بسم الله الرحمن الرحيم
أسرّ لي بعض الأذكياء حديثاً نجيّاً سائلاً، وابتسامة تملأ شفتيه قائلاً: من هو السّلفيّ المزعوم الّذي تحدّثت عنه في مقاليك؟ وهل هناك سلفيّ مزعوم وآخر غير مزعوم؟ وما هي السّلفية الحقّة؟.
وهو سؤال يدلّ على مكر صاحبه في استخراج المراد من المقابل، ويكشف لك أن الابتسامة الّتي نشرها على صفحة وجهه وراءها الكثير من النّباهة والذكاء، وهذه الأسئلة تدفعك لترك العمومات الّتي ما عادت تشفي غليلاً، ولا تطبُّ عليلاً، ولا تفيد منهوماً، ولمّا كان الأخ السّائل، قد أوهمني أن هذه الأسئلة لا بدّ أن تدور بين النّاس، بل هي قد دارت، فكان لزاماً علي أن أجيب، والإجابة بالتّصريح لا بالتّلميح، وأنا أحمد الله تعالى الّذي يسّر لي نشرة “الأنصار” الّتي لا تردّ لي مقالاً وخاصّةً تلك المقالات الّتي (تخزق الطّاقية). وهو مثل عامّي يعني أنّ قائل الحقّ لا يبقى له صاحب. وقبل أن أكشف ستر السّلفي المزعوم فإنّه من الواجب عليّ أن أمر على تعريف السّلفية، وماذا تعني كما هي في نفسها، دون رتوش تزور حقيقتها، أو زيادات تطمس صورتها، لأنّ السّلفية شعار، وهي ككلّ الشّعارات التي تحتاج بين الفينة والأخرى إلى التّوضيح والتّجلية، لما يدخل فيها من عوامل الحياة من الدخن التي تشوّه حقيقتها، وإذا كان الإسلام في وقت عزّته قد دخل فيه من أهل النّفاق والزندقة والبدع ما شوه وجه حقيقته، والإسلام اسم رضيه الله لعباده المؤمنين على مرّ الأزمان، فكيف باسم “السّلفية” فهو شعار ولا شكّ قد تلبّس به وتدثّر بدثاره قوم رأوا فيه تحقيق مكاسبهم الدّنيوية، وتحقيق أمراض أهوائهم وقلوبهم، وصاروا بهذا الشعار لهم الحقّ في ممارسة كلّ قبيح، والتّلبّس بكلّ رذيلة، والولوج في كلّ معصية، ثمّ الرّافع لهذا الشّعار يحصل له بركة أخرى وهي عظيمة، دونها تقطع الأعناق، ألا وهي هذه الجنود المجنّدة من الغوغاء، أتباع شعار السّلفية الّذين يدافعون عنه بحقّ أو بباطل تحت حجّة (هذا عقيدته صحيحة!!)، هذه الجنود، أصحاب النّوايا الطّيبة، والعقول الفارغة، عملهم دوما رفع متاريس الدفاع عن أيّ سلفي، مزعوم وغير مزعوم، يصدّون عن كلّ من حام حوله بنقدٍ أو تقويم، ويطعنون بكلِّ من لا يرضى إمامته بشتَّى التّهم وأشهر هذه التّهم: هذا رجل لا يحترم العلماء!!، هذا رجل من أهل الغلوّ!! هذا رجلٌ غير سلفيٍّ!!، وغيرها الكثير من القائمة السوداء التي اقتبسوها من إيحاء لمّة الشّيطان (عياذاً بالله)، وهذه التّهم لم ينج منها في زماننا هذا إلاّ القليل، ممّن رضي أن يربط عقله برباط التّقليد، والتّسليم لأصحاب صكوك الغفران، وقد يعجب بعض الشّباب من هذه الأقوال، ويروا فيها تهماً شنيعة، ولكن يكفي أن أذكّر القارئ المسلم بأمر يدلّه على ما وراءه، ممّا نذكره وممّا غاب عنّا، هذا الأمر هو:
في بلاد أتقنت استخدام شعار السّلفية (العقيدة الصّحيحة)، وستر كفرها بهذا الشعار، هذه الدولة الكافرة هي “السعودية”، ولا يجهل كفر هذه الدّولة وينكره إلاّ من طمس الله بصيرته وعقله، هذه الدّولة لمجرّد رفعها هذا الشِّعار، تجنِّد للدّفاع عنها، وتبرير أفعالها قطعاناً من البشر الجاهل، أكشف لك بعض أوصافهم أو أسمائهم:
1 - في إحدى العواصم الأوروبيّة (بريطانيا) جمعيّة تسمّى "جمعيّة منهاج إحياء الكتاب والسّنة"، هذه جمعية سلفية!! فيما تزعم وتدّعي، وعامّة أفرادها من العجم، والكثير من قادتها تخرّجوا من الجامعات السّعودية، هذه الجماعة، لا يمكن أن تقبل حبيباً أو صديقا، يوجّه كلمة نقدٍ لدولة (التوحيد الوحيدة في العام)، وكلّ الذّنوب تغفر ولا يؤبه لها مقابل حبّ السعوديّة ومليكها (المحبوب)، نعم إنّها سلفيّة، لكنّها (سلفية+ رواتب)، ومثل هذه الجمعية الكثير من أخواتها المنتشرة في العالم الإسلامي، وخاصّة بلاد العجم كـ "جمعيّة أهل الحديث في باكستان" وفروعها المتعددة. وهي بحق جمعية أهل الحديث، ولكنّه الحديث الموضوع لا الحديث الصحيح.
