محب الشهادة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

محب الشهادة

محب الشهادة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشهادة في سبيل الله هي ((اكرم وسيلة لعبادة الله))


    المقالة رقم: 20

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 942
    نقاط : 2884
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/03/2010
    العمر : 48
    الموقع : https://achahada-123.ahladalil.com

    المقالة رقم: 20 Empty المقالة رقم: 20

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أبريل 07, 2010 1:46 am

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وإنّ ممّا يحتجّ به أهل التّقليد في العصور المتأخّرة لأئمّتهم المتأخرين هو قوله صلى الله عليه وسلم : ((لكلّ قرن سابق)) وله لفظ آخر: ((لكلّ قرن من أمّتي سابقون)) وهو حديث صحيح رواه أبو نعيم في الحلية، الأوّل من حديث أنس رضي الله عنه، والثّاني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وهذه الأحاديث وغيرها الّتي تدلّ على بقاء الخير ودوامه في أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم، وأنّ الله تعالى تكفّل بحفظ هذا الدّين، وأنّه ستبقى طوائف من أهل الحقّ وفيّة له، لا تعني أبداً إلاّ البشارة بذلك، وأمّا أمر الإقتداء بالهدي واتّباع النّموذج القدوة فليست لأيّ مرتبة من مراتب هذه الأمّة إلاّ للمرتبة الأولى والجيل الأول، ودوام النّظر إلى ذلك النّموذج الصّادق الصّالح يمنع من الوقوع والعثار، وهو يمنع من الزّلل، وما تلك الصّور الحادثة وإن كانت رفيعة عالية إلاّ صور قاصرة لا تمثّل الصّورة بتمامها وحقيقتها، ولعلّ من أسباب هذا العثار هو عدم اجتماع الخير في جيلٍ كما اجتمع في الجيل الأول، وها أنا أضرب لكم الأمثلة ليتّضح البيان:

    درج بعض أهل العلم الأوائل على تأليف كتب تجمع في طيّاتها سير أئمة أعلام، فبعضها جعل الخيط الجامع لهؤلاء هو الصّلاح والتّقوى، وبعضهم جعل الخيط: هو الجهاد والشّجاعة والقتال، وبعضهم جعله الفقه والرأي، وبعضهم جعله الحديث والرّواية، وهكذا تنوّعت التّقاسيم في هذه السّير في عرض النّماذج القدوة في العصور المتأخّرة. وكان بعضهم (الرّواة) يبالغ في ذكر صفات هؤلاء الأعلام حتّى يخرج بهم عن حدّ الاعتدال البشريّ، فلو قرأ المتأخر في كتب طبقات الأصفياء والأولياء. كما في كتاب الإمام أبي نعيم الأصفهانيّ: “حلية الأولياء وطبقات الأصفياء”. نموذجاً من هؤلاء الأولياء لرأى فيها العجب العجاب، فهذا وليّ من الأولياء إذا دخل بيته فذكر الله تعالى سبّحت معه جدران بيته، وآنية المطبخ في بيته، وسبّح معه فراشه حتىّ يسمعها كلّ من حضر، وهذا وليّ آخر يرى بأمّ عينيه ذنوبه وهي تتساقط مع قطر ماء الوضوء، وهذا وليّ آخر يتورّع عن أكل ما حضر في السّوق، ويرفض أن يشتري منه ويأبى الأكل إلاّ من القفار والخلاء، وهذا وليّ لم يتزوّج، وآخر لا ينام، ووليّ لا يضحك، وغيره لا ينظر إلى السّماء وغيرها من الصّور الحادثة الّتي لا تعبّر أبداً عن حقيقة هذا الدّين ولا عن واقعه الصّحيح، وقارئ هذه النّماذج يصاب بخيالاتٍ وأوهام تستقرّ في ذهنه عن النّموذج (الوليّ) ممّا يجعله: إمّا دائم السّعي للوصول إلى هذه المراتب، ولن يصل، وإمّا في يأسٍ مستقرّ في ذهنه أن يبلغ هذه المرتبة، والنّتيجة هي القعود وترك العمل.

