بسم الله الرحمن الرحيم
تكلّمنا في الحصّة قبل السّابقة عن بعض صفات الطّائفة المنصورة، وكان ما كان من أمر العدد السّابق فها نحن نعود إلى تتمّة المراد من حديثنا عن هذه الطّائفة المباركة.
قلنا في تلك الحصّة أنّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي له الحقّ فقط أن يكشف عن صفات الطّائفة المنصورة، وقد تبيّن لنا أنّ سبب ورود الحديث - حديث الطّائفة - هو الرّد على معطّلي الجهاد، ومن هنا يظهر أنّ الطّائفة المقصودة شرطها اللازم هو القتال. وهناك أحاديث أخرى غير حديث سلمة بن نفيل الكندي تذكّر هذا الأمر وتؤكّد عليه، ومنها حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمّة)) رواه مسلم.
ومنها حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يبرح هذا الدّين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتّى تقوم السّاعة)) رواه مسلم.
وأحاديث أخرى غيرها، كلّها تشير إلى هذا الأمر وتؤكّده، وتنفي أيّ فهم آخر لهذا الحديث العظيم.
وقد وجد بعض القوم ممن يتشبّث بكلام بعض الأئمّة في تفسير هذا الحديث، حيث أنّ جماعة من الأئمّة الهداة أمثال عبد الله بن المبارك، وعليّ بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ومحمّد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجّاج سئلوا عن المراد بهذه الطّائفة فأجابوا بالجزم أنّهم أهل الحديث. فهل ما قالوه حقّا، أم أنّهم أخطأوا (والخطأ في حقّهم جائز)؟ فإذا أصابوا فما المقصود بقولهم: أهل الحديث؟.
إنّني أعتقد جازماً أنّ ما قالوه هو الحقّ والصّواب، وأنّهم هدوا إلى معرفة المراد بهذا الحديث، فأهل الحديث هم خير أهل الأرض في كلّ زمان، وأهل الحديث هم على الجادّة التي يتمّ بها وعليها النّجاة، بهم حفظ الله تعالى دينه، ومناهجهم هي الأهدى والأتبع لمنهج خير القرون المشهود لها بالخيرية حيث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (خير النّاس قرني). وحيث تبيّن لنا هذا فلماذا قال هذا الجمع من الأئمّة أنهم: أهل الحديث؟.
وما المقصود بهذا المصطلح؟.
وقبل أن أخوض في كشف المراد من هذا المصطلح فلا بدّ أن أعرّج ولو قليلاً على بعض الأفهام السّقيمة، والطّروح العليلة في تفسير هذا المصطلح.
ظنّ بعض الأغمار وبعض الصّبية أن المقصود بهذا الحديث هم الذين يشتغلون بفن علم الحديث، دراسة وتحقيقاً وتخريجاً، وعلى هذا فإنّهم قصروه على أولئك الكتبة، وبعض تجّار الورق الذين اشتغلوا بهذا الفن، وهذا العمل وهذا الذي قالوه بين الخطأ والانحراف، وخطأ هذا التّفسير ظاهر من عدّة جوانب، ويكفينا أن نشير إلى الواقع العملي لهؤلاء ليتبيّن لنا بوِضْح خطأ ما قالوه.
فنقول: لو أن كل واحد اشتغل بعلم الحديث جمعا ودراسة وتحقيقا وتخريجاً هو من أهل الحديث، أي داخلاً في مسمّى هذا المصطلح الذي أطلقه أولئك الأئمّة لكانت طامّة وباقعة، فمن أشهر القوم الذين اشتغلوا بهذا الفنّ ممن عرفهم القاصي والدّاني، رُئِيَ منهم شركا وكفرا، وقرأ لهم بعض الكتابات التي تحسّن عبادة غير الله تعالى، كعبادة القبور والجنّ، وقد رأى كبار من اشتغل بهذا الفنّ من هو من أئمّة التّصوّف، الذين صرّحوا بأعظم البدع والمنكرات. فممّن اشتهر بهذا الفن الحديثي الشّيخ يوسف النّبهاني وهو الذي ضمّ زيادة الجامع الصّغير إلى الجامع الصّغير (وكلاهما للسّيوطي) وسمّاه "الفتح الكبير في ضمّ الزّيادة إلى الجامع الصّغير" ورتّبه ترتيباً رائعاً، وأزال منه المكرر، وجعل له مقدّمة تشتمل على ستّ فوائد، وكلّها مرقومة في "صحيح الجامع الصّغير وزيادته "الفتح الكبير"، وهذا الرّجل له من الكتب العديدة التي تحسّن عبادة غير الله تعالى كالقبور والاستغاثة بالأموات، وله كتاب جمع فيه - ما زعم - كرامات للأولياء سمّاه "جامع كرامات الأولياء"، فيه من الطّامّات العظيمة، والمصائب التي يستحي المرء من ذكرها، وكان الرّجل عاملاً في المحاكم المدنيّة التي تحكم بالياسق العصريّ - حسب تعبير محمود شاكر - في لبنان، وجهوده في ذمّ الموحّدين، والبراءة منهم، والطّعن فيهم أشهر من نارٍ على علم، فهل يقول قائل له مسكة من عقل: أن يوسف النّبهانيّ من أهل الحديث فهو من الطّائفة المنصورة؟!.
