بسم الله الرحمن الرحيم
قلنا في المقال السّابق أنّ الصّوفية وهي طريقة منحرفة، أفرزت في حياة المسلم طريقة حياة، ومنهج حركة، علاوة على أنها دين يحمل عقيدة تصورية مبناها على وحدة الوجود، وطريقة عبادة، فيها من بدع الخلوة والجوع والسّهر، وقلنا إنّ كثيراً من الفضلاء تأثّروا بالمنهج الصّوفي في التّغيير والحركة، وقلنا لعلّ أوضح عبارة أطلقت في هذا الزّمان عبّرت عن هذا المنهج الصّوفيّ هي الكلمة الّتي صارت شعاراً لبعض التّجمعات والتّنظيمات الإسلامية، هذه العبارة هي: “أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم”. وكذلك مثل هذه العبارة أصحاب دعوة التصفية والتربية، بالمفهوم التّربوي الّذي يطرحه أتباع هذه الشّعارات، وقد استساغ بعضهم أن يسمّي بعض الجماعات أو الشّخصيات بأنّه سلفيّ العقيدة، إخوانيّ الطريقة، وهو لفظ شاع وانتشر للدّلالة على بعضهم بأنّه لم يتلبّس بالسّلفية الشّاملة، فإنّنا نستطيع بكلّ جرأة أن نسمي أصحاب هذا الشّعار: “أقيموا... تقم...” وهم أصحاب التّغيير عن طريق التصفية والتّربية أنّهم: سلفيّة العقيدة، صوفيّة المنهج.
هذا مع تنبيهنا الضّروري على أنّ هذه الثّنائية المتناقضة لا وجود لها على أرض الواقع، إذ لا يمكن للرّجل أن يكون سلفيّاً في عقيدته كما يزعمون وإخوانيّا في طريقته ومنهجه، كما أنّه لا يمكن كذلك أن يكون سلفياً في عقيدته وصوفيّا في طريقته ومنهجه، والسبب الّذي يستدعي هؤلاء القوم إلى هذا التقسيم الخرافيّ، هو أنهم لم يفهموا من السّلفية إلا شيئاً جزئياً في البناء الشّامل للمنهج السّلفيّ، مثل ظنّهم أن السّلفي هو من يعتقد بمنهج الأسماء والصِّفات الإلهية على طريقة الأوائل من أئمّتنا، فظنُّهم هذا يدعوهم أن يقولوا عن فلان أنّه سلفيّ في عقيدته (عقيدة الأسماء والصَّفات) وإخوانيّ الطّريقة والمنهج، مع أن السّلفيّ لم يكن يوماً من الأيام شعاره الّذي يتميّز به عن غيره هو موضوع عقيدة الأسماء والصّفات فقط، بل السّلفي هو ذلك الشّخص الّذي يحمل المنهج الشّامل في عقيدة التّوحيد بشقّيها: توحيد الشّرع وتوحيد القدر، ويحمل المنهج الشّامل في توحيد الإتّباع، كما بسط هذا في مواطن عديدة من كلام الأئمة الهداة كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره. لكن لا بأس من استعمال طريقة هؤلاء المحرّفة في هذا التّقسيم الثّنائي: سلفيّ العقيدة، صوفي المنهج، حين لا يكون أمامنا إلا أن نسلك الصّعب من الأفكار مع هذا الغثاء الذي يملأ الفضاء ممّن تغرّهم الشّعارات، وتستهويهم لعبة الألفاظ والعبارات.
