وعدنا أن نتكلم في المقال السابق عن الحق في نفسه، وكذلك الباطل في نفسه، وكيف صور القرآن الكريم معركة الحق مع الباطل، وعلى الرغم مما يعتري هذا البحث من تصورات ومفاهيم تحتاج إلى تجلية وبيان، إلا أنه ما يلزمنا هنا أن نستطلع الحق القرآني ليرشدنا في كشف (المنهزمين) أمام الباطل، وكيف دخل في روعهم روع الباطل فاستحكم تلبيسه عليهم فظنوه شيئاً يستحق الخوف والتقوى، فصار كل جهدهم قائم في ترضية الباطل وطلب الرخصة منه في مزاولة حقهم - إن كان لديهم حق -، وصاروا يرددون مع أهل الجاهلية أن كافة أوراق القضية في يد البيت الأبيض حينا، وفي أدراج قصر الإليزيه حينا آخر، وفي أروقة السياسة الإنجليزية حينا آخر، فهم على الدوام كرويبضة الأرض؛ لا يقر قرارها في السعي المكوكي عند هؤلاء الطواغيت وغيرهم ليشرحوا لهم صورة (إسلام) الاستسلام، وديمقراطية الإسلام، وسلامة الإسلام من أن يفكر بالعداء لهم، أو التحرش بهم، ولعل المراقب (ضعيف النظر) يستطيع أن يلاحظ هذا الكم من الندوات والمؤتمرات التي تعقد في بلاد الردّة، وفي بلاد الغرب تحت عنوان "علاقة الإسلام بالغرب". وهذه الندوات كلها تدور في فلك الفتوى العصرية التي يسعى من أجلها الغرب في ترويض الإسلام، وإزالة عوارض وموانع الغزو الحضاري الغربي بأبعاده الفكرية الكافرة، وبما تحمل من حِمل أخلاقي يدعو إلى الحرية والإباحية، وكذلك من حمل سياسي في ترويج الديمقراطية المزعومة، هذه الندوات واللقاءات والمؤتمرات شهد بعض الاخوة صورها في بريطانيا تحت عنوان "علاقة الإسلام بالغرب. علاقة تعاون أم تصادم؟". أو قريبا من هذا العنوان. كان شعار المؤتمر يحمل مضمونه، حين دمج الشعار صورة المئذنة (الإسلامية المزعومة) ودولاب حركة التقدم الفيزيائي (الغربي)، وهو شعار يثير في النفس مجموعة من التساؤلات والملاحظات المصاحبة للغضب، وأبرز هذه الملاحظات هي تلك الانحرافات التي نحن بصددها، هي حالة الانهزام الكبرى التي يعيشها تيار (الإسلام الغربي المنحرف)، فهم لا يرون في الإسلام إلا قيما روحية (بالمفهوم الكنسي) وهذا دوره فقط، وإلى هنا تنتهي حدوده، وأما عجلة الحياة فالذي يفرزها وهو صاحبها فهو الغرب (الحضاري!!) فحقّ الإسلام في عقول هؤلاء القوم هو المسجد، ولقيصر بعد ذلك كل شيء، وقد يستغرب بعض الاخوة من هذا الاتهام الذي نوجّهه لهذا التيار الإسلامي الضال، ولكن المنصف يستطيع أن يدرك هذا من رؤيته السقف الأعلى من المطالب التي يريدها هذا التيار المنحرف.
إن هذا التيار المنحرف، دوره في الإصلاح الاجتماعي فقط، فهو بما يحمل من مفاهيم (الكنيسة = إسلامية) قادر أن يمنع الجريمة في المجتمعات، وقادر أن يقضي على مظاهر الفساد فيها، وكل هذا حق، لكنه يطرح هذه البرامج من خلال مظلة الجاهلية الحاكمة، فقد سقطت من أذهان هذا التيار المقولة المكذوبة أننا نريد أن نصل إلى الحكم لنعيد الحق إلى صاحبه (اللـه) سبحانه وتعالى، وصار عامة ما يردد هذا التيار المنحرف هو طلبه من الجاهلية أن تأذن له ليقضي على ما يعيق التنمية تحت مظلة الجاهلية.
