محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    غاية الغايات التي غفل عنها الدعاة

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    غاية الغايات التي غفل عنها الدعاة Empty غاية الغايات التي غفل عنها الدعاة

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 15, 2010 3:30 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    وبعد:

    فاعلم أن الله تعالى منزه عن العبث وعن كل ما هو مشين، فحاشاه أن يخلق الإنسان عبثاً من غير هدف ولا غاية، أو رسالة تحدد له معالم الطريق الذي يتعين عليه أن يسلكه في حياته الدنيا من غير اعوجاج عنه أو التفات إلى غيره من الطرق والسبل، قال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} (المؤمنون:115-116). وقال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام:153).

    ولما ضل أكثر الناس عن الغاية التي لأجلها خلقهم الله تعالى في هذا الوجود، ورضوا لأنفسهم غايات وضيعة تأباها الدواب والبهائم فضلاً عن ذوي النفوس السوية، أسماها عندهم إشباع الغرائز والشهوات بطريقة بهيمية بعيداً عن هدي الله وشرعه..

    وفي المقابل تعدد الآلهة المزيفة المكذوبة التي تستشرف خصائص الإلهية، يمكرون في الليل والنهار، إذ يأمرون الناس بعبادتهم وطاعتهم من دون الله!

    رعاع ترتع في الشرك وحول الشرك، ثم يحسبون أنهم على شيء، وأوثان من حجر وبشر تُعبد من دون الله، زاعمة لنفسها الحق في كل ذلك!

    فلما كان الأمر بهذا الاتساع من الضياع والشرود والطغيان عن الهداية والطاعة لرب العباد تعين علينا البيان والتذكير منذرين القوم شؤم ما هم عليه، لعلهم يتذكرون أو يرجعون، والله تعالى وحده الهادي إلى سواء السبيل.

    أقول: إن غاية الغايات التي لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق الجنة والنار، وشُرع الجهاد والقتال، والسلم والحرب، وعليها يعقد الولاء والبراء، والحب والكره، وفيها نجتمع ونفارق، ونهاجر أو نقيم، وفي سبيلها يرخص كل غالٍ ونفيس..

    إنها الغاية التي ترخص في سبيلها كل الغايات والمقاصد، إنها توحيد الله تعالى، وإفراده سبحانه وحده بالعبادة دون أحد سواه، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56). أي ما خلقت الجن والإنس لشيء إلا لعبادتي، فليس لهم غاية في الوجود بل ولا عمل يشتغلون به إلا عبادة الله سبحانه وتعالى.

    وقال تعالى: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة:5). أي ما أمروا بشيء من التكاليف في هذا الوجود إلا بعبادة الله تعالى وحده، فالنفي الذي يتبعه استثناء ثم إثبات يفيد قمة الحصر والقصر أي هم مقصورين على العبادة وخُلقوا لأجلها لا يجوز لهم الانشغال عنها بأي شاغل، وهذا هو الدين القيم الذي يعلو ولا يُعلى عليه، والذي يجب اتباعه والدخول فيه.

    ونحوه قوله تعالى: {وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة:31). أي لا مألوه ولا معبود بحق في الوجود إلا الله، سبحانه وتعالى عما يشركون في عبادة غيره من الطواغيت والآلهة المزعومة، فالمعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى، وهم لم يؤمروا إلا بعبادته، ومع ذلك تراهم ينصرفون - وكأن عقولهم وأبصارهم قد طُمست وتعطلت مهامها - إلى المخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فيعبدونه من دون الله ويقدمون له فروض الطاعة والولاء، والتذلل والخضوع!

    وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36). وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء:25). فالآيات تفيد حصر مهمة الرسل في الدعوة لهذا الأصل العظيم، فليست لهم مهمة في هذه الحياة سوى بيان هذا الأصل ودعوة الناس إليه {أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وهكذا ينبغي أن تكون مهمة الدعاة والمصلحين من بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف حتى يُعطوا عليها إجابة صريحة من الناس كل الناس قال تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} (فصلت:33). والدعوة إلى الله تعالى تكون بالدعوة إلى توحيده وعبادته..

