بسم الله الرحمن الرحيم
وعدنا في المقال السّابق أن نتكلّم عن التّصوّر الصّحيح لمفهوم التّصفية والتّربية عند أهله وأصحابه، وكيف هو في حقيقته صورة جديدة للصّوفية في مفهومها للتّربية، وقبل أن نستعرض هذا المفهوم بخطئه الواقع فيه، علينا أن نتكلّم عن مفهوم التّربية في الطّرح السننيّ المهتدي، كما هو مفهوم من الكتاب والسنّة، ثمّ بعد ذلك نرى قرب الفهم الجديد لهذا المفهوم السننيّ المهتدي. التّربية في الكتاب والسنّة:
قال تعالى: {هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} الجمعة. فهذه الآيات ومثلها الّتي في البقرة (129) وآل عمران (164)، تدلّ على أن عنوان البعثة النّبوية هي تحقيق التّزكية في نفوس أتباع الشّريعة المهديّة، والتزكية هي التطهير، وهي البراءة عن النّقائص واجتناب الرّذائل، ومجمل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مجموعة في الآية السّابقة: وهي:
1 - تلاوة الحقّ على النّاس/ البلاغ.
2 - التّزكية / التطهير / التربية.
3 - تعليم الكتاب والسنّة / الفقه.
وقد علم الطالب المبتدئ في ديننا الحقّ أن الإسلام هو استماع الحقّ، ومعرفته والعمل به، أي: استماع- علم- عمل. وهي نفسها المذكورة في الآية تلاوة وتعليم وعمل. وقيام العلم في الإنسان دون العمل مذموم في الكتاب والسّنة، كذلك قيام العمل دون العلم مذموم في الكتاب والسنّة، وأدلة ذلك مبسوطة في كتب العلم المشتهرة.
فما هي التّزكية إذاً كما تقدم؟. صلى الله عليه وسلمإنّها ممارسة الأمر.
ومعنى ذلك أن المتبع لهدي الإسلام هو مَن تربّى وتزكّى بامتثاله لأمر الله تعالى، ومثاله أنّ من أراد تربية نفسه وتزكيتها فعليه أن يطبق أمر الله تعالى، ومعلوم أن كلّ أمر له أثر تربوي خاصّ به، فللصّلاة أثر تربويّ لا يحدثه الصّيام، كما للصّيام أثر تربوي لا تحدثه الصّلاة، وللزّكاة أثر تربويّ لا يحدثه الصيام ولا الصّلاة، وهكذا.
فالتّربية تقع من الإنسان حين يمتثل أمر الله تعالى ويطبّقه في نفسه، ومع أن هذا الكلام مفهوم ومعقول ويكاد يكون من السّذاجة أن نذكره، ولكن ماذا نصنع إن طرح النّاس مفهوماً جديداً للتَربية؟!!.
ما هو المفهوم البدعيّ للتّربية؟.
التّربية في أذهان بعضهم هي مرحلة تسبق تطبيق الأمر. فالمرء يحتاج إلى فترة سابقة حتّى يصل إلى مرحلة ما (أختلف عليها) فيصبح بعد ذلك مربّياً ليستحقّ بعد ذلك الدّخول في الأمر الإلهي وتطبيقه.
وسئل بعض هؤلاء القوم إلى الدّرجة التي يمكن لنا أن نسمّي عندها المسلم: مربّياً؟.
فأجاب غير مشكور: لقد شغلني هذا السؤال كثيراً، وتساءلت مرارا: ما هي الحالة الّتي ينبغي أن نسعى إليها ونتوقّف عندها حتّى نَشْرع بالجهاد القتاليّ، فهُديت إليه. قال هذا السّلفي المزعوم (وهو “عدنان عرعور”): هو أن نصل إلى درجة ذلك الصّحابيّ الّذي قدم زوجته للآخر عن طيب نفس. ا. هـ. وهو يشير إلى هذه الحادثة المذكورة في صحيح البخاريّ بين المهاجر والأنصاري رضي الله عنهما؟. فهؤلاء كما ترون يطرحون التّربية كمرحلة تسبق تطبيق الأمر الإلهي، والحقّ الذي قدّمناه؛ أن التّربية هي تطبيق الأمر الإلهيّ نفسه.