وهناك غير يوسف النبهاني وأشهر منه، وهم الغماريّون، أمثال أحمد صدّيق الغماري، وإخوته عبدالله (وقد توفّي) وأخوهم عبد العزيز الغماري (وهو لا يزال حيّاً). فهؤلاء لهم من الجهود العظيمة في خدمة السنّة النّبويّة ما لا نستطيع أن نحصيه في هذه الورقات ولا مئات أمثالها، و قد اشتغلوا في الحديث تحقيقاً وتخريجاً ما يفوق عمل غيرهم، ولكنّهم لمغربيّتهم (نسبة للمغرب الإسلامي) لم يكن لهم شهرة كشهرة المشرقيين، ولكنّهم - أي المشرقيين - ما زالوا يأخذون من كتبهم، ويستفيدون من بحوثهم دون الإشارة لهم، وهو ممّا قيل فيه أنّه من السّرقة التي لا يجب فيها القطع، فأحمد بن الصدّيق الغماري (وهو أكبر الإخوة) له من الجهود الحديثيّة الكبيرة أمثال: "هداية الرّشد في تخريج أحاديث ابن رشد" في مجلّدين، وله مستخرج على مسند الشّهاب حقّقه أحد المشارقة، وله مستخرج كذلك على الشّمائل المحمّديّة، وهو رجل فطحل ولا شكّ في هذا الباب، إلاّ أنّه كان من غلاة الصّوفيّة، إذ كان يصرّح بوحدة الوجود (أي أنّه لا يرى فرقاً بين الخالق والمخلوق)، وألّف في ذلك رسالة، وكان رافضيّاً خبيثاً وينبذ أهل السنّة بأقبح الأوصاف، مع أنّه كان مجتهداً في مسائل الفروع ولا يتقيّد بمذهب، فهل هو داخل في مسمّى أهل الحديث، وهو بالتّالي من الطّائفة المنصورة؟.
الجواب: لا شكّ أنّ هذا الفهم أعوج سقيم.
وكذلك أخوه عبد الله بن الصدّيق الغماري له في علم الحديث باع طويل - ولكن ليس كأحمد -، وله جهود في علم الرّجال مثل جمعه للرّجال الّذين قال عنهم "الحافظ الهيثمي" في "مجمع الزّوائد": لم أعرفه أو لم أجد له ترجمة، وقد اكتشف صحابيّاً لم يذكره من كتب في الصّحابة قبله، وهو ممن يحسّن اتخاذ المساجد على القبور ويرى ذلك قربة وعبادة.
ومن هؤلاء القوم الذين اشتغلوا بعلم الحديث جمعاً وتحقيقاً وتخريجاً الشّيخ "محمّد زاهد الكوثري"، وهذا الرّجل كان له إلمام بهذا الفنّ يفوق التّصوّر، وله معرفة بالمخطوطات تدلّ على براعة و ذكاء وإحاطة فائقة، حتى قيل: إنّه كان عنده القدرة أن يعرف المخطوط ومن كاتبه وفي أيّ سنة كتب، ولو لم يوجد على طرته ذلك!!، ومع هذه الإحاطة وهذا العمل، إلاّ أنّه لا يدخل أبداً في مسمّى أهل الحديث، لأنّه كان عدوّاً للسنّة ودعاتها، فكرّس قلمه في طعن الموحّدين، حتّى وصل به الأمر - أي حقده على السنّة والتّوحيد - أن طعن في كبار الأئمّة الثّقات أمثال: الشّافعي، وأحمد، وابنه عبدالله، والبخاري، وكثير غيرهم، بل إنّ بعض الصّحابة لم يسلم من طعنه ولمزه أمثال: أنس بن مالك رضي الله عنه، وكلّ هذا بسبب تعصّبه لمذهبه وحقده على أهل السنّة والتّوحيد.