    وإذا كان المرء قد خُلق للعبادة وليس لشيء آخر، فما هي العبادة التي يريدها الشارع منه، أهي عبادة التنسك والركوع والسجود فقط، أم هي عبادة ساعة وما سواها من الساعات لنفسك أو هي لغير الله، أم غير ذلك؟!

    أقول: العبادة التي يريدها الشارع من العباد - والتي تدل عليها النصوص الشرعية - هي العبادة الشاملة لجميع المساحة الزمنية والعملية التي يعيشها الإنسان في حياته، وهي شاملة كذلك - كما يقول شيخ الإسلام - لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ عبادته سبحانه وتعالى في الركوع والسجود، عبادته في الخضوع والتذلل والانقياد الظاهر والباطن، وعبادته في الصوم والحج والنذر والنسك، وعبادته في الحب والكره، والموالاة والمعاداة، وعبادته في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبادته في الدعاء والإنابة والخوف والرجاء، وفي الخشية والتوكل، وفي الطاعة والانقياد، والاتباع والحكم والتحاكم، وغيرها من الأمور الواجبة والمستحبة شرعاً، حتى نومه واستيقاظه، وطعامه وشرابه، ولهوه مع أهله وأطفاله - إن تقدمته النية الحسنة - فهو عبادة لله عز وجل، كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:162-163).

    فالعبادة المفروضة على العباد لم تقتصر على الصلاة والنسك وحسب - كما يصور ذلك بعض الوعاظ - بل هي تمتد لتشمل جميع مناحي الحياة ومجالاتها، وحركاتها وسكناتها، حتى آخر رمق من الحياة الذي يختم بالموت يجب أن يكون في سبيل الله وحده، وعبادة خالصة لوجهه الكريم، وليس في سبيل الوطن أو الزعيم أو الطاغوت..

    ومتى صرف المرء شيئاً من معاني العبادة ومجالاتها الواسعة - الآنفة الذكر - لغير الله تعالى فقد تحقق الشرك، وحبط العمل، وتحققت عبادة الطاغوت من دون الله تعالى.

    قال تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} (الأنعام:88). وقال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} (يس:60). وعبادة الشيطان هنا تكمن في طاعته على الكفر والشرك، أو عبادته لذاته لأنه الشيطان حتى يصرف عنهم شره وشر أتباعه كما يعتقدون ويظنون [1].

    قال ابن حزم في الأحكام (1/93): (العبادة إنما هي الاتباع والانقياد مأخوذة من العبودية، وإنما يعبد المرء من ينقاد له ومن يتبع أمره، وأما من يعصي ويخالف فليس عابداً له وهو كاذب في ادعائه أنه يعبده). انتهى.

    وكذلك قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم. ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم} (محمد:25-26). فعلل كفرهم ومفارقتهم للإيمان بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر؛ أي أنهم كفروا بسبب عبادتهم لطواغيت الكفر من جهة الطاعة ولو في بعض الأمر مما يضاهي شرع الله، لأن الكفر والشرك لا يُطلق في الكتاب والسنة إلا لنوع عبادة تُصرف لغير الله عز وجل، وهذه قاعدة مطردة لا تكاد تتخلف أبداً، وهي: (أن الشرك لا يُطلق في النصوص الشرعية إلا لنوع عبادة تُصرف لغير الله تعالى) [2].

    وقال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} (الأنعام:121). أي إن عبدتموهم من جهة طاعتكم لهم في استحلال أكل الميتة بعد أن حرمها الله، إنكم لمشركون بعبادتكم إياهم من دون الله.

    وكذلك قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة:31).

    قال البغوي في التفسير (3/285): (فإن قيل إنهم لم يعبدوا الأحبار - بمعنى الركوع والسجود - قلنا: معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلوا، وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب) انتهى.

    قلت: ومثيل الأحبار والرهبان في زماننا أعضاء مجالس الشعب والنواب الذين يستشرفون مهمة التشريع والتحليل والتحريم بغير سلطان من الله، ومع ذلك فالشعوب يعترفون لهم بهذه الخاصية، ولا يتحرجون أن يتخذوهم أرباباً مطاعين من دون الله.

