بسم الله الرحمن الرحيم
إذا قلنا كما تقدم أن الباطل ليس له حقيقة في نفسه، بل هو يعني غياب الحق كما قال ابن القيم رحمه الله، فسيكون السؤال في الأذهان هو: ما معنى ظهور الباطل على الحق في جولات كثيرة نحسها في عين الزمان، ونراها في واقعنا؟ والجواب على هذا التساؤل يتشعب إلى عدة نقاط سنحاول في هذه العجالة أن نمر على بعضها إن شاء الله تعالى:
البيان الأول: اعلم أن الله قد قرر في كتابه أن الحق لا يهزم أبدا، وقرر سبحانه وتعالى أنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء. والجاهل يظن أن هذه الآية تنخرم بعض الأحيان لما يرى من ظهور الكفر على الإسلام حينا، وهذا جهل عظيم في دين الله تعالى.
قال الإمام الشاطبي في الموافقات في قوله سبحانه وتعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: إن حمل على أنه إخبار، لم يستمر مخبره، لوقوع سبيل الكافر على المؤمن كثيرا بأسره وإذلاله، فلا يمكن أن يكون المعنى إلا على ما يصدقه الواقع ويطرد عليه، وهو تقرير الحكم الشرعي. فعليه يجب أن يحمل. ا. هـ. (ج1،ص100،101). قلت: وهذه لفتة عظيمة من هذا الإمام كان ينبغي الالتفات لها منذ زمان بعيد، لأن ما نعيش فيه هذه الأيام يدل على أننا ابتعدنا كثيرا عن مفاهيم الكتاب والسنة، بسبب تلك الأفكار الدخيلة التي شوهت مفاهيم الإسلام العظيم.
ولتفسير كلام الشاطبي نقول: إن الآية فيها أمر من الله تعالى للمؤمنين أن لا يقبلوا الدنية في دينهم، وأن عليهم أن يبذلوا أقصى طاقاتهم لمنع حصول الذل، فإن حصل ظهور للكفرة عليهم فهو دال على أنهم قصروا في تطبيق أمر الله، فهنا في الآية على الصحيح أمر إلهي ووعد إلهي كذلك؛ أما الأمر: فهو أن يكونوا مؤمنين، والإيمان هنا يعني المدافعة والقتال وطلب الظهور والعزة، وهذا راجع إلى مفهوم أهل السنة لمسمى الإيمان، وقد وقع المعلق على كتاب الشاطبي وهو الأستاذ الفاضل عبد الله درّاز في خطأ حين ظن أن الآية بعريّها عن قوله: وعملوا الصالحات، تحمل على معنى آخر، وذلك لظنه أن الإيمان هنا هو الحكم وليس الدرجة والمرتبة، والصحيح أن قوله سبحانه وتعالى في هذه الآية (المؤمنين) هي قيامهم بواجب الإيمان وهو واجب الدفع والمدافعة، ومثل هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه إلا أن تعودوا لدينكم)) حديث حسن، فمعنى الدين هنا هو معنى الإيمان في الآية السابقة، وهو الجهاد. فإن الذل لا يرفع بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالحج، ولا بالذكر، وكلها دين وتساعد في رفع الذل، ولكن الذل لا يرفع إلا برفع السبب الذي حصل به الذل وهو ترك الجهاد في سبيل الله تعالى. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا)). وعليك أخي المسلم أن تتنبه إلى التنكير الموجود في قوله صلى الله عليه وسلم: (قوم)، لأن ترك القتال من قبل قوم (أي قوم) يؤدي إلى الذلّة، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا)).
وعلى هذا فإن الآية تطلب من المؤمنين أن يكونوا مؤمنين أي مجاهدين، كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا} ومثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات} وكقوله: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} وغيرها كثيرا من الآيات العظيمة ولا يظنن ظان أن قوله: {خذوا حذركم} وقوله: {اصبروا} هو أمر زائد عن مسمى الإيمان فإن هذا من غلط أهل البدع وفسادهم، لأنهم يقولون: إن الإيمان هو قول القلب فقط وبعضهم يزيد للدلالة على قول القلب قول اللسان. ولما انتشرت هذه البدعة المبيرة في الناس وهو قولهم: إن الإيمان في القلب. ذهبوا في تفسير هذه الآيات مذاهب شتى وكلها باطلة، فحملوا قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}على مفهوم الوعد فقط فقالوا: إذا حصل إيمان القلب (أي تصديقه) فإن الله سيدافع عنهم بقدرته دون أفعالهم (لأنها لم تذكر في الآية). فنسبوا إلى قول الله الخلف في وعده لما يرونه من الواقع الذي يكذبهم.
