية, وبث دعاته في كل مكان من مملكته, يبشرون بمعتقدات المجوس, كالتناسخ والحلول, ويزعمون أن روح القدس انتقلت من آدم إلى علي ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله, وكان من أبرز دعاته محمد بن اسماعيل الدرزي المعروف بـ "أنشتكين", وحمزة بن علي الزوزني, وهو فارسي من مقاطعة "زوزن", وجاء إلى القاهرة لهذه المهمة, أي لبث الدعوة إلى ألوهية الحاكم.
ومن جرائمهم الدينية كذلك؛ محاولتهم نبش قبر النبي ونقل جثمانه الطاهر مرتين في زمن الحاكم بأمر الله، الذي ادعى الألوهية.
المحاولة الأولى: يوم أن أشار عليه بعض الزنادقة بنقل النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مصر، فقام فبنى حائزاً بمصر, وأنفق عليه مالاً جزيلاً, وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف، فهاج عليه الناس وحصل له من الهم والغم ما منعه من قصده، ولله الحمد والمنة.
الثانية: حينما أرسل من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم, حيث سكن هذا الرسول بقرب المسجد, وحفر تحت الأرض, ليصل إلى القبر فاكتشف الناس أمره؛ فقتلوه.
ثم لما قيض الله السلاجقة الأتراك؛ يرومون نشر السنة والقضاء على دين الرافضة، شعر العبيديون بعزيمة وقوة هؤلاء الأبطال, وعلموا من أنفسهم العجز عن مواجهتهم, فلجئوا إلى خطتهم القديمة ومكرهم السالف, حيث أرسلوا لأعداء الدين من الصليبيين, وأغروهم بدخول بلاد المسلمين والتوطين لهم, مفضلين استيلاء النصارى على بلاد المسلمين على أن ينتشر مذهب السنة, ويظهر السلاجقة, وكان ممن وطن لهم وكاتبهم وأرسل لهم, أمير الجيوش الفاطمي الأفضل.
وفي ذلك يقول ابن الأثير: (إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية, وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة, ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم ودخول "الإقسيس" إلى مصر وحصرها, فخافوا وأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه).
ويقول الدكتور مصطفى العناني, نقلاً عن المؤرخ اللاتيني المعاصر للحملة الصليبية الأولى "كفارو الكاسكي": (ليكن معلوماً لدى الجميع الآن, وفي المستقبل وفي عهد البابا "أوربان الثاني" الطيب الذكر, أن "الدون جون فريد" بصحبة "الكونت فراند لينيس" وعدد آخر من النبلاء والسادة, الذين رغبوا في زيارة ضريح السيد المسيح - عليه السلام - قد ذهبوا إلى مدينة "جنوة" ومنها ركبوا السفينة الجندية المعروفة باسم "بوميلا" ليبحروا إلى الإسكندرية, ولما وصل الوفد إلى ميناء الإسكندرية, اتجهوا بصحبة الجنود الفواطم إلى ميناء مدينة بيت المقدس - أي يافا - وعندما أرادوا دخول المدينة عبر بوابتها, لزيارة ضريح السيد المسيح رفض حراس المدينة دخولهم إلا أن يدفعوا الرسوم المفروضة عليهم حسب ما هو مقرر كالعادة, ومقدارها بيزنط واحد ليتمكنوا من الدخول).
ويفسر الدكتور العناني هذا الحدث بقوله: (إن هذه الرحلة التي قام بها الأمراء الصليبيون لم تأت من فراغ, وبلا اعتقادات واتصالات مسبقة, بين هؤلاء الأمراء الفاطميين في مصر, فلا يعقل أن يقوم هؤلاء الأمراء الصليبيون بزيارة ميناء الإسكندرية دون أن يستقبلهم مسؤولوا الأمن في الميناء, ودون وجود اتصالات سابقة وترتيب سالف, وهذا يؤيد ما قام به الفاطميون من ارسال جند حراسة اصطحبوا السفينة "بوميلا" إلى ميناء بيت المقدس, وكان الهدف من ذلك حماية هؤلاء الأمراء من خطر السلاجقة إبان رحلة الذهاب والعودة من الإسكندرية إلى بيت المقدس, التي استغرقت أكثر من عامين.
وبعد أن تحركت الجيوش الصليبية قادمةً من أوروبا في أولى الحملات الصليبية على بلاد المسلمين, وأثناء مرورها بمضيق "البسفور" في أراضي الدولة البيزنطية, أخذ منهم الإمبراطور "كوفين" يمين الولاء والطاعة, وكان فيما أمرهم به أن يسعوا للوصول إلى الإتفاق مع الفاطميين في مصر, لأنهم كانوا أشد الناس خصومةً للترك السلاجقة السنيين, ولا يقبلون مطلقاً مصالحتهم, بينما عرف عنهم التسامح مع الرعايا المسيحيين, وكانوا دائماً مستعدين للتفاهم مع الدول المسيحية).