    ومن العبادة التي تُصرف لغير الله عز وجل كذلك محبة المخلوق لذاته، كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} (البقرة:165). أي أحبوهم لذواتهم كما يُحب الله لذاته، وعقدوا الموالاة والمعاداة فيهم ولأجلهم، فعبدوهم بذلك واتخذوهم أنداداً وشركاء مع الله سبحانه وتعالى.

    قال ابن تيمية في الفتاوى (10/267-607): (لا يجوز أن يُحب شيء من الموجودات لذاته إلا هو سبحانه وبحمده، فكل محبوب في العالَم إنما يجوز أن يُحب لغيره لا لذاته، والرب تعالى هو الذي يجب أن يُحب لنفسه، وهذا من معاني إلهيته {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فإن محبة الشيء لذاته شرك فلا يُحب لذاته إلا الله، فإن ذلك من خصائص إلهيته، فلا يستحق ذلك إلا الله وحده، وكل محبوب سواه لم يُحب لأجله فمحبته فاسدة..

    فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه وإن خالف أمر الله ورسوله فقد جعله نداً، وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح، فهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه فيقوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}) انتهى.

    قلت: ومن يتأمل مظاهر الشرك السائدة بين الناس يجد أكثرها تأتي من جهة المحبة والطاعة، وشاهدنا مما تقدم أن ندلل على أن العبادة أوسع من أن تحصر في معنى النسك أو الركوع والسجود وحسب، وليس تتبع كل ما يدخل في معنى ومسمى العبادة، فهذا له موضع آخر.

    ونود الإشارة كذلك إلى أن للعبادة شروط لا تُقبل إلا بعد استيفائها، منها - إضافة إلى شرطي الإخلاص والمتابعة - شرط الكفر بالطاغوت، وهو كل ما عُبد - ورضي بذلك - من دون الله، ولو بوجه من أوجه العبادة.

    فإن كان المعبود نبياً أو ملكاً أو رجلاً صالحاً، تعين الكفر بعبادته وبعابديه حتى يؤمنوا بالله وحده لا شريك له، كما قال تعالى عن إبراهيم ومن آمن معه: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة:4).

    أما ما يدل على صحة شرط الكفر بالطاغوت، شهادة التوحيد ذاتها " لا إله إلا الله " حيث تتضمن في الشطر الأول منها " لا إله " جانب النفي والكفر بمطلق الآلهة التي تعبد من دون الله، ثم يأتي الإثبات في الشطر الثاني منها " إلا الله " الذي يدل على أن المعبود بحق في الوجود هو الله وحده سبحانه وتعالى لا شريك له.

    وهذا يظهر في قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} (البقرة:256). أي من كفر بالطاغوت اعتقاداً وقولاً وعملاً، وآمن بالله تعالى اعتقاداً وقولاً وعملاً فقد استمسك بالعروة الوثقى؛ وهي شهادة التوحيد..

    أما من آمن بالله تعالى ولم يتقدم إيمانه كفر بالطاغوت لا يكون قد استمسك بالعروة الوثقى، وهو مثله مثل من يأتي بالتوحيد والشرك، وبالشيء وضده في آنٍ معاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجتمع إيمان وكفر في قلب امرئٍ ".

    وأخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ". مفهوم المخالفة يقتضي أن من قال لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بما عُبد من دون الله لا يكون معصوم الدم والمال، وليس هو من أهل القبلة فضلاً عن أن تُقبل أعماله التعبدية..

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (فقوله " وكفر بما يعبد من دون الله " تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله، واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت) انتهى.

    واعلم أن الشرك - شر كبير لا يعلوه شر وظلم - يحبط جميع الأعمال الصالحة ويدمرها تدميرا كأنها لم تكن من قبل، وهو سد منيع يمنع من قبول الأعمال وصعودها إلى السماء، كما أنه لا تقاومه ولا تعلوه حسنة - بما في ذلك التوحيد - إلا التوبة الصادقة وإعلان البراءة منه، فإن التوبة تجب ما قبلها بما في ذلك الشرك والكفر..