والملاحظ على هذه الطريقة من التّفكير النّقاط التّالية:
1 - أن هذا الخطاب المتقدّم يقرّ به على الإجمال أصحاب التّربية المعاصرة، فإنّهم يقولون إنّ مرحلة التّربية تتمّ عن طريق الأعمال الصّالحة من صلاة وصوم وذكر وقيام وأعمال صالحة أخرى، لكنّهم حين يكون الأمر يتعلّق بالجهاد من اجل إقامة الحق الإلهيّ في الأرض، فإنّهم ينتكسون ويقولون أن على المسلمين أن يتربوا قبل أن يجاهدوا، والسّؤال الموجّه إليهم: لو قال لكم قائل: على المسلمين أن يتربّوا قبل أن يصلّوا، أو عليهم أن يتربّوا قبل أن يصوموا، فماذا سيكون الجواب؟ قطعا سيقول السّامع: إنّ هذا الكلام يهرف به صاحبه ولا يعقل ما يقول، لأنّ الصّلاة هي نفسها تربية، وكذلك الصّيام، وكذلك الزّكاة، وجميع الأعمال الصّالحة، فلماذا يختلف الأمر حين يكون الحديث عن الجهاد؟.
أليس الجهاد هو أعظم مسالك التّربية؟.
وهل الجهاد إلا مرحلة من مراحل إعداد المرء المؤمن لدخول الجنان يوم لقاء الله تعالى؟.
أليس في الجهاد فتنة للنّفوس لتتخلّص من حبّ الدّنيا ومن الأنانيّة؟.
أليس في الجهاد يحصل أعظم درجات التّوكّل واليقين على موعود الله تعالى؟.
وعلى هذا فالتّربية بتطبيق الأمر الإلهي بالجهاد وليست هي مرحلة تسبق الجهاد في سبيل الله تعالى.
وقد يقتنص بعضهم حادثة أو حوادث من ممارسات المجاهدين غير المنضبطة ليتّخذها ذريعة على قوله، فإنّه قد يقع بعض المجاهدين في بعض الأخطاء الشّرعية، وهذا أمر يقع في كلّ التّجمّعات (حتى التّجمّع من أجل صلاة الجماعة)، فيسارع هؤلاء المنفلتون من المصحّات العقلية في تضخيم الحدث، وتسويقه بين النّاس، وإشاعته عن المجاهدين حتّى ينفر النّاس منهم، وليدلّلوا بهذا الحدث أو الحوادث على صواب رأيهم أن الأمّة لم تبلغ بعدُ المرحلة الّتي ينبغي أن تجاهد عندها.
والجواب على هذه التّصوّرات القبيحة الّتي يقع بها هؤلاء من وجوه، أهمّها:
أولاً: من المعلوم في علوم أهل السنّة أنه قد يجمع الرّجل الواحد إيماناً وضلالاً، صلاحاً وفساداً في آن واحد، لأنّ الإيمان عندنا يتجزّأ، وعلى هذا فقد يجتمع في الرّجل المسلم المجاهد بعض الصّفات المذمومة، وهذا واقع في كلّ أطوار البشرية وفي كلّ تجمّعاتها. فما هو السّبيل الحقّ في معالجة هذه الحالة؟.
أهل الانحراف من أصحاب مفهوم التّربية العصريّة يطرحون الأسلوب التّالي وهو: أنّه ينبغي على الشّخص أن يترك الجهاد (الخير) حتى يتخلّص من الشّر.
وعلى قاعدتهم هذه فإنّ من جمع ضلالاً وصلاحاً فالواجب عليه أن يترك الصّلاح فيه حتى يذهب الباطل فيه؟!!، وهو قول يكفي أن يردّه العاقل حين تصوّره له.
وأمّا الحكم الشّرعي في هذه الواقعة: فهو تثبيت الحقّ لديه ودعمه وتجذيره، مع محاولة تقويمه وإرشاده بالإقلاع عن الباطل الذي لديه.
ثانياً: لو أردنا أن نقتنص السيّئات في هذه التّجمعات التي تزعم التّربية المعاصرة أو نعدّه عليهم لملأت الكراريس والدّفاتر، وحينئذٍ فسيّئاتهم تكون مضعّفة لأنّهم يزعمون التّربية بخلاف غيرهم.
ثالثاً: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون))، وعصمة الأفراد والتجمّعات من الأخطاء لن تكون في هذه الدّنيا.
2 - أن التّربية ليست مرحلة زمنيّة ثمّ تنتهي، بل هي تزكية للنّفس حتّى الممات، ولا تتوقّف عند حدٍّ معيّن كما هي في الدّين الصّوفي كما سنبيّن، فهؤلاء حين يتصوّرون أن إقامة الإسلام يتمّ عن طريق تربية النّفس التي تسبق هذه الإقامة هم مخالفون لأبجديّات هذا الدّين العظيم.
