بسم الله الرحمن الرحيم
البيان القرآني لحركة الأنبياء في أقوامهم يقدمهم على أساس مشترك بينهم جميعا، وهو الحديث الدالّ على أن معركة الأنبياء وصراعهم مع الناس هو من أجل تحقيق عبودية الله فيهم، ولما كان لفظ العبادة لفظ يحمل معان كثيرة فإن التحديد هو الذي نحتاجه في هذا الوقت:
إن أعظم ما يصيب الناس في مسيرة التاريخ هو الشرك، وهو أعظم ظلم يقع في هذه الحياة، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}، وصراع الأنبياء مع هذا الاعوجاج لتقويمه ورده إلى الجادة؛ أي رده إلى التوحيد، ولأن الأنبياء هم رسل الله وعبيده فهم يقومون أول ما يقومون به بإقامة التوحيد في الأرض، ويكشفون للناس ما وقعوا فيه من ظلم لهذا الحق، ومع أن هذا الظلم يؤدي إلى مظالم أخرى؛ كالمظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أن إصلاح هذا كله لا يمكن أن يكون بمعزل عن إقامة الحق الأول، وهو حق الله على عباده، وتجاوز هذا الغرز يبعد المسلم عن العبودية التي ينبغي أن يكون عليها، أي أن يكون ممثلا لرسل الله في دعوتهم، وللتصريح فإن المسلم إذا قدم نفسه مصلحا اجتماعيا لمفسدة اجتماعية، أو إذا قدم نفسه مصلحا سياسيا للمفاسد السياسية، أو قدم نفسه مصلحا اقتصاديا للمصالح الاقتصادية تفقده هذه الصورة الكثير من معالم الصورة الرئيسية لحركة الأنبياء في القرآن، وعلى ضوء هذه المقدمة نستطيع أن نتبين الصورة الحقيقية لكل جماعة تنتسب إلى الإسلام في قربها أو بعدها عن الصورة المختزنة في القرآن الكريم عن أنبياء الله تعالى. ولنتذكر أن معركة الأنبياء مع أقوامهم هي معركة التوحيد مقابل الشرك، أي هي معركة تحت راية التوحيد.
وقد يكون هذا العرض لهذه القضية دافعا لمجموعة من قاصري النظر لرده قائلين: وهل قضية الجماعات الإسلامية مع أقوامهم المسلمين اليوم هي قضية إيمان وتوحيد مقابل شرك وكفر؟. وقد يكون السؤال أصرح وأوضح: هل وقعت أمة الإسلام في الشرك والكفر؟. وفورا سيقفز للذهن التهم التقليدية نحو أهل التوحيد: خوارج، جماعات الغلو، المارقين... وغيرها إلى آخر هذه القائمة السوداء أما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من الشرك والكفر فنعم وألف نعم. والقائلون ببراءة الأمة المنتسبة للإسلام من الشرك هم جاهلون بحقيقة التوحيد، لا يعرفون منه إلا لفظه: ولبيان هذا الأمر لما فيه من خطورة، لابد أن نسوق بعض الأحاديث المعصومة الدالة على ما قدمنا وأن طوائف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستلحق بالمشركين والكفار: فقد روى ابن ماجة وأبو داود بسند صحيح عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن مما أتخوّف على أمتي أئمة مضلين، وستعبد قبائل من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين)) ا. هـ.
فهذا حديث عظيم الفوائد، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وقد فرق صلى الله عليه وسلم بين أمرين من الشرك وهما من الأكبر، أما الأول: فهو قوله ((ستعبد قبائل من أمتي الأوثان)) وأما الثاني: ((ستلحق قبائل من أمتي بالمشركين))، ومع أن نتيجتها واحدة وهي الكفر والشرك، إلا أن الطريقة الموصلة إلى هذه النتيجة مختلفة، وليس من العبث التفصيل في بيان هاتين الصورتين، فلنسر معا قليلاً في تجلية الفرق بين الحالتين لما فيهما من الفوائد العظيمة، والتي تكشف للمسلم طوائف الكفر في العصر الذي يعيش فيه:
1 - الشرك الأول: وهو شرك عبادة الأوثان، والأوثان هي الأصنام، قال مجاهد: الصنم ما كان منحوتا على صورة، والوثن ما كان موضوعا على غير ذلك. ا. هـ.
