بسم الله الرحمن الرحيم
في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، يكشف الرجل المسلم فيها توافقا عجيباً بين أمور قد تبدو للنّاس لأول وهلة غريبة، لكنها بإعمال بعض النظر يظهر للمسلم التساوق العجيب بين هذه الارتباطات، وقد يلزمنا في هذه الورقات أن نكشف عما يلزمنا في مسيرة الحركة الجهاديّة للتمكين في الأرض، وما هو سبيل الله للوصول إلى هذا المطلوب.
نستطيع أن نقول قاعدة، نستمدها من مجموع بعض الآيات والأحاديث في موضوع تحقيق عبودية الله في النفس الإنسانية، هذه القاعدة هي: لا عبودية بغير تمكين. ولا مغفرة من غير فتح. ولا فتح بلا شهادة. و تسهيلا للفهم نشرح هذه العبارة بمسيرة مع بعض الآيات والأحاديث، ومعها صور من الفهم المنكوس لآراء بعض القوم لتحقيق العبودية والتمكين والفتح.
1 - لا عبودية بغير تمكين: استقر في أذهان المسلمين في هذه الأيام أن عبوديتهم لله تتحقق بمثل ما يقومون به من أعمال تعبدية فردية، فهم يصلون ويصومون ويحجّون، ويذكرون الله كثيراً، وإذا حدثتهم عن مهمة الإسلام العظمى وهي بسط سلطان الله في الأرض، وتمكين دين الله في الوجود، عدّوا ذلك من نافلة القول في موضوع العبودية، بل قد وصل الأمر ببعض (الأذكياء) أن يعدّ الحديث عن هذا الأمر (أي الحاكمية) هو حديث الباحثين عن الشهوة في الحكم، فهذا سلفي مزعوم وهو الدكتور ربيع المدخلي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله"، يقرّر أن الإمامة ليست من قواعد أهل السنة والجماعة، وهو يسوق حديثه ضدّ بعض الجماعات المسلمة التي تتكلم عن موضوع تحكيم الشريعة الإسلامية وأنه مهمّة عظمى، وساق هذا الرجل الواهم كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الإمامة في ردّه على الشيعة الروافض وعقيدتهم في الإمامة، والأمر بينهما جدّ مختلف ويبصره صغار الطلبة وأنصاف المتعلمين، لكنّ هذا الرجل (ربيع المدخلي) يكفيه أن يعلن أنه سلفي!! ليكون إماماً لبعض الصبية الأغرار ممّن تغرّهم الشعارات والعبارات البرّاقة. الإمامة في دين الله مطلب شرعي، ولا تتحقق عبودية المسلم في الأرض إلا إذا صار إماماً، ونقصد هنا بالإمامة والإمام هو التمكين بالغلبة والقوة. فكلّما زاد تمكين المسلم في الأرض كلّما زادت عبوديته، وكلّما نقص تمكين المسلم في الأرض كلّما نقصت عبوديته.
والآن من أين لنا هذا الفهم؟.
هذا الفهم له أدلة كثيرة منها: أولاً: قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر، وقال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون} الصافّات، وقال تعالى: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون} الأنبياء، وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم}.هذه الآيات وغيرها الكثير تربط بين صدق الدعوى وصدق الوعد.
أما الدعوى فهي الإيمان وهي أعلى مراتب تحقيق العبودية.
وأمّا الوعد فهو التمكين، فإذا وجدت الدعوى فلا بد أن يتحقق الوعد، وتخلف الوعد يدل لزوماً على تخلف الدعوى، وللتذكير فإنّ هذه القواعد القرآنية هي قواعد الجماعة ولا تعمل إلا من خلال الجماعة، وإذا تأملت في الآيات السالفة بعين نظر رأيت صفة الجمع للدعوى: {الّذين آمنوا} و {جندنا} و {عبادي الصّالحون} فإنها تتكلم عن جماعة لا عن أفراد، وهذه قاعدة سنتكلم عليها إن شاء الله في مقام قادم.