أين هذا من دين الصّوفيّة؟.
قال الصوفي في تفسير قوله تعالى: {واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين}، قال: اليقين هو المعرفة وعلى هذا فإنّ الصّوفي يسمّى سالكاً مادام لم يصل إلى درجة اليقين، وهي عنده تعني الوصول للحظة الكشف والجذبة، كما هو عند السّلفي المزعوم: الوصول إلى درجة أن يقدّم المسلم زوجته لأخيه المسلم، وحين يصبح الصّوفيّ واصلاً فإنّه حينئذً يكون معرّضا للجذبات الإلهية (وهي في الحقيقة شيطانية)، بل وحينها تسقط عنه التّكاليف الإلهية، لأنّ مأمور بها الإنسان حتى يصل درجة اليقين، وأمّا بعدها فلا.
فالصّوفي لا بدّ أن يسلك حتّى يصل، والسّلفي المزعوم يتربّى حتّى يصل، ونحن على العتبات ننتظر.
وللتّذكير الذي لا بدّ منه أن بعضهم كالدّكتور صلاح الصّاوي قد طوّر مفهوم التّربية الفاسد هذا فطبّقه على جانب التّحضير لحصول الغلبة والظّفر، فقال إنّه لا يجوز للجماعة المسلمة أن تشرع بقتال الطّوائف الحاكمة في بلادنا حتى تستكمل أدوات الغلبة والظّفر، وذهب بعضهم بعيدا حتّى قال: علينا أن لا نجاهد حتّى نجهّز كلّ شيء حتّى نصل إلى درجة تحضير الوزراء بحقائبهم على باب الوزارات (وينسب هذا القول لمحمد سرور زين العابدين وقد سُمِعت قريبا من هذه العبارات من بعض القريبين منه).
وجزماً هؤلاء يفكّرون بعقليّة أهل القمر، وليس بعقلية أهل النّاس والبشر، وسيؤدي بهم قولهم هذا (الممتنع وجوده قدرا) إلى اليأس من العمل الجهادي وحصوله، وبالتّالي إلى شتم العنب (كما حصل للثّعلب حين عجز عن الوصول إلى العنب لعلوّه عن قدرته فذهب يشتمه).
وعدنا في المقال السّابق أن نتكلّم عن التّصوّر الصّحيح لمفهوم التّصفية والتّربية عند أهله وأصحابه، وكيف هو في حقيقته صورة جديدة للصّوفية في مفهومها للتّربية، وقبل أن نستعرض هذا المفهوم بخطئه الواقع فيه، علينا أن نتكلّم عن مفهوم التّربية في الطّرح السننيّ المهتدي، كما هو مفهوم من الكتاب والسنّة، ثمّ بعد ذلك نرى قرب الفهم الجديد لهذا المفهوم السننيّ المهتدي. التّربية في الكتاب والسنّة:
قال تعالى: {هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} الجمعة. فهذه الآيات ومثلها الّتي في البقرة (129) وآل عمران (164)، تدلّ على أن عنوان البعثة النّبوية هي تحقيق التّزكية في نفوس أتباع الشّريعة المهديّة، والتزكية هي التطهير، وهي البراءة عن النّقائص واجتناب الرّذائل، ومجمل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مجموعة في الآية السّابقة: وهي:
1 - تلاوة الحقّ على النّاس/ البلاغ.
2 - التّزكية / التطهير / التربية.
3 - تعليم الكتاب والسنّة / الفقه.
وقد علم الطالب المبتدئ في ديننا الحقّ أن الإسلام هو استماع الحقّ، ومعرفته والعمل به، أي: استماع- علم- عمل. وهي نفسها المذكورة في الآية تلاوة وتعليم وعمل. وقيام العلم في الإنسان دون العمل مذموم في الكتاب والسّنة، كذلك قيام العمل دون العلم مذموم في الكتاب والسنّة، وأدلة ذلك مبسوطة في كتب العلم المشتهرة.
فما هي التّزكية إذاً كما تقدم؟. صلى الله عليه وسلمإنّها ممارسة الأمر.
ومعنى ذلك أن المتبع لهدي الإسلام هو مَن تربّى وتزكّى بامتثاله لأمر الله تعالى، ومثاله أنّ من أراد تربية نفسه وتزكيتها فعليه أن يطبق أمر الله تعالى، ومعلوم أن كلّ أمر له أثر تربوي خاصّ به، فللصّلاة أثر تربويّ لا يحدثه الصّيام، كما للصّيام أثر تربوي لا تحدثه الصّلاة، وللزّكاة أثر تربويّ لا يحدثه الصيام ولا الصّلاة، وهكذا.