وعبادة الأصنام والأوثان هو صنيع من مال إلى التدين الفاسد في زماننا من صوفية و قبورية، فالشيطان قد نصب على طريق هؤلاء صورا من الشرك فتن فيها الناس، ولذلك ترى الكثير من المتدينين مشركين بهذه الأوثان والمعابد، حتى جزيرة العرب التي جاهد فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لإزالة هذه الأوثان منها، قد عادت إليها، والدولة المزعومة هناك لم تر بديلاً في إماتة دعوة الشيخ هناك، سوى غض الطرف عن الطرق الصوفية والمجالس الشركية التي تعقد في مكة والمدينة من قبل طوائف الصوفية هناك.
قال صاحب قرة الموحدين: وقد وقع فيه - أي الشرك - الأذكياء من هذه الأمة بعد القرون المفضلة فاتخذت الأصنام وعبدت... وصرفت لها العبادات بأنواعها واتخذت ذلك دينا. ا. هـ. والعجب أن زعيم جماعة إسلامية كبرى، وهي جماعة “الإخوان المسلمين”؛ المحامي عمر التلمساني يعتبر أن عبادة القبور، والالتجاء إليها، والنذر عندها، والطواف حولها هي مسألة ذوقيّة، وهذا مقدار فهمه للتوحيد الذي بعث به الأنبياء، ومع هذا فإن المستشار القانوني!! سالم البهنساوي قرر في كتابه “شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر” أن التوحيد في أذهان المسلمين أوضح من نور الشمس في رابعة النهار، ويرفع النكير على من قال أن الأمة جهلت التوحيد ومقتضياته، ونحن لو رجعنا نجمع كلام الأئمة قديماً وحديثاً على جهل النّاس بالتوحيد، لضاقت بنا المجلدات، لا هذه الورقات، ويكفي أن نردد مع الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب حين قال: فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلصه منه. ا. هـ. من فتح المجيد.
2 - الشرك الثاني: وهو شرك اللحوق بالمشركين، واللحوق بالمشركين له صور متعددة تتجدد في كل زمان وتلائم شرك المشركين في ذلك الزمان، والمشركون في زماننا هذا قد تميزوا بنوع من الشرك، وهذا الشرك هو الذي دخلت فيه كثير من الطوائف المنتسبين للإسلام، وهو شرك القضاء والتحاكم، فإن الكثير من المنتسبين للإسلام لم يلحق شرك الغرب من جهة أنه صار نصرانيا أو يهودياً، وهو - بلا شك - شرك وكفر، ولكن ما هو الشرك الذي دخلت فيه الطوائف هذه الأيام؟ إنه بلا شك شرك الدساتير والقوانين الوثنية.
وقد لحقت طوائف من أمتنا بهذا الشرك والكفر، ودخلت فيه إلى أعناقها، وهذا شرك الناس هذه الأيام وأغلبه، وإذا كان شرك الناس الذين يميلون إلى التدين هو شرك عبادة الأوثان، وهو شرك المتعبدين من صوفية و قبورية وخرافية، فإن شرك البقية الباقية ممن أعرض عن التدين والعبادة، هو شرك اللحوق بمناهج ونظم وقوانين المشركين، والدخول في طوائفهم، كاللحوق بالشيوعية والعلمانية والبعثية والوطنية والقومية وغيرها من صور الشرك والكفر الأكبر، وهذا النوع من الشرك قد كثر هذه الأيام وتعاظم أكثر من غيره من صور الشرك الأخرى، وهو بلا شك صورة جديدة بهذه الكثرة لم تعهدها أمتنا من قبل على هذه الشّاكلة من الكثرة والوضوح، ولأن كثيراً من النّاس قد مات لديهم الإبداع في اكتشاف صور الشرك وتجدده في حياة النّاس، فإنهم ما زالوا يحاربون الشرك بصوره التي حاربها الأوائل من عبادة قبور وغيرها، وأما ما أحدث الناس من شرك جديد وهو شرك الطاعة والتّحاكم لغير الله فهم لا يقيمون له وزناً، ولا يرفعون له رأساً.