صوفيّة: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم:
الصّوفيّة في تاريخها مع المسلمين بنت نفسها على بعض الأركان المنحرفة من العقائد الزّائغة التي انتسبت للإسلام زوراً وبهتاناً، وأهمّ هذه الأركان المنحرفة الّتي استغلّتها الصّوفية هي عقيدة الإرجاء، وهي مناقضة لتوحيد الشّرع، وعقيدة الجبر وهي مناقضة لتوحيد القدر، وخلاصة عقيدة الإرجاء المنحرفة أنّها تقدِّم إسلاماً بلا تكاليف، وتجعل مناط التّكليف الإيمانيّ هو تصوّر القلب واعتقاده، وأمّا أعمال الجوارح فليست إلا مظهراً لا قيمة له في عالم الحقائق، فهي عقيدة تدفع صاحبها دوماً إلى الانتكاسة نحو الدّاخل (القلب) دون الاهتمام بحركة الجوارح، ولمّا كان لابد من أن تقدّم هذه العقيدة تفسيراً لحركة الحياة وما نراه من الارتباط السنني الظاهر فإنها لجأت إلى عقيدة الجبر، وهي تفسير حركة الحياة تفسيرا غيبيّاً خرافيّاً لا وجود له في الحقيقة، وتجعل وقوع الأقدار مربوطاً بالباطل الإرجائي، ولا قيمة للظاهر من أعمال الجوارح، وقد علم المسلم المبتدئ أن حركة القلوب ليست هي المؤثّر في حركة الحياة، بل المؤثّر هي حركة الجوارح، مع علمه الأكيد أن حركة الجوارح لا تقع إلا بحركة القلب (إرادات الباطن)، وحين نفسّر هذه الكلمات عن طريق المثال فإنّنا نقول:
إذا أراد الإنسان - أيّ إنسان - أن يبني بيتاً، فإن البيت لا يُبنى إلاّ بحركة الجوارح، بكلّ ما يطلب هذا البيت من أركان وشروط وتحسينات، مع أن هذا الإنسان لا يمكن أن يبني البيت إلا إذا أراد ذلك، والإرادة هي حركة القلب ، لكن لا يصح أن يقول قائل: إن الّذي يبني البيت هي الإرادة، بل الصّحيح أن الإرادة هي التي تنشئ العمل، الذي هو حركة الجوارح وبالعمل يُبنى البيت، وكلّها من حركة الإنسان: من إرادة قلبية وعمل الجوارح، فالإنسان يريدها في قلبه، ويعملها بجوارحه، وليس هو فقط مكلّف بإرادة القلب ليقوم غيره بعمل الجوارح.
ولنعد الآن إلى العبارة المصيبة: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم.
هذا الشِّقّ من العبارة يبيّن لنا أن المكلّف بإقامة دولة الإسلام هو القلب (انتكاسة نحو الداخل)، مع أن الواجب أن نقيم دولة الإسلام بجوارحنا، أي عن طريق حركة الجوارح الّتي تؤثّر في حركة الحياة، أي أن نقيمها في الخارج، وكان لنا أن نحسن الظنّ بهذه العبارة البدعيّة الضّالّة، لو لم يأت الشِّقّ الثّاني جازماً لنا أن لا نحمل معناها إلا على هذا المعنى البدعيّ الضّال، فلو قال القائل: أقيموا الدولة في قلوبكم (بإرادتكم الجازمة) لتقيموها (بجوارحكم العاملة) في أرضكم، لقلنا له صدقت، ولما عَدَت أن تكون هذه الكلمة مفسّرة لحركة الحياة القدرية، ولن تكون بحال من الأحوال شعاراً لمنهج شرعه صاحبه لينصح به أتباعه بسلوكه واتِّباعه.
لكن الشق الثاني حدد لنا المراد بما تقدم من الفهم المنحرف، لأنّه قال: تقُم على أرضكم. ولو سألناه من سيقيمها لنا على الأرض؟ فلن يكون الجواب أبداً نحن، لأننا نحن مكلّفون فقط بأن نّقيمها في قلوبنا، بل الجواب المجزوم بقوله هو: الله. وهذا الجواب مع ضلاله الشّرعي و مخالفته لأمر الله، إلا أنه للأسف يستهوي بعض النّاس حين يظنّ أن في ذلك تعظيما لشأن الله تعالى، وما دروا أنّه استخفاف بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وهو جواب جبريّ يناقض توحيد القدر وأوصل إليها كما تقدّم: الضلال في توحيد الشّرع حين جعل أن حركة الجوارح ليست هي المطلوبة في الشّريعة. بل المكلّف بذلك هو القلب وهو قول مذهب أهل الإرجاء الضّال.. فالعبارة كما هي عند أصحابها: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم (إرجاء بدعي) تقم لكم على أرضكم (جبر بدعيّ).