أما أنها وعد: فنعم، ولكن على المفهوم الذي تقدم، فإذا قام عباد الله بواجب الدفع والمدافعة، وشرعوا بالجهاد، واستكملت لهم أدواته، فلا بد أن يقع الوعد الإلهي لأن السبب والأثر -في حياة المؤمن- لابد من تلازمها، والتلازم بينهما تلازم مطلق في باب الوعد، بخلاف باب الوعيد، فالتلازم بينهما ولكنه غير مطلق.
والنتيجة: إذا تخلف الوعد دل لزوما على تخلف الأمر في نفس المكلف.
فهل بعد هذا يقول قائل ما معنى ظهور الباطل؟ إن ظهور الباطل مازال يعني غياب الحق. والحق هو الأمر وامتثاله. وظهور الحق هو وعد ترتب على اكتمال الحق وتمامه.
البيان الثاني: إن ظهور الباطل حينا هو مظهر من مظاهر الحكمة الربانية. فإنه لا يقع شيء في الكون إلا لحكمة، وفيه قصد إلهي عظيم ولو ذهبنا نستكشف الحكم الإلهية لضاق بنا المقام، ولكن لنسوق بعضها فيما تحتمله هذه الورقات:
أ - الحكمة الأولى : -وهي أعظمها وأجلها- قال تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} يونس.
اعلم أخي في الله أن من أجلِّ أسماء الله تعالى وأعظمها: المتكبر. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه قال: ((العزة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما عذبته)) رواه مسلم. فقد سمى الله أشرف صفاته (الكبرياء)، وهذا الاسم هو عنوان ربوبية الرب، وعلى هذا فإن من مظاهر هذا الاسم في هذا الكون أن يأخذ أعداءه لحظة القدرة الكاملة لهم، وهذا من تمام ألوهية الإلهية الحقيقية، ومن تمام كبرياء الله تعالى، ومن تمام خداع الله تعالى للكافرين. قال تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين} الأعراف والقلم. فإذا تمكن الكافر واستعلى في الأرض، وادّعى لنفسه الربوبية فإن هذا من تمام حكمة الله فيه ليأخذه أخذا شديدا، لتعظم المصيبة فيه، وتظهر قدرة الله (الرب الحقيقي) لعباده المؤمنين.
وأعظم مثال على ذلك هو فرعون، قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}. وفرعون هو الذي قال: {ما علمت لكم من إله غيري} وهو الذي قال: {أنا ربكم الأعلى} فهذه خصومة بين رب حقيقي، له صفات الكمال المطلق، وبين رب مزيف كذاب (استخف قومه فأطاعوه).
فما هي النتيجة؟ هي مظهر من مظاهر ربوبية الرب الحقيقي الدالة على كبريائه وعظمته وعلوه فوق خلقه.
قال سبحانه وتعالى: {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول أمين، وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين...إلى قوله تعالى.. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} الدخان.
فيا الله ما أعظمك وما أجل حكمتك.
ب - الحكمة الثانية: قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا} الملك. فإن الله خلق عباده للابتلاء والامتحان، وأشد الناس بلاء وامتحانا هم المؤمنون. قال صلى الله عليه وسلم: ((يبتلى الرجل على قدر دينه)) رواه الترمذي. فمن ابتلاء الله المؤمنين أن يمتحنهم بغلبة الكافرين وبظهورهم عليهم، ليعلم الرب من آمن به حق اليقين، وممن في قلبه شك ودخن. وهذا من تمام حكمته وعظمته، فإن الرب لا يرضى من العبد إلا أن يخلص له فلا يكون في قلب العبد إلا الله. وعلى هذا اقرأ قصة قارون وعلوه في الأرض في سورة القصص، وكيف كان كثرة ماله فتنة للناس، وثبت فيها أهل العلم بالله تعالى ثم عقب عليها بقوله: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.
جـ- الحكمة الثالثة: ومن ابتلاء الله للمؤمنين بعلو الكفر حينا عليهم، ذلك ليرى من يطيعه بقتالهم ومنابذتهم ثقة بوعد الله تعالى، وممن يستكين للكفر ويذل له، كما حدث للصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في حركة الردة، فكان الصحابة هم أهل الإيمان واليقين وهم أحق به وأهله.
فارتفاع الكفر حينا هو فرصة ذهبية للمؤمن ليظهر صدق دعواه في تعلقه بعبودية الرب الحق قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} محمد، وقال الله تعالى لنبيه في الحديث القدسي: ((إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك... إلى قوله... استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك وأنفق عليهم فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك)) رواه مسلم.
