صراع الحق مع الباطل تمتد جذوره منذ أن وجد البشر على وجه الأرض، فهو من سنن الله القدرية التي فطر الخلق عليها، ولأن الشرع الحكيم قام على الحق، وقام ليعالج ما فطر عليه البشر من نوازع ورغبات ليقيمها على ما فيه صلاحها، فقد شرع الله للمسلمين أن يشرعوا ويبدءوا في إزالة الباطل واجتثاثه من جذوره، حتى لا تقوى أصوله، ولا تتجذّر آثاره في حياة الناس والخلق، ولذلك شرع الله الجهاد لعباده، وكان شعار هذا الجهاد هو: إقامة دين الله تعالى وإماتة الشرك...{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
وقد كشف الله مسيرة الصراع بعبارات رائعة تحمل في طياتها طبيعة الحق، وتكشف حقيقة الباطل، والمنهج القرآني هو منهج الحق والصواب وضدّه هو منهج السحرة والخرافيين.
منهج السحرة هو تزوير الواقع، وإلباسه لبوس الخداع والتمويه، فالساحر هو الذي يقلب لك في نظرك العصا حية، ويزيف لك صورة الأشياء فلا تعد تراها على ما هي عليه. وعلى مدار التاريخ الإنساني كان طواغيت البشر (الآلهة الكاذبة) يستخدمون السحرة في تأليه الناس (أي تعبيد الناس) لهم. والسحر حسب النص القرآني والحديث النبوي يطلق على أمرين:
الأمر الأول: هو الذي يغير صور الأشياء في أعين النظارة دون تغيير لحقيقتها لأنه لا يستطيع أن يخلق إلا الله، فالعصا تتحول إلى أفعى في أعين الناس لا في حقيقتها. قال تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} الأعراف، وقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} طه.
الأمر الثاني: هو الذي يغير الحقائق في أذهان الناس عن طريق الخداع البياني والقدرة اللفظية، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحرا)) حديث صحيح، وقال تعالى: {وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدِّقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} الصف، والآية تدل على أن الناس كانوا يطلقون على البيان البليغ سحرا.
وكلا الأمرين يجتمعان في:
(1) تزوير الحقائق بتمويهها في البصر أو في البصيرة.
(2) لا يقع السحر على المسحور إلا باستخدام الإرهاب، “فاسترهبوهم”.
(3) اكتشاف الحقيقة تبطل السحر، قال تعالى: {ولو أنزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} الأنعام، والآية تدل على أن المرء إذا أبصر الحق بطريق صحيح (كاللمس بالأيدي) لا يعذر بسحر الساحر له، بل هو كذاب مفتري.
والآن كيف صور القرآن صراع الحق والباطل (السحر):
1 - قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون}. فالحق قذيفة، ولا يكون إلا كذلك، لأن فيه من عوامل القوة الذاتية التي أودعها الله فيه ما يجعله كذلك. وكذلك قوله تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى}طه.
2 - قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}الإسراء. ففي هذه الآية بيّن الرحمن سبحانه وتعالى حال الحق حين يظهر أمره بعبارة “جاء الحق” وهي عبارة تلقي في النفس ظلال الحركة الحقيقية التي لا تحمل جهدا عظيما، ولا تكلف عملا شاقا، بل هي مسيرة طبيعية “جاء” على الرغم أن الآية الأولى بينت أن حركة الحق هي حركة (قذيفة)، وهي تجدّ مسرعة في حركتها لتزيل الباطل وتدمره. وليس بين الآيتين تعارض، بل كل حرف في الأولى يشهد لكل حرف في الثانية ويشبهه، وهذا معنى قوله تعالى: {الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}زمر. لكن الباطل في الآيتين (زاهق، زهوقاً): وهي تعني خروج النفس والروح، واضمحلال أمره وخضوعه لغيره، وهي لفظة تثير في النفس حقيقة هذا الباطل، وأنه سريع الزوال لا روح له ولا دوام، قال ابن القيم: واعلم أن الشر بالذات هو عدم ضروريات الشيء وعدم منافعه مثل عدم الحياة وعدم البصر. ا. هـ، فهذا هو الباطل إذ يعني غياب الحق، فإذا جاء الحق (على صورة قذيفة) فإن الشرَّ والباطل لا بد أن يزول كما قال تعالى عن عصى موسى لمّا ظهرت لحبال السحرة: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}. وهذا كله نراه في الحس والبصر، فإن الظلمة تعني عدم وجود النور، فإذا غلب على الناس الظلمة واستشرى أمرها فهو واقع بحسب غياب النور والهدى.