ومن نازعنا في هذه الأحكام فهو بلا شك ليس ضعيف النظر في المراقبة، بل أعمى البصيرة مع فقدان قوة الإدراك كذلك.
وأما المسألة الأخرى التي تستوقفنا في هذا المؤتمر، فهو ما قاله أحد رواد هذا التيار المنحرف راشد الغنوشي عند دعوته إلى انخراط الشباب المسلم في أوروبا في داخل المجتمعات، وعدم وضع الفواصل المعارضة لهذا الاندماج، بل ذهب أكثر من هذا، حين صور الغرب صورة حضارية إنسانية سامقة، وجعلها الحاملة لمشعل التفكير العلمي المتألق، وأما شبابنا الإسلامي هنا في أوروبا، فما زالت عالقة في ذهنه قيم الانحطاط التي يحملها، إرثا تاريخيا ضربة لازب.
وإن شئت المزيد فانظر إلى بعض شباب هذا التيار المنحرف وعملهم في مؤسسة بريطانية أو مقرها بريطانيا شعارها " مؤسسة نشر الديمقراطية في العالم". أو قريبا من هذا العنوان، ترى القائمين عليه من الشباب من العالم الإسلامي هم شباب "الإخوان المسلمين" ومن هؤلاء بعض الشباب الذي تجرأ في الأردن في نقد حركة الإخوان المسلمين (وهو منها) بأنها مازالت معوقة في دخولها في الفهم الديمقراطي، واعتبر أن سبب هذه الإعاقة هو أنها مازالت متأثرة بفكر سيد قطب (المتكلس) أي (المتجمد)، فهذا التيار بما فيه من عوامل الانهزامية وصلت الدعوات فيه إلى تسمية القيود الشرعية : بالعوائق التي تمنع تقدم مسيرة الحركة بأن تصبح حزبا سياسيا كحزب الخضر (حزب يدعو فقط إلى الحفاظ على البيئة من التلوث والتخريب)، وذهب هذا الشباب إلى تبني إمامة حسن الترابي (إمام هذا التيار التخريبي - أو كما يحلو أن يسمي نفسه “ليبرالي حر”).
وصورة أخرى من ممارسات هذا التيار : هناك محاولة إسلامية!! قامت في أوروبا بإخراج مجلة تطرح التفكير الإسلامي الأصولي!! بثوب إنساني عصري متطور، وإذا أردت أن تعرف ما تحمل من أفكار انهزامية فانظر إلى عنوانها “الإنسان” ومن أبحاثها الأولى في عددها الأول : محاولة لقراءة تجربة محمد علي الألباني. الذي حكم مصر في بداية هذا القرن، والذي أجمع أهل العقول الإسلامية أنه رائد الكفر العصري في الدول الإسلامية، إذ أنه أول من دفع أهل الإسلام إلى حضن الجاهلية عن طريق الابتعاث، واستيراد النظم الدستورية الأوروبية (اقرأ ملزما : “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لمحمود شاكر، وهي في صدر كتابه “المتنبي”)، هذا الكاتب في مجلة “الإنسان” يجعل تجربة محمد علي تجربة إسلامية حضارية لم تأخذ أبعادها.
والأمثلة في الجراب كثيرة، ولكن يكفيك من الشر بعضه.
هذه الصور وكثيرة غيرها تبين لك ابتعاد هؤلاء القوم عن فهم المنهج القرآني لطبيعة الباطل، وكذلك جهلهم لطبيعة الحق. هؤلاء القوم يرون للباطل شأنا يخاف منه ويرهب، ويرون الحق هزيلا ضعيفا ليس في داخله عوامل القوة والرقي.
لقد شغلنا ضرب الأمثلة عن وعدنا الذي قطعناه بكشف ستر الباطل، من خلال طرح القرآن له، فإلى عدد قادم إن شاء الله تعالى
إن هذا التيار المنحرف، دوره في الإصلاح الاجتماعي فقط، فهو بما يحمل من مفاهيم (الكنيسة = إسلامية) قادر أن يمنع الجريمة في المجتمعات، وقادر أن يقضي على مظاهر الفساد فيها، وكل هذا حق، لكنه يطرح هذه البرامج من خلال مظلة الجاهلية الحاكمة، فقد سقطت من أذهان هذا التيار المقولة المكذوبة أننا نريد أن نصل إلى الحكم لنعيد الحق إلى صاحبه (اللـه) سبحانه وتعالى، وصار عامة ما يردد هذا التيار المنحرف هو طلبه من الجاهلية أن تأذن له ليقضي على ما يعيق التنمية تحت مظلة الجاهلية.