وإذا كان هناك من الجماعات الإسلامية ممن لم تكتشف شرك القبور، بل دخل بعض أفرادها فيه، فإنّ هناك طوائف من الجماعات الإسلامية لم تكتشف شرك القصور بل دخل بعض أفرادها فيه، وصار طوائف من هذه الجماعات جزءاً من الطوائف التي لحقت بالمشركين، فلو قيل لسلفيّ مزعوم مازال يحلم بمصارعة طواحين الهواء القديمة: لماذا أنت في هذا الجهاز الكافر لطائفة من طوائف الشرك؟ لحار جوابا ولم يدر ما يقول، وإلا فما هو عذر هؤلاء القوم من المنتسبين للتوحيد في تأييدهم لصدام حسين حينا، أو لدخول زعيم من زعمائهم وهو الشيخ محمد شقرة في طائفة الكفر في الأردن: بأن يكون مستشارا لولي عهد الطاغوت الكافر هناك.
مثل هؤلاء القوم يقيمون النكير تلو النكير على شرك القبور - مع أنهم تخلّو عن الكثير من وضوحه وجلائه- وأما شرك القوانين والدساتير فلا يهتمون به إلا من باب رفع العتب، وهذا يدل على أن التوحيد الذي بعث به الأنبياء قد أصابه الكثير من التشويه في أذهان المسلمين هذه الأيام.
نخلص من هذا إلى النتائج التالية:
1 - أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من الشرك والكفر، والممتنع هو: اجتماع الأمة على هذا الكفر والشرك.
2 - أن الشرك الواقع في هذه الأيام له صورتان:
أ ) شرك القبور: وهذا وقعت فيه طوائف المتعبدين.
ب) شرك القصور: وهذا وقعت فيه طوائف العلمانيين (الذين لا يقيمون للدين أهمية).
3 - أن الجماعات المهتدية هي التي تبرأ من الشركين، لا من أحدهما ثم تقع في الآخر.
4 - أن معركة الجماعة المهتدية هي معركة توحيد ضد كفر، وإيمان ضد شرك، وليس معركة اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، وليست هي كذلك معركة حنبلي ضد حنفي أو شافعي ضد مالكي، أو لنصرة مذهب على مذهب أو قول فقهي على قول فقهي آخر.
البيان القرآني لحركة الأنبياء في أقوامهم يقدمهم على أساس مشترك بينهم جميعا، وهو الحديث الدالّ على أن معركة الأنبياء وصراعهم مع الناس هو من أجل تحقيق عبودية الله فيهم، ولما كان لفظ العبادة لفظ يحمل معان كثيرة فإن التحديد هو الذي نحتاجه في هذا الوقت:
إن أعظم ما يصيب الناس في مسيرة التاريخ هو الشرك، وهو أعظم ظلم يقع في هذه الحياة، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}، وصراع الأنبياء مع هذا الاعوجاج لتقويمه ورده إلى الجادة؛ أي رده إلى التوحيد، ولأن الأنبياء هم رسل الله وعبيده فهم يقومون أول ما يقومون به بإقامة التوحيد في الأرض، ويكشفون للناس ما وقعوا فيه من ظلم لهذا الحق، ومع أن هذا الظلم يؤدي إلى مظالم أخرى؛ كالمظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أن إصلاح هذا كله لا يمكن أن يكون بمعزل عن إقامة الحق الأول، وهو حق الله على عباده، وتجاوز هذا الغرز يبعد المسلم عن العبودية التي ينبغي أن يكون عليها، أي أن يكون ممثلا لرسل الله في دعوتهم، وللتصريح فإن المسلم إذا قدم نفسه مصلحا اجتماعيا لمفسدة اجتماعية، أو إذا قدم نفسه مصلحا سياسيا للمفاسد السياسية، أو قدم نفسه مصلحا اقتصاديا للمصالح الاقتصادية تفقده هذه الصورة الكثير من معالم الصورة الرئيسية لحركة الأنبياء في القرآن، وعلى ضوء هذه المقدمة نستطيع أن نتبين الصورة الحقيقية لكل جماعة تنتسب إلى الإسلام في قربها أو بعدها عن الصورة المختزنة في القرآن الكريم عن أنبياء الله تعالى. ولنتذكر أن معركة الأنبياء مع أقوامهم هي معركة التوحيد مقابل الشرك، أي هي معركة تحت راية التوحيد.