فالتمكين الّذي هو النصر والغلبة هو مظهر من مظاهر عبودية المسلم في الأرض، وطلب التمكين في الأرض هو أمر إلهي واجب، على القاعدة التي تقدمت في مقال سابق وهي أنّ الوعود الإلهية هي أوامر لتحقيق أسبابها والسعي في إدراكها، فأي جماعة لا تعمل في أسباب التمكين في الأرض بالغلبة والقوة هي جماعة لا تستحق أن تلج باب العبودية لرب الأرباب، والتمكين لا يتمّ إلاّ بالفتح كما أن الفتح لا يتم إلا بشهادة كما سنبين في الفقرات القادمة.
وأمّا قول بعضهم من جماعات الوهم الساذج، أو جماعات الفكر العرفاني - وهم الذين لا يرون الارتباط بين السبب الكوني والنتيجة القدرية - أنّ التمكين يتمّ عن طريق البلاغ فقط، أو عن طريق التصفية والتربية (بالمفهوم الصوفي الجديد تحت دعوى السلفية) أو عن طريق صندوق العجائب، فهؤلاء قوم فلتوا من البيمارستانات (أي المصحات العقلية) عن طريق الخطأ.
ثانيا: إن الكثير من الآيات الربانية، والأوامر النبوية لا يمكن أن يعملها المسلم إلا في زمن التمكين، وذلك لعجزه عنها، والعجز سبب من أسباب عدم تحقق تطبيق الأمر الإلهي الذي هو في النتيجة تخلف كمال العبودية لله، فهذه الحدود والتعذيرات والاستعلاء على الكافرين وغيرها الكثير من الأوامر لا يمكن أن يقدر عليها المسلم إلا بتمكين.
2 - لا مغفرة من غير فتح: بتمام العبودية لرب العباد يمنّ الله على عباده بالغفران، وقلنا أن العبودية تساوي التمكين، والتمكين يكون بالنصر والغلبة وهما يعنيان الفتح؛ قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا}، فانظر حفظك الله ورعاك إلى التلازم بين فتح الله لنبيه (وهو ظهور دين الله تعالى على كلّ الأديان بالسيف والسّنان كما ظهر بالحجّة والبيان) وبين طلب الله منه أن يستغفر ربّه، وقال تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصرا عزيزا} الفتح.
نعم أخي، ورجائي منك أن تردّد هذه الآية كثيراً وتتنبه إلى الجمع بين الفتح والمغفرة، إنا فتحنا= ليغفر+ ينصر. فالفتح نتيجة المغفرة والنّصر، لأن الفتح لا يقع إلا بتوبة وجهاد. فالمغفرة لا تقع إلاّ باستغفار، والنّصر لا يقع إلا بقتال، فالفتح لا يقع إلا باستغفار وجهاد، فإذا غاب الفتح عن العبيد دلّ على أنّ المغفرة لن تقع، وقد أدرك هذا الصّالحون من عباد الله؛ قال تعالى: {وكأين من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحبّ الصابرين، وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فآتاهم الله ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحبُّ المحسنين} آل عمران. هذه الآيات العظيمة، نزلت بعد موقعة أحد، حيث امتنع فيها الفتح، فأرشدهم الله إلى صنيع الأوائل، وكيف هي سنّته سبحانه وتعالى في وقوع الفتح، حيث عبّر عنه في هذه الآية بقوله {ثواب الدنيا}. فإذا أتى الله عباده {ثواب الدنيا} دلّ هذا على وقوع المغفرة، وتأخر النصر يدل على تخلف المغفرة.