ومما يخدمنا في هذا الباب الأمور التالية:
أن العلاقة بين الحقّ والباطل وبين الشرِّ والخير، وبين السحر وأمر الله، وبين النور والظلمة، هي علاقة صراع، لا يقع الواحد إلا ويغيب الآخر، ولا يمكن أن يرضى أحدهما بوجود الآخر، ولو أراد أهل الحق التماس الإذن بوجودهم من الباطل - ولو أدى هذا الالتماس إلى إفراغ الحق من طبيعته (أي بكونه قذيفة) - فإن الباطل لن يأذن ولن يسمح، وصورة الإذن الوحيدة هي: {تلقف ما يأفكون}، و {نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} و {جاء الحق وزهق الباطل}، أي بأن يقتلع الحق الباطل من جذوره ويخرج روحه منه بيده، وليس عن طريق انتظار أن تخرج روحه منه بنفسه.
وعلى هذا فإن كثيرا من الجماعات الإسلامية التي تنكر الجهاد في هذا العصر أو تدعو إلى (تأجيله) تتهم المجاهدين بأنهم يعطون المبرر للباطل بأن يضربهم ويقتلهم، وهؤلاء جدُّ واهمون، لأنهم جهلوا طبيعة الباطل، وجهلوا أن ذات الحق (دون حركته) لا يرضى عنه ولا بوجوده الكفرُ بحال.
وبين يدينا مئات الأمثلة منها: صراع لوط عليه السلام مع قومه، فلماذا عاداه أهل الفاحشة؟ هل لأنه حمل عليهم؟ أو كرَّ عليهم بليل؟ كل هذا لم يحدث، إنما علة محاربته: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} الأعراف. وانظروا إلى هذا الحديث العجيب بين نبي الله شعيب عليه السلام وبين قومه، وتفكروا في عرض شعيب على قومه وماذا قال لهم: قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} الأعراف (87). رجل يقول لقومه: أنتم في حالكم ونحن في حالنا، طائفة آمنوا وطائفة لم يؤمنوا، فيا أيها الكافرون لا تعتدوا علينا ولا نعتدي عليكم حتى يقع أمر قدري لا بأيدينا ولا بأيديكم فيكون هو الفصل بين الطائفتين.
فماذا تتوقع أن يكون الجواب؟ الجواب؛ هو جواب كل طاغوت: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} الأعراف (88)، نعم هذا هو جواب قومه (الطاغوت) وهو جواب لا يمكن أن يتخلى عنه الباطل أبدا. فأي ضلال وأي انحراف لرجل علم طبيعة الباطل ثم هو يطلب الإذن منه أن يعمل في نشر حقه؟.
ومن هنا فقد تبين لنا انحراف وجهل تلك الجماعات التي تخلت عن كثير من الحق في سبيل إرضاء الباطل ليقدم لها إذن العمل والممارسة. وللحديث بقية.
إن شاء الله تعالى.
وقد كشف الله مسيرة الصراع بعبارات رائعة تحمل في طياتها طبيعة الحق، وتكشف حقيقة الباطل، والمنهج القرآني هو منهج الحق والصواب وضدّه هو منهج السحرة والخرافيين.
منهج السحرة هو تزوير الواقع، وإلباسه لبوس الخداع والتمويه، فالساحر هو الذي يقلب لك في نظرك العصا حية، ويزيف لك صورة الأشياء فلا تعد تراها على ما هي عليه. وعلى مدار التاريخ الإنساني كان طواغيت البشر (الآلهة الكاذبة) يستخدمون السحرة في تأليه الناس (أي تعبيد الناس) لهم. والسحر حسب النص القرآني والحديث النبوي يطلق على أمرين:
الأمر الأول: هو الذي يغير صور الأشياء في أعين النظارة دون تغيير لحقيقتها لأنه لا يستطيع أن يخلق إلا الله، فالعصا تتحول إلى أفعى في أعين الناس لا في حقيقتها. قال تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} الأعراف، وقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} طه.
الأمر الثاني: هو الذي يغير الحقائق في أذهان الناس عن طريق الخداع البياني والقدرة اللفظية، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحرا)) حديث صحيح، وقال تعالى: {وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدِّقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} الصف، والآية تدل على أن الناس كانوا يطلقون على البيان البليغ سحرا.
وكلا الأمرين يجتمعان في:
(1) تزوير الحقائق بتمويهها في البصر أو في البصيرة.
(2) لا يقع السحر على المسحور إلا باستخدام الإرهاب، “فاسترهبوهم”.
(3) اكتشاف الحقيقة تبطل السحر، قال تعالى: {ولو أنزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} الأنعام، والآية تدل على أن المرء إذا أبصر الحق بطريق صحيح (كاللمس بالأيدي) لا يعذر بسحر الساحر له، بل هو كذاب مفتري.