والآن أين هذا من دين الصّوفية؟.
شعار الصّوفية الذي يسعى الصّوفي الملتزم لتحقيقه، هو خروجه من إنسانيته، بتحرره من الإرادة، ومن أهم الشّعارات لديهم: أريد أن لا أريد.. وعامّة مجاهداتهم الباطلة تسعى إلى هذا المقام، وهو تحرره من الطّباع الإنسيّة، وهي الّتي يحلو لهم، ولبعض من تأثّر بهم أن يسمّيها بالبهيمية: ومن أمثلتها: حبّ النّساء، شهوة التّملّك والاقتناء، حاجة المأكل والمشرب والملبس، فطرة الاجتماع والمدنيّة والعمران، وهي أمور بشرية فطرية لا يمكن للإنسان أن ينخلع منها، ولا أن تذهب عنه، لكن سعي الصوفيّ الدائم إلى التّحرر منها أوصله إلى الجنون، وهو الّذي لاحظه الإمام الشّافعي قديماً فيهم حين قال: لم يتصوّف رجل عاقل قط واتت عليه صلاة العصر إلاّ وهو مجنون، فالصّوفي يسعى إلى تحرره من الإرادة البشرية فيه، ولما دخلت الصّوفية إلى الإسلام فإنها حاولت أن تجد لها الدّليل الإسلامي لبدعتها هذه، لتستخدمه في نشر فكرتها وشعارها، فكان مذهب الجبر هو خير معين على ذلك، وخاصة حين صار الجبريّة، وهم الأشاعرة، هم أئمّة المسلمين في عصور التّخلّف والانحطاط، والأشاعرة يقولون بمذهب الكسب، وهو يعني احترام وجود إرادة قلبية للإنسان لكنه لا تأثير لها ولا قيمة لوجودها، أي إرادة غير مؤثّرة.
وإن شاء الله يكون في المقال القادم تفسير يوضّح أن دعاة التّصفية والتّربية، هم صوفية المنهج والطّريقة، بما لا يدع مجالاً للشّك عند الأخ المسلم المجاهد.
وللطّرافة فإن هذا السّلفيّ الصّوفي وهو الذي قلنا عنه في مقالات سابقة أنه سلفي مزعوم يلتقي مع الصّوفي في نقاط عمل كثيرة تجمع بين منهجيهما، ومن هذه النّقاط:
1 - الصّوفيّ شعاره: السّياسة تياسة (نسبة للتّيس وهو لفظ يطلق للدّلالة على الغباء)، والسّلفي المزعوم شعاره: من السّياسة ترك السّياسة (قالها السّلفي في بعض أشرطته)، فكلاهما يحرّم السّياسة على أتباعه، ويجعلها رجسا من عمل الشّيطان فاجتنبوه.
2 - الصّوفيّ شعاره: كلامنا إمّا فوق السّماء، و إما تحت الأرض، ويعني بها أنّ حديث الصوفي لا ينبغي أن يكون إلاّ في أمور الغيب (فوق السّماء: كالملائكة والعرش) وتحت الأرض (القبور والأموات)، وهو يدل على أنّه لا ينبغي للصّوفي أن يتحدّث في شئون الأحياء لأنّها تشتّت الهمّة، وتفرّق القلب، وتحبّب في الحياة الدُّنيا، والسّلفي المزعوم شعاره ودينه محاربة الأموات من أصحاب القبور، وأتباع البدع المنسيّة الغائبة.
3 - شعار السّلفي المزعوم المعاصر: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله (قالها محمد أبو شقرة، وهو سلفي مزعوم في كتابه "هي السّلفية")، والصوفي هو الّذي نشر في أمّتنا مقولة: قيصر هو ظلّ الله في الأرض، من أهان سلطان الله أهانه الله.