    وطامّة أخرى يصاب بها المتأخّر: وهي أنّ كثيراً من هذه النّماذج (من طبقات الأولياء) يراها ممدوحة معظّمة في جانب الولاية والصّلاح في كتب بعضهم، فإذا اطّلع على كتب أخرى. ناقدة ممحّصة. رأى فيها أخباراً تزري هذا الوليّ، وتقذفه بأشدّ أنواع الحماقات والغفلة، فلو قرأنا مثلاً عن أبي يزيد البسطاميّ (طيفور بن عيسى) فهو الوليّ في باب الولاية حتّى أنه يسمّى بسلطان العارفين، وهو يجاهد نفسه على الدّوام حتّى أنه قال عملت في المجاهدة ثلاثين سنة.الحلية (10/36). ثمّ في موطن آخر تقرأ عنه أنّه من زنادقة الصّوفيّة فهو يقول: "سبحاني"، و "ما في الجبّة إلا الله"، ما النّار؟! لأستندنّ إليها غداً وأقول اجعلني فداءا لأهلها وإلا بلعتها، ما الجنة؟! لعبة صبيان، ومراد أهل الدّنيا. ما المحدثون؟! إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرّب. ا. هـ. ميزان الاعتدال للذهبي (2/246)، فهذا كلام زنديق لا كلام عارف ولا وليّ.

    وهكذا على هذا المنوال جرى كلّ قوم في مدح رجالهم وتعظيمهم، فأهل الحديث والرّواة يبالغون في تعظيم أئمّتهم فيسوقون عنهم الأخبار الّتي لا تعقل، مثلما ذكر بعضهم عن الإمام البخاريّ رحمهم الله تعالى في قصّة قلب الأحاديث عليه في بغداد. قال الخطيب البغدادي: “فإنّهم اجتمعوا (أهل الحديث في بغداد) وعمدوا إلى مائة حديث. فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد آخر، وإسناد هذا لمتن الآخر ودفعوها إلى عشرة أنفس. تقول الرّواية: فلمّا قرأها ردّ كلّ حديث إلى إسناده، وكلّ إسناد إلى متنه، ولم يرج عليه موضع واحد ممّا قلّبوه وركّبوه، فعظم عندهم جدّا، وعرفوا منزلتهم في هذا الشأن”. وهي قصّة لا تصحّ، ونبّه إلى عدمّ صحّتها الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى.

    وكذلك من مبالغات أهل الحديث في رجالهم قولهم عن الرّجل: (كلّ حديثٍ لا يعرفه فلان فليس بحديث). وهذه العبارة كثر ترديدها في مدح بعض المحدّثين، وهذا لا يقع أبداً، فإنّ الإمام الشّافعيّ رحمه الله تعالى نبّه في كتابه العظيم “الرّسالة” إلى خطأ هذا القول، وقال في ص139: “والعلم به (أي لسان العرب) عند العرب كالعلم بالسّنّة عند أهل الفقه... لا نعلم رجلاّ جمع السّنن فلم يذهب منها عليه شيء”.

    وصار نموذج المحدّث المتفرّغ للحديث هو النّموذج المقتدى، فهو رجل لا تشغله شاغلة، وليس له من همٍّ إلاّ الرّواية وجمع الأسانيد، فهذا الإمام أبو بكر ( الخطيب البغداديّ) عليه رحمة الله تعالى، كان حريصاً على علم الحديث، وكان يمشي في الطّريق وفي يده جزء يطالعه، انظر المنتظم لابن الجوزي (8/267). صلى الله عليه وسلموهو نهمٌ مشروع بل محبوب عند الله تعالى، ولولا هذه الهمّة العالية ما وصل إلينا دين الله تعالى، ولكنّ السّؤال: هل أبوبكر الخطيب البغداديّ هو نموذج المسلم في كلّ زمان؟ وهل إذا وقعت بالمسلمين المصائب والرّزايا ووجب على المسلمين جميعهم واجب، لم يكن لهم أن يخرجوا عن مثال الخطيب رحمه الله تعالى؟.