إذا قلنا كما تقدم أن الباطل ليس له حقيقة في نفسه، بل هو يعني غياب الحق كما قال ابن القيم رحمه الله، فسيكون السؤال في الأذهان هو: ما معنى ظهور الباطل على الحق في جولات كثيرة نحسها في عين الزمان، ونراها في واقعنا؟ والجواب على هذا التساؤل يتشعب إلى عدة نقاط سنحاول في هذه العجالة أن نمر على بعضها إن شاء الله تعالى:
البيان الأول: اعلم أن الله قد قرر في كتابه أن الحق لا يهزم أبدا، وقرر سبحانه وتعالى أنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء. والجاهل يظن أن هذه الآية تنخرم بعض الأحيان لما يرى من ظهور الكفر على الإسلام حينا، وهذا جهل عظيم في دين الله تعالى.
قال الإمام الشاطبي في الموافقات في قوله سبحانه وتعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: إن حمل على أنه إخبار، لم يستمر مخبره، لوقوع سبيل الكافر على المؤمن كثيرا بأسره وإذلاله، فلا يمكن أن يكون المعنى إلا على ما يصدقه الواقع ويطرد عليه، وهو تقرير الحكم الشرعي. فعليه يجب أن يحمل. ا. هـ. (ج1،ص100،101). قلت: وهذه لفتة عظيمة من هذا الإمام كان ينبغي الالتفات لها منذ زمان بعيد، لأن ما نعيش فيه هذه الأيام يدل على أننا ابتعدنا كثيرا عن مفاهيم الكتاب والسنة، بسبب تلك الأفكار الدخيلة التي شوهت مفاهيم الإسلام العظيم.
ولتفسير كلام الشاطبي نقول: إن الآية فيها أمر من الله تعالى للمؤمنين أن لا يقبلوا الدنية في دينهم، وأن عليهم أن يبذلوا أقصى طاقاتهم لمنع حصول الذل، فإن حصل ظهور للكفرة عليهم فهو دال على أنهم قصروا في تطبيق أمر الله، فهنا في الآية على الصحيح أمر إلهي ووعد إلهي كذلك؛ أما الأمر: فهو أن يكونوا مؤمنين، والإيمان هنا يعني المدافعة والقتال وطلب الظهور والعزة، وهذا راجع إلى مفهوم أهل السنة لمسمى الإيمان، وقد وقع المعلق على كتاب الشاطبي وهو الأستاذ الفاضل عبد الله درّاز في خطأ حين ظن أن الآية بعريّها عن قوله: وعملوا الصالحات، تحمل على معنى آخر، وذلك لظنه أن الإيمان هنا هو الحكم وليس الدرجة والمرتبة، والصحيح أن قوله سبحانه وتعالى في هذه الآية (المؤمنين) هي قيامهم بواجب الإيمان وهو واجب الدفع والمدافعة، ومثل هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه إلا أن تعودوا لدينكم)) حديث حسن، فمعنى الدين هنا هو معنى الإيمان في الآية السابقة، وهو الجهاد. فإن الذل لا يرفع بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالحج، ولا بالذكر، وكلها دين وتساعد في رفع الذل، ولكن الذل لا يرفع إلا برفع السبب الذي حصل به الذل وهو ترك الجهاد في سبيل الله تعالى. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا)). وعليك أخي المسلم أن تتنبه إلى التنكير الموجود في قوله صلى الله عليه وسلم: (قوم)، لأن ترك القتال من قبل قوم (أي قوم) يؤدي إلى الذلّة، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا)).
وعلى هذا فإن الآية تطلب من المؤمنين أن يكونوا مؤمنين أي مجاهدين، كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا} ومثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات} وكقوله: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} وغيرها كثيرا من الآيات العظيمة ولا يظنن ظان أن قوله: {خذوا حذركم} وقوله: {اصبروا} هو أمر زائد عن مسمى الإيمان فإن هذا من غلط أهل البدع وفسادهم، لأنهم يقولون: إن الإيمان هو قول القلب فقط وبعضهم يزيد للدلالة على قول القلب قول اللسان. ولما انتشرت هذه البدعة المبيرة في الناس وهو قولهم: إن الإيمان في القلب. ذهبوا في تفسير هذه الآيات مذاهب شتى وكلها باطلة، فحملوا قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}على مفهوم الوعد فقط فقالوا: إذا حصل إيمان القلب (أي تصديقه) فإن الله سيدافع عنهم بقدرته دون أفعالهم (لأنها لم تذكر في الآية). فنسبوا إلى قول الله الخلف في وعده لما يرونه من الواقع الذي يكذبهم.
