بسم الله الرحمن الرحيم
روى الإمام النّسائي وغيره بسند صحيح عن سلمة بن نفيل الكندي (من قبيلة كندة) رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أذال النّاس الخيل، ووضعوا السّلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: ((كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، وبرزقهم منهم حتّى تقوم السّاعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وإنّه يوحى إليّ أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشّام)).
(الرّجاء حفظ هذا الحديث لفائدته).
هذا الحديث جليل القدر عظيم الفائدة، فهو يدعو المسلم للخروج من هوى النّفس، وتضارب الآراء، وخاصّة في هذا الزّمان الذي خاض فيه النّاس بآرائهم، ورموا أفكارهم أمام أتباعهم ليقتاتوا منها، ظانّين أنّ ما يقولونه صواباً وحقّا، وظنّ من لا خبرة له بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطّلع عليها حقّ الإطّلاع والمعرفة أن المرء في هذا الزّمان بحاجة إلى جهد عقليّ شاقّ لاكتشاف الحقّ من بين المطروح على السّاحة الإسلامية من أفكار وأحزاب وتجمّعات، فهو متردّد ومتحيّر، وخاصّة أنّ العارضين أفكارهم يملكون سحر البيان، ويتفنّنون في تزيين أفكارهم ومناهجهم، ولكن هل فكّر هذا المتحيّر والمتردّد أن يعود إلى السنّة النبويّة الصّحيحة فيأخذ منها زاده؟ أو ليعرف منها الحقّ والهدى؟ هذا هو الواجب الشّرعيّ.
وهذا الذي نقوله ليس قولاً من الأقوال أو هو يحتمل قول المخالف، لا والله بل غيره هوىً وظنّ.
ونحن قد تكلّمنا عن وجوب دخول المرء في جماعة وحزب، وهذه ضرورة شرعيّة وعقليّة، وقد يسأل المرء الآن ما هي صفات الجماعة والحزب الّذي يملك الحقّ، وهو الذي يجب على المسلم أن ينتسب إليه ويدخل تحت لوائه؟:
الجماعة المطلوبة والحزب الشّرعيّ لا بدّ أن يكون حاملاً لمواصفات الطّائفة المنصورة الّتي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون جماعة حقّ وحزب هدى، وكلّ ما اقتربت الجماعة من هذه الصّفات كان وجوب طاعتها ألزم وأوجب، وكلّما كان الانتماء إليها أصوب وأهدى، والطّائفة المنصورة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث لم يتركها صلى الله عليه وسلم هملاً من غير بيان وشرح، بل كشفها بأشدّ بيان وأفضل تفصيل، فما هي صفات الطّائفة المنصورة من نصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
هذا الحديث المتقدّم يكشف لك صفتين من صفات الطّائفة المنصورة، ويجلّيهما لك أجلى بيان وأوضحه.
(1) الصّفة الأولى: لو أمعنت النّظر في الحديث المتقدّم - حديث سلمة رضي الله عنه - لرأيت سبب ورود الحديث هو أنّ جماعة أعلنوا توقّف الجهاد، فأذالوا الخيل (أي تركوها من غير عناية ولا تدريب) ووضعوا السّلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها. فسبب ورود الحديث هو إعلان توقّف القتال، وجاء الرّد حاسماً وقاطعاً لا يحتمل تأويلاً، فقد ردّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((كذبوا، الآن جاء دور القتال))، إذ القتال لم يتوقّف، وليس هناك سبب موجب لتوقّفه، أو إعلان انتهائه، وكيف ينتهي، وفي الأرض أقوام زاغت قلوبهم؟.
ثمّ مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم أقواماً أوفياء للقتال، ولم يذيلوا الخيل، ولم يضعوا السّلاح بل هم مقاتلون دوماً ومحاربون في كلّ حين: ((ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ)).
هكذا وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطّائفة المنصورة، وهكذا بيّن لأمّته، وإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل، فإذا جاء نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا بقي لغيره؟ وماذا عساه (أي غيره) أن يقول؟ إنّه لن يقول إلاّ باطلاً، كائناً من كان هذا الغير، سواءً كان هذا الغير ممّن ظنّ أنّ تجارة الورق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخله في الطّائفة المنصورة، أو كان هذا الغير يرى أن جعجعات المنبر تشفع له فتجعله من جماعة الحقّ والهدى.