    وبعد، فإننا نتساءل:

    من المعبود في زماننا عند كثيرٍ من الناس، وفي كثير من الأمصار؟!
    من المطاع لذاته، وفي كل ما يصدر عنه؟!
    من المحبوب لذاته الذي يُعقد فيه الولاء والبراء، والسلم والحرب [3]؟!
    من الذي يحكم ويشرع للعباد والبلاد؟!
    من الذي يسأل ولا يُسأل، ولا يُعقب عليه في شيء؟!
    إلى من تُرد النزاعات والخصومات؟!
    من الذي يُخشى ويُخاف؟!

    وغيرها كثير من التساؤلات، نجد أن الإجابة عليها عند أكثر الناس - وللأسف الشديد - هو الطاغوت [4]!!

    فهم يعبدون الطاغوت في كل ما تقدم، وفي غيرها من معاني العبادة ومجالاتها، من دون أن يجدوا حرجاً، أو من ينكر عليهم كفرهم وشركهم وعبادتهم لغير الله تعالى!!

    يكفيهم أنهم يصلون ويصومون لله رب العالمين، وليعبدوا بعد ذلك في المجالات الأخرى للعبادة ما شاءوا من الطواغيت!!

    صدق الله العظيم: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف:106). وقال تعالى: {فأبى أكثر الناس إلا كفوراً} (الإسراء:89).

    والسؤال:
    أين غالب الدعاة من هذا الكم الهائل من الشرك والطغيان؟!
    أين هم من عبادة المخلوق للمخلوق؟!
    أين هم من كل هؤلاء الطواغيت، الذين تعج بهم الساحة إلى حدِّ الاختناق، الذين يستشرفون - بكل وقاحة - خصائص الإلهية لأنفسهم من دون الله؟!
    أين هم من التوحيد حق الله تعالى على العباد، والذي لا يُقبل من دونه عمل ولا دين؟!
    أين هم من واجب البيان والصدع بالحق في وجوه الطواغيت الجاثمين بالقهر والإرهاب على مقدرات البلاد والعباد؟!
    أم فاتهم - وهم العلماء الفقهاء - أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأنه يوم القيامة يُلجم بلجامٍ من نار؟!
    أين هم من كل ذلك؟؟

    والجواب: يأتي مخيباً للآمال، مورثاً للإشفاق والحزن على مصير هذه الأمة المنكوبة المبتلاة بطواغيت الجور والكفر من جهة، وعلماء السوء والضلال من جهة أخرى!

    لم يعد يُقلقهم منظر الطواغيت وهي تُعبد من دون الله تعالى، ولم يعد يثير حفيظتهم علو الشرك وانتشاره بكل ضروبه وأنواعه!

    ألفوا المنكر حتى استساغوه واستعذبوه، واستساغوا العيش معه، بل وجدنا منهم من يفتي به على الملأ وعلى شاشات التلفاز، تحت ذريعة إحياء فقه التيسير وجلب المصالح، وأنه واقع لا بد منه.. وهو في حقيقته إحياء لفقه التفلّت والتحرر من قيود وواجبات هذا الدين!!

    وبعضاً منهم من يصور الحديث عن التوحيد حق الله تعالى على العباد، والذي يتضمن الكفر بالطاغوت، بأنه فتنة ينبغي اجتنابها، وعدم تعريض شباب الصحوة لها.. ولا أدري أي صحوة وأي شباب يريدون من دون التوحيد الذي يكسب الأمة المنعة والقوة ضد كل ما يتهددها من خطوب وأخطار؟!

    لذا لا غرابة لو رأيت أكثر شباب الصحوة هؤلاء يعبدون الله على حرف، فإذا أصابتهم مصيبة في الله انقلبوا على أعقابهم، خسروا الدنيا والآخرة!

    وبعضاً منهم - رغبة أو رهبة - تراه يعتكف العمر على تدريس الناس الفقه والرقائق، وأن الله غفور رحيم، مع علمه أن أكثر من يدرسهم واقعون - ولو بوجه من الوجوه - بالشرك وبعبادة الطاغوت من دون الله!