أما أنها وعد: فنعم، ولكن على المفهوم الذي تقدم، فإذا قام عباد الله بواجب الدفع والمدافعة، وشرعوا بالجهاد، واستكملت لهم أدواته، فلا بد أن يقع الوعد الإلهي لأن السبب والأثر -في حياة المؤمن- لابد من تلازمها، والتلازم بينهما تلازم مطلق في باب الوعد، بخلاف باب الوعيد، فالتلازم بينهما ولكنه غير مطلق.
والنتيجة: إذا تخلف الوعد دل لزوما على تخلف الأمر في نفس المكلف.
فهل بعد هذا يقول قائل ما معنى ظهور الباطل؟ إن ظهور الباطل مازال يعني غياب الحق. والحق هو الأمر وامتثاله. وظهور الحق هو وعد ترتب على اكتمال الحق وتمامه.
البيان الثاني: إن ظهور الباطل حينا هو مظهر من مظاهر الحكمة الربانية. فإنه لا يقع شيء في الكون إلا لحكمة، وفيه قصد إلهي عظيم ولو ذهبنا نستكشف الحكم الإلهية لضاق بنا المقام، ولكن لنسوق بعضها فيما تحتمله هذه الورقات:
أ - الحكمة الأولى : -وهي أعظمها وأجلها- قال تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} يونس.
اعلم أخي في الله أن من أجلِّ أسماء الله تعالى وأعظمها: المتكبر. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه قال: ((العزة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما عذبته)) رواه مسلم. فقد سمى الله أشرف صفاته (الكبرياء)، وهذا الاسم هو عنوان ربوبية الرب، وعلى هذا فإن من مظاهر هذا الاسم في هذا الكون أن يأخذ أعداءه لحظة القدرة الكاملة لهم، وهذا من تمام ألوهية الإلهية الحقيقية، ومن تمام كبرياء الله تعالى، ومن تمام خداع الله تعالى للكافرين. قال تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين} الأعراف والقلم. فإذا تمكن الكافر واستعلى في الأرض، وادّعى لنفسه الربوبية فإن هذا من تمام حكمة الله فيه ليأخذه أخذا شديدا، لتعظم المصيبة فيه، وتظهر قدرة الله (الرب الحقيقي) لعباده المؤمنين.
وأعظم مثال على ذلك هو فرعون، قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}. وفرعون هو الذي قال: {ما علمت لكم من إله غيري} وهو الذي قال: {أنا ربكم الأعلى} فهذه خصومة بين رب حقيقي، له صفات الكمال المطلق، وبين رب مزيف كذاب (استخف قومه فأطاعوه).
فما هي النتيجة؟ هي مظهر من مظاهر ربوبية الرب الحقيقي الدالة على كبريائه وعظمته وعلوه فوق خلقه.
قال سبحانه وتعالى: {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول أمين، وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين...إلى قوله تعالى.. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} الدخان.
فيا الله ما أعظمك وما أجل حكمتك.
ب - الحكمة الثانية: قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا} الملك. فإن الله خلق عباده للابتلاء والامتحان، وأشد الناس بلاء وامتحانا هم المؤمنون. قال صلى الله عليه وسلم: ((يبتلى الرجل على قدر دينه)) رواه الترمذي. فمن ابتلاء الله المؤمنين أن يمتحنهم بغلبة الكافرين وبظهورهم عليهم، ليعلم الرب من آمن به حق اليقين، وممن في قلبه شك ودخن. وهذا من تمام حكمته وعظمته، فإن الرب لا يرضى من العبد إلا أن يخلص له فلا يكون في قلب العبد إلا الله. وعلى هذا اقرأ قصة قارون وعلوه في الأرض في سورة القصص، وكيف كان كثرة ماله فتنة للناس، وثبت فيها أهل العلم بالله تعالى ثم عقب عليها بقوله: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.
جـ- الحكمة الثالثة: ومن ابتلاء الله للمؤمنين بعلو الكفر حينا عليهم، ذلك ليرى من يطيعه بقتالهم ومنابذتهم ثقة بوعد الله تعالى، وممن يستكين للكفر ويذل له، كما حدث للصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في حركة الردة، فكان الصحابة هم أهل الإيمان واليقين وهم أحق به وأهله.
فارتفاع الكفر حينا هو فرصة ذهبية للمؤمن ليظهر صدق دعواه في تعلقه بعبودية الرب الحق قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} محمد، وقال الله تعالى لنبيه في الحديث القدسي: ((إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك... إلى قوله... استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك وأنفق عليهم فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك)) رواه مسلم.