نعم إنّ الطائفة المنصورة سبب ورود حديثها هو إعلان توقّف القتال، أو قول بعضهم في كلّ زمان وفي كلّ آن (إلاّ ما يأتي من زمن عيسى عليه السّلام مع يأجوج ومأجوج) أنّ هذا الزّمن لا قتال فيه ولا جهاد، أو كقول بعضهم هذا الزّمن: كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة، أو كقول بعضهم: كونوا أحلاس بيوتكم. وكلّها كلمات حقّ تنزل على معان باطلة، ومعان فاسدة.
إنّ أمر القتال هو أمر إلهيّ ليس لأحد أن يبطله، وإن رام أحد أن يزوره أو يماحكه فيكفيه ابتداءً أنّه لم يتشرّف بموقع له في الطّائفة المنصورة، بل هو مخذول ومن طائفة الخذلان، وسيبقى شاعراً أبد الدّهر أنّه مخذول ومهزوم، وأنّ الباطل بغطرسته أقوى من الحقّ والإسلام الذي يملكه.
إنّ طائفة الحقّ والنّصر هي طائفة تستشعر العزّة مع ضعفها، وتمتلك غنى القلب مع فقرها، قد تكون رثّة الثّياب، قليلة المتاع، فقيرة الحال، لكنّها وهي ترتفق أسلحتها، وتناجي خيولها هي منصورة بفضل الله وقوّته، وهذه الطّائفة (لا تزال) ولن تزول، ولا تتوقف، ولم تتوقّف، إذ أنّ المرء لا يتوقّف عن القتال وعن مناجاة الحرب وسجالها إلاّ من سلبت منه رجولته، بعد أن سلبت منه معان العزّة بهذا الدين العظيم، والطّائفة المنصورة ليست كذلك بإذن الله تعالى.
هذه هي الصّفة الأولى للطّائفة المنصورة، رضي من رضي وسخط من سخط، ومن سخط فليسخط على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقّ لن يضيره أن يعرض عنه أكثر النّاس.
(2) الصّفة الثّانية: في الحديث المتقدّم بيّن لنا الرّحيم بأمّته الشّفيق علينا موارد الاقتصاد والطّعام والغذاء والمال للطّائفة المنصورة: يقول صلى الله عليه وسلم: ((ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم السّاعة، وحتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد الله)).
إنّ ممّا يؤسف له أنّ عامّة التّنظيمات والجماعات الإسلامية، حتى الجهاديّة منها عندما يفكّرون بالمورد المالي، فإنّهم لا يخرجون عن تفكير أهل الباطل، أو أصحاب الدّنيا، فهم إمّا أن يبحثوا عن متبرّع محسن، أو يفرّغوا بعض أفرادهم للتّجارة والكسب، وهم بهذا جعلوا لأعدائهم عليهم سبيلاً، لأنّ هذه المنافذ لا يتقنها المسلم وخاصّة المجاهد، وعلى الخصوص في هذا الزّمان، حيث سيطر الكفر على هذه المنافذ، واحتاط منها حتّى لا يؤتى من قبلها، قد يستكثر علينا البعض طرح مثل هذا الموضوع، مع أنّه جدّ مهمٍّ وحيويّ، فالمال عصب الحياة، وقوامة الحياة عليه، قال تعالى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً}، فقد جعل الله المال للبشر قواماً لهم، إذ بدونه لا قوام لهم، وليس من المستغرب أبداً أن يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر، وفي هذا الموطن الخطير، إذ أنّه يقول للطّائفة المنصورة: إيّاكم ثمّ إيّاكم أن تخجلوا من الحقّ الّذي تعلمونه، وإيّاكم ثمّ إيّاكم أن تضعفوا أمام إرجاف النّاس عليكم: سيسمّيكم النّاس لصوصاً، كما سيسمّون جهادكم قتلاً وتخريباً، فلو أطعتموهم سيكون للكافرين عليكم قدرة وسبيلاً.