قلنا في المقال السّابق أنّ الصّوفية وهي طريقة منحرفة، أفرزت في حياة المسلم طريقة حياة، ومنهج حركة، علاوة على أنها دين يحمل عقيدة تصورية مبناها على وحدة الوجود، وطريقة عبادة، فيها من بدع الخلوة والجوع والسّهر، وقلنا إنّ كثيراً من الفضلاء تأثّروا بالمنهج الصّوفي في التّغيير والحركة، وقلنا لعلّ أوضح عبارة أطلقت في هذا الزّمان عبّرت عن هذا المنهج الصّوفيّ هي الكلمة الّتي صارت شعاراً لبعض التّجمعات والتّنظيمات الإسلامية، هذه العبارة هي: “أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم”. وكذلك مثل هذه العبارة أصحاب دعوة التصفية والتربية، بالمفهوم التّربوي الّذي يطرحه أتباع هذه الشّعارات، وقد استساغ بعضهم أن يسمّي بعض الجماعات أو الشّخصيات بأنّه سلفيّ العقيدة، إخوانيّ الطريقة، وهو لفظ شاع وانتشر للدّلالة على بعضهم بأنّه لم يتلبّس بالسّلفية الشّاملة، فإنّنا نستطيع بكلّ جرأة أن نسمي أصحاب هذا الشّعار: “أقيموا... تقم...” وهم أصحاب التّغيير عن طريق التصفية والتّربية أنّهم: سلفيّة العقيدة، صوفيّة المنهج.
هذا مع تنبيهنا الضّروري على أنّ هذه الثّنائية المتناقضة لا وجود لها على أرض الواقع، إذ لا يمكن للرّجل أن يكون سلفيّاً في عقيدته كما يزعمون وإخوانيّا في طريقته ومنهجه، كما أنّه لا يمكن كذلك أن يكون سلفياً في عقيدته وصوفيّا في طريقته ومنهجه، والسبب الّذي يستدعي هؤلاء القوم إلى هذا التقسيم الخرافيّ، هو أنهم لم يفهموا من السّلفية إلا شيئاً جزئياً في البناء الشّامل للمنهج السّلفيّ، مثل ظنّهم أن السّلفي هو من يعتقد بمنهج الأسماء والصِّفات الإلهية على طريقة الأوائل من أئمّتنا، فظنُّهم هذا يدعوهم أن يقولوا عن فلان أنّه سلفيّ في عقيدته (عقيدة الأسماء والصَّفات) وإخوانيّ الطّريقة والمنهج، مع أن السّلفيّ لم يكن يوماً من الأيام شعاره الّذي يتميّز به عن غيره هو موضوع عقيدة الأسماء والصّفات فقط، بل السّلفي هو ذلك الشّخص الّذي يحمل المنهج الشّامل في عقيدة التّوحيد بشقّيها: توحيد الشّرع وتوحيد القدر، ويحمل المنهج الشّامل في توحيد الإتّباع، كما بسط هذا في مواطن عديدة من كلام الأئمة الهداة كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره. لكن لا بأس من استعمال طريقة هؤلاء المحرّفة في هذا التّقسيم الثّنائي: سلفيّ العقيدة، صوفي المنهج، حين لا يكون أمامنا إلا أن نسلك الصّعب من الأفكار مع هذا الغثاء الذي يملأ الفضاء ممّن تغرّهم الشّعارات، وتستهويهم لعبة الألفاظ والعبارات.