    فليس من منهاج الأنبياء في الدعوة إلى الله الانشغال بالفروع وتشعب المسائل قبل بيان أصل الأصول الذي لا يصح عمل ولا يقوم بناء صحيح من دونه، ألا وهو التوحيد حق الله على العباد..

    وهذا المستفاد من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن وأمره بأن يدعو الناس أولاً إلى التوحيد وعبادة الله قبل أن يدعوهم إلى أي ركن آخر من أركان هذا الدين.

    وفي الأثر الصحيح عن جندب بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً.

    وبعضاً منهم يتكلم عن العقيدة والتوحيد، ولكن بطريقة منقوصة وملتوية، تخدم الطواغيت وتبرر لهم كثيراً من الكفر والفجور والإجرام، تحت ذريعة أن ولي الأمر له حقوق السمع والطاعة، وأن ما يجوز له لا يجوز لغيره، وأنه فوق المساءلة أو المحاسبة!

    وبعضاً منهم تراه مشغولاً طيلة حياته في المجادلات السياسية، والتحليلات والتقسيمات قبل أن يتمكن عنده التوحيد، وقبل أن يعيه، فيضل ويُضِل، ثم بعد ذلك يحسب نفسه أنه على شيء!

    وفريقاً آخر تراهم مشغولين بالطرق الشركية الباطلة عن التوحيد - لنصرة الدعوة كما زعموا!! - مزينين لها ومروجين، كتبنيهم لطريق الديمقراطية الكافرة، وولوجهم في العمل النيابي التشريعي!!

    رضوا بالفُتات اليسير الذي يُرمى إليهم من قبل الطواغيت، فتعاظم في أعينهم وشُغلوا به عن قضية الدين كله، حتى ظنوا أنه النصر والظفر الذي لا يعلوه نصر ولا ظفر..

    طرحوا كل شيء - يهون طرحه وسماعه - على مسامع الطاغوت، إلا قضية من المعبود بحق في الوجود الله أم الطاغوت؟! إلا مساءلة الطاغوت أنت عبد أم إله، فإنهم لم يسمعوه إياها، ولم يطرحوها عليه، ولم تكن من أولويات برامجهم المليئة بالرياء والوعود الخيالية الكاذبة؟!

    وفي هذا يقول سيد رحمه الله في الظلال (2/1034): (بينما الطيبون السذج من المسلمين يروحون يشتغلون في سذاجة بلهاء - من تأخذه الحمية للدين منهم وللأخلاق - بالتنبيه إلى مخالفات صغيرة، ومنكرات صغيرة، ويحسبون أنهم أدوا واجبهم كاملاً بهذه الصيحات الخافتة، بينما الدين كله يُسحق سحقاً ويُدمَّر من أساسه، وبينما سلطان الله يغتصبه المغتصبون، وبينما الطاغوت الذي أُمروا أن يكفروا به هو الذي يحكم حياة الناس جملة وتفصيلاً. انتهى. ومن دون أن تسمع لهم صوتاً أو همسا!).

    فشُغلوا - رهبة أو رغبة - بكل شاغل تُعدم فائدته أو تقل ليس له تبعات ترتد عليهم من قبل الطاغوت، عن غاية الغايات، وأصل الأصول، حق الله على العباد!!

    لذا فإننا نؤكد للمرة الثانية، والثالثة.. والعاشرة: أن قضية الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، قضية التوحيد بشموليته وكل أقسامه، كانت - ولا تزال - الهم الأكبر، والغاية العظمى للأنبياء والرسل، والعلماء العاملين من بعدهم، لا يصرفهم عنها صارف، ولا يشغلهم عنها شاغل، ولم تكن تقبل عندهم المساومة أو التأخير، أو يرضوا فيها بأنصاف الحلول وأرباعه، فإما استسلام وخضوع وعبودية مطلقة لله رب العالمين، وهو الإيمان والإسلام، وإما عبودية للطاغوت - ولو في وجه من أوجه العبادة - وهو الكفر والشرك والمروق من دائرة الدين الحق إلى دين الطاغوت..