وأنا أستغرب من أولئك الذين يدعون النّاس للجهاد والقتال في سبيل الله، ثمّ يطلبون منهم أن يكتسبوا عيشهم من الوظيفة (وهي عبوديّة ورق القرن العشرين كما سمّاها العقّاد)، أو يطلبون منهم أن يكتسبوا عيشهم بالتّجارة الّتي ستأخذ جلّ وعامّة وقتهم.
على المسلم أن لا يخجل من الحقّ الذي يملكه أمام ضغط الباطل وتشويهه للحقائق. أيها الاخوة المجاهدون: ظنّ بعض الجهلة أنّ قانون الغنيمة والفيء قد تغيّر هذه الأيّام، وهؤلاء كذّابون جهلة، فقانون الغنيمة - حيث يسلب العدوّ من عدوّه - مازال قائماً وإلى الآن، وإلاّ فخبّرونا عن هذا الشّيء الذي تسمعونه في الخليج؟ ماذا تسمّونه؟ هل هو كما يسمّونه أجرة ومقايضة؟، حيث يدفع للجنديّ الغربيّ أكثر من ثلاثين دولاراً في السّاعة الواحدة، أجرة بدون طعامه وشرابه، وتنعّمه وفراشه، وبدون ثمن الآلات والمعدّات، وبدون الوقود وما شابه ذلك؟ هذا الشّيء الذي ترونه في البوسنة والهرسك ماذا يسمّى؟.
خبّرونا إن كان بقي في وجوه أصحاب التّقوى الباردة بقيّة حياء أهذا كلّه مشروع، ولكنّ ما يفعله المجاهد في الجزائر جريمة وشنار؟.
ثمّ عرّفونا يا أصحاب المعرفة أي طريق يعيش المسلم اليوم ليكتسب رزقه ولا يصيب مالاً حراماً؟ وهل ما زال أطيب الطّعام وأنقى المال هو مال الغنيمة والفيء؟.
إنّ من العار أن نخجل من حقّنا، وغيرنا في باطله يتغطرس ويتبجّح، وليعلم الجميع أنّ من صفات الطائفة المنصورة أنّها تأكل من مال من أزاغهم الله تعالى، شاء من شاء أو أبى من أبى والله الموفّق.
روى الإمام النّسائي وغيره بسند صحيح عن سلمة بن نفيل الكندي (من قبيلة كندة) رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أذال النّاس الخيل، ووضعوا السّلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: ((كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، وبرزقهم منهم حتّى تقوم السّاعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وإنّه يوحى إليّ أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشّام)).
(الرّجاء حفظ هذا الحديث لفائدته).
هذا الحديث جليل القدر عظيم الفائدة، فهو يدعو المسلم للخروج من هوى النّفس، وتضارب الآراء، وخاصّة في هذا الزّمان الذي خاض فيه النّاس بآرائهم، ورموا أفكارهم أمام أتباعهم ليقتاتوا منها، ظانّين أنّ ما يقولونه صواباً وحقّا، وظنّ من لا خبرة له بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطّلع عليها حقّ الإطّلاع والمعرفة أن المرء في هذا الزّمان بحاجة إلى جهد عقليّ شاقّ لاكتشاف الحقّ من بين المطروح على السّاحة الإسلامية من أفكار وأحزاب وتجمّعات، فهو متردّد ومتحيّر، وخاصّة أنّ العارضين أفكارهم يملكون سحر البيان، ويتفنّنون في تزيين أفكارهم ومناهجهم، ولكن هل فكّر هذا المتحيّر والمتردّد أن يعود إلى السنّة النبويّة الصّحيحة فيأخذ منها زاده؟ أو ليعرف منها الحقّ والهدى؟ هذا هو الواجب الشّرعيّ.
وهذا الذي نقوله ليس قولاً من الأقوال أو هو يحتمل قول المخالف، لا والله بل غيره هوىً وظنّ.