وقد يكون هذا العرض لهذه القضية دافعا لمجموعة من قاصري النظر لرده قائلين: وهل قضية الجماعات الإسلامية مع أقوامهم المسلمين اليوم هي قضية إيمان وتوحيد مقابل شرك وكفر؟. وقد يكون السؤال أصرح وأوضح: هل وقعت أمة الإسلام في الشرك والكفر؟. وفورا سيقفز للذهن التهم التقليدية نحو أهل التوحيد: خوارج، جماعات الغلو، المارقين... وغيرها إلى آخر هذه القائمة السوداء أما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من الشرك والكفر فنعم وألف نعم. والقائلون ببراءة الأمة المنتسبة للإسلام من الشرك هم جاهلون بحقيقة التوحيد، لا يعرفون منه إلا لفظه: ولبيان هذا الأمر لما فيه من خطورة، لابد أن نسوق بعض الأحاديث المعصومة الدالة على ما قدمنا وأن طوائف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستلحق بالمشركين والكفار: فقد روى ابن ماجة وأبو داود بسند صحيح عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن مما أتخوّف على أمتي أئمة مضلين، وستعبد قبائل من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين)) ا. هـ.
فهذا حديث عظيم الفوائد، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وقد فرق صلى الله عليه وسلم بين أمرين من الشرك وهما من الأكبر، أما الأول: فهو قوله ((ستعبد قبائل من أمتي الأوثان)) وأما الثاني: ((ستلحق قبائل من أمتي بالمشركين))، ومع أن نتيجتها واحدة وهي الكفر والشرك، إلا أن الطريقة الموصلة إلى هذه النتيجة مختلفة، وليس من العبث التفصيل في بيان هاتين الصورتين، فلنسر معا قليلاً في تجلية الفرق بين الحالتين لما فيهما من الفوائد العظيمة، والتي تكشف للمسلم طوائف الكفر في العصر الذي يعيش فيه:
1 - الشرك الأول: وهو شرك عبادة الأوثان، والأوثان هي الأصنام، قال مجاهد: الصنم ما كان منحوتا على صورة، والوثن ما كان موضوعا على غير ذلك. ا. هـ.
وعبادة الأصنام والأوثان هو صنيع من مال إلى التدين الفاسد في زماننا من صوفية و قبورية، فالشيطان قد نصب على طريق هؤلاء صورا من الشرك فتن فيها الناس، ولذلك ترى الكثير من المتدينين مشركين بهذه الأوثان والمعابد، حتى جزيرة العرب التي جاهد فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لإزالة هذه الأوثان منها، قد عادت إليها، والدولة المزعومة هناك لم تر بديلاً في إماتة دعوة الشيخ هناك، سوى غض الطرف عن الطرق الصوفية والمجالس الشركية التي تعقد في مكة والمدينة من قبل طوائف الصوفية هناك.
قال صاحب قرة الموحدين: وقد وقع فيه - أي الشرك - الأذكياء من هذه الأمة بعد القرون المفضلة فاتخذت الأصنام وعبدت... وصرفت لها العبادات بأنواعها واتخذت ذلك دينا. ا. هـ. والعجب أن زعيم جماعة إسلامية كبرى، وهي جماعة “الإخوان المسلمين”؛ المحامي عمر التلمساني يعتبر أن عبادة القبور، والالتجاء إليها، والنذر عندها، والطواف حولها هي مسألة ذوقيّة، وهذا مقدار فهمه للتوحيد الذي بعث به الأنبياء، ومع هذا فإن المستشار القانوني!! سالم البهنساوي قرر في كتابه “شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر” أن التوحيد في أذهان المسلمين أوضح من نور الشمس في رابعة النهار، ويرفع النكير على من قال أن الأمة جهلت التوحيد ومقتضياته، ونحن لو رجعنا نجمع كلام الأئمة قديماً وحديثاً على جهل النّاس بالتوحيد، لضاقت بنا المجلدات، لا هذه الورقات، ويكفي أن نردد مع الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب حين قال: فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلصه منه. ا. هـ. من فتح المجيد.