هذه الأمثلة وكثير غيرها، وهي أمثلة واقعة، تبيّن لطالب الحقّ أنّ الاشتغال بالحديث وفنونه لا يدخل الرّجل في مسمّى أهل الحديث، وبالتّالي ليس المقصود بعبارة الأئمّة الهداة، أنّ الطّائفة المنصورة هم أهل الحديث هو المشتغل بعلم الحديث. بل لها معنى آخر لابدّ من اكتشافه ومعرفته.
وعلى هذا فإنّ الرّجل أو الجماعة لا يكون من أهل الحديث، ولا من الطّائفة المنصورة، وهم يعملون أجراء عند الطّواغيت، وليسوا هم الذين يبذلون أشدّ البذل في المنافحة عنهم وإصباغ الشّرعيّة عليهم، وليسوا هم تجّار الورق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسوا هم صبية المكاتب الذين يتجسّسون على الدّعاة إلى الله تعالى، ويكشفون ستر المسلمين لأعداء الملّة والدّين، وليسوا هم من قال بكلّ وقاحة وصلافة: "جزى الله أمريكا خيراً لأنّها دفعت عنّا شرّ صدّام"، وليسوا هم من قال عن "آل سعود" أنّهم أئمّة عدل وهدى، وليسوا هم من سمّوا "آل الصّباح" (حكّام الكويت) حكّاماً شرعيين. نعم: ليسوا هم، بل أهل الحديث غيرهم، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، برءاء من هؤلاء، ووالله إنّه من الظّلم أن نجعل المجرمين كأهل الحديث.
فمن هم أهل الحديث؟.
تكلّمنا في الحصّة قبل السّابقة عن بعض صفات الطّائفة المنصورة، وكان ما كان من أمر العدد السّابق فها نحن نعود إلى تتمّة المراد من حديثنا عن هذه الطّائفة المباركة.
قلنا في تلك الحصّة أنّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي له الحقّ فقط أن يكشف عن صفات الطّائفة المنصورة، وقد تبيّن لنا أنّ سبب ورود الحديث - حديث الطّائفة - هو الرّد على معطّلي الجهاد، ومن هنا يظهر أنّ الطّائفة المقصودة شرطها اللازم هو القتال. وهناك أحاديث أخرى غير حديث سلمة بن نفيل الكندي تذكّر هذا الأمر وتؤكّد عليه، ومنها حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمّة)) رواه مسلم.
ومنها حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يبرح هذا الدّين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتّى تقوم السّاعة)) رواه مسلم.
وأحاديث أخرى غيرها، كلّها تشير إلى هذا الأمر وتؤكّده، وتنفي أيّ فهم آخر لهذا الحديث العظيم.
وقد وجد بعض القوم ممن يتشبّث بكلام بعض الأئمّة في تفسير هذا الحديث، حيث أنّ جماعة من الأئمّة الهداة أمثال عبد الله بن المبارك، وعليّ بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ومحمّد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجّاج سئلوا عن المراد بهذه الطّائفة فأجابوا بالجزم أنّهم أهل الحديث. فهل ما قالوه حقّا، أم أنّهم أخطأوا (والخطأ في حقّهم جائز)؟ فإذا أصابوا فما المقصود بقولهم: أهل الحديث؟.
إنّني أعتقد جازماً أنّ ما قالوه هو الحقّ والصّواب، وأنّهم هدوا إلى معرفة المراد بهذا الحديث، فأهل الحديث هم خير أهل الأرض في كلّ زمان، وأهل الحديث هم على الجادّة التي يتمّ بها وعليها النّجاة، بهم حفظ الله تعالى دينه، ومناهجهم هي الأهدى والأتبع لمنهج خير القرون المشهود لها بالخيرية حيث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (خير النّاس قرني). وحيث تبيّن لنا هذا فلماذا قال هذا الجمع من الأئمّة أنهم: أهل الحديث؟.