ونحن قد تكلّمنا عن وجوب دخول المرء في جماعة وحزب، وهذه ضرورة شرعيّة وعقليّة، وقد يسأل المرء الآن ما هي صفات الجماعة والحزب الّذي يملك الحقّ، وهو الذي يجب على المسلم أن ينتسب إليه ويدخل تحت لوائه؟:
الجماعة المطلوبة والحزب الشّرعيّ لا بدّ أن يكون حاملاً لمواصفات الطّائفة المنصورة الّتي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون جماعة حقّ وحزب هدى، وكلّ ما اقتربت الجماعة من هذه الصّفات كان وجوب طاعتها ألزم وأوجب، وكلّما كان الانتماء إليها أصوب وأهدى، والطّائفة المنصورة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث لم يتركها صلى الله عليه وسلم هملاً من غير بيان وشرح، بل كشفها بأشدّ بيان وأفضل تفصيل، فما هي صفات الطّائفة المنصورة من نصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
هذا الحديث المتقدّم يكشف لك صفتين من صفات الطّائفة المنصورة، ويجلّيهما لك أجلى بيان وأوضحه.
(1) الصّفة الأولى: لو أمعنت النّظر في الحديث المتقدّم - حديث سلمة رضي الله عنه - لرأيت سبب ورود الحديث هو أنّ جماعة أعلنوا توقّف الجهاد، فأذالوا الخيل (أي تركوها من غير عناية ولا تدريب) ووضعوا السّلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها. فسبب ورود الحديث هو إعلان توقّف القتال، وجاء الرّد حاسماً وقاطعاً لا يحتمل تأويلاً، فقد ردّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((كذبوا، الآن جاء دور القتال))، إذ القتال لم يتوقّف، وليس هناك سبب موجب لتوقّفه، أو إعلان انتهائه، وكيف ينتهي، وفي الأرض أقوام زاغت قلوبهم؟.
ثمّ مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم أقواماً أوفياء للقتال، ولم يذيلوا الخيل، ولم يضعوا السّلاح بل هم مقاتلون دوماً ومحاربون في كلّ حين: ((ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ)).
هكذا وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطّائفة المنصورة، وهكذا بيّن لأمّته، وإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل، فإذا جاء نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا بقي لغيره؟ وماذا عساه (أي غيره) أن يقول؟ إنّه لن يقول إلاّ باطلاً، كائناً من كان هذا الغير، سواءً كان هذا الغير ممّن ظنّ أنّ تجارة الورق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخله في الطّائفة المنصورة، أو كان هذا الغير يرى أن جعجعات المنبر تشفع له فتجعله من جماعة الحقّ والهدى.
نعم إنّ الطائفة المنصورة سبب ورود حديثها هو إعلان توقّف القتال، أو قول بعضهم في كلّ زمان وفي كلّ آن (إلاّ ما يأتي من زمن عيسى عليه السّلام مع يأجوج ومأجوج) أنّ هذا الزّمن لا قتال فيه ولا جهاد، أو كقول بعضهم هذا الزّمن: كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة، أو كقول بعضهم: كونوا أحلاس بيوتكم. وكلّها كلمات حقّ تنزل على معان باطلة، ومعان فاسدة.
إنّ أمر القتال هو أمر إلهيّ ليس لأحد أن يبطله، وإن رام أحد أن يزوره أو يماحكه فيكفيه ابتداءً أنّه لم يتشرّف بموقع له في الطّائفة المنصورة، بل هو مخذول ومن طائفة الخذلان، وسيبقى شاعراً أبد الدّهر أنّه مخذول ومهزوم، وأنّ الباطل بغطرسته أقوى من الحقّ والإسلام الذي يملكه.
إنّ طائفة الحقّ والنّصر هي طائفة تستشعر العزّة مع ضعفها، وتمتلك غنى القلب مع فقرها، قد تكون رثّة الثّياب، قليلة المتاع، فقيرة الحال، لكنّها وهي ترتفق أسلحتها، وتناجي خيولها هي منصورة بفضل الله وقوّته، وهذه الطّائفة (لا تزال) ولن تزول، ولا تتوقف، ولم تتوقّف، إذ أنّ المرء لا يتوقّف عن القتال وعن مناجاة الحرب وسجالها إلاّ من سلبت منه رجولته، بعد أن سلبت منه معان العزّة بهذا الدين العظيم، والطّائفة المنصورة ليست كذلك بإذن الله تعالى.
هذه هي الصّفة الأولى للطّائفة المنصورة، رضي من رضي وسخط من سخط، ومن سخط فليسخط على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقّ لن يضيره أن يعرض عنه أكثر النّاس.