    لذا كانت قضية لأجلها تُسل السيوف، وتبعث البعوث، وتُجهز الجيوش، ويُعلن الحرب والسلم، وعليها يُعقد الولاء والبراء، وفي سبيلها تُبذل المهج والأرواح، ويرخص كل غالٍ ونفيس.. فإنها - بحق - قضية لا بد أن تُحسم أولاً وبكل وضوح مع الطواغيت كل الطواغيت: من المعبود بحق في الوجود، هم أم الله الواحد القهار؟!

    فهي مسألة - عندنا - لا يمكن تجاوزها ولو استغرق ذلك الدهر كله، وإن تخلى عنا جميع الناس، ورمانا قومنا عن قوسٍ واحدة، فالله تعالى خير مؤنس، ورفيق، ومعين..والله خير وأبقى.

    كما أننا لا نقبل الانشغال عنها بأي مسألة أخرى مهما عظمت أهميتها وعلا قدرها، قبل أن نُعطى عليها إجابة صريحة صادقة من الناس كل الناس، حكاماً ومحكومين، من المعبود بحق في الوجود، أربابهم الهزيلة المتعددة أم الله الواحد القهار؟!

    نراهم يتماجدون - بكل وقاحة - بمعبوداتهم وآلهتهم المتعددة والمهترئة الضعيفة، فعلام - يا قوم - تعبدون الله الحق على استحياء ووجل، وتخافون أن تُنسبوا إلى التوحيد وأهله، وكان الأجدر بكم أن تفتخروا وتعتزوا بمعبودكم الخالق سبحانه وتعالى الذي تفرد بأسمائه الحسنى، وصفاته العظمى والعليا، {ولله العزة ولرسوله والمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} (المنافقون:8).

    وإلى دعاة المصالح، والتجميع، والتقميش.. إلى طلاب الخلافة، الذين يعملون للاستخلاف والتمكين نقول: إن لم تحققوا التوحيد - الذي من أركانه وشروطه الكفر بالطاغوت - في أنفسكم أولاً، ثم في جماعاتكم وأحزابكم، وأهاليكم، وفي واقع حياتكم، وتجعلوه همكم الأكبر، وعلى رأس الأولويات والأهداف.. فاعلموا أن سعيكم إلى وبار لا طائل منه ولا فائدة، وهو كالركض وراء السراب، إلى جانب كونه مخالفاً لمنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله [5].

    قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} (النور:55).

    فكل هذه المنح الربانية: الاستخلاف، والتمكين، والأمن والأمان بعد خوف.. كل ذلك الخير مقابل تحقيق التوحيد {يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}.

    فهل عقلنا ذلك.. أم سنظل نستشرف الفُتات والعظام المجردة عن لحومها وشحومها التي تُرمى إلينا من قِبل الطواغيت؟؟!!

    [عبد المنعم مصطفى حليمة أبو بصير | 6/3/1418 هـ]


    [1] عدد الذين يعبدون الشياطين لذواتهم كما جاءت في ذلك بعض الإحصائيات ما يزيد على (270) مليون، ويسمون بالأرواحية. وعدد الهندوسية عبدة البقر والأوثان ما يزيد على (732) مليون. وعبدة بوذا ما يزيد على (580) مليون. وعدد كفار اليهود والنصارى ما يزيد على المليار نسمة، أضف إليهم اللادينين، وكفار الزنادقة والعلمانيين ممن ينتسبون إلى أهل القبلة..فإن أدركت ذلك أدركت حجم التقصير الذي يقع به علماء ودعاة الأمة، كما تدرك ثقل وضخامة المهمة التي تقع على كاهل دعاة التوحيد.

    [2] وكذلك لو أُطلقت كلمة الكفر، أو كلمة الردة، أو أي عبارة تفيد انتفاء مطلق الإيمان والخروج من الملة، فإنها تكون بسبب - كما تدل على - صرف نوعٍ من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وهذه قاعدة مطردة نرجو أن تتاح لنا الفرصة لمناقشتها وشرحها وبيان أدلتها بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.