3 - لا فتح إلا بشهادة: في قراءة مشهورة للآية السابقة {وكأين من نبيّ...} تقرأ: {وكأيّن من نبيّ قُتل (بدل قاتل) معه ربّيون كثير...} الخ. الآيات. فالآية بهذه القراءة وبالقراءة السابقة كذلك تدلّنا على سنة الله مع أوليائه أن يتخذهم شهداء، قال تعالى: {هذا بيان للنّاس وهدى وموعظة للمتقين، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين النّاس وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحبّ الظّالمين} آل عمران. فمن مقاصد الرب سبحانه وتعالى في وقوع البلاء الّذي هو مقدّمة النصر والتمكين، كما سئل الإمام الشّافعي: أيما أفضل للرّجل أن يمكّن أو يبتلى؟ فقال الشّافعي: لا يمكّن حتّى يبتلى. ا. هـ. الفوائد لابن القيّم. قلت: من مقاصد الرب سبحانه وتعالى في وقوع البلاء هو اتخاذ الشهداء، وعلى هذا فيجب على الجماعة المهتدية أن تنشئ في نفوس أتباعها حبّ الشهادة وطلبها والسعي لها لأنها مقصد إلهي ولأنها الطريق نحو النّصر والتمكين، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه على الموت، وكانوا رضي الله عنهم يطلبون الموت مظانّه لما علموا من حبّ الله تعالى في اتّخاذ الشهداء، قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}.
وعلى هذا فإنّا نخلص إلى النّتائج التّالية:
أ) الجماعة المهتدية هي الّتي تسعى إلى تحقيق عبودية الله تعالى في الأرض بتمكين دين الله، وببسط سلطان الله في النّاس.
ب) الجماعة المهتدية علمت أنّ هذه العبودية لا تتمّ إلاّ بالفتح وأن أسباب الفتح هو القتل والقتال.
جـ) الجماعة المهتدية هي الّتي يجتبيها الله بأن يتخذ منها شهداء، أمّا جماعات الانحراف والتزوير فهم الّذين يفرزون قيح الرأي بأخذ جانب السّلامة فيستبدلون القتل والقتال بالبرلمان حيناً أو بالبلاغ فقط حيناً أو بتحقيق كتب التّراث حيناً أو بالتّربية الموهومة حيناً وكلّ هذه الطّرق تؤدّي إلى الذّلة والهوان إذا اتّخذت سبيلاً للتّمكين، والله الهادي سواء السبيل.
في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، يكشف الرجل المسلم فيها توافقا عجيباً بين أمور قد تبدو للنّاس لأول وهلة غريبة، لكنها بإعمال بعض النظر يظهر للمسلم التساوق العجيب بين هذه الارتباطات، وقد يلزمنا في هذه الورقات أن نكشف عما يلزمنا في مسيرة الحركة الجهاديّة للتمكين في الأرض، وما هو سبيل الله للوصول إلى هذا المطلوب.
نستطيع أن نقول قاعدة، نستمدها من مجموع بعض الآيات والأحاديث في موضوع تحقيق عبودية الله في النفس الإنسانية، هذه القاعدة هي: لا عبودية بغير تمكين. ولا مغفرة من غير فتح. ولا فتح بلا شهادة. و تسهيلا للفهم نشرح هذه العبارة بمسيرة مع بعض الآيات والأحاديث، ومعها صور من الفهم المنكوس لآراء بعض القوم لتحقيق العبودية والتمكين والفتح.
1 - لا عبودية بغير تمكين: استقر في أذهان المسلمين في هذه الأيام أن عبوديتهم لله تتحقق بمثل ما يقومون به من أعمال تعبدية فردية، فهم يصلون ويصومون ويحجّون، ويذكرون الله كثيراً، وإذا حدثتهم عن مهمة الإسلام العظمى وهي بسط سلطان الله في الأرض، وتمكين دين الله في الوجود، عدّوا ذلك من نافلة القول في موضوع العبودية، بل قد وصل الأمر ببعض (الأذكياء) أن يعدّ الحديث عن هذا الأمر (أي الحاكمية) هو حديث الباحثين عن الشهوة في الحكم، فهذا سلفي مزعوم وهو الدكتور ربيع المدخلي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله"، يقرّر أن الإمامة ليست من قواعد أهل السنة والجماعة، وهو يسوق حديثه ضدّ بعض الجماعات المسلمة التي تتكلم عن موضوع تحكيم الشريعة الإسلامية وأنه مهمّة عظمى، وساق هذا الرجل الواهم كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الإمامة في ردّه على الشيعة الروافض وعقيدتهم في الإمامة، والأمر بينهما جدّ مختلف ويبصره صغار الطلبة وأنصاف المتعلمين، لكنّ هذا الرجل (ربيع المدخلي) يكفيه أن يعلن أنه سلفي!! ليكون إماماً لبعض الصبية الأغرار ممّن تغرّهم الشعارات والعبارات البرّاقة. الإمامة في دين الله مطلب شرعي، ولا تتحقق عبودية المسلم في الأرض إلا إذا صار إماماً، ونقصد هنا بالإمامة والإمام هو التمكين بالغلبة والقوة. فكلّما زاد تمكين المسلم في الأرض كلّما زادت عبوديته، وكلّما نقص تمكين المسلم في الأرض كلّما نقصت عبوديته.