2 - الشرك الثاني: وهو شرك اللحوق بالمشركين، واللحوق بالمشركين له صور متعددة تتجدد في كل زمان وتلائم شرك المشركين في ذلك الزمان، والمشركون في زماننا هذا قد تميزوا بنوع من الشرك، وهذا الشرك هو الذي دخلت فيه كثير من الطوائف المنتسبين للإسلام، وهو شرك القضاء والتحاكم، فإن الكثير من المنتسبين للإسلام لم يلحق شرك الغرب من جهة أنه صار نصرانيا أو يهودياً، وهو - بلا شك - شرك وكفر، ولكن ما هو الشرك الذي دخلت فيه الطوائف هذه الأيام؟ إنه بلا شك شرك الدساتير والقوانين الوثنية.
وقد لحقت طوائف من أمتنا بهذا الشرك والكفر، ودخلت فيه إلى أعناقها، وهذا شرك الناس هذه الأيام وأغلبه، وإذا كان شرك الناس الذين يميلون إلى التدين هو شرك عبادة الأوثان، وهو شرك المتعبدين من صوفية و قبورية وخرافية، فإن شرك البقية الباقية ممن أعرض عن التدين والعبادة، هو شرك اللحوق بمناهج ونظم وقوانين المشركين، والدخول في طوائفهم، كاللحوق بالشيوعية والعلمانية والبعثية والوطنية والقومية وغيرها من صور الشرك والكفر الأكبر، وهذا النوع من الشرك قد كثر هذه الأيام وتعاظم أكثر من غيره من صور الشرك الأخرى، وهو بلا شك صورة جديدة بهذه الكثرة لم تعهدها أمتنا من قبل على هذه الشّاكلة من الكثرة والوضوح، ولأن كثيراً من النّاس قد مات لديهم الإبداع في اكتشاف صور الشرك وتجدده في حياة النّاس، فإنهم ما زالوا يحاربون الشرك بصوره التي حاربها الأوائل من عبادة قبور وغيرها، وأما ما أحدث الناس من شرك جديد وهو شرك الطاعة والتّحاكم لغير الله فهم لا يقيمون له وزناً، ولا يرفعون له رأساً.
وإذا كان هناك من الجماعات الإسلامية ممن لم تكتشف شرك القبور، بل دخل بعض أفرادها فيه، فإنّ هناك طوائف من الجماعات الإسلامية لم تكتشف شرك القصور بل دخل بعض أفرادها فيه، وصار طوائف من هذه الجماعات جزءاً من الطوائف التي لحقت بالمشركين، فلو قيل لسلفيّ مزعوم مازال يحلم بمصارعة طواحين الهواء القديمة: لماذا أنت في هذا الجهاز الكافر لطائفة من طوائف الشرك؟ لحار جوابا ولم يدر ما يقول، وإلا فما هو عذر هؤلاء القوم من المنتسبين للتوحيد في تأييدهم لصدام حسين حينا، أو لدخول زعيم من زعمائهم وهو الشيخ محمد شقرة في طائفة الكفر في الأردن: بأن يكون مستشارا لولي عهد الطاغوت الكافر هناك.
مثل هؤلاء القوم يقيمون النكير تلو النكير على شرك القبور - مع أنهم تخلّو عن الكثير من وضوحه وجلائه- وأما شرك القوانين والدساتير فلا يهتمون به إلا من باب رفع العتب، وهذا يدل على أن التوحيد الذي بعث به الأنبياء قد أصابه الكثير من التشويه في أذهان المسلمين هذه الأيام.
نخلص من هذا إلى النتائج التالية:
1 - أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من الشرك والكفر، والممتنع هو: اجتماع الأمة على هذا الكفر والشرك.
2 - أن الشرك الواقع في هذه الأيام له صورتان:
أ ) شرك القبور: وهذا وقعت فيه طوائف المتعبدين.
ب) شرك القصور: وهذا وقعت فيه طوائف العلمانيين (الذين لا يقيمون للدين أهمية).
3 - أن الجماعات المهتدية هي التي تبرأ من الشركين، لا من أحدهما ثم تقع في الآخر.
4 - أن معركة الجماعة المهتدية هي معركة توحيد ضد كفر، وإيمان ضد شرك، وليس معركة اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، وليست هي كذلك معركة حنبلي ضد حنفي أو شافعي ضد مالكي، أو لنصرة مذهب على مذهب أو قول فقهي على قول فقهي آخر.