وذلك يدل على مدى التواطئ الذي كان بين الرافضة العبيديين وبين الصليبيين.
وهذا نفسه ما حصل بين رافضة إيران والأمريكان في مساعدتهم على الإطاحة بدولة طالبان, بالتنسيق مع رافضة الشمال في أفغانستان, وكذلك تعاون رافضة إيران مع الأمريكان في احتلال العراق بتنسيق ومعاونة من رافضة العراق.
وليتهم اكتفوا بمواقفهم السلبية تجاه الغزو الصليبي لبلاد المسلمين, ولكنهم لما رأوا أن مدة حصار "أنطاكيا" قد طالت, خافوا من أن يتسلل الملل واليأس إلى نفوس الجنود الصليبيين فيتراجعون وينتصر السلاجقة, مما حدا بـ "الأفضل" إلى ارسال سفراء مخصوصين يحضون القادة الصليبيين على مواصلة الحصار, وأكدوا لهم أنهم سيرسلون لهم - أي الصليبيين - كل ما يحتاجون له من الإمدادات العسكرية والغذائية, فاستقبلهم القادة الصليبيون بحفاوة بالغة, وعقدوا معهم عدة اجتماعات تسلموا خلالها رسالة الأفضل.
وفي ذلك يقول "وليام صوري" الذي نقله الدكتور يوسف الغوانمة: (إن محاصرة الصليبيين لأنطاكيا أثلجت صدر "الأفضل", واعتبر أن خسارة الأتراك السلاجقة لأي جزء من أملاكهم إنما هو نصر له نفسه, ولما قفلت سفارة "الأفضل" راجعةً صحبتهم سفارة صليبية, تحمل الهدايا للتباحث مع "الأفضل" في الأمور التي تم الإتفاق عليها, وأرسلوا مع السفارة الفاطمية العائدة من ضمن الهدايا؛ حمولة أربعة جياد من رؤوس القتلى السلاجقة هديةً لخليفة مصر).
ولم يكتف "الأفضل" بذلك، بل استغل فرصة انشغال السلاجقة من أهل السنة بقتالهم وجهادهم للصليبيين، فأرسل قواته إلى "صور" وفتحها بالقوة، ثم أرسل قواته من العام التالي إلى بيت المقدس وانتزعه من أصحابه "الأراتقة"، ثم سرعان ما توجه الصليبيون لبيت المقدس كأنها مؤامرة واتفاقية بين الطرفين، يستولي الأفضل على بيت المقدس، ليتم تسليم البلاد بدم بارد إلى يد الصليبيين، وليس أدل على ذلك من أن "الأفضل" لما علم بتوجه الصليبيين إلى بيت المقدس توجه عائداً إلى القاهرة.
وكانت القوات الصليبية التي حاصرت بيت المقدس، في غاية التعب والإنهاك من شدة الحرارة التي لم يعتادوا عليها في بلادهم، حتى أن الماشية والأغنام هلك عدد كبير منها، بل إن عدد الجيش الصليبي الذي كان متوجهًا لحصار بيت المقدس لم يكن كبيرًا، بحيث يستطيع أن يصمد في ظل هذه الظروف، لولًا خيانة الرافضة وتواطئهم مع الصليبين.
إذ بلغ عددهم ألفًا وخمس مائة فارس، وعشرين ألفًا من المشاة.
حتى أن المؤرخة "ابن تغري بردي" قال متعجبًا: (والعجب أن الإفرنج لما خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت، حتى أنهم أكلوا الميتة، وكانت عساكر الإسلام في غاية القوة والكثرة، فكسروا - أي الصليبيون - المسلمين وفرقوا جموعهم!).
وبعد حصار دام أربعين يومًا؛ تمكن الصليبيون من دخول بيت المقدس واحتلالها في شهر شعبًان، في سنة أربع مائة واثنتين وتسعين للهجرة.
وراحوا يقتلون المسلمين، ويحرقون ما كان ببيت المقدس من مصاحف وكتب، حتى بلغ عدد القتلى ما يزيد على سبعين ألف من المسلمين، منهم الأئمة والعلماء والعباد.
وظلوا على هذه الحالة من التقتيل والتنكيل أسبوعًا كاملًا، لدرجة أنه لما أراد قائدهم الصليبي "ريموند" زيارة ساحة المعبد، أخذ يتلمس طريقه تلمسًا من كثرة الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه.
وكان من جرائم الخلفاء العبيديين؛ أنهم يتخلصون من كل وزير ينادي بفريضة الجهاد، ويرفع لواءه على وجه السرعة، ويظهر ذلك من خلًال الفترة التي حكموا بها.