ومن نازعنا في هذه الأحكام فهو بلا شك ليس ضعيف النظر في المراقبة، بل أعمى البصيرة مع فقدان قوة الإدراك كذلك.
وأما المسألة الأخرى التي تستوقفنا في هذا المؤتمر، فهو ما قاله أحد رواد هذا التيار المنحرف راشد الغنوشي عند دعوته إلى انخراط الشباب المسلم في أوروبا في داخل المجتمعات، وعدم وضع الفواصل المعارضة لهذا الاندماج، بل ذهب أكثر من هذا، حين صور الغرب صورة حضارية إنسانية سامقة، وجعلها الحاملة لمشعل التفكير العلمي المتألق، وأما شبابنا الإسلامي هنا في أوروبا، فما زالت عالقة في ذهنه قيم الانحطاط التي يحملها، إرثا تاريخيا ضربة لازب.
وإن شئت المزيد فانظر إلى بعض شباب هذا التيار المنحرف وعملهم في مؤسسة بريطانية أو مقرها بريطانيا شعارها " مؤسسة نشر الديمقراطية في العالم". أو قريبا من هذا العنوان، ترى القائمين عليه من الشباب من العالم الإسلامي هم شباب "الإخوان المسلمين" ومن هؤلاء بعض الشباب الذي تجرأ في الأردن في نقد حركة الإخوان المسلمين (وهو منها) بأنها مازالت معوقة في دخولها في الفهم الديمقراطي، واعتبر أن سبب هذه الإعاقة هو أنها مازالت متأثرة بفكر سيد قطب (المتكلس) أي (المتجمد)، فهذا التيار بما فيه من عوامل الانهزامية وصلت الدعوات فيه إلى تسمية القيود الشرعية : بالعوائق التي تمنع تقدم مسيرة الحركة بأن تصبح حزبا سياسيا كحزب الخضر (حزب يدعو فقط إلى الحفاظ على البيئة من التلوث والتخريب)، وذهب هذا الشباب إلى تبني إمامة حسن الترابي (إمام هذا التيار التخريبي - أو كما يحلو أن يسمي نفسه “ليبرالي حر”).
وصورة أخرى من ممارسات هذا التيار : هناك محاولة إسلامية!! قامت في أوروبا بإخراج مجلة تطرح التفكير الإسلامي الأصولي!! بثوب إنساني عصري متطور، وإذا أردت أن تعرف ما تحمل من أفكار انهزامية فانظر إلى عنوانها “الإنسان” ومن أبحاثها الأولى في عددها الأول : محاولة لقراءة تجربة محمد علي الألباني. الذي حكم مصر في بداية هذا القرن، والذي أجمع أهل العقول الإسلامية أنه رائد الكفر العصري في الدول الإسلامية، إذ أنه أول من دفع أهل الإسلام إلى حضن الجاهلية عن طريق الابتعاث، واستيراد النظم الدستورية الأوروبية (اقرأ ملزما : “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لمحمود شاكر، وهي في صدر كتابه “المتنبي”)، هذا الكاتب في مجلة “الإنسان” يجعل تجربة محمد علي تجربة إسلامية حضارية لم تأخذ أبعادها.
والأمثلة في الجراب كثيرة، ولكن يكفيك من الشر بعضه.
هذه الصور وكثيرة غيرها تبين لك ابتعاد هؤلاء القوم عن فهم المنهج القرآني لطبيعة الباطل، وكذلك جهلهم لطبيعة الحق. هؤلاء القوم يرون للباطل شأنا يخاف منه ويرهب، ويرون الحق هزيلا ضعيفا ليس في داخله عوامل القوة والرقي.
لقد شغلنا ضرب الأمثلة عن وعدنا الذي قطعناه بكشف ستر الباطل، من خلال طرح القرآن له، فإلى عدد قادم إن شاء الله تعالى