2 - في السّعودية قوم مهاجرون لطلب العلم من ليبيا، وهم من تلاميذ السّلفي المزعوم الدّكتور ربيع المدخلي الّذي تقدّم ذكره في مقال سابق، هؤلاء القوم أوفياء لتلك الدّولة أكثر من آل سعود أنفسهم، حتّى وصل هذا الوفاء القبيح أن يذهب هؤلاء التّلاميذ (السلفيّون) إلى دائرة الشّرطة هناك ليكشفوا للدّولة بعض الشّباب الّذين دخلوا إلى دولة (التوحيد) بطريق غير قانونيّ، أو مكثوا فيها من غير إقامة صدرت من دوائر (الإمام) المزعوم، فأخذ هؤلاء الشّباب وطردوا من (جنّة) السّلفيّين ودولتهم المزعومة، نعم إنها (سلفية) في خدمة السلفية، أو بتسمية صحيحة: سلفيّة+ عمالة.
3 - ألّف بعض الشّباب الموحّد كتاباً سمّاه “الكواشف الجليّة في كفر الدّولة السّعودية”، وبجهود بعض الشّباب المجاهد دخل هذا الكتاب أرض الجزيرة، وتداوله النّاس، وحاول بعض الأذكياء أن يقدمه هديّة لبعض الشّيوخ - شيخ عِلم لا شيخ عشيرة - ليطّلع عليه، ويفيد منه، وإذا كان له بعض الملاحظات لينتفع كاتبه بها فليذكرها، قال الراوي: دخلت على الشّيخ في مجلسه، وناولته الكتاب، نظر الشّيخ إلى طرّته (عنوانه)، انتفض الشّيخ، أرغى وأزبد، شتم وقذف، غضب غضبة لم تعهد منه، ثمّ ركض إلى التّلفون قائلاً: الآن سأتّصل بوزارة الدّاخلية، وأخبر الوزير بهذا الكتاب ليقضي عليه، قام الحضور وهدّؤوا الشّيخ، وخفّفوا من غضبه، ومارسوا كلّ أصناف المهدِّئات حتّى سكن غضب الشّيخ، جلس الشّيخ على المقعد الوثير ثمَّ توجَّه إلى الحضور قائلاً: من كان منكم يعرف مؤلِّف الكتاب فليخبره أنِّي أحكم عليه أنَّه كافر بالله العظيم، قولوا له: إنَّك بتأليف هذا الكتاب كفرت بالله العظيم، قال الرّاوي: وجِم الحضور لهول المفاجأة، ودارت بهم رؤوسهم، لكنَّ ردَّهم لرشدهم شابٌّ جريء، هذا الشّابّ توجه لشيخ العلم، وعلَمَ الدّنيا سائلاً: شيخنا هل قرأت الكتاب من قبل؟ ردَّ الشَّيخ قائلاً: لا، لم أقرأه، ولا أريد قراءته!!! وانتهت الحكاية المرسلة. نعم إنَّها سلفيّة، ولكنَّها سلفيّة زادت إلى أركان الإيمان ركناً جديداً، هو الإيمان بكلِّ سلفيّ حتّى ولو كان كافرا، حتى لو كان هذا السَّلفيّ هو آل سعود، لأنَّ آل سعود من أصحاب: (العقيدة الصَّحيحة)، وتستطيع أن تنطقها: العكيدة الصّحيحة.