فهذا الوزير "الأفضل" لما كان متحالفًا مع الصليبيين كان منهم مقربا، ولما بدأ يتحالف مع الدماشقة الأتراك لمواجهة الصليبيين، قاموا باغتياله في عهد الخليفة الآمر.
وهذا الوزير رضوان بن الولخشي؛ كان من أشد الناس تحمسًا للجهاد ضد الصليبيين، حتى أنه أنشأ ديوانًا جديدًا، أطلق عليه اسم "ديوان الجهاد"، وأخذ يطارد الأرمن ويقصيهم من مناصبهم التي تولوها من قبل الرافضة العبيديين، بل إنه ندد بالخليفة الحافظ العبيدي آنذاك على مواقفه المستكينًة تجاه الصليبيين بالشام.
فعمد الخليفة الحافظ إلى تمكين الأرمن والتعاون معهم سرًا، وأخذ يثير طوائف الجيش الفاطمي ضد الوزير "ابن الولخشي"، الأمر الذي أعاق سير حركة الجهاد التي عزم ابن الولخشي على إدارتها، فاضطر إلى الفرار متحيزًا نحو الشمال حيث يوجد أسد من أسود الجهاد،وهوً عماد الدين زنكي، ليستعين به في جهاده ضد الصليبيين.
وهذا الوزير "ابن السلار" السني الشافعي؛ بذل قصارى جهده لمواجهة الصليبيين، وحاول التعاون مع نور الدين والاتصال به ليتمكنوا من مشغالة الإفرنج في جهة، وضربهم في الجهة أخرى، إلا أن الخليفة آنذاك "الظافر"؛ دبر له مؤامرةً، فاغتاله في عام خمس مائة وثمانية وأربعين للهجرة.
وهذا الوزير العادل طلائع بن رزيك؛ الذي ما لبث بعد توليه الوزارة أن رفع راية الجهاد، وجهز الأساطيل والسرايا لمهاجمة الصليبيين، لكنه ما لبث أن قتل قبل أن يحقق حلمه في تحرير بيت المقدس، من قبل مؤامرة دبرها له "شاور السعدي"، الذي كان واليًا على الصعيد في عهد الخلفة العاضد، عام خمس مائة وثمانية وخمسين للهجرة.
ولما خرج أحد قادة الجيش وهو "أبو الأشبًال الضرغام" على "شاور"، وانتزع منه الوزارة وقتل ولده الأكبر "طي بن شاور"، اضطر "شاور" إلى أن يرسل إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي يستجير به، ويطلب منه النجدة على أن يعطيه ثلث خراج مصر، وأن يكون نائبه بها، حيث قال: (أكون نائبك بها وأقنع بما تعين لي من الضياع والباقي لك).
ومع أن نور الدين كان مترددًا في إرسال حملة عسكرية مع "شاور" إلا أنه استخار فأرسل له أكبر قواده "أسد الدين شركوه"، وأرسل معه ابن أخيه صلاح الدين، وأمر بإعادة "شاور" إلى منصبه، واستطاع "أسد الدين" في حملته أن يقضي على "ضرغام"، وأن يعيد الوزارة إلى "شاور" في شهر رجب عام خمس مائة وتسعة وخمسين للهجرة.
ولكن الغدر والخيانة بدت في محيا "شاور"، فأساء معاملة الناس وتنكب عن وعوده المعسولة لنور الدين، وأراد أن يغدر بـ "أسد الدين شركوه" حيث طلب منه الرجوع إلى الشام، دون أن يرسل إليه ما كان قد استقر بينه وبين نور الدين، ولما رفض "أسد الدين" الرجوع إلى الشام؛ أرسل نوابه إلى مدينة "بلبيس" فتسلمها وتحصن بها، فما كان من "شاور" إلا أن يغدر - كما هي عادة الرافضة - فأرسل إلى ملك بيت المقدس الصليبي يستنجده على "شركوه" ويطمعه في ملك مصر إن هم ساعدوه في إخراج "شركوه"، وبالفعل سارع الصليبيون بالتوجه إلى مصر ومن ثم التقوا بـ "شاور" وعساكره حتى توجهوا جميعاً إلى "بلبيس" وحاصروا أسد الدين فيها.
ولكن من رحمة الله تعالى أنه - وأثناء حصارهم لهم - وصلتهم الأنباء بهزيمة الإفرنج على "حارم"، وتملك نور الدين لها، وتقدمه إلى "بانيسا" لأخذها فأصابهم الرعب واضطروا إلى أن يراسلوا أسد الدين المحاصر في "بلبيس" يطلبون منهم الصلح وتسليم ما أخذه سلماً، فاضطر لموافقتهم على ذلك، إذ أن الأقوات قلت عندهم، وعلم عجزه عن مقاومة الفريقين، فصالحهم وخرج من "بلبيس" عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة وهوفي غاية القهر.