والآن من أين لنا هذا الفهم؟.
هذا الفهم له أدلة كثيرة منها: أولاً: قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر، وقال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون} الصافّات، وقال تعالى: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون} الأنبياء، وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم}.هذه الآيات وغيرها الكثير تربط بين صدق الدعوى وصدق الوعد.
أما الدعوى فهي الإيمان وهي أعلى مراتب تحقيق العبودية.
وأمّا الوعد فهو التمكين، فإذا وجدت الدعوى فلا بد أن يتحقق الوعد، وتخلف الوعد يدل لزوماً على تخلف الدعوى، وللتذكير فإنّ هذه القواعد القرآنية هي قواعد الجماعة ولا تعمل إلا من خلال الجماعة، وإذا تأملت في الآيات السالفة بعين نظر رأيت صفة الجمع للدعوى: {الّذين آمنوا} و {جندنا} و {عبادي الصّالحون} فإنها تتكلم عن جماعة لا عن أفراد، وهذه قاعدة سنتكلم عليها إن شاء الله في مقام قادم.
فالتمكين الّذي هو النصر والغلبة هو مظهر من مظاهر عبودية المسلم في الأرض، وطلب التمكين في الأرض هو أمر إلهي واجب، على القاعدة التي تقدمت في مقال سابق وهي أنّ الوعود الإلهية هي أوامر لتحقيق أسبابها والسعي في إدراكها، فأي جماعة لا تعمل في أسباب التمكين في الأرض بالغلبة والقوة هي جماعة لا تستحق أن تلج باب العبودية لرب الأرباب، والتمكين لا يتمّ إلاّ بالفتح كما أن الفتح لا يتم إلا بشهادة كما سنبين في الفقرات القادمة.
وأمّا قول بعضهم من جماعات الوهم الساذج، أو جماعات الفكر العرفاني - وهم الذين لا يرون الارتباط بين السبب الكوني والنتيجة القدرية - أنّ التمكين يتمّ عن طريق البلاغ فقط، أو عن طريق التصفية والتربية (بالمفهوم الصوفي الجديد تحت دعوى السلفية) أو عن طريق صندوق العجائب، فهؤلاء قوم فلتوا من البيمارستانات (أي المصحات العقلية) عن طريق الخطأ.
ثانيا: إن الكثير من الآيات الربانية، والأوامر النبوية لا يمكن أن يعملها المسلم إلا في زمن التمكين، وذلك لعجزه عنها، والعجز سبب من أسباب عدم تحقق تطبيق الأمر الإلهي الذي هو في النتيجة تخلف كمال العبودية لله، فهذه الحدود والتعذيرات والاستعلاء على الكافرين وغيرها الكثير من الأوامر لا يمكن أن يقدر عليها المسلم إلا بتمكين.
2 - لا مغفرة من غير فتح: بتمام العبودية لرب العباد يمنّ الله على عباده بالغفران، وقلنا أن العبودية تساوي التمكين، والتمكين يكون بالنصر والغلبة وهما يعنيان الفتح؛ قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا}، فانظر حفظك الله ورعاك إلى التلازم بين فتح الله لنبيه (وهو ظهور دين الله تعالى على كلّ الأديان بالسيف والسّنان كما ظهر بالحجّة والبيان) وبين طلب الله منه أن يستغفر ربّه، وقال تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصرا عزيزا} الفتح.