فالتّربية تقع من الإنسان حين يمتثل أمر الله تعالى ويطبّقه في نفسه، ومع أن هذا الكلام مفهوم ومعقول ويكاد يكون من السّذاجة أن نذكره، ولكن ماذا نصنع إن طرح النّاس مفهوماً جديداً للتَربية؟!!.
ما هو المفهوم البدعيّ للتّربية؟.
التّربية في أذهان بعضهم هي مرحلة تسبق تطبيق الأمر. فالمرء يحتاج إلى فترة سابقة حتّى يصل إلى مرحلة ما (أختلف عليها) فيصبح بعد ذلك مربّياً ليستحقّ بعد ذلك الدّخول في الأمر الإلهي وتطبيقه.
وسئل بعض هؤلاء القوم إلى الدّرجة التي يمكن لنا أن نسمّي عندها المسلم: مربّياً؟.
فأجاب غير مشكور: لقد شغلني هذا السؤال كثيراً، وتساءلت مرارا: ما هي الحالة الّتي ينبغي أن نسعى إليها ونتوقّف عندها حتّى نَشْرع بالجهاد القتاليّ، فهُديت إليه. قال هذا السّلفي المزعوم (وهو “عدنان عرعور”): هو أن نصل إلى درجة ذلك الصّحابيّ الّذي قدم زوجته للآخر عن طيب نفس. ا. هـ. وهو يشير إلى هذه الحادثة المذكورة في صحيح البخاريّ بين المهاجر والأنصاري رضي الله عنهما؟. فهؤلاء كما ترون يطرحون التّربية كمرحلة تسبق تطبيق الأمر الإلهي، والحقّ الذي قدّمناه؛ أن التّربية هي تطبيق الأمر الإلهيّ نفسه.
والملاحظ على هذه الطريقة من التّفكير النّقاط التّالية:
1 - أن هذا الخطاب المتقدّم يقرّ به على الإجمال أصحاب التّربية المعاصرة، فإنّهم يقولون إنّ مرحلة التّربية تتمّ عن طريق الأعمال الصّالحة من صلاة وصوم وذكر وقيام وأعمال صالحة أخرى، لكنّهم حين يكون الأمر يتعلّق بالجهاد من اجل إقامة الحق الإلهيّ في الأرض، فإنّهم ينتكسون ويقولون أن على المسلمين أن يتربوا قبل أن يجاهدوا، والسّؤال الموجّه إليهم: لو قال لكم قائل: على المسلمين أن يتربّوا قبل أن يصلّوا، أو عليهم أن يتربّوا قبل أن يصوموا، فماذا سيكون الجواب؟ قطعا سيقول السّامع: إنّ هذا الكلام يهرف به صاحبه ولا يعقل ما يقول، لأنّ الصّلاة هي نفسها تربية، وكذلك الصّيام، وكذلك الزّكاة، وجميع الأعمال الصّالحة، فلماذا يختلف الأمر حين يكون الحديث عن الجهاد؟.
أليس الجهاد هو أعظم مسالك التّربية؟.
وهل الجهاد إلا مرحلة من مراحل إعداد المرء المؤمن لدخول الجنان يوم لقاء الله تعالى؟.
أليس في الجهاد فتنة للنّفوس لتتخلّص من حبّ الدّنيا ومن الأنانيّة؟.
أليس في الجهاد يحصل أعظم درجات التّوكّل واليقين على موعود الله تعالى؟.
وعلى هذا فالتّربية بتطبيق الأمر الإلهي بالجهاد وليست هي مرحلة تسبق الجهاد في سبيل الله تعالى.
وقد يقتنص بعضهم حادثة أو حوادث من ممارسات المجاهدين غير المنضبطة ليتّخذها ذريعة على قوله، فإنّه قد يقع بعض المجاهدين في بعض الأخطاء الشّرعية، وهذا أمر يقع في كلّ التّجمّعات (حتى التّجمّع من أجل صلاة الجماعة)، فيسارع هؤلاء المنفلتون من المصحّات العقلية في تضخيم الحدث، وتسويقه بين النّاس، وإشاعته عن المجاهدين حتّى ينفر النّاس منهم، وليدلّلوا بهذا الحدث أو الحوادث على صواب رأيهم أن الأمّة لم تبلغ بعدُ المرحلة الّتي ينبغي أن تجاهد عندها.