هذا الأمر وهذه الخيانة من قبل "شاور"، وتحالفه مع الصليبيين؛ جعل الملك الصالح نور الدين محمود، يوجه نظره إلى غزو مصر ثانيةً للقضاء على مصدر الفرقة في العالم الإسلامي ومنبع الخيانة للأمة، ألا وهي الخلافة الفاطمية، بالإضافة إلى رغبته في نشر المذهب السني والقضاء على مذهب الرفض.
فخرجت حملة من "دمشق" في منتصف شهر ربيع الأول من عام خمسمائة واثنين وستين للهجرة بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، وكانوا على موعد مع النصر، ومن مقدمات هذا النصر وإرهاصاته أن قذف الله الرعب في قلوب أعداءه من الصليبيين والرافضة المرتدين، وبرغم تحالف "شاور" وقواته مع قوات الصليبيين واستنجاده بهم إلا أنهم قدموا والرجاء يقودهم والخوف يسوقهم.
فبدأت أولى المعارك بين قوات أسد الدين وقوات الصليبيين المتحالفين مع "شاور" في منطقة الصعيد بمكان يعرف باسم "البابين"، فدارت معركة حاسمة انتهت بهزيمة الصليبيين والفاطميين أمام جنود "شركوه"، فكان من أعجب ما يُؤَرخ؛ أن ألفي فارس - عدد أفراد جيش "شركوه" - تهزم عساكر مصر وفرنج الساحل.
واستمر الكر والفر بين الفريقين، حتى كان من فضل الله تعالى أن بث الله الفرقة والنزاع بين "شاور" والخليفة الفاطمي "العاضد" من جهة، وتنكر الصليبيين للوزير "شاور" من جهة أخرى.
كل ذلك بالإضافة إلى العزم الصادق على جهاد الصليبيين ونشر الدين الإسلامي الصافي على منهج الجماعة الأولى؛ ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أدى بالنهاية إلى انتصار حملة نور الدين بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، واستيلائهم على مصر في نهاية المطاف.
ولكن الحقد الرافضي لم ينتهي إلى هذا الحد، بل راح الرافضة يدبرون المؤامرات والمكائد بعد سقوط الدولة العبيدية الفاطمية للتخلص من أسد الدين الذي تولى الوزارة في مصر، ومن بعده ابن أخيه صلاح الدين الذي قطع الخطبة للخليفة الفاطمي في ثاني جمعة من المحرم عام خمسمائة وسبعة وستين للهجرة، وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله.
فتمت عدة محاولات لاغتيال القائد صلاح الدين؛
ففي عام خمسمائة وأربعة وسبعين للهجرة من شهر ذي القعدة؛ اتفق مؤتمن الخلافة - وهو خصي كان بقصر "العاضد"، وكان الحكم في القصر إليه مع جماعة من المصريين - على مكاتبة الإفرنج مع شخص يثقون به، يقترحون فيه عليهم أن يتوجه الصليبيون إلى الديار المصرية، فإذا وصلوا إليها وأراد صلاح الدين الخروج إليهم؛ قام هو ومن معه من المصريين في الداخل بقتل مخالفيهم من أنصار صلاح الدين، ثم يخرجون جميعاً في إثره حتى يأتونه من الخلف فيقتلونه ومن معه من العسكر.
ولكن الله تعالى أفشل مخططهم ذلك وانكشف حامل الرسالة، فأرسل صلاح الدين من فوره جماعةً من أصحابه إلى مؤتمن الخلافة - حيث كان يتنزه في قرية له - فأخذوه وقتلوه وأتوا برأسه، وعزل جميع الخدم الذين يتولون أمر قصر الخلافة.
ثم جاءت المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين من قبل الرافضة؛ لما ثار جند السودان الذين كانوا بمصر لمقتل مؤتمن الخلافة، لأنه كان يتعصب لهم، فجمعوا خمسين ألفاً من رجالهم وساروا لحرب صلاح الدين، فدارت بينهم عدة معارك، وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بـ "المنصورة" فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما علموا بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف وظل القتل فيهم مستمراً إلى أن قضى على آخرهم؛ "توران شاه" - أخو صلاح الدين - في منطقة الجيزة.
ولم يستكن الرافضة إلى هذا الحد؛ بل اتفق جماعة من شيعة العلويين بمصر ومنهم "عمارة اليمني" الشاعر المعروف و "عبد الصمد" الكاتب والقاضي "العويرسي" وداعي الدعاة "عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي" وقاضي القضاة "هبة الله بن كامل" ومعهم جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من "صقلية" ومن ساحل الشام إلى الديار المصرية على شيء يبذلونه لهم من المال والبلاد، فإذا قصدوا البلاد وخرج إليهم صلاح الدين لمقاتلتهم؛ ثاروا هم من الداخل في القاهرة ومصر وأعادوا الدولة الفاطمية.