نعم أخي، ورجائي منك أن تردّد هذه الآية كثيراً وتتنبه إلى الجمع بين الفتح والمغفرة، إنا فتحنا= ليغفر+ ينصر. فالفتح نتيجة المغفرة والنّصر، لأن الفتح لا يقع إلا بتوبة وجهاد. فالمغفرة لا تقع إلاّ باستغفار، والنّصر لا يقع إلا بقتال، فالفتح لا يقع إلا باستغفار وجهاد، فإذا غاب الفتح عن العبيد دلّ على أنّ المغفرة لن تقع، وقد أدرك هذا الصّالحون من عباد الله؛ قال تعالى: {وكأين من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحبّ الصابرين، وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فآتاهم الله ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحبُّ المحسنين} آل عمران. هذه الآيات العظيمة، نزلت بعد موقعة أحد، حيث امتنع فيها الفتح، فأرشدهم الله إلى صنيع الأوائل، وكيف هي سنّته سبحانه وتعالى في وقوع الفتح، حيث عبّر عنه في هذه الآية بقوله {ثواب الدنيا}. فإذا أتى الله عباده {ثواب الدنيا} دلّ هذا على وقوع المغفرة، وتأخر النصر يدل على تخلف المغفرة.
3 - لا فتح إلا بشهادة: في قراءة مشهورة للآية السابقة {وكأين من نبيّ...} تقرأ: {وكأيّن من نبيّ قُتل (بدل قاتل) معه ربّيون كثير...} الخ. الآيات. فالآية بهذه القراءة وبالقراءة السابقة كذلك تدلّنا على سنة الله مع أوليائه أن يتخذهم شهداء، قال تعالى: {هذا بيان للنّاس وهدى وموعظة للمتقين، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين النّاس وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحبّ الظّالمين} آل عمران. فمن مقاصد الرب سبحانه وتعالى في وقوع البلاء الّذي هو مقدّمة النصر والتمكين، كما سئل الإمام الشّافعي: أيما أفضل للرّجل أن يمكّن أو يبتلى؟ فقال الشّافعي: لا يمكّن حتّى يبتلى. ا. هـ. الفوائد لابن القيّم. قلت: من مقاصد الرب سبحانه وتعالى في وقوع البلاء هو اتخاذ الشهداء، وعلى هذا فيجب على الجماعة المهتدية أن تنشئ في نفوس أتباعها حبّ الشهادة وطلبها والسعي لها لأنها مقصد إلهي ولأنها الطريق نحو النّصر والتمكين، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه على الموت، وكانوا رضي الله عنهم يطلبون الموت مظانّه لما علموا من حبّ الله تعالى في اتّخاذ الشهداء، قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}.
وعلى هذا فإنّا نخلص إلى النّتائج التّالية:
أ) الجماعة المهتدية هي الّتي تسعى إلى تحقيق عبودية الله تعالى في الأرض بتمكين دين الله، وببسط سلطان الله في النّاس.
ب) الجماعة المهتدية علمت أنّ هذه العبودية لا تتمّ إلاّ بالفتح وأن أسباب الفتح هو القتل والقتال.
جـ) الجماعة المهتدية هي الّتي يجتبيها الله بأن يتخذ منها شهداء، أمّا جماعات الانحراف والتزوير فهم الّذين يفرزون قيح الرأي بأخذ جانب السّلامة فيستبدلون القتل والقتال بالبرلمان حيناً أو بالبلاغ فقط حيناً أو بتحقيق كتب التّراث حيناً أو بالتّربية الموهومة حيناً وكلّ هذه الطّرق تؤدّي إلى الذّلة والهوان إذا اتّخذت سبيلاً للتّمكين، والله الهادي سواء السبيل.