صوفيّة: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم:
الصّوفيّة في تاريخها مع المسلمين بنت نفسها على بعض الأركان المنحرفة من العقائد الزّائغة التي انتسبت للإسلام زوراً وبهتاناً، وأهمّ هذه الأركان المنحرفة الّتي استغلّتها الصّوفية هي عقيدة الإرجاء، وهي مناقضة لتوحيد الشّرع، وعقيدة الجبر وهي مناقضة لتوحيد القدر، وخلاصة عقيدة الإرجاء المنحرفة أنّها تقدِّم إسلاماً بلا تكاليف، وتجعل مناط التّكليف الإيمانيّ هو تصوّر القلب واعتقاده، وأمّا أعمال الجوارح فليست إلا مظهراً لا قيمة له في عالم الحقائق، فهي عقيدة تدفع صاحبها دوماً إلى الانتكاسة نحو الدّاخل (القلب) دون الاهتمام بحركة الجوارح، ولمّا كان لابد من أن تقدّم هذه العقيدة تفسيراً لحركة الحياة وما نراه من الارتباط السنني الظاهر فإنها لجأت إلى عقيدة الجبر، وهي تفسير حركة الحياة تفسيرا غيبيّاً خرافيّاً لا وجود له في الحقيقة، وتجعل وقوع الأقدار مربوطاً بالباطل الإرجائي، ولا قيمة للظاهر من أعمال الجوارح، وقد علم المسلم المبتدئ أن حركة القلوب ليست هي المؤثّر في حركة الحياة، بل المؤثّر هي حركة الجوارح، مع علمه الأكيد أن حركة الجوارح لا تقع إلا بحركة القلب (إرادات الباطن)، وحين نفسّر هذه الكلمات عن طريق المثال فإنّنا نقول:
إذا أراد الإنسان - أيّ إنسان - أن يبني بيتاً، فإن البيت لا يُبنى إلاّ بحركة الجوارح، بكلّ ما يطلب هذا البيت من أركان وشروط وتحسينات، مع أن هذا الإنسان لا يمكن أن يبني البيت إلا إذا أراد ذلك، والإرادة هي حركة القلب ، لكن لا يصح أن يقول قائل: إن الّذي يبني البيت هي الإرادة، بل الصّحيح أن الإرادة هي التي تنشئ العمل، الذي هو حركة الجوارح وبالعمل يُبنى البيت، وكلّها من حركة الإنسان: من إرادة قلبية وعمل الجوارح، فالإنسان يريدها في قلبه، ويعملها بجوارحه، وليس هو فقط مكلّف بإرادة القلب ليقوم غيره بعمل الجوارح.
ولنعد الآن إلى العبارة المصيبة: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم.
هذا الشِّقّ من العبارة يبيّن لنا أن المكلّف بإقامة دولة الإسلام هو القلب (انتكاسة نحو الداخل)، مع أن الواجب أن نقيم دولة الإسلام بجوارحنا، أي عن طريق حركة الجوارح الّتي تؤثّر في حركة الحياة، أي أن نقيمها في الخارج، وكان لنا أن نحسن الظنّ بهذه العبارة البدعيّة الضّالّة، لو لم يأت الشِّقّ الثّاني جازماً لنا أن لا نحمل معناها إلا على هذا المعنى البدعيّ الضّال، فلو قال القائل: أقيموا الدولة في قلوبكم (بإرادتكم الجازمة) لتقيموها (بجوارحكم العاملة) في أرضكم، لقلنا له صدقت، ولما عَدَت أن تكون هذه الكلمة مفسّرة لحركة الحياة القدرية، ولن تكون بحال من الأحوال شعاراً لمنهج شرعه صاحبه لينصح به أتباعه بسلوكه واتِّباعه.
لكن الشق الثاني حدد لنا المراد بما تقدم من الفهم المنحرف، لأنّه قال: تقُم على أرضكم. ولو سألناه من سيقيمها لنا على الأرض؟ فلن يكون الجواب أبداً نحن، لأننا نحن مكلّفون فقط بأن نّقيمها في قلوبنا، بل الجواب المجزوم بقوله هو: الله. وهذا الجواب مع ضلاله الشّرعي و مخالفته لأمر الله، إلا أنه للأسف يستهوي بعض النّاس حين يظنّ أن في ذلك تعظيما لشأن الله تعالى، وما دروا أنّه استخفاف بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وهو جواب جبريّ يناقض توحيد القدر وأوصل إليها كما تقدّم: الضلال في توحيد الشّرع حين جعل أن حركة الجوارح ليست هي المطلوبة في الشّريعة. بل المكلّف بذلك هو القلب وهو قول مذهب أهل الإرجاء الضّال.. فالعبارة كما هي عند أصحابها: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم (إرجاء بدعي) تقم لكم على أرضكم (جبر بدعيّ).