وما المقصود بهذا المصطلح؟.
وقبل أن أخوض في كشف المراد من هذا المصطلح فلا بدّ أن أعرّج ولو قليلاً على بعض الأفهام السّقيمة، والطّروح العليلة في تفسير هذا المصطلح.
ظنّ بعض الأغمار وبعض الصّبية أن المقصود بهذا الحديث هم الذين يشتغلون بفن علم الحديث، دراسة وتحقيقاً وتخريجاً، وعلى هذا فإنّهم قصروه على أولئك الكتبة، وبعض تجّار الورق الذين اشتغلوا بهذا الفن، وهذا العمل وهذا الذي قالوه بين الخطأ والانحراف، وخطأ هذا التّفسير ظاهر من عدّة جوانب، ويكفينا أن نشير إلى الواقع العملي لهؤلاء ليتبيّن لنا بوِضْح خطأ ما قالوه.
فنقول: لو أن كل واحد اشتغل بعلم الحديث جمعا ودراسة وتحقيقا وتخريجاً هو من أهل الحديث، أي داخلاً في مسمّى هذا المصطلح الذي أطلقه أولئك الأئمّة لكانت طامّة وباقعة، فمن أشهر القوم الذين اشتغلوا بهذا الفنّ ممن عرفهم القاصي والدّاني، رُئِيَ منهم شركا وكفرا، وقرأ لهم بعض الكتابات التي تحسّن عبادة غير الله تعالى، كعبادة القبور والجنّ، وقد رأى كبار من اشتغل بهذا الفنّ من هو من أئمّة التّصوّف، الذين صرّحوا بأعظم البدع والمنكرات. فممّن اشتهر بهذا الفن الحديثي الشّيخ يوسف النّبهاني وهو الذي ضمّ زيادة الجامع الصّغير إلى الجامع الصّغير (وكلاهما للسّيوطي) وسمّاه "الفتح الكبير في ضمّ الزّيادة إلى الجامع الصّغير" ورتّبه ترتيباً رائعاً، وأزال منه المكرر، وجعل له مقدّمة تشتمل على ستّ فوائد، وكلّها مرقومة في "صحيح الجامع الصّغير وزيادته "الفتح الكبير"، وهذا الرّجل له من الكتب العديدة التي تحسّن عبادة غير الله تعالى كالقبور والاستغاثة بالأموات، وله كتاب جمع فيه - ما زعم - كرامات للأولياء سمّاه "جامع كرامات الأولياء"، فيه من الطّامّات العظيمة، والمصائب التي يستحي المرء من ذكرها، وكان الرّجل عاملاً في المحاكم المدنيّة التي تحكم بالياسق العصريّ - حسب تعبير محمود شاكر - في لبنان، وجهوده في ذمّ الموحّدين، والبراءة منهم، والطّعن فيهم أشهر من نارٍ على علم، فهل يقول قائل له مسكة من عقل: أن يوسف النّبهانيّ من أهل الحديث فهو من الطّائفة المنصورة؟!.
وهناك غير يوسف النبهاني وأشهر منه، وهم الغماريّون، أمثال أحمد صدّيق الغماري، وإخوته عبدالله (وقد توفّي) وأخوهم عبد العزيز الغماري (وهو لا يزال حيّاً). فهؤلاء لهم من الجهود العظيمة في خدمة السنّة النّبويّة ما لا نستطيع أن نحصيه في هذه الورقات ولا مئات أمثالها، و قد اشتغلوا في الحديث تحقيقاً وتخريجاً ما يفوق عمل غيرهم، ولكنّهم لمغربيّتهم (نسبة للمغرب الإسلامي) لم يكن لهم شهرة كشهرة المشرقيين، ولكنّهم - أي المشرقيين - ما زالوا يأخذون من كتبهم، ويستفيدون من بحوثهم دون الإشارة لهم، وهو ممّا قيل فيه أنّه من السّرقة التي لا يجب فيها القطع، فأحمد بن الصدّيق الغماري (وهو أكبر الإخوة) له من الجهود الحديثيّة الكبيرة أمثال: "هداية الرّشد في تخريج أحاديث ابن رشد" في مجلّدين، وله مستخرج على مسند الشّهاب حقّقه أحد المشارقة، وله مستخرج كذلك على الشّمائل المحمّديّة، وهو رجل فطحل ولا شكّ في هذا الباب، إلاّ أنّه كان من غلاة الصّوفيّة، إذ كان يصرّح بوحدة الوجود (أي أنّه لا يرى فرقاً بين الخالق والمخلوق)، وألّف في ذلك رسالة، وكان رافضيّاً خبيثاً وينبذ أهل السنّة بأقبح الأوصاف، مع أنّه كان مجتهداً في مسائل الفروع ولا يتقيّد بمذهب، فهل هو داخل في مسمّى أهل الحديث، وهو بالتّالي من الطّائفة المنصورة؟.