والآن كيف صور القرآن صراع الحق والباطل (السحر):
1 - قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون}. فالحق قذيفة، ولا يكون إلا كذلك، لأن فيه من عوامل القوة الذاتية التي أودعها الله فيه ما يجعله كذلك. وكذلك قوله تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى}طه.
2 - قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}الإسراء. ففي هذه الآية بيّن الرحمن سبحانه وتعالى حال الحق حين يظهر أمره بعبارة “جاء الحق” وهي عبارة تلقي في النفس ظلال الحركة الحقيقية التي لا تحمل جهدا عظيما، ولا تكلف عملا شاقا، بل هي مسيرة طبيعية “جاء” على الرغم أن الآية الأولى بينت أن حركة الحق هي حركة (قذيفة)، وهي تجدّ مسرعة في حركتها لتزيل الباطل وتدمره. وليس بين الآيتين تعارض، بل كل حرف في الأولى يشهد لكل حرف في الثانية ويشبهه، وهذا معنى قوله تعالى: {الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}زمر. لكن الباطل في الآيتين (زاهق، زهوقاً): وهي تعني خروج النفس والروح، واضمحلال أمره وخضوعه لغيره، وهي لفظة تثير في النفس حقيقة هذا الباطل، وأنه سريع الزوال لا روح له ولا دوام، قال ابن القيم: واعلم أن الشر بالذات هو عدم ضروريات الشيء وعدم منافعه مثل عدم الحياة وعدم البصر. ا. هـ، فهذا هو الباطل إذ يعني غياب الحق، فإذا جاء الحق (على صورة قذيفة) فإن الشرَّ والباطل لا بد أن يزول كما قال تعالى عن عصى موسى لمّا ظهرت لحبال السحرة: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}. وهذا كله نراه في الحس والبصر، فإن الظلمة تعني عدم وجود النور، فإذا غلب على الناس الظلمة واستشرى أمرها فهو واقع بحسب غياب النور والهدى.
ومما يخدمنا في هذا الباب الأمور التالية:
أن العلاقة بين الحقّ والباطل وبين الشرِّ والخير، وبين السحر وأمر الله، وبين النور والظلمة، هي علاقة صراع، لا يقع الواحد إلا ويغيب الآخر، ولا يمكن أن يرضى أحدهما بوجود الآخر، ولو أراد أهل الحق التماس الإذن بوجودهم من الباطل - ولو أدى هذا الالتماس إلى إفراغ الحق من طبيعته (أي بكونه قذيفة) - فإن الباطل لن يأذن ولن يسمح، وصورة الإذن الوحيدة هي: {تلقف ما يأفكون}، و {نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} و {جاء الحق وزهق الباطل}، أي بأن يقتلع الحق الباطل من جذوره ويخرج روحه منه بيده، وليس عن طريق انتظار أن تخرج روحه منه بنفسه.
وعلى هذا فإن كثيرا من الجماعات الإسلامية التي تنكر الجهاد في هذا العصر أو تدعو إلى (تأجيله) تتهم المجاهدين بأنهم يعطون المبرر للباطل بأن يضربهم ويقتلهم، وهؤلاء جدُّ واهمون، لأنهم جهلوا طبيعة الباطل، وجهلوا أن ذات الحق (دون حركته) لا يرضى عنه ولا بوجوده الكفرُ بحال.
وبين يدينا مئات الأمثلة منها: صراع لوط عليه السلام مع قومه، فلماذا عاداه أهل الفاحشة؟ هل لأنه حمل عليهم؟ أو كرَّ عليهم بليل؟ كل هذا لم يحدث، إنما علة محاربته: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} الأعراف. وانظروا إلى هذا الحديث العجيب بين نبي الله شعيب عليه السلام وبين قومه، وتفكروا في عرض شعيب على قومه وماذا قال لهم: قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} الأعراف (87). رجل يقول لقومه: أنتم في حالكم ونحن في حالنا، طائفة آمنوا وطائفة لم يؤمنوا، فيا أيها الكافرون لا تعتدوا علينا ولا نعتدي عليكم حتى يقع أمر قدري لا بأيدينا ولا بأيديكم فيكون هو الفصل بين الطائفتين.
فماذا تتوقع أن يكون الجواب؟ الجواب؛ هو جواب كل طاغوت: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} الأعراف (88)، نعم هذا هو جواب قومه (الطاغوت) وهو جواب لا يمكن أن يتخلى عنه الباطل أبدا. فأي ضلال وأي انحراف لرجل علم طبيعة الباطل ثم هو يطلب الإذن منه أن يعمل في نشر حقه؟.
ومن هنا فقد تبين لنا انحراف وجهل تلك الجماعات التي تخلت عن كثير من الحق في سبيل إرضاء الباطل ليقدم لها إذن العمل والممارسة. وللحديث بقية.
إن شاء الله تعالى.