    [3] من الأيمان والأقسام التي يقسم بها جند الطاغوت في كثير من البلدان والأمصار المسماة زوراً بالإسلامية:نقسم بالله العظيم، أن نعادي من يعادي الوطن، ونسالم من يسالم الوطن! وذلك بغض النظر عن دين وعقيدة وخلق من يعادي أو يسالم الوطن، والسبب الذي دعاه إلى مسالمة أو معاداة الوطن! وهم في الغالب يريدون من الوطن قائد الوطن، فمن عادى قائد الوطن ناصبوه العداء، ومن سالم قائد الوطن سالموه!!

    [4] من الطواغيت التي تُعبد من دون الله تعالى، وفي كثير من مجالات العبادة: الهوى، والساحر، والكاهن، والحاكم بغير ما أنزل الله، والمشرع من دون الله تعالى، والتشريع ذاته ومنها الدساتير والقوانين الوضعية،والمحبوب لذاته من دون الله تعالى، وكذلك المطاع لذاته من دون الله، والوطن والوطنية في بعض صورها ومفاهيمها الوثنية الشركية، وكذلك القومية التي تعقد الولاء والبراء والحقوق والواجبات على أساس الانتماء القومي، وكذلك الإنسانية، والشعب والأكثرية في بعض صورها وكما تريدها الديمقراطية، والمجالس النيابية أو مجالس الشعب التي تدعي لنفسها خاصية التشريع من دون الله، ومجلس الأمم المتحدة الطاغوت الأكبر، وكذلك أمريكا راعية الكفر والإرهاب الدوليين التي لا يُرد لها في الباطل طلب وأمر، وكذلك الأحزاب في بعض صورها وحالاتها، وكذلك المشايخ وزعماء القبائل والعشائر في بعض الصور والممارسات،وكذلك الأحبار والرهبان ومن كان علىشاكلتهم ووصفهم من الطغيان..وغيرهم كثير من الطواغيت ممن يعبدون من دون الله،يعرف ذلك من عرف التوحيد على حقيقته، وأنار الله بصيرته بنور الإيمان.