الجواب: لا شكّ أنّ هذا الفهم أعوج سقيم.
وكذلك أخوه عبد الله بن الصدّيق الغماري له في علم الحديث باع طويل - ولكن ليس كأحمد -، وله جهود في علم الرّجال مثل جمعه للرّجال الّذين قال عنهم "الحافظ الهيثمي" في "مجمع الزّوائد": لم أعرفه أو لم أجد له ترجمة، وقد اكتشف صحابيّاً لم يذكره من كتب في الصّحابة قبله، وهو ممن يحسّن اتخاذ المساجد على القبور ويرى ذلك قربة وعبادة.
ومن هؤلاء القوم الذين اشتغلوا بعلم الحديث جمعاً وتحقيقاً وتخريجاً الشّيخ "محمّد زاهد الكوثري"، وهذا الرّجل كان له إلمام بهذا الفنّ يفوق التّصوّر، وله معرفة بالمخطوطات تدلّ على براعة و ذكاء وإحاطة فائقة، حتى قيل: إنّه كان عنده القدرة أن يعرف المخطوط ومن كاتبه وفي أيّ سنة كتب، ولو لم يوجد على طرته ذلك!!، ومع هذه الإحاطة وهذا العمل، إلاّ أنّه لا يدخل أبداً في مسمّى أهل الحديث، لأنّه كان عدوّاً للسنّة ودعاتها، فكرّس قلمه في طعن الموحّدين، حتّى وصل به الأمر - أي حقده على السنّة والتّوحيد - أن طعن في كبار الأئمّة الثّقات أمثال: الشّافعي، وأحمد، وابنه عبدالله، والبخاري، وكثير غيرهم، بل إنّ بعض الصّحابة لم يسلم من طعنه ولمزه أمثال: أنس بن مالك رضي الله عنه، وكلّ هذا بسبب تعصّبه لمذهبه وحقده على أهل السنّة والتّوحيد.
هذه الأمثلة وكثير غيرها، وهي أمثلة واقعة، تبيّن لطالب الحقّ أنّ الاشتغال بالحديث وفنونه لا يدخل الرّجل في مسمّى أهل الحديث، وبالتّالي ليس المقصود بعبارة الأئمّة الهداة، أنّ الطّائفة المنصورة هم أهل الحديث هو المشتغل بعلم الحديث. بل لها معنى آخر لابدّ من اكتشافه ومعرفته.
وعلى هذا فإنّ الرّجل أو الجماعة لا يكون من أهل الحديث، ولا من الطّائفة المنصورة، وهم يعملون أجراء عند الطّواغيت، وليسوا هم الذين يبذلون أشدّ البذل في المنافحة عنهم وإصباغ الشّرعيّة عليهم، وليسوا هم تجّار الورق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسوا هم صبية المكاتب الذين يتجسّسون على الدّعاة إلى الله تعالى، ويكشفون ستر المسلمين لأعداء الملّة والدّين، وليسوا هم من قال بكلّ وقاحة وصلافة: "جزى الله أمريكا خيراً لأنّها دفعت عنّا شرّ صدّام"، وليسوا هم من قال عن "آل سعود" أنّهم أئمّة عدل وهدى، وليسوا هم من سمّوا "آل الصّباح" (حكّام الكويت) حكّاماً شرعيين. نعم: ليسوا هم، بل أهل الحديث غيرهم، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، برءاء من هؤلاء، ووالله إنّه من الظّلم أن نجعل المجرمين كأهل الحديث.
فمن هم أهل الحديث؟.