هذه الصور وأمثالها الكثير في الجعبة تستدعي منّا أن نكشف لثام السَّلفية الحقّة كما هي عند أصحابها الأوفياء لها، الحامين لذمَّتها.
والآن ما هي السَّلفية؟:
السّلفية على مدار التّاريخ الإسلامي تتمثّل بأمرين:
أولاهما: منهج علمي في التّعامل مع الأصلين (الكتاب والسنة) حيث تقوم على اعتمادهما فقط ونبذ ما سواهما في الصُّدور عنهما بالحكم المراد للحركة والحياة.
ثانيهما: حركة حياة وسلوك طريق في تطبيق هذا المنهج.
فالسّلفيَّة هي ذلك المنهج الّذي اختطّه الأوائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً، هكذا هي السَّلفية وهكذا ينبغي أن تكون، ومن رحمة الله تعالى بهذا المنهج العلميّ العمليّ أن أقام له رجالاً تعاملوا معه بأسمى حالات الكمال حتّى صاروا هم المنهج، والمنهج هم، فحينئذٍ ارتبط اسم المنهج بشخوصهم وتقيّد بهم فأطلق اسم المنهج عليهم بكونهم السلف الّذين سبقوا الكلّ في تطبيق المنهج قدْراً وزماناً.
فالتَّابعون تعاملوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم: (منهج+ سلف)، ومن بَعدَهم تعامل مع التَّابعين على أنهم لهم: (منهج+ سلف)، وهكذا، ولمّا كثرت البدع في نهاية القرن الثّاني وبداية القرن الثّالث، وخاصّةً بدع أهل الكلام، في تقديم منهج بدعيّ جديد في التَّعامل مع الأصلين، واختلطت الأمور، نشط أهل السنَّة في تمييز المنهج عن غيره، وكذلك في كشف رجال المنهج السَّلفي عن غيرهم من أصحاب المناهج الخلَفيّة الأخرى، وصار بعض أهل العلم هم أصحاب المنهج، ولهم ينسب، وصاروا هم المقياس في ردِّ الآخرين لهم، وقد ذكر الإمام الكرخي - رحمه الله تعالى - هؤلاء الرِّجال في كتاب سمّاه: “الفصول في الفصول عن الأئمَّة الإثنى عشر الفحول”، وهؤلاء الأئمة هم: مالك والشّافعي وسفيان الثَّوري وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد واسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة والأوزاعي ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان. انظر "درء تعارض العقل والنّقل" لابن تيمية (مج2ص95-98)
هؤلاء العلماء ليسوا هم فقط، ولكن غيرهم يرجع إليهم في توضيح هذا المنهج القويم. وبعد هذا نخلص إلى النّتائج التّاليــة:
1 - تحت كلِّ شعار زيوف ونقد- وكذلك السَّلفية - ففيها الزَّيف وفيها الحق، ولذلك ينبغي التَّعامل مع الحقائق لا مع الشِّعارات، مع أهميّة الشِّعار وضرورته.
2 - السّلفية منهج علميّ عمليّ، أئمّته هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم تبع لهم، فلهم وحدهم حقُّ التّقويم والرشد.
3 - علينا أن ندرك خطأ وانحراف من قرن السّلفية بشخص لا يؤمن عليه الفتنة في فهمه للحركة والحياة، وكذلك علينا أن ندرك ضلال وبدعية من جعلها تنظيما وحزباً وتجمعاً، وأشدّ من هؤلاء ضلالاً وانحرافاً هو جعل السَّلفية علاقة بين أفراد، فهذا سلفيّ لأنّه معروف لهذه الجهة، أو تتلمذ على يديها، وهذا غير سلفيّ لأنّه غير معروف لديها، أو لم يسلّم لهذه الجهة رقبته لتقوده كالدَّابّة، ثمّ علينا أن ندرك خطأ وانحراف من جعل السّلفية مذهبا فقهياً، يوالي ويعادي عليه.
ولنا وقفة أخرى إن شاء الله تعالى من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطّائفة المنصورة، ومن هو السّلفي الحق في هذا الوقت، ومن هو السَّلفي المزعوم؟.