ولكن من لطف الله تعالى بأمة الإسلام أن كشف مخططهم قبل أن يتم، حيث كان من ضمن من أدخلوه معهم في المؤامرة وأطلعوه على خبيئتهم؛ الأمير زين الدين علي بن الواعظ، الذي أبت نفسه أن تقبل بهذه الدنيئة وهذه الخيانة، فأخبر صلاح الدين بما تعاقد عليه القوم، فكافأه على ذلك، ثم استدعاهم واحداً واحدا، وقررهم بذلك فأقروا، ثم اعتقلهم واستفتى الفقهاء في أمرهم؛ فأفتوه بقتلهم، فقتل رؤوسهم وأعيانهم وعفى عن أتباعهم وغلمانهم، وأمر بنفي من بقي من جيش العبيديين إلى أقصى البلاد.
وبذلك تكون مصر قد بدأت صفحةً منيرةً من تاريخها، إذ أعاد صلاح الدين البلاد إلى المذهب السني من جديد، وأرجع تبعيتها للدولة العباسية، ثم راح يرتب صفوفه من جديد.
ولولا مشاغلة الرافضة له ومحاولاتهم العديدة في تدبير المؤامرات لاغتياله؛ لما تأخر بعد ذلك النصر الكبير للأمة الإسلامية إلى عام خمسمائة وثلاثة وثمانين للهجرة، حيث انشغل صلاح الدين بقتال الرافضة، ولما تمكن من القضاء عليهم كدولة وكقوة، استطاع بعدها أن يتفرغ لقتال الصليبيين، ومن ثم استعادة بيت المقدس من أيديهم في موقعة "حطين" الفاصلة.
ولهذا كله؛ فإن شخصية صلاح الدين رحمه الله تعالى، بقدر ما هي تمثل الرمز الناصر لدين الله والمجدد لعز هذه الأمة عند أهل السنة، بقدر ما تغيظ منها رؤوس الرافضة وبقدر ما يبغضون هذه الشخصية.
جرائمهم وخياناتهم في الطور الثاني للخلافة العباسية
ففي أثناء الطور الثاني للخلافة العباسية نجد أن الرافضة يظهرون من جديد, ولكن بلباس التقية التي يدينون بها حتى تظهر لهم الدولة واليد؛ كالثعلب يلبس جلد الشاة فلا ينخدع به إلا الراعي المضيع لرعيته, والغافل بأمور دنياه عن أمور دينه.
فراحوا يتملقون ويتقربون نفاقاً من كبار المسؤولين في الدولة, ويعلنون الولاء والطاعة جهراً، ويبيتون ما لا يرضى من القول سراً, حتى انخدع بهم كثير من الخلفاء العباسيين، فنراهم يقلدونهم المناصب الهامة والحساسة في الدولة.
ومثل هذا الرافضي الشهير "ابن العلقمي" الذي قلده الخليفة المستعصم الوزارة غفلةً منه وتضييعًا, وإلا أما كانت تكفيه العبر من التاريخ القريب مما فعله الرافضة بأجداده؟!
ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولاً, وليرصد لنا التاريخ جرائم القوم وخياناتهم, وقعودهم لأهل السنة كل مرصد, وهم يترقبون بهم الدوائر.
فماذا كان جزاء الخليفة العباسي إلا أن تآمر الحاقد "ابن العلقمي" مع شيخه الرافضي "نصير الدين الطوسي" على هدم البلاد وقتل العباد وخلع الخليفة، بعد أن راسلوا "هولاكو" ملك التتار بدخول بغداد, ووعدوه بمناصرته والتوطين له من خلال خطة وحيلة مكر بها ابن العلقمي.
حيث أوهم الخليفة العباسي بأن عدد الجنود كثر وزاد على ديوان الجند، حتى باتوا من كثرتهم يشكلون عبئاً اقتصاديا على الدولة, وأن الدولة تحتاج في مرافقها الأخرى أكثر من حاجتها في الجند، فأشار عليه؛ أن يقلل نسبة الجند، فما إن وافق على هذه الفكرة وهذا المبدأ؛ حتى راح يسرح الكتائب تلو الكتائب، فبعد أن كان عدد الجنود ما يقارب المائة ألف, صاروا قرابة العشرة آلاف جندي.
وفي ذلك يقول ابن كثير: (وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعاً منه أن يزيل السنة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضية، وأن يقيم خليفةً من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمفتين، والله غالب على أمره) اهـ.
حينها أرسل ابن العلقمي إلى "هولاكو" يبلغه مدى الضعف الذي حل بالدولة وبالخليفة.