والجواب على هذه التّصوّرات القبيحة الّتي يقع بها هؤلاء من وجوه، أهمّها:
أولاً: من المعلوم في علوم أهل السنّة أنه قد يجمع الرّجل الواحد إيماناً وضلالاً، صلاحاً وفساداً في آن واحد، لأنّ الإيمان عندنا يتجزّأ، وعلى هذا فقد يجتمع في الرّجل المسلم المجاهد بعض الصّفات المذمومة، وهذا واقع في كلّ أطوار البشرية وفي كلّ تجمّعاتها. فما هو السّبيل الحقّ في معالجة هذه الحالة؟.
أهل الانحراف من أصحاب مفهوم التّربية العصريّة يطرحون الأسلوب التّالي وهو: أنّه ينبغي على الشّخص أن يترك الجهاد (الخير) حتى يتخلّص من الشّر.
وعلى قاعدتهم هذه فإنّ من جمع ضلالاً وصلاحاً فالواجب عليه أن يترك الصّلاح فيه حتى يذهب الباطل فيه؟!!، وهو قول يكفي أن يردّه العاقل حين تصوّره له.
وأمّا الحكم الشّرعي في هذه الواقعة: فهو تثبيت الحقّ لديه ودعمه وتجذيره، مع محاولة تقويمه وإرشاده بالإقلاع عن الباطل الذي لديه.
ثانياً: لو أردنا أن نقتنص السيّئات في هذه التّجمعات التي تزعم التّربية المعاصرة أو نعدّه عليهم لملأت الكراريس والدّفاتر، وحينئذٍ فسيّئاتهم تكون مضعّفة لأنّهم يزعمون التّربية بخلاف غيرهم.
ثالثاً: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون))، وعصمة الأفراد والتجمّعات من الأخطاء لن تكون في هذه الدّنيا.
2 - أن التّربية ليست مرحلة زمنيّة ثمّ تنتهي، بل هي تزكية للنّفس حتّى الممات، ولا تتوقّف عند حدٍّ معيّن كما هي في الدّين الصّوفي كما سنبيّن، فهؤلاء حين يتصوّرون أن إقامة الإسلام يتمّ عن طريق تربية النّفس التي تسبق هذه الإقامة هم مخالفون لأبجديّات هذا الدّين العظيم.
أين هذا من دين الصّوفيّة؟.
قال الصوفي في تفسير قوله تعالى: {واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين}، قال: اليقين هو المعرفة وعلى هذا فإنّ الصّوفي يسمّى سالكاً مادام لم يصل إلى درجة اليقين، وهي عنده تعني الوصول للحظة الكشف والجذبة، كما هو عند السّلفي المزعوم: الوصول إلى درجة أن يقدّم المسلم زوجته لأخيه المسلم، وحين يصبح الصّوفيّ واصلاً فإنّه حينئذً يكون معرّضا للجذبات الإلهية (وهي في الحقيقة شيطانية)، بل وحينها تسقط عنه التّكاليف الإلهية، لأنّ مأمور بها الإنسان حتى يصل درجة اليقين، وأمّا بعدها فلا.
فالصّوفي لا بدّ أن يسلك حتّى يصل، والسّلفي المزعوم يتربّى حتّى يصل، ونحن على العتبات ننتظر.
وللتّذكير الذي لا بدّ منه أن بعضهم كالدّكتور صلاح الصّاوي قد طوّر مفهوم التّربية الفاسد هذا فطبّقه على جانب التّحضير لحصول الغلبة والظّفر، فقال إنّه لا يجوز للجماعة المسلمة أن تشرع بقتال الطّوائف الحاكمة في بلادنا حتى تستكمل أدوات الغلبة والظّفر، وذهب بعضهم بعيدا حتّى قال: علينا أن لا نجاهد حتّى نجهّز كلّ شيء حتّى نصل إلى درجة تحضير الوزراء بحقائبهم على باب الوزارات (وينسب هذا القول لمحمد سرور زين العابدين وقد سُمِعت قريبا من هذه العبارات من بعض القريبين منه).
وجزماً هؤلاء يفكّرون بعقليّة أهل القمر، وليس بعقلية أهل النّاس والبشر، وسيؤدي بهم قولهم هذا (الممتنع وجوده قدرا) إلى اليأس من العمل الجهادي وحصوله، وبالتّالي إلى شتم العنب (كما حصل للثّعلب حين عجز عن الوصول إلى العنب لعلوّه عن قدرته فذهب يشتمه).