أسرّ لي بعض الأذكياء حديثاً نجيّاً سائلاً، وابتسامة تملأ شفتيه قائلاً: من هو السّلفيّ المزعوم الّذي تحدّثت عنه في مقاليك؟ وهل هناك سلفيّ مزعوم وآخر غير مزعوم؟ وما هي السّلفية الحقّة؟.
وهو سؤال يدلّ على مكر صاحبه في استخراج المراد من المقابل، ويكشف لك أن الابتسامة الّتي نشرها على صفحة وجهه وراءها الكثير من النّباهة والذكاء، وهذه الأسئلة تدفعك لترك العمومات الّتي ما عادت تشفي غليلاً، ولا تطبُّ عليلاً، ولا تفيد منهوماً، ولمّا كان الأخ السّائل، قد أوهمني أن هذه الأسئلة لا بدّ أن تدور بين النّاس، بل هي قد دارت، فكان لزاماً علي أن أجيب، والإجابة بالتّصريح لا بالتّلميح، وأنا أحمد الله تعالى الّذي يسّر لي نشرة “الأنصار” الّتي لا تردّ لي مقالاً وخاصّةً تلك المقالات الّتي (تخزق الطّاقية). وهو مثل عامّي يعني أنّ قائل الحقّ لا يبقى له صاحب. وقبل أن أكشف ستر السّلفي المزعوم فإنّه من الواجب عليّ أن أمر على تعريف السّلفية، وماذا تعني كما هي في نفسها، دون رتوش تزور حقيقتها، أو زيادات تطمس صورتها، لأنّ السّلفية شعار، وهي ككلّ الشّعارات التي تحتاج بين الفينة والأخرى إلى التّوضيح والتّجلية، لما يدخل فيها من عوامل الحياة من الدخن التي تشوّه حقيقتها، وإذا كان الإسلام في وقت عزّته قد دخل فيه من أهل النّفاق والزندقة والبدع ما شوه وجه حقيقته، والإسلام اسم رضيه الله لعباده المؤمنين على مرّ الأزمان، فكيف باسم “السّلفية” فهو شعار ولا شكّ قد تلبّس به وتدثّر بدثاره قوم رأوا فيه تحقيق مكاسبهم الدّنيوية، وتحقيق أمراض أهوائهم وقلوبهم، وصاروا بهذا الشعار لهم الحقّ في ممارسة كلّ قبيح، والتّلبّس بكلّ رذيلة، والولوج في كلّ معصية، ثمّ الرّافع لهذا الشّعار يحصل له بركة أخرى وهي عظيمة، دونها تقطع الأعناق، ألا وهي هذه الجنود المجنّدة من الغوغاء، أتباع شعار السّلفية الّذين يدافعون عنه بحقّ أو بباطل تحت حجّة (هذا عقيدته صحيحة!!)، هذه الجنود، أصحاب النّوايا الطّيبة، والعقول الفارغة، عملهم دوما رفع متاريس الدفاع عن أيّ سلفي، مزعوم وغير مزعوم، يصدّون عن كلّ من حام حوله بنقدٍ أو تقويم، ويطعنون بكلِّ من لا يرضى إمامته بشتَّى التّهم وأشهر هذه التّهم: هذا رجل لا يحترم العلماء!!، هذا رجل من أهل الغلوّ!! هذا رجلٌ غير سلفيٍّ!!، وغيرها الكثير من القائمة السوداء التي اقتبسوها من إيحاء لمّة الشّيطان (عياذاً بالله)، وهذه التّهم لم ينج منها في زماننا هذا إلاّ القليل، ممّن رضي أن يربط عقله برباط التّقليد، والتّسليم لأصحاب صكوك الغفران، وقد يعجب بعض الشّباب من هذه الأقوال، ويروا فيها تهماً شنيعة، ولكن يكفي أن أذكّر القارئ المسلم بأمر يدلّه على ما وراءه، ممّا نذكره وممّا غاب عنّا، هذا الأمر هو:
في بلاد أتقنت استخدام شعار السّلفية (العقيدة الصّحيحة)، وستر كفرها بهذا الشعار، هذه الدولة الكافرة هي “السعودية”، ولا يجهل كفر هذه الدّولة وينكره إلاّ من طمس الله بصيرته وعقله، هذه الدّولة لمجرّد رفعها هذا الشِّعار، تجنِّد للدّفاع عنها، وتبرير أفعالها قطعاناً من البشر الجاهل، أكشف لك بعض أوصافهم أو أسمائهم:
1 - في إحدى العواصم الأوروبيّة (بريطانيا) جمعيّة تسمّى "جمعيّة منهاج إحياء الكتاب والسّنة"، هذه جمعية سلفية!! فيما تزعم وتدّعي، وعامّة أفرادها من العجم، والكثير من قادتها تخرّجوا من الجامعات السّعودية، هذه الجماعة، لا يمكن أن تقبل حبيباً أو صديقا، يوجّه كلمة نقدٍ لدولة (التوحيد الوحيدة في العام)، وكلّ الذّنوب تغفر ولا يؤبه لها مقابل حبّ السعوديّة ومليكها (المحبوب)، نعم إنّها سلفيّة، لكنّها (سلفية+ رواتب)، ومثل هذه الجمعية الكثير من أخواتها المنتشرة في العالم الإسلامي، وخاصّة بلاد العجم كـ "جمعيّة أهل الحديث في باكستان" وفروعها المتعددة. وهي بحق جمعية أهل الحديث، ولكنّه الحديث الموضوع لا الحديث الصحيح.