وخرج هولاكو لاجتياح بغداد, حتى إذا صار على حدود البلاد؛ خرج له ابن العلقمي في جماعة من خاصته وأهله واجتمعوا بهولاكو، وأشار ابن العلقمي على أن تدبر للخليفة خطة لاستخراجه وكبار قادته وأمرائه وخاصته من حواشيه خارج البلد ليسهل القضاء عليه, ويسهل عليهم اجتياح بغداد.
فجاء ابن العلقمي ينسج خيوط المكر والخيانة للخليفة المستعصم, ويشير عليه بأن يخرج لهولاكو ليعقد معه اجتماع صلح، يصطحب فيه خاصته من الحاشية والأمراء والقضاة والقادة، وبالفعل وثق الخليفة بوزيره الرافضي... كيف لا! وهو الذي قربه إليه وعينه له وزيراً.
فماذا كانت نتيجة هذا التقارب السني الرافضي الشهير؟
النتيجة هي ما استمرأ عليه الرافضة وألفوه... إنه الغدر والخيانة, حتى أن الخليفة لما قدم على هولاكولم يكن هولاكو عازماً على قتله، بل تهيب ذلك, ولكن ابن العلقمي و "الطوسي" شجعاه على ذلك, ونصحاه بقتله وقتل من جاء معه، حتى تم لهم ذلك بالفعل.
ودخل التتار إلى بغداد فأوقعوا فيها مذبحةً عظيمةً في النفوس, ومحرقةً هائلةً في الكتب والمكتبات، فلم ينج من ذلك إلا أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إلى بيت ابن العلقمي.
وفي ذلك يقول الإمام الذهبي: (وفي سنة 656 هـ؛ أحاط أمر الله ببغداد فأصبحت خاويةً على عروشها, وبقيت حصيداً كأن لم تغن بالأمس, فإنا لله وإنا إليه راجعون, نازلها المغول في أخلاط من السفل وأوباش من المنافقين, وكل من لم يؤمن بالرب, وكان ابن العلقمي الوزير واليًا على المسلمين، وكان رافضيا جلدًا، فلما استداروا ببغداد, وخارت القوى وجف الريق, وانخلعت الأفئدة أشار الوزير على الخليفة المستعصم بالله بمصانعة العدو, وقال دعني أخرج إليهم في تقرير الصلح, فخرج واستوثق لنفسه ولمن أراد, وجاء إلى الخليفة وقال إن الملك قد رغب أن يزوج ابنته بابنك أبي بكر, ويبقيك في الخلافة كما كان الخلفاء مع السلجوقية, ويرحل عنك فأجبه إلى ذلك فإن فيه حقن الدماء، وأرى أن تخرج إليه).
فخرج الخليفة في جمع من الأعيان إلى السلطان هولاكو, فأنزله في خيمة, ثم دخل الوزير فاستدعى الأكابر لحضور العقد, فحضروا وضربت أعناقهم, وصار كذلك يخرج طائفةً بعد طائفة فيقتلون, ثم صيح في البلد, وبذل السيف واستمر القتل والسبي والحريق والنهب، وقامت قيامة بغداد - فلا حول ولا قوة إلا بالله - بضعا وثلاثين يومًا, كل صباح يدخل فرقة من التتار فيحصدون محلةً، حتى جرت السيول من الدماء, وردمت فجاج المدينة من القتلى, حتى قيل إنه راح تحت السيف ألف ألف وثمانمائة ألف، والأصح أنهم بلغوا نحوًا من ثمانمائة ألف, وهذا شيء لا يكاد ينضبط، فإنهم قتلوا في الطرق والجوامع والبيوت والأسطحة وبظاهر البلد ما لا يحصى, بل هي ملحمة ما جرى قط في الإسلام مثلها, وسبوا من النساء والصغار ما ملأ الفضاء، وممن أسر ولد الخليفة الصغير وإخوانه, وقتل الخليفة وابناه أحمد وعبدالرحمن, وممن قتل مع الخليفة من الأعيان: أعمامه علي والحسين ويوسف, وجماعة من أهل البيت.
وأخرج الصاحب محيي الدين الرًئيس العلامة ابن الجوزي وبنوه عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم, فضربت أعناقهم, وممن قتل صبرًا جماعة مستكثرون من العلماء والأمراء والأكابر, وخلت بغداد من أهلها, ودثرت المحال, واستولى عليها الحريق, واحترقت دار الخلافة, والجامع الكبير, حتى وصلت النار إلى خزانة الكتب, وعم الحريق جميع البلاد, وما سلم إلا ما فيه من هؤلاء الملاعين) اهـ.
ولم يقف هؤلاء الروافض الحاقدين في جرائمهم السياسية عند حد الإضرار بالخليفة وحاشيته لإسقاط الدولة الإسلامية وحسب؛ بل تمادى ضررهم إلى عامة المسلمين, فأخذوا يقطعون الطرق، ويقتلون الآمنين من الناس، ويأخذون القوافل, بل أخذوا يبتكرون وسائل مختلفةً للفتك بالناس ونشر الرعب بينهم, فقد بلغ من جرأة هؤلاء المفسدين؛ أنهم كانوا يخطفون الناس من الشوارع والحارات بأغرب الطرق, وكان الرجل يتبع خاطفه من سكون والخوف ملجمه والويل له إن أبدى مقاومةً أو تحرك لسانه طلبًا للنجدة، فإذا فعل ذلك استقر خنجر خاطفه في قلبه، فكان الإنسان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد لرجوعه تيقن أهله بأن الباطنية قتلوه، فيقعدوا للعزاء به, ويسودهم الحزن، والأسى حتى يرجع، فأصبح الناس لا يمشون في الشوارع منفردين، وكانوا على غاية من الحذر.
ويصور لنا المؤرخ ابن الأثير صورةً لما فعله الباطنية بمؤذن خطفوه، فيقول: (وأخذوا - الباطنية - في بعض الأيام مؤذنًا أخذه جار له باطني فقام أهله للنياحة عليه, فأصعده الباطنية إلى سطح داره وأروه أهله كيف يلطمون، ويبكون، وهو لا يقدر أن يتكلم خوفًا منهم) اهـ.
ومن أساليبهم الأخرى التي استخدموها للفتك بأفراد المجتمع الإسلامي، ونشر الرعب بينهم؛ أنهم كانوا يخطفون الناس بحيل مختلفة، ويُحملون إلى منازل ودور غير معروفة، حيث يسجنونهم أو يقتلونهم, وكان إذا مر بهم إنسان أخذوه إلى إحدى تلك الدور، وهناك يعذبونه ثم يقتلونه ويرمونه في بئر في تلك الدار أعدت لذلك الغرض.
وكانت طريقتهم في خطف الناس أنه كان يجلس على أول الدرب المؤدية إلى إحدى هذه الدور رجل ضرير من الباطنية, فإذا مر به إنسان سأله أن يقوده خطوات في هذا الدرب، فتأخذه الرأفة والإحسان لعمل الخير، فيقوده في هذا الدرب، حتى إذا وصل إلى دار من دورهم قبضوا عليه وقتلوه، ورموه في البئر.
ولكن لم يلبث أن اكتشف الناس حيلة الباطنية هذه، ففتكوا بهم وقتلوهم، ففي أحد الأيام صادف أن رجلاً دخل دار صديق له فرأى فيها ثياباً وأحذيةً وملابس لم يعهدها، فخرج من عنده، وتحدث للناس بما رآه فداهم الناس البيت، وكشفوا عن الملابس، والثياب فعرفوا أنها من المقتولين، فثار الناس وأخذوا يبحثون عمن قتل منهم, وتجردوا للانتقام من الباطنية بقيادة العالم أبي القاسم مسعود بن محمد الخجندي الفقيه الشافعي, فجمع الناس بالأسلحة، وأمر بحفر الأخاديد, وأوقد فيها النيران، وأمر العامة من الناس بأن يأتوا بالباطنية أفواجاً، ومنفردين فيلقونهم في النار، حتى قتلوا منهم خلقًا كثيراً.
وللعلم فإن ما سبق ذكره من تاريخهم الأسود في قطع الطريق، وقتل الآمنين وخطفهم، وخوف الناس وانقطاع رجائهم في من يفتقدونه من أهليهم؛ هو ذات ما يحدث اليوم في أرض العراق وبلاد الرافدين من قبل الروافض, بل إنهم يتسترون في لباس الجيش والشرطة ليكون لهم السلطة جهارًا نهارًا في اقتياد الرجال من بيوتهم ومن ثم تعذيبهًم، وقتلهم, والاعتداء على النساء، ونهب البيوت بحجة تفتيشها, فلا يستطيع أحد منعهم.
بل إن جرائمهم صارت تتقصى أصحاب المؤهلات والكوادر العلمية خاصة, فمن يقوم بجرائم اغتيال الأساتذة الأكاديميين، والقضاة، والعلماء من أهل السنة، ومن يتصيدهم غير هؤلاء الروافض وبأوامر من مرجعياتهم تعطى لفيالقهم على شكل بيانات منسوخة, وقد تسربت نسخ من هذه البيانات عبر الإنترنت فقرأها القاصي والداني, ولا مجال لإنكارها.
جرائمهم وخياناتهم في العهد العثماني
وفي عهد العثمانيين الذين جددوا حركة الجهاد الإسلامي، وبدؤوا يجتاحون العالم حتى وصلوا إلى أوربا مستعيدين بذلك البلاد الإسلامية التي خسرها المسلمون أثناء الغزو الصليبي:
قامت يد الغدر والخيانة؛ الرافضية الفكر والمنهج، اليهودية الأصل والمنشأ، والتي اعتادت أن تطعن ظهر الأمة لتحول بين المسلمين وبين جهادهم ضد الكفر والكفار, امتدت من جديد لتستغل انشغال العثمانيين أثناء توغلهم في قلب أوربا مجاهدين ليقوموا بحركات انفصالية خارجين عن الخلافة الإسلامية العثمانية براءةً، ومتحالفين مع أعداء الإسلام ولاءًً.
فتعاونوا مع البريطانيين، والبرتغاليين، والفرنسيين، والروس، حتى أضعفوا الخلافة العثمانية وأنهكوها، فكانوا من أكبر أسباب سقوطها، حيث شكلوا عدة جبهات، وعدة حركات انفصالية؛ فكان الصفويون في شروان والعراق وفارس، والبهائيون في بلاد فارس, ولهم نشاطات في مناطق متفرقة, والقاديانية في الهند، والنصيرية والدروز في بلاد الشام.
فمن جرائم الصفويين في الجانب السياسي؛ خروجهم على الخلافة العثمانية, وتأسيس دولة مستقلة لهم عام ألف وخمس مائة للميلاد 1500 م، معلنين دين الرفض على البلاد كدين أساس, ولم يكتفوا بهذا, بل حاربوا أهل السنة الذين كانوا يشكلون أكثريةً فيها, حيث بلغت نسبتهم ما يقارب بخمس وستين بالمائة 65 %.
ثم تحالفوا بعد ذلك مع الإنجليز في عهد الشاه عباس الصفوي عام ألف وخمس مائة وثمانية وثمانين للميلاد 1588 م، ومكنوا لهم في البلاد، وجعلوا لهم فيها أوكارًا يتم الاجتماع فيها معهم للتآمر ضد الخلافة العثمانية، لدرجة أن مستشاريه كانوا من الإنجليز, وأشهرهم "السير أنطوني", و "روبرت تشيرلي".
وأما جرائمهم في ما يتعلق بجانب الدين والعقيدة؛ فمنها صرفهم الحجاج الإيرانيين من الحج إلى "مشهد"، بدل أن يحجوا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
حيث قام شاه عباس الصفوي بالحج إلى "مشهد" مبتدءاً بنفسه سيرًا على الأقدام؛ ليصرف الناس عن الحج إلى مكة وليكون قدوتهم, ومن ذلك الحين أصبحت مشهد مدينةً مقدسةً لدى الرافضة الإيرانيين.
وفتح الصفويون في عهد الشاه عباس بلادهم للمبشرين الغربيين، حتى سمحوا لهم ببناء الكنائس، ومد جسور من التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي.
وفي ذلك يقول "سليم واكيم" في كتابه "إيران في الحضارة": (وإثر ظهور البرتغاليين في المنطقة بدأت إيران علاقات تجاريةً مع إنجلترا وفرنسا وهولندا, ومهدت هذه العلاقات إلى اتصالات على مستوىً دبلوماسي وثقافي وديني عند اعتلاء شاه عباس الأول عرش فارس عام 1587م، وسجلت تغييرات أساسية في البلاد وفي علاقاتها مع الغرب, وكان من نتائج التحول السياسي الذي أحدثه شاه عباس أن غص بلاطه بالمبشرين والقسس, فضلاً عن التجار والدبلوماسيين والصناع والجنود المرتزقة، فبنى الغربيون الكنائس في إيران).
البهائيون
وأما البهائيون؛
فقد خرجوا على الدولة العثمانية وتعاونوا مع الاستعمار الإنجليزي, ونادوا بتعطيل الجهاد... بل إلغائه أمام زحف الاستعمار الإنجليزي, مما يعني الاستسلام والخنوع للاستعمار, وكانوا مرتبطين بالمحافل الصهيونية - كالماسونية السرية - والتي يدار من خلالها التآمر على دين الإسلام ودولته حتى لا تقوم له قائمة, ويدبر لقادة الإسلام والجهاد خطط الاغتيالات والقتل.
القاديانيون
وأما القاديانيون؛
فقد تعاونوا مع الإنجليز, بل إن الإنجليز هم الذين ساهموا في نشأتهم, فخرج زعيمهم "غلام أحمد" يدعي أنه المهدي المنتظر, ثم استمر حتى ادعى النبوة, وأمر بتعطيل الجهاد حتى يخذل أتباعه عن جهاد الإنجليز الذي كان على أشده, الأمر الذي يدل على أنهم ما أنشئوا إلا من أجل تعطيل الجهاد, فلذا نجد أتباعهم اليوم ينشطون أكثر في فلسطين حتى يخذلوا عن الجهاد ضد اليهود المحتلين.