(2) الصّفة الثّانية: في الحديث المتقدّم بيّن لنا الرّحيم بأمّته الشّفيق علينا موارد الاقتصاد والطّعام والغذاء والمال للطّائفة المنصورة: يقول صلى الله عليه وسلم: ((ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم السّاعة، وحتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد الله)).
إنّ ممّا يؤسف له أنّ عامّة التّنظيمات والجماعات الإسلامية، حتى الجهاديّة منها عندما يفكّرون بالمورد المالي، فإنّهم لا يخرجون عن تفكير أهل الباطل، أو أصحاب الدّنيا، فهم إمّا أن يبحثوا عن متبرّع محسن، أو يفرّغوا بعض أفرادهم للتّجارة والكسب، وهم بهذا جعلوا لأعدائهم عليهم سبيلاً، لأنّ هذه المنافذ لا يتقنها المسلم وخاصّة المجاهد، وعلى الخصوص في هذا الزّمان، حيث سيطر الكفر على هذه المنافذ، واحتاط منها حتّى لا يؤتى من قبلها، قد يستكثر علينا البعض طرح مثل هذا الموضوع، مع أنّه جدّ مهمٍّ وحيويّ، فالمال عصب الحياة، وقوامة الحياة عليه، قال تعالى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً}، فقد جعل الله المال للبشر قواماً لهم، إذ بدونه لا قوام لهم، وليس من المستغرب أبداً أن يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر، وفي هذا الموطن الخطير، إذ أنّه يقول للطّائفة المنصورة: إيّاكم ثمّ إيّاكم أن تخجلوا من الحقّ الّذي تعلمونه، وإيّاكم ثمّ إيّاكم أن تضعفوا أمام إرجاف النّاس عليكم: سيسمّيكم النّاس لصوصاً، كما سيسمّون جهادكم قتلاً وتخريباً، فلو أطعتموهم سيكون للكافرين عليكم قدرة وسبيلاً.
وأنا أستغرب من أولئك الذين يدعون النّاس للجهاد والقتال في سبيل الله، ثمّ يطلبون منهم أن يكتسبوا عيشهم من الوظيفة (وهي عبوديّة ورق القرن العشرين كما سمّاها العقّاد)، أو يطلبون منهم أن يكتسبوا عيشهم بالتّجارة الّتي ستأخذ جلّ وعامّة وقتهم.
على المسلم أن لا يخجل من الحقّ الذي يملكه أمام ضغط الباطل وتشويهه للحقائق. أيها الاخوة المجاهدون: ظنّ بعض الجهلة أنّ قانون الغنيمة والفيء قد تغيّر هذه الأيّام، وهؤلاء كذّابون جهلة، فقانون الغنيمة - حيث يسلب العدوّ من عدوّه - مازال قائماً وإلى الآن، وإلاّ فخبّرونا عن هذا الشّيء الذي تسمعونه في الخليج؟ ماذا تسمّونه؟ هل هو كما يسمّونه أجرة ومقايضة؟، حيث يدفع للجنديّ الغربيّ أكثر من ثلاثين دولاراً في السّاعة الواحدة، أجرة بدون طعامه وشرابه، وتنعّمه وفراشه، وبدون ثمن الآلات والمعدّات، وبدون الوقود وما شابه ذلك؟ هذا الشّيء الذي ترونه في البوسنة والهرسك ماذا يسمّى؟.
خبّرونا إن كان بقي في وجوه أصحاب التّقوى الباردة بقيّة حياء أهذا كلّه مشروع، ولكنّ ما يفعله المجاهد في الجزائر جريمة وشنار؟.
ثمّ عرّفونا يا أصحاب المعرفة أي طريق يعيش المسلم اليوم ليكتسب رزقه ولا يصيب مالاً حراماً؟ وهل ما زال أطيب الطّعام وأنقى المال هو مال الغنيمة والفيء؟.
إنّ من العار أن نخجل من حقّنا، وغيرنا في باطله يتغطرس ويتبجّح، وليعلم الجميع أنّ من صفات الطائفة المنصورة أنّها تأكل من مال من أزاغهم الله تعالى، شاء من شاء أو أبى من أبى والله الموفّق.