2 - في السّعودية قوم مهاجرون لطلب العلم من ليبيا، وهم من تلاميذ السّلفي المزعوم الدّكتور ربيع المدخلي الّذي تقدّم ذكره في مقال سابق، هؤلاء القوم أوفياء لتلك الدّولة أكثر من آل سعود أنفسهم، حتّى وصل هذا الوفاء القبيح أن يذهب هؤلاء التّلاميذ (السلفيّون) إلى دائرة الشّرطة هناك ليكشفوا للدّولة بعض الشّباب الّذين دخلوا إلى دولة (التوحيد) بطريق غير قانونيّ، أو مكثوا فيها من غير إقامة صدرت من دوائر (الإمام) المزعوم، فأخذ هؤلاء الشّباب وطردوا من (جنّة) السّلفيّين ودولتهم المزعومة، نعم إنها (سلفية) في خدمة السلفية، أو بتسمية صحيحة: سلفيّة+ عمالة.
3 - ألّف بعض الشّباب الموحّد كتاباً سمّاه “الكواشف الجليّة في كفر الدّولة السّعودية”، وبجهود بعض الشّباب المجاهد دخل هذا الكتاب أرض الجزيرة، وتداوله النّاس، وحاول بعض الأذكياء أن يقدمه هديّة لبعض الشّيوخ - شيخ عِلم لا شيخ عشيرة - ليطّلع عليه، ويفيد منه، وإذا كان له بعض الملاحظات لينتفع كاتبه بها فليذكرها، قال الراوي: دخلت على الشّيخ في مجلسه، وناولته الكتاب، نظر الشّيخ إلى طرّته (عنوانه)، انتفض الشّيخ، أرغى وأزبد، شتم وقذف، غضب غضبة لم تعهد منه، ثمّ ركض إلى التّلفون قائلاً: الآن سأتّصل بوزارة الدّاخلية، وأخبر الوزير بهذا الكتاب ليقضي عليه، قام الحضور وهدّؤوا الشّيخ، وخفّفوا من غضبه، ومارسوا كلّ أصناف المهدِّئات حتّى سكن غضب الشّيخ، جلس الشّيخ على المقعد الوثير ثمَّ توجَّه إلى الحضور قائلاً: من كان منكم يعرف مؤلِّف الكتاب فليخبره أنِّي أحكم عليه أنَّه كافر بالله العظيم، قولوا له: إنَّك بتأليف هذا الكتاب كفرت بالله العظيم، قال الرّاوي: وجِم الحضور لهول المفاجأة، ودارت بهم رؤوسهم، لكنَّ ردَّهم لرشدهم شابٌّ جريء، هذا الشّابّ توجه لشيخ العلم، وعلَمَ الدّنيا سائلاً: شيخنا هل قرأت الكتاب من قبل؟ ردَّ الشَّيخ قائلاً: لا، لم أقرأه، ولا أريد قراءته!!! وانتهت الحكاية المرسلة. نعم إنَّها سلفيّة، ولكنَّها سلفيّة زادت إلى أركان الإيمان ركناً جديداً، هو الإيمان بكلِّ سلفيّ حتّى ولو كان كافرا، حتى لو كان هذا السَّلفيّ هو آل سعود، لأنَّ آل سعود من أصحاب: (العقيدة الصَّحيحة)، وتستطيع أن تنطقها: العكيدة الصّحيحة.