والآن أين هذا من دين الصّوفية؟.
شعار الصّوفية الذي يسعى الصّوفي الملتزم لتحقيقه، هو خروجه من إنسانيته، بتحرره من الإرادة، ومن أهم الشّعارات لديهم: أريد أن لا أريد.. وعامّة مجاهداتهم الباطلة تسعى إلى هذا المقام، وهو تحرره من الطّباع الإنسيّة، وهي الّتي يحلو لهم، ولبعض من تأثّر بهم أن يسمّيها بالبهيمية: ومن أمثلتها: حبّ النّساء، شهوة التّملّك والاقتناء، حاجة المأكل والمشرب والملبس، فطرة الاجتماع والمدنيّة والعمران، وهي أمور بشرية فطرية لا يمكن للإنسان أن ينخلع منها، ولا أن تذهب عنه، لكن سعي الصوفيّ الدائم إلى التّحرر منها أوصله إلى الجنون، وهو الّذي لاحظه الإمام الشّافعي قديماً فيهم حين قال: لم يتصوّف رجل عاقل قط واتت عليه صلاة العصر إلاّ وهو مجنون، فالصّوفي يسعى إلى تحرره من الإرادة البشرية فيه، ولما دخلت الصّوفية إلى الإسلام فإنها حاولت أن تجد لها الدّليل الإسلامي لبدعتها هذه، لتستخدمه في نشر فكرتها وشعارها، فكان مذهب الجبر هو خير معين على ذلك، وخاصة حين صار الجبريّة، وهم الأشاعرة، هم أئمّة المسلمين في عصور التّخلّف والانحطاط، والأشاعرة يقولون بمذهب الكسب، وهو يعني احترام وجود إرادة قلبية للإنسان لكنه لا تأثير لها ولا قيمة لوجودها، أي إرادة غير مؤثّرة.
وإن شاء الله يكون في المقال القادم تفسير يوضّح أن دعاة التّصفية والتّربية، هم صوفية المنهج والطّريقة، بما لا يدع مجالاً للشّك عند الأخ المسلم المجاهد.
وللطّرافة فإن هذا السّلفيّ الصّوفي وهو الذي قلنا عنه في مقالات سابقة أنه سلفي مزعوم يلتقي مع الصّوفي في نقاط عمل كثيرة تجمع بين منهجيهما، ومن هذه النّقاط:
1 - الصّوفيّ شعاره: السّياسة تياسة (نسبة للتّيس وهو لفظ يطلق للدّلالة على الغباء)، والسّلفي المزعوم شعاره: من السّياسة ترك السّياسة (قالها السّلفي في بعض أشرطته)، فكلاهما يحرّم السّياسة على أتباعه، ويجعلها رجسا من عمل الشّيطان فاجتنبوه.
2 - الصّوفيّ شعاره: كلامنا إمّا فوق السّماء، و إما تحت الأرض، ويعني بها أنّ حديث الصوفي لا ينبغي أن يكون إلاّ في أمور الغيب (فوق السّماء: كالملائكة والعرش) وتحت الأرض (القبور والأموات)، وهو يدل على أنّه لا ينبغي للصّوفي أن يتحدّث في شئون الأحياء لأنّها تشتّت الهمّة، وتفرّق القلب، وتحبّب في الحياة الدُّنيا، والسّلفي المزعوم شعاره ودينه محاربة الأموات من أصحاب القبور، وأتباع البدع المنسيّة الغائبة.
3 - شعار السّلفي المزعوم المعاصر: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله (قالها محمد أبو شقرة، وهو سلفي مزعوم في كتابه "هي السّلفية")، والصوفي هو الّذي نشر في أمّتنا مقولة: قيصر هو ظلّ الله في الأرض، من أهان سلطان الله أهانه الله.