    وهل علينا أن نصنع كما صنع أبو حامد الغزالي وقت الحروب الصّليبية، عندما اعتزل في بيت المقدس السّنين الطّويلة وهو متفرّغ لذكر اسم الله المفرد للوصول إلى لحظة العرفان والجذبه، والمسلمون يذوقون أقصى البلايا على يد الصّليبيين الكفرة؟!.

    وكذلك عندما يقرأ المرء هذه السّير يستقرّ في ذهنه صورة مشوّهة وقاصرة، ولا تكشف لك سير الحياة الصّحيح للبشر في حركتهم ومعيشتهم لأنّها تقتصر في أخبارها على ما تريد من شخصيّة المترجَم، فالعابد لا تسوق لك من أخباره إلاّ العبادة فلو سألت مثلاً: كيف كان يأكل هذا الرّجل؟ وهل تزوّج؟ وهل كان يعاشر زوجته وأبناءه؟ وهل كان يتاجر؟ وهل ماكس في سعر بضاعته؟ وهل خاصم أحداً؟ وهي أمور لا يمكن أن تخلو منها بشريّة إنسان كائناً من كان، وهي لا تذكر في سير هؤلاء الأئمّة لأنّها ليست بشيء، ولا قيمة لذكرها. ولكننا لو عدنا إلى النّموذج الأوّل وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى التّراجم الحقيقيّة لهم وليست تراجم المتأخّرين الّتي غلب عليها المبالغة والتّهويل، لرأينا الصّورة الحقيقيّة لحركة الإنسان، وهي الصّورة الحقيقيّة لمثال الإسلام الصّحيح.

    وقد سيقت أخبارهم - رضي الله عنهم - وأخبار إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما فيها من بشريّة حقيقيّة، ومثالاً جامعاً لأنّها دين، وهي تشريع لكلّ زمان ومكان، فحينئذٍ لا ترى التّهويلات الّتي لا مكان لها في حياة البشر، فليس هناك الصّحابيّ الّذي لا يضحك أبداً، وليس هناك الصّحابيّ الذي لا يخاصم أحدا أبدا، وليس هناك الصحابي المعتزل حياة النّاس وحركتهم، وليس هناك(مدينة الموت) التي لا يوجد فيها صخب الأسواق وخصومة ا لباعة ومنازعة الحقوق، بل ترى الحياة بكل صخبها وكل حركتها، وترى بشرية الإنسان بما فيها من نوازع ورغبات وشهوات.

    فلو قرأت صحيح الإمام البخاري وصحيح مسلم لرأيت الحياة الحقيقية والنموذج الحقيقي الواضح للإنسان النموذجي، وللإسلام عندما يطبق.

    حينها ترى عبادة العباد بصورة صحيحة وترى جهاد المجاهدين بصورة صحيحة، فأنت حين ترى المسجد وما فيه من عبادة الصحابة، ترى فيها بشراً يضحكون ويتسامرون ويختصمون، بل ويتضاربون بالنّعال.

    وأنت حين ترى المجاهدين ترى شجاعة القوم ببشريّة حقيقيّة، فهم يتألّمون حين يصابون، ويصرخ أحدهم من الألم، وهم ربّما هرب المقاتل منهم فهو يصارع نفساً بشريّة فقد تغلبه وقد يغلبها، ثمّ هم يغنمون فيختصمون على الغنيمة وتعلو أصواتهم، وهم يبيعون ويشترون ويختصمون ويحتاجون إلى من يحكم لهم، وقد تخرج من فم أحدهم الكلمات (كلمات البشر حين الخصومة)، وقد يتنازعون حتّى يحلف الواحد منهم أن لا يكلّم صاحبه، بل ربّما مات أحدهم وهو مخاصم لأخيه.

    وأنت ترى الزوج في بيته في حركة حقيقيّة، فهذا يشتهي زوجته وهي قائمة تصلّي، وهذا يضرب زوجته، وهذا يداعب أولاده، وهم مع ذلك كلّه أولياء الله تعالى. إنّه النّموذج الحقيقيّ للإسلام الصّحيح والبشريّة الحقيقيّة، هم أولياء الله حقّاً، والنّخالة في غيرهم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 10:03 am