هذه الصور وأمثالها الكثير في الجعبة تستدعي منّا أن نكشف لثام السَّلفية الحقّة كما هي عند أصحابها الأوفياء لها، الحامين لذمَّتها.
والآن ما هي السَّلفية؟:
السّلفية على مدار التّاريخ الإسلامي تتمثّل بأمرين:
أولاهما: منهج علمي في التّعامل مع الأصلين (الكتاب والسنة) حيث تقوم على اعتمادهما فقط ونبذ ما سواهما في الصُّدور عنهما بالحكم المراد للحركة والحياة.
ثانيهما: حركة حياة وسلوك طريق في تطبيق هذا المنهج.
فالسّلفيَّة هي ذلك المنهج الّذي اختطّه الأوائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً، هكذا هي السَّلفية وهكذا ينبغي أن تكون، ومن رحمة الله تعالى بهذا المنهج العلميّ العمليّ أن أقام له رجالاً تعاملوا معه بأسمى حالات الكمال حتّى صاروا هم المنهج، والمنهج هم، فحينئذٍ ارتبط اسم المنهج بشخوصهم وتقيّد بهم فأطلق اسم المنهج عليهم بكونهم السلف الّذين سبقوا الكلّ في تطبيق المنهج قدْراً وزماناً.
فالتَّابعون تعاملوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم: (منهج+ سلف)، ومن بَعدَهم تعامل مع التَّابعين على أنهم لهم: (منهج+ سلف)، وهكذا، ولمّا كثرت البدع في نهاية القرن الثّاني وبداية القرن الثّالث، وخاصّةً بدع أهل الكلام، في تقديم منهج بدعيّ جديد في التَّعامل مع الأصلين، واختلطت الأمور، نشط أهل السنَّة في تمييز المنهج عن غيره، وكذلك في كشف رجال المنهج السَّلفي عن غيرهم من أصحاب المناهج الخلَفيّة الأخرى، وصار بعض أهل العلم هم أصحاب المنهج، ولهم ينسب، وصاروا هم المقياس في ردِّ الآخرين لهم، وقد ذكر الإمام الكرخي - رحمه الله تعالى - هؤلاء الرِّجال في كتاب سمّاه: “الفصول في الفصول عن الأئمَّة الإثنى عشر الفحول”، وهؤلاء الأئمة هم: مالك والشّافعي وسفيان الثَّوري وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد واسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة والأوزاعي ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان. انظر "درء تعارض العقل والنّقل" لابن تيمية (مج2ص95-98)
هؤلاء العلماء ليسوا هم فقط، ولكن غيرهم يرجع إليهم في توضيح هذا المنهج القويم. وبعد هذا نخلص إلى النّتائج التّاليــة:
1 - تحت كلِّ شعار زيوف ونقد- وكذلك السَّلفية - ففيها الزَّيف وفيها الحق، ولذلك ينبغي التَّعامل مع الحقائق لا مع الشِّعارات، مع أهميّة الشِّعار وضرورته.
2 - السّلفية منهج علميّ عمليّ، أئمّته هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم تبع لهم، فلهم وحدهم حقُّ التّقويم والرشد.
3 - علينا أن ندرك خطأ وانحراف من قرن السّلفية بشخص لا يؤمن عليه الفتنة في فهمه للحركة والحياة، وكذلك علينا أن ندرك ضلال وبدعية من جعلها تنظيما وحزباً وتجمعاً، وأشدّ من هؤلاء ضلالاً وانحرافاً هو جعل السَّلفية علاقة بين أفراد، فهذا سلفيّ لأنّه معروف لهذه الجهة، أو تتلمذ على يديها، وهذا غير سلفيّ لأنّه غير معروف لديها، أو لم يسلّم لهذه الجهة رقبته لتقوده كالدَّابّة، ثمّ علينا أن ندرك خطأ وانحراف من جعل السّلفية مذهبا فقهياً، يوالي ويعادي عليه.
ولنا وقفة أخرى إن شاء الله تعالى من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطّائفة المنصورة، ومن هو السّلفي الحق في هذا الوقت، ومن هو السَّلفي المزعوم؟.