    [5] من العناية بفريضة الدعوة إلى التوحيد، نشر الدعوة في كل مكان، وحيثما يحل ويقيم الداعية إلى الله، وإيصالها إلى جميع الناس بلا تفريق، فهذا الدين هو دين الله للجميع وليس لأناس دون أناس، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ بُعث بُعث للناس كافة، وليس إلى قوم دون قوم، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا}، وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء:107. وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوافقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران:64.
    وفي الحديث الذي يرويه مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت إلا كان من أصحاب النار ".
    والنصوص الشرعية كثيرة التي تدل على وجوب تبليغ الدعوة إلى اليهود والنصارى وغيرهم من الشعوب والملل، وهذا أمر بدهي لا خلاف عليه وهو من مسلمات هذا الدين، ما كنا لنشير إليه أو نذكر به لولا أنا وجدنا شريحة من الناس ممن يعيشون في بلاد الغرب ضاقت بهم طبائعهم وأخلاقهم السيئة، فمنعتهم من دعوة النصارى وغيرهم من الكفار إلى دين الله تعالى، متذرعين بحقٍ أرادوا به ستر عيوبهم وأخلاقهم المشينة، حيث زعموا أن من لوازم دعوة الكفار إلى الإسلام إظهار نوع من البر والإحسان، وحسن الجوار وغير ذلك من الأخلاق الحميدة التي جاء بها شرعنا، وهذا يتنافى - في زعمهم - مع ما يجب على المسلم من إظهار للعداوة والبغضاء، والبراء من الكفار وما عليه من الدين الباطل!
    وهؤلاء إلى جانب خطأهم في تعطيل الدعوة إلى توحيد الله، وحصرها في أناس دون أناس، يظنون وجود التعارض والتضاض بين ما يجب على المسلم من إظهار للأخلاق الإسلامية الحميدة التي يوجبها الشرع؛ كالصدق، والأمانة، والوفاء بالعهد، وعدم الغدر، وإظهار العفة، وغير ذلك من الأخلاق الإسلامية التي يجب أن يتصف بها الداعية إلى الله، وبين ما يجب على المسلم من المعاداة والمفاصلة للكفار ولدينهم الباطل، وظنوا أن من لوازم كل منهما انتفاء الآخر، وهذا خطأ ظاهر!
    هذا في حال حسنا الظن بما يقولون،ولكن الحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يجمعوا في أنفسهم رغبتين في آنٍ واحد، رغبة في السطو، وحب الغدر، وانتهاك الحرمات بغير وجه حق، ورغبة في إظهار الأخلاق الحميدة التي ترغب الآخرين بهذا الدين، ولما عجزوا عن ذلك قدموا وآثروا الأولى على الثانية، وفاتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: " لئن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ".
    ولهؤلاء نقول: عندما أمر الله تعالى بإجارة الكفار والمشركين - إن طلبوا الجوار - حتى يسمعوا كلام الله وتبلغهم دعوة التوحيد، لم يفهم من ذلك الصحابة - رضوان الله تعالى عنهم - التعارض مع ما يجب عليهم من البراء والمعاداة للكافرين، مع علمهم بما يكتنفه مفهوم الجوار من إحسان ورعاية وحماية تعطى للمستجير..
    والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن موالياً للكفار المشركين عندما كان يحافظ على أماناتهم التي أودعوها عنده، في الوقت الذي كان يلقى منهم كل حرب وعداء، حتى لقبوه وهم خصومه وأعداؤه بالصادق الأمين..
    والنبي صلى الله عليه وسلم هو القائل والآمر أمته: " أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ".
    عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قتل رجلاً من أهل الذمة، لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً "، وعندما قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها "، لم يكن صلى الله عليه وسلم يدافع عن الكفار والمشركين، ولا محباً لهم،وإنما كان يظهر أخلاق هذا الدين،وكان يريد أن يربي أصحابه على قيمة وقدسية الوفاء بالعهد ولو كان ذلك مع العدو الكافر.. عندما أنصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذاك الذمي النصراني من ابن الأمير المسلم عمرو بن العاص، لم يكن عمر موالياً للكفار ولا مدافعاً عن المشركين،وإنما كان يحيي أخلاق الإنصاف والعدل الذي رباه عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
    عندما أمر الشارع بالإحسان إلى الوالدين الكافرين، وبمصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، لم يكن من باب موالاة المشركين والدفاع عنهم.. فإحياء أخلاق هذا الدين العظيم شيء، والدفاع عن المشركين شيء آخر يا قوم!
    وعندما صالح أبو عبيدة ابن الجراح نصارى الروم على مدينة دمشق، وكان قد افتتحها خالد ابن الوليد عنوة من جهة الباب الشرقي للمدينة، ولم يكن يعلم بما أمضاه أبو عبيدة من الصلح.. ردَّ أبو عبيدة المدينة إلى النصارى وأمضى صلحه معهم، وفاء والتزاماً بالكلمة التي أعطاها لهم،ولم يعد ذلك من باب الدفاع عن المشركين ولا التعاطف معهم، وإنما هو من باب إظهار أخلاق الوفاء بالعهد، وإن أدى ذلك إلى خسارة مدينة بكاملها، وكانت دمشق ذاتها!
    وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى - يعني أسرى بدر - لأطلقتهم له "، علماً أن مطعماً مات على الشرك وعبادة الأوثان، ولكن لما كان له صنيع جميل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث أجاره لأيامٍ يوم الشدة في مكة، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه ويرد جميله بصنيع أجمل.. عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لم يكن يدافع عن المشركين حاشاه، وإنما أراد أن يعلم الأمة خلق الاعتراف بالجميل ومقابلة المعروف بالمعروف، والحسنة بالحسنة، لا بالغدر والسيئة..
    فأي خلق يعلو هذا الخلق، وأي دين أعظم من هذا الدين؟!
    هذه نماذج وإشارات تدلل على عظمة أخلاق هذا الدين، أردنا منها التذكير لا